Skip to main content

Full text of "3abeth 095"

See other formats


A 1 MM RM HFH 


89 + 8ه 








YELL‏ 6م 


. ايمن بالعتوم 
اسمه ادمد 


کا 


https ://t.me/ktabpdf 


اھداء الف | و ١‏ تنوين 


ب 





الاهداء 


إلى الجيل الذي لم يلق اليند قيّة , 
الجيل الذي لم تمحرقه اللوصلة. ولم تُغيّره 
اللاصطفافات ٠‏ ولم تخحد عه الطاولاات . . 
وظل أميتا على السّيف ألا يُغْمّد .. . وعلى الرّمح ألا 
وعلى الرّاية ألا تهوي في الطّين وتدوسها 
الأقدام... 
وعلى جراح الشهداء أنْ تظل المنارة . 
وعلى دمائهم أن عم وردا 


ا 


وياسمينا . . 


أن 


62 
اسمه أحكمف 


تقلبت أمّي على الفراش » ابتسمت » ورغم أنّ الحمّل في أيَامه 
الأخيرة كان مُتعبًا » لكنّه كان مُنْتَظَرًا » وكل لهفة مع المنتظر تُُجمّله ولو 
كان قاسيًا . إنه شياط › شهر البرد لكته كذلك شهر الوّعد » الوعد 
الى تحاف فية لشفا للأرض »فتكافئُها الأرض برسم تلك 
الضحكة على شكل ألوان ثرثارة من بعد . . في لوحة بديعة تعز على 
الوصف . وإتها (إبدر) ؛ القرية التي تنام على سفوح الحبال الشاهقة › 
مجنونة بنسائم العبق امقس المرتحل إليها من فلطين » وإنه أتا . 
القادم على قَدَر . . . القادم من رَحم الحلم الأجمل » الحلم الذي 0 
أمّي العظيمة إلى حقيقة لا تنسى . . . وستعرفون صلق ما أقول في 
هذه الستطور التي أقصّها عليكم .. هل هذه حكايتى؟! كلا ؛ إنّها 
لبس كل اللكارة و ولك کاک وخدئ یل مادکره مها + قد 
يكون هناك عت الور اء لم ارسمها :او كلمات لك الها کتک 
سترون الصّورة وستسمعون الكلمة › لأتكم مثلي ؛ تنتمون إلى هذا 
التّراب الذي أنتمي إليه » وتشربون من هذا الماء الذي أشرب منه ء ولذا 
أنصتوا إلى بقلوبكم ؛ إن وجدتم من يُشبهكم في هذه الحكاية أو ما 
يلمس أرواحكم » فاعلموا أن ذلك لم يأت عفو الخاطر » بل كان 
مقصودًا ؛ وسأقول ما حدث معي طَرِيًا كأنّه الم الذي ما زال 
يسيل . . . والجرح الذي ما زال يشعب . . 


كان يُثقلها الخوف علي قبل أن آتي ؛ الخوف من الحرارة اللعينة » 
الحرارة التي تستوطن جسد الأطفال بلا مُقدّمات فتقضي عليهم › © في 
قريتنا كثيرون ذهبوا مع الحرارة التي سكنت أجسادهم أيامًا قم رحلت 
بهم معها إلى وادي الموت » وأخي الأكبر أصابه شيء منها لكتها 
فضلت أن تب عب ا ا ل و 
فطل لاه له ملوال س . بدأ الخوف يتسرّب إلى قلب أمَّي من 
جديد . لكنها مثل كل من في القرية كن ينتظرّن حُلُمًا يون بمثابة 
مُعجزة » حلمًا يقول لهن : إن هذا المولود القادم سيعيش ولن يموت 
کال رین س إلى أن ریه ركشل . . . أمَّي كانت تؤمن 
بالاحلام » لكتها لم تكن تستسلم لها كانت تنتظر الْبُشْرى من 
خلال منام لكتها لم تكن لترهن حياتها على تلك البِّشْرّى في ذلك 
المنام ؛ كانت قادرة على أن تصنع توارتًا بين الحلم والحقيقة ء ولكنّها 
كانت أقدر على تحويل الحلم إلى حقيقة حقيقة ولا شك أن أمّيى كانت من 
هذا التّوع العظيم » التّوع الذي لا يضعف رغم أن كل ما حولها من 
الظروف القاسية يُدفعها إلى أنْ تستسلم أو تأخذ هُدنة . . . لكتني لم 
أرها - والله يشهد - ترفع الرّاية البيضاء حنّى في أحلك الحظات 
حياتها وأقساها كانت دائمة التَحدّي » دائمة العنفوان › دائمة 
الرضاء وفي عيتيها تستوطن آلف حكاية من بطولة وإصرار!! 

تقلبت على الفراش وهي تبتسم . »في الظّلمات » برزت لها تلك 
المرأة السوداء » كان يُنيرٌ جدها التمثالي المسبوك ضوء قادم من بعيدء 
يُلقي هالة من التّور حول وجهها فييدو بريئًا »لكته حزين بعض 
الشيء > كان سواد الوجه المصقول الهادئ يضفي تلك المسحة الظاهرة 

من الحزن على الوجه الذي تراه ا لأول مرة»ء وعلى غير ميعاد. 


خفضت المرأة بصرهاء ثُمّ رفعته كأتها تستأذن أمّي في الحديث معهاء 
أو كأتها تفتح بابًا للكلام ليس من المعقول بَدُوٌه دون إذن ؛ ظلت امي 
صامتة » كانت بمتها ترحيبًا بهذا الضّيف الغريب أكثر منه اندهاشا 
لمرآه » قالت لها : أفضل الأسماء عبد الله وأحمد ؛ وكأن أمَي سألتها 
عن أفضل الأسماء وأحنها مع أنها لم تفعل!! من أينَ خرجت تلك 
المرأة في ذلك الحلم اليتيم لتقول لأمّي ذلك؟ لا أحد يدري كانت لا 
تشبه أحذاء لا في نظرتها ء ولا فيي هدوء بسمتها.ء ولا في حُزن 
قسّماتها ء ولا في لطف كلماتها كانت أمَّي جي الحوار » وارتاحت 
لأنْ تبدأ معها حوارًا يبدو أنه يحمل البَُشْرَّى قبل أنْ يحمل الاسم ؛ 
وال فلا معنى أن يمى المولود مالم يُونّد ومالم يكن متممّعًا 
بالصّحَّة . . . كان ذلك يعني لأمّي الكثيرء فأرادث ألا تسأل شيئًا . 
ولا أن تخترع كلمات ما دامت البُشرى تحمل معها فُدومي سليمًا . 
لكن وجه المرأة شجّعها على أن تمضي قُدُمًا في الحديث » فسألتّها : 
وأيّهما أفضل من الآخر : عبد الله أم أحمد؟ لم ترد المرأة بغير ابتسامة 
وادعة » كرّرت أمَّي عليها السَّؤال › ء فلم تُجبْ » وبدأ الظّلام يصنع 
بشكل تدريجي دائرة حول جدها » غطى بعضها . فخافت أمَي أن 
ترتحل المرأة فجاأة كما ظهرت » كرّرت عليها السّؤال هذه المرّة بإلحاح : 
عبد الله أم أحمد؟ لكن الظّلام هذه المرّة انتشر شر حتّى غطى أجزاء كثيرة 
من وجهها . أوشكت أمّي أنْ تفقد المرأة في جوف الظلام » فسألت 
و #اقلاعة نكن المتؤالة قو فا كان وحمل ندر العا عبد 
الله . . . أم . . . أحمد . أ الظّلام انتشاره في هذه المرّة ‏ فغطّى ما 
تبقى من وجه المرأة الغامضة > وكانت ابتامتها ھی آخحر ما سقط في 

بئر الظّلمة أنئذ . ا الوجه الذي سقط في البثر فزعا عند أمي 5 


فاستيقظت وهي تلهث .لم تشأً أنْ توقظ أبي » كانت ترى أن ذلك 
الحلم شيء يخصها ء وسر يعنيها وحدهاء ومن غير اللآئق أن تُطلعَ 
عليه أحدا . . . تم ماذا سيفعل الرّجل لو قصّتٌ عليه ما رأث : أغلبُ 
الظن إن س فول نيا وسو دن لها و : «استهدي بالله يا امرأة ء 
واتركى هذا الكلام الفاضي» > أو سيكرر الآية التي يحفظها دون وعي » 
ويقولها بمناسبة أو بلا مناسية : «أضغاث أحلام» عودي إلى النوم 
ودعيني من أحلامك التي لا تنتهي » ألا أستطيع أنْ أحصل على ليلة 
واحدة أنام فيها مرتاحًا بعد أسبوع متعب في العسكريّة!! هكذا تخيّلت 
الحوار الذي سيدور بينهما ء وبالتالي اختصرت على نفسها تبعاته 
المنخضة فضت وتحفت ادعات إلى اا التي تقع عند مدخل 
البيت الصّغير » فتحت نافذة الباب » ومدّت عتقها » نظرت إلى السّماء 
كان الحو باردا » والليلة مُقمرة » وعدد كبيرٌ من الستّحب الكحليّة العالية 
يقطع قرصَ القمر في رحلته المسرعة نحو ا مجهول . . حر البرد وجهها . 
لكنّها غطنّه . لفَتْ جدائلها رة عت الأفعة E‏ 
الباب » تناولت الكوز» وملاته من الماء » وشربت ءلم تشرب ماء رائمًا 
مثل ذلك الماء في تلك الليلة » كان باردًا بالحد الذي يس رن 
العطشى بأن ترتوي » وللآمال الخنوقة أن تزهر . . . شربت كثيرًا قبل أن 
م الله وهر إلى ا و دراو اي د د عر 
غرفة الأولاد » ها هو باسم » وها هي بسمة » وابتسام » ورابعة » وإيان . 
كانوا ينامون بهدوء » كما لو أن عامًا من امال ينتظرهم في المستقبل 

في الصّباح ء كانت أخواتي الصّفيرات يتحلقن حول مائدة 
القطورء نظرث أمّي إلى آبي » كان غارقًا في صمته » يتناول لقمته دون 
أن يُحدّث أحداء قالت له دون مَُقدّمات : « سألدٌ ولدا» . ازدرد اللقمة 

مكتبة الرمحي أحمد 
10 


وهو ينظر في عيتيها اللتّين شَعّعَا ببريق الثقة » وتابع صمته » غمس 
SSS BS‏ في الصّحن » أردفت هي سهمًا آخر في أذنه «وعليك 
أن ته فة عيذ الله أو أحمد» . هذه المرّة استوقفتّه تبرة الإملاء التي في 
بي 0 لكته استعاض عن تحفزه للقول ببلع 
اللقمة الجديدة » آمالت رأسها إلى اليمين » وكررت بصوتها الحاد : «ألم 
تسمعني؟! سالد ولدا» . تناول كس لاف #وكنفت هة عة 
كان ما يزال ساخنا » وجرد حلقه بتلك الرّشفة لكي يبدأ حوارًا يعرف 
أنه لن يُجدي » سألها بلهجة ساخرة : «ولد . . .؟ قلت لي ولد . إلى 
أي عَرَاف ذهيت من أجل أن يقول لك هذا؟» تلت الله طق 
«عراف؟! هل غيابك عن اليلد جعلك تؤمن بالعرّافين؟» . «أنا أقول 
a‏ . «وأنا أقول لك مُوقتا بان الذى رل من 
هنا . . . « وأشارت إلى يطنها . . . «سيكون ولدًا . . . وسيخلف أنحاه 

سما . . . ألا تنظر إليه (وأشارت إلى آي ال كبر الْسجى) ها هوب 
EO GE‏ ووب با EEG‏ 
إلى ابه باسم ء كان وجهه الملائكي يغط في نوم عميق حتّى هذه 
اللحظة › ءلم يعد قادرًا على المشي بشكل صحيح منذ أنْ أقعدثه تلك 
الحمَى اللّعينة التي لازممّه شهورًا طويلة » ولم تنجح معه محاولات 
الأطبّاء للقضاء عليها . . . التاس قالوا : إن عينا أصابته .آخحرون 
تكهنوا أن امرأةً من الحصادين الّتى بهرها جماله وكانت عاقرًا هي 
التي سحَرته كيدا لأمّه التي تتباهى به أمام العاملين فى الحقول 1 
كان قد وطن نفسه على أن يطرد تلك الفرضيّات من رأسه » وها هي 
اليوم تعود إليه الفرضيات نفسها لتنهض في وجه المقارنة بينه وبين 
المولود االجديد»ء «سيعوّضنا كشيرا» . قالت أمّي «نحن بألف خير يا 


11 


امرأة ولا نحتاج إلى تعويض» . رد أبي بشيء,ٍ من الضيق ؛ وسکب له 
كأسًا أخحرى من الشاي . لکن امي تابعت بذات اللهجة الوائقة لتؤكد 
على أبي : «ماذا ستسميّه أعيد الله أم أحمد؟» . داهدتي يا امرأة » 
وصلّي على التبي . حين يُشرّف بالسلامة » سيكون من السّهل أن 
ت لومم . كان يريد أن يهرب من نفه ء ومن تلك الجمل التي 
يعج بها فضاء ء القرية «ألا تريد أن تنجب ولدًا يقيك شر المصائب › 
ويقف إلى جانيك عندما تكبر كان يشتمهم في سرهء وهذا باسم 
ماذا تسمّونه يا فارغي العيون. . فيسمع همسهم : باسم لن يعيش 
طويلاً . وإذا عاش فلن يكون قادرًا على أنْ يحمل منجلاً في حقول 
القمح » ولا سلاحًا فى ميادين الحرب . . فيردٌ عليهم دون أنْ يسمعوه : 
سيعيش عمرًا أطول من عمري ومن أعماركم » وسيظل التاس ينادونني 
به (أبو باسم) وسأفتخر بأته بكري الذي حمل اسمي . 

عضي أببي إلى عمله » وأمّي تُلاحقه ببطنها المنتفخخة وبالسّؤال 
ذاته : «ماذا ل ...عبد الله أم أحمد؟!» . وحن لا تجد إلا 
الصّمت » تصرخ : «هكذا أنت . . . لا للصّدة ولا للرّدة . . . لكن سترى 
غدًا صدق ما أقول . . es‏ 
وكيك خرب وكيف سيفك له اسا لن ت الا جين 
يعفر فيا أب ETE TS‏ وو موي80 
لم يسقط عن شفتها لحظة واحدة : «ماذا سُعسميه . . . أنا أعرف أتك 
ستختار أحدهما ؛ أتعرف لاذا؟ لأ تني متأكدة من أنه لا يوجد اسم ثالث 
لهذا المولود القادم عمّا قريب . . آبدا . . . وسنكتشف ذلك ممًا؟!» . 

كان شهر شباط ما زال فى أوله » حل بكل لياليه الطويلة الباردة : 
حل بر حه اة لكته قبل أن برحل مل لآذار كتوزه الفقلة 





ومضى . . . كانت اليرودة ما تزال تتسرب في حجارة الأرض وترابها 
أست أن تغادر سريمًا من أجل أنْ تنعم (إبدر) بالدّفء في أوقات 
الظهيرة . وحين لم تعد ت تخشى لسعة البرد ‏ ولا سكينه الذابحة لأن 
مولودا مُنتظرًا سيشرف عما قريب › تحملت امي كل شيء › وشعرت أن 
آلام البرد تتضاءل أمام فرحة الميلاد » وعبرت أمَّي موجة البرد بقولها 
حين صرخت صرختى تي الأولى : «سينتهي كل هذا ء لقد حل الربيع 
مُبَكُرًا في بيتنا هذا العام » وقريبًا سيحل الرّبيع في الأرض » ولن يكون 

كان ذلك يوم الثلاثاء » ملأت عمّاتي وخالاتي سماء (إبدر) 
بالرغاريد » وشاركتّهن أمّى بصوتها الواهن ء ولم تكن قد برئت تمامًا من 
ألام الولادة ؛ فقد ولدتني على فرشة بالية وحصيرة » وكانت القابلة 
بيده الخشنة على كل شيء في قريتنا ‏ إلا أن أمّي اجتهدت أنْ تصنع 
- رغم ذلك - بعض الأ جواء الاحتفالية لحظة قدومي » رفعتني بيديها 
الحانيتين » وتشمَّمَئّني لتشبع من رائحتي » ثم ضمَّئّني إلى صدرها 
طويلا » قبل أنْ تنزل دمعتا فرح على حَدّيها المتوردين » نادت أبي لتقول 
له إن أوّل يُشرى قد تحققت » > لكن صوتها لم يُجاوز حنجرتها› > أو ريما 
لم يسمعهاء ليس مهما الآن أنْ يسمعها ء المهم أنْ يراها وتراه » أن تنظر 
في عيتيه عميقا لتكسب التَحدّي من أجل أن يُساعدها ذلك في 
البُعْرّى الثانية . 

في صباح اليوم الثاني » كنت مُمِدَّدًا إلى جانبها » وكان أبي قد 
استيقظ › كانت علائم الفرحة تُغطي غضون وجهه ء وتعلو تقاسيم 
وجهه القروي الهادئ .لم تشأ بصوتها الخفيض أن تقول له : «إن ما 


13 


رأته في المنام كان من الملائكة» . فاكتفت بإعادة السّؤال الذي ظل 
يحوم فى مبدرعا عن نوور طويلة : «هل ستسمّيه عبد الله أو 
أحمد؟» . رفع ابنه بين يديه مُتجاهلاً السؤال » لكتها جذبته من طرف 
ثوبه » وقالت له «انظر في عينى . . .لن تجدَ له اسمًا ثالثا » ولولا أن 
ماي ا صر بص ا E a‏ 
قبل أنْ ع ا الله أوقعتنا في 7 ة بين هذين افا 
رد عليها ٠‏ وهو بزيح طرقه بعيدا عن عيتيها اللامعتّين E‏ 
ا“ الع ”كل ا 4 e SI N‏ 
الأسماء» «أي بُشرى يا امرأة »ما زلت تُصدقين هذه الخزعبلات التى 
تأتيك فى الأحلام!!» : ردت عليه بحسم : #(هذه التى E‏ 
حزعبلات هي التي صدقت في المرّة الأولى» . «ومن أدراك أتها 
ستصدق فى المرّة الشانية!! أنا أبوه وسأسمّيه على كيفى» . «لن 
تنجح 6 . فاجأه ردها كتمغيظهء ٠‏ أعاده إلى حضتهاء وهم 
بالانصراف . قالت له متوددة : ولا تكابر يا ایو باسم . . . عندي فرع 
رما يحل المشكلة» نظر إليها باهتمام . وتابعت هي : «ضع في ورقتين 
في كل واحدة منهما اسم عبد الله واسم 2 ودع أحد الأولاد 
الصغار في القرية يحب الورقة » وستسميه بالاسم الذي يظهر في 
الورقة» . سأل مُستهجنًا : «ولماذا لا ضيف ورقة ثالشة فيها اسم 
مصطفى؟!!) دلا تحاول لن تنجح في ذلك » ولو وضعت تسعة 
وتسعين اسمًا وسحبّت ورقة واحدة فلن يظهر عليه إلا اسم من اثتين ؛ 
عد الله أو أحمد» كانت تحاصره وتُفيظه ١‏ ولكته فكر بان تسعة 


14 


ونسعين اسمًا فرصة سانحة لجعل نسبة تسميته بهذين ن اللاسمين 
ضئيلة جدا » فصرخ وهو واقف في ظلفة الباب : «سأفعل ؛ ت کت 
تسمة وتسعين اسما على تسع وتسعين ورقة وتسحب إحداها . 
وسأسميه بالاسم المكتوت فيها». 2 غادرَ مُغضبًا » وكانت هي من 
خلفه تبتسم مرتاحة . 

في المساء » كان قد جمع إخوته . وعددا من أولاد عمّه وأولادهم . 5 
وأخبرهم ا عقد عليه عزمه » وجيء بالأوراق » وكتبت فيها أسماء 
تسعة وتسعين › ثم أمر بها فخلطت في صحن معدني عميق › 0 
جي E‏ الحاضرين فم يده وأخرج ورقة من هذه الأوراق » وسلمها 
للعم الأكبرء ٠ففتحهاء‏ وقراأًفيها : (أحمد) . صاح الجميع : «إذا 
فلئُسمّه أحمد» . مط أبى شفتّيه » بحث عن حُجّة ليرفض بها هذه 
القرعة . قال إن الولد لم يخلط الأوراق بشكل جيّد . اعترض عليه 
أحد أبناء عمومته : «إته ولد صغير ولا يعرف الحاباة » بل ليس له أي 
مصلحة في ألا يخلط الأوراق بالشكل المناسب » ماذا دهاك يا أبو 
باسم؟» . لکن أبيى ي أصرٌ أن تُخلط الأوراق من جديد » ويقوم بذلك 
طفل آخر . . . كانت آمّي في تلك الحظات تسترق السّمع وهي تحاول 
أن تفهم بين الأصوات المخخلطة ما يدور ة فى الغرفة المجاورة في هذا 
الاقتراع الحاسم الذي سيكون له ما بعده . . . بالفجل خلطت الأوراق 
من أحد الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم الستابعة والّذين ضاقت بهم 
غرفة الضّيوف على اتساعها . وأخرج الورقة التي تايّعها أبي بعيتين 
راجيتين » ودفم بها إلى أحد أبناء عمومته » وفتحهاء ليقرأ على 
مامعهم من جديد أنها تحمل اسم : (احمد) »لم يتمالك أبي تفسه »› 
صفق كفه اليُمنى على كفه اليُسرَّى كأته فقد أرضًا عزيزة عليه » كان 


15 


القرعة التى لا تشوب عدالتّها شائبة يبدو مُخزيًا وغريبًا أمام أقاربه › 
وت قبل أن قو : 0 الثالثة ثابتة» 00 0 > كان ان أبي 
عن لعب إن رای كي ا ليحصدها كان سمي 
(أحمد) و فى المرة الثالثة يظهر من جديد , < خيّل إلى أبى أن می من 
وة دار قول ر فلت ذلك نة وتبحين س فلن را ف 
الورقة غير هذا الاسم» . استسلم أبي لما يرى غير مُصدّق » رفع يده » 
وقال : ايكفى» . هذدآت الأصوات التى علت مندهشة مما يحدث » 
قال أبي هذه المرة و i‏ لقدر الله ء لكنه راض به : «الأمر 

لي لك المتفحة ء ومفسنة تي تبحث لي عن غدي الْنتظر . 
لأنفهن : «ثكلته انا إن له ات ننه عاد بسيو لطت ده 
في المشرق والمغرب» 


16 


01 


كبرت مثل كل الاطفال ؛ حب اللعب جا توافر من كرات 
القماش » أو إطارات السّيّارت » أو علب الصفيح الفارغة . وأعشق المشي 
في السهوب بلا هدف » والركض في المنحدارت بلا غاية » والااختباء 
خلف الصّخور الكبيرة فى المساءات الربيعيّة » كانت الصّخور تأخذ من 
الشمس دفثها فيتسلل ذلك الذفء إلى ظهري وأنا أسنده إليها » عرفت 
حار ات (إبدر) تة أقدامي لطول ماذرعتهاء وحفظت أنامّها 
شهقاتى لطول ما التقطبّها وأنا أعدو خلف القطط الهاربة › ا من 
جران الماء بعد ليلة, باكية من ليالي الشتاء الرّماديّة > كان دخان المواقد 
الا من البواري فوق البيوت يزيد الاء ES‏ ويبعث لرا 
المشتهاة في الأرواح وإِنْ كان الصّقيع يُحيّم على كل شيء . وفي 
الخريف كنت أجمع الأوراق.اليابسة في يدي لتُصبح هشيمًا ثم أفتح 
قبضة يدي وأنشرها في الفضاء لتذروها الرّياح العاتية .. أجمل 
الاشجار تلك الّتى تسقط أوراقّها ولا تسقط قامائّها ؛ تظلّ سامقة فى 
الكباء تالاصف اا ةء وتصمد أمام جيوش الريح الهائجة ؛ 
كأنما ‏ تقول لها - وهي تعلن عن إصرارها وتحديها - مهما زمجرت 
فسترحلين فى التهاية . أمّا أنا فسأبقى هنا صامدة ؛ لأنّ جذوري ممندة 
عاق هذا الشرى التّدي . وكنت أطارد الفراشات فى الحقول + فى 
فصل الألوان واللوحات المرسومة في كل مكان » الفصل الذي وشا 


فيه الطيور أصواتها . والبلابل غناءها » كان الرّبيع يقول إن الحياة موت 
لولا الماء » وإ الأرض صحراء لولا الورد » وإنّ الورد شمْعٌ لولا الشذا 
وكنت أستمع إلى غناء الحصادين في الصّيف . . . وأنام في ظل شجرة 
من أشجار الزيتون الهرمة > وأتكيع على جذع سنديانة عتيقة › وأتلّق 
فروع شجرة توت بيضاء وآکل من حبّاتها حتّى أشبع . . ثم أركض في 
الحقول المفتوحة على المطلق » وأجري في الدروب الخالية إلا مني 5 
وأفتح ذراعيٍ للحرية التي تتراقص في آفاق لا يقوم على مدى الرؤية 
فيها شيء إلا خيالي الجامح . . . ومن بعيد تتراقص في الليالي الدّافئة 
أضواء قال لى أبى إِتها ا > وعلى الجانب الآخر قال لى : إتها 
الحولان.. كت أسأله : «وما فلسطين؟6 . فيقول : دإتها يلادنا 
المغصوبة؟» . فلا أقهم شينًا . وأساله «وما الجولان؟» . فيقول : «إنّها 
جيالا المنهوبة» . فلا أفهم شيئًا كذلك . كانت قريتي كل عالمي ؛ 
فأساله «ولماذا يسكنون بعيذ! عتا » لماذا لا يأتون ليسكنوا معنا؟» 
فيُجيبني «لأتهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك» . فأسأله من جديد : 
«ولكن خالتي جاءت من هناك هي وزوجها وسكنت في الزرقاء كما 
قالت لی أمّى»6 : فير : «ولكن خالتك هحّت يا بني؟» . فأسأله : «وما 
بعت ER‏ فحفول: «غصين عنها؟» . فأساله «لماذا عغصن 
ا :قحب + وت انه ای كدرو قور ری ال يلوه 
«لماذا سمّوها حرب ال ٦۷‏ ؟!» . «إنها الحرب التى قُتَلنا فيها يسبب 
ا لخيانات؟» «الخيانات يا أبي؟ ماذا تعني هذه الكلمة؟» «عندما تكبر 
سأقول لك مذا تعني6 اولكتدى #حسيجر نا أبن انظر إلى 
عضلاتي ..» ٣‏ يا بني . سأحدثئك غدًا عن أشياء كثيرة فلا 
تتعجل » «أنا أريد أنْ أعرف الآن . > هل خالتي هجّت بسبب الخرب؟» 


18 


«لعم يا بني . ومَنْ هو الذي هجَجها؟» . «اليهود» . «اليهود!!» . «نعم يا 
بني . . . اليهود قتلونا . وذبحونا في كل مكان › وجميع الأنظمة العربيّة 
ساهمت بتسليم فلسطين لليهود يا يُنىَه كانت كلمة (الأنظمة 
العربيّة) تدخل قاموسي لأوّل مرّة » ويبدو أنها لن تخرج من الذاكرة 
ا ع ان ا ا ا مي 
فآئرت أن أسكت وأن أسأل باتجاه آخحر » فقلت : «لماذا لم تُقاوموا اليهود 
وتُدافعوا عن أنقسكم إذا كانوا قد قاموا بقتلكم؟» . تنهد أبيى حتى 
شعرت أن لهيب أنفاسه قد حرق صدري أنا » قال : « لقد تركنا 
مكشوفين أمامهم ‏ عُزْلاً » وصيدًا سهلاً » وحُدعنا ببنادق تنفجر منها 
الطلقة بنا لا بهم » ولم يكن معنا ما نداقع به عن أنفسنا بشكلٍ 
حقيقي؟ كان عدد القتلى والجرحى كبيرًا » امرأة عمّك فارقت الحياة هنا هتا 
هي الأحرى» . «اليهود فعلوا بنا كل ذلك يا أبي؟» اتيم يا بني» 
«وهل هم يشزمثلا؟» . ولا أدري يا بني» . وهل كانت امرأة عمي 
جميلة يا آبى؟» . «وكرية أيضاء كانت ت تساعدٌ كل من في القرية › 
حصدت مع الحصادين » وزرعت مع الرراع » وقطفت اليتون مع أهل 
القرية » وكانت حنونة على كل الأطفال > كانت تحب الجميع › تمد يد 
المساعدة لكل أحد» «لاذا قتلوها إِذَا إذا كانت ثحب الأطفال؟!» 
لأ ل يرودو لها اميس «هل قتلوا غيرها من قريتنا يا 
أبي؟!» . «كثيراء . «هل اليهود دائمًا يقتلون؟!» . «نعم يا بني دائمًا 
يقتلون» . «لن أتركهم يقتلونني . وسآخذ بندقيّتك حين أكبر وأقتلّهم» 
«ما زلت صغيرًا على هذا يا بُني» . «قلت لك لست صغيرًاء أنا كبيرٌ 
وانظر إلى عضلات يدي » . الان تعال معي» . «أريد أن تمحدة: ثني أكثر 
عنهم يا أبي» . «ستكبر يا ولدي وستعرف أكثر» 


19 


عَبَرّنا المقبرة » ثُمّ حقولاً خالية كانت تُررَع بالذّرة في غابر الأيّام » 
إلى أن وصلنا إلى حقول الرّيتون الُمعدّة امتداد البصر . . توقف أبي 
فجأة ‏ وقال لي : هنا يا يُنى . . . لم أفهم ماذا يريد أن يقول »لته رفع 
بصره إلى الأفق » وأشار بإصيعه »ء قدموا من هناك . كانت حمس 
طائرات ل ت . وراح يفحص AE e‏ قينا 
كأنه ر مشهدا من المشاهد الذامية » ويستعيده فى ذاكرته 

شق صوت هديرهن السّماء الهادئة فجأة » من أين . حاءت هذه 
الغربان التاعقة قة التي تملأ هدوء القرية زعيقا؟! لا أحد يدري ما يحدت › 
كانت حرب الأيام السَتَةَ قد رحلت منذ سنتین › وهداً غبارها الخانق › 
يت ن الذات عند الكيان المغتصب فيّغيرٌ متى شاء كيفما 
شاء فتلك هي المأساة التي تختبئ خلفها مآس أخرى . عرف أهل 
القرية أن معسكرات الجيش ومعسكرات الفدائيّين هى المقصودة › 
ا د 0 
هذه القرية بالذات هم مَنْ قاموا بإيواء القاتلين » وبتوفير الطعام 
والشّراب والمسكن لهم في أتون المعركة » وهم مَنْ كاتوا بشابة نخطوط 
الإسناد والدّعم الخلفيّة لكل المجاهدين » بل من هنا اتطلقتْ بعض 
العمليّات الفرديّة التي أوجعت المحتل » وجرحت كبرياءه . 

مرت دقائق التحليق ثقيلة على كل مَنْ في القرية » استَغلّها 
الكبار بالطلب من آهالي القرية أنْ يخرجوا من دورهم إلى المزارع ؛ 
لأتهم سيتحولون وهم في الدّور إلى صيد ثمين سهل الاقتناص 
بالنسبة للمحتل » كان الوقت ير دون استجابة كبيرة » قال بعضهم E‏ 
نرحل عن دورنا تليفعاراءقا يشناوون > إن كان لا بد من الموت فلن 
غوت ونحن هاربون كالصّراصير . . . دوت أوّل قذيفة سقطت في المقبرة 


20 


القديمة » تناثرت القبور » وطوّحت بشواهد حجريّة وعظام تخحرة في 
الهواء قبل أنْ تسقط وقد غطاها الغبار الكثيف والأتربة . لم تسلم حتّى 
أرواح الموتى منهم ؛ هل كان على سسُكان هذه المنازل الآمنة أن يموتوا 
مرتين!! شظايا ذلك الصاروخ سقطت على البيوت القريبة من المقبرة » 
فحصدت أرواح سبعة من سمكانها . علت من بعد صرخات التاس في 
کل مكان » خرجوا من بيوتهم مذعورين » كانوا يهربون في لا اتجاه 
وفى كل اتجاه يبحثون عن مكان آمن ولا یدرون أين يُمكن أن 
يجدوه . . علا صوت هاتف بأقصى ما يستطيع من جديد » كان صوت 
أبي : «إلى المزارع » اختبئوا بين الأشجار ...هيا ..» كان صوته 
يصل متقطعًا إلى الآذان يُغطى عليه أزيز الطائرات التى ما زالت تُحلق 
في السّماء . . . هرع التاس الذين هوا اناوس و تمكن منهم 
الذعر - إلى المزارع كما قال أبي » كانت الطائرات تُبصر دبيب التمل 
ننا اناه رات فى ا ا ن اقول و 
النتائسة » لحظاتِ فاصلة بين الحياة وا موت » لا تتعدّى بضع ثوان تلك 
تبي احتاجها الصّاروخ الثاني ليحصد أرواح ثلاثة ه في إضنانة ا 
دفنت ؟ أشلاؤهم على الفور ٤‏ تحت الركام 5 وجذوع الأشجار المجتعّة من 
طرف المزارع التي كان بعض الهاربين قد تكن من الإيغال فيها 

كانت الشظايا قادرة على أن تصهر الحديد لشدة ة ارتفاع حرارتهاء 
احترقت جذوع الأشجار القريبة » بعضْ تلك الاشجار المحترقة كانت 
و ل ا م ا 211 
انتشرت رائحة الشواء البشري من الحشث المتفحّمة كفت الطائر 

عن إرسال ثرت روا المفاجئة . وإن ظلّْت تُحلق eT‏ 
عال . > كان كل مَنْ في القرية قد وجدّ ملجنًا أو مغارات يدّخل إليّها » أو 


21 


مزارع يحتمي في دَغَلها فيختفي عن عيون الطائرات الُحملقة في كل 
شيء » وبعضهم هرب إلى المقابر بعد الصّاروخ الأول » لقناعته أن 
الطائرات لن تستهدف مكانًا استهدفتّه من قبل › لکن أزيز الطائرات 
كان يُلاحق بالموت كل مَنْ يدب على وجه الأرض في تلك اللحظة » 
كانت رائحة امون تُشْكّل غلالة عرد قاتمة تُحَيّم فوق قريتنا » وكان 
كل من تحتها متا أو منذورًا للموت! 

كانت امرأة عمّي معان كتين - قد بدأت تدخل بعض مزارع 
الذرة حين سمعت صونًا يستغيث بها > نظرت حلفها باتجاه مصدر 
الصّوت »لم ترّإلاً يدا مُتخشبة » وقد استقرّت تحت الركام المتكوّم فوقها 
وقد تصاعد من حولها دخان كثيف . «إنّه ميِّتْ» قالت لنفسها . فكرت 
أن الخوف.والرّعب جعلها تتخيّل الصّوت » فتجاهلت الأمرء ومضت 
لتتابع طريقها في أدغال سيقان الذرة العالية » لكنْ الصّوت عاد من 
جديد » كان هذه المرّة يشن أنينَ المشرف على الموت » أدركت حينّها أن 
ما تسمعه حقيقي » وآن تلك اليد الممتدة تنتهي بجسد إتسان يبحث 
عن الحياة في فرص تبدو مستحيلة حيث الوت يُخَيّم على كل شيء . 
عادث أدراجّها إلى مصدر الصّوت » برزت لها هذه اليد من جديد » هذه 
المرّة كانت أطراف أصابعه تنثني بحركة بطئية إلى الدّاخل » فتأكدت 
أنّه حي » هُرعت نحوه لعلّها تتمكن من إنقاذه » كانت قد بدأت تُزيل 
الفحور وجدوع الأشجار من فوق الجثة بحركةٍ جتونيّة » كانت تُصارع 
OR‏ رويد وا ال 
رة .سفت صوق الطائرات اة هن حديك.: كان :الضتوت آمو 
o‏ د اك كر 
الطائرات المحلقة قريبًا كأته يخترق سَمْع الأذتين بمخرز . لم تكترث من 


غ2 


جديد . هناك روح تبحث عن الحياة في لجة الموت » ولا أحدّ غيرُها قادرٌ 
في هذه اللّحظة على الاستجابة لهذا التداء الإنساني المفجع . أزالت 
عنه آخر ما تبقی من الصّخور والجذوع والرّكام ء اقتربت منه كان 
صدره محترقا . وأنقاسه تلهث ببطء . ووجهه معقرًا بغبار رمادي حال 
إلى لون البنفسج جرّاء بعض الم الاعب من أنفه وطرف عيتيه نظرٌ 
في عیتیها کأتما يُريد بكل لغات العالم أن يشكرها EC‏ 
فتح فمه اتيس :كانت اه تقولان كلاما كثيرا يصعب ترجمته في 
تلك اللحظة . مدت يدها إلى الحزام الذي يُمنطق وسطها ء وتناولت 
منه قرية الماء الصّغيرة . قطرت فى فمه بعضها فاستعاد نصفف حياته › 
اة يدها لاع رحن انحر اء كانت عة تطل ان مد 
من اماق فريك قن أذ عنهية فى اميه ا ن سعد قن ها 
المزارع قبل أن يحدث ما لا تعفد عا فالطائرات ما زالت تُحلق في 
المكان . لكن عيتيه قالتا غيرٌ ذلك » كان فيهما رجاء عميقا في أنْ 
تسقيه ولو جرعة ماء واحدة أخرى ليُثْبّت يها شيثًا من روحه الهاربة 
من جسده . ضَعُفت أمام رجاء عيتيه . أدنت القربة من شفتّيه » سال 
بعض الماء حتّى بلغ فم القربة لكتّه لم يبلغ فم الجريح ‏ إذ سبقت 
إليهما يد الموت فى قذيفة أصابتّهما إصابة مُباشرة » فتنائرت أشلاؤهما 
فی كل مکان. ` ١‏ 

۰ هُرعَ الاس بعد اتحبلاء العاصفة من القرى الجاورة لمساعدة القرية 
المنكوبة » جاء جمعٌ من التاس من (حاتم) » ساعدوا في دفن الضحايا › 
وفي إيواء المشرّدين › وفي توفير ما استطاعوا من الطعام للجائعين . 
وتكافلت مع قريتنا قرىئ أخحرى ظاهرة » ويتنا فيها من بعد في كنف 
المُتم والفقد والحزن » كان هناك عسكريّون كثيرون من بين القتلى 


23 


أيضًا » قصفتّهم الطائرات في المعمسكرات القريبة من القرية » بعضهم 
حفرت له القذيفة حفرة عميقة فى الأرض ودفنتّه هو وسلاحه وطعامه 
وخيمته كانت فاجعة بالمعنى الكلَىٌ للكلمة لا يشعر بنا إلا م ذاق 
لوعتنا كان سكين الفاجعة حادا فغاص في القلوب عميقًا » وظل أثر 
الحقد فيها مُستكتا ينتظر اللحظة المناسبة ليصعد من أعماقه المستترة » 
فاخ ةة وت طال عليه الاقف وار ك الذيخ اعا ولد 
بعد حين | 


24 


و CY)‏ م 
الأرواح لا أعمارلها 


مَنْ يَعشْ في القرية طويلاً فسيِّدركُ بعد حين أنّ للأشجار أرواحًا 
مثل البشر » كنت أخاطبٌ الأشجارء وأتّخذ منها أصدقاء او 
بعضها بأسماء من عندي ٠‏ أمّا شجرة السّنديان العتيقة التي يبلغ 
عمرها ألف عام فقد سمّيتها باسم امرأة عمي ٠‏ كان علي أن أبقى 
ذكراها حيّة » وإنّ مر على رحيلها أكثرٌ من عشرة أعوام . كنت أتاجيها 
في المساءات الدّافئة » أحدّثها كأتنى عشت معها زمنًا طويلا » مع أنها 
استّشهدت قبل أن آتي إلى هذا العالم المضطرب . كانت بطولائها 
حديشنا نحن الفتيان التّائقين إلى التماذج القويّة . أكثر ما أحزنني أنها 
كانت أمّنا حين تغيبُ أمُناء تمكث في بيتنا ترعى أخي الكبير الذي 
سرقت الحمّى قدمّيه فلم يعذ قادرا على أن مشي بشكل طبيعي : 
وترعَى أختي اللتين تكبرانني » لم تک أمّالنا فحسب» كانت آم 
الجميع » تقف على باب الحي الْوصل إلى المدرسة . تتفقّد الطّلآاب 
الذاهبين إلى مدرسة القرية بفخر وزهو » وترمقهم بنظرات العطف 
والحنو » وتيتسم في وجوههم فيمضون منشرحي الصدور تواقين إلى 
التَعلّم ٠‏ وأحيانًا EEE‏ تم او تربك ريام 
أحذيتهم إن كانوا قد توا أن يفعلوا ذلك » وبعض الفقراء الّذين كانوا 
أكثر من نصف الذاهبين كانت تمنحهم بعض ) التقود القليلة » أو تكون 
قد أعدّت لهم بعض الفطائر ليتقووا بها في يومهم الدراسي حين 


25 


يبحثون عن شيء ليأكلوه فلا يجدوه. كانت أكثر ما تصنعه فطيرة 
لرّيت والسكر » أو فطيرة الُربَى البلدي » وقد تكون في أحيان أخرى قد 
أعدّت لكثير منهم أكياسًا صغيرة فق الات أو القن أو ا وة 
كانت شجرة السنديان الأعتق في القرية لها ء وكنت أخلو لها 
كثيرا » وأسامرها لساعات طويلة » وأسألها عنها » فتقول لي : إنها حولت 
إلى شجرة بالفعل لكنْ في مکان آخرء تحولت إلى نخلة أعذاقها مُثمرة 
باستمرار » وسعفها يمتدَ لأمتار طويلة » كان هذا المكان الذي تحولتْ فيه 
إلى تلك الشجرة في طريق صحراويّة مُجدبة من تلك التي تر بها 
وال الذاهبة ال الحح في القرن التامن عشرء ٠فيستظل‏ بظلها 
المرتحلون ء ويأكل من ثمرها الجائعون » وينام في فيئها الَتَعَّبون » وكنت 
أستغرب هذا الذي أوحت لي به شجرتها التي في قريتنا » أعني شجرة 
الستديان ء فأسألها : كيف تحولت إلى نخلة وعاشت قبل مشتي سنة » 
وهي لم تمت إلا قبل سنوات قليلة . فأسمع غضب السديانة يتمثّل 
فى عصف أغصانها دون وجود رياح محركهاء ثم تهدأ فتتهدل أوراقها 
على جذوعها » وأسمعها تهمس في أَذنَيَ كأنّما تبوح لي بسر : لم 
تتحوّل هي إلى نخلة يا أحمق » لقد تحولت روحُها إلى تلك الشجرة» 
وحين أسألها مُستغربًا : «روّحها لم تخرج من جسدها إلا قبل أن أولد 
بقليل» » فأسمع صوت ضحكتها في رفيف أوراقها الهادئة » وهي 
تقول : «الأرواح لا أعمار لها يا أحمد » إنها تعيش في كل الأزمنة › 
وتتجسّد في كل الأمكنة» . فأضعٌ خدّي على جذع السنديانة العتيقة 
كأتما وصلت إلى حقيقة لم يصل إليها أحدٌ قيلي «إذًا امراة عمّي 
كانت نخلة ثم تحولت إلى إنان» . فلا أسمع حينها إلا قلب 
السنديانة يخفق بالحبّ والرّضا وهي تتابمٌ الحقيقة التي توصّلت إليها : 


26 


«وحين انتهت مهمّتها فى هذه القرية كإنسان عادت إلى شجرة › ومن 
يري قد تكون فى زمن ما غمامة ماطرة » أو عصفورة شادية » أو نجمة 
هادية!!» . ۰ ّْ 
FF‏ + 

عادت الأحلام لتزور أمّى من جديد » هذه المرّة حينَ كنت طفلا 
في الثانية » كانت ليلة صيفيّة » وكان كل ارتفاع في درجة الا 
يمُشكل بداية سلسلة من المتاعب التي يُعاني منهًا أخي الأكبرء 
ستصبح حركته شبه مشلولة بعد أن كان وهو في الرّابعة يقفز من سور 
إلى سور كالتعادين » ويتسلق الجدران كالسحالي وعلق بجذوع 
الأشجار كالقرود » كان دائب الحركة » حتى جاءه هذا المرض فأقعده › 
وفي ذلك الصّيف بالذات » أصبح مثل خرقة. بالية » مرميا في الفراش 
كائما عقدَ حلفًا مع الأرض التي ينام فوقها فلم تصدر منه أيّةَ حركة › 
ولا حتّى طرفة جَفن » كان يبدو مثل ميّت يُقاوم هروب الحياة بعلو 
صدره ببطء بين فترة وأخرى ء أمّا جقناه فكانا ان ا 
ينتظر مَنْ يقرأ على روحه لتهدا ؛ تلك الرّوح التي كانت تحوم في صدره 
تبحث عن منفذ لها كي تخرج بسلام دون أن تُسبّب مزيدا من الأذى 
لصاحبها . > لكنْ حتّى خحروج الرّوح بسلام كان قد عر في تلك اللحظة 
واستسلم أبي لقدر الله ء أما أمّي فلم تكفف عن البكاء » كانت عيناها 
دائلمتى الانهمال ؛ حين تقطر فى فمه الماء تيكى » حين تناديه 
#باسم . . . باسم . . .» فيفتح عيتيه نصف انفتاحة ثم سرعان ما 
يسبلهما » عندها تنقجر بالبكاء ‏ .نين تقد لةه ابه قلت ينك 
يديها كأته. مضغة لحم لا إنسان كانت تبكي . . . حينَ تعمل في 
الحصيدة »مع كل سنبلة من سنابل القمح المطوّحة بالمنجل كانت 


27 


تبكي . حين ترزم السنابل في رزمها المعدة لتنقل إلى الوق عبر 
الشاحنات كانت تبكي .. حين تنظر في وجه أختها أو أخيها كانت 
تبكي بلا مُقدّمات . نعم كانت نت تبكي ؛ تسمح لدمعتین أو ثلاث ث أن 
تنحدر بيّطء فوق خديهاء ثم سرعان ما تُشيح بوجههاء ٠‏ تنظر إلى 
البعيد وتمسح دُموعها ء ثُمّ تتغلب على أحزانها الذابحة وتبتسم من 
جديد . 

لم يكنْ من فاجعة بعد الحربّين اللْتّين عاشنهما أمّي أكثرٌ وطأة 
عليها من مرض أخي . وفي الليل يهرب الوم من عيتيها بعيدًاء 
لها عين » فتقوم في الصاح وقد انتفخت عيناها » فتتابع أعمالها 
الصّباحيّة كان شيئًا لم يحدث » وتُنجز مهمّاتها حتّى الظهر » حين 
تشتد الحرارة » لتبدأ مشوار مأساتها الجديد مع أخي!! 

حدث ذلك في أحد أيّام الظهيرة » كانت أمَي قد عادت مُتعبة من 
العمل » بعد أنْ سهرت الليل بطوله وهي تُفكر في مصير أخي » نظرت 
إليه مُمِدّدًا . فرأت في وجهه نورًا لم تره من قبل » وطمأنينة لم تشهدها 
في السابق » غمرتها راحة البال في بداية الأمرء ثم سرعان ما انقيض 
صدرها . وبدأت الشكوك والهواجسٌ تغزوها » حطر ببالها آنئذ أنّ هذا 
الهننود هو هلان البح له عاذي لياق كيت ليذو لمعاف 
الأمرء لکتھا ما کادت تجثو على رُكبتيها بجانبه حتى فتح عينيه كأنه 
يحتعيفظ بن نوم طويل ونير مرتاح م وافدرت ا ه عن بسمة هادثة 
وادعة الم تُصدق مي أنها رأته في هذه ال حال » أرادءت أن تنادي أبي 5 
فنادتنی آنا كنت فى الثانية من عمري .ء وكان الطفل الذي فى 
أعماقي لا يعرف آنئذ من الحياة إلا اسمه » ولا يستجيب حتى لاسمه 


28 


إلا إذا نطق به أبوه أو أمّه » مشيت متناقلاً نحوها » فتلقفنّنى بذراعيها › 
قالت لى : «إنه أخوك وسيعيش» . GORY‏ نظرت رع فرعن إليه 
فاطمانَت من جديد . كان التَعبُ آذ يستأذنها في أن يُخلدها إلى 
التوم فهي لم تذقّ طعم الوم بشكل صحيح منذ ما يزيد سنة 
فتحت الشباك القريب من الفراش » وركزت على طرفيه قطعة من 
اخيش الل بالماء ليُحفّف درجة الحرارة التي لا تُطاق في تلك الأيّام » 
واستلقت على فراشها . وسرعان ما سقطت في بثر من الوم لا قرارٌ 
لها . 
كان نداء الفجر يُوشك أن يرتفع من مشذنة الجامع القديم » وهي 
مجلس إلى سارية من سواريه التي قيل إنّ عمر بن عبد العزيز قد أسند 
ظهره إليها » ذات مرّة حينَ كان والِيّا قبل أن يُصبح أميرَ امُؤمنين 
وخليفتهم العادل . تمامًا كان التداء الخالد يهم أن برقع حين جاءها ذلك 
الشيخ المهيب لابًا ثيابًا بيضاء » وطافحًا وجهه بالتورء ويلبسْ غطاء 
أبيض على رأسه › كأنه جبريل . هكذا تخيّلته أمَى حين كانت تسمع 
عن عد من حي a‏ دان شي الجامع يعم درن لنتياء الغرية 
عصر كل خميس »في كل مرة يُحدّثهن عن قصّة من قصص الأنبياء 
أو الصحابة . وفي كل قصّة كان يرسم الشخصيّة التي يتحدّث عنها» 
فتذهب خيالات التاء بعيدًا في تشكيله على أرض الواقع » لكته مع 
ذلك كان يُحذرهن من أنْ يلتم شيئًا فى حياتهن من هذه 
الشخصيات ٠‏ أو يطليِن حاجة من هله الرُؤى التي تعبر الأزمنة 
الع مف على a‏ خوال ام كل ارا : كانت أمي من 
النوع الذي لا يُؤمن بكثير من الخزعبلات التي انتشرت بين ناء قرية 
إبدر والقرى المجاورة » لكنّها مع ذلك كان لها قلب صوفي ٠‏ وروح 


29 


تبكي . حين ترزم السنابل في رُرّمها المعدة لتقل إلى المّوق عبر 
وسو وني و 
N GFE‏ ل الذابحة وتبتسم من 
جديد . 

لم يكن من فاجعة بعد الحريّين اللْتّين عاشتّهما أمَي أكثرٌ وطأة 
عليها من مرض أخي . وفي الليل يهرب النوم من عينيها بعيدًاء 
تستجديه أن يهيها ساعة أو ساعتّين لكنه يتأبَى عليها فلا تكاد تطرف 
لها عين » فتقوم في الصاح وقد انتفخت عيناها ء فتتابع أعمالها 
الصّباحيّة كأنَ شيئًا لم يحدث ٠»‏ وتُنجز مهمّاتها حتّى الظهر » حين 
تشد الحرارة » لتبدأ مشوار مأساتها الجديد مع أخحي!! 

حدث ذلك فى أحد أيّام الظهيرة » كانت أمّى قد عادت مُتعبة من 
العمل » بعد أنْ سهرت الليل بطوله وهي تُفكر في مصير أخي ٠‏ نظرت 
إليه مُّمدَدا ‏ فرأت في وجهه نورًا لم تره من قبل » وطمأنينة لم تشهدها 
فى الستايق » غمرثّها راحة البال في بداية الأمرء ثم سرعان ما انقبض 
صدرها » وبدأت الشكوك والهواجسٌ تغزوها » حطر ببالها آنئذ أن هذا 
الهدوء هو علامة الموت لا علامة الحياة » فركضت نحوه لتكتشة 
الأمرء لكنها ما كادت تجو على ركيتّيها بجانبه حتّى فتح عيتيه كأنه 
متحيقظ من توم ل وهو ر وا ايفتاه عن بمة هادئة 
وادعة » ءلم Ci‏ امي أنه رأته في هذه الخال f‏ رادت أن تنادي ابی 4 
فنادّتنى أناء كنت فى الغاتية من مسري » وكان الطّقل الذي فى 
أعماقى لا يعرف آنئذ من الحياة إلا اسمه » ولا يستجيب حتّى لاسمه 


28 


إل إذا نطق به أبوه أو أمّه » مشيت متثاقلاً نحوها , فتلقفتّنى يذراغيها , 
قالت لى : «إنه أحوك وسيعيش» . ابتسمت . نظرت مرّة أخرى إليه 
E 0‏ ان علدت إن 
E‏ ال د و تي و 
واستلقت على فراشها . وسرعان ما سقطت في بثر من الوم لا قرار 
لها 

نداء ر يُوشك أن يرتفع مر من معذنة ات لدم > وهي 
ظهره إلسهاء قنك سر حي كان وا قبل اك بح مجر وسين 
وخليفتهم العادل . تمامًا كان التداء الخالد يهم أن رقع حين جاءها ذلك 
الشيخ المهيب لابسًا ثيابًا بيضاء » وطافحًا وجهّه بالتور» ویلبس غطاء 
عن هيئته من شيخ الجامع » كان شيخ الجامع يقيم درسا لنساء القرية 
عصر كل خميس »في كل مرة يُحدّثهن عن قصة من قصص الأ نبياء 
أو الصّحابة » وفي كل قصّة كان يرسم الشخصيّة التي يتحدّث عنها . 
ذلك كان يُحذرهن من أن يلتمسّن شيثًا في حياتهن من هذه 
الشخصيات ء أو يطلبّنَ حماجة من هذه الرُوّى التي تعير الأزمنة 
الستحيقة لتقف على قدَمّين من خيال أمام كل امرأة . كانت أمّى من 
النوع الذي لا يُؤمن بكثير من الخزعبلات التي انتشرت بين نساء قرية 
إبدر والقرى الا كديا مح ذلك كان لها قلب صوفي ۰ وروح 


29 


نوراني » ونظرةٌ ريد . جاءها الشّيخ الجليل الّهيب في ذلك المنام » لم 
تزل تذكر كذلك لحيته البيضاء التي يتخطلها موادٌ خفيف › كانت 
تزيده وقارًا » ابتسمّ في وجههاء فاطماتت له » سألمّه : هل أنت 
جبريل؟ لكنه لم يرد » حاولت أن تصطنع معه حديثًا آخر : آأنت نبي 
أم صحابي أم من الصّالحين؟ غير أنه ظل صامءًا . سألته. في المرة 
الثالشة : ماذا تريد؟ لم يجب على عادته لكتّه أشارٌ إلى حضنها 
توويك بن بے ناريت ےک )ااا اے ای د 
حضنها كقطة صغيرة تألف جوار أمّها . لم تكن أمَي قبل أن يُشير 
الرّجل النوراني إلي تدري أثني موجود هناك » بل لم تكن تشعر بأن 
جسدًا لطفل في الثانية يتكوّم في حضنها . وبخفة لم تعهذها أمّي › 
حملتّني بين ذراعَيها . #وقلامثي إلى للشيخ الجليل:».ورعم أنه لم يقل 
كلمة واحدة ء إلا آتها فهمت أنه يريدّني بين يديه . حملني الشيخ › 
كانت يداه من غمام لا من لحم » وكانت أصابعة من نور لا من عَظم » 
وكان وجهه من يُشْرَّى لا من تقاسيم . عدت على ذراعه اللَيّنة مثل 
عصفور في كف مفرودة » نبت في أحد أصابعه قلمٌ من ذلك الذي 
عرفت أمَي أنه الذي أقم به الله في سورة القلم » وخط فوق شفتَي 
شاربين سوداوين » ورسمهما هناك بعناية حتى بدوا لداجي » قالت له 
امي حينَ رأت شاريَي قد اكتملا : يعني سيكبّر ويُصبح رجلا . ظل 
الشيخ صاممًا على عادته . أمَي التي عقن الأسئلة » رمت بين يديه 
بسؤال آخر : «لن عه أذى مثل أخيه باسم؟» . لم تجّد محاولتها 
الجديدة » فالتفت عليه بأسئلة سريعة كالتبال : «لن يموت . . .؟ لن 
يُعاني كأخيه . . .؟ سيتزوج وسأشهد عرسه؟ ابني بطل؟ سيكون فخر 
قريته ووطنه وأمته؟» . ظل ظل الشيخ صامتًا كأنه تمثال لولاا اليسمة التي 


30 


كانت تزداد اتساعًا مع كل سؤال حتى بدت منها نواجذه . ردني إلى 
اَي كي تقرّ عينها . وغاب كأته كان شبحًا دون أن بُخلف وراءه أثرًا 
أيقظ نداء الفجر الحقيقي أمّي . نظرت إلى وإلى أخي ونحن في 
فراشيّنا . كان تيّارٌ من السّعادة يلف حجرات قلبها . قامت فصلت . 
کا تتمايل من العادة وهي في صلاتها > كلّما تذكرت وجه ذلك 
الشيخ طَرِبَتْ . شيء ما يقول لها : إتهما سيعيشان . وإنّ القادم سيكون 
أجمل مما مضى 


31 


)( 
أجمل الموت ذلك الذي يختيئ 
عيررصاصات تعرف طريقَها 


لم تكن المرّة الأولى ولا الوحيدة التي نتعرّض فيها لقصف نحن 
ثقاتل إن وجذنا فرصة لذلك منذ ثلاثين عامًا . لكثنا للأسف لم نعثر 
عليها . نحن تُقصف بإرادة العدوٌّ» وفي القابل لا تُحمَّى بإرادتناء 
شكلت هذه المعادلة المعقدة مُعضلة لى مند أن كنت صغيرًا » فإذا كانوا 
أعداءنا فلماذا يتركونهم يفعلون بنا ذلك؟!! وإذا كانوا أصدقاءنا فلماذا 
لا يتخلون عن قمعنا وسرقتنا والاستبداد بنا كما يفعلون!! 

حدث ذلك في معركة الكرامة » كعادتي لم أشهدٌ حربًا من 
الحروب التي يقولون إننا خضناها مع العدوّ الصّهيوني » جشت في زمن 
المعاهدات والاتفاقيّات ء أعني زمن الهزائم » وزمن الاستحمار 
للشعب » والاستغباء الحكو مر مكذا كان حاو لی أن اسم عصري» 
لست مهما جن يتفق معي ولا بآولفك الذين يختلقون معى + بقدر ما 
التي يحدث فيها انفصال بين الكلمة التي أقولها وبين الفعل . أعنى 
0 اعاقل كنت أعية جسااتي ‏ وأبدا من جاديد في 


352 


وسيكلفني ذلك غاليًا في المستقبل » هذا لا يعني آتني أكون دائمًا 
صادقًا > كغيري تمرٌ علي الحظات أكتشف فيها أثني كا كد ان حللك 
لا يستمرٌ طويلاً » السّبب ني كنت أفمّل أسلوب المحاسبة الذاتيّة 
عشت مرّة سنة كاملة بلا قرار» كانت أفكاري تصنع داخلي مزيجا من 
الحيرة والقهر والحزن والغضب معا . ولأنني كنت موقتا بان أي قول من 
العنتريّات الفارغة هو خبط في الهواء » وادّعاء أمام العامة كك ممه 
حقيقةء فقد تركت الكلام» > نعم تركت الكلام » وتركت النّاس » 
وعشت في إبدر مثل غريب . كان ذلك حين كنت في السّادسة عشرة 
من عمري »ء وكان قد مر على التحاقي بالجيش العربي عام كامل 
شيء من الڌهول سيطر علي في العام الأول بأكمله من تاريخ 
انضمامي إلى القوّات الملّحة . شىء من البلاهة والدّهشة التي لا 

كان سيب ذلك ات ل أك العمل ديه مع اتن كدت 
قَنَاصَاء تخيّل أنَكَ تدخل إلى مجرى نهر وآنت تكادٌ قوت من 
العطش »تم يُعطونك كأسًا فارغة » ويمنعونك من أن تصل إلى الماء ؛ 
لى لحنت إلا لان الذي يقفون حُرَاسًا على الماء لم يُعطُوا بعد : الأوامر 
بالكماح لي بان أغرف من انور اهاري . كانت ال كأسي فارغة 
طوال العام الأول!! 5 شديد اللواب إلى الحد الذي تشققت فيه 
ا ل د ا 

ذات اللواء المدرع E:‏ الذي هاجم قرية (سموع) في عام ١955‏ 

هو الذي آراد بغطاء جوي كثيف أنْ يحتل مرتفعات السّلط » والشونة » 
اوك ويم اة اتان المحملة الى يتخذها درعا واقيًا من 
أجل أن تحفظ أمنه وتقيه شر الهُجمات التي تشن عليه من القرى 
الواقعة على هذه المرتفعات كقريتي إبدر . 


33 


كان عمّي (جمال) جنديا في الجميش ء حين تطوع من تلقاء تفسة 
هو ومجموعة من الود المحتين: فجر الواحد والعشرين من آذار لعام 
٨۸‏ أن يصد رتلاً من الدبابات العسكريّة ية التي دخلت الحدود 
الأردنية من جسر (سوعة) » مع أن الأوامر كانت تقضي بعدم التدخل 
في شؤون المعركة دون إذن من القيادة العليا كان منظر الدبايات وهي 
تقطع الجسر كأتها ذاهبة في تزهةٍ غوما انار حفيطة عم واف 
فهجموا حاملين بنادقهم »› وقنابلهم اليدويّة وأرواحهم »حن يقفا 
الوطن بكامل جلاله أمام ناظريك لا تملك إلا أن تنحني لتقَبّل أقدامه 1 
ثم تحمل روحك على راحتك لتكون أقل ما يُمكن أن تُقدَّمه من 
أجله 

مكن عمّي مع رفاقه من إعطاب دبّابة بقنابلهم اليدويّة حين 
فوجئت تلك الدبابات بمجانين يقفون في مرمى أهدافها بشكل مُباشر 
50 بعشرات القنابل وقذائف ال (آر بي جي) كأنهم يستمتعون 
بهذه المواجهة غير المتكافئة . لم يُفكروا لحظة فيما كان يُمكن أنْ 
يدت اوم راو مكروجا كديرا على ما ]كوا عليه تيس 
الاتتصارات تلك 5-6 تصنعها الضّربات الاستباقيّة التي لا يكون 
للعقل فيها محل » ولا للمنطق فيها موضع 

بدأت الدبابة بإطلاق قذائفها » أصابت إحداهن أسقل الصّخرة 
التي كان يقف فوقها عمى جمال » تطايرت أجزاء واسعة من الصّخرة . 
واهتزت جنباتها بعمّي » فترنح من شدّة الضربة وكاد يسقط »لكنه 
مالك وراح يستنشق الهواء بسرعة ليعوّض الاختناق الذي كادت 
الأتربة وشظايا الصّخور والقذيفة ودخانهما أن تتسبّب به »لم يكذ 
يُبصر الفضاء أمامه حتى كانت إحدى الكظايا تسقط من ارتفاع شاهق 


34 


على كتفه فتٌرديه أرضًا . شاهده أحد رُملائه فظن أنه فضي عليه » تركه 
حتى تهداً الأمور ويستطيع أن يحبه . لكن عمَّي لم يمت . كان قد 
فقد وعيه لدقائق ق قبل أن يستعيده من جديد على صوت الطلقات 
المدويّة » حاول أن ينهض من مكاته ليحتمى خلف أحد الكمائن » 
تك وليه سكاجا کا اف ای قد کرت فلن نا کوک 
على أسنانه من الألم » ونظر إلى السّماء كانت ملاقر انك العدو ما تزال 
تواصل تحليقها في السّماء . استمرّت المعركة أكثر من ست عشرة 
ساعة مُتواصلة . ظل خلالها عمّى ينزف . كان التزيف من كتفه 
المصابة التي يبدو أن الشظيّة صنعت فيها حفرة غائرة في اللحم والعظم 
بحجم حبّة الفاح . بعد عشر ساعات تكن أن ينسحب من أرض 
المعركة زحفا على بطنه ورجله الت . أخذ إلى المستشفى الميداني » 
إن فی خا »فى صبيحة اليوم التالي كان يدو أنه فقد 
ذراعه للأبد ٠‏ وأمّا رجله فأقعدته عن الخدمة ثلاثة أشهر قبل أن يعود 
مجدّدًا بوسام حقيقي 

لم يكن عمّي بذعًا من الأبطال » كان واحدا من كثيرين آخرين 
قاتلوا يوم الكرامة دفاعًا عن كرامتهم وكرامة وطنهم › ولكنّه مثل 
الكثيرين كاد أنْ يتسبّب إقدامّه دون أوامر على خوض المعركة بفصله 
من سلك العسكريّة وحرمانه من كل امتيازاته!! 

عرفت كل هذه الحكايا من ابي . كان أبي يأخحة بيدي إلى 
أطراف (إيدر) » مشي ساعات وساعات في الحقول » نصعد ونهبط ؛ 
حبّى تُشرف على تلك الثّلال العالية التي ترى منها جبل الشّيخ 
ومرتفعات الجولان وهضاب فلسطين . كنت أشعر أنه يستمتع بحديثه 
لي عن تلك البلاد . ويستمتع أكشر بأسئلتي التي إذا انطلقت من 


35 


عقالها فإنها لن تنتهي حتى يتعب أبي » وحتى يبدو عليه الضجر في 
النهاية لكثرتها 

قلت له ذات مرّة : «امرأة عمّى لم تمت في بيتها؟» . احتار في 
صيغة السّؤال » فرد على السّؤال بسؤال : «ماذا تعني؟» . «أعني أنها لم 
تمت قضاء وقدرًاء بل إِنّ هناك من قتلها؟» أجابنى : «لماذا تأل هذا 
السؤال وأنا كنت قد أخبرتٌكَ بإجابته من قبل » امرأة عمّك ماتت فى 
القصف» . «إذَا هنال مَنّ قتلها» . «بالطبع» . ومن المسؤول عن قتلها 
إِذا؟!» . «اليهود» . «لا أريد إجابات عامّة . أريد أن تُحدّد لي اسم الذي 
قتلها» . «ومَا أدرانى يا بُنىّ » كان طيّارًا مجنونا» . ولا يُوجَد طيَارٌ 
مجنون › وهذا الطيار أله د اسما؟» . «وما أدرانى باسمه؟» . «یقتل 
ا اوی انسية؟ فرعيف لق أن ایی 
كل ما ف أنه تابع لسلاح الحو الإسرائيلي» 1 ومن اش طيارًا مثله 
أن يُغير على قريتنا؟» . «قائد الطيران عندهم» . «ومَنْ يأمر قائد الطيران 
أن يستخدم طيّاراته في إبادتنا؟» . «رئيس الوزراء» . «ومَنْ هو أعلى من 
رئيس الوزراء عندهم؟» . «لا أحدد يا بُني» : «إذًا أنا ثأري مع رئيس 
الوزراء الإسرائيلي سوف أقتله كما قتل امرأة عمّية . لم يدر أبي ما 
يقول آنذاك › كان يسك بيُمناي . > فتركهاء وهبط من علوّه حتى صار 
وجهه مُقابلاً لوجهي :اويا بني ليتك تستطيع» . «أقم لك بالله أتني 
أستطيع وسأقتل رئيس وزرائهم يوا مايا أبي »6 . مسح بيذه على 
جبيني ء ولم يدر ما يفعل » كنت أرتعش » كان الدَمٌ يفور من وجنتي » 
وعلى أطراف عيني تتجمّع دموع القهر . أدرت ظهري له فجأة. 
وركضت بعيدا عنه وأنا أهتف : دلا أدري كيف سامحتم كل هذه 
السّنوات بدماء امرأة عمَّي؟! كيف تتركون قاتلها حرا إلى اليوم دون أن 


36 


تقتلوه؟!» كان عمري يومثذ ثلاثة عشر عامًا . وحيتها بدا أن أبى قد 
بدأ يخاف على ويخاف متى1 1 
صار هدفي بعدها أن أحمل البندقيّة . كان منظر فلسطين المحمتلة 
والحولان الملغتصبة من تلال قريتنا يزيدنى إصرارًا على أن أتأبّطها 
ماتلا ٠‏ وأنْ أدفع كل أحلامي بذلك الاتجاه . كنت من النوع الذي إذا 
أصرّ على شيء, تضافرت له أقدار السّماء ء كي يُنفذ ما يُريد . من ذلك 
النوع الذي يرسم التهايات العظيمة » لأآن أحلامه عظيمة . البدايات لا 
تأتي وحدها ء ولكنها لا تحتاج إلى شيء كثير ؛ يكفيها قلبْ مُؤمن 
بالفكرة » وعزيمة كافرة بالفشل . أمّا التهايات - لمن لك تلك البدايات 
- فتبدو تحصيل حاصل . ٍ 
لم يكن ثمن هدفي زههيدا ء كان علي أنْ أسابق الرّمن لالتحق 
بسلك العسكريّة ؛ أقرب الطرق التي فكرت في أتها ستوصلني إلى 
حَمْل بندقيّتي التي أحلم بها ؛حَمْلُ البندقبّة ,: يُشبه حَمّل الموت » 
وكنت أطرب لهذا التَّشَبِيه ؛ لاتنى كنت أريدٌ أنّ أصبّ الموت الكامن 
في بندقيّتي لآخذ بثأري » كنت عرف أن للموت أشكالاً عديدة » وفي 
سني تلك كنت أرى أن أجمله ذلك الذي يختبئ في الررتصاصات ت التي 
تعرف طريقها تمامًا كانت حكايا المجاهدين التى سمععها من آم 
عن أولئك الذين أقاموا في ربوع قريتنا قبل أن أولد تداعب مخيلتي 
وُشعرني بالزّهو كنت أريد للموت أنْ يكون طوْعَ زنادي » وطوع 
رصاصاتي التي لا تخحطئ أهدافها » ولو كانت في السّماء . كانت 
عندي قناعة بني لو صوَبت فُوهة دكت اي ا فى الام 
فستخخرٌ صريعة بين قدمَي . وفكرت في أولى ا ْطوات ؛ كان ذلك 
يعني أن أصبح قنّاصا ؛ أن أصبح من ذلك التوع القادر أن يصيدَ هدقًا 


37 


صغيرًا متحركا في الفضاء على ارتفاع شاهق . لا يُوجَد ما هو أشهق 
فى ارتفاعه من طموحى »ء وعليه فكلّ شىء يذو ضغيلا أمامه »› 
ومتصاغرا!! ۰ 0 

ساعدني أبي الذي التحق بالعسكرية مرتين في حياته على أن 
أصبح أحد أفراد القوّات المسلّحة وأنا لم أتجاوز الخامسة عشرة من 
عمري تاريخ عمّي التضالي » وقتاله على الجيّهات ساعد في الأمر هو 
الآخرء وسجلي التظيف الذي لم تَشَبه شائبة حتّى الآن أسهم في 
قبولي كذلك . وأشياء أخرى كثيرة لا يعلمها إلا الله . لكنْ أتى لهم أنْ 
يُدركوا أن فتّى مثلي في الخامسة عشرة من عمره تنطوي جوانحة على 
ثورة لا تهدأ » وعلى بركان يوشك أن ينفجر! 


38 


)٤( 
كيض يتخلى الله عن عبد طرق بابه‎ 


نقلتا في ذلك اليوم أكثر من خمسين (سحَارة) من العنب 
الأ بيض كان ذلك في العطلة الصّيفيّة » بدأت ت مي تعتمد علي في 
مُساعدتها بعد أن بلغت العاشرة » كان أبي قد ترك العسكريّة آنئذ 
وح إلى الستعوديّة ليبحث عن منفذ رزق جديد . أمعال أبي في البلد 
الحلم كاتوا يعملون في البقالات الكبيرة هناك › يبيعون وړ يشتروت » أو 
يُفرّغون البضاعة من شاحنة النقل أو يرتيونها على أرفف العّرض » 
وإذا ما اطمأن إليهم صاحب العمل كان بإمكانهم في حالات قليلة أن 
يجلسوا وراء (الكاشير) ليقبضوا أثمان البضاعة من المشترين . 

في هذا الصّيف > كانت (إيدر) تموج بمزارع العنب »لم يكن من 
أحد في القرية الوادعة إلا ويستظل في بيته تحت عريشة من عرائشها , 
د و بكروسها اللنبسطة على الأرض 
e‏ ا »ولم تكن أختاي منأى 

عن العمل هما أيضًا لكن الولد التاشئ » والفتى الشقي الذي كننُه 
كان محور العمل › ومقصد الرجاء » ومعقد الآمال . نعم في ذلك اليوم 
ملأنا بالعنب الأبيض ذي الحبّات التاضجة أكثر من خمسين 
(سحارة) » كنت أحملُ ائتتّين اثنتّين على ظهري لأودعهما في مركز 
تجميع (الستحاحير) › ريئما تأتي الشاحنة » لأقوم من جديد برفعها على 


39 


ظهري ونقلها إلى عامل آخر يقف في جوفها ويأخحذها مني ء ويرتبها 
بدوره هناك . وحين تملع الشاحنة المح عد هار e‏ كالم 
طويل » ترتحل باتجاه سوق الخضار العام لتبيعها هناك . وکنا نتتقاضّى 

نحن المزارعين أثمانا زهيدة للسَحَارة مقارنة جا تُباع به في السّوق . لكتّنا 
كنا راضين . وكانت أمّي أوّل من علمتّني أن الحياة ذهب نصفها الأول 
بالرضى اتفه الثاني بالصّبر . وكانت تقول : الرّضى لا يعني الذل ‏ 
ولكنّه يعني الشكر . شكر الله الذي قِسَمَ وقددر . 

کان بيثّنا بسيطاء يتكوّن من مدخل ترابي ضيّق » ظل عشر 
سنوات حتى تمكتا من تحويله إلى مصطبة إسمنتيّة » وغرفتين صغيرتين 
في الدّاخل » ومجلس ضيوف واسعًا تسبيا . وكنا قد بقينا أربع سنوات 
نبنيه مما كان يبعثه لنا أبي من مكان عمله › ومما نجنيه تحن أبتاءه 
الصّغار من العمل مع أمّي في الحقول والمزارع . وكانت أمَّي ترى أن 
وجودي - وإنْ كنت ما زلت في ميعة الصبا - إلى جانبها يُعوّض كثيرً 
من فقدان أبي ورعايته ؛ فكنت إلى جانب جني محاصيل العنب » 
أحصد معها فى الصّيف ٠‏ وأجنى معها الرّيتون فى الشتاء . وكانت 
تنعت بالآمانات التي تُرِيدُ أن تُوصلها إلى أهل القرية معى › نقودا 
كانت من دين مُستحق ء أو جرارا من ا ال أكنانةا هه 
(الخبيصة) أو غيرها . وكانت تبعثني أيضًا عطالباتها الماليّة » لأولئك 
الذين ما زال لها عليهم نقود لم يُتمّوا دفعها عن بضاعة باعتّها لهم . 
وكثيرًا ما كنت أرجع خالي الوفاض من هذه المهمة الأخيرة ؛ فقد كان 
أعل قريتي قُقراء , وأكثر مدخول كان يأتيهم هو مما ينبت الأرض » أو 
من أولئك التّفر القليل الّذين شرقوا في البلاد أو غرّبوا بحئًا عن كسر 
الخبز المتناثرة من بين أيديهم في بلدانهم . والحق أن آمَّي كانت كثيرًا 


40 


ما تُرجى المدينين و تُؤْخرهم » وكانت تتعذر عنهم في أن محصول 
النة لم يكن كافيًا لسداد الديون » أو أن الأرض لم تَعُذ تغل كما 
كانت تغل في السّابق » وفي أحيان أخرى كانت تُسامحهم » وتحتسب 
ذلك عند الله . لكتها في المقابل أيضًا لم تكن لتسامح في حق من 
حقوقها على مدين أو آخر يتدمّر عليها » أو يتقوي على ضعفها كوتها 
امرأة » أو يستهين بشأنها ويتناسى ما عليه من مال » بل كان صوتها 
الحادٌ وعيناها اللتان تبرقان كمَّيْنَى حَدَأة يُدخلان الرهبة فى قلب 
مَدينها حتى يُسارع إلى سناد دنه ؛ نعم كانت أمَي قويّة وخا 
اسان › عالية الهمّة » مستحيلة الضّعف ؛ لم نرها مرّة واحدة تشكو قلة 
الحال أو بُعدَ المعيل » أو كثرة الأعباء أو ضيق ذات اليد . . . كانت قويّة 
كما يلبق با عظيمة أن يكون » ومنها لمت ثلائة رباع دروس الحياة 
من غير تاب ولا کراس »ولا صف ولا طباشير ء كانت فضائي 
اللامتناهي الذي ٹک من أنْ أرى بعيون كثيرة واقع حالنا » وكانت 
ساقيتي التي شربت منها ماء الحياة » والشجرة التي أويتُ إلى ظلالها 
من حَرٌ الهجير » ولحأت إلى ثمارها من ضراوة الستغب » وحملتني على 
أكتافها عاليًا عاليًا لأرى عوالم الله في كل مكان . 

أمَا أخي الأكبر »فما رأيت أمّي باكية عليه يومًا أمامناء ولا 
متحسّرة على ما آل إليه حالّه ولو للحظة ء وإنْ كنت أؤمن أنّها تتقطّع 
في أعماقها حين تخلو لنفسها بعد يوم شاق من العمل في الحقول › 
لكن قامتها الفارعة لم تنحن ولو لالتقاط ثمرة من الطرق ؛ إما أن تأتيها 
الثمرة من الأعلى »أو لا ثمرة أبدا . فالّذي يأتى من السّماء هو المقدور 
والموعود كما كانت تقول » وهو المأمول ٠‏ وفيه الرّجاء ء أمّا ذلك الذي 
يأتى من البشر فلا حاجة لنا به » وفي السّماء رزقنا » وفي السّماء ما 


41 


يكفينا المؤونة . أمَا أخي الأكبر الذي أحدث تدبة في قلب أمَي › 
خبّانها من الرّبح ومن أن تظهر بشال الصّبرء فلم تكنْ تملك له إلا 
الدّعاء » ولم يكن أحد متا آنا وأمّي وأختاي ينتظر منه أن يُساعدنا ؛ 
فقد أقعده - أو كاد - شللٌ الأطفال الذي أصابه وهو فى عمر الرابعة 
بعد حمّى مُفاجئة طرحتّه في الفراش لأسابيح طويلة كما ذكرت . 
علمتني أمّي أنْ أكونَ حمامة المج و كات حاب في 
من تأحذ بيدي وتقودني إلى بوابة المسجد القديم في القرية » وتتر ١‏ 
عندها ء ولا تعود حمّى تراني دخلتُ وهي تتبعني بنظرات حانية . 
وبقلب يخفق بالستعادة . كانت تة تقول لي «كيف يتخلى الله عن عبد 
طرق يأيه» . وحينَ أعاندٌ أحيانًا > كانت تغريني بالمال الذي يسقط في 
جييها من السسّماء » وبالقول الحَسّن » ولا انكر أتها اضطرّت ت لضربي غير 
مرة » وأحيانا كان يدفعني إلى أن أسارع بخطاي إلى المسجد نظرائها 
الشاقبة خاصّة َة حين تضيّق عينيها وتنظر إلى وهما يبرقان بغضبٍ 
ووعيد » ويلمعان خلف عقوبة مُؤْجَلة لكن الفتى لا يتصل بالله جرد 
و 1 ب أو آم » فإنّما هو طفل » ولا يعاد حب اللّقاء بالله إلاً إذا 
دفع م إلى ذلك بالترغيب تارة وبالترهيت تارة + حت إذا سلكت ا 
في طريق المسجد وتالّفا ؛ فإنّه إن نشأ حب بينه وبين تلك الطريق » 
وبينه وبين ذلك البهو العالي في بيت الله تعلّق قله به » فصارا خدتين 
يجدٌ كل واحد راحتّه في الآخر . نعم لم تياس أمّي من أن تغرس حب 
الله وحب بيته في قلبي » وصبرت على شجرة الحبّ تلك » وسقمها 
بكل الأمواه الممكنة حتّى أثمرت »› فصار قلبي مُعلّقَا به » وصرت أجدُ 
راحتي في الجلوس في زواياه » وكما نشأت علاقة متينة بيني وبين 
أشجار القرية وخاصة تلك السّنديانة » فقد نشأت علاقة بيني وبين 


- 


42 


تلك الاحجار في المسجد ء الرّاوية المُمنى البعيدة التي كنت أتلقى 
فيها الدروس على يد شيخ المسجد تحولت من مجرد زاوية. تكاد تكون 
تهملة في غير أوقات الثروس إلى قطعة من قلتي وخلية من زوحي 
كانت لي فيها جلسات طوال » وحَلّواتَ أطول » وفي ليالي مُدلهمة 
ليس معي فيها إل" الله وقلبي كنت أقرأ فيها فيها القرآن وأتتبّع فيه آيات 
الجهاد » وأحفظها عن ظهر قلب ل كن و و 
ناما وأسجّل فيه تلك الأيات » وأضع الدفتر تحت مدي حين آوي 
إلى فراشي . وحدث غير مرة أن صحوت في منتصف الليل بعد رقدة 
عميقة من نومي » فأخرجت ذلك اللافتر من مخبئه ورحت أراجع فيه 

بعض الآيات » وأضع خطوطًا تحت بعض الكلمات لأ جد لها تفسيرًا 
وشا حين أستيقظ في صبيحة اليوم التّالي! 

لعن فات أخي الأ كبر ومن بعده أي الأصغر أن يعملا في الفترة 
التي كنت أعمل فيها مع أمَي » إنه لم يفتهما أنْ يكونا معي من رواد 
المسجد » وخاصّة أخخي الأ كبر الذي كان أكثرٌ التصاقًا بجنبات المسجد 
مني » بل كان توقه إلى الجهاد يفوق توقي بأضعاف . ولا تسألوني من 
أين جاءه ذلك »أو من أين رضعه > فكل ذرّة تراب في قريتنا وفي 
أردتنا الحبيب علمتَنا ذلك ؛ ولو أنصتّنا إلى ثراه تمام الإنصات لقال لنا 
إن هذه الأرض للطاهرين » الفاتحين العظام من الصّحابة الأ برار » ألا 
يقول لك مقام أبي عبيدة في الأغوار لو كان لك قلبّ لتسمع : سر على 
طريقي ولا تحد عنه ؛ فان مَن حاد عنه ذل .آلا : تقول لك حجارة القبر 
الذي يضم رُفات معاذ بن جبل : ياك أنْ تمد يدل إلى قاتلك › فإتما 
رويت هذه الأرض بدمائي ودماء [خواني لتُحافظ عليها لا لتبيعها 
لأحفاد القردة والخنازير . ألا تسمع رُفات عامر بن أبي وقّاص وهو يرقد 


43 


في مثواه الأخحير يقول لك : لا لق سيفك فالذئاب تهمّعت . والليل 
أطبى » والججرادٌ تحشّد . ألا تملك أذتّين ؤاعيتّينَ لعسمع كل ذلك »ألا 
تنصت إلى تراب (إبدر) وهو لا يزال يئن من ضربات الفاجرين قبل 
أعوام قليلة »ألا يقول لك هذا الثرى : «إيّاكَ أن اك ولو على الدّم 
بدم!!» . ألا يصل إلى حُجُرات قلبك أصوات الضّحايا الذين تبعثرت 
أشلاؤهم في فضاء (سموع) وهي 7 يث : «أترى تمد يدا تصافح 
قاتلى؟!» . إنه - فحسب - التظر إلى الميزان العدل فى الأمور لكى 
تتكشف لك الحقائق ؛ فمنذ متى صار الذَّتبٌ راعيًا للغنم!! ومنذ متى 
عقدت المدية صلخا مع الوردة!! ومنذ متى نسي صاحب الذاكرة 
E‏ القاتل تحول في غفلة من الزمن إلى ابن عم!! 

إنها أصواتهم لا تزال ترن في آذاننا ؛ فإنَ لم تسمع شيئًا من ذلك 
فراجع حقيقة وجودك »وان لم ينتبه قلبّك إلى هذا الصوت الشجي 
الذي يرتفع في الحدود الفاصلة يانه لا متلطان على هذه الأرض إلا 
للموحدين فراجع حقيقة إعانك . . نم إن المشكلة ليست فيمن يقول » 
فهذه الأصوات الرّافعة عقيرتها بالقتال حتى آخحر قطرة ع دون حقو 
أو خنوع أو ركوع ترتفع في كل يوم بل في كل لحظة ؛لكن المشكلة 
فيمن يسمع هذه التداءات المتكوّرة ؛ كلا بل ران على قلوبهم . 

كنت أصلّي خلف الشيخ عبد الرَرّاق » كان يحفظ القرآن كاملا . 
ووهبه الله صوئًا شجيا » وكان يعقدٌ لنا تحن فتيان القرية درسًا بعد 
عصر كل ثلاثاء » ويعقد مثله بعد عصر كل خميس للتساء » وكان قد 
تخرّج في الأزهر الشريف . وهو من القلة الذين استطاعوا أن يحصلوا 
شهاداتٍ لاجد بر جلت LE‏ للك امم المرموقة العريقة 
بدأتْ علاقتي به تقو ی ؛ كان في حدود ما تعلّمُنّه منه فقيها ومٌحدنًا. 





ويملك روحًا مرحة . حببتنى أنا وبقيّة أطفال القرية بدروسه » وكان أكثرٌ 
بود بام رواب ب 0 
وتمثيلهم لهيئات الشخصيّات التاريخيّة التي يتحدّث عنهاء فمنه 
عرفت كيف خلع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص طوقي الذهب 
اللذين كانا يُطوّقان عُنقيهما لحظة إسلامهماء فقد مثْل ذلك لنا » حين 
وضع في عنقه مسبحة طويلة من ذوات ال 48 حيّة » وقال لنا تخيّلوا 
أن هذه الحبّات التي هي هنا من حشب كانت من لؤلۇ وذهب في 
عنقي خحالد وعمروء وأتهما شداها بقوة وخلعها كل واحد من عنقه 
كأنه بخ جافاتكه القدعة المُظلمة ليحلّ محلها نور الإسلام الميين 
وقام شيخنا بخلع المسبحة في حركة تمثيليّة حى إنّها انفرطت حبّاتها 
بشدة وتناثرت على رؤوسنا نحن الأطفال لمن ذهبنا في نوبة من 
الضّحك شاركنا بها الشيخ نفحه . فكنًا نحرص لدوره التمشيلى 
الجاذب أن نحضر دروسه الممتعة! 

كنت أكثر طلبته إلحاحًا فى السّؤال . كانت الرّمضانات بين يديه 
لها طعمٌ آخرء شيء بن التو ونه تنيت وقر في قلوبنا الغضة . 
واستقر هناك ليكون زادنا في الدروب القاسية التي سيرتادها کل واحد 
متافيمابعد . كنت أسأله عن الآيات الّتى تتحدّث عن اليهود 
وأسججّلها خلفه في دفتري الخناص . وأطلبُ منه أن يراجع لي ضبطها 
إن كان صحيحًا » وأبدأ بحفظها » كان تجميعٌ كل الآيات وضبطّها هو 
المرحلة الأولى أما المرحلة الثانية فكانت تتمثل فى حفظها كاملة دون 
حطاً واحدء وأمّا المرحلة الثالشة والأخيرة فكانت ا المراحل علي 
وعلي الشيخ › وهو تفسيرها ؛ ولان (إبدر) كانت قرية منسيّة من قرى 
الشّمال في الأردن » ولا أحد يُتبّع خلف الشيخ » ولا خلفي آنئذ ؛ فقد 


45 


أفاض الشيخ في تفسير الآيات وصبر طويلاً علي , وهو يُبيّن لي حُكم 
قتال اليهود . ويعضدٌ ذلك بأحاديث شريفة » مثل قوله صلى الله عليه 
وسلّم : «إذا اغتّصبَ شبرٌ من ديار السلمين وجب الجهاد على كل 
مسلم ومُسلمة ء المرأة تحرج دون إذن زوجها » والولد دون إذن أبيه » 
والعبد دون إذن سيّده» . وكان لهذا الحديث وَقَمٌّ كبيرٌ في قلبي » 
وبقيت سنة أو يزيد آخذ عن الشيخ الأيات التي تتحدث عن طبائع 
اليهود ES‏ وعلاقاتهم مع أنبيائهم » ولا زلت أذكر أثني قلت له 
دات مرة : «إدا كان اليهود يذبحوتث أنبياءهم فهل سيتركوننا دون 
ES E‏ > بل نحن في عُرفهم حميرٌ مُستضرطة» 
وكان يقول لي يا بني : «إنهم كدشونا» . ولم أدر من كان يعني ولا ماذا 
كان يعني » ولكدّني فهمت اتنا عندهم وعند غيرهم أحط الخلوقات 
قدرًا 

لا تسألوني اليوم لاذا كتا نسأل عن تلك الآيات » اسألوا تراب 
(إبدر) فعنده الجواب » اسألوا قبور الشهداء فهي أبلعٌ متي في الحديث . 


46 


رز 
ما يبقى في الذاكرة 
هو ذلك الذي يستوطن القلب 


كانت حياتي في المدرسة فصلا آخّر من الحياة.المتجددة ؛ إن لم 
يكن هناك ما هو جديد فإتنى كنت أصطنعه ء أكره الرّتابة » وأكره المياه 
الرّاكدة › وأكره الآفاق المسدودة > وأبحث عن كل ما يلون الأيَام التي 
لولا الفرشاة الّتى أحملها فى يدي لبدت متشابهة إلى درجة التطابق 
لگن طبيعة الحياةة في القرية هي أوّل ما يكسر الرّتابة » وكان لكل شيء_ 
عندي موسم ال موسم » وللقطاف موسم . ولمطاردة الفراشات 
موسم » ولإيقاد التار في المساءات الشتائيّة موسم » كتا نتحلق خمسة 
أو سسَّة حول الثّار الموقدة تحت شجرة عالية ونح مد أيدينا الرتجفة 
كالرّهبان نلتمس الدفء والحياة من الثار > ونغنی أغانى الشتاء الحزينة 
بصوت عال . أمّا أجمل المواسم - على الأقل وأنا في النّانية عشرة من 
عمري - فكان موسم صيد الحجل كنت بارعًا في الصّيد عن طريق 
الفخاخ البسيطة » صحيمٌ آتني كنت أتمنى قبل أنْ أدخل العسكريّة أنْ 
أحصل على بندقيّة صيد » لكن الظروف الماديّة وقفت حائلا قويا أمام 
هذه الأمنيّة » ولم أتركها تذهبٌ سنُدّى » فاستعضت عنها ب (التُقيفة) 
تارة » وبالفخاخ المعدنيّة ذات (الرَفْاس) أو التابض تارة أحرى . مرّة 
واحدة حرجت فيها مع خالي في رحلة صيد . وكان يحمل معه 
بندقية » وكان يومًا لا يُنسى . قال لي خالي ونحن عائدون في المساء › 


47 


والشمس تُحتضر : ستّصبح قناصًاء الم تشعرني ذلك بالرهو كثيرا > 
TE E E‏ بندقيّة » فارعت قاقلا : «أعرني 
بندقيّتك أسبوعًا واحدًا وستعرف معنى أن يُصبح ابن آخحتك قناصاه . 
كانت لهجتي تحمل التحدي ممزوجًا بالرّجاء . سكت خالي ولم يُجب . 
لم اعرف إِنْ كان سكوته غيظا أو رضى يُمكنني من الطلب مرّة ثانية » 
لعل بوابة القبول تُفبّح في هذه المرّة العّانية . هززت يده التي تحمل 
البُندقيّة » فقال لي : «سأعطيك البندقيّة أسبوعًا بشرط» أجبته على 
الفور من فرحتي : «ضع عشرة ة شروط» . «الأول أن تُثبت > لي أتك ماهر 
في الصّيد» . سألته وأتا مغتيط : «وكيف أثبت ت لك ذلك؟!» . أن 
تصيد في المناطق التي لا تجلب لنا فيها عيون الأمن المنتشرين على 
الحدود . وأنَ تأتيني كل يوم بخمسة طيور من الحجل على الأقل» 
أجبته على الفور : «وأنا قبلّت» للأمانة بعد كل هذه السنوات أقول 
إتني لم أف بالشرط الأول » ولكنّني وفيت بالشرط الثاني مُضاعَقا؛ 
فكنت آتيه في اليوم بعشرة من طيور الحجل » وكان ينظرٌ إلى في كل 
مرّة بعَجَب ويفخر . 

في المدرسة . كان الأستاذ (سامي) أقرب الأساتذة إلى قلبي ١‏ 
يَحظى باحترام واسع بين التلاميذ لثلاثة أسباب على الأقل » صوته 
الجهوري الذي كان يُزلزل أعماق أحدنا إن نادى عله قتّصاب جوارحه 
بالارتعاد دون أن ندري كيف يفعل مجرد صوتٍ باللإنسان كل هذا 
الهلع . وثانيها جدّيّته في التعليم . وثالشها عصاه التي لا تُفارقه طيلة 
الوقت . وكم أكلت هذه العصا من أقنامناء كوت من جنوبناء 
واحمرّت تحت هُويّها أيدينا ثم ازرفّت!! 

تعلمت من الأستاذ سامي الأ بجدية في مراحل دراستي الأولى ؛ 


48 


وهو ما سوف يكون كافيًا لأقرأ حين تنس في وجهي كل منافذ الحياة › 
وکل دروب العيئن 3 وتنهدم علي الأسوارء وتنغلق أمام ناظري التوافت 
حتّى تلك العالية منها » فى تلك اللحظات العصيبات كنت أتذكره 
وأدعو له > لقدذ حماني من الجنون غير مرة . 

كانت المدرسة كعادة أكثر المدارس في القرى غير مهم بها . ولا 
فيها مرافق ساعد على التعليم أو التعلم يشكل صحيح ٠‏ أنا لا أنتقد 
هنا » فأنا أحبّ مدرستي ء وما زلت بعد ثلاثين عامًا من مغادرتي لها 
أزورها بين الفينة والآأخحرى أست رجع فيها دكرياتي المدعة > ولولا أنني 
كدت أموت من البرد أكثر من مرّة أنا وثلاثة أرباع زملائي في الصّف 
في صباحات كانون المثلجة لما اضطررت أنْ أقول الآنَ شينًا . كان البرد 
فى [حدى تلك ال اجات بج اطا كال العم إن ر حمل 
سكين خاد جدا ويبدأ بتقطيع أطراف الإنسان وهو يهترٌ اهتزاز تُرقوة 
الدب ت وطأة البرة المميت قصدقوه ١‏ کات أطرافنا في أوقات 
الشتاء تتثلج » ولو وضعت على أصابعنا قطرات من الماء لما سالت من 
هناك وسقطت على الأرض > بل جمدت . على أطراف تلك الأصابع 
لشدة ما في ذلك الصّياح الباكر من برد لا يُصدّق . (الفلدات) التي 
کان يلها بعضتا مما أخحذه من أخ أو قريب من منتسبي الجيش لم 
تتمكن من حماية أصحابها من البردء فكيف بأولئك الذين لم 
يستطيعوا أن يلبسوا غير القمصان أو كنزات الصوف التى لا تصمد 
طويلا أمام حائحة البرد الذي هجم على أحسادنا التحيلة دون رحمة ( 
ساعد على تفاقم المأماة أن نوافذ الصف كانت قد صّدئت حواقها 
الحديديّة » فلم تعد تنغلق بشكل جيد » ولآن الرّيح عاصفة في ذلك 
الصّباح فكان الهواء يُمارس أبشع هواياته في تحّرنا والعيث بنا ء أضف 


49 


إلى كل ذلك المطرَ الذي كانت بقاياه من الليلة السّابقة تعتسرّب من 

و ی وش سي ل 
أقدامتا » فنشعر كاننا غراة ة عطس في محيط من الثلج!! 

نعم كنا نبرد » ولكدّنا كنا نحب التَعلّم » > أتحدث عن نفسي وعن 
الدين رامعو فى ا المدريلة . نعم كنا نحاف من الأستاذ ونحسبُ 
له آلف حساب » ولكنّنا كنا تحبّه كذلك . نعم »لم نكن نعرق أكشر 
من حدود صفحات الكتاب غالبا » ولكن ذلك كان كافيًا ليشكل ثقافة 

جِيّدة تعيننا على النظرة ة الصّائبة إلى الأمور . تعم كانت حيائنا قاسية 
فى المدرسة ». وفى البيت . وفى الحقل ء ولكنّنا كنا نحب المدرسة 
ا 

كانت المدرسسة مُكونة من طابقين » وفي كل طابق » كان هناك 
عشر غرف صفيّة » خالية من كل شيء إلا من المقاعد الخشبيّة المهترئة 
التي كانت تنّسع لاثتين ‏ لكنْ - وفي أحيان قليلة - يضعلرٌ ثالث 
لمشاركتهم المقعد . وكانت الغرف بشبابيك زجاجيّة ذوات حواف 
حديديّة فسح وتُغلق . مقابض مُحدّبة مركوزة في وسط الشبّاك » حين 
تصداً الحواف أو تتثنى الأطراف لا يعود بالإمكان إغلاق المقبض 
بإحكام مما يتسبّب بكوارث إنسانيّة في الشتاء . أكثر ما يميّرْ الصّفوف 
أتها كانت ذات أسقف عالية » ولم أدر لماذا بتوها بهذه الطريقة » ولئن 
كانت اللأسقف العالية تسمح عبر التّوافذ أَنْ تزيد من تهوية الغرفة في 
الصّيف القائظ فإتّها كانت تأتي بنتيجة عكسيّة في الشتاء إذ إتها 
تجلب النّقم التي لا ترحم . 

كان أكثر أولاد القرية لا يجدون طعامًا كافيًا ‏ وقد عر يوم كامل 
دوت أن تدخحل جوف أحدهم لقمة وألحكة > وأشهد أن راتت أحدهم 


50 


في المدرسة يتهالك على (رحلايته) من الجوع » وحين سأله الاستاذ 
عن سيب اتهياره المفاجى بعد أن رشوا على وجهه ا لاء فاستيقظ › 
قال : «أمس لم يكن دوري في العشاء . كان دور أختي » . کان أبوه قل 
قسم العشاء لقلّة الرّاد بينه وبين أخته » يتعشى هو يومًا وتتعشى أخته 
في اليوم الذي يليه > وبالطبع له يو جحد وحبة فطورء ولا يكون الطعام إن 
جاءت توبته في العشاء أكثرٌ من الخبز اليابس والشاي!! 

کنا جوع نعم » ولكتّنا لم نَهُنْ . كانت أمَي : تقول : دنوع ولا غد 
أيدينا» . فيما بعد عرفت ٠‏ أن اک الذين استوطن الذل > أفئدتهم 
وجوارحهم هم الذين كانوا أكثر الاس شيعًا . لقد رأيت بام یي عدا 
غير قليلٍ من هذه النماذج - في يديه أموال الدُّنيا وطعامها وعَرّضها . 
ثم هو يستجدي بِذّلَ وخزي أمام شهوة ة من سلطة أو من غانية » ويسقط 
في امتحان الرجولة والشرف E‏ ذریعا . ولم يكن هذا ا 
بالأفراد ؛ فقد رأيت دُولاً تفعل ذلك!! 

لا أتذكر كثيرًا من الدّروس التي قرأناها على أساتذتنا . ما يبقى 
في الذاكزة هو ذلك الذي يستوطن القلب ؛ ينام نومًا طويلا » حتّى إذا 
اشتعل الحنين . تدفأ القلب بحرارته » ثم أبقظته تلك الحرارة من سُباته 
قأخحذ الق صاعدًا من القلب إلى العقل > فتجصسد بهيثته الَامَة أمام 
الناظرين . وبالطبع لم يكن يستوطن قلبي أكثرٌ من آيات الله ء كانت 
تأتي في المقام الأول » ويتبعها الأ ناشيد التي کت نغتيها بحماس منقطع 
التظير خلف الأستاذ . أتذكر لليوم أ نشودة أخحذناها في الصف الأول 
الابتدائى للشاعر سليمان العيسى يقول فيها : 

قلطين داري 
ودرب انت صاري 


51 


داري» . وأضع يدي على فُؤادي وأنحني حَيا وإاحالؤذلا حين أقول : 
«تظل بلادي هوى في فؤادي» . وأكثر ما كان يبدو الغضبُ في 
صوتي » حين أردد مُحاولا تفخيم نبرتي لكي أبدو فيها رجلا غاضبًا 


المقطع الذي يقول : 
وجوه عريبية 
بأوضى الل ةة 
ت ğيعئماري‏ 
وتو تل داري 


وحين تردُ كلمة (ثماري) أتخيّل اليهود وقد استولوا على كرومناء 
وصاروا يبيعون (سحّارات العنب) من مزارعنا » وقد طردنا خارج تلك 
الكروم » وأشهرت البنادق في وجوهنا » فتثور ثاثرتي » ويخشن صوتي » 
وبح حنجرتي لكثرة ما أرفع بها صوتي مُستنكرا 1 
اليوم أتساءل بعد منوات الطفولة المضمّخة بالا حلام والمعتقة 
بالرؤى والممزوجة بحب الوطن : ماذا ظل من فلسطين » بل ماذا ظل 
من الحب نفسه!! 
غاب أبي من أجل لقمة العيش خارج الأردن أكثر سني دراستي » 
كانت أمي تُتابعني في المدرسة . ذات يوم وبعد أن قُرعَ جرس الفرصة 


5 


مُعلنا الدحول إلى الصّفوف بعد استراحةٍ لحوالي ثلث ساعة ء برزت 
5 من طرف الساحة تتهادى قاصدة الإدارة > وکان عه أن حر 
عباب المجاميع الطّلاَبيَة لكي تصل إلى الإدارة أو إلى غرفة المعلميت:: 

عرفت فيما بعد أنها جاءت لتسأل عني كانت تلبس (شرشتها) 
السوداء وتغطي جيدها (بالملفع) الأسود » ورأسها بمنديل يني تعقده إلى 
الخلف مثل كل نساء القرية كانت تذرع الطريق مستهمّة عندما سرى 
همس بين الطاب حول مَنْ تكون » وأمّ مَنْ تكون!! وبدأ اهمس يصل 
إلى أذني > حتى إذا عرفوا أتها امي راح عدد منهم يقترب مني وهو 
يضحك ويستهزئ » كان سبب سخريتهم مني أتني ولد صغيرٌ تتفقده 
أمّه » كان يمكن أن تنخرس ألسنتهم لو كان الذي جاء يسأل عنّى أبي » 
إذ إن ذلك قد يكون معتاداء أمّا أن تأتي آم لتسال عن ابنها ؛ فهذا 
معناه عندهم أنه رضيع يع وطفل مُدذّل وام تخاف عليه من نمة الهواء 
العليلة! تحوّلتْ همساتهم في تلك اللحظة إلى صوت مسموع » وكان 
الدّم قد بدأ يصعدٌ إلى دماغي مُباشرة » وكانت عروقي قد بدأت 
تتضخحم لدرجة أنها كادت أن تنفجر من الغيظ » وكنت على شفا حفرة 
من انهيار سكوتى الذي أحسست أنه استمرٌ قرنا كاملا » وأنتظر 
اللحظة الاس لاق وأشفي غليلي وات فت ع 
دفعني أحدهم وكان يكبرني بثلاث سنوات ليوقعني أرضا وهو یردد : 
«ولد صغير» . وآخخر : «رضيع» . وثالث : «أنت لست رجلا . ورايع : 
«لم يبق في بيتكم أحدٌ ليسأل عنك غير أمّك» . وانداح الطوفان ؛ 
نهضت مشل وحش تنفك عنه سلاسل الرّرد التي تُقَيّده » ركضت 
بأسرع ما ستطيع ا ر سي إلى بطن الذي دقعني ففقد توازنه 
للحظات قبل أن يخرّ على الا تفط مثل سقف بناء عال ينهارء 


53 


كانت تلك البداية » ثم رُحت ' أقفز في الهواء عاليًا مُصوبًا رجلي يمني 
في وجه كل من سخر مني ء وساد الهرج واج السّاحة » وتدخل عدد 
من الطّلآب الآخرين لفك الاشتباك . ولكتني كنت ثورًا هائجًا » لم 
يتمكن أحدٌ من ترويضه قبل أن ينهار هو من التعب » ويسقط من 
الإعياء كان يومّا له ما بعده . صار طُلاب المدرسة يهابونني » وأصبح 
نصفهم يمشي معي آملا في أن يُصبح صديقا لي » وصرت أسمع 
همساتهم قيما بينهم وهم يُشيرون إلى من بعيد هيابين : دهذا هو 
هذا هو».» وصرت من يومها يطلاً في عيون الكثيرين . وعندما عُدت 
في ذلك اليوم إلى البيت لم تقل لي آَم كلمة واحدة عمًا حدث » ولم 
تعوجَّه إلي حتّى بنظرة » ظلت مُطرقة في الأرض » ولكتّني قرأت في 
وجهها سؤالا يتيمًا : «ما الذي أحوجك إلى أن تفعل ما فعلت؟» . وفى 
الحقيقة كان هذا ا الذي ظلّ يخطر فى بالى طران ذلك 
الفصل الذي حدثت فيه تلك الحادثة! سن 


10008((/0©( ae 


54 


0 
مجتمع الحفاة 


كان من الطبيعي أنْ ترى ثلاثة طلاب أو أربعة في كل صف 
يمشون حاقين إوكادحن التليعر كنلك أذ ري نعف لطلاب الف 
يليسون بناطيل مُشفّقة الأطراف وبدون أحزمة تشدّها على أوساطهم . 
ولان البنطلون يكون إرثا وصل من أخ أكبر فته غالبًا ما يكون واسعًا ء 
ولا يُمكن التّغلب على مشكلة انسحال البنطلون لدى أدنى حركة إلا 
بربطه حول الخصر بحبل من مَصّيص أحيانا » أو بحبل من حبال 
الغسيل أو باي حبل من نوع خر . وكان منظر الطلاب وهم يشون في 
السّاحة وعلى أوساطهم أحزمة من حبال الغسيل بألوانٍ شتی منظرًا 
مألوقا » ولم أشعر و انت عن ال هلف ا فلن 
المّخرية . وكان من حُسن حظ الكثيرين أنْ يسيروا ببتاطيل سليمة 
وغير مشقوقة لا تظهر عوراتهم - حينما ينحنون لالتقاط قلم أو دفتر أو 
طبشورة أو أي شيء آخر - لمن ينظر من خلفهم! 

اسا أن تكون لديك حقيبة مدرسيّة فذلك آمرٌ أرستقراطي ا 
يُمكن أن يفوز به إلا مَنْ كان أبوه يعمل خارج البلاد » أو مَنْ كان أهله 
قد قبضوا ثمن حصاد الصّيف . كان أكثرٌ الطلاأب وأنا كنت واحدا 
منهم يربطون كََبَهم المدرسيّة بربطة مطاطيّة كانت تنتهي في طَرَفَيها 
بإبزع حديدي يجمع بين الطرفين الحرّين » وكانت أمّي تشتريها لي 
بعشرة قروش » وكان علي أن أستخدمها على الأقل لنتّين مُتَتابِعَتِين . 


55 


أمًا مَنّ كان يحمل حقيبة من الخيّش ٠‏ أو من أكياس القماش فقد كان 
يعد فى طبقة محوستطة من الطّلآب » وأذكر أتني عندما صرت في 
الصف القّاني الإعدادي حصلتُ على حقيبة من هذا التوع » قَصّها 
وخاطها لي أخي الأ كير » إذ كانت مواهبه في الخياطة قد بدأت تنم 
عن ذوق فريد» واحتراف سوف يظهر لاحقًا حين ينتسب مثلي إلى 
العسكريّة . هل استعاض آحی عن رجليه بيديه » هل كانتا قدّره الذي 
أنجاه من العجز؟ من يدري ؛ ربّما! 

والخبز؟ كان الغائبَ الحاضر » تتطلع إليه القلوب ولا تراه الَعُيُون » 
ومع أنّ فرن الطابون الذي كانت تلجأ إليه نساء القرية ظل يعمل حتّى 
نهاية الثمانينيّات » إلا أن الخبز كان شحيحًا . وكان أعظم غائب 
يُنمَظَرا! إلا أنّ البَركة كما كنت أسمع من أمّي ظلّت تحل على الفقراء 
واليتامى ؛ يتامّى حربّين غير مُتكافئتين » وظلت هذه البّركة تُبعدٌ شبح 
الجوع ولو إلى حين » أضف إلى ذلك أن التكافل » والتعاضد بين 
عشيرتنا وجيراننا کان يُصرّب به الكل » ومن أجل هذا كان حصول 
الطالب على ساندويتشة واحدة يُشعره بالأمان طوال اليوم الدّراسي » إذ 
نك لو فتحت في تلك الآيّام حقائب الطلبة فستتأكد بنفسك أن 
نصفهم لا يحملون قطعة حبر واحدة ولو كانت يايسة »هذا فضلاً عن 
أن فكرة (المصروف) كان فكرة متأخخرة » تلوّثت بها أذهانٌ الطّلبة فيما 
بعد . لك سمعة امرأة عى التى كانت تعد بعض الساندويتشات 
للطلبة وهي واقفة أت اة طت عنابقة حت بد أن فك 
المدرسة . وكانت امرأة عمّى قد ماتت قبل ما يقرب من عشر سنوات 
على التحاقي بالصّف الأول . وكم تخخيّلتّها وأنا أهم بالدخول من بوابة 
المدرسة » وهي تبتسم في وجهي › وتمدٌ يدها الحانية بساندويتشة أو بأي 


56 


شيء ؛ أي شيء » فإتني لم أحب امرأة لم أرها فى حياتي كما أحببتها 
هى!! 

١‏ نعم » كانت الّاحة تجمع العشرات من الذين لا ينتعلون في 
أقدامهم حذاء ولو كان من (الشرايط) . وأوقنُ أتهم كانوا يشعرون 
بالمتعة واللحرية والسرعة في العدو وهم حفاة أكثر ممّن كانوا یلبسون »› 
ذلك أتني اختبرت هذا الشعور ولو لبضعة أيّام . وكنت أمارسه بإرادتي 
آيّام مطاردتي للفراشات ء أو أيَّام إقامتنا أنا وأولاد عمّى مسابقة في 
الجري خارج القرية في المسافات المفتوحة على السماء 

أمّا أ صعب المناظر» فكانت تلك التي شكلها (حَمدي) أحد 
الطلبة الحفاة بجلوسه في المقعد الأول . كان قد مد ˆ رجليه فبدوتا 
للأستاذ أو للطلبة الآخرين كالدٌمّل فى الوجه ء وكانت أقدام الطلبة 8 
أوساخ الأرض كلها إضافة إلى اتقات التي كانت تبدو عند 
عَقبَى القدمّين أو على أطرافهما . وكان أغلب الآساتذة يغضب لذلك › 
ويشتم الطالب ؛ ويأمره بالرّجوع إلى آخر الصف ٠‏ أو يُعاقبه بضريه على 
أصابع قدَمّيه بعصا من الخيزران الطري ليكون الألم مُضاعَفا ‏ وأستثني 
من ذلك الاستاذ (سامي) فقد كان مع ملازمة العصا له كما قلت » إلا 
أنّه كان حنوثا . ويُّقدّر ظروف الطلبة القاسية » والسبب الآخر أنه كان 
من أهل القرية بحلاف الأساتذة الآخرين الذي كان أكثرهم قادما من 
إربد أو من المدن الأأخرى وقد عيّنّه وزارة التربية والتعليم في هذه 
القرية النّائية فشعر بأنه قد تفي إلى مجتمع غريب عنه لا عت له 
المهمّء أن هذه الرّجل الحافية القذرة امتدّث يومًا في وجه الأستاذ 
سامي » وكنت شاهدًا على ذلك اليوم إذْ إتني كنت أجلس إلى جواره . 


57 


حين بدت تلك الرّجل في تلك اللحظة كصوت نشاز ناعق في 
ر موسيقية منسابة » طلب الأستاذ سامي من الطّالب أن يخحرج 
الوح اللو ؛ظنّ الطالب أن (فَلَقَةَ) حاميّة بانتظاره » فتهيًاً للأمر بإخفاء 
يديه خلف ظهره وهو يقف أمامنا » وباتكماش جسده » وتقوقعه على 
نفسه كما لو كان مُصابًا بخص . وأدار رأسه إلى الجهة الأخرى . قال له 
الأستاذ سامي : «انظر إلى زملائك › واسألهم كم طالبًا مثلك لا يليس 
حذاء في قدَمّيه» . كانت هذه العبارة ابتداء ف زاحت عن صدر 
الطالب هما ثقيلاً : » فسأل زملاءه كما طلب منه الأستاذ » فرفع أربعة 
أيديهم في الصف › وصاروا مع (حمدي) خمسة »ء كانت هذه المعيّة 
من ن الأضباه في مُجتمّع الحفاة قد أشعرت الطالب أنه ليس وحده ء وأنّه 
جحرد ني يديع الحرين ما ارا ما فی در من حجلٍ 
وهم . ثم قال لهم : «أنا اعرف لكو بادك أفضل من 1 بقيّة زملائكم» » 
فانفرجت أسارير (حمدي) » وأشرق وجهه » ثم زداد ٠‏ هذا الوجه إشراقا 
حين أكمل الأستاذ سامي : «ذلك لأته كان بإمكاتكم ألا تأتوا إلى 
المدرسة مُحذرّعين بعدم وجود حذاء تمشون به » لكتكم 5-07 هذه 
العقبة » وتخْلَبْتُم على الصّعاب » وجثتم لمكم للتعلّم مُسارعين 
المدرسة ولو كنتم حافين» . أنا اليوم أدرك أن هذه f PER‏ 
اة حون ن التعلّم حتّى ولولم يكونوا قبلها كذلك > بل إن مَدْحَ 
الأستاذ للحُفاة من الرّملاء جعل البقيّة الذي ينتعلون الأحذية يتمتون 
لو أنهم كانوا حُفاة مثلهم . وأشهدٌ فيما بعد أنّ حمدي تعلّم أكثر مني . 
وأكمل الثانويّة العامّة بمعدّل جيّد . وتابع دراسته في الجامعة » وظل 
شعقةه بالعلم يزداد » ولعل كلمة الأستاذ سامي له كانت سينا شا 
في غياحه » مع أتني - كذلك - مدرك لو أن الأستاذ سامي اخحتار غير 


58 


تلك الكلمات لكان الأمر قد انتهى (بحمدي) إلى الضياع . 

صارٌ (حمدي) يومّها مشي مرفوع الرّأس ء مشدود الصّدرء تاهض 
الكتقين كأته يحمل فوقهما أوسمة لا يحملها أكبر الجنرالات . ثم 
تتابعت من بعد ذلك عبارات الأستاذ سامي » فأدخل الفلسفة في 
موضوع القدم الحافية > وأذكر أنه طلب و من طالب آخر حاف أمامتا 
عبن ان حك على ا هل العبارة : «ظلَلت أطلب من أبي أن 

يشتري لي خا لقدمي العاريتين حتى رأيت طفلا بلا 00 

ا العمارة أمام و فلسفة النعمة وفلسفة الحقيقة 5 واللتين لم نكن 
ندرك منهما شيثًاء لكتّه قال لتا بعدها: i.‏ 
العبارة؟» . لم يُجبْ أحدٌ بالطبع » وسمعتّه يقول اسمًا غريبًا لم 
أحفظه لحظنهاء لكتني بالكاد حفظئّه لاحقاء قال إتهال 
(كونفوشيوس) الحكيم › ولم نكن نعرف عنه شينًا » وبقيت أنا على 
الأقل أجهله . وكان سور المدرسة يعج بآيات من القرآن مخطوطة عليه ٠‏ 
وأحاديث شريفة » وأبياتٍ من الشعر » وأذكر أتنى قد قرأت على هذا 
الور من الدّاخل هده العيا: التي تقول : مهما بلغت درجة 
انشغالك » فلا بد أن تجد وقسًا للقراءة , وإنّ لم تفعل فقد سلمت 
نفك للجهل بمحض إرادتك» » وعرفت فيما بعد أنّها لكونفوشيوس 
هذا الذي لم أكن لأ حفظ اسمه بشكل صحيح وتام إلى اليوم . 

ثم حدثنا الأستاذ (سامي) بحديث صنع ر هالة حول الطلبة 
الحفاة» قال إِنّه كان في الزمن القديم عالم كبير يسمى (بشر بن 
الحارث) » وكان في شبابه يطلب العلم . وعشي في طلبه حافيًا . فلمًا 
صار يأتي إلى حَلقات العلم - ويشرح الاستاذ هازا رأسه : أي ما يُشبه 
المدرسة - حافيًا اشتهر بهذا الاسم › فصاروا يُنادونه (بشر الحافي) 


59 


وأنّ الاس كانت ترى قدَميْه قد اسودّتا من أثر التراب الملتصق بهما 
اونا علي اع حافيًا . وبهذا أضاف ال (سامي) الى الصورة 
المتخميّلة في ذهني عن ( ریو صورة جديد هي صورة (بشر 
الحافى) 

ظلَتْ أقدام الحفاة التّبلاء حاضرة في مُخَيّلتي . صارٌ عندي ميل 
إلى تقديرهم » والمسارعة إلى مصادقتهم > حتى جاء يوم اشترت لي 
أمَى فيه حذاء رياضيا أسودء كان اسمه (بوط فحمة) لان قاعه ملتصق 
ات هرای عن فیا كل افيه بحجم حبّة الفول ء وكان 
صناعة صينيّة » وأذكر أنّ ثمنه كان (خمسة وسبعين) قرشا . وكان يوم 
خرائة ل عدا 1 لحو عرد لزنام بلا ضور as‏ ولم تذهب 
ذكراه من بالى مع كرّها الطويل المتمادي!! 

كان أخي الأصغر عبد الله قد دخل المدرسة . وأخي الأكبر قد 
التحق بالجيش » وصرت أنا فنّى معروفا فى المدرسة » كان الأستاذ 
عنافى تقول ا ولا ا عن عمد فهر مهن فيل كنت 
كذلك حَقَا؟! بالنّسبة لقناعتي الدّاخليّة لم أكنْ أرى نفسي مجتهدًا 
بالمعنى الحرفي لكتني كنت كشير الحركة > نشيطً » لا أغيبُ عن 
المدرسة . مَُلمَرَصًا » ولا أتواتى عن أي مهمّة أوكلّتْ لي ٠‏ ولكنني أكره 
الرتابة كما قلت لكمء » أمقت هذا الدوران العادي للديام « وبطبعي لم 
أكنْ صَّبورًا حين تتشابه الأيّام » ومن أجل هذا بدأت أتطلع إلى 
العسكريّة من جديد » وأتوق إلى اللحاق بسلكها 

لا أدري لماذا هربت من التعليم بهذه الصّورة المفاجئة » ولكئّني في 
الفصل الثاني من الصف الثالثك الإعدادي > كنت قد دا ت أغيب ع 
المدرسة . ربّما لأن هناك قدرًا آخر ينتظرني ؛ هن ¿ يدري! كانت قريتنا 


تقع في الطريق المْؤْدية إلى الور وإلى الشونة » كنت أرشة الباصات 
التى تحمل الطلاب من مدارس عمّان والرّرقاء وإربد الذاهيبة فى 
ر حلات إلى آم قيس وإلى الحمّة كنت أحياثا أحمل لهم دلاء الماء 
وأسقيهم › وأتمنى لهم رحلة سعيدة » لا تسألوني لماذا كنت أفعل ذلك؟ 
أنا حتى اليوم لا آدري ولتت لدي أدنى فكرة تقودني إلى الإجابة 

رما لأتني كنت أتمنى مثلهم أن أصل الغور»ء أن أقف في الحمّة قريبًا 
من نهر الأردن ء أن أسبح في الشريعة »أن أنظم طوقًا من الأآزهار 
الصّفراء مثل أهل الغورء وأقدّمه إلى زوار تلك الأماكن مجانًا؟ هل 
هناك سبب آخر كان يشذني إلى تلك المناطق الحدوديّة؟ ريّما . أعدكم 


ا الى 


أتنى سأجد إجابة مُقنعة فى الفصول اللاحقة من روايتى . 


61 


و03 
هل تظنون أن أهالي الضحايا ينسون ؟ 


كنت قد سجلت في العسكريّة » وصر ت أحد الجنود الذين عليهم 
أن يفتخروا بالانتساب إن جيشٍ جد - ليكون ا |> أردنيا فحسب › 
ومن أ ادات ت آي جيش ؛ أنْ يكون حاميًا لدولته » وسّقاتلاً ضدٌ 
ع ا کت ا 

أنهيت الشهور السَسَّة الأولى التي يقضيها المجنّد الجديد في 
التدريب على السّلاح » وعلى حشونة العيش » وعلى القتال» 
وااو را تي اهم عَامًا معن المنديّة ققد كنت الأول على 
دفعتي > وأخذت - كما كنتت أؤمَل - شهادة تيّز في القنص > وصار 
رفقاء الستّلاح يدعونني بالقتاص . أدخل ذلك السرور الغامر إلى قلبي › 
لكنْ سرعان ما التفت على قلبي سحائبة من الهم حين عُيّنْتْ في 
الجيش سائقًا!! 

0 أحلامى فى السّنة الأولى والثانية من انضمامى إلى 
القُوّات الْسلّحة » ولا حاجة لان أذكر هذه الأحلام من جديد ‏ وأوّل 
أمر لفت أنظار قادتي نحوي » وجعلهم حون بني لست سهلا » وأن 
فى رای موالاً كما يقولون هو عندما طلبت كعسكري ألا ا 
كائق ء وأن أعيّن فى أي وحدة عسكرية بشرط أن أحمل السلاح 
فهل من المعقول أن نتدرّب في الحرٌ والقرّ كل هذه الشهور » وأحصل 
على شهادة قناص ثم بدل أن تكافئوني بإعطائي أحدث البنادق 


62 


ترمونني حلف مقود سيارة؟! شكل ذلك صدمة قاسية بالتحمية لى 
ولكن حاء الرّد على الفور : كل مَنْ لا يحمل شهادة الكانوية العامة فإن 
القرار العسكري ينص على تعيينه سائقا . وأخرسني الجواب إذ لم أكن 
أملك عليه ردا > ولوهلة تبت قن قلبى حب العودة إلى المدرسة ومتايعة 
تعليمي فيها . ولكن هيهات!! 

مر العام الأوّل بطيمًا . ومثله ثلاثة أعوام أخرى » وكانت الرتابة 
التى أكرهها كرهًا شديدًا قد بدأت تُطل برأسها من جديد . 

في الشهور السسّمّة الأولى ؛ شهور التّدريبٍ » شهور الحركة والحيويّة 
كنت أعود طروبًا إلى إيدر » كنت سعيدًا بحياتى الجديدة » وعندما 
ا O HIDEO E AAR‏ 
معسكرات في الصحراء الشرقيّة fy‏ أحمل معى أكياسًا من 
الخضصروات والفواكه ¢ وأكياسًا أخحرى من الحلوى » أدفع بها إلى امي 
أبتغي رضاها 
لي المتاعب النّفسيّة » شىء ما جعلني أشعر با فزن والوحدة حينَ تكون 
القيّم عالية جدا والتّعامل معها بأقل من عادي . في العاشرة من 
عمري . دمّرت القوّات الإسرائيليّة المفاعل النووي العراقي » وكنت في 
مشاعري عايرًا للحدود » فانتكست انتكاسة شعوريّة حادة » والحقيقة 
كان أمرًا غير خاضع للتحليل يسبب صغْر سني من جهة » وبسبب أن 
الأمر حدث بعيدا فى العراق لا فى الأردن » فما الذي جعلنى أنهارٌ 
الإجابة بدقة حنّى اليوم » ولكتّني وجدت مُوغًا للأمر ؛ إذ إن يد 


63 


إسرائيل هذا الكيان اللأغتصب كانت موجودة . وعليه فان هذه الدولة 
اللقيطة تخت نبا لبن ع فى تيت لي هذا القهر والغَّيظ 
وهذا العداء الذي ينمو في أعماقي مثل شجرة د شوك لا تُقَتَلعٌ إلا وهي 


س سس 


تر آلاما فادحة . 
لم + على خادنة الشاغل التووي العرائن ار ب جى 
وقعست مأساة العصر التي ستظل شاهدة على الإجرام الإسرائيلي 
العسهيوني إلى يوم الدين ء كان ذلك يحدث في دولة عربية مخخطوفة. 
الشة هي لبنان » في مخيّمات اللاجين الفط الّذين هم 
بالاساس نصف ؛ أطفالهم يتامى » ونصف نسائهم أيامى » والنصف 
المتبقي يحارب الوت الذي إن لم يكن برضاصة طائشة ثشة لا يدري أحد 
مصدرها فبالجوع الذي يرّعهم بأنيابه دون أن ۽ يدري أحد . نعم وقعت 
مذبحة صبرا وشاتيلا » ومن جديد تكون يد إسرائيل اللعينة هي اليد 
الطولى في هذه المذبحة عد المت كالعادة - على شكل تنديدات 
واستنكارات ورسائل شجب إلى مجلس الأمن الذولي من الأنظمة 
العربيّة » ولكته لم يمر على هكذا . كانت مذبحة صبرا وشاتيلا هي 
ثاني نقطة تحول فكري ونفسي وشعوري لدي بعد قصّة مقتل امرأة 
عمّى كاتت انعطافة بكل ما تحمله الكلمة من معنى فى حياتى › 
تغيرت كثيرًا بعد تلك الحادثة » وظَلَّتْ ور القتلى في الشوارع والمشث 
المثقاة و في الطرقات مُنطبعة في ذهني إلى اليوم وواللنها لى و 
وأعتقد أنها ستبقى وقودا يُفسّر كشيرا من الأعمال التى فت بيا 
لاحقًا ۰ 
٠‏ كان أبي يذهب كل أربعاء إلى إريد وياتي بجريدة اللواء » وكانت 
تنشر عن المذبحة أكثر من غيرها ء وكت أقرؤها حرفا حرفا » ولريّما 


أعيد قراءتها والتمعن فى صورها مرّات عديدة . 
كنت آنذاك فى الحادية عشرة عن دري > غيّرت الصور الفجائعيّة 
حتى مشيتي ف اقول > وجلستي تحت الأاشجار» صرت أذهب 
بعيدً » بعيدًا عن (إبدر) أهبط وديانًا وأصعدٌ تلالاً . وأمشي فى الحقول 
سيا بلا رقف ويلا طائل وبلا هدقف كلت احير أن صور الشهنداء 
والضّحايا تلاحقنى من الخلف . فأهرّع نحو النمجهول هربًا منهاء كانت 
تُشبه سكاكين تُطاردني » وأظفارًا ناشبة في ظهري . فأركض لكي 
أتقى انغرازها في أكتافي كنت أسمع أصواتهم . أتصدقون أثني 
كنت أسمعٌ أصوات الموتى؟! صَدّقوا ال ا ا 
يقولون لي : هم جبناء فلم يُدافعوا عتا » أفتكون أنت جباتًا مثلهم؟! هم 
أنظمة مهترئة صّدئة تابعة لليهود أفتكون أنت مثلهم تابعًا لهؤلاء 
الخنازير؟! هم يسمعون استغاثات الضحايا في اليوم ألف مرة ولا 
يستجيبونء أفلا تستجيب أنت مرّة واحدة؟! : ثم أشعر أن الأسئلة 
نفسها تتحول إلى سكاكين هي الأخرى وتقوم بمهاجمتي من الأمام › 
فأتقيها بالمشي مُتعرّجًا » فأصير ألتف حول الأشجارء ومن رآني لم 
يشك للحظة أنّني - بالفعل - أهرب من شيء ماء حتّى إذا انتتهت 
أشجارٌ حقلٍ ما » وصارت الأرض خالة إلا من السماء ومني صرت 
أركضص مره جنونيّة » وأنا أرفع ذراعي فوق رأسي كأتني أحميه من 
شي قادم من فوقي » وأظل أركض بلا توف ربّما لساعات » حتّى إذا 
كلت رجلآي » وانقطعت أنفاسي و صوت لهائى » ونهش التّعب 
كل أطرافي ؛ ٠‏ سقطتُ على الأرض »كم قمتُ بعاد سقطتي فمشيت 
محنى الظهر منسدل الذراعين » أبحث عن شجرة أجل تحتها . > حتى 
إذا وجدثها ء وركنت ظهري إلى جذعها . ورحت أحاول أنْ ألتقط ما 


65 


تناثر من أنفاسي التي تتلاحق مثل شهب ساقطة من السّماء لا ينتظر 
الشهاب أحاه الهاوي حلفه » رحت ا جذع الشجرة ة هو الآخر 
يُعاتبتي » ويبدأ مشوار اللوم معي . حتّى إذا مر من على عتاب قاسٍ 
هدا الجذع فيه وهدأت » عاودتني صور الضحايا ترتسم أمامي في 
الفضاء الخالي » > كان منظر ذلك الذبيح الذي نام علن كن دبعم 
آخرء كأتما يضحَّك إلى أخيه في اللحظات الأخيرة التي سبقت 
ELO‏ ا ا ل 
1 أيّة حال ؛ هل كان الإنسان بحاجة إلى أن يُسند رأسّه إلى كتف مَنْ 
يحب حتى وهو يموت!! هذا المشهد لم يغب عن ذاكرتي ولن يغيب 

أمَا مشهد الام المفجوعة التي جثت على رُكبتّيها وعلى وجهها 
ارتسمت كل المصائب المعتّقة ء ريما في وجهها تجِمَعتْ مصائب 
الأمهات من يوم أن فقدت أوّل أمّ ابنها في أقدم مذبحة في التاريخ إلى 
اليوم » فكان هو الآخّر من المشاهد التي لن تُنسَى » كان نهر من الحزن 
يناب عبر إحدى يدّيها التو لمن ازل أبنائها الخمة الذين 
سقطوا في المذبحة » وقد اصطفت جُتثهم أمامها في لوحة تفيض 


بالبؤس الكوني العميم . 
كان المخيمان قد حوصرا تت يهودى عنصري حاقد > ونصراني 
اي خيس > ر A E‏ الحماء ومن الأرض لمدَة 


e‏ متتابعة ¢ دون أن سمح لحد . بالدخول د الخروح ء > |د إن كل 
منافذ ا كانت قن أغلقت بالكامل 3 ومن کان يحاول الخروج 
كانت تتلقاه للق في الرأس وشرب شاروت وأذنابه من دماء المسلمين 
حتى ارتووا ووزعوا ما تبقى من كؤوس الدم على من تبقى من 
المتخاذلين من العرب قادة فش کان الجندي يطلب من التساء 


66 


والأطفال والرّجال أن يرفعوا أيديهم ووجوههم إلى الجدران المهشمة » ثم 
يرشونهم كأتهم عبارة عن حيوانات ضالة ثلاثة أيّام أبيدَ فيها كل مَن 
يتحرّك على قَدَمَين في الْمخيّمَينَ حتّى إن القطط لم تسلم من الموت . 

كم زمن سيمرٌ على المأساة » وكم مرّة ستنسونها » كثيرون لم 
يذكروها في الأساس حنّى ينسّوها لنلومهم » فقد كانوا في واد بعيدٍ 
عن عروبتهم وإسلامهم وأخوتهم . »لكن هل تظتون أن أهالي الضحايا 
ينسّون؟! كلا . الضّحايا أنفسهم لن ينسوا » وسيأتون يوم الفزع الأكبر 
وقد تعلقوا برقابانا قبل أن يتعلقوا برقاب قاتليهم ليسألونا : لماذا تخليتم 
عنا؟ لماذا تركتمونا للوحوش - التي تبدو بهيعة بشريّة - تنحرنا نحرًا ؛ 
ووقفتم متفرجين وصامتين وأنتم تملكون كل جوع و عتا ذلك؟ 

عام الغربة عن التفس في (إبدر) كان العام الثاني الاي 
بالعسكرية » مئة سيب كان بمقدوري أن أقولها لكم لماذا عشت تلك 
الغربة » ولكتّكم لا تملكون كل هذا الوقت لتسمعوني a GS‏ 
زلت أسمعٌ أصوانًا فى رأسي تدعونني إلى الثأر . أصواتا تقول لي بلغةٍ 
فصيحة : إن لم توقف سيل هذا الذل وهذا البح . ٠‏ فيجرفك اليل 
فيمن سيجرف . إِنْ فاتك مدية القاتل هذه المرّة » فلن تفوتك فى المرّة 
القادمة » وستجد عَنُّقكَ تحت مقصلة السسّفّاح دون أنْ تدري اذا ء ولا 
مهرب لك إلا بالقتال . هل كان هذا التداء حقيقيا » أمْ أن تربيتي في 
(إبدر) » وأثر أبي والمسجد والشيخ عبد الرَرّاق » قد أوحى لي بذلك؟ أنا 
من مهمّتي أن أطرح الأسئلة » لكن ليس من مهمّتي أن أجيب دائمًا 
عنها 

فى نهاية السينة الرّابعة للعكريّة دخل عنصر جديد فى 
معادلتي » كانت حربًا غير معلنة تدور رحاها في الخفاء بعد دخول 


67 


العراق إلى الكويت عام » وكنت أرى أن معارك وشيكة يُمكن 
أن تجاح الشرق العربي وتلتهمه بنيرانها ٠‏ وأنني عمًا قريب سأحمل 
الستلاح » وسيكون دوري الذي انتظرته طويلاً قد أزف . 


68 


(A) 
٠5 هل كانت أحلامنا وردية إلى هذا الحد‎ 


إته الليل » وإنّها المّاعة الثّانية فجرًا من توقيت الحرب!! الحرب 
التي لم تيدأ . الحرب التي ستبقى وهمًا يصنعه أصحاب الكراسي 
لادعاء بطولات زاثفة من جهة › ؛ وليُحكموا تثبيت كراسيهم من جهة, 
آخحری ا استعداد للحرب أن تتذكر التاريخ الذي مرّهنا . 
تستحضر حَمْحَمات الخيول التي صهلت في هذا المدى ؛ من هنا 
بالڌات ؛ من آم قيس › > تستحضر نداءات الجند الخالدة : الله أكبرء الله 
أكبر . والعدوٌ واضح . وهدف القتال أوضح ؛ «هي لله . الحرب التي 
في الوجدان أعظم من تلك التي على الأرض . إذا اسكُنفر الوجدان 
قامت الحرب ء وإ حدر أو غيب انتهت »لم يكن عليك أكشر من أنْ 
تنسّى كل شيء» تتجاهل الأمر برمّته كي تنتهي الحرب في ال حالين . 
تلك التى فيك . وتلك التى خحارجك . ولكن أنى لى أن أنسى › وكان 
وجداني بركانًا EY‏ في كل حين!! ۰ 
7 “عر كوو فة ي الي عل اطق ال دو ية ارال من 
السيّارات العسكريّة المجهّزة » وأفراد مُقاتلون فى الشريط الحدودي على 
النقاط العكرية المبثوثة على ا ددا لي أن الأمر قد انتهى » وأن 
الحرب وشيكة لا محالة . وأنّ أغنيات التصر ستنفجر بها الحناجر عمًا 
قريب » وإلاً فما معنى هذا الاستنفار على كل الأصعدة » وما معنى أن 


69 


ثلعَى إجازات الجنود والضّبّاط . وما معنى أن تُلقَم المدافع والرّشاشات 
بانتظار الأوامر؟! 

۰ بدت أفكر بدوري في المعركة ء لا بُدَ أن إسرائيل ابنة أمريكا 
الُدلّلة ستكون أوّل أهدافنا » خاصة وأنٌ أمريكا هي التي تهمّ الآن 
باحتلال العراق ء هذا البلد العروبئ الإسلامئ الضارب جذوره فى 
التّاريخ ٠‏ وهي التي تدعم هذا الكيان اللّقيط منذ اغتصابه لأرضنا 
المقدّسة الحبيبة فلسطين . كانت الصّورة بالتسبة لي غاية في الوضوخ » 
ورصاصاتي غاية في الاستعداد > وقلبي ينبض في كل حينٍ شوق إلى 
اللحظة الحاسمة!! وما اللحظة الحاسمة؟! إنّها لحظة إصدا ر الأوامر لنا 
ببدء الج ؛ الهجوم الذي كان امل أحلامي › وتبيّنت ؛ لاحقا أنه 

ن أسوأها 

0 الثّانية فجرًا . الأضواء في الأرض الحتلة في الكيبوتسات 
E w2 aa‏ و كانت هادثة و مثل ريشة, 
lS‏ لتاقم على العدوّء املو u‏ ؛ اليم ٤‏ 
وطول انتظار البدء » حسبمّها تتلوّى أمامي كأفعى تبتسم منتصرة › 
وكأتني مُنِيتْ بكل خسارات الدنيا . لم تكن طبريًا وحدها هي التي 
تظهر رائعة من هنا من آم قيس » أضواء مزارع أخرى » مزارع غاية في 
الحتظيم والترتيب , في التّهار كانت تبدو من هنا جنّة » وفي اللّيل 
كانت تبدو فردوسًا مفقوداء إنهم يحرثون فيها أرضتا » وترابنا . 
ويسقونها من مائنا » وتعطيهم - لكرمها - أفضل ما عندهاء ثم هم 
يبيعون خيراتها لنا » ونحن أولياؤها وأهلوها!! 

كنا ما زلنا نحشد . وما زلنا ننتظر الأوامر . نعم صدرت الأ وامر لي 


70 


مع آخرين بالتمركز على قمة أم قيس » فقط بالتمركز دون الإتيان بأي 
حركة أخرى . كنت وقتها سائقا لسيّارة جيب من نوع ويلزء وهي 

سيّارة عسكرية مُجهزة بمدفع (5 ١٠)ء‏ ومعي طاقمها؛أي جُنديّان 
اران . ومرّت ليال طويلة علينا هناك ونحن نعتلي تلك القمّة 5 
إحدى تلك الليالى » وقفتُ خلف مقبض المدقع . ٠‏ نظرت من خلال 

منظاره إلى الأفق » بدت من خلال الرّؤية فلسطين أفقا آخَر » خفق 
قلبي » ترئم » شدا لها ء غنّى ما استطاع . رقص لها كصوفي تجلى له نور 
الله » وأحبّها كما يليق بوطن أن يحب . أدرت المنظار يمينا يمينا » الجنة 
تُغويني لا التَفّاحة » الراب الذي جُبِلَتْ منه أجسادُنا يشدني » 
الأشجار التي تُشبه أشجار (إبدر) تستهويني » الذكريات تُعيد تشكيل 
المشهد كما لو كان صورةً مطابقة لتلك التي في ربوع الأردنٌ الغالي ؛ 
إِنّهما وطنْ واحد » ولغة واحدة » وموسيقى واحدة » ورثتان كما لو كانتا 
لجسد واحد تتقسامان التّفس ذاته ؛ كافرٌ مَنْ يفرّق بينهما في الماء 
والتراب والسّماء » كافرٌ من يتركهما للأوغاد يعيثون فيهماء كافر من 
يتسلى بأكذوبة الدفاع عن واحدة منهما لاله غير قادر أن يُبادل الثانية 
الل فرت ت في سبيلها : إلى الي فللا يا صنديقى ؛ إنها القلب 
الآخرء ها هي طاهرة ت: ونث بالتفايات البشريّة من أراذل الخلق » كان 
المشهد في الليل ساحرًا ء إلا إتها لم تكن ساحرة إلا لأتها هي ٠‏ وليس 
لأنهم هم ؛ فهم يلوئون كل شيء . رفعت رأسي عن المنظار اعبت على 
ا > وتنهات » قلت لصديقي : «ألسسّنا في حرب وإِنّ لم تبدأ!! أليس 
العالّم كله يحشة من أجل الولوغ في دم العراق » ألسْنا ننتظر ساعة 
الصّفر؟ إِذَا دَعْنا نستعدٌ لذلك ولو بتصويب فوهة المدفع» ٠.‏ ارتجيف 
يدئهما »لم يعهدوا أن يُبادروا » كانوا من جماعة الانتظار» إن لم تكن 


71 


هناك أوامر فلا يُحرّكون غملة واحدة من مكانها . ريت ارتجافهما 
فعلمت أن الأمر ليس سهلاً عليهما حى ولو مجرّد السَوال عن الخطوة 
ا عار ا اعا رايط سام 
الال انت انی شري بها فلت دون أن أنظر فى 
وجهّيهما : «سأفعل ذلك وحدي» . قال الأول كمن يُدافع عن نفسه 
أمام تهمة مُهلكة : «أنا لا علاقة لي > لا أفعل إلا ما أؤمر به» :التاق 
سكت . سكوته شعني » اقترب مني وأنا E E‏ 
وضع يده على كتفي » كانت إشارة كافية بالموافقة » وبالفعل » أشرت 
إلى الجهة التي يجب التَصويبٌُ نحوها : «هناك» . خفض رأسه . 
وأزاحني برفق لينظرء فتراءى له الموقع المستّهدَف . نعم ؛ إِنّه فندق 
تُمارس فيه الرّذائل كلها . هكذا كنت أفكر . أدرت (سَبّطانة) المدفع 
جهة اليسار»ء تحرّك معي كأته كان ينتظرني ليفعل » أحسست أنه 
يتناغم مع ما أقومٌ به » دار في خحَلدي شعورٌ أثني لو انتظرت ليلة أخرى 
فإنني سأفيق على المدفع ذات صباح وقد غيّر اتجاهه نحو هذا الهدف 
من تلقاء تفسه! التار تعرف القأر وحدهاء تعرفة عدوّها بالغريزة » قال 
لي رفيقي الذي كان سكونّه علامة الرّضى وهو يُقَرّب جهاز اللاسلكي 
من أذنه ليدلل على أنه في حالةٍ استعناد تام » وانتظار اة بشانية 
لساعة الصفر : «إذا ما صدرت لا الأوامر ببدء الهجوم فستكونٌ و 
قذيفة تطلق في هذه الخرب باتجاه الأعداء من هذا المدفع . > وسيكون 
لنا شرف ذلك . لا أعتقد أن الآخرين سيحوزون هذا الشرف قيلنا» 
هل كانت أحلامُنا ورديّة إلى هذا الحد؟ آم أتنا كنا مُعْفَلِين إلى تلك 
الدّرجة القاتلة؟ لا أحد متا نحن الجنود المساكين المترفين بالقيم الُثلى 
كان يدري؟ وأنا اليوم أعترف بأتني كنت أوّل هؤلاء المساكين! 


7 


مر ذلك اللّيل بسرعة » أحلامُنا فى ساعة الصّفر جعلنّه يركض › 
كأنّه خيولٌ جامحة تفر من قَدَر لاهب »لكن صباحه لم يكن كذلك 
أبدًا . قبل أنْ نفتح عيوننا في ثكنتنا العسكريّة » وقبل أل ترة 
الشمس إلا بمقدار المكحل في أفق السّماء » وقبل أن تُنهى عصافير أَمُ 
قيس غناءها البديع الموروث ٠»‏ كنا حول آنا وصديقي الذي ظلْ ساكنًا 
يات . استدعانا الضابط المؤول . هُرعنا ونحن 

نتساءل باستغراب عن سبب الاستدعاء المفاجيع » والّذي كان جافا 
وجخاناة) +وغالتا من آي ي فضا رانا رخ ةو و الکن 
بالآساس تعلم أننا تحولنا نجرد حلم لم ينهض من مكانه في ليلة غابرة 
إلى مجرمين ومرتكبي فظائع . دارت العبارة الأ خيرة في خاطري عندما 
وصلنا إلى شعبة الاستخبارات التابعة لقيادة الفرقة > وسرعان ما 
عُصبت أعيّدنا » وقاموا باقتيادنا إلى خرقة eas‏ انارت كالسكين › 
وغامضة كالقدرء وخحفية كالموت . كانت تتنفس برودة في كل ذرة هواء 
فيها كنا وحدنا آنا وزميلي الذي ارتكب ا جرم بصمته فقط ‏ أمّاا 
الغالث فلم يكن معنا كانت الغرفة صغيرة وخالية من كل شيء › 
عرفت ذلك بتجوالي فيها » ومحاولة 5 تقوم موجوداتها من خلال تحسس 
كل شيء فيها برجلي . > أما أيدينا فكانت مُقيّدَ مُقَيِّدَةَ إلى الخلف . کنا بلا 
عيون . ولهذا وجدت صعوبة في التواصل مع زميلي » ومع آتنا لم نكن 
مُكمّمي الأفواه إلا أنَ الكلام يفقد قيمته ومعناه إِنْ لم يغترف ذلك 
المعنى من النّظر فى العيون . عُيُوننا المعصوبة كانت لا ترى إلا سوادًا . 
وأظن أنّها سترى السسّواد نفسه لولم تكن معصوبة ‏ إِذْ إن الغرفة كانت 
مظلمة فزاد ذلك في برودتها كان أسوأ شيء سلب منا في تلك 


ص 


اللحظات هو النظرات » لو أنهم اكتقوا بتقييد أرجلنا لكان ذلك أهون » 


13 


ولو أننا كنا فتلك القدرة على التظر » حتى ولو في وجوه بعضنا لكانت 
المأساة أحف » والقدرة على التّهوين منها أعظم . 

كنت أسمعٌ صوت أنفاسه كان تدريبًا على إصغاء المع 
شوشت حركدّنا عليها قليلاً » لكنّنا كنا وحدنا » وكنت أدرس تفسى 
على التقاط صوت أنفاسى » ودقات قلبى » اجتزت هذا التّمرين ف 
قبل » أنا نا الان أتدرّب على التقاط صوت همات الآخرين » وأرسم في 
خيالي من خلال شدة دقات قلوبهم حالة الأمان التي يعيشونها . لم 
نكن نشعر به لحظتها . لكن غرابة اقتيادتا بهذه الصورة المفاجئة لم 
يسلبنا أماننا بشكل كبير . ساّه کأبله : «ترَى لماذا قعلوا ذلك بنا؟» 
أجابني بشهقة وصل حرّها إلى وجهي . ولم يقل شيمًا . سالت من 
جديد : «هل تكون سبطانة المدفع هي السبب؟» سمحت دقات قلي 
تزداد » وحرٌ أنفاسه يعلوء تخخيّلت أنه يتمتى لو يقترب مني ويضع يده 
على فمي لكي لا أنبس بحرف واحد .لم يقل كلمة واحدة . قالت 
عنه دقات قلبه : «الجدران تسمعنا ء فابتلعٌ لساتك خيرًا لي ولك» 

تسليت قليلا بالمشي ف في الغرفة . تعبت من الوقوف . ركلت الرّاوية 
البعيدة بقدمي كأنني ا أو أومّع مساحتهاء »ثم تمدّدت على 
جنبي » كانت القيود تمنعي من الاستلقاء على ظهري . لا بأس ؛ 
«بعض الشّرٌ أهونٌ من بعض» ظلَلنا على حالنا تلك أكثر من أربع 
E aT‏ على تددن ا ادت 
أحدهم في الخارج » جاءنا وه کر يشم : «شو بدك؟» . دنا 
نصلي» . فتح باب الغرفة » اقتادنا إلى حمّامات الشعبة » كتا لا نزال 
معصوبى العيون . توضأنا تحت حراسته . أعادّنا إلى الغرفة . ودلنا على 
انتجاه القبلة . صلّينا الظَّهر . لم نك ننهي صلائنا » حى جاؤونا 


74 


بالغداء . رفضنا أن نأكل لقمة واحدة ج من اوج لم يهتموا 
SES Ea‏ 
إحضارنا إلى هنا؟» . 596 يده على وجهي بلطمة كادت 9 
الوعي كانت أوَل لطمة أتلقاها في حياتي . حفرت جرحًا عميقا في 
كرامتي بكرت . لكنني أعمى . تحفزت » وقفت على قَدَمَي كثور هائج 
في الظلام لا يعرف نحو من سيصوّب قرونه . لكتّنى سرعان ما تلقيت” 
لطمة أقعدتني وأخحرستني 8 تنعت هعون > ضابط أجش ويده 
11100 تقولا شيا لكئّهما فشلتا في ذلك . 
شددت على نفسي هذه المرة وحاولت أكثر أن أقول آي سي ء ¢ أي 
شيءٍ و ارام هيه N‏ 
يقول لي «أخرسً» . 0 بالفعل 


75 


4 
الجوع كافر 


مرت ساعات ثقيلة من بعدها . لم يجرؤ زميلي على أن يقول 
شينًا . ولا آنا . بقينا في الغرفة إلى الليل .لم صل العصر والمغرب . 
وغرقنا في الحيرة والحزن مما . شعرت أتنا يتامّى في دولة لا تعدنا أبناء 
لها كان الحزن خيطا رفيعًا من سك معدني يشله أحدهم وهو عالق 
قي أعماقنا » فلا يخرج إلا وتنجرٌ معه نتف صغيرة من ع الأ حشاء . عرفنا 
أنها قد فاتتنا صلاتا العصر والمغرب . حين اقتادونا من الغرفة إلى أحد 
مكاتب الضبّاط وكان صورت الأذان يرتفع . سألت » فقالوا : العشاء . لا 
أذكر أي نغت كل هذه الفترة الطويلة فقكيف مرت ت؟ هل كنا فاقدي 
الوعي؟ كلا كلت اوت ا ا انان . هل كان الْخْرَسُ هومًا 
ساعد نا على 5 قضم الوقت؟ ربما 

كانت العصبة ما زالت تغطى على أعيننا ليتواصل عَمَانا . مُتعنا 
في الغرفة الجحديدة من الجلوس أو الحركة أو الكلام . مرت ساعة 
تحولنا إلى أصنام . لم يكن يُسمّع في المكان غير أصوات بعض الضباط 
العالية » وأصوات العساكر الذين يخيطون الأرض ببساطيرهم في تحيّة 
عسكرية . وهم يهتفون يحماسة غير عادية : «حاضر سيدي» كات 
يُمكن للكلام أنْ يُعيننا على قَطُّ الوقت ء »لكن الكلام مُصادر والوقت 
استطال كانت السّاعة ت تمشي بثقل مُضاعَف A‏ جز 
حاولت أن أستعيدَ صوتي ببعض الهمس . فتححت . شعرت بفرح 


76 


طفوليَ کمن استعاد حلوى فقدّها دون ان يدري . مر بجانبي عسكري 
لم يكن مكنا أن أعرف أته ضابط أو جندي . لكن وقح خطواته الوائقة 
والهادثة دل على أنه ضابط . اقتربت خطواته متي ا 
أقول » أن أمارس حقي في الكلام »أو فى الستؤال ؛ السّؤال الأ كثرّ من 

عادي . حين | يا علي أن انه مساز مارا أ ودی ا 
وزميلي » هتفت بصوت يحمل رجاء مع احتجاج : « سيذي ...» 
لکته لم يعتبرنا أكثر من کُمامة وتابّع مسيره كما لو آله لم يسمغ شيا » 
فرفعت صوتي هذه المرّة بغضب : «حسبي الله ونعم الوكيل» EE‏ 
خطواته فحأة. أحت أنه التفت إلى الوراء يعد أن توقف > وهتف 
بحنق : واخرسسن يا كلب» . فأجيتّه بحنق أكبر : «آنت كلب وابن 

كلب» » . ارتجيفت ساقاي استعدادًا لضربة عمياء . كان زميلي غارقا في 
تكرانه لبغريّته ؛ فآ أن يقتلع لسائه من فمه . عرفت أنّني تماديت إلى 
ا لحد الذي لا يُمكنني فيه الرّجوع ‏ وأنّ سني أوشكت على الغرق ؛ 
aR‏ تتم مارسته الآن ؛ فألقيت بكل حمولة سُفني 
إلى البحرء ومضيت أ شق عباب الهول : «مّن يقول عني كلب فهو ابن 
تي :© .لم تُمهلني شجاعتي الفارغة على أن أتمّ العبارة » كانت 
يد ثقيلة تهوي على رقبتي » انحنى جذعي »ء لكنّه سرعان ما عَلكَمَهُ يذ 
أخرى بلطمة أشد فكدت أنقلبُ على ظهري . مرت لحظات صمت 
قبل أن يركلني الضّابط نفسه أو شخص آخَر على بطني » > فيكاد يخرج 
ما في هذه البطن من طعام الليلة الفائتة ة . تقيّأت لُعابًا » وأصابني 
القَشيان › وشعرت بالارض تدورٌ من تحت أقدامي فأثرت أن أرمي 
بنفسي على الأرض قبل أن أسقط فاقدًا للوعي » وتكورت على نفسي 
مثل جنين في بطن أمّه » كان بطني لا يزال في مرمى هدف بسطار 


77 


الضابط » فانهال علي بالرّفس »وهو يقول : «والله لأخليك تنسى 
اسمك» . تمالكتُ نفسي ء خخذلتّني يداي الُقيّدتان في التَخفيف من 
آنا آثار الرّفسات » وقلت بصوت مخنوق ومتقطّع : «أنا أريث فقط أن أعرف 
لاذا نحن هنا؟» , رد بغيظٍ : «لأتكم خونة» . وقعت الكلمة علينا أنا 
وزميلي وفع الصّاعقة لم يكن من شيء يقال أمام الخيانة . لكن 
زميلي الذي ظل أخرس وخائقا طوال هذا الوقت كانت قد انحلت 
عقد عُقدة لسانه في تلك اللحظة › ال : «وما نوع الفيانة التي تشّهموننا 
بها؟» .لم يمع أي متا جوايًا » ولم نكن نعرف الب الحقيقي 
لإحضارنا إلى هنا حنّى هذه اللّحظة . بإشارة من الضابط أَزيلت 
ROE E SEPE‏ 
العالم كله أسود يتحول إلى كحلي ثم أ زرق » رمشت العينان رمشاتٍ 
سريعة ما يكفي لاستعادة الصورة الحقيقيّة » كان الضابط الذي ضربني 
بيه زائذ N‏ زه راي O‏ 
أنني متهم فتراجعت نادى على العسكري الواقف بالباب » وبإشارة, 
منه كنت حارج المكتب في لحظات » بينما أُغلقَ الباب على زميلي 
الآخر . ولا أدري إِنْ كان في الغرفة قبل أن أخرج منها ضصبّاط أو عساكر 
آحرون أو لها باب آخر من جهة أخرى » ذلك لأتني ورف 
استغاثات زميلي تأثيني من خلف الباب المغلّق » كان عددٌ من العساكر 
فيما يبدو ينهال عليه بالضّرب والتّعذيب . كانت تلك الأصوات التي 
تصلني بهذا الوضوح قد حولتّني إلى قطة خائفة من أوّل دقيقة . نظرت 
حولي . الغرفة كانت خالية إلآ مني . فكرت بالهرب . تقدمت نحو 
الباب أستطلع الأمرء فشعرت بالعبقيّة » وتساءلت : ممن أهرب › 
ولماذا؟ ملت جذعي » وأخرجت راسي بحذر ليتكثف المشهد لي عن 





78 


مر طويل يفتح على جهة واحدة » ومزروع فيه أكثر من عشرة عساكر!! 
لم أعدل عن الفكرة ؛ كانت الفكرة من الأساس مُستحيلة 

ظل زميلي يُحقق معه ويُعدَبٍ أكثر من ثلاث ساعات ء وأنا 
واقف أنتظر . اتح الباب ثم حرج منه »لم يكن ذلك الزميل الذي 
أعرفه » كانت ثيابه ممزقة » ورأسه يقط على صدره . وخيط رفيعٌ من 
الدّم يسيل من زاويتي فمه › وعيناه مُتورمتين كحبتي برقوق أسود » 
جرّه عسكريّانَ ككومة من لحم خارج الغرفة + تفا تهنا انان رى 
إلى داخلها! 

كانت الغرفة خالية إل من ذلك الرّائد الذي يجلس إلى المكتب 
بهدوء ل ول مااي ا دعبال قرا . صعقني 
المشهد . هل كنت أحلم؟ ما معنى أصوات الاستغاثة ة التي كنت 
أسمعها من زميلى . إن خانتّنى أذناي - فكانت تلك الأصوات تأتى 
من داخلى - فلن وني عيناي »لقد رأيته بام عيني وآثار التَعذيب 
بادية عليه . لم يمهلني الرائد لأسرح أكثر في تاؤلاتي . فقال لي 
بلهجة ودودة » وهو يشير إلى الكرسي الذي يقع أمام المكتب : «اجلس 
يا أخ أحمد» . انتابتني حالة من الاحتجاج » فرفضت وقلت : «أريد أنْ 
أصلي العصر والمغرب والعشاء» . فسألني بلهجة مستغربة بدت لي 
صادقة تمامًا : «ولماذا ۴ تُصل حتى الآن يا الخد . فأجّه وقد أشاع 

جو الحوار الهادئ شهيتي لتابعتي احتجاجي ؛ فرفعت صوتي قليل 
لاقول : «اسأل امرك ضنيط عل جرس بجع على بين بل 
أحد العساكر وهو يؤدّي التّحيّة : «حاضر سيّدي» . هذ أحمد ليتوضأ 
ويُصلَي براحته كانت موجة الاستغراب من تباين مستوى التعامل 
بيني وبين زميلي تواصل صعودها من أعماقي لتلتف على دماغي 


79 


رافقني العسكري عبر الممرّ الطويل الذي يفتح على جهة واحدة والّذي 
بدا خاليًا من العساكر على خلاف المرّة الأولى E‏ . وأطلت في 
الصّلاة . في السّجود كانت السّماء القاتمة الضَّاجّة بالتجوم تهبط من 
عليائها تكاد تمس الأرض التي أسجدٌ عليها . حلت علي حالة غريبة 
من السّكينة . بدت لي خيالات كفت عن الظّهور لي منذٌ أن كنت في 
العاشرة . كانت امرأة عمّي قد حضرت . ابتسمت في وجهي › 
سمعتها تهمس : «لا تجاور الدّم» . لم أفهم » لكتنيى سمعت نفسي 
أجيبّها : «لا يصيرٌ الدّمُ ماء» . قالت : «صحبة الأخيار تنجي» . هممت 
أنْ أسألها : «دُلّيني عليهم» . لكتني عدلت عن ذلك لسؤال مرتجف : 
«هل سأنجو؟» . هرت رأسّهاء واختفت دون أن تجيب سمت ی 
على الباب خلفى كان بدنى يزداد ارتجافًا . أهمت الصّلاة » وعدت 
إلى غترقة الرائد :دوق أن اعرف ماخر ,ريق قال لى الشتابط - ها 
أكلت؟» . أجبتّه بسؤال : «ماذا فعلتم بزمیلی؟» . ابم : «إنّه بخير ١‏ 
وقد منحته [جازة لأسبوع . وسيعود بعدها إلى ثكنته » سأعتبر أن الأمر 
منته» .لم أقل شينًا . بدأت أخاف من أن تكون رُؤاي غير حقيقيّة 
أردف : «سآتيك بشىء لتأكله » من غير المعقول أنْ تبقى كل هذا 
الوقت دون طعام» . أجِبّْمّه : «ما لي نفس» . رد بحزم : «أنا آمرك بذلك 
أمرا» 

فكوا يودي » رفعت يدي أمام وجهي وقلښشّهما لأرى أثر القيود 
فيهما قبل أنْ أمعن التظر فيهما كمن ينظر في يدّين عادتا إليه بعد أنْ 
فقدهما زمئًا طويلة . تمركرٌ عسكريان فوق رأسي . قال لي الضابط : 
«اجلس» . جلست بسرعة لطول تعبي مقط فر اش 
فوق مكتبه » وفي أقل من دقيقة دخل أحدهم » مد العسكري نحوي 


80 


برحيفه” نظرت إلى الضابط › فأشار بعيتين وادعْنَّين » وهز اة 
دكل» توجَسْتُ من أن يكون في الرّغيف سمُم!! تخيّلتُ نفسي في 
لحظة غير مُنتَظرة أرتمي على الأرض تحت تأثيره » أرفس برجلي الهواء . 
ويسيل الرّيد من حافعي فمي » وتحشرج أنفاسي » وتختلج في 
شهقات سريعة مخنوقة قبل أن تسكن إلى الأبد . أفقت من خيالاتي 
على صوت الضابط : كل يا أحمد» . فتحت الرّغيف أتفحّصه . كان 
مدهونا بالزيدة والخلاوة E‏ لُفافجَه ؛ورّحت ؛ أقضم منه كفار حصل 
على د شهيّة من الحبّن . ابتعلت الرّغيف في ثوان » وازدرت آخر 
لقمة دون أن أرفع نظري عنه . قال الضابط بعد أن انتهيت : دهل أتي 
لك بواحد آخر؟» ضمت د كنت انيد الضورة الأولى التي تخيّلت 
ني لا من ارا فيها . فازداد صمتي . سمعت الضابط يقول : 
«أي جهة هي التي أمرئك بتصويب المدفع؟» . انتبهت . لم أفهم من 
سؤاله إلا كلمة «المدفع» . تذكرت ما قمت به أنا وزميلي ليلة أمس › 
فزادتني الذكرى وجوما ال لى يصوت اوضع : «صارختي أخ أحمدء 
وأنا سأساعدك» . صمت . فأردف : «قل لي الحقيقة وسأقف إلى 
حانبك»6 e‏ وأنا فى غاية الذهول : «أيّة حقيقة؟» «مَن أمرك 
بتصويب المدفع نحو ذلك الفندق في طبريّة؟ أي جهة؟ أي منظّمة 
التي أمرتك بهذا الأمر؟» كان الصّمت يتفاعل في أعماقي فيتشكل 
على هيئة س سحب من دخان تضغط على رثتي » بدأت تلك السَحب 
كان و بتي بقح رشي كت مدر کا شو 
وبالفعل انفجرت » لكنْ بضحكة عالية > كانت تلك الضّحكة.مُدوّية 
بحيث إنّها أراحتّني من انفجار داخلي » وتعالّت سسُحُبّها حتّى غطّنْ 
أرجاء الغرفة الى أجلس فيها . دفعت تلك الحب المتمدّدة فى هواء 


81 


الغرفة الضّابط إلى الغضب » فصرخ وهو يكتم غيظًا يحاول ألا يُؤثر 
على توازنه : «ولماذا تضحك؟!» . «أضحك لؤالك؟ أضحك للبّؤس 
الذي أوصلتّني إليهه . كانت ضحكتي قذ قلَلتْ من قَدّر مُحاكّمة أراد 
لها أنْ تكون جدية » وجلسة بين ضابط كبير يُحافظ على هيبته أمام 
جندي صغير يُحول أجواء هذه الجديّة إلى عَبَثْيَة صارخة . «آمرّك أيها 
العسكري أن تُجيب عن سؤالي ؛ مَنّ دفعك إلى هذه الخيانة » تصويب 
مدفع حتى نحو السّماء بدون أوامر عسكريّة يُعَدَ خيانة » فكيف إذا 
کان باتجاه منطقة حَيَّويّة!! م منْ أي منظمة إرهابيّة تتلقى أوامرك؟» 
«من منظّمتي العسكريّة . من الجيش» . أجبت بهدوء ل تايعت: 
«أنا ليس لي جهة أتلقّى منها أوامري سوى التي تتلقى منها 
أوامرك!!» تهن من مكانه» كان غيطه قد تقاف قال :وهو فيط 
سطح مكتبه : «أنت وقح ٠‏ أجب على قذر السَؤال »وأنا أوجّهه لك 
للمرة الأخيرة : أي حزب من الأحزاب طلب منك ذلك » أنا أعرف أن 
قلوب الشباب الفارغة تستمع هذه الأيّام إلى هذه المنظمات التخريبيّة 
التي لا يهمّها مصلحة البلد » ولكن قسما إِنْ لم تُخبرني الحقيقة فلن 
تحرج من هنا كما دخلت » وستتمتى أك لم تُقابلني» نن شات 
كما تقول. .ادنا اماف .و ا هذا لاد + ا 
وأصغى بجوارحه : «هه . . . قُل» «نحن لم نكن ننوي أن نفعل شيئًا 
يُسيء إلى القيادة » ولكنّ اندفاعَنا وحماسّتنا للحرب ريّما جعلتّنا 
نتصرف على هذا النحو . . كل ما في الأمر أنني أنتظر هذه الحرب على 
الةو اا الها ف الخطراتت ا و 
حجرًا كبيرًا قبل أن أكمل » كان الحجر يستعصي في أسفل حلقي 
فألغى الكلام . احتناقي بالعبارة الأخيرة فرَعّْه على شکل دمعنَين 


82 


ترقرقتا في المحجرين . نظر إلى باهتمام RS e‏ 
حولت بوصلة الكلام ء فتابعت : «ولكنْ مَنْ أوصل لكم ما حدث؟ 

کان سؤالا غبياء؛ ؛ فهو سؤال E‏ من جهة إجابته › ا 
تنحصر في اثنين : . لكتنيى سمعته يقول : «أنا أعرف عنك كل شيء › 
أعرف ماذا ڌ تقول اواد اكل وا ¿ تنام » وما سر به قبل 
نومك » كل شىء مسجل ومكتوب» . كانت أوّل مرّة أعرف فيها أن 
للجذراة ااا كا ل التاق رادت فل نحن كلها 
تتلفظ به في أحلامك . . . الهُراء الذي تقوله وأنت نائم مُعْبَتْ في 
ملفك . . . نحن لا يغفيبٌ عن بصرنا شىء . . . الأفضل لك أن 
وال غت اف إلى جانبك إذا استدعى 
الأمر .ما أطلبه الحقيقة الكاملة من أجل مصلحة البلد أوَلاً ثم من 
أجل مصلحتك» . صمت وهو يلهث . كنت أسمع لهاثه كما لو كانت 
حجارة تسقط فوق رأسي وأنا في حُفرة عميقة ء أو كأتها خيول بريّة 
تركض في مدى فسيح لا تُرى نهايته ء ثم صمت . «سأوفر عليك 
وعلى أجهزتك كل شيء» قلت له وأنا أنظر إلى الجهة الأخرى . تحفز 
لسماع اعتراف خطير بحضييق عينيه وتعديل الطاقية العسكرية التو 
يعتمرها ٠‏ فأردفت : «أنا أعترفُ بأتني لست مرتبطا بأي منظمة أو جهة 
أو حزب أو قيادة سوى قيادة الجيش التي انتسب إليها» نزلت 
الكلمات على رأسه مثل مخرز حفر عميقا في يافوخ رأسه › فهب واقفا 
خلف مكتبه » واستدار بحركة عصبية » وهجم باتجاهي » وانهال بكل 
قوّته علي بالضّرب . حاولت أن أتقي الضّرب برفع يدي أمام وجهي › 
لكن العسكريّين اللّدّين كانا ما زالا يقفان فوق رأسى هما الآخخران راحًا 
يُشاركانه الضرب » وتحول الثلاثة إلى وحوش ليس في قلبها أدنى 


83 


رحمة ء وخلع أحدهم (القايش) وراح يجلدني به على وجهي » وراحت 
صرّخاتي تتعالى . انفتح باب لم أره من قبل » وتجمهر عددٌ من العساكر 
لا أدري كيف نيعوا من الغيب » وسقطت آنا على الأرض . كان رأسى 
يتدحرج على البلاط مع اتزياح جسدي من تحت وطأة الضرب »ومن 
خلال القبضات التي شكلت غيمة من حديد فوقي » كت أحاول با 
تبقى لدي من وعي أنْ أبحثٌ من خلال الفراغات التي تُشكَّلها تلك 
القيضات الهائجة عن السماء الاه ؟ نعم » بدت سماء ء (إيدر) › 
التي كنت أسامرها في طفولتي » وأحادثها في الظلمات الطويلة » بدت 
تلك السّماء المعشوقة أمام ناظرَيّ بنجومها الكثيرة اللامعة كأتها تحتفل 
شق آبدي في حفلة رقص » وتتلألا في نشوة من الضسّحك العارم ‏ 
HFFA‏ . واصلت رقصها العَجَّري فخرةء ثم 
انطفات فجأة » وتحوّل كل شيءٍ إلى سواد . 
ب يه وي . حمس ليال أطول من الليالي 
بقة التي مرت من عمري حثّى الآن قضيمّها في زنزانة انفرادية › 
و E PERS‏ غل حا ان إبكازة كما فيل 
لي أ أنه يتعرض للتحقيق والتعذيب مثلي؟ لم أعذ أسمع له صوتا 
كان قد اخحتفی كما لو أنّه لم يكن يومًا أحد الذين شاركتُهم حلم 
مسروقًا » وآمالاً غير ناضجة . 
كانت زنزانتي تشبه حُفرة بابُها السّقف . كل شيء فيها يضغط 
على قلبك من كل جهة . الصّمت الذابح . انعدام الحياة . لا صوت 
حتى لذبابة في الفراغ . الموت القابع في كل بوصة كان الموت فيها 
ضجرا من كل شيء . أوّل ما رآني سَخر مني وتجاهلني وانزوى يعيدا 
عي »لم يكن يراني جديرًا به . التهارات التي تُشبه الليالى ؛ سواد 


84 


يُغطي بثوبه القاتم الغامض كل شيء . الجدران العتيقة الحفورة بأظافر 
السّابقين . العفن الذي يستقرٌ على الأسطح ويتشاءب ملل . الرّائحة 
لخائقة التي تتسكع في أجوائها باشمئزاز كنت بالتسبة لها أكثر 
مُشْمَئَرٌ منه . لم يكن يُزحزح الموت الرّابض على كل شيء فيها سوى 
صرير بابها حين يُفسّح من أجل اقتيادي للتحقيق من جديد . كنت 
أعود في كل مرّة بوجبة تعذيبٍ جديدة . كانت إنسانيّتي تغادرني شيئًا 
فشيعًا . ولحظة بلحظة .صرت أتحوّل إلى شيء غير مرغوب فيه من قبل 
ردا الزنزانة التي رأتْ في مُتطفلاً لم تكن قاد غل ا > أو 
اعتباره أحد أجزائها كنت شيئًا ؛ شيمًا بدأ يرجع إلى حيوانيّته 
الأولى كان التفس الذي يخرج من الرّئتين بطيمًا هو الذي يُذكرني 
بتعريفي كإنان ء لكن هذا التفس بدأ يتنكر لي هو الآخرء كنت 
أتحوّل بالتّدريج إلى لاموجود ء وإلى لاإنسان . ما هو الشيء الذي صرته 
بعد تلك الليالي؟ لا أدري . ربّما كائنًا قادرًا على الحركة بالاستماع 
إلى أمر هذه الحركة من صوت خارجي . ولكن ما الفضل في ذلك؟! 
كان الموت يتحرّك أفضل متي في تلك الرّنزانة » والعفن كذلك » بل 
ا كانت تت 1 
الذكريات ي عطي في قاي ؛ كان علي ل استحفر يفا تي 
على وجه e‏ ای سي ی فو ي 
أن أذكر اسمك ادس أمامهم 1 ترددت لر حلا من أن أذكره 1 
كل 5 ؛ بل لاك طاهرة وقدية » وهم حيوانات ووسحوس تاكن 
لأحتمل أن أذكر هذا الاسم الطاهر فى هذا المحفل الذي يعج بالقذارة . 
قلت لهم : اسمها (كاملة) . وهي كاملة لأنّ كل الأشياء التي دونها 


85 


ناقصة . وبعدها بحت بكل الأسماء التي سألوني عنها . عن 
خطيبتي »> وأسماء أولادي المحقيلن وإخوتي وأخواتي 6 وأعمامي 
وعمّاتي » وأخوالي وخحالاتي » وكل من له صلة قرابة بي كنت 
أستعين على الموت باستحضار صورتك الطيّبة أيّتها القادّيسة المطهرة ء 
لكن العلاقة قة التي تشكلت بيني وبين الذّكرى كانت تتقطع أصام 
التّجوال الدائم والمدلّل للموت والرّائحة . هل في تذكر المكان عزاء؟ 
لح ا ليد رايد كثيرًا في تذكري لهاء الأشجار على وجه 
الخصوص » شجرة السّنديان التي سمَّيْتُها باسم امرأة عمّى صمدت 
هي الأخرى . أعانتني على أن أقاوم »على أن أعيش . لم يكن الموت 
عدوا صارنحًا » عدوا بالمواجهة ...لم يكن قط يتحرّش بي كان 
عَدُوًا بالإهمال > كان يتحاشاني » ويتركني أسقط في حُقرة الغياب › 
الغياب عتى » وعن ذاتى » وكان السّقوط فى حفرة الغياب تلك أقسى 
من الوك فاا ` ۰ 

في الذيلة الالغة أو الرابعة لا أدري ؛ فالليالي في الزنازين 
الانفرادية كلها مُتشابهة > كانوا قد اقتادوني إلى ضابطٍ جديد اليُحقق 
معي » كان هذا الضَابط هو العاشر في حلقات التحقيق د 
معي كانوا يُمثلون كل طيوف البشر وقلوبهم ارات 
بعضهم . هذا الضابط وكان اسمه (فراج) أحبيّه ا i‏ 
أسمه أعطاني أملاً بالإفراج عتى فورَ خروجي من عنده » كانت بسمته 
ساحره » وهدوؤه آشد سحرًا » ونظراته الوّدودة تأسر القلوى ء كان يقتل 
و ا ديت الزن كاتدريجاء ا ای ودع ديس ایا 
الذي ظل يغرز سكينه في وسط قلبي . كان يضحك كطفل » وينظر 
كعات شق » وينصح كصديق › لدرجة أنني ي آتهمت عقلي في أنه حقق 


86 


معي ضابط مثله وسط ليالي العذاب التي عشْتّها » وخخُيّل إلى لوهلة 
أننى اخمترعتبه من خيالي لأقاوم به موتي أو انهياري » لكنني أذكر 
جيّدًا أن حرارة المودة ارتفعت بيننا إلى الح الذي رّحت أشتم فيه فوهة 
ذلك المدفع الذي سولت لي نفسي المريضة أن أصوّبه جهة فندق 
كردس ولس عن SS il e‏ 
بالخياتة والعمل على تخريب البلد . »بل اتفقت معه على أنه يجب 
اجتثاث كل هذه المنظمات من جذورها بهوة وة السّلاح » وأذكر جيّدًا أنتي 
وقفت بعدها ووقف هو مثلي ء وصفقت كفي بكفه ء وعانقته جراء 
اتفاقنا في الرأي آنذاك . . .!! هل كان هذا E‏ ل أحلام 
اليقظة؟ هل كان واقعًا آم وهمًا؟ هل كان هرويًا م مني أم مواجهة ؟! لا 
أدري » لكتّني متأكد من أنّ شيئًا من ذلك حدث بصورة أو بأخرى ؛ 
وال فما معنى أنّني ما زل أعيش حتى هذه الليلة الرابعة بعة رغم كل 
ألوان التعذيب التي ذُقمّها من أجل أن أعترف . 

لع ا ب 0 
ا ا كمد ؛ تتسى 
كل شيء ولو لزمن قصير زمن يُساعدك على الإفللات من وحش 
الكابة 2 الكآبة الوجَلة « ال ل 1 فى نهاية المطاف أن تعوص أنيايُها 
الطويلة في عمق رُوحك مهما نجحت في الهرب منها مرّة ومرّات . كان 
النوم حلا بالفعل › لكن الجوع قرصني » والجوع كافرٌء ولا يعترف لا 
بالألم ولا بالتعب ٠‏ ولا بالسّهر الطويل › ولا بالحاجة الماسّة إلى 
الرّاحة » ولا يعترفف إلا بنفه .ولا يُسلمُ إلا بامتلاء البطن › حينها 


87 


جديد في لحظة كُفرأخرى!! اضطجعت على جنبي » صرت قوائم 
السترير الحديدي من تحتي بسبب تقلّبي فوقها فزادثني أرقا اععدلت..: 
مددت رجلي . وقفت . مشيت . رحت وجشت في د ثلاثة أمتار هي طول 
الرّنزانة . توقفت فجأة . حككت رأسى . صرخت . ضاعت صرختى 

فى احفر الأولى المكشوطة فوق الجدران . انبطحت على الأرض . 
ا ا 0 
صدمت الجدار بكتفي في خطوتين والثالثة . اهتززت . صرخحت مرة 
أخرى . لعنتُ كل شيء . شحمت كل الذين حققوا معي . وهويت 
بلكمة في خيالي على وجه رفيقي الثالث الذي وشى بنا . قشرت 
اة فى وجه الجدار قشرة بسيطة . تألمت » أردت أن أقول : آآآآآه . 
بدأت بصرخحة الألم »لكتني توقفت في منتصفها › > كان باب الزنزانة 
يُفتح . قال لي العكري وهو يضعها على الأرض أمام سريري : «هذ 
هي الوجبة الأخيرة لك» . فرحت فرحًا خاطفاء توقف فرحي فجأة . 
تحول الفرح إلى خوف مُباغت » ارتجفت . «ماذا تعني بأتها الوجبة 
الأخيرة؟ هل شيعفوتي من عملي ال ري هل تيدفيوت ني إلى 
سجن آخر؟ هل سيعقدون لي محكمة جديدة في مكان آخر؟» . لم 
يسمع العسكري صوت هواجسي هذه ء لكنه قال وهو يهم بإغلاق باب 
الرّنزانة ويترك طاقة الباب العُليا مفتوحة لتسمح للضّوء الضّئيل 
بالتسلل إلى الدّاخل «هذه الوجبة بعثها لك فراج بيك » وهو يقول 
لك جهز أغراضك» . أطبق الباب الثقيل خلفه » وتركني أتساءل عن 
الأغراض التي سأجهزها »لم يكن معي هنا في الرّنزانة غير ثيابي 
العسكريّة وبعض التهيّؤات التي تُراودنيى عن نفسي في كل حين . 
تفاءلت من جديد ؛ إته فرّاج ب بيك ولا بد أنه الفرج . أتاح لى هذا 


58 


التفاؤل أنْ أقبل على الوجبة بتفس مفتوحة > كانت وجبة من الدّجاج 
المشوي ٠‏ نصف دجاجة بأكمله كان يتمدّد فى صحن نظيف ١‏ مرشوش 
بالسّمّاق » والبندورة المطبوخة بالرّيت البلدي » وإلى جانبه صحنٌ آخخر 
تصطف في قلبه أوراق من الجمرجير وشرائح مُصففة من البندورة 
والخيار » ورغيفان ساخنان من الخبز الذي خرج من الإنضاج للت . أي 
دلال هذا؟ هتفت في سرّي . هل هو الإفراج بالفعل ء أم هو تسمين 
الضحيّة قبل دبْحها؟ طردت الهاجس لاحر ققد كد الام كثيرًا 
في تخخيّلاتي لا أريد لهذه اللحظة التَارِيحيّة ية أن يتعكر صفوها يسبب 
هذه التهيّؤات القاتلة في کثیر من الأحيان . هبطت يدي على الطعام 
هبوط الطائف الذي اف آصحاب الجنّة » أكلت كمن حيل بينه 
وبين الطعام بقرت من التجويع والتعطيش . كانت وجبة شهية » كأنها 
قصلت على مقاس جوعي الم أبق في الصحتين شيعا . التهمت كل 
ما أتوني به » ثم تركت الأرض » وتعددت على السّرير كانت الرّوح قد 
عادت إلي »لم يطل تمدّدي كثيرًا حتى كان شخيري يعلو فوق صرير 
قوائم سريري! 

صحوت على صوت عسكري آخر في اح اليوم التالي وهو 
يقول : «قُمْ . . . إفراج» . هرولت . لقد صدقوني إذَا كان تصويب فوهة 
المدفع من تلقاء نفسي » من حماستي التي لا ضابط لها . وتلك هي 
الحقيقة كان من الصعب أن د تقول الحقيقة » ومن الصّعب أن يُصدّقها 
الآخرون . لكن ربّما تج واحدا في كل هؤلاء الذين تقص عليهم 
الحكاية يُعنَى نفسه بتصديقك ولو مرّة واحدة . هذا ما يحدث مع كل 
التاس . هذا ما حدث معى . 

منحني فرّاج بيك إجازة لمدّة يومَين دون أن ينظر في وجهي . قال 


89 


لى : «ستعود إلى كتيبتك بعد 48 ساعة . هذا كل ما يُمكن أن أفعله 
لك» . وقّع على الملف » ثم أغلقه 

قال لي أبي : «لست مع ما فعلت » ولست ضده . الشائر يعرف 
الثورة اليتيمة قبل أن تفقد أباها . عليك أنْ تكون حكيمًا» . فهمت 
أشياء مما قاله لي أبي » وأشياء لم أفهمها كان على أنْ أحدس بها دون 
أن أسأله . أمّي اكتفت باحتضاني » وإعداد الطعام الذي أشتهيه لي 
ومفاتحتي في أمر الزواج . أمّي كانت تعرف أن الحياة تير رغم ما 
يعترضها من منفّصات . إتها تتحاشى الحديث عن تلك المنقُصات › 
وتتحاشى كذلك إسداء التصائح وتعوّض عن كل ذلك بإبراز الوجه 
الاجمل للحياة » فرق بين مَنْ يصوغ عبارات الحكمة وبين مَنْ يعرفها 
بين من يقولها وبين من يفعلها ء أمّي كانت تفعل الحكمة كانت 
تقضي على الهم بنسيانه أو بتناسيه » كانت لها تلك القدرة الهائلة في 
أن عرض عن الحزن حى ترى الفرح . الفرح موجود في مكان ما » 
يخمتبئ في إحدى الرّوايا » تجاورٌ حُزنك إليه يتجلى لك وهو يرفل 
بأثواب الهناء . كانت أقدرنا جميعًا على إلبامنا تلك الأثواب رغم كل 
الحزن امخيّم على كل شيء . 

حين عدت إلى كتيبتي بنظرة تحمل حقيبة حُبلى من التصائح من 
أبي » وقبلة تشي عن أفقٍ من الرضى من أمي بعد يومّين »+ قال لي قائد 
الخ الذي امتثلت أمامه بالوقوف : «لقد م نقلّك إلى الرمشاء 
ستكون ضمن السريّة التّابعة للجمارك» . كان القرار طعنة أخرى . إنّه 
يعني أن تبتعد عن الحدود التي تُشرف على الوطن الحبيب الحتل » وهو 
بالضّرورة مقصود بعد تصويب المدفع » فكَرت : إذا كان تصويب المدفع 
فقط محرد التصويب دون القيام باي أمر آخر قد سبّب لي كل هذه 


المتاعب . فماذا كان يُمكن أن نخدت لو قت بإطلاق قذيفة واحدة 5 
واحدة فقط فقطء وفي الهواء؟ ماذا كان سيحل 2 ا e2‏ 
تساؤلاتي ؛ وفكرت فى المدينة التي سأئقل إيها »انها في أقصى 
الشمال من وطني e‏ إبعاد إلى المنهة الأخحرى من 
الوطن 1 إلى الحدود المصنوعة مع دولةٍ عربية شقيقة . فكرت ألف مرة 
بان أحتج ‏ الكتّمي خضت أل أعيش بسب فلك خمس قیال جديدة 
في الْرّنازين فتراجعت على الفور في الحقيقة ترا جعت ۽ أكثشر حين 
تذكرت 5 قبلة الرضى من أمَّي »لم أكن لأغامر بها بهذه الهولة » 
والأمر ما زال طريا . خبطت الأرض ببسطاري وأديت التحيّة العسكريّة 
بصوت متحمس > وصرحت : حاضر سيدي» : 


91 


00 
للنجوم أرواح مثل البشر 


عْيَنْتْ سائقا مع قائد السّريّة » وتشاجرت معه في اليوم الأوّل . لم 
أكنْ أدري كيف تلاحقني المصائب بهذه الطريقة لكات 
تلازمني كظلي » وتلبسني كجلدي . قال لي : «تذكرٌ أنكَ عسكري › 
ومعنى ذلك أن تكون منضبطًا تام الانضباط . وتذكرٌ آتك سائق عليه 
أن يُطيع الأوامر فح سب » ويكون جاهرًا في أيّة لحظة» . لم أعلق » 
خفت أنْ تكون كلماتي سببًا في زل قدمي باتجاه هاوية جديدة . 

منع قائد السّريّة جميع العساكر والضبّاط التابعين له من أن 
يختلطوا بي » أو مجرّد إلقاء التّحيّة » أو الجلوس معي للحظات . وتَتْ 
محاصرتي . وأسكنني في خيمة خخارجيّة » وأسكن معي عسكريا 
آخرء كان من لهجته يبدو أنه من أهل البادية . ولم أكنْ أعرفه من 
قبل » ولا رأيته . وكان يسألني عن الأحزاب وال منظمات » فاقتصدت 
فى الحديث معه . كنت أعرف أنه العصفورة التي تنقل الا خبار . فلم 
أدخل معه في أي نقاش . سالني خلال ثلاثة ثة أيام من بداية وجوده 

معي أكثر من مئة سؤال . وكدت ت أضربه في كل مرّة ء ولكتني كنت 
أغالك نفسي في اللّحظة الأخيرة . سألني عن الشيوخ الذين أسمع 
لهم » سألني عن الشيخ كنك ء كان الشيخ كشك هو الشيخ الوحيد 
الذي عرفّه من أرتال الشيوخ الذين كان لسانه يتدفق بأسمائهم كانه 
يحفظهم لا يعرفهم » سرد عبر أسثلته أكثر من عشرين اسمًا قال إنهم 


92 


شیوخ انتشرت لهم (كاسيتات) في الفترة الأخيرة تحض على الجهاد . 
ومقارعة الأعداء . والحديث عن ال حور العين . لكن جهلي كان يشفع 
لي . وكنت أستشقل أسثلته . ولا أجيب إلا نادرًا » حى إجاباتي هذه 
كانت مُقتَضبة لا تتعدّى كلمة أو اثنتين » وأكثر كلمة ردذتها فى تلك 
الإجابات كانت : (لا) كنت أستشعر الأ افيه للق موده 
الكلمة. الدّة من نوع غريب » كأن أحس أن كل (لا) هي صفعة في 
وجهه تُفقده فقرة من فقرات تقريره الذي سيرفعه إلى سادته عتي!! 
وكان يتودد إلي بشكل كبيرء > ولكن تودده هذا يتحول في بعضص 
الأحيان إلى غباء وسماجة » كان مثل دودة الحلزون لزجة ومقرفة 
ورطبة ٍ 

بقيت أسبوعًا كاملا أسوق السّيارة بقائد السّريّة مرّة أو اثنتين في 
اليوم » يأمرني بالقيادة نحو الفصائل التابعة لسريّته › أو يأمرني بالقيادة 
إلى السوق ٠‏ أو إلى أحد بيوتات مدينة الرّمثا . وأحيانا إلى مدينة إربد . 
وفى مرّات كان يذهب في زياراتٍ شخصية ة لدور ل أعرف ساكنيهاء 
يدخل ساعة أو ائنتّين » وأنا أتتظره داحل اة نا هة حورو سه 
کی أعود به إلى السّريّة » وكان يزور في أحيان أخرى دور العزاء » كان 
ن اماع ا ها لاح » لكنّه لم يكن يفتح معي أي موضوع › 
وكان يتحاشى النظر في وجهي ٠‏ أو مُصافحَتي ٠‏ أو قول أي كلمة 
وحين كنت أبدوٌه بالحديث . کان يقول بصوتٍ غاضب : «انظرٌ أمامك 
ولا تتكلم» کان مُستفزا بشکلٍ لو اد اع أنه بالون 
مُنتفخ » أو طبل قارغ .لم يُعجبّني تعاليه » وكتت أكره أن أتحوّل إلى آلة, 
تشتغل عنده بكبسة زر أو بالأمر العسكري دون مناقشة » كان ذلك 
الأمر يُحاصرني » كنت محتاجًا إلى الحديث » والحاجة إلى الحديث 


93 


مثل الجحاحة ال المأء » تنيت ١‏ الإنسات بعطشٍ روحي إدا لم تج ريا 
كان منفذي الوحيد للحديث هو تلك العصفورة التي تسكن معي في 
الخيمة . وكان ذلك مقصودا من أجل أن أضطرً لمحادثته إذا أصابني 
العَطّش » ولكتّني كنت أفضل أن أموت من الظّمأ على أن أبرّد حَر 
عطشي بكلمة ولو واحدة مع ذلك المخبر اللّعين . 

بدأ الملل يأكلني . من الصّعب أن أهدأ وكل ما في أعماقي يثور . إذا 
كان من سبيل لكي أقلل غليان الدَم في عروقي فثلوني على ذلك . أنا حبّة 
کا ء على صفيح تحته نار مُوقّدة ؛ انفجاري حتمي » ولحظتي مجهولة . 

ركبت سيّارة القائد دون أن أستأذن أحدا ء وتوجَّهت بها إلى مدينة 
(الرّمثا) » دخلت وسط اليلد كانت الشوارع تلفظ الاس الذيق تق 
بهم على جانبيها ؛ وأصوات باعة الخضار تطعَّى على أغنيات و 

بقوّة حتى تر جرح من ذبذباتها الحجارة المركونة على عون اة 
گر حو رأيتهم يبيعولن الليف والأوانى الحرامات والشراشف › 
الطيور والأرانب . زكمت الرّائحة أنفي . لكنّني شعرتُ ببهجة غامضة ؛ 
المشي بين التاس جميل . امش بعفويّة أيّها الّالك › ستقودل قدماك 
إلى حيث تريد كل ما قلت آتك تريدٌه هو بالتأكيد ما لا تريده . دغ 
القلب . الطرقات تسمع غناء قلبك وستُرشدُك إلى غايتك . «هل عندلة 
أشرطة لمارسيل خليفة؟» مألت بائع الكاسيتات . نظر في وجهي قليلا 
كمن استغرب أن أسأل مثل هذا السّؤال » هل كان يعرفني؟ ربّما . هل 
هي نظرة البائع الذي يصطاد زبونه؟ ريما . أجاب بعد هنيهة : «نعم» 
سألتّه من جديد : «أجمل الأمّهات؟» . تفحصني هذه المرّة ء ثم تلعثم 
وهو يقول : «نعم» . خرجت الكلمة مَبتّورة » كأتها لا . وأتبّعها لكي 


04 


يُكمل ما تقص منها : «أحن إلى خبز أمَى أجمل» . وددت أنْ أعض 
لسانه على فلسفته الزائدة » لكن رغبتي هذه فرّغتّها في كلمات 
حرجت من فمي وأنا أشد عليها بأسناني : «وهل أنت الذي ستسمع 
الشريط أم أنا؟» . «أردت فقط أن أنصحك؟» . دوقرها ليوم برد شديد 
لعلها تُدفئك › أو إنسان سمج مثلك لعلها تُعيد له البراءة» . قطع دابر 
الكلام معي . سألنّه وقد شعرت بنشوة كلماتي : «هل عندك أشرطة 
للشيخ كشك أو الشيخ حسونة؟» . اتسعت حدّقتا عيتيه » قالتا كلام 
لم يقله » ولكتّنى سمعمّه : «هل تسمع للتصارى والملمين ممًا!!» 
أجبمّه من عندي دون أن تتحرَكَ شفتاي : «للتصارى في المساء 
وللمُلمين في الصباح» 

كانت حصيلتي من السّوق في ذلك اليوم » خحمة أشرطة » 
وزوجين من الحمام » وحذاء يشبه بوط الفحمة الذي اشترته لي امي 
قبل ما يزيدُ عن عشرة أعوام » وشرشف للأكل . عدت بالستّيارة إلى 
المحسكرء ترنّمت فى الطّريق على العُود الذي كان مارسيل يُدندنٌ به 
لم ياحظ أاحة غيابي لسن الحظ . فى ماء اليوم تفه أمرني قائ 
السّريّة بالتوجّه بالسّيارة إلى إربد . وضعت شريط قرآن بصوت عبد 
الباسط عبد الصّمد كان أحد غنائمي في الصباح . كان الشيخ يُرئل : 
اك كو امس ا ا 0 

عير هذا الشريط» . بده بهدوء وبُطء بشريط للشيخ حسّونة » ما كاد 
يرفع الشيخ صوتّه يسطرين » حتّى أخرج قائد السَريّة الشريط بنفسه 
ورماه من شبّاك السَيّارة » وقال لي بصوت غاضب : «أنا سمعت عنك 
أنك تنتمى للمنظمات الإرهابية . لا مكان للخائنين يننا» رددت 
E TE‏ »لا مكان للحائتين بيننا» كان 


95 


غضبي أشد من غضبه لكته لم يُصادف لحظة اتفجاره آنئذ . 

بعد يومّين » كنت أجلس في مكان السائق ى أنتظر قائد السّريّة أن 
يخرج من مكتبه لكي يأمرني بالتوجّه إلى الجهة التى يريدها كان 
مكتبه في الجانب الآخر من الشارع » وكان عليه أن ير من أمامي » 
ويلتف من حول السّيارة ليجلس في كرسيّه . بدا وهو يخرج من مكتبه 
مت طاروس افق . عجرفته تقتلني . أنا لا أطيق هذا التوع من 
التاس . إنهم حين تدوسهم الأحداث لا يُصدرون إلا فرقعة من تحت 
الأقدام لا أكثر . عير الجانب الآخر . خطوتان ويقطع الشارع الذي 
تصطف السّيارة على يينه رالاعا لان رأيتّه شهیا › 
شهيا للدمهس › اقلت ال رة عور ةك المبِدّل على الغيار الأول 
وتخيلته بدعسة واحدة فوق دواسة البنزين يطير في الفضاء مترين أو 
ثلاثة ويسقط على الأرض مُضَرجَا بدمائه . ما أجمل أن أفعلها الآن › 
وأتخلص من هذا المتعجرف . دوسة قويّة واحدة وسأستلذ بصرخته 
1 تشق السّكون الُحيّم على السريّة » صرخته اليتيمة سيسمعها كل 
العساكر هنا » ومن يدري؟! ربّما سيفرحون مثلي لقوطه أخخيرا من 
يرجه العاجئ . دوسة واحدة وسينحل ذلك الحبل الغليظ الملتف على 
قلبي . والّذي يزداد التفافا في كل مرة أخرج معه في السيارة . دوسة 
واحدة وبعدها ريّما 7 بإمكاني أن أقود السّيّارة بقائد جديدٍ 
للسَريّة يكون أخف دما من هذا اللبط الكته خن لضفت به المسافة 
أمام زجاج السمارة رأيت معه أبي › هل كان ا ا إلى 
الأمام لأقترب من الرّجاجٍ وأتمكّن من الرّؤية بشكل دق ؛ نعم إنه أبى 
ما الذي أتى ا ایا ليمك الاو ا 
تأتيى في لحظة أخرى!! لاذا اخترت هذه اللحظة يالات للظهور وقد 


96 


من شق صخرة صلدة ا 301 
ما أريد بظهورك المُفاجئ . سامحك الله يا أبى!! مرّت أقل من ثانيتين 
قبل أن يصع د اة الت هة إل الارة وجلن الى جاتن وي 
أبي في الظّلال المستلقية خلف الأشجار . بقيت مشدوهًا للحظات » 
قبل أن يشقب أذنى صوئّه الصّارخ : «لماذا لا تقود السّمّارة » هيا 
أيّها . . .» . قدت الستيّارة وأنا ألعنّ الحظ التحس الذي يلازمني . 

في الليل نمت خارج الخيمة » أوى الُعسكر إلى الرّاحة كل شيء 
فيه كان ساكنًا كنت قد بدأت بالتدرب على معرقة مواضع أعشاش 
الطيور فوق الجذوع العالية . الصنوبر كان موطنها الأثير . كانت التجوم 
لامعة . ظهرت ببهاء الم أره إل من سنواتٍ طويلة في سماء إبدر . اليوم 
يعود المشهد أمام ناظريَ من جديد . كل أضواء المعسكر أطفئت . 
جاع ذلك في أن يتبال و الى ملعا او بشكل ال . رواحت 
أعد التجوم . أسمّيها كما كنت أممى تى الأشجار في إبدر . كلما ألقيت 
اسمًا على نجمة ضحكت . وحين ألقيت اسم امرأة عمّى على نهمة في 
الشمال رقصت . هل تعرف التّجومٌ الرقص!! خْيّل إلى نها تريد أن تبدأ 

بين ا : «للتجوم أرواح مثل البشر يا أحمد . رو حي هي 
تي تُظلنّك بالأمان الآن» . بسألتها : «أنت تبدين بكامل هذا الجمال 

في اليل لدانلا لوعن تلاق لي التوارى لقي قدي يجي 
الما د وا لكب ع افير 
كأتها: تصيخ المع . تابعت ٠‏ وأنا أضع کک راسي كوسادة : 
«سأنتقم ممّن قتلك › > لا تخافي يا امرأة عمّى . اطمثتي تمامًا » أنا 


97 


أعرف كيف آخذ بحقك» . ابتسمت بحُن . أحسست بأنّها تنزل من 
السّماء وتطبعٌ فوق خدّي قبلة عميقة › ثم تعود إلى عليائها وقد ازدادت 
ابتامتها اتاعًا 

استمرٌ حّصاري من قائد السريّة . قلت له مرّة : «إذا كنت تمنعني 
من الاختلاط بزملائي كل الوقت »فمن حقي أن أختلط بهم وقت 
الطعام » كل ما أريدٌه أن أشاركهم ولو وجبة واحدة في اليوم» . رد علي 
بنظرة واحدة كانت تحمل ألف لا 

٠‏ منذ مغيب شمس هذا اليوم البارد بدأت تُمطر كان المطرٌ ثقيلا 

تغضبب السّماء فجأة . وأحيانا بلا سبب . كانت الخنادق الصغيرة الحقورة 
حول الخيام تمنع الماء المنجمّع جراء هذا البكاء السَماوي أنْ يتجمع 
داخلها » كان يسيل إلى الخارج فى جداول صغيرة . صوته فوق قماش 
الخيمة السّميك هو موسيقى ذات إيقاع جذاب . غت على أنفام تلك 
الموسيقى . بعد ساعتين من هدأتى أيقظني صوت اللاسلكي » كان 
صوت قائد السرية يأمرني بتجهيز المبّارة والتوجه إلى مكتبه فلديه جولة 
تفقّدية . نهضت منزعجًا . انتظرئُه حنَّى شرف . قدت به إلى أوّل 
مُراقبة كان یارس دور الذي يتابح سير الأمور . في نقطة المراقبة الثالثة أو 
الرّابعة - وكتا قد ابتعدّنا عن مركز السَريّة كثيرًا - قررت أن أتركه وحده 
هناك وأعود إلى السّرية من دونه!! قدت على الفور ما فكرت به كان لا 
يزال غارفا في تعليماته وتوجيهاته للضَبّاط والعساكر حين شَفْلت 
المسيارة وعدت إلى خيمتي . ركنت الميّارة أمام مكتبه » وركضت باتجاه 
ممعي . وجدت فيها العسكري الذي كلف بمراقبتي ونقل الأخبار 
عني » كان وجهه يبدو برئيًا غارقا في نوم سرمدي . انهلت عليه 
بالضرب » استيقظ مفزوعًا »لم أمهله لكي يتمكن من معرفة الذي يقوم 


98 


بإشياعه باللكمات . ازداد غيظي حين رأيثُه يفرك عينيه بسرعة . 
ا ا د لل و 
عليه بالرّقس وأنا أصرخ في وجهه : «اعترف أيّها النَمَام » مَنْ وظفك 
لكي تكتب التقارير في؟» . استغرق وقمّا كي يفهم معنى السّؤال الذي 
وجَهِنّه له » لكتني بادرئُه قبل أن يُجيب ؛ جذبته من عنقه » جررتُه خارج 
الخيمة في الطين . صار يتوسّل إلى وهو يتأوّه . أقعدتُه وأنا أصفعه باليد 
الأخرى وأسكت توسلاته » ازداد صراخي مع كل مرة أقومٌ فيها بضريه : 
«مَّن جعلك مُخبرًا علي أيّها الخسيس؟!» . زعق وهو يشهق › ويرفع يديه 
أمام وجهه , كان صوئه يُشبه عُواء ذئب يختنق في أنفاسه : «يكفي . 
سأقول لك . . . يكفي . والله سأقول؟» . «هيًا قبل أن تفقد تفقد إاحدى 
عينيك أيّها التذل» . رد بسرعة لكي يوقف سيل الصّفعات والرّفسات 
التي يتلقاها : «قائد السّريّة .. . والله قائد السّريّة هُو مَنْ أمرني 
بذلك . . وأنا لا أستطيع أن أخالفه » وإلآّ سأحاكم عسكريا ‏ وأنا أخخاف 
على أولادي من خلفى . . » . قلت له وقد هدأت خ قليلاً وكنت أقبضر” 
ل US‏ 
أراقيك » وأجرّك بالكلام لأعرف إلى أي المنظمات والأحزاب تنتمي» 
ت رکه بعد أن شتمّته . ورّحت أبدّل ملابسي . رميت البدلة العسكريّة › 
ولبست ثيابي المدنيّة » حرجت من الخيمة وتوجّهت إلى غرفة المفاتيح › 
سرقت مفتاح أكبر شاحنة في السّريّة . حملت أشرطتي › وزوجّي 
الحمام » والشرشف » وبوط الفحمة كانت السّاعة الثالئة فجرًا وأنا أصعد 
درج شاحنة (الكونتينتال) العملاقة بثقة ك خاش دتا بين 
الأاشجار. راحت الشاحنة تتهادى ؛ ؛لقد قورت الفرار من الخدمة 
العسكريّة !! 


99 


1١1 
طبول الحرب‎ 


تقافزت شاحنة (الكونتينتال) فوق حجارة الك ثم سلكت 
اا ی ا 
الباب مُضيئة . لكن العسكري الذي في داخلها كان نائمًا أو لم ينتية 
لي . أو ظن ا خارج في مهمةٍ . أطلقت بوق الشاحنة وأنا مر محاذاة 
الباب EE‏ يدي بالتحيّة » ومن جديا أطلقت بوقا طويلة كان 
صوت البوق من ذلك النوع الذي يُوقظ الأموات في الفجور . لوحت 
يدي لأحد ماء شبح ما يستوطن تلك النقطة > ومضيت بالشاحنة وأنا 
أقهقه . أسرعت بالشاحنة . طرت بها كانت أشد فرحا متي . قدت 
حتى وصلت إلى منطقة الجمارك . ركنتّها بجانب نقطة التفتيش . 
SE e‏ و ا بدأ 
0 الطريق العا وأنا أغنّي ا للَيّارات القليلة التي كانت 
تخرج من مجاثمها الو طقن الذاهبين إلى أعمالهم في هذا الصّياح 
الباكر » تابعت وأنا أرفعٌ إبهامي . تجاوزتني ثلاث سيّارات على الأقل 
قبل أنْ تتوقف السَيّارة الرابعة أو الخامسة 

ركيت السّيّارة وتوجّهت إلى خطيبتي . كانت آثقال الهموم التي 
تتصارعٌ في أعماقي تحتاج إلى قلب لكي يسمعها . وحدها خطيبتي 


100 


كان يُمكن أن تُطفئ الثّار الشتعلة فى صدري . وصلت بيت أنسبائى 
في الكّامنة صباحًا . قلت لها دون مقدّمات : «لقد فررت من 
العسكريّة . الأمر لا يُطاق» . ابتسمت ؛ فانسكب جراء ابتسامتها 
عرد ار من الماء على الثار المشبوبة فى صدري . صمتت للحظات 
قبل أن تشع ر عيناها بنوع E‏ : «ماذا حدث st‏ 
على هدوتها جه لوي EAE‏ 
تجمّع من أحزان في قعر روحي . كان على أنْ أعترف اليوم أن التساء 
قادرات على إطفاء أشدّ أنواع الثيران لهيبًا . وقادرات كذلك على انتزاع 
أشواك المنوف والقلق من الصّدر وزرع شتلة من الياسمين أو الرّنبق بدلاً 
منها بشكل استئنائي . قالت لي : «لا أحد يُمكن أن يلومك على 
مشاعرك »ولا على تصرّفاتك التي انبنت على تلك المشاعر » ولكن 
الرّجال لا يفرّون . الرجال يواجهون» . وصمتت كأنَ صمتها أقامني 5 
مقام الاعتراف ‏ إتها الفضيلة ؛ المرأة هي الفضيلة التي عي إلى 
اضطراباتك الحمقاء اتَّرْاتَها المستحق . 

فى الماء غادرت بيت آنسبائي › و قطعت الطريق الواصلة إلى 
قريتي (إبدر) مشيًا كنت أريدٌ أنْ أتخلص من آثامي بالمشي . لا يوجد 
أفضل من المشي لكي تنتظم الأفكار > وتستعيد الخلايا ترتيبها 
الطبيعىّ كانت الشّمس قد رحلت › وتركت حُمرتَها فى خحد الأفق . 
كان الشارع الطويل الذي أمشي فيه محفوقًا بأشجار الصنوبر» ومفتوحًا 
في مدى الرّؤية على الْمُطلق » من هنا بدا أن الله الذي أتقن صُنمّ كل 
شيء يقول كلامًا مُبِينًا » ولكن مَنْ يسمع ويرى!! هل كان الصّمم قد 
أتلف الآذان!! هل كان العمى قد غشى العيون!! إن بعضهم يمشي في 


101 


ذات الشارع معي ». ولكنْ هل من المعقول أنّهم لا يرون ما أرى ء ولا 
يسمعون ما أسمع؟! 

كنت ألبس بوط الفحمة وأشرطتي في جيبي »ء أمّا الشرشف 
وزوجًا الحمام فقد أهديتُهما إلى خطيبتي . طالت الطريق . وصفت 
أمشاجي . وهدأت روحي . واستقرٌ ذلك العصفور التاقر تينة قلبي 
حين وصلت بيتنا كانت بعض الأخبار عن فراري من الجيش قد 
تسّربت إلى أهلي . على عادته تجهم أبي في وجهي . وأشاحت أمَي 
بوجهها إلى الجهة الأخرى » وصمت أنخحي باسم ‏ أختاي لم تكونا في 
البيت ٠‏ كانتا قد تزوجتا . وأخي الصّغير لم يكن يعي شيئًا . واجهت 
أهلي كما واجه زكريًا عشيّة المحراب قومّه . صمت عن الكلام حتى 
الصّباح . ونمت كأن شيئًا لم يحدث . 

استيقظت مُبكرًا كان نوم أمس عميقا . فأفقت مرتاحًا . شعورٌ 
بان ابدا حياة جديدة كان يغمرني لحظتها . شعور ذلك الذي ضاع 

فى الصّحراء أربعين عامًا » ثم اهتدى إلى ظل ظليل e‏ ب 
الت . شعور الرَّي بعد الظماً كان المذياع الذي فتحّه أخي باسم قبيل 
اللتابعة بعشر دقائق يُلُعلع » صوته E‏ امي تعد 
لنا طعام الفطور .لم تكد نجلس إلى طبليّة خشبيّة خحشييّة اعتذنا أن نأكل 
عليها طعاصًنا ونتناول عق ا ينات ا السّاعة السابعة 
صباحا فى إذاعة ال 886 ء دقت المّاعة دقاتها المشهورة > قبل أن 

تصمت الدّقات كلها لشانية واحدة مرت لمن ينتظر كأتها ساعة » قم 

تنفجر الدّقة الأخيرة معلنة حسب 868 عذ8الخامسة صباحًا يتوقيت 
جرينتش . كان صوت المذيع العربي يرتجف . أو هكذا خَيل إلي وهو 
يعلن قيام الحرب في العراق . كانت الجيوش الأمريكيّة وجيوش 


102 


حلفائها البالغة أربعة وثلاثين جيشًا قد اجتمع ليكسر شوكة العراق . 
لقد قامت الحرب إِذَا . تركت أهلى مجتمعين حول طبليّة الفطور » 
وخرجت إلى الشارع . داريت دمعة انحدرت ساخنة على خدّي 
تهمّدت بسرعة لشدة البرد الذي تمتلى به طرقات القرية . مشيت 
بسرعة مثل من يهرب من قدَّر يلاحقه . كان الماء يفرٌَ في دفقات تحت 
وطأة ضربات أقدامي المتسارعة . حى إذا تجاوزت بيوتات القرية 
وأشرفتٌ على الخلاء » رحت أركض ٴ٠‏ أركض وأنا أضع يدي فوق 
رأسي » لقد عادث إلى تلك ال حالة التي لازمنّني في طفولتي زمنًا ليس 
ق . ممن أخاف؟! وأي ضربات تلك التي أتقيها بِيدي كأنها 
قادمة من السّما ٤‏ لا أدري . ركضت ذلك اليوم في الطّين والوّحل 
بشكل جنوني وأطلقت ساقي للرّيح بشكل هستيري » وحين 
ا وحدي لا شي غير الوديان المهجورة والظلال الصامتة » بعشت 
صرخحة تفجرت بها أعماقى » كانت صرخة المستغيث المكروب » كانت 
مره فا اوو ج د ق 
ولو مس صخرا لاذابه . هبطت أسفل الوادي وأنا أنحدر مع منحدارته 
مل کیل لم تيد ر على مراي التي راحت تتسارع وتحتها قوج 
الصخور والاشواك والأتربة حتى إذا صرت في أحفض بقعة في 
الوادي » رسيت نفسي على السيل » > كان قد تحوّل إلى نهر لتدقّق الماء 
المتجمع من أمطار الليالي الفائتة عبر الهضاب المحيطة . استلقيت 
وظهري إلى ال اء » كان شديد ال يكاد جمد كل شی ٤ء‏ © فردت 
يڌي وقدّمي على اتساعهما كمن يترك جسله كله 0 ورا الماء 
يعبرني غير عابئع بي لم يعتبرّني أكثر من صخرة ليّنة » كان يتدفق 
بعد أن يتجمّع حول رأسي متوقفا للحظات يكاد فيها يعلو صفحة 


103 


وجهي وتدخل بعض قطراته في أنفي » ثم ينسل حول أطرافي كنت 
طفن ببرودته حر جسدي » وأخحمد بريه نيران أنفاسي » كان صوت 

خريره بُغطّي على راخ الخبر الصّاعق في أذني من خب السّابعة 
TE ORE‏ : «الرجال لا يفرون . الرجال 
يُواجهون» . ملاتني الكلمات بالرّهبة > حضرّ طيفها أمام ناظري ۰ > خيّل 
إلي أنها تقول : ها هی الحرب قد قامت » وها أنت مثلّ شاة جرباء فى 
الوادي > الوادى ي المنقطع عن العالّم » سيقولون هرب من الحرب » الحرب 
التي تكشفٌ عن معادن الرجال » الرجال الذين يصمدون» . أقعدتني 
كلماتها التي رتت في أُدْنَي » كان الماء قد بدأ يسيل على جسدي 
مُبلّلاً كل شبر في جسمي » شعرت بوزن ثيابي المبلّلة يُثقلني » أردت 
أن أنهض ٠‏ جذبشني تلك التّياب امبلّلة إلى الأسفل » وشدني بعض 
الطين العالق بي إلى الارض ء أمعقول أتنى أخلدت إلى الأرض » دب 
لعب في صدري إن نداء الحرب يدعوني إلى القتال حل آنا جبان 
إلى هذا الحدّ لكي ينعني الماء من أن أنطلق . سمعت صوت خطيبتي 
من جديد تراه افر ؛ سيقولون ؛ هذا الذي أشيعنا 
بالبطولات » تبيّن أنه يعرف ٠‏ البطولات بالقول لا بالفعل > وأنه لسن 
اكت عر قربة قأرغة» . ارتجفت » هززت رسي عشرات المرات لكي أطرد 
الشياطين التي تجمّعتْ فيه اقبت مكل راع جه نكي دون أت 
يدري . اسحتويت واقفاءوركضت من جديد »من جديد إلى 
العسكريّة »لن أسمح لهم والحرب قد أنشبت أنيابّها أن يقولوا : «لقد 
فر . 


104 


)1۲( 
دعوها فاتها مأمورة 


وصلت إلى السّريّة قادمًا من (إبدر) في ظهر ذلك اليوم »لم يكن 
RE‏ و ا او 
عل كان ت كان اجة فد بل د الت له 
يجب . ولم يُحرّك لسانه بكلمة واحدة . كان يبدو أنه خائف أو يعيش 
فى عالم آخر . نهضت باتجاه قائد السّريّة » دحلت مكتبه ء أذيت 
أخرس . قلت بعد أنْ مرّت دقيقة كعام : «لقد عدت يا سيّدي ء وأنا 
اعترف ی بورحو أن ی 
أن أكون هاربًا في اللحظة التي يُناديني فيها الواجب» . ظل صامتا 
لدقيقة أخرى مرت هي أيضًا كعام حر » قبل أن ينفش صدره كانه جل 
بالهواء قبل أن يقول وة ا : «اأقد عينتك سائقا لسيارة 
الشحن» . ثم أشارلى برأسه لأغادر مكتبه . حرجت »على الباب » 
شالت مساعذةه : «الا تق دل متشاكية .بالا رمت فى 
N GEN SESE e‏ «لن 
لَه عن فرارك» 50 وأنا أضيّق عد ” : «ولماذا؟» 5 : «ربما 


كان اكد اف و لأنه يُحَبّك ولا يريد لك 


105 


الأذى» . أجبته بصوت مسموع : كلا لا هذه ولا تلك > أظن أنه لم 
بلع عنى لأته حاف أن يكون محل سخرية الجنود » يقولون تركه في 
الصقيع مثل لطيم وعاد بسيارته وحده ٠‏ وسيقولون : كيف يفرٌ جندي 
من سريّتك دون أن تنتبه ء لا بد أنّك لاه والماء تسرب من تحت 
قدمّيك! إن مرارة S0‏ التي EE‏ الود 0 
عند قوم فوائد» 00 

أعطيت لي سيّارة شحن من نوع (ديانا) » كانوا ييمونها سيارة 
الأرزاق » كانت أرزاق الجنود معلقة بها طلنّها بهيّة » ومرآها أشهى من 
العسل » وصوت تهاديها على الطريق محملة اد اليا 
الموسيقى » هكذا كانت تعيش في خيال العسكر ء الطعام جوع البشري 
إلى البقاء » وسر وجوده الغامض . ومحاولته للاحتيال على الموت ٠‏ 
وسغيه إلى نسيان ثلاثة أرباع الماضي وتأمين رُبع الْستقبل . في هذا 
اليوم الذي ملأت السّيّارة بالطعام . والمواد التَموينيّة التي اشتريتُها 
بحسب الأصول زارنا قائد الوحدةء بدا قائد السّريّة إلى جانبه هرا 
أليقًا . طلب منه أنْ يجمع له كل العساكر في قاعة المحاضرات 
اجتمعت كل الفصائل الأربعة التى تتكوّن منها سريّتنا » فى القاعة 
التي لم تكن كبيرة » ووجّه إلينا قائد الوحدة خطابًا تعبويا » يرفع فيه 
من معنويّات الجتود » ويُخصيرهم أثنا لو اضطررنا إلى دخول الحرب 
فسندخلها أسودًا تدوس كل شيء في طريقها كان كلامه جمیلا 
لكتني لم أحسنه صادقا » إنه عذب كوردة بلا راثحة . وحين فتح المجال 
للأسئلة » رفعت يدي » كان على أن أقتنص تلك اللحظة » فوجود قائد 
وة لا يتوافر لنا كرا بوم وا ا ال ا عافد السَّريّة ء 


106 


قلت له «أريدٌ أنْ أعود إلى كتيبتى الأصليّة التى تخدم على الحدود , 
أنا من إبدر وهي قرية قريبة من آم قيس » وسيكون بإمكاني أن أظل 
قريبًا كذلك من آهل بيتي» . لكنّه رفض قائلا : «بقاؤك هنا أفضل من 
عودتك إلى الحدود . هنا ستكون بعيدًا عن الحرب» » فصحت : 
«ولكتنى لا أريدٌ أن أكون بعيدًا عن الحرب ٠‏ أنا أريد أن أكون أوّل من 
يُقاتل قيها» . فصرخ بوجهي : «اسكت أيّها العسكري › ومنذ متى 
يُسمّح لك بمناقشة الأوامر الحسكرية . أنا آمرك أن تظل هنا . هل هذا 
قاع عن بلدي بَلفى بأمرعسكروة» أن تول لك اجعني بوز يدنع ٠‏ 
عسكريّة 1 .لم يتمالك كائد O E‏ اا و 
لم عد إلا لحظات لم أتمكن خلالها من الاستمتاع بمرأى ثلاثة من 
زملائي وهم يهجمون علي » ويحملونني بين أيديهم ثم يُلقون بي 
القاعة » وقد راح عدد آخر من زملاثي يرجونني أن أسكت وان أجعل 
خيمتي كان المخبر لا يزال قابعًا فيها » وكان أوار شعلة الغضب يظهر 
على انتفاخ منخري ولُهائي الحارء هممت أنْ أبطش به › وأفرّغ غضبي 
فيه » ولكنني تراجعت »لمت نفسي : «مسكين هذا المخبر » هل سيظل 
موضع تفريغ هياجي كلما غعضبت» 

كنت لا أزال أنظر من باب الخيمة إلى باب القاعة » أنتظر خروج 
قائد الوحدة لأنقذ ما عزمت عليه . أعرف أتنى مُضطرب وجدانيا » هذا 
ليس امتيارًا » نصف البشر مثلي ٠‏ أنا أمتاز عنهم ربّما بقلّة الخيارات 


107 


التي أمتلكها » لكن الذي يقتلني هو هذا الرّفض المتكرّر من كل قائد 
أطلب منه شينًا › وكأنهم تواصوا على أن يضعوني ام عضبي ١‏ وأمام 
خياراتي المستحيلة » إنهم يعيشون انتفاشاتهم وتضخم حم أتاهم على إيقاع 
رفضهم المتواصل لكل ما يُطلب منهم »إن (لا) التي ينفثها أحدهم في 
وجه عسكري بسيط مثلي تُشعره بالسّلطة المطلقة ‏ نها تدغدغ غريزة 
الانتفاخ البشري الذي يسعَى إلى السّيطرة ولو كانت كاذبة من خلال 
القوّة والبطش الكامنين فيهم . وليكن »لن عر (لاؤهم) بجانبي مرور 
الكرام » ولن تقوى على إيقافي ٍ 
كانت السّاعة تُشير إلى الثانية ظهرا حن غادر قائد الوحدة 
سريّتنا » وكانت هذه السّاعة بالتسبة لى ساعة الصفر ء لقد بدأ العمل 
الجادٌ . العساكر والضُبّاط والقائد E‏ بإنزال اللقم الحارّة إلى 
أجوافهم » أنا أعرفهم في هذه اللحظات ؛ إنّهم ينسّون أنفهم ء يأكلون 
كأنهم تاهوا في غابة لأسبوع »تم وجدوا أنفسهم فجأة أمام مفركة 
بطاطا » أو مقلوبة زهرة » كان الهدوء يود كل شيء في السّريّة » معظم 
الفصائل والغرف والأمكنة خالية كأنها مهجورة ومات أهلها من زمنِ 
بعيد › وحدها غرفة الطعام تضصج هَ بالآكلين الذين يقبعون فيها كذئاب, 
جائعة ‏ تهر هريرا خافتا وهي تزدرد اللقمة وراء اللقمة . توجّهت ؛ إلى 
غرفة اللاسلكي وقمت بقطع سلك التلفون الواصل بين قيادة السرية 
وقيادة الوحدة . كانت متعتي وأنا أقطعه لا توصّفء كأن قطعة 0 
من يد خطي بتي قد ذابت في حلقي! ثم قمتُ بفصل سلك هوائي 
جهاز اللاسلكي حتى لا تستطيع السريّة الاتصال بالوحدة اتويت 
سريّتنا مثل مكعّب من الحجر لا أحد يعرف مكانه » ولا حتّى هو . بدا 
هذا الانفصال كأنني أعدت سريّتنا إلى قرون النشأة الأولى ؛ مجموعة 


108 


من البشر يعيشون في كهوف ليس بينهم وبين أي مكان آخر في العالم 
صلة › ولو كان هذا المكان يبعد بضعة آمتار . شعرت بلذة غريبة » إنها 
تبه لحظة الفا على وهم ظل ينهش عافية القلب . أو لحظة تحقيق 
حلم ظل حبيسًا في الخيال لعشرة قرون كُمٌ انطلق فجأةٌ من حبسه 
وصار واقعًا . لوحت بجذعي يي يمينا وشمالاً كمن يرقص على إيقاع ماء 
وخرجت . أعرف مفتاح الشاحنة الكبيرة (الكونتينتال) » سرقتّه للمرة 
الشانية »لكن هذه المرّة يخوف أقل »ولا مبالاة أكبر قفزت إلى 
داخلها » وفي لحظات كانت تتهادى بي » خارجة من معسكر جنودٌه لم 
E EE‏ 

سالتنى (الكونتينتال) هذه المرّة : «إلى آين؟» . ضحكت وأنا 
أتذكر ذلك الحديث : «دعوها فإنها مأمورة» . ضحكت هى بدورها . 
وسارت كأتها تعرف طريقها . أحيانًا يُمكن أن تقرّر مصيرك بأكمله في 
لحظة » لحظة تأتي فجأة , المصائر التي تُقرّر في مثل هذه الحالات هي 
مصائر عظيمة » أسوأها تلك الّتى تبلس أسيوعًا كاملاً بكلّ ساعاته 
ودقائقه وأنتْ تخطط ء هذا كن مر e‏ يأتى باهتا» ويبوخ مثل 
قمر جندب أخيرة في برّيّة مُوحشة . سارت (الكونتينتال) في الطريق 
امنجهة غربًا ء أحذت من جيبي شريطًا لسميح : شقير لم يكن معروفا 
آنذاك كثيرً » لو كان يدري أتنى أول من اكتشْفنّه فى الأردن ء لريّما 
غَنَّى لى أغنية خاضة بن مد هذا انون الذئ تتقنه هنما 

مورت بالشاحنة في الطّريق الفرعيّة الموصلة إلى قريتنا » هممت 
ان أمرّ بها لأسلم على مي ء لكن الوقت لم يكن في صالحي » وخفت 
أن تعرف ما أقومٌ به > فكرت : لن تصدّقني إذا قلت لها إن هذه السسّيّارة 
هي سيارة الأرزاق وأنا أقوم بجولة لاأجمع الطعام من أجل الأفواه 


109 


الجائعة , والمعّد الخاوية » ستنكر علي ذلك » وسأنهار أمام صدق عينيها 
وأعترف بالحقيقة . نظرت إلى يساري » كانت الطريق المْؤدية إلى بيت 
أنسبائي مُغرية وتدعوني إلى سلوكها »قلت في نفسي : فرصة عمتازة 
لزور خطيبتي بهذه السيّارة الكبيرة ؛ إنها لن ترى عاشقا یزورها as‏ 
أكبر منها » لكنّنتى خفت صدق العيون من جديد » وسمعت الشاحنة 
تقول : «قد تصمد في المعركة أمام عدوّك عشرين عامًا » لكنّك لن 
ل لضان 
مقودها وأتا أقول ضاحكا بصوتٍ عال : صدقت . . صدقت!!» 

وصلت قُبيل المغرب إلى 0 الأولى فى أل تمن كان البرد 
بطي شوارعها » والشمس تتوارى خلف غيوم بيضاء ء كثيفة وهي تلفظ 
آخر أنفاسها » ركنت الشاحنة على المدخل »لم أستأذن الحارس على 
الباب » كان يعرفنى » فاختصر على نفسه غباء السَوّال » دخلت مباشرة 
على قائد الكتيبة » كان يجلس إلى مكتبه يتسامر مع بعض الضُبَاط 
وقد فاحت رائحة الكستناء قبل دخولي وهي تتفرقع فوق الموقدة »لم 
يتفاجاً لمنظري . ولا حتّى الضباط الآ خرون » كان يبدو أتنى أصيحت 
معروفًا لديهم با أقوم به » قلت له بلا مُقدّمات : «أريد أن أعود إلى هذه 
الكتيبة » إتها كتيبتي الأصليّة » وأنا حدمت فيها كثيرًا » ولم تُسجل 
على فيها أيّةَ ملاحظات» . قهقه القائد حين سمع الجملة الأخيرة ؛ 
صّك على أسناته بقهر » وأراد أن يقول كل ما في تفسه » لكنّه ضغط 
على الكلمات بكل ما يُمكنه حتى أكل بعضها وأخرج اثنتين تريتا 
رغمًا عنه » وهما أقل بكثير مما كان ينوي قوله لولم يضغط على 
أسنانه بتلك الطريقة الكريهة e E‏ ا nG‏ 
مكتبه «لا نريد زعران» . «لقد هربت من وحدة حرس الحدود» توقفت 


110 


قليلاً قبل أنْ يدور بخاطري أنّها كلها حدود ء وإنّْ اختلفت الوجوه ؛ 
الحدود الشماليّة والحدود الغربيّة » أكملت ببراءة طفل : «وأنا لا أريد 
العودة إلى هناك» . كانت جملتي الأخيرة يتيمة . قَيدوني کمجرم 
خطير» > تساءلت وهم يضعون (الكليشات) في يدي عن الحرم الذي 
ارتكبته » حاولت أن أستعيد الأسابيع الأخيرة من عملي في العسكرية 
لاعثر على شيء واحد يُسوغ لهم تقييدي بهذه الطريقة ففشلت » قلت 
له » وأنا أضحك : «ستّضطرَ لإعادتى إلى هذه الكتيبة » وستأمرنى بان 
أقف على الحدود مع اليهود » أنا أعرف ذلك تامّاء ومتأَكَد منه» 
قهقه : «هذا إذا حرجت من السجن» . 
حولت فى الليلة نفسها إلى شعبة الاستخبارت التّابعة للمنطقة › 
لقد كانت ذات الشعبة التي حُوَنتُ إليها وَل مرّة ‏ بل رُمِيتُ في ذات 
الغرفة الباردة التي رُمِيتْ فيها أنا وزميلي بعد حادثة المدفع كان اللّيل 
قد هبط في الخارج » والغرفة الباردة لا تعترف بالليل ولا بالتهارء إتها 
مُظلمة وباردة دائمًا . هل كان حظي أن ألقَى فيها شتاء هو التّبب ء أم 
أنها باردة هذه البرودة الجارحة حتّى في الصّيف؟! لا أدري . لم يتكلم 
معي أحدٌ في تلك الليلة » غت من شدة الإرهاق بسرعة على بلاط 
الغرفة »ولم أستيقظ إلا على الفجر ء صليت دون أن أتذكر اتجاه 
القبلة › ودون أن أتوضاً . وبعد أن أتوني ي بالفطورء قال لي أحدهم : 
«جَهْرُ حالك . ستّعرّض على المحقق بعد قليل» . لمعت عيناي ولم 
أتكلم . 
5 السابعة أو الثامنة صياحًا لا أدري . أدخلوني على المحقق › 
عرفته من وجهه الكالح »إن التاريخ ه يعيد نفسه على ما يبدو »لم 
يتمالك نفسه حين رآني » قام من خلف مكتيه وانهال علي بالضرب › 


والشتائم القبيحة » > كانت شتائمه بذيثة جدا . لم أحرلة ساكنًا لا 
أدري اذا اختفت ردات فعلي كلها قت الوجبة الأولى والثانية 
وحتّى الثالئة من وجبات الضرب حى هداً ٠‏ كان غضبه قد سكن بعد 
أ تعب من ضربي . لم أقلْ شيئًا » واكتفيت بالتظر في وجوه ا حراس 
الذين كان يقف اثنان منهم على جانبي المكتب ٠‏ واثنان آخران عند 
الباب » كاتني كنت أستغيث بهم أن يتدخلوا لمُخففوا من وقع 
الضَربات الُوجعة التي آكلّها ؛ لکتهم لم يُحرّكوا ساكتًا . قال لي وهو 
يلهث بعد أن فرّغ كل ما جوقه من حنق : «الآن تأكَّدَ لي انتماؤك إلى 
جهات خارجيّة » والله لن تفلت متى هذه المرّة » وسأجعل منك عبرة 
لن لا يعتبر» . طلبتُ منه بعضض الماء فأنا منذ أنْ أكلتُ في الصّباح لم 
أشرب جرعة واحدة » استغرب طلبي > لكتني أكدت له وأنا أمسح 
بعض الدّم الذي سال على وجهي : «أنا عطشان» . جاءني أحد 
العساكر بكوز بلاستيكي مليء , شربت يعض الجرعات الصّغيرة منه » 
كم سكبت بقيّته على راسي » كنت أريدٌ له آلا ينفجر!! 


112 


(۳) 
خيال جامح 


مللت من الأسئلة المتكرّرة في كل تحقيق : «لأي منظمة إرهابيّة 
تنتمي؟!» كنت أتتاءل فيما إذا كان کل ما يضدر عَنَ أقغال البغبر 
يصدر دائمًا يسبب انتمائهم لجهة ما . ألا يُمكن أن يقوموا بما يرغبون 
القيام به دون أنْ يكونوا مدفوعين من جهةٍ خارجية؟! لماذا على كل من 
يفعل شيمًا أن يكون عبدًا لَنْ يُملي عليه هذا الفعل!! ألا يستطيعٌ أن 
يكون ا ؛ فعل لأنه أراد ‏ وأقدم على الشيء لأنه شاء ؛ ما الغريب 
فى ذلك!! 

حرمت من النوم . أسيوعًا كاملا لم أم . كاد يصيبني انون . 
افعلوا بي ما شتتم أيها الزملاء الرائعون » اشبحوني » علقوني من رجلي 
كذبيحة › عرّضوا جسدي العاري لضربات المطر التي لا ترحم » صادروا 
طعامي وشرابي » ولكن اسمحوا لي أن أنام ولو ساعة من تهار. 
الع لغ ا لطاب عذامع اتن ركه برا وا 
استغربت بالفعل أنْ يكون جوعي إلى التوم شد بكثير من جوعي إلى 
الطعام » ما سر هذا التّوم الذي يجتاحني مثل الغرغرينا ؛ ويُعشّش 
داخل عقلى كسرب مُحتشد من الثمل » تساءلت إنْ كان أحدٌ من 
قبلي استطاع ان بُفلت من سسُلطان التّوم ٠‏ ويعتيره شينًا عابرًا يُمكن 
لحاي عه بس E‏ . أو يَصّق علكة على قارعة 
الطريق . لكنني لم أتحصل على إجابةٍ مُقئعة . ركل العسكري رأسي 


113 


الملقى على البلاط برجله » بعد أن رميت نفسي عليه بعد جلة تحقيق 
وضرب استمرّت لعشر ساعات . فصحوت منهوشا . يتهارش في 
داخلي قطيعٌ من كلاب التٌعاس » رجوئه أن يسمح لي بأنْ أغفو لدّة 
خمس دقائق » لكنّه رجاني ألآ أفعل . بكيت أمامه فلمعت عيناه 
بدموع -حاول أن يُخحفيها » ونشق : «لا استطيع» » . تركتّه يبكي ١‏ ورحّبت 
بالتوم يجري في جسدي الْنهّك رغمًا عنّي وعنه » جاء بدلو من الماء 
الج وسكبه علي بلا رحمة » فارتجفتٌ مثل سمكة ألقاها مَدَ البحر 
إلى الرمل › راحت يداي ورجلاي تهتزان في حركة هستيرية . رجوته 
أنْ عضي ويتركني وحدي . خرج . جاء اثنان من بعده وحملاني 
كخروف مذبوح وسارا بي إلى غرفة التحقيق . كنت بين الصّحو 
والموت › ت طرف السَؤال المكرور : «مَنْ دَقَعَك إلى . 

لكتني لم أسمع بقيّة السَؤال ؛ كنت قد فقدت الوعي . فقدان الوعي 
يُشبه أن تكون طائرًا على ظهر غمامة م تسمح لنفسك بان تهوي من 
هناك إلى الأرض . يُشبه سقوط ثمرة ناضجة تمامًا من عُصن شجرة 
عملاقة . لم أشعر بخبطات البُسطار المي ترفشني في بطني ٠‏ أعادوني 
من جديد إلى الزنزانة » هذه المرة سمحوا لي بالنوم ساعتين . في الثالئة 
فجرًا أيقظوني بدلو جديد من الماء الْتلّج .لم يكن شيء في يتحرّك 
باستثناء عيتي اللْتَين كانتا تحاولان استيعاب المشهد . لم أستوعب 
ا > ظننت أني في الطيقة السّابعة من الجحيم ؛ جحيم دانتي ۰ 
كان زبانية العذاب يمسكون بالكلاليب ويغرسونها في حمي الى 
كان لحمي قاسيًا » فلم يستطيعوا أن يغرسوا تلك الكلاليب في ذلك 
الجسد بسهولة › المساكين عاتوا كثيرًا قبل أنْ تُحكم الخطاطيف نشوبها 
فيما تبقى من لحمي . شعرت بالشفقة تُجاههم وصوت لُهاثهم علا 





114 


مناخرهم مثل خيول عجوزة . جروني ككلب نافق هذه المرّة » وأعادوني 
إلى غرفة التحقيق » كنت أنتظر السّؤال نفسه » ولذلك ما إن لحت بوريه 
المحقق تستقرٌ فوق رأسه مثل راية حمراء على رأس ثور في حلية 
مُصارعة حتى صرخت مُجيبًا عن سؤاله قبل أن يتطق به : «إيران» 
رفعت في وجهه عيئًا نصف مُغمّضّة ء كانت الأخرى مُغلقة تمامًا 
يسبب الورم » رأيت ابتسامته راد جوب ضباب كثيف داح 
يتشكل أمام عيني . وجدت في الاعتراف المماغت 9 ومتعة > هتفت 
في سري : «هل هذا ما تريده ايها الوغد لكي د تنهي هذه المأساة؟! 
الضراطون يُحبّون مثل هذا الخراء ؛ حسنا . فليكن . . . لا بأس ببعض 
الهراء » بعض الكلام يريح . . .» تابعت كلمتي الأولى : «وروسياء 
والثورة البلكفيّة » ألمانيا بقيادة هتلر » عملاء الحرب العالميّة الأولى » 
وثبلاء الطابور الخامس › الفلا > ومرامسلات المحسين مكماهون › 
وجدتي التي ماتت فقيل ا . كان واضحًا أننى أهذي › 
وكان مُنَاكْ خلفي مَنْ يُسجّل هذه الاعترافات الثّمينة باهتمام واضع!! 
لم أدر كم مر من الأيّام وأنا غائبٌ عن الوعي ٠‏ لكنّها ثلاثة أُيّام 
على الأرجح ءلم يقل لي أحدٌ ذلك › كان هذا تقديري الخاص . للأيام 
تالف مع عقارب السساعة التي تدور تكائها في عقلي . في اليوم السابع » 
كنت أبدو بصحَة جيّدة » اختفت الأورام الكثيرة التي ملأت وجهي › 
واللون الأزرق الذي تحوّل إلى البنفسجى اخحتفى هو الآخّر» قال لى 
الحدق حبذلل علاة مك عاك أماء قاتد الوسلدة» . 
وبالفعل تقلت إلى الوحدة » وغتُ فيها تلك الليلة . وفي الصّباح 
عقدت لى محاكمة جديدة فى هذه الّللة 
۰ كرا جاک بالمعنى الحرفي » كانت جلة تلاوة القرار . 


115 


«أنت مهم بالقرار من الخدمة ومخالفة الأوامر العسكريّة » أحكم 
عليك وجاهة بالسّجن لمدّة شهرّين » والطرد من الخدمة . ويُنفذ الحكم 
على الفور حكما غير قابل للاستئناف» . 

رُخَلَتُ إلى سجن وحدة حرس الحدود العسكري ٠‏ وقضيت شهرا 
كاملا » قبل أن يُعلن جورج بوش الأب انتهاء المهمّات القتاليّة وتحرير 
الكويت » لا أدري إن كان هذا ال (بوش) يعرف أتنى أنتظر هذا 
الإعلان بفارغ الصّبرء إن رؤساء أمريكا قادرون في الوطن العربي على 
تغيير الأوضاع بمجرد التفوه بتصريح لا يزيد عن ثلاث دقائق . إن 
تصريحًا واحدًا من فخامتهم يُمكنه أن يغيّر خارطة يلد بأكمله » 
والسّجون جزء من خارطة آي بلد عربي » ؛ بل رما هي أهمّ جزء فيه » 
وأنا بدوري جرّء من هذه السجون »› اسيتغيّر شيء ما» ؛ قلت لنفسي › 
وأردفت وأنا أحك ذقني : «بالتأكيد» 

إذا وضعت حرب الخليج الشانية أوزارها . أخرجت من الجن 
لسبب لا أعرفه » وأعادوني إلى كتيبتي » فرحتُ . كنت أعتقد أنّ شهرًا 
سكن كافيًا للعقوبة » ولا أدري كيف وقر في اعتقادي أن ان اجن 
الشهر العّانى > وان تسريحى من الخدمة سيكون هو الحل الأمثل لكافة 
الف :رک اكد کے اف ای نای و مكرك 
عنده » وآتني حال انتهائي من هذا الشهر الثاني » سيأمر بمحاكمتي من 
جديد , وسيسجنني شهرين إضافيّين قبل أن يُطلق سراحي . لم أكن 
مؤمنًا أنه ستّعاد محاكمتى » ولكننى كنت أفكر فى كيفيّة قضاء الشهر 
لاني من فترة حُكمي » خطّطت لقضاء الوقت لعل بالقراءة » رتبت 
في ذهني الكتب التي سأطلب من أهلي أن يوافوني بها . لكن كتابًا 
واحذا لم يدخل إلى » عكفت على تدريب نفسي على الحفظ . 


116 


حفظت بضعة أجزاء من القرآن » وبعض الأحاديث التي كنت أستلها 
من كتاب التفسير الوحيد الذي سمح بإدخاله لي . قبل أن ينتهي 
الشهر كان قد صدر أمرٌ بنقل قائد الكتيبة إلى مكان آخرء فلم يْنَحْ له 
أن يُحاكمني من جديد . لكتني كنت أنتظر أن أعود إلى الشارع › 
الشارع الذي قضيت فيه طفولتي الأولى . مَنْ قال لك إن الغرائب 
تحدث دون تخطيط ء فهذا بالضبط ما حدث معي . لم أطرد من الجيش 
بالرغم من صدور حُكم علي بذلك » وصرت أشك في أتني لم أسمع 
القاضي جيّدا الحظة تلاوته القرار » هل أسمع أشياء لا تُقال!! 

استلم قيادة الوحدة أحد الضبّاط الذين تربط قريتي به وشائج 
روصن و للخو و وقافت كن ر 
بلياس مدني » أشرت إلى ثيابي : «تليق بي الثياب العسكريّة 
سيدي » . نظر إلي كأنني شحَاد يستحق الشفقة » كان قلبه قلب 
عصفور » بدا التَأثْ على وجهه وهو يرمقني بطرف عينّيه لوهلة ‏ كم 
يخفضهما في أوراق أمامه على سطح المكتب . تابعت مستغلاً حدائق 
الراحمة التي شممت عطرّها يزكم أنفي : «إنني نادم بالفعل » سه 
طيشاء أو حماقة غير محسوبة النتائج »آنا الآن إنسان آخرء وآمُل أن 
تعفو عني» . ظل صامتا كعمود من رخام » لكن هذا العمود بدا مُهتزا ء 
حاولت أن أزرع وردة في قاعدته > أن أسقيه باء الاستعطاف لعل 
صلابته تلين » هل قال لكم أحد إن الخضرة قد تكسو عمود الرّخام هذا 
بلا سابقة فصدّقوه : «أنا رجل يبحث عن وسيلة ليخدم بها تراب 
وطنه » إذا لم يتفهم مثلك ما يُمكن أنْ يفعله شاب متحمس مثلى ؛ 
فْمَنْ ثراه سيفعل!!» . رفع بصره هذه المرّة بوجهي : دلا أستطيع يا 
أحمد . . . ستّسحن أسبوعًا آخر على الأقلّ قبل أن . . .» . قاطعته : 


117 


«أمرك يا سيّدي . . . لكن الطرد . . » و 00 
«سأحاول أن أتغاضى عن مألة 3 من الخدمة » سأحاول . 
ساخارل :لا يلكت ا اغ ارق فيك اا 0 
اتصالاتي لكي يمنحوك فرصة جديدة» . كدت أتقدّم نحوه لأقبّل 
رأسه . لكن إشارته لبعض العساكر بإعادتي إلى الحبس كانت قد 
سبقتني . في الطريق إلى الأسبوع الأخير كنت على يقين بأنّ حياة 
جد قد كفت لی . إنة أسبوعٌ آحَر من أجل عيونك أيّها الوطن 
الجميل . ألا تستحق!! 

في اليوم السّابع » جاءتّني امرأة عمّى في المنام قالت لي : «مَّن 
استعجل الثمرة خُرم» . تخيّلت ثمرة فجّة تكسر أسناني وأنا أحاول 
قَضّمها . رميثّها 

حين وقفت أمامه بعد أسبوع , قال بصوت يشي ببسمة مسروقة ' 
«لقد غجحنا . سأمتحك أسبوع إجازة لتعود لنا برو جديدة» . في هذا 
الأسبوع كانت قناديل الفرح تملاً حياتي یما قال لی : آن لك أن 
تحظى بخطيبتك في أحضان بيتك . أليست هي الاخرى وطنًا؟! وطن 
لم يتخل عنك لحظة ء إنّه وطن جديرٌ بالاحتفال . 

قالت لي أمّى قولة كل آم : «متى سنفرح بك يا ابني؟» . أجيتها 
اليوم لو أردت . كانت تعتقد أن زواجي سيجعل حبّة الحمّص التي 
تقفز في كل مكان تهدأ قليلا . إن الاج أفضل طريقة يقة لإعادة الخلايا 
المتنافرة إلى وضعها الطبيعي » تُصبح الحركة مدروسة » والإقدام على 
الشيء يتطلب العَدَ إلى العشرة قبل أنْ تفعله › أمّى تؤمن بذلك . وأبي 
ظل يراني حاملاً للبندقيّة على الجبهة » كما تشأني منذ طفولتي وعلى 
مدى سنواته التي قضاها معنا قبل أنْ تأخذه الغربة من أجل لقمة 


118 


العيش بعيدًا عتا لفترات مُتقطعة 

حددنا موعد اقرخ د وات أحس بتداخل العوالم . الفرح 
يتطلب انتزاع شخصيّة من شخصيّة اتدل هج مجان دري 0 
تستحق أن أعيش لها ء أن أحظى بحبّها وتحظى بحبّي . أن أعمل من 
أجل سعادة تُشبه سعادة أي زوجَين يبنيان عُشّهِما الصّغير كان عشي 
متختلفا ؛ ؛ جاء بعد سلسلة من العذابات والآلام التي ذقتها خلال 
سنوات خدمتي العسكريّة الخمس الفائتة كان كل يوم في العكريّة 
يُشكل لي حكاية كانت حكايتي يُمكن أن تكون حكاية أي 
عسكري حر . لكتهم استغربوا أن تجري على هذا التحو . يبدو أن 
تقديس الأمرالعكري يأتي قبل تكرم الإتسان وأن عبودية 
الانتساب إلى هذا السلك تأتي قبل الحرّيّة لم أحاول أن أكون حرا 
عبت اي المع اا عشم هناها اروت أن افهزن وفع هنا 
أنا ؛ تصرفت على سجيّتي . ربّما أفعالي لم تعجب الكثيرين » لكتها 
بالضرورة عفويّة غير قابلة للتّزِييف » وكانت مدفوعة بنداء داخلي 
ونابعة من ضمير لم يتلوّث . 

جهزت العروس البيت . لدى التساء خيال جامح وساحر في 
تشكيل عالّْهنَ الخاص . تعرف كيف ترتّب العّشَّ ليصبح جتة . عََبة 
البيت . الأرائك . المرايا . الخزائن . الوسائد . الأغطية . الشراشف 
الوه :وري اللذة المبنائفة «التظرات الا سات .اللات 
الذابحات . والكلمات التي تُشبه ريش التّعام » الكلمات القادرة وحدها 
على أنْ تحوّل ألف (لا) مُستعصية إلى (نعم) ليّنة في لمح البصر . 

عدت بعد انتهاء الأسبوع إلى وحدتي . لم أتأخحر هذه المرّة دقيقة 
واحدة . انتظمت في السّلك على أفضل صورة يُمكن أنْ يكون عليها 


119 


جُندي مُنضبط غاية الانضياط . دخلت في اليوم الثاني على القائد : 
«أريدُ أنْ آكل» داف نه . استغرب . كان يتوقع أي عبارة غير 
هذه .اتهم سمعَه . ضيّق عينيه لم أمهله » أردفت : «أنا جائثم» . 
ضحك ضحكة ساخرة وقال : «وما الذي عنعك من أنْ تأكل »أنت 
المسؤول عن الأرزاق » وتستطيع أن تأكل في كل حين» . لكتني قلت له 
من ايد بيلاغة ین : «أريدٌ أن أغمّس . . . سيّدي ألا تعرف 
كيف يعمس الرّجل؟» . زاد استغرابه » قال بعد أنْ ضاق بی : دقل ما 
تريد بشكل واضح» . «سأتزوج الأسبوع القادم سدق > هذا هو 
الغماس» جاك : «هذا كل شى؟! فهمت . مبروك يا ابني» . «أريد 
إجازة لمدّة أسبوعين سعد الت رجل وتعرف ؛ الأمر يستحق» 
ضحك بصوت أعلى : وذ أربعة أسابيع أيّها العسكري» . ووقع على 
ورقة الإجازة وصوت ضحكته ما زال يتصاعد في أرجاء الغرفة 

غْنَتْ (إبدر) كلها ليلة فرحي . رقصت حتّى الشياه في الرّرائب . 
وغتت حتّى العصافير على الأشجار . وشدَّت حتّى المياه في الغدران . 
ولمعت أضواء الجولان وجبل الشيخ والغور وأمّ قيس وطبريّة وبيسان 
على أنغام الشداة . كانت ليلة بهيجة . لم اجرب فرحًا مثل هذا في 
حياتي . كنت أخاف من شيء واحدء أنْ تكون هذه الليلة هي نهاية 
الفرح » واستعذت بالله من شر ما بعدها » » لكتني سرعان ما عدت إلى 
الأ جواء الاحتفالية التي تصدح بها حناجر الْمعين . أمَا امي فلم تعرف 
يومًا منذ ذلك اليوم الذي حلمت فيه بي قبل أن آتي إلى الذنيا أكثْرَ 
سعادة من هذا اليوم . كانت ترى أنّ عصر الولّدنة قد ولّى ء وأيّام فورة 
الشباب قد مضت » وأتني الآن سأصبح رب عائلة . وأنّ مسؤوليّاتي 


تجاه عائلتى ستجعلنى حكيمًا . وقادرًا على اتخاذ القرارات بأناة 


120 


وبرويّة كان صوت (مهاهاتها) يصل من عند النّساء إلى أذني رغم 
الصّخب الذي كان الحتفلون يصطنعونه . كانت (ثُهاهي) بحنجرة 
صداحة » كأته لم يولد لها سواي »ولم تفرح بابن قبلي!! «والله 
وتزوّجت يا أحمد» 

تركت المحتفلين خلفي . أغلقت الباب دوتهم . وانقردت 
بعصفورتى الجميلة . لحظات القّرب الحقيقى هى لحظات الح 
اف بك الجعوى نرق الكش مور الذي اشاس ول ان اف 
التَماهي ما بن الأرواح والأجساد . كان وت زفافها الأبيض يتسدل 
على الأرض وراءها فشن غمامات ضلت طريقها في السّماء وهبطت 
إلى الأرض تبح عن دثار » كان فاا يه غزلانا بريّة » أو 
وصيفاتٍ سماويّة جاءت لترافق الملكة . كان يكنس ينقائه كل ) آللامى « 


E ROE‏ کل الشوائب السّوداء التي علقت بذاكرتي جراء 
مُحاكماتى الكثيرة . ذَهبّت الآهات الغابرة وظلت الضّحكة . علا بسمة 
رخذ خفلا حا بِالرّهور» وضحكة واحدة من القلب » كفيلة بأن 
د اا ترد بأكمله! 

حانت مني التفاتة إلى وجهها المملوء رق وجمالاً وحنانًا » برقت 
في ذهني لحظات انهيال الأكفً على رأسي » والأرجل على بطني ؛ 
دحت . دارت بي الأرض قليلاً ؛ لكن شفتّيها اللَتّين افترّتا في تلك 
اة عن بسمة ة خحجولةٍ أعادتا لي توازني . هذه العروس الرائعة 
تسخطة أذ تعيم الك ي إنها في أبهى تجلياتها قادرة أنْ 
تحميك من نزقك وقد فعلت » وقادرة على أن تنتشلك من بثر الضّياع . 
وتعيدك إلى الطريق المستقيمة لكي تتمكن من مواصلة السير 

بلى يا (فاطمة) ؛ أيّتها التقيّة العٌذبة »لقد صفت لك مودتي . 


121 


أيّتها المطهّرة المتاحرة لقد برتتٌ بك من أوجاعى . أيّتها الغالية الرّضيّة 
قدا حف ك عو لا حل عد لقنن اة لوا رة 
الجوى لقد شّفيت من مرض الوحدة » والجوع » والتّيه . . . ها أنت 
تين شتاتي » وتُعيدين إلى نفسي الثّائهة . .. كل صفعاتهم التي 
حفرت أخاديد في روحي نسيتها لأجل هذه اللحظة > كل آلامي التي 
كانت توقظني من الوم ولت حين أصبحت لي وأصبحتُ لك .يا 
(فاطمة) إن العهد وثيق › وإن الأمانة ثقيلة › » وإنتي أعاهدك أنْ أحفظ 
لك حق الله فيهما . . . وها أنا بين يديك ؛ طفلاً وجد الضَالّة » وقليًا 
عرف الهدأة » ونفسًا تلمّست الترب الُوصلة . 

يا (فاطمة) لو كانت لي أعمارٌ كثيرة لكانت كلها هيّنة في سبيل 
أن تعيشيها فرحًا مُضاعَفا . ما قيمة الحياة إن صار أحدنا لاخر تم هال 
عليه أنْ یری نصفه بائسًا ووحيد)؟! لقد تخلقنا لناء وما جَمّعه الله لن 
يُفرّقه الناس . . . ودخلت . 


e ) /‏ کیک وہ 


122 


)١5( 
مع اللوتى عليك أن تتعلم الأدب‎ 


كان شهرًا من الغرق في العسل . عشت أَيَامَا سعيدة كما يقولون . 
كل شيء E ree‏ الييت كلما مررت بجانيها 
الياسمينة الع في الحاكورة . البرواز المعلق على جدار الغرفة . والليل . 
والتهار . والتجوم . والكواكب . وأشجار الحقول . ور الشوارع 
;أت الصاف وا ها2 الكسلية: :الت اة و وتات 
الهواء . وأنا كتا جميعًا غارقين فى الضّحك . وكنًا لا ريد أن نفعل 
شيعا آخخر! ١‏ 

بعد انقضاء الشهر عدت إلى الكتيبة . استدعانى القائد . كان 
يريد أن يُسدي إلى خدمة قال > انت ماقت وغليك أن تكون حذرا 
في تصرّفاتك . الدّولة تملك ذاكرة من حديد ٠‏ إتهالم تنس ما فعلت . 
وملفك عندها جاهرٌ على الطاولة . أنتصحك ألا تختلط بزملائك 
كثير » فأنت لا تعرف من يحمل لك منهم خنجرًا ممّن يحمل وردة . 
وأقلل من الكلام » فإن الكلمات لا تموت حتى ولولم تسمعهاأذن 
بشريّة في لحظتهاء إن الأجهزة الحديثة قادرة على التقاطها ولو بعد 
عام » وإعادتها إلى هنا ولو كانت قد وصلت إلى المرّيخ . الالغاز لها مثة 
شيفرة لتفكها . اكتف بالسّلام . والسّلام» كان يتحدّث بثقة وهدوء 
حدثه عليهما . ووجدتني نسحب وحدي دون أن تكون وصايا القائد 
قد أثرت بي بالدّرجة الأولى . كنت أريد أنْ أعيش لييتي ولأهلي 


123 


فقط . هذا ما كنت أفكر فيه آنعذٍ . غدا سيأتي ابتي البكر وسيكون 
محتاجًا إلي أكثر من حاجة وطني إلي ؛ بهذا حدثت نفسي . 

انقطعت عن التاس . كانت غُزْلة اختياريّة . أتاحت لي أن أسمن 

قليلا . وأن آكل ذ في اليوم سن ا . العزلة اتضاح الرؤى . 

التعد عن الناس د يضيق كثيرا من المفاهيم الاردة كالتفاق › والكذب ٤‏ 
والتصنع » وإلقاء التحيّة بلا معنى ٠‏ والقول بعد كل سؤال عن صحتك 
بصورة آلية : أنا بخير . العزلة توقفك في مواجهة نفسك . العزلة تزيل 
القشور عن أناك وتجعلك عاريًا أمامك . تعلّمت كذلك أن أصبح عاشقا 
استفنائيًا . وعرفت ٠‏ أن الورد الذي يُقطف من جورية الدار أجمل کي 
من ذلك الذي يباع على الإشار ات وک فى اء كل حن 


أفعل ذلك من أجل قلبي . 
كانت أمّي قد عاودتها الاحلام a‏ قالت لي : ٠‏ 
حلمت بي ححُلمًا وسيتحقق › > وإنها لن تة َقْصّه إلا في حضرة أبي 0 


أبي كثير الغياب » ولهذا تأجل الحلم . كانت فاطمة كثيرًا ما تسأل أمَي 
عن عدا ا لمم لديها فضول كبير في أن تعرف » هي أيضًا من النوع 
الذي يبني حياته كلها رما على حلم عابرء كانت أمَّي فنّانة في 
الْقَصّ . لكتها هذه المرّة امتنعت عن أن تُصح عنه » ولا أن تلْمّح له 
بشيء » أكثر ما كان يُعذب فاطمة قول أمّي إن هذا الحلم سيتحقق » 
وهي تدرك أن أحلام أمّي مثل فلق الصّبح . كانت تريد أن تعرف ماذا 
يُمكن أنْ يحدث لو كان هذا الحلم يحمل أنباء غير سارّة لنا > کان 
فُضولها يحترق كحطب الموقدة في أعماقها » فتسأل أمّي بمزيد من 
الإلحاح . لكن محاولاتها في استدراج عمّتها ذهبت سنُدَّى ء ولم تعرها 
أمَي كبير اهتمام . 


124 


ا ل را ال »صرت أقود ا إسعاف 
ألدارجحة بعن الذنيا 000 رد حليلة ٠‏ وثريّة جدا 00 
وفي مرّات عديدة كانت تشبه البرزخ . ومنها 20 قيمةالحياة. 
الحياة غالية ورخيصة في آن معًا كانت عالية لان كل الذين 
قدت بهم إلى المستشفى كانت e ES‏ و E‏ 00 ا 
لم يكن بقاؤها فى اللمسد يستغرق زمتا أطول من المسافة بين الحيت 
والمستشفى 

أتاحت لي ما الإسعاف أنْ أرى الموت . أنْ أرى حيط الحياة 
وهو ينسل تاركا وراءه َة هامدة . أنْ أرى العيون التي تلاحق طيوقها 
الراحلة إلى الأعالي . أن أشاهد الظلال الزرقاء تنس حب على الوجوه 
الساكنة . أن أسمع القشرعات الأخيرة ء كان هذا أكثر ما يُعذبتى ؛ 
صوت الحشرجات التي ينتزعها ملك الموت من الجسد الذي يُقاوم 
حتّى آخر لحظة » كانت تُشبه حشرجات الكباش المذبوحة صبيحة عيد 


الأضحى 
کان المسعقون يتعاملون مع ا موت بيلادة ع هلا آم آخر من 5 
التي عَدَبثْنِي » كانوا ي يُغلقون عيون الموتى المفتوحة بطريقة آليّة ‏ 


ويُسدلون الغطاء الأبيض على وجوههم بلا مالاة أي E‏ 
هؤلاء الأطبّاء ال و كانوا وة لي إننا نشاهد هذه المناظر في 
كل يوم » > ركما كانت لدينا نفس الصدمة التى لديك أوّل مرة رة ولكتنا 


125 


تعوّذنا » فأجيبهم : ولكتني أعمل سائقا للسّيارة منذ عام وما زالت لدي 
ذات الصّدمة » الصّدمة الأولى في رؤية الموت وجها لوجه كنت 
أحيانا أتشاجر معهم والجسد نازع » والجسم ما زال ساخنا قبل أن 
وت حرارته وتغادر مع الروح المغادرة » ومع ذلك كانوا يعتقدون أتّنى 
تعوّد على ذلك قريبًا . ولكن اعتقادهم كان فقاعة صابون سرعات 

ذابت . الموت ليس اعشيادذا . ليس رقمًا يضاف إلى تعداد الرّاحلين 
فرادی وجماعات . را رأيت الموت أمامى ألف مرّة لتملكتتى منه 
الرهبة كأتها المرّ الأولى . إن إقامته في سيّارتي لم تُمكني من التّعايش 
معه ء أو التصالح مع وجوده شبه الدّائم هناء كنت أنظر إليه من خلال 
التافذة الخلفيّة بقلب مفطور . وأحشع في حصوره كراهب في حضرة 
الإله . وأحزن كأنني أنا الذي مت!! 

إذا كانت المقابر حدائق الأرواح > فسيارة الإسعاف التي كنت 
أقودها ساهمت بشكل كبير فى ملء هذه الحدائق بالورود . بهذا 
خاطبت الجنازة وأنا أشيّعها إلى الحفرة الأخيرة . تبعتّها منذ صباح هذا 
اليوم » لقد خرجت هذه الوردة من (إبدر) ‏ تخميّلت أرواح البشر ورودا 
يانعة ومَلَكُ الوت ت يطوف بها ثم ينتقي منها أجملها . في كل مرة 
تُقطف فيه وردة جديدة كنت أتساءل وأنا أرتجف : هل شم مَلَكُ الموت 
شذى وردتي؟!! 

ازدادت عُزلتي برافقة الصّاعدين معي في الرّحلة الأبديّة إلى 
مثواهم الأخحير . كثت آشعر آتتی أقود بهم سيارتي إلى التهر الذي 
تتجمع فيه الأرواح » وهناك أفتح لها باب سيارتي » فتخخرج تلك 
الأرواح سابحة في الفضاء إلى أن تهتدي إلى قطرتها في التهر فتندمج 
بها وتذوب »تم ُواصل رحلتها مع تدقق التّهر إلى عالمها الخفي 


126 


صارت مرافقة الأرواح » ومجالسة الموتى أحب إلى قلبي من مجالسة 
الاحياء . نيّتي في أن أقطع كثيرًا من حبال الوصل بيني وبين التاس 
ازدادت مع عملي الغريب هذا لا أدري لماذا قرّر قائد الوحدة أن 
يضعني فى هذه الوظيفة القاسية!! نويت أن أشتمه في سرّي » ولكنني 
تذكرت أن روحًا تجلس معي في السيّارة » فتراجعت في حضرتها . مَع 
الموتى عليك أن تتعلم الأدب . 

ظلتْ سيّارة الإسعاف التي أقودها تردمٌ الهوّة بين العالمين » وتُجسّر 
المسافة بين الحياة والموت » وتُوصل الرّاغبين بالرحيل إلى الضفة 
الأخرى . وكنت أرى دموعًا تملأ الوجوه » وأسمعٌ صرخات تشق سكون 
الفضاء حُزتا على الذاهبين » ونظرات ملؤها الريبة تتطلع من حلف 
الحزن إلي ؛ كأتني أنا الذي آمهم › أو ا أنا الّذي طلب منهم أنْ 
يُغادروا هل! العالم . لم يفهم أحد أتني لم أجبر أحدًا على الصّعود الت 
ا ولم أرغم أحدًا على مرافقتي إلى نهر الأ بديّة ؛ تقد كانوا 
يصعدون بملء إرادتهم » وكانوا ينزلون كذلك بكامل رغبتهم . بل إنتي 
في كل مرّة أقودُ فيها هذه السيّارة وأستقبل ضيفا جديذا يَف علي 
كنت ؛ أكرم وفادته ¢ وأقوم بوا حب صيافته 4 وأسمعه القرآن من صوت 
المسجلة في السّيارة لعل روحه المتذبذبة فى جسده تسكن قبل أن 
تُغادر . وتطرب فى التزع الأحير لكلمات السّماء ء قبل أن ترحل إليها 
بل إنني امتنعت عن الكلام البذيء ء بحضرتهم » ولم أدخّن بوجودهم › 
مع أن وجودهم كان يدفعني إلى التدخين دفعًا . لكن من أشنت آلا 
أحترم الضّيف وهو في حضرتي ؛ ثم . . . تنظرون إلى هذه الّظرات 
الممتقعة باللوم كاتني أنا الذي قتلتّهم . يها الحمقى إنهم يسمعونكم ؛ 
فكونوا مُؤدبین فى حضرتهم مثلي . آلا تبا لكم!! 


127 


)١6( 
مقصلة الأحلام‎ 


كان زواجي سببًا في ازدياد عُزلتي ؛ اكتفيت بفاطمة عن كل 
أحد .. كان عُشنا صغيرًا لكنّه طافح بالمودة . كم يحتاج الإنسان ليعيش 
a e‏ 0 . قالتْ لي فاطمة «يحتاج 
قلبك إلى أن يتجدّد» . سألتها : «لم تقو لمن ذلك؟» . أجابت : «الذين 
يقودون بالموتى يُصبحون مثلهم» . «على العكس يا فاطمة ؛ لقد عرفت 
بهم معنى الحياة وقيمتها» . «أحاف أن يأحذلة العيشٌ بينهم بعيدا 
عني» «إنني مجرد سائق يتوسطون لديه کي يريحهم» . «وهل أنت 
الذي يُريحهم» «بالغفبط» . «كيف؟» . «يطلبون مني أن أفتح لهم 
الباب» . «أي باب؟» . «الباب الذي يُوصلهم بعد رحلة شاقة إلى 
مثواهم الأخير» . «تقصد يُدفنون؟!» «تمامًا ؛ الدّفن بعبارة أخرى هو 
الباب الذي يُوصلهم إلى العالم الآخرء العالم الذي يجدون فيه 
راحتهم بعد عناء طويل » معظم الذين أقلنّهم سيّارتي كانوا يجلسون 
فى مستشفيات عسكرية على حافة العدم . على الجرف الذي يسقطون 
منه إلى الموت بعد أن يلف حبل الحياة الأخير على أعناقهم ليرحل 
بها » كان الآخرون ينظرون في وجهي كل مرّة حين آخذ أحدّهم في 
سيّارتي » كانت نظراتهم تحسد زميلهم الذي صعد معي كأتها تقول ها 
هو قد ارتاح › ها هو قد وجد مَنْ يَحن عليه ويقود به إلى حيث لا تعب 
ولا مرض ولا سرطان ولا عودة » كانت نظراتهم تقول شيئًا آخر 


128 


«حستا؛ متى دورنا؟ متى سترفق بنا أيّها العسكري وتحملنا مثل 
الآخرين في سيّارة الأحلام التي تقودها؟!» . لم يكن كلامي يُعجبها 
كثيراء كان خوفها علي يزداد . ت تقول بصوت خفيض يشي بعدم 
الرّاحة : «أرى أن طول رفقتك لهم جعلتَّكَ فيلوفاء» . فأجيب وأنا 
أضحك : «الموت ليس فلفة ؛ إِنّه لغرّ» . فتردٌ : «وأنت الذي ستحل 
هذا اللغر مجرّد قيادتك لسيّارة تُطلق زامورًا بغيضًا؟» . فأضحك من 
سحل یل وأقول ومن يدرى؟! ريما »ها أنذا أحاول» . 

كانت البندورة في (إبدر) رخيصة كان القلاحون لا يزالون 
يزرعونها في قريتنا > كما أن بندورة الغور كانت لكثرتها يتساقط من 
الشاحنات الُحمَلة بها على الأرض منها ما يكفي لأنْ يجعل عائلات, 
تعيش EE‏ ۾ أحب قلآية البندورة بالفليفلة الي 3 
تموننا ا ا والسّمن البلدي » وأحيانا الجبنة ما يكفى لأن 
نظل نفطر عامًا كاملاً على بركات يديها . ما أسهل الحياة حين تعيشها 
ببساطة!! بهذا ا لحب العفوي » باللامبالاة » حينَ تجعلها تمر من جانيك 
دون أنْ تدوسّك أو تضغط عليها لتتمدّد أو نُسرع . دغها تمرّ كما تريد › 
سريعة أو بطيئة » طويلة أو عريضة » فيك أو أمامك . . . المهم دغها عر 
بأسلويها » وتقبّلّ ذلك .  .‏ أتذكر بيثًا لا أدري مَنْ قائله » لحتنا آحذناه 
فى الصّف الثانى الإعدادي . كان يقول : «اضحك . . .» . نيه الآن 
بل نسيت القصيدة كلها » لكتّني ما زلت أتذكر المعنى » كان يقول : 
واضحك! 

كان شابا في العشرينيّات مثلى » عسكريا هو الآخر » عمل في 


129 


العسكريّة ثماني سنوات قبل أنْ يجمع مبلعًا معقولاً من المال . ؛ ليشرع 
ببناء بيت من (اللّبن) في قريته على أرض لأا بيه » كان يقف على 
(الستّقالة) في الجزء الأعلى من الحائط الخارجي وهو يقوم ( بالقصارة) 
قبل أنْ.ينحل الحيل المربوط بالسسّقالة وتتأرجح تحت قدمّيه . ويفقد هو 
توازنه ويهوي على ر رأسه . ! ارتطم ر رأسه بالصخحرة ة التي تفترش الأرض » 
كان حظه عائرًا » انقطع شيء ما من الحبال الجسديّة التي تحفظ عليه 
الحياة» فبداً رحلته - مثل الملايين الآخرين الذين بدؤوا الرّحلة ذاتها - 
إلى العالم الآخّر . جاءتّنا الإخباريّة » كانت وحدتنا هي الأقرب إلى 
قريته » فانطلقت آنا واثنات من المسعفين إلى الموقع 0 
سرب من الطيور الهاجرة يُحلّق في السّماء » كان متدا يُغْطّي ثلا 
أرب السّماء التي أراها من خلال الزجاج الأمامي لسيارة الإسعاف . 
سيت أنا ذاهبون إلى طائر مُهاجر آخر » واستمتعت بالمنظر الذي لا 
مجن ا . ومَضينا . بعد قليل كان هناك قطيعٌ عريض من الاغنام 
يعبر الشارع » اضطررنا أن نقف إلى أنْ عبر هو بسلامته ء كان المرياع 
يتقدّم القطيع ويقوده إلى المرعى الخصب » استغرق الأمر دقيقتين على 
الاقل حتّى عبرت الشاة العجفاء الأخيرة يتيعها كلب يهر ذيله بزهو 
إلى الجانب الآخر . ومضينا . على باب القرية صاح رجلٌ يحمل إبريقاً 
ُحاسيا ضَخحمًا يتأرجح ذيل طربوشه الأحمر فوق رأسه : « سوس . . 
سسُوس» . شعرت بطعم السّوس اللّذيذ في حلقي ونحن نعبره دون أن 
نشتري ؛ الوقت لا ينتظر . نهق حمار في مزرعة ما ؛ كان صوته إيذانا 
بالقبح الذي لا تخلو منه حياة صاح ديك في قر ما ؛ كان صوته 
إيذانًا ببدء العمل الذي لا تخلو منه حياة . نعق غراب فوق شجرة ما ؛ 
كان صوثه إيذانا بالموت الذي لا تخلو منه حياة . زمجر ماتور تراكتور 


130 


0 2 ما ؛ كان صوكه إيذانا بدخول التكتولوجيا ات لا تخلو منها 
مشى أعرج على الطريق التي يُشاركه المشي فيها رجل سليم ؛ 

کان ذلك إيذانًا بالمساواة التي تتطلبها كل حياة . أشر لنا رجل مقطوع 
لكي نصعذه معنا في السّيارة ؛ لكأنه لم ينتبه أنها سيّارة إسعاف! 
نادت أمٌ على ابنتها وهي تخيِرٌ على صاج ما : «هل كنت الحوش 

يا . . .» ؛ لكأئها لم تنتبه أتنا سمعناها في تلك اللحظة . 
وصلنا!! صاح بنا الأب بغضب وحَزن»ء وحوله جمهرة كبيرة من 
التاس : «لقد تأخرتم . . . ابنى يموت . . . اذا دائمًا تتأخرون . 
لکأنني سمعته يشحم ويتوعد ؛ لا أدري . 

حملناه » هل رأيتم الوجوه البشرية التي تعيش الحياة كيف تتغيّر 
حين توي نحو الموت » ليس الوجة البشري الاعتيادي › إنّه وجه آخر؛ 
وجه مُمتقع » يسيل الرّبد على جانبي فمه » تبدلت إشراقته زرقة › 
وعينان تنظران إلى جهة ما ولا تتحركان » ودم ناشف كثيفا یلا شعر 
الرّأس من الخلف . وكَسُّرٌ في الجمجمة يكاد یری منه بياض الخ 
وصدرٌ يقول إِنّ الحياة قد تكون مكنة من خلال تفس بطيء جدا , لا 
يكاد يلحظه إلا المتمرسون في الخدمة 

سسُجي (عطا الله) » هكذا سمعت اسمه من أبيه الذي لم يتوقف 
عن البكاء والرجفة وهم يسجلون بياناته داخل السَيّارة » كان وجه 
(عطا الله) يزداد شخوبًا كان الأب يصرخ : «أسرعوا . . . أسرعوا 
أنقذوا ابني» . والممرّضان يُحاولان تهدئته بلا جدوى . فجأةٌ صار ج 
الأب يرتم بحركة هستيريّة » كنت أراه من خلال المرآة » وأحيانًا ألتفت 
من حلال الزجاج القابع خلفي والفاصل بين حجرة القيادة وحجرة 
المرير » رأيته يحتضنه ويلتحم به وهو يقبّله ويهذي يكلمات غير 


131 


مفهومة » والممرّضان يحاولان إبعاده دون فائدة . أرادوا أنْ يقولوا له : 
إنك تقتل ابنك بهذه الطريقة › ولكته لم يكن ملك عقله ليفهم ... 
وصلنا إلى مستشفى الأمير راشد العكري متأخرين بالفعل » كانت 
ج أخرى في إربد »لم يحترم الكثيرون بوق سيارة الإسماف الذي 
كدت أطلقه بشكل متواصل . 

في غرفة الإنعاش » قال طبيب الاختصاص : «إته تة ؛ لقد 
ا 1 م يي 
نقد کر انان فى هذا E‏ ل وا 
وضحكا كثيرًا قبل أن يتركه ليبدأ بقصارة الجزء العلوي من البيت المعدٌ 
لكي يكون عُْشْه مع روه القادمة . هل يمكن أن غوت بهذه الهولة؟! 
إنها مجرد سقطة من ارتفاع لا يزيد عن أربعة أمتار » هل الموت قادرٌ أن 
يفتك بالإنسان في مسافة قصيرة كهذه!! كلا . «ابني لم يمتْ» صاح 
وهو يلتفت في وجوه الممرّضين الحائرة . لكن الممرّضين الذين كانوا 
يقفون لحظتها كتماثيل رخاميّة منكسة الرأس لم يقولوا شيئًا . صرخ 
من جديد : «لاذا تقفون كالحجارة . . . افعلوا شيثًا لإنقاذ ابنى . قوموا 
بواجبكم اها الحمقى لإعادته إلي» ۔ تركوه يصرح ومضوا 3 لاحقهم 
بشتائمه » لكنّهم كانوا قد غابوا بين الأسرة المتنائرة والمرضى الذين تعج 

اقتربت من الأب »ء قلت له : «البقيّة بحياتك يا عم» . نظر إلى 
بعينَين ذاهلتّين مُنكرتين » فجأة برقت عيناه بغضب . كانتا تريدان 
التلفظ بكل الشتائم الممكنة . تجاهلت غضبه ء واقعرببت من حزنه 
أكثر » لففت ذراعي محاولاً أن أحضنه لأخفف عنه » دفعنى بقوة » ثم 


132 


هوى بكفه فصفعني على وجهي » رتت الصتفعة في أذني كأزيز قفير 
كامل فيه ألف نحلة > تحت مكان الصّفعة وتراجعت ثم سمعمّه 
ينفجر ببکاء يفتت قلب الصّخر 
د كال لد عدن لمتحي الماتفيع إنه 
. رفض أن يوقّع على إجراءات تسلمه قال لهم : «إنه نائم 
a‏ ا E‏ ا 
يخفض صوته «إشششش . . . إنه نائم لا تزعجوه . . . الصّباح 
رباح» . نام إلى جوار جشته في اليوم الأوّل وحدثه بكل المشاريع 
المشتركة بينهماء وأخبره عن الهديّة التي كان يُحبّئها له بمناسبة 
زواجه . ظن الأطبّاء أن أثر الصّدمة E‏ اليوم الثاني » لكنْ يبدو 
أن الأمر ازداد سوء! كان يبدو أنه ذاهب إلى أن يعيش مع الحثة الك 
كله . ما أصعب أنْ يعيش الإنسان مع جُثة EEE‏ هخ كن 
يدي الأب ووضعوها في الثلاجة » تبعها إلى هناك ء ورابط على باب 
الشلاجة فشن الل تين للد جنات الموتى كان يهمس في أذنه 
جات قربعة ء ويضحك .وياله بين فترة ي : «ما رأيك أن 
نتمشى قليلاً . ا لمجو جميل ٠‏ والهواء مُنعش . . . أعتقد أن هذا 
سيُساعدك على أنْ تتعافى» . وجبات ا ٠‏ كان 
يحلف بالطلاق أته لن يأكل لقمة منها حتّى يُتاركه ابه فيها . إِنّه 
عي ال RTO‏ 
غفوته » ونأكل معاء مثلما أكلنا فى صباح ذلك اليوم . «هؤلاء الأطباء 
المتمدّنون لا يعرفون الرّبدة البلديّة ولا العسل »ما هذا المطاط المحلى 
لذي يأتونني به . أففف» كان در . في اليوم الكّالث كان قد 
انهار » سحبوه من هناك › وأعطوه بعض الأملاح والفيتامينات » وطلبوا 


133 


من صهره أن بوقع على شهادة وفاة ابنه الوحيد!! 

«الموت مقصلة الأحلام» . قلت وأنا أتذ كر الحادثة . قطعت المقصلة 
عنق أحلامك يا عطا الله . البيت الذي كان يمكن أن يكون بيتك » 
بنيتّه بتحويشة العمر » وبعرق جبينك . صار ختربًا بعدك . الرّوجة التي 
كنت ستقطع معها الطريق التي تعبت من المشي فيها وحدك صارت 
أرملة الولد الذي كان سيّسمعك أحلى كلمة تنتظرها منذ ست سنين 
وتتتحيّلها 3 حجرات سمعك كَل وم (بابا) ذهيت ادر الرياح 3 
وصار يتيمًا. وأنت؟ ماذا حل بك؟ لقدً سمحت لي أن ؛ أفتح لك 
الباب!! ا معى السّيّارة نفها هذه المرّة لكن دون أبيك › ودون 
ال ن الد اا وات ودا :وفيت ك الل عاك ا و 
الموتى » نزلت روحُك بهدوء » وهيطت نحو التهر » اندمجت مع قطرتها 
التي خُلقت لها من الأآزل ‏ ذابت فيها . ومضت مع التيار مابحة نحو 
الأ بدية!! ألف رحمة لروحك يا عطا الله . 


134 


10) 
الذين يهريون من الموت يجدونه أمامهم 


القد تغيّررت» . تقول فاطمة . أيتسم ولا أرد . تتابع : «صرت ألمح 
في عينيّك حُرْنًا شفيفا» . أنظر نحو فتحة الشبّاك كأتني لم أسمع. 
وآخذ رشفة عميقة من الشاي السّاخن في يوم بارد كهذا كانت 
قطرات المطر تسيل في خطوط بطيئة متعرّجة على الرجاج . «الشتاء 
حل مُبكرًا في هذه المنة» أقول مار اختلاق موضوع . دلا تذهبف 
بعيدًا يا أحمد ء ما الذي تغيّر؟» تسألني فاطمة بهدوء . أظل أخرس 
تسألنى من جديد : «صمتك لن يُفيد ؛ الصّمت عذاب »آنا هنا من 
احلا ااا على جد واو تو يا ايده ادد 
الذي تغيّر؟» . «صرت أفتح الباب يا فاطمة» . «تقصد الجثث التي 
تقود بها السسيّارة إلى التهر؟» . «وماذا غير ذلك . العيش مع اللحثث أمر 
شاق » لكته على الأقل خيرٌ من العيش مع الأحياء » لكتني أخشى أن 
أعتاد العيش معهم فيقسُو القلب » أريد لحشرجات أرواحهم وهي 
تغالب النَزع في طريقها إلى التَحرّر من سجن الحد أن يظل لها ذات 
الوقع الُؤْتّر الذي سمعمّه أوّل مرّة» . «لن يدوم ذلك طويلاً إذا أردت» 
تقول بحب . «ماذا تقصدين؟» أمأل باستغراب : «اطلب من قائد 


الوحدة أن يغيّر لك الوظيفة» . «ولكتني لا أريد» . «إذًا فعليك أن :تعتاد 


العيش مع الأمر وتستفيد منه ء وعلى أي حال لا تدغه يوذ ثر على 
حياتك الشخصية » حاول أن تفصل بين الأمرين » وعشْ في كل حالة 


135 


بسلام» . أقف متأهبًا » أقول وأنا أتنهد : «الأبواب تنتظرني وعلى أن 
أفتحها» تنزعج قليلاً من عبارتي الأخيرة . تحاول أن تذهب إلى 
مساحة أخرى في الحديث » تقول وما هر اجلم الذي حلمت به 
عمتي قث إنه سيتحقق؟!» . أحاول أن أتذكر أن هناك حلمًا كان 
مدار حديثٍ ما ني يوم ما > أضيق عيني > وأهتف اذ أتذ كر : (تقصدين 
حلم أمَى؟» . : «نعم!» «وما أدراني » ها هي على بعد أمتار من 
هنا E‏ اعاب إلى هناك وسؤالها عنه »آنا نسيت الأمر بعد 
ذلك اليوم» تشأفقن + أستفعها وأنا أغلق الباب حلفي : دلا تتأخره 
تهادت بي السّيّارة تقودني إلى الوحدة › قال المذيع : «ينعقد غدًا 
مُؤمر الّلام بين إسرائيل والفلسطينيّين في العاصمة الإسبانيّة » 
وستشارك به وفود عربيّة وغربيّة متعدّدة » وسيستمرٌ ثلاثة أيَام» . ثقب 
الخبر فؤادي . إنّه موت جديد » هكذا تخيّلتّه . رأيت جُثة العرب 
المتعفنة مُلقَاةَ في سيّارتي » وأنا أقودها إلى نهر الجمحيم وأفتح لها الباب 
هنا لتذوب فيه .لم يدرٌ فى خلدي أن كل ما تربَيّنا عليه يُمكن أن 
ينهارٌ فى لحظة » وصّعقت بالفعل كنت أستعجل السّيّارة إلى القيادة . 
بول طهر رن ان اع بلك اند و ای اج ا ان 
الأخبار على شاشة التّلفاز . كان حيدر عبد الشافي الأصلع يجلس مع 
التفايات »هذا أكثر ما أفقدني عقلي . حنان لا أدري اسمها الثاني 
كانت تستغل وجودها في مدريد ضمن الوفد لكي تنزل إلى السّوق 
تشتري البندورة والقراولة » يبدو أنها تحب الألوان الفاتحة » وبعض 
ادوا التجميل لعجوز أشبعها الدهر أكلا . الرّؤوس التي تدّعي 
انحماءها لی بغرن كانت تتقابل على الطاولات الفارهة والتي يلمع 
سطحها كمرآة وجها لوجه مع أبناء القردة والخنازير . الشماغات,العربيّة 


136 


المصنوعة في بريطانيا من الأحمر والأبيض والأصفر كانت تتباهى 
بالتقاط الصّور مع الفضائح الُصبّرة . بعض الفاتنات حرص على أن 
تلتصق أجسادهن العْضة بعباءات العرب والبدو القادمين من مدن الملح 
ومن رمل الصّحراء لعل البركة تحل في أرحامهن بآلاف الدّولارات 
التي تُمتح لهنَ بسخاء كان المؤتمر عبارة عن بيع شرف العربي في 
سوق التحاسة الغربي N E ER‏ 
0 . ذهب نصفه مع الابتسامات التي بدت لى حميميّة حميميّة جدا وهي 

تسم على ال ا الكا لحة مع أبثاء عمومتهم من أراذل 
. وذهب التصف الثاني مع التعامل اليارد مع الأمرمن 
حكوماتنا وشعوبنا وكأن الأمر تحصيل حاصل 

حرجت في الليل من الكتيبة كالللوع كنت كمن أصابنّه التار 

وشبّت في ثوبه » فصار يركض في كل اتجاه . عاودثني تلك الأيَام 
التي جريت فيها هاربًا من شيء ما لا أدري ما هو في طفولتي . كانت 
سيقاني منذورة للرّيح . أشعلت سيجارة ورحت أدخنها بلا وعي 

نفشت الدّخان كأثني أنفت سمومًا تستقر في وجداني . توالت السجائر 
المحترقة . تحرقني معها . عدت بعد ساعة كنت قد دخنت علبة 
كاملة . ركضت من جديد في طريق العودة . لهشتُ ككلب عَطش . ك 
هدت قليلاً . وفي الليل عاودتني الكوابيس . اليهودي الذي يحمل 
خنجرًا ويجلس على الطاولة وهو يُخفيه خلف ظهره . والعربي الذي 
يحمل وردة ويجلس على الطاولة وهو يُظهرها أمامه ٠‏ العربي يُقدّم الوردة 
وهو يضحك مُقهقهًا . واليهودي يستل خنجره ويقوم في اللحظة التي 
يمد فيها العربي الوردة بطعنه في عنقه . فتتوقف ضحكة العربي في 
منتصفهاء ويبداً الم يشخب من العنق على شكل نافورة صغيرة . 


137 


اظ مذعورًا وأنا اجس عنقى کان أتا الذي طُعنت!! 

في الصّباح لم أفطرٌ . ولم أنتظرٌ لحظة واحدة . هُرعت إلى قائد 
الكتيبة » وقدّمت له طلبًا بإعفائي من الخدمة العسكريّة » كنت قد 
قلت فيه : «سيّدي ...إن دوري كجندي ف فى القّوّات المسلّحة قد 
انتهى لقد انتسبّت إلى هذا اللك وأفتخر بذلك لكي أقوم بالدفاع 
عن وطني ضد أعدائه » وأحارب الحتلين لبلادنا ء وما دام السّلام قد 
وقع بيننا وبين اليهود في موّتمر مدريد › وما دام التنازل عن فلسطين قد 
م في هذا المؤتمر ؛ فن وجودي يُصبح في هذه الحالة بلا ُ معنى . وعليه 
نإتني ل A‏ وال کان يتمروّه 
صغيرة» وطردني من المكتب . 

عدت إلى البيت بعد ثلاثة آيّام غاضبًا وحزيتًا » كان المؤتمر قد 
ذلك الأسبيع : «ما رأيك أن نذهب فى رحلة؟» .لم تنتظر حتّى 
أوافق . جهزت الأغراض . وانطلقنا إلى الأغوار » إلى الحمّة ء انَل 
المشرفة على هضبة الجولان » الهضبة التي لا يكون بيتك وبينها إلا 
ذراع » ومن الأسفل نهر اليرموك الذي ما زال - رعم حرنه العميق - 
يجري وادعًا منذ أنْ وقف على ضفافه خالد » وقال لرئيس الوفد الرومي 
المفاوض حين سأله : «ما الذي آخرجکم من الصحراء؟» فأجابه «لقد 
سمغنا أن دماء الروم طيّبة فجثنا لكي نتذوّقها» . ما أشبه الليلة 
بالبارحة » قلت ذلك لنفسي وأنا أتذكر التاريخ كيف يلوي أعنته 


138 


زادتني الرّحلة بُؤْسًا وضيقا . لو أحذتني فاطمة إلى أي مكان غير 
هذا لكان أفضل .ء أما أن تأحذني إلى المكان ا تور الماضي 
والحاضر تتقافزان إلى ذهني وتبدأ بينهما المقارنة فذلك لا يدعو إلى 
نسيان أحدهماء بل إلى تذكرهما مما . قلت لها فى طريق العودة : 
«سأفتعل المشاكل من أجل أن يُسرّحوني من الجيش ء البقاء في جيشٍ 
تتصالح حكومته مع اليهود أمرٌ لا يُمكن تصوره ولا التّعايش معه بأي 
حال من الأحوال» كانت تبكي بصمت . لم أشأ أن أسألها » ولكنها 
ظَلَتْ واجمة . نطقت بجملة واحدة ونحن ندخحل البيت : «لا تبعل 
عاطفتك توصلك إلى الباب المسدود» . ابتسمت في أعماقي وأنا أتذكر 
أنني الرجل الذي يضح الباب في كل رعلا أقوم بها بالسَيًارة البكاءة! 

مرت شنهورٌ تقيلة ' كنت قداصوت ساق ستارة الإسغاف الذق 
يفتح الباب بهدوء ااا حزينةٍ كصديق يودع ضيوفه العابرين . 
نعم »صرت صديق الأرواح المسافرة . سمَّيت نفسي أنا بذلك . إنها 
شهور النسيان . مع الموتى تنسى ؛ تنسى كل شيء حتى نفسك . لكن 
ا ا ا 
أن تعيد إليه طراوته فينزف من جديد . ما الجرح؟! ليت لي عينا 
زرقاء اليمامة حتى أراه » ولا نبوءة يوسف حتى أؤوله » قد يكون الحرح 
ل او وط أو اا أو آنا 7 کت ادرف 

جاءئّنا إخحبارية ؛ كان الحريق الذي شب كبيرًا انطلقت أنا بسيّارة 
الإسعاف » وانطلقت معنا سيّارتا إطفاء . وصلنا بعد نصف ساعة إلى 
الموقع . لم أكن أكثر من سائق . الإطفائيّون في السَيّارتين الأخريّين . 
والمسعنفون في سيّارتي . كان الحريق قد أتى على مزرعة كبيرة لضابطٍ 

في الجيش › رشح لنا - فيمأ بعد - أنّ زوجته هي الّتى أشعلت الثّار في 


139 


المزرعة بدعوى أنه يهجرها ء ويدعو إليه فتيات الهوى فيها . المسكين لم 
يكن في المزرعة سواه » لكأته كان هاربًا من الذنيا ومنها > کان نائمًا 
وقت الظهيرة » ولم يشعر بالتار إلا حينَ لفحت وجهه بلهيبها الذي 
يشوي الطير في السّماء . صرخ .لم يسمع صرخته أحدّ . حاول أن 
يُطفى التار - التي بدت تشتعل في السّرير - بأي شيء تقع عليه 
يداه » ولكن الثار كانت قد تجاوزت مرحلة أنْ يتغلب عليها أحدّ مهما 
كانت سرعته وحدة ذكائه ورياطة جأشه . كانت قد تعملقت والتهمت 
كل شيء . ولى هاربًا . فر بجلده . لكنها لم 7 تقر له فرصة لذلك » 
علقت بثيابه » ووصلت إلى جلده . لم تُبلعٌ منه عن الحادث » بلغنا أحذ 
لمارّة من الطريق الذي راف جهنم أمامه . حن وضعناه ه فى سيارة 
االإسعاف وانطلقنا تاركين خلفنا سيّارتى الإطفاء تقومان بواجبهما وقد 
غلا ستارة تالعة معت انعفن رقولون > وها تخروق من اة 
الثالعة» لم أفهم . لكن هيشته كانت تُغني عن الشرح . قالت لي كل 
شبيءٍ بكنه جره حي امات باصيو E‏ امود عي 
حمراوين » ويدين تتجهان بأصابعهما العشر إلى نافذة السيارة الجانبيّة 

هي لي أنه كان يستغيث بي لأفتح له الباب . لكتني هذه المرّة لم أشاً 
أن أستسلم له وأستجيب لندائه » قلت له «انتظرٌ لم يحن الوقت 
بعده . ندَتْ منه شتيمة ثقبت قلبي . ضغطت على دوّاسة البنزين › 
وقدت بأسرع ما يُمكن لتفادي انفلات الرّوح » تخيّلته ينهض من 
السرير ويقوم بفتح الباب بنفسه لينزل إلى الثتهرء ولكتني صرخت 
بالمسعقين أن يُمسكوه » كانت صرختي بلا صوت . أطلقت بوق السيَارة 
على أعلى درجة . وشعّلت الأضواء الدّوّارة » ورحت أصيح بالسّيّارات 
التي أمامي أن تبتعد . قطعت ثلاث إشارات حمراء على الطريق من 


140 


كفر أسد إلى إربد . الذين يهربون من الموت يجدونه أمامّهم . كنت 
عط وادي الغفر وأتا أقود بسرعة جنونية حين أبطأنى كلب سود له 
أدري من أين ظهر ء لكأن الأرض انفتحت وخرج منها دون سابق 
إنذار . دست على الفرامل اف ينا استظيع ر و ينا دين 
محاولة لتفاديه > اضطربت السَيّارة . تأرجحت كبندول › اصطدم بأيها 
الأعن يعمود على الشارع لم أستطع تفاديه » وانزلقت في الوادي › 
ملت على A‏ عن E LD E E OE E‏ 
إلى الأعلى وهي ما تزال تدور في الفراغ . مات الضابط . وأصيب أحد 
المسعفين جرع ي د و ورف اهر . وقطعت رجل المسعف 
الآخرء كانت رجله قدانحشرت تحت حديد الجانب الآيمن الذي 
انقص مع ارظامه و الشارع ذي الحواف الحادة . وأصبّت أنا 
بارتجاج في الماع » وكسر في الذراع الِيُمنى . وفقدت الوعي أسبوعًا 
كاملا . قبل أن أحوّل إلى المحكمة العسكريّة حال اي اوا ادي 
ا . رافقتني بذ رة إلى كتفي تلاثة شهور قبل 

أن يلتئم الكسر وتعود إلى حالتها الطبيعيّة . فى المحضر قال شهود عيانٍ 
جمعتّني بهم الطريق » وأسعفوني بعدها : «لم يكن هناك كلب » الطريق 
كانت أمامه خالية تمامًا »لم يظهر كلب من الأساس لا أسود ولا 
أبيض» . لم يُصدّقني أحد . حتى أنا تزعزعت قناعاتي بي . حاولت أنْ 
أسترجع المشهدء فلم أقدرٌ على ذلك بدقة » بدا أتني أتظر إليه من 
خلال حجاب من غمامات سود , يُخفين أكثر مما يُبدين . فجأة ظهر 
ی اف ا ا شريط الذاكرة » لكته لم يكن كلبًا ء 
كان حيواتا آخر يُشبه الكلب »له عيتان لامعتان حمروان » وجسده 
مُغْطّى بالقار الأسود » لكنّه اخحتقى من الشريط كما ظهر في لمح البصر . 


141 


قال لی أبى : «كان يُمكن أنْ تنقذه دون أن تَسبّب كل هذه 
الكوارث » لقد عيّنوك سائقًا لهذه السّيّارة كى تقود المرضى إلى الحياة لا 
إلى الموت» . أجبتّه يع عت مغمضة : «لكن تفادي الموت أصعب 
من مواجهته ؛ هذا ما حدث» . سكت لكنّه لم يكن راضيًا . قالتْ 
أمَى : «الحمد لله على سلامتك ء لقد كان لطف الله كبيرًا» . هززت 
رسي أنهضتني هذه الكلمات من عثرتي . «قالت لي زوجتي 
مازحة «مَنْ سيقود بك السّيّارة ويفتح لك الباب أمام التهر لو تبدّلت 
الأدوار؟! أرجوك حافظ على دورك الخال فهو أفضل بكثير ء أو اطلب 
منهم أن ينقلوك إلى المطبخ » آلا يُمكن أن تكون طبّاخًا ماهرًا . جرب 
ولن تندم» . ضحكت من كل قلبي . قال لي طبيب المستشفى الذي 
أصبح صديقا لي فيما بعد : لما الذي كان يشغل بالك وقتها!!» اهل 
علي أنْ أجيب أيّها الطيب؟!» «كلاً ؛ أنا فقط أتساءل» . 


142 


)١7( 
تحن مجرد أوراق<‎ 


لا أدري لاذا أبقوا علي قائدًا لسيّارة الإسعاف » كان بإمكانهم بعد 
حادث السّير الذي عدت فيه من الموت أن يُريحوني مما تُشكله رُؤاي 
فيُسرحوني من اليش ٠‏ أو ينقلوني إلى مكان آخرء كان يُمكنهم أن 
يصنعوا مني طبّاخًا ماهرًا كما تتت زوجتي . لکن كل شيء عضي 
بقدر . لوأردت أنْ أكتب مذكراتي مع الذين سُّجَيتْ أجسادهم في 
قلب السّيّارة من الذين صارّعوا البّقاء رجت بمجلّدات . نحن مجورّد 
أوراق ؛ أوراق ب بها الخريف » ثم يأتي الربيع يبدل بها غيرها ب 
واحد منا ورقة سيحين موعد : استبنالهاء > شكل الورقة لا يهم . 
الورقة لا يهم .لون الورقة لا يهم » مركز الورقة في أعلى ا أو 
منتصفها أو في أمفلها لا يهم ء كلا أوراق » المرأة ورقة مثلما هو 
ES‏ اح O‏ معدي O E‏ 
بشتى تصنيفاتهم هم أوراق كتلك . كل هذه الأوراق على i‏ 
صعدت معي إلى هذه السيارة وقدت بها كان الموت رفيقا خحفيا » من 
قال لكم إنه غير مرئی؟ E E‏ 
جانب الورقة . الموت يُشبه أشياء كثيرة رأيتها فى حياتي . يُئيه انطفاء 
فتيلة المصباح بعد آخر قطرة من الزّيت في ليلة عجوز انقطاع حبل 
البثر وهو يهبط بالدلو فجأة . انسحاق هندباء في الصّيف تحت قدم 
عمياء . أنْ يهوي حجر من قمّة رعناء إلى واد سحيق . لقد جوّبت هذا 


143 


الشعور في الحادث الأخير ؛ ريت نفسي أسقط . ..أسقط عميقاء 
كنت مثل طائر مُحترق تجذبه قوّة غامضة إلى القاع » قاع لا قرار لهء 
كنت بلا أجتحة او لماو و eh‏ 
على أن أفردها وأرتفع . كان القاع يراودني على أن أاستسلم .لو 
استلمت لا عدت . الاستلام سهل ولذيذ , لكثني قاومت › قاومت 
كقدّيس فى حضرة ظباء يكشفن عن صدر الفتنة » الفتنة القاتلة 
الت بذ الاستلام للفتنة ؛إتها خضراء الوجه سوداء القلب . 
مرّت السّنوات وما توقّف صعود الأجساد المسافرة إلى سرير 
ستارض ,شرت دا عد اكات مذي إلى هذا اعد م 
بالطبع أتخيل شكلا لهذا الحديث . ليس حديئًا حقيقيا . لكنّه يبدو 
أصدق من أي حديث آخمر ؛ لأته حال من الرّيف الذي يُتقنه البشر 
دائمًا ١‏ ْ 
٠‏ قال تْلي فاطمة : «الموتُ ليس أمرًا عاديا» كانت تظن أتني 
اعتدت الموت فصرت أطمئن إليه ءلم تكن تدري أنني في كل مرة, 
يكلا خوقا مته . وتكمل : «عليك أن تكون مستعداله» لا أدري كيف 
يتعدّ الإنسانٌ للموت » إذا كان الموت مُراوغا 1 وسارقا »ولا يباغتك 
3 وأنت ساه . «كيف يكون الاستعداد له يا فاطمة . . .؟!» أسألها في 
سرّي » وأكمل : «أتظتين أن قراءة بعض الأذكار تجعل الإنسان مستعدا 
له؟! كيف يا فاطمة كيف؟!» كانت تريد أن تقول لي : «اقرأ عنه 
القراءة عن الى وجه من وجوه الاستعناد له . القراءة مواجهة» 
لكتها لا 506 أن 0 أيضًا ضلال > أن القراءة انفتاح المعنى ء 
وانفتاح المعنى يعني أن ي يتشعّب اموت فيصبح ألف موت . أن يتمددء 
فلا تعرفه أهو على هذا التحو أو ذاك» كان قلبّها أبيض كالتلج › » تقول 


144 


لي : «اسأل شيخحاء . أريد أنْ أقول لها : «الشيوخ لا يعرفون الموت ء إنّهم 
وود ر ع والفرق ساسع بين الاسر تقول لي : دولا 

حتّى الشيخ عبد الررّاق» . يقفز قلبي في أعماقي » تصحو ذكراه فجأة › 
هل مات الشيخ عبد الرّرّاق؟ لا أدري . لم يعد أحدٌ يراه في المسجد» 
كان غريبًا وظل غريبًا . بعضهم يقول : إنّه غادر إلى مَنْ تبقى من أهله 
في قرية أخرى بعد أن أقعدته سنواته الشمانون عن الحركة . تذهب 
فاطمة إلى إربد حين أكون في عملي في العسكريّة » تزور مكتبة اللواء 
ومكتبة از فی تبان داد و a‏ . اقرا يا أحمد 
اقرأ» . القراءة هروب » هذا ما اكتشفمّه بعد ثلاث سنوات من العمل 
سائقا لسيارة اللإسعاقف ‏ كنت اذهل عن نفسى :ارت من الوجوه 
الشاحبة المكروبة الُستغيثة إلى الستطور . لكنّ هذه الستطور سرعان ما 
تواطات مع لري ا وسو ادن ليرد لو نن یا ا يخ 
تحتهاء وتصعدٌ فاغرة الأفواه » هل للموتى قدرة على نهش لحوم 
الأحياء!! لقد وقعت في الفح . القراءة فخ! 

انتفخ بطثها رقالت إن عرخ ١‏ وله كير اللدرعة وغل يستكون 
مُشاغبًا متلك؟!» . أجبتها باستنكار بريء : «أنا؟ آنا مُشاغب!! أنا لا 
أفعل شيعًا أكشر من مطاردة الفراشات في الرّبيع» . ضحكت . تقول : 
«أنا أريده أن يكون مثلك» . تصمتء ثم تقول كأتها تحلم : : «ماذا 
ستُسمّيه؟!» . أتركُ السؤال مُعلَقًا : «حين يجيء الصّبيّ سنصلّي على 
النبي» كنا ننتظر مولودنا الأول يومًا بعد يوم . انتظار المولود الأول ١‏ 
مثل انتظار شتلة صغيرة بفارغ الصّبر لكي تُثمر بعد طول سقاية 
وعناية كانت حياتنا هادئة وسعينة غلقها الهدوة غلا يكلف 
السولفان حبّة الشوكولاتة » وباستشناء الحدث الأ خبير » قان صعود الموتى 


145 


معي تحول إلى عمل رتيب هو الآخر . «سكون البيت جميل لكن 
صحخحب الأطفال فيه أجمل» هكذا كنا نردد آنا وفاطمة . الرتابة قاتلة 
أكز على أسناني بغيظ بغيظ » أهتف في سرّي : «أنا أكثر ضحاياها ألا ٠‏ إنها 
مثل البراغيث يستحيل التخلص منها إذا التصقت بالجلد» . أحتاج في 
كل مرة أن يقفرّ أرتب المفاجآت ت أمامي كانت تضع يدي على بطنها ‏ 
تقول : «ألا تشعربه؟!» . أود 3 أقول إنني لا أشعر بشيء قبل أن 
يرفسني بضربة مُدهثشة من إحدى قدميه » أضحك . أكركر . أعود 
طفلا ‏ الآباء أطفال » لا يكبرون إلا حين يصبحون وحيدين . 

فى عام ۱۹۹۳ قرّر الذثب أن يجرّ من الحظيرة شاة جديدة إلى 
غابته . لم يكن الأمر يتطلب أكشر من التلويح » كانت الشاة تنتظر 
الإشارة » وُقَعت اتفاقيّة أوسلو . ليست خيانة ؛ إنّها خحيانة للخيانة 
000 هل أنا وحدي الذي تمرضني هذه الاتفاقيّات!! أصابني وجع 
قي المعد ة . نّم في الكبد . هيأ لي خيالي أن التدخين أحدٌ الحلول . 
أدخن هذه الأيام بشراهة يا فاطمة ؛ هل تغفرين لي خطيشتي هذه؟! 
غربتي تزداد » وعُزلتي تتفاقم . صار وجودي في العسكريّة تافها وبلا 
معنى . لا تلومي القلب ؛ إنه مُصاب بداء العشق للوطن . كيف يُمكن 
لوطن أن يُباع بهذه الفجاجة؟! كيف يُمكن أن يُساق إلى المذبح على 
مرأى ومسمع من الجميع؟! لم أحتمل . بككيت ؛ ماذا يُفيد البكاء! 
لعنت الأنظمة ماذا يُفيد اللعن! شتمت الرّعماء شتائم بذيثة ؛ ماذا 
يُفيد الشتم! دخنت ثلاث علب في اليوم ؛ ماذا يُفيد التّدخين! ها أنذا 
أحترق كسيجارة . 

لم يشبع الذئب . حين يجرب لحم الشاة الأولى يصيح ذلك 
إدمانا . إته الحضوع الأول » ومن بعده لن يتوقف سيل الدل طا 


146 


في کل مرڌ ضحية جديدة ليُشبع نهمه . الاحتلال دراكولا حقيقي › 
ليس مثل ذلك الذي تراه في الأفلام » إنه بالفعل لا تین إلا على 
شرب دماء ضحاياه . 

فى عام ۱۹۹٤‏ قرر هذا الذئب أن يأكل من القطيع شاة جديدة ؛ 
كانت أسمن من الأولى » منح الأولى خخرمصًا واسعًا في القفا ٠‏ ومنح 
الانية خراء في الماء . وُقَعتْ اتّفاقيّة وادي عربة كانت فضيحة . قلت 
لفاطمة وأنا أبكي مثل يتيم : «ماذا أقعل يا فاطمة؟!» . ظلت ساكتة 
هي الأخرى » مسحت دموعي بأصابعها وبكت هي الأخرى ءلم تَهِذ 
جوابا ‏ كانت الكلمات قد ماتت 

كانت الترتيبات للاحتفال بالاتفاق التاريخي عجري على 
وساق!! كان لا بد من إعلان الرّواج » #لن تق عرفا اک ین خی 
عامًا , آن له أنّ بُشهّر » وإشهار زواج كانوليكيّ كهذا يحتاج إلى تنظيم 
عالٍ 5 'وتجهيزات على كافة الاصعذة” , 

571 في التمرين الصّباحي . نقف كأشجار موز بلبسانا الأخحضر في 
ساحة الكتيبة كان آمر الكتيبة يصيح بصوتٍ حماسي شديد : 
e‏ . ااQÞQاااستعد»‏ . وكانت خبطات بساطيرنا على الأرض 
شير العُبار في الأجواء . ظلتا في حالة استعناد » حين راح قائد 
الكتيبة يتحدّث بلفة تنضح بالفخر : «هناك ل ضحم سيّقام لافتتاح 
معبر وادي الأردن . وقد وقع اختيار قائد الحيش على كتيبتنا للقيام 
بالتأمينات الأمنيّة اللازمة للموقع . وسنكون على قدر المسؤوليّة › 
وسأوعز باختيار الأ كفا منكم لهذه المهمّة الرسميّة الجليلة» . رقص 
قلبي . طربت الحجرات . مرّ عهد طويلٌ لم أفرخ . لقد حانت الفرصة 
لأنفذ الفكرة التي تنخز رأسي كديّوس . الآن سأستريح . فرصة كهذه 


147 


لا تتكرّر . المهم أن أكون ضمن فريق الحماية . 

سألت أحد الرّملاء : «كيف يخحتارون أفراد فريق الحماية؟» . 
«حسب الطول» . وضحك . كان يعني أن طولي لا يُؤهَلني لان أكون 

ضمن الفريق . أجبته : «الأغبياء CEB E‏ بدوري . 

نحى المزح جانبًا » ونظر إلى باهتمام : «هل تريد أن تكون ضمن فريق 
الحماية؟» ا : «بالطيع » أحلم بذلك من زمن» ا کرت 
الجواب » لكنه أردف : «لا أظن أن أحدا من السّائقين سيُشارك ضمن 
الفريق» . قلت له «ولكتنى قتاص »لا تنس ذلك» . رد : «قانص 
الأرواح لا يقوم TEE‏ كفي وجهي » فاته مُغضبًا : «ماذا 
تعني؟!» . «أمزح معك يا رجل . . . ألا تحتمل المزح» . وضحك 
محددا 

مر أسيوع ءلم يختاروا أحدا بعد . سمعتهم يتحدثون أن الفريق 
سيُختار قبل مراسم الاحتفال بيومّين فقط . السَرَيّة التَامّة حيط 
بالأمر . «إذا أرداوا أن نحمل العصي لحماية الُحتفلين فلهم أن يروا 
الأمرء لكن إذا أرداوا الحماية الحقيقيّة فعلى الفريق أنْ يكون قد تم 
اختياره من أسبوعين ودرب من جديد على وسائل الحماية المتّبعة 
وأخذ إلى لوقع » وقام بعمل تمرين على التصذي لمحاولات الاختراق 

هناك» . قلت ذلك في سي مُستهرْئًا » وأردفت : هدهل هي فرَّعة!!» 
عشيّة اختيار فريق الحماية كنت أركب سيّارة الأ جرة قافلاً إلى 

إبدر علد والشمسٌ تصبغ الأفق بدم الفراق ٠‏ قالت لي فاطمة وهي 
تستقبلني على الباب بحبور : «أنتظرك من الظهر» أجبتّها في سرّي : 
«أحشى أن يطول انتظارك لو ذهبت إلى وادي عربة ضمن فريق 
الحماية» . أردفت رآتني واجما: «الغداء جاهز من خمس 


148 


ساعات » سأسخنه ريئما تغيّر ثيابك» . 

قضينا ليلة جميلة . كان (سيف) نائمًا . رما هذا هوالمَّرٌ 
الحقيقي . صعدت مع فاطمة على سطوح البيت » جلسنا على كرسيّين 
خشبيّيْن » وتناولنا شايًا بالتعناع كان جو تشرين لطيفا » نسمات دافئة 
كانت تُداعب خدودنا . ونجمات لا حصر لها ترسم لوحة سماوية 
فريدة » بعضص هذه التجمات سقط فأضاء دور القرى البعيدة . من هنا 
تبدو هضبة الحولان . من هنا تبدو فلسطين . لتلك الأضواء البعيدة › 
لأ تاسها » لترابها . لفضائها . لعبق تاريخها » تُصبح عاشقا حقا 

قلت لفاطمة : «غدا سينختارون الفريق الذي سيقوم بحراسة 
احتفال معبر وادي الأردّن » حيث سيتعاتق الأخَوان ؛ القاتل 
والضّحيّة» . ردت : «لهم الله» . غضبت في أعماقي . كنت متّكنًا ء 
فنهضت : «الله للجميع . لكن هؤلاء لهم الرصاصة» . جفلت من ردة 
فعلي المفاجئة «حابهم عند الله» دبل عندنا» . ضاقت بي كدت 
أفصح لها عن رغبني في الانتقام لو ع اخختياري ضمن الفريق الأمني . 
لكي راجت ,شغرب انها بدات اف وات سے إنه يحور 
طبيعي” لو حدث بالفعل » قلت في سرّي : «لقد بدأ أخاف أنا من 
تعښي» 

فزلنا إلى البيت . صّلتْ فاطمة طوال الل حتّى لا أحرج إلى 
العسكرية في اليوم التالي . منت أن تحدث معجزة ولا أذهب . أن 
يتصل بي القائد ويمنحني إجازة لأسبوع ريثما تمر ترتيبات الاحتفال 
النَاريخي! أنْ آخذ إجازة مرضيّة . توسلت إلى الله آلآ تحدث مُصيبة . 


قيلت (سيف الدّين) وأنا أهم بالخروج في صباح اليوم الثّالي » 


149 


قلت لها : «أعتذر عن فجاجتي أمس ء لقد كنت أهوج» . لم ترد 
بشيء . بدت عيناها خائفتين . كنت قد أدرت ظهري لأمضي في حال 
سبيلي حين أمسكت بذراعي » ونظرت إلى : «أرجوك لا تذهب 
اليوم » . سألمّها مستغربًا : «ماذا هنالك؟» ١‏ تود : «لا أريد أن أفقدك» 
أسألها بمزيد من الاستغراب : «ولماذا ستفقدينني؟» . ترد برجاء آخر : 
«ارفض إذا احتاروك ضمن الفريق »قل لهم إنني ساثق ٠‏ وإنهم 
يحتاجونني في الكتيبة» كدت أن أقول لها : إن لحظة اختياري 

ضمن الفريق ستكون أجمل لحظات ؟ حياتي ۽ ٿم ني قنَاص حاصل 
على المرتبة الى في القننص قبل أن أكون سائقاء . لكتني ابتلعت 
لات2 کت دن هة 

واف ا ووا ا اا کا ق و و 
العتشاكر المُتأهَبين في هيأة استعداد هو الثالث و کان الأمر 
يحمل ورقة في يده ليقرأ الأسماء التي تم اختيارها لتتولى المهمّة 
المقدّسة!! تلا الأسماء العشرة الأولى » وسمّاها مجموعة واحد ء وعيّن 
عليها اللازم (عواد) مسؤولاً . تلا أسماء الثّلاثة الأولى من العشرة 
الثانية وقفز عن الاسم الرّابع عشرء لم يكشف عن سبب استثنائه » 
كنت أعرفف أنا السّبب . جاء دور العشرة الثالئةء تلا : «حمود. .» 
«حاضر سيّدي» . «هنا في المجموعة الثالثة» . «حاضر سيّدي» كان 
قلبي بندولاً يتحرك يضرب جدران صدري بشدة » بيني وبين الاختيار 
اسم واحد فقط . صاح الآأمرمن جديد : «مغد». هتف معد: 
«حاضر سيدي» . «إلى الشالثة» . توقف قليلا . فتوقف قلبي :لکن 
أنفاسي ظَلَتْ تتلاحق . مرت كل ثانية مع كل تفس يعلو كأنه زفير نار 
مشبوبة . صمت الآمر وهو يدقق في الأوراق . «هل سيقفز عن اسمي؟ 


150 


هل هو يتحقق من أن الاسم مُوْشرٌ عليه ضمن المختارين؟ هل هناك 
خطأ ما في اسمى» . عشرات الأسثلة والهواجس ثقمست 00 في 
افرح ء وخبطتالارض ببسطاري بشدة » وهتضت بصوت يكاد يبكي 

عن الفرخ : وخاصوصيدي» . صاح : «أنت و التبض 
والتنفس هذه المرة . .. كور قبل أن OT‏ 3 : «آتت Eek‏ 
هنا» . ارتخت يداي . سمعت طنينا يدور فى رأسى . حاولت أن 
أعترض » أنْ أقول شيمًا . أن أصرخ . أن أشعم . لكتني لم أقوَّ على 
شيء . كنت لا أزال واقفًا مكاني حين صرخ بي الآمر من جديد : 
«هيًا تحرك أيها العسكري من هنا . . . هيًا» . 


151 


(1۸A) 
الأصدقاء في الغرية وطن‎ 


هذيت فى تلك الليلة بآلاف الكلمات . قلت أشياء غريبة 
وقعلت أشياء أكغرٌ غرابة كنت محمومًا » جرّيوا معي الأدوية كلها 
التي تخفض الحرارة وفشلوا كانت الحرارة تطوف برأسي مثلما يطوف 
شواظ من الثّار بكومة من الحطب اليابس . يلتهب فجأة ثم ينتهي 
الشواظ فيهداً قليلا . في الحظات الالتهانس أرى عجائب . وخوشا على 
هيئة تتبن ينفث الثار . كائنات تُهاجمني وأنا أركض بلا توقف E‏ 
خائفا لاحقئّني أصوات غريبة . أضع يدي على أذني كي لا تنفجر 
من شدّتها كانت بعض هذه الأصوات على هيئة أبي . كان يصرخ 
بلا سبب . ويضربني بلا سيب . وأنا آتوسّل إليه . لم يكن ينفع معه 
التوستّل ولا الاستجداء . «ما الذي حدث يا أحمد؟» قال لى صديقى 
الح (شاهر) الذي عالجنى من حادث السيّارة وأنا أرقد 0 
مستشفى الأمير راشد لم أكنْ أستطيع الإجابة » كنت أسمع ما رن 
حولي دون أن أكون قادرا على التفوه , بكلمة واحدة . لكنني في لحظات 
الوعي كنت أقول إجابات على أسئلة لم أسألها . بالطبع لم يسمعني 
الدكتور شاهر > ولكتّنى قلت له قدت معنت امان هن 
الفريق الأمنى» كان يعون : «هذا ليس سبيا كافيا إل إذا كنت 
مجنوتًا» . أريد أنْ أقول له : «إتني بالفعل مجنون» . لكنّه يُتابع : «هل 
المياه التي تشربها في قريتكم نظيفة؟» . أود أن أقول له «إنّها أنظف 


152 


مياه في الأردنٌ كلها» . لكتّه رر ر لأته لم يسمعني . فيتابع : «الأميبا 
مننتشرة هذه الأيام » فاك سر من ماء إبذر» . أكاد أصرخ 5 وأقسم 
ني لن أشرب من سواها . فيستطرد : «الدّودة إذا تمكنت من الإنسان. 
قلبته إلى كائنٍ آأخر». اتذكر إسرائل »هی الدّوة التي يقصدها في 
كلامه بلا شك . أسمعه يُكمل : دما ضكرا ل" ترى بالعين المجرّدة 
ومع ذلك كمكم الأغاجيت بهذا د ف يكل مافية من اجن 
وإمكانات» . أتأكد من أنه يعني إسرائيل > لا تكاد ترى وهي توق 
العرب » ودولهم > وإمكاناتهم الضخحمة » وأنهار أموالهم . وطاقات 
شبابهم إلى المذبحة!! 
أستعيدٌ عافيتي بعد ثلاثة أشهر من العلاج المتتابع . عرفت أن 
الحفل م > وأن معاهدة الذَل وفعت . وأنت الأيدي وكلها آثمة تصافحت 
معا فى سلام الشجعان كما کان يسمّيه السادات له دري لادا 
ترحّمت على السّادات حيتها كان زرقاء اليمامة بالتّسبة لقادة العرب 
الآخرين » رأى مالم يرّواء وعرف مالم يعرفوا!! اتهموه بالخيانة » 
وذهب بأعرى ما فعلوا 
ف قدوم ابني الثاني ؛ بعض آلامي المستوطنة في القلب . جاء 
(نور الدّين) ليكون سندً! لأخيه . كنت أعرف أن جيله سيكون أشجع 
عو تخيلا واه سيتكون الأعذى هل الي وان هتمه لن كوت إلا 
لذاته 5 وأنّه قادر على أن يقول (Y)‏ في الوقت المناسب . تمنيت أنَُ 
أراهما مُقاتلَين في معركة ما» معركة, تون على التهر . التهر الموعود . 
التهر المقلدآس أكن امسج القيامة » كنت فقط أريدهما أنْ يفعلا 
ما عَجزت أنا عن فعله . وجدت بهما وبأمّهما السّلوى . كانت العائلة 
الجدار الذي حماني في أوقات كثيرة من الستقوط في وادي الجنون . 


153 


a‏ حميلة وأبقت ساره 0 - التي عت اتوم حتى د 
إلى سويرها كانوا من الذين ُركوا بلا مأوى أو من الذين الدحاة تهم في 
و3 الا خرف يدوو الست والععجَرَة . كان صعودهم معي إلى هنا 
يُريني الوجه القبيح للإنسان ء كيف يتحول الابن إلى قاتلٍ لأبيه وهو 
حي كيف يرى الابن في أبيه عثرة تقدمه وما الان إلا ضرطة كبيرة . 
كيف ينظر إليه على أنّه عارٌ وما العار إلا ما يفعل . > كيف يرميه خارج 
عتبة بيته ليتركه في دور الُستين للوحدة » تنهشه الكآبة » وتلغ كلاب 
الهجران في دمه .لم يكن حال الأمّهات بأفضل من حال الآباء كان 
قلبي يتقطع على مرآهنٌ » كنت أبكيهنٌ وه على قيد الحياة »لم يكن 
قرب زيارة ا موت لهن هو اليب » كان الموت آنئذ راحة لهن ء كان الألم 
الحقيقي أن تيقى تهلوس باسم ابنها العاق وهولم يرها منذ أعوام 
طويلة كل ما يُميّر الابن تلك الرّتبة العالية التي يحملها على أكتافه » 
وما يدري أنّه بهذا الفعل انحط إلى قعر الخسّة والتذالة . صاحبت عددًا 
من هؤّلاء الراحلين . نقلتهم من هنا إلى هناك أكثر من مرة . حاولت أن 
أكون ابتهم » أن أعوّض لهم فقدهم » حاولت أن أزرع أملاً في صحراء 
لاا ا ا كن يعدن بعضر الحراة 
i‏ » وكنت أحظى بكثير من الدعوات معهن 

a a. Cy 
كن يتسامّين على كل الجراح من أجل تلك المضغة التي حَمَلنها في‎ 


154 


أرحامهن ذات زمن . يظلّ الابن لهؤلاء الامّهات - حتّى لو كان عاقًا - 
صغيرَهِن المدلل » ويبقى قلبها مُعلَقَا به » تُسامحه وتغفر له » ولو كنت 
مكانها لاشعلت فيه النار . مَن قال إن قلب الام ينتمي إلى البشر على 
ماافيهم من خصال حميدة مُخطئ!! إنّه قلي من نور لا بُدَ أنه 
ينمي للملائكة الّذين لا يعرفون إلا الله » ولا يرجون إلا قُربه ‏ ولا 
يعيشون إلا في جّلاله كثيرًا ما كنت أعود في تلك الأيّامٍ من 
العكرية فأهرع إلى ا ا > أقبّل الخُبار الذي 
يعلوهما ٠‏ وأبللهما ببكائي . تستغر ب - انها لا تدري ما ارى . أقول لها : 
سامحيني ١ PER‏ عنك . تبتسم . أرفعٌ وجهي الخضل 
ی » تمسح عليه يد من حنان ا كم . لو تمكلت 
الرّحمة على هيئة مخلوق لكانت قلب الأم!! 

كبر الاولاد اة . صارت خطواتهم تنهب الأرض ا 
فراشات تذرٌ الفرحة في قلبي . أصواتهم صدى روحي المتعبة تُعيد 
إليها ألقها . غدا سيدخلون المدرسة . وسيّصيحون ما يريدون . «عليهم 
أن يعرفوا أن أباهم قاتل فى هذه الحياة من أجلهم يا فاطمة» . أقول لها 
مازحًا . ترد بتحد : «قاتلت من أجلهم؟! لم أركَ ثطلق رصاصة 
واحدة» . تميعلني العبارة الإ اتكين رأسي . تصفعني على وجهي 
صفعة الكلمة أشدّ بكثير من صفعة الكفف » الثانية سرعان ما يزول 
أثرها » والآولى تظل حاضرة عشرات السّنين حتّى تأكلها أَرَضةٌ التسيان 
E a Sa‏ ا a‏ 
فاطمة ء ولكن هل تعنين ما تقولين؟ هل تريدين م مي أن سمل 
اليندقيّة وأقاتل » وأطلق التي لم أطلقّها؟ ور عل د 


أي هدف تستحقه رصاصاتى 


155 


ضرت أتردة ار العاف عل ف فى الآأقيو راقند 
التشكرق + قوت علاقات قويّة مع الأطبّاء . غير الدكتور شاهر » كان 
هناك عدد كبيرٌ من الأطبّاء والممرضين ممّن أصبحوا أصدقاء لي . لكن 
علاقتي بهم تبدأ هناك وتنتهي هناك . يُمكنك أن : تقول إن مهئة واحدة 
قد جمعتنا كنت أصف السسّيّارة على باب الطوارئ كالعادة . يكون 
طاقم من المسعفين بالإضافة إلى الذين تحملهم سيّارتي ينتظرون على 
الباب . يحملون السرير بالقادم فيه . أعيد اصطفاف سيارتي في موقفها 
الخصّص لها . وأدخل إلى المستشفى أنتظر تقرير الطبيب . أحيانًا كنت 
أنتظر فترة يد عن سيت > ساعاتٍ » كانت تقضي بان ل أعود إلى 
وحدتي ومعي تقرير طبيب المستشفى العسكري ليتسلمه متي طبيب 
الوحدة حسب الأصول . فى الاعات الطوال التى أقضيها فی 
الانتظار» كنت أجد فرصة كبيرة فى التَعرّف أكثر على النّاس 0 
أن EY‏ قيمة الحياة فلينظرٌ في وجوه القاطنين في وحدة العناية 
ا مركزة . كان يُسمّح لي بالمرابطة فيها كل الوقت . تعوّد على هنا كل مَنْ 
في المستشفى بلباسي العسكري , وذقني المحلوقة » وجسدي المشدود . 
وكان يُسمّح لي بحرّيّة التَجوّل بين أقسام المستشفى دون أي اعتراض 
صحبتي للدّكتور شاهر فتحت لي مساحة واسعة لصحبات أخرى أكبر 
وأوثق . 

دحل حيا وخرج جُنَة . قلت هذه العبارة لنفسي أكثر من مثة مرة 
خلال ثلاث سنوات . كنت أحمل هؤلاء إلى هنا مرة أو مرّتين في 
اليوم . كان يخطر يبالي : إذا كان كل هؤلاء يرحلون وعبر سيّارتي 
فحسب ناهيك بالراحلين عبر سيّارات أخرى » وأسباب أخرى » فقكيف 
يزداد عدد الستكان في الأردن؟!! كنت أعتقدٌ أنه إذا استمرٌ الأمر على 


136 


هذه الوتيرة فإنّ الأردنٌ ستصبح منطقة خالية من السّكان خلال عشر 
سنوات فقط . وأضحك لأتنى أجد الأمر طريفًا كانت آعدادنا تزداد 
ببركة القادمين إلينا هنا . نحن شعبٌ مضياف ونحب كل النّاس . 
قذف حصار العراق فى أوائل التسعينيّات أمواجًا من البشر إلى هناء 
وقذفت حرب الخليج القّانية بعدها أمواجًا أخرى إلى مَضيقنا كُنَا 
نقول : «المكان الضيّق يسع مئة محب» . 

غارت مني زوجتي لكثرة ترددي على اممتشفى . 3الممرّضات 
يسحين الرجل مثل الحيات » والرجال عيونهم فارغة» تقول وهي 
تُردف : «لاذا عليك أنْ تظلّ سائقا لسيّارة الموتى؟!» . أضحك . تزداد 
غيظًا . أحاول أن أسترجع ماء اي سا" 
إلى أي منهن يا فاطمة» . تقول : «إنهن عجفاوات ء مُرْيّفات» . أقول : 
«هل أحتاج إلى قلم) ا أنني لم أنظر إلى آي واحدة منهن» . 
نكر : «لقد صرت صديقا لكل مَنْ في الْمستَشفى» . دلا يوجّد صديق 
لي في حياتي غيرك» . «تكذب كما يكذب كل الرّجال» . «أقسم لك 
إتني صادق» . «عيناك تفضحانك » أرى سرورك بلقائهن ظاهرًا فى 
أغائهما»ة «سوف ألبر” نظارة سوداء» . تبدو غاضبة من ديل : 
«هكذا أنتم أيها الرجال تهربون حين تحاصركم اة . «الحقيقة أنه 
ليس فى حياتي سواك» . ثم أقول متصنعًا غعضصبًا وعتابا لتحويل مجرى 
الحديث : «أنا جائعٌ يا فاطمة » منظر الموتى يُجيع ء ألم تطبخي بعد؟!» . 

في أوائل عام ١595‏ م نقلي إلى كتيبة (أبي عبيدة) . كان قائد 
الكتيبة يعرفني حق المعرفة » خدمت في حضرته عندما كان قائدا 
لسريّة . أديت له التّحيّة أول ما رأيتّه . خفضت له رأ عبن اعدراماء كه 
عانقتّه . الأصدقاء في الخُربة وَطَن . 


157 


قدت به سيّارته بالإضافة إلى سيّارة الإسعاف . كنت أحبّه. 
فتطوّعت أنْ أكون مائقه إذا لم تكن لدي مهمّة في سيّارة الإسعاف 
وكان يُحبّني . ويميّزني عن بقيّة الزملاء . مع أنه كان لطيقا معنا 
جميها. تعرف بعد سنواتٍ طويلة من الخدمة العسكريّة »أن ما 
يجعلك تحترمٌ قائدك ليس منصبه » ولا التجوم التي تحط على كتقّيه ‏ 
ولا عشيرته »ولا كشرته التي هي بصمة على وجوه الأردنيّين و 
يقولون » ولا صوت أوامره التى لا يُمكن تخطيها . بل أخلاقه ؛ أخلاقه 
إلى يخشع لها قلب الحجر » أخلاقه ان تأذن للتربة القاحلة أن كنيف 
الورد . والكلمة الطيّبة التى تأذن للقلب أن يُشرق . 

في نهاية ذلك العام » كفت كتيبنا بحراسة منطقة الأغوار ؛ 
صدرت الأوامر قبل رحيل ذلك العام بيومين ء فرحت فر حي أزهر 
الأمل في صدري . هذه المرة نانك هن عقت ما عدم غه 
وخططت له من خمس سنين . 

تورّعت كتيبدّنا على نقاط كثيرة في الأغوار . كان لي علمٌ سابق 
منطقة حدوديّة تُسمّى (الباقورة) . لقد قرت عنها كثيرًا . استلبها 
البهود قبل أن أن تحدث التكبة عام ۱۹٤۸,‏ وفي اتفاقيّة وادي عرية عام 
۱44€ لم يب يتغير على حالها الك ير رالات ؛ سكمّيت بالباقورة 
المستعادة » وقصّتها طويلة . ليس هذا هو المهم في الأمر › المهم أن اليهود 
حى بعد الاتفاقيّة ظلوا يعتبرونها بمزارعها الغنّاء ملكا لهم » فكانت 
تأتيها حشود قادمة من أنحاء شتى من الكيان الغاصب لزيارتها 
حشر الذي د فيها من زملائي أكدوا أنه لا عر يوم من الأيّام في 
صيف ولا شتاء دون أن تأتي إليها مجموعات من اليهود في رحلات 
E‏ كان هذا الأمر هو محور تفكيري . كانت منطقة الباقورة تقع 


158 


ضمن التقاط الحدوديّة المطلوى متا حراستُّها » فسارعت بالطلب من 
قائد الكديبة أن يجعلنى ضمن الفريق المكلّف بحماية هذه التقطة 
بالدّات ء ولا أريد أن أذهب إلى أي منظقة أخرى . لم يجد القائد بأسًا 
في طلبي هذا » واعتبره مشروعًا » وسرعان ما وافق! کان ما حدث من 
استثنائي لأ نني مُراقب قبل أكثر من عام في احتفال وادي عربة ما زال 
ان في ذارتى راودا كا ا إن يتكرر الأمر هناء وجهزت 

هشرة أسباب على الأقل من أجل أن أقنع قائد الكتيبة بقيولي في 
نقطة الحراسة فى هذه المنطقة بالذات ء لك القائد أراحنى منها كلها ء 
حَينَ دلت على مكتبه دوت مرتبكا قليلة قال لي بكلمات دافعة : 
«أعرف أنك تريد أن ا في منطقة الباقورة» . خفت أن تكون هذه 
العبارة مُقدّمة للآفض »سألتّه : «ومَن أخبرك بذلك سيّدي؟» . 
«عيناك» كدت أن آغلقهما » هتفت في سرّي : «عيناي توقعانني في 
الفخ عند زوجتي » وهنا أيضا؟!» . قلت : «وهل يُمكن أن أخدمّ هناك 
سيدي؟» . أجاب : «بالطبع يا أحمد . . . بالطبع . . . بشرط واحد» 
هتفت وأنا أشد صدري إلى الأعلى : «أنا موافق على أي شرط يا 
سيدي» . هتف : (أنْ تكون نموذجًا في الانضباط والحندية يا ES‏ 
شيل ای ا ق سروف تن 
الفرح وأنا أصرخ : «حاضر يأ سيّدي» 


159 


)1١9( 
لن أسامح ولن أغفر وئن أنسى‎ 


لن تهنأ يا (بنحاس روتنبرغ) حتى وأنت في قبرك . سأجعل 
عظامك تلعن اليوم الذي وطئت فيه ترابنا » وسرقت فيه أرضنا . لم 
تكن ذرَّة واحدة منهالك ولا لأجدادك الملاعين . ولا لأحفادك 
الخنازير . لكن بني قومي لا يقرؤون التاريخ . واحسرتاه . لو ولدت قبل 
سنّة عقود لأكلت من لحمك . الحكومات التي اعترفت بك وأعطتّك 
ماليس لك سأجعلها هي الأخرى تندم » وسترى ذلك قريبًا أيها 
الضّبع . آنا متمرّس في سّحق الضباع . لن تمر شاة من جديد » حتّى 
ولو ورث أنيابّك التي تقطر بالدّم كل أبناء جلدتك . وحتّى لو ظل 
أصحاب السلطة من بني جلدتي يواظبون على تقديم الورود لك ولمن 
جاء بعدك » وينثرونها على رُفاتك اللّعين . 

هذه أرضي »ء وهذا ترابي » وهذه مسمائي » وهذا مائي . وسأحول 
كل مافيها إلى جحيم يبتلعك حتى ولو كان ذلك آخر يوم في 
حياتى . أنا لا تعنينى الاتفاقيّات » ولا الوعود . ولا المعاهدات » 
فليبلُوها ويشريوا ماءها . إتها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به . أنا 
أفهم اللغة الّتى تفهمها أنت ؛ إنّها لغة الرصاص . أدري أك جعت في 
زمن لا يعترف سادتي فيه بهذا المنطق . لكن هذا شأنهم ٠‏ أمًا شأني 
معك ومع أتباعك فأنا أعرفه كما تعرفه أنت . ويوم القصاص قريب ؛ 
فأين المفد!! 


160 


أمّا نهر اليرموك الذي سرقت ماءه » فسأصبغ ماءه هذا باللون 
yy GR E a‏ 
ال م على غيري ‏ نا عندي فان ع . والحرب ل وجذوتها لم 
صاحيها . أنا اعرف نك مثلي لا ب تُصدق ‏ هذه المعاهدتات 0 لأنك 
على كهوت بنادقنا نحن الذین : a.‏ يجري قوق الطّاولات فی 

حن أن کل شي حقيقي يجري 
0 3 الحطوات الى حشفى E n‏ 
أصدقائي فيه من الأطياء كثيرون » سأحصل منهم على تقارير تُفيد 
بأنني مريض نفسي . الأمر سهل . الحركات والكلمات جاهزة . أمّا 
الهيئة التى تمنحنى هذه التّقارير فقد تدرَبِت عليها مئات المرّات . 
وسأفعل ما أريد ؛ لأتني أريد . هذا هو الفرق بيني وبين الآخرين . 
أمعقول أن اللحظة التي انتظرتها كل هذه السسّنين قد حال نت!! ما فات 
مات وكل آت آت . والآتى ترسمه البنادق الثائرة . والأيادي الطاهرة . 
وإني لأ رجوها 

في الليل عشيّة ذهابي إلى المستشفى جاءتني امرأة عمّى في 
المنام ٤‏ كانت تلو فرحة ترفل بشوب أبيضص طويل . أشباءت تس فا 
عتمة روحي . قالت : «هل ستتئأر لى؟» . أجبمّها : «لقد انتظرت هذه 
اللحظة طويلا» . قالت : «الرتصاصات عمياء إذا كان هدفها غير 
واضح» . أجبتّها: «لم يكن هدفي أكثر وضوحًا منه اليوم» 


161 


«وأنت؟!» . «لن سامح ولن 0 وان أنى» . قالت : «البندقيّة التق 
على كتفك آمل الوطن › فيها ت تختبوع أحلامه » فمحذار أنْ يسرقوها» 
«لن يستطيعواء وأنا حارسها» . «وماذا أعددت لها كى لا تُسرّق؟» 
«الإيمان والرّصاصات» «والصّبر فالطريق طويلة» «والصّبر . ولن 
أتعب» «في الطريق الشائكة لن تجد على الحق مُعيتًا . يكثر الاس 
في طريق الباطل ويقلون في طريق الحق» . «لست وحيدًا . معي قلبي 

أخذئى الدّكتور شاهر إلى العيادة النفيّة » كان الطبيب (رامى) 
متهيّمًا لاستقبالنا » ضحك أوّل ما رآني . سألتّه : «لاذا تضحك؟» . لم 
يُجحبْ غير أنه حرّك يديه في الهواء ثم خفض يُمناه كأنّه يريد أنْ يقول 
لي «اخرس» . نظرت إلى الدّكتور شاهر كان هو الآخر يضع يديه على 
فمه يُحاول أن يخنق ضحكة تحاول التفلت رغمًا عنه . تحت القبّعة 
العكريّة التي أعتمرها ء ظندت أنها هي السَبب » أصلحت من شأنها 
عدلت ياقة قة القميص العسكري الذي أرتديه . انحنيت لأراني كل 
شيع كان عاديا!! مسحت على وجهى بيدي > حضفت أن يكونوا رأوا 
فا فأرا مثلاً تسكع على قسّماته » أو أرنبًا يقفز فوق شعر رأسي فلذلك 
غرقوا في الضّحك . نظرت في المرآة » كنت حتّى هذه اللحظة طبيعيا 
لا يوجد ما يلفت الانتباه فى شكلى أو يُثير الضحك . لكتني أنا الآخر 
عالجت فمى بيدي من الموقف الذي حدث للمَّرَّ وكدت أنفجر 
بالضّحك لضحكهم . تساءلت في نفسي إن كان أطبّاء العيادة التفسيّة 
يحتاجون هم الآخرون إلى علاج نفسي 

سألني الدكتور رامي : «ما الذي تشعر به؟» . انفلت بالحكي : 
«تلتوي أمعائي »أشعر كأتها تلتف على بعضها كالتفاف أفعى ضخحمة 


162 


على جسد تمساح في مياه طينيّة» . ضيّق الطبيب عيتيه » شهق شهقة 
يتيمة » أراد أن يُتبعها بزفير حار » لكتني قبل أنْ يفعل » كنت أتابع ما 
يحدث لي : «مئانتي تكاد تنفجر كل ساعة » أضغط بيدي على 
محاشمي حى لا أتبوّل على نفسي › حاجتي إلى التَبوّل تحدث كل 
عشر دقائق على مدى حمس سنين» هزني الدّكتور شاهر من كتفي 
وعض على شفتيه «هذه الاعراض ليس لها علاقة بالأمراض 
التفسيّة »فل أي شيء آخَر» . نهره الدّكتور رامي : «دعه يتحدّث 
براحته » هل أنت طبيبه التّفسي أمْ أنا؟» . تابعت بفرح مثل سيل هادر 
توقف الحظات حين اعترضتّه حصاة صغيرة » ثم تدقق بعنفوان طاغ 
«أنا دائم القلق والخوف » أشعر أن سكاكين مثل السّهام نازلة من 
السّماء تريدٌ أن تنغرس في عيني » فأركض هاربًا فتنشب في ظهري 
مُشكلة غابة من الخناجر تُشيه جلد القنفذ . أنا لا أنام جمد . 
الكوابيس تمنعني من ال . بنوم كاف . عيوني دائمة الاحمرار يسبب 

قلّة النوم . تنفسي في الشهور الأخيرة صار بطيئًا . أشعر بالاختناق ؛ 
لدي صعوبة في دخول الهواء إلى رئتي أو خروجهما . دائمًا هناك رفة 
1 لقلب تُؤلني أضع يدي على صدري لكي أتخلص منها ء أدلك 
الصّدر جهة القلب لكي تسيل دماؤه لأتني أحس أنها تتجلط . حين 
أستيقظ من التوم بعد سلسلة من الكوابيس أكون غارقا في عرقي 
ثيابي تكون مبللة من شدّة العرق . مخدتي كذلك ولحافي . تظهر لي 
في عملي أشياء لا أدري إن كانت حة حقيقة آم أنّ خيالي يخترعها 
معظم هذه الأشياء الغريبة تحدث وأنا أقود سمّارة الإسعاف . تتشكل 
هيئات المرضى الذين يصعدون معي وأنا أرمقهم من خلال المرآة على 
هيئات حيوانات غريبة » أحيانا قرود » وأحيانا زرافات » أفاع » معاز 


163 


سوداء »و . بشر متوحّشون . حينَ أغسل يدي بالماء » يتحول الماء إلى 
دم . أنفض يدي . أرتعب . لكتني أحتمل المنظر حتّى إذا ظدنت آتني 
انتهيت من غسلهما رأيتهما مُتسختين » فأرجع لأغسلهما من جديد . 
وأرى قطرات الدّم تنشال من بين أصابعي . . . هل آنا طبيعي يا دكتور؟ 
لا أدري ماذا يحدث معي . أصاب بالخمول كثيرًا لا أريد أنْ أذهب 
إلى العمل . أجلس في زاوية البيت أدخن قحسب . أتصور نفسي 
أغوص في تلك الرّاوية وأتحوّل إلى سحليّة » أدخل أحد الشقوب 

لأتوارى عن البيشر لا أريد أن يراني أحد أو أن يُحدثني أحد . أنا لا 
أصلح للحياة مع الناس > ولا للحياة ة نفسها . أفكر أحيانًا بالانتتحار . هل 
هذا أمرّ طبيعئ يا دكتور . لا تقل لى إنها أعراض الكآبة › فأنا أبو 
الكآبة وعمّها وجدها . ليست هذه الأعراض لها » كل ما في الأمر أنّتي 
أريد أن أعيش كما أريد لا كما يُريد الآخرون » والآخرون يُصرون . 

هل أكمل يا دكتور؟» . هر الدكتور رامي رأسه دون أنْ يتكلّم » كانت 
عيناه جاحظتين , وكنت المح فيهما طيورٌ فرح تحلّق عاليًا . أمَا الد كتور 
شاهر فوضع يده على ذقنه وضيّق عيتيه يُحاول أن يستوعب الموقف 
اعد برد عر راتري كحور رالي ١‏ اتخر ان عباتن E‏ 
جدوى » بلا معنى ٠‏ أريدٌ لها أن تنتهي سريعًا »أن تنتهي على أي 
نحوء المهمّ أن تنتهي » لقد سئمتُ كل هذا الهراء الذي أعيشه . أحيانًا 
أركض في الشارع » تنتابني حالات من الفرح الفاجئ EE‏ 
كالمجنون , أحرّك يدي في الهواء مثل أشرعة سفن مُسافرة . أققزء 
وأضحك من كل قلبي » هل هذه ردّة فعل على الأسى » الأسى ما 
بنتشى كما يقولون , ومع ذلك أحاول أن أفعل » جرّبت ذلك مثة مرّة » 
ولكنّنى فشلت في كل هذه ا محاولات . أتذكر الشيخ عبد الرَرَاق » له 


14 


فضل كبيرٌ علي يا دكتور» حَبُبّني بالعلم وبالقرآن وبالقراءة . أتذكر 
حلقات الذكر معه في االمجد . فأطرب لتلك الأيَّام ء أذهب إلى 
المسجد أبحث عن الشيخ عبد الرَرّاق » أشعر بجوع إلى مقابلته وبثه 
هموس :+ ولكتى لا اجدة: اسال عنة 'فيقول ل يعض اسفن 
الق فى المسجد: من غوالشيخ عبد الرّراق؟ فاحييهم :الإا 
فيردون بوقاحة : لم يؤم هذا المجد منذ ثلاثين سنة شخص يُسمَى 
عبد الرّرّاق . أكادُ أصفعهم على وجوههم . أخرج . أنبحث عنه في كل 
الجوامع . أخرج إلى القرى الأخرى . أذهب إلى حاتم وإلى كفر أسد 
وإلى حرتا وإلى أمّ قيس » أدور جوامعها جامعًا جاممًا لعلي أعثر على 
الشيخ عبد الرّرّاق » إنّه يعني الكثير لي وأنا مشتاق جدا إليه » وأشعر 
أن لديه حلولاً سحريّة لمشاكلى . طفت كل القرى »إلى أن دخلت 
مسجدًا في قرية ناثية ءلم أعد أتذكّر اسمها » ليس فيها ناس كثيرون » 
كان ذلك يوم حميس من الخميسات التي أكون فيها مُجارا رأيته 
هناك . كان هوء إتني أعرفه من صوته الشجي وروحه المرحة . تذكرت 
قلادة خالد بن الوليد أوّل ما ريه » كان يجلس في وسط حلقة تُشبه 
لفات الى كان يدها تا فى رین عل اک من شين انا 
كان وجهه يطفح بالبشرء > لحيته ازدادت بياضًا وقسمات وجهه ازدادت 
حمرة ع وغيناه تغيّرتا » صارتا زرقاوين » انضممت إلى الحلقة » عندما 
رايا إلى واي واي ا وقضيت معه تلك الليلة › 
ثم تعشيت في بيته » ونت عنده . الحمقى يقولون : ليس هناك شيخ 
اسمه عبد الرَرّاق » وماذا يكون هذ! الذي رأيمٌه إذا؟! وكيف أكل من 
طعامه وأبيت عنده ولا يكون هو . .. هل اکم يا دكتور؟» انار 
الدكتور رامي بإصبعه إشارة عصبية » دوره في الهواء مثل دولاب 


165 


عجلة » وكأنه يقول لي تابع دون أن تتوقف لا انی في كل مره 
ايت أكمل بنهم كان جوعي إلى الكلام لم يف : «قضيت 
مع الشيخ عبد ألرَرّاق »في كل مرة تُذهل : في الحضرة مع 
ا انناف .يا متاك ...ناذا الد 
اد ا جين دقوي و 
وحروفا من الحق لم تُسمّع . بحث عي أهلي في كل مكان »لم 
يجدوني » مَنْ انس بالله تخلى عن الخلق » فكيف سیجدوتنی؟! قال 
لي الشيخ عبد الرّزاق : نحن هنا لا ننتمي إلى عانم البشر ولسنا على 
الان غا ا املف حه اا إلى يوم الدّين . إن شعت 
التحق بنا في كل عام شهرًا » ستجدنا بانتظارك دائمًا ء أمّا الآن فعد 
إلى أهل بيتك . لم أستوعب أتني سأخرج من هذا التعيم » رفضت › 
أنكرت » لکن عينيه كانتا حازمّتين ‏ قال لي : لن تقوى على مرافقتنا 
كل الوقت » أنت ميّت . وطينيئُك تجذبك إلى العالّم التفلي . أما نحن 
فأحياء » ونوراتيّتنا تسمو بنا إلى الأعالي » وأرواحنا مُعلقة بعرش 
التي "كيف للحتت أن سيط ا تمشت ار عع 
کادت روحى تفارقنى وأنا أفارقه . استحلفته أن يدعونى إليه كلما 
احتاج إلى . أنا عاديا يا سيّدي وطْوْعٌ أمرك ٬‏ لشمتُ ظاهر يديه › 
رجن قل از ا كدو او من ككفي حب 
وصرخ : «مّن قال لك أن 7 تتوقف؟» . تابعت بشغف كما لو ني بدأت 
الكلام الآن : «كثيرًا ما يُصيبني الشرود يا دكتور » لا تقل لي إن شروت 
من الواقع » من ضغط الاعباء اليوميّة » هذا تحليل السَدّج » شرودي نابعٌ 
من شعوري بالغربة عن هذا العالم أحلق في سّماوات بعيدة » وأرتاد 
آفاقًا لم يرها بشرٌ من قبل . الواقع ليس مؤْنًا تمامًا ‏ نحن نؤلمه أكثرّ مما 


166 


يؤلنا . ولو نطق لقال للبشر كفى . . .!! كفى كذيًا وتدجيلاً ونفاقًا 
وغشا وادّعاء . أحيانا يا دكتور يمحدرل عندي مم للذاكرة » يبدأ 
EF‏ اللي ل او ESE VEN‏ 
ُوجد فيه أ شيم ء أي شيء على الحقيقة يا دکتور » أنسى أن لى أن 
أو أما أو أخحواتٍ أو اة أو زوجة ة أو أبناء » وحن افا إلى ابم 
لاسعقلَ سيّارةً » أنسى إلى أي قرية سأركب ‏ أطالع أسماء القرى 
واد على ارجات وز اسم ري من ينها ولا اند كر لفت 
هنا المشكلة . أنوئ أن أعود من حيث أ تيت » لك المشكلة أتنى أنسى 
المكان الذي أتيت من ينه انف على لجرو ين ببس رد لاف 

هنا ولا إلى هنا ء أضيع ما بيني وما بيني أنا . تتمر هذهال حال معي 
يومّين » أبيت في الشوارع » توقظنى سمّارة إسعاف بزامورها تمر من 
مجمّع الأغوار ذاهبة إلى مستشفى الأميرة بسمة فأتذكر مَنْ أناء إن 
هذه السيارة تنتمى لي »أنا أقود مثلها أنا في اليش آنا اخ 
وقريتي إبدرء تستيقظ الذكريات فجاءٌ بعد نوم طويل . > كأنها غزلان 
نهضت من مجائمها > وتركض ؛تبدا تركض في كل اتجاه › وقعٌ 
أقدامها في غابة عقلي يوقظ كل حي فيه . أنفض الغبار والأوساخ 
عن ثيابي » وأعود إلى وحدتي حتى لا تراني زوجتي في صورة رثة » 
هناك أغيّر ثيابي ء وأتابع عيابي ل عادي وو إلى الانضباط 
والمسؤولية كأن شيئالم يحدث . . قت مره ة سيارة الإسعاف إلى 
محم الرويشد على الحدود ا 3 كنت قد سلمعت : أصوات 
استغاثات من أهل المخيّم » أردت أنْ أساعدهم . طرت بالسّيّارة في 
طريق صحراوي لا تُشارکني فيه إلا الهوام والحرارة التي تُذيب الحديد » 


167 


قدت ؛ لأكثر من أريع ساعاتٍ أنهب الطريق نهبًا كانت الرّمال الصفراء 
والسوداء أحيانًا وي طوال الطريق › لا بشر ولا شجر ولا حجر › 
وحدي مع الدروب المهلكة > مر الوقت بأكمله ولم يظهر أي بنيان أو أي 
مخيم أو أي أحد . توقفت في السَاعة الخامسة ‏ بدا آتني ضللت 
الطريق »ومع أنني أحفظها تمامًا إلا أنني بدوت ضائعًا بالفعل . قدت 
ساعة أخرى لعل شيمًا سيظهر › ءلكن الرمل ظل عنيد! ولم يبد سواء 
في مدى الرؤية > كانت حرارة الي قد بدأت تخحف » وصار فيليا 
بعد ساعتّين أو ثلاثًا أمرًا لا مفرّمنهء »فکرت هل أتابع؟ کک 
الصّرخخات ما تزال ترن في أذني » وعلي أن أقومَ بواجبي . فقررت أن 
أمضي أكثر » توغلت في مناطق غريبة علي ٠‏ بدا أتها ليست من 
الأردن > لا أدري إن كنت قد دخلت اة أو العراق أو أرض 
اد ااا ا كاتنت ا ا قد اعات بحن كل وة 
صار الرجوع صعبًا والتقدّم أصعب » احترت ماذا أفعل . أكل التعب 
والخوفُ قلبى . لعنت التداءات التى تتهيّاً لى » والتى تجعلنى آفعل كل 
اا ت اعا فسا ميت ات على الو ق ف 
توم عسيق. :إل اسحيفظ ت إلا بعد ثلاثة آيام نظررت فى سقف 
الغرفة » فركت عيتي . أجلتّهما في الفراغ » بدا لي وجه فاطمة التّبوي 
يبتسم!!ة 

احتار الطبيب ماذا يكحتب فى التقرير » همس فى أذن الدكتور 
شاهر «(إنه مجمع من الأمراض التفسيّة» . أجابه الذكتور : «لا عليك 
سيتعافى قريبًا» . قال التقرير إننى مُصاب بالوسواس القهري . والهلع 
(الفوبيا) » واضطراب ما بعد الصدمة › والهستيريا . والاكتئاب 
الهَوّسي » والفصام (الشيزوفرينيا) » والإدمان » والصّرع » وفقدان الوعي . 


168 


واهتزاز الشخصيّة (البارونيّة والانعزاليّة) » والشرّه العصبي › 
وضعت التقرير في جيبي ثم لعنت فرويد الكذاب ومَنْ جاء بعده » 
كان هذا أحسن ما أريد » على الباب ونحن خارجون قال لى الذكتور 
شاهر : «ألهذه الدرجة تتقن التسخي » آنا ق كف ع 

صامنًا ا صميو اردب يغب : «هل كنت تقول الحقيقة م 
تُمكّل؟» تركتّه ورائي » وخرجت . قدت سيّارة الإسعاف إلى الوحدة » 
تنفست الصّعّداء ؛ لقد أقمت نصف الخطة!! 


169 


(۲۰) 
لن أنظر إلى الوراء بعد اليوم 


قالوا لنا : كل شيء في (الباقورة الستعادة) مُحرّم . إنّه يخص 
اليهود ولا يخصنا . منوعٌ قطع ورقة شجرة ‏ ولا كسر عُصن ولو كان 
يابسًا » ولا قَلعٌ شيء ولو كان شوكا ‏ ولا أخذٌ حبّة فاكهة . ولا تناول 
شربة ماء . نحن قوم نعرف الحق وحدودهء وعلينا أن نكون ملتزمين 
بعهودنا 

كان برج المراقبة الذي أعتليه في عملي الجديد يُطل على 
مساحة واسعة من بلدي الحبيب فلسطين » كانت تبدو نقيّة طاهرة » لا 
تتلوّث إلا حين المح من بعيد حافلة تحمل سسُيّاحًا قادمين إلى المنطقة 
كان علي أن أتعلم ضبط مشاعري ٠‏ غلياني الذي يصعد إلى رأسي 
ويكاد يفجّره يسبب قدوم المجموعات السّياحيّة يجب ألا يظهر على 
جوارحي ولا يلحظه أحد . علي أن أدب نفسي على التحكم 
بعواطفي . إن أي خطأ في الخطة وتوقيتها قد يكلّفني حياتي وفشلي › 
في الحقيقة لم تكن حياتي مهمّة > كنت قد بعتّها عندما عزمت على 
الأمرء لكن الفشل كان هاجسي > أن أتصرّف كعديمي الخبرة وأفسد 
الأمور كل شيء له أوان» وکل عمل يحتاج إلى وقت » وحتى الوقت 
يحتاج إلى إدارة وتوزيع وتقدير . أن تترك الأمور على التّقادير تجري كما 
تشتهي الرياح فتأكد أن الرّياح لن تجري بما تشتهي أنت . 

في أوقات الفراغ كنت أواظبٌ على قراءة وردي من القرآن » وأقرأ 


170 


ما يُمكن أن يُتاح من الكتب » وأحادث الزملاء . كانت تعتريني أحيانا 
حالات من التدم لاتني لم أكمل دراستي » لكنني أتعلّل با أقرأ . أيَام 
سيارة الإسعاف الضّسَبة قد ولت وإنْ كنت بين الفترة والاخرى أشتاق 
للوجوه التي تحمل على قسّماتها تذكرة السّفر إلى العالم الآخخر . العمل 
هنا مريحّ جدا وو فى نرج ااا ب الوقوف فى زترانة ا 
ايحت a‏ جوع و ضافتة a E‏ . الفرق أن البرج زنزانة مفتوحة 
على المطلّق وهذا ما كان يُسليني . لم أكن أحمل البندقيّة دائمًا ء لان 
مُسمّاي كسائق ما زال يلتصق بي » زملائي الذين يشاركونني نقطة 
الحراسة يحملون عددا من البنادق . وهناك غرفة خاصة بها . لكن 
البنادق كانت خرساء هي الأخرى › ولا تكاد تبين . 

فى نةا ا الليلية » وفي الليالي الهادئة كان يُغريني المنظر 
كشيرا ء أنزل من برج المراقبة » وأمشي في الطريق العبّدة الطويلة التي 
تتفرّع عنها في نهايتها طرق فرعيّة تصل إلى مزارع عَنَاء » وحدائق 
فيحاءء كأنها جنة الله في أرضه » وكلها مغصوبة من اليهود. 
يستهويني المشي » فأوغل أكثر . زميلي يد مكاني » كنت قد بِلْعْنّه 
للداحل ادا عد اضر . لا يعنيه الأمر كثيرًا ء لكنّه لا يرفض 

فى الهدأة . . . فى الصّمت المطبق » في المكان الخالي من البشر سواي » 
لا ل ا ب ل لو شيء مأ 
حيواني يقترب مني حتى لأكاد أشعر بأنفاسه تلفح ظهري . . 
يعتريني الخوف » أضيء المصباح الليلي الذي AEE‏ 
إلى الخلف وأنا أصوّب المصباح جهة جهة الصّوت ٠‏ أتفاجاً بضبح كبير ء 
عيناه تبرقان على ضوء المصباح فيزداد رعبي ٠‏ أصرخ كأنني أطرده 
بصرخحتي المرعوبة » يتراجع للضوء لا لصرختي » كان خوفي يُمكن أن 


171 


يُشكلني وجبة دسمة له » »لكن ضوء المصباح يُضطره إلى الهرب . 
يهرب » وعلى وقع خخطاه المبتعدة » أسمع لها صدري . أعود مُسرعًا 
إلى نقطة المراقبة وأنا أتلفت خلفى ؛ يقول لى الرّملاء بصلافة بعد أنْ 
عرفوا ما حدث : «نعم » تظهر في هذه المنطقة ضباعٌ بين الفينة 
والأخرى »ألا تعرف؟!» باك و ال اعرك ول يعن إلى جد عي 
عن هذا الأمر» . «عليك أن تكون حذرا» «علي أن أحمل بندقيّة 
إذا» . يرد أحدهم : «غير مسموح» . «بتندقية صيد؟» «ولا حتى 
هذه البنادق لا تغادر أرجاء التقطة :اتف فق شرق ا 
ا . 

بعد شهرين من الخدمة صرت خبيرًا بالمنطقة » صرت أعرف عدد 
الحيوانات التى تتردّد المكان » وأسماءها وأشكالها وأحجامها » بل 
فرت لش ےا للمكاة اعرف آنا اکان افيه اكد ون بسن 
نوعًا من الطيورء كدت أعددها بالاسم نوعًا نوعًا . لفت انتباهي أن 
المنطقة فيها عدد لا بأس به من حيوان (التيص) » وكنت مولعًا يصيده 
وأنا صغير » فقررّت أنْ أصيد واحدا منه » وأنْ أشويه وأصنع منه عشاء 
فاخرًا للرّملاء . والتيص حيوان يُشبه القنفذ » لكن حجمه أكبر بأربعة 
ساقم على الآقل » وشوك جسمه أطول ء وقد يصل طول الشوكة إلى 
6 سم al‏ راي عجري رسي SR‏ 
اججُحر وخروجه منه » غَالِبًا ما تكون جحور التّيص في الصّخور . نصبت 
فخي البدائي له أمام الجحر في إحدى ل 
في فخي . استمرت مراقيتي له ما يقرب من ثلاث ساعات » 
استشمرثها في مراقبة كل ما يتحرّك » ورأيت أن لليل مخلوقات تتفوّق 
على متخلوقات التهار . كانت السّاعة الثانية فجرًا حين أطل برأسه من 


f 


172 


خلف شق في الصّخرة التي يقع تحتها جحره . انتبه قلبي ء وطار 
التعاس من عيتى . هتفت بصوت خفيض : «ها أنت . لقد تعبت من 
انتظارك . هيا تقدّم إلى الفخ أرجوك .لن أجعله يُؤلك كثيرًا . سأسارع 
إلى رفع التايض الحديدي العالق برجلك . وسأحررك منه» . توقف بلا 
حراك . دار رأسه السعيو ييا وار كما يتور راسي المقرء فن 
خطوتين .قرحت . هتفت في سرّي : «بقيت لك خُطوتان أخريان 
وتُصبح ملكي . أهلاً بك في عالّم البشر . ستعيش معنا يومًا واحدًا» 
بعده عليك أن تسامحني ء لأنْ بطون زملائي جائعة وتنتظر أن 
تلتهمك فى حفلة شواء رائعة» . مشى خخطوة ثالثة » خفض رأسه ونقر 
في الأرض يبحث عن شيء يأكله على ما يبدو .لم يجد شيئًا 
فتوقف . تفت من جديد في أعماقي وأنا أشد على أسناني : «لماذا 
عليك أن تُمرّق قلبي ها أيها التيص العزيز . قلت لك لن أجعلك 
تالم ke‏ ال وه . مر على اخنطوة الأخيرة زمن 
ال ا ا لو e‏ 
لم يستطعٌ . علا صوئّه . ركضت نحوه . ألقيت على جسمه الشوكي 
كيسًا أعددته لحمله به . حررت رجله . وأحكمت إغلاق فتحة 
الكيس »وعدت به إلى قنيادة السرية كاننى عائد يكدر فمين.. كان 
زملائي ينتظرونني » وينتظرون تنفيذ وعدي . أحد البلهاء - وهم 
بالمناسبة موجودون في كل مكان - آخبر قائد السّرية بان معي 
(نيصا) . وأتني أنوي شيّه وتقديمه وجية شهية . فناداني القائد . لم 
اوی ققط ا با جاع ان ا أرقن الباقورة قان 
«ليس مسموحًا لنا أنْ نأخذ من أرض جيراننا شيئًا» . كتمت غيظى › 


1/3 


وتابع هو «ما لين لنا مُحرمٌ عليناء » أعده بأمان إلى مكانه» كاد يقول 
لي : «واعتذرله عن سوء ما بدذر منك» . حرجت من عنده مَعيظًا ؛ 
حقلت التيص ذ فى الكيس وهرولت به إلى الباقورة المستعادة » وقريبًا 
مد خن اطا »قلت له من غيظي : «شفع بك قائد السريّة › إِنْه 
يحترم المواثيق > أظن بأتك تحظى باحترام لا يحظى , به كثير من التاس 
لا بأس . عداوتي لليهود شفعت لك عند القائد . مصائب قوم عند قوم 
فوائف كما يقول المنتبّى .لن أحخزن لقراقك . نين يعغيّر قاقد السرية 
رما سأحاول اصطيادك أو اصطياد اين عمّك من جديد . أما الآن فلا 
أقول وداعًا » بل أقول إلى اللّقاء!!» 

في الليل الساجي بإمكاتك أن تسمع خخرير التّهر من هنا يتهادى 
كأسطورة تجري إلى منتهاها . وإذا كنت قد دربت نفسك على الإنصات 

جيّدًا مثلى فستفهم أحيانا ما يقول . التهر يحكي . يشرح هواه 
يتلم . ويحتاج إلى نديم . حتّى صمتّه حكاية . للتّهر لغة لا يفهمها إلا 
مَنْ وهبه أَذّنَى قلبه . ليس من المعقول أن نهرًا خاض فيه شابّان طاهران 
سيسات من الآبياء ألا يكون لديه ما يقوله . أسمع أحيانا صوت 
يحيى قادمًا من النهر وهو ينادي : «أيّها التاس ٠‏ أنا صوت صارخ في 
البِرَيّة » توبوا ؛ لأته قد اقترب ملكوت السّماوات» . وأصوات خبط 
أقدام التّائبين الخائضين في التهر تتعالى وهم يتاقطرون إليه وهو واقف 
فى ر اتير کیو من تور و ا وين كدهع بالاء 
المقدّس . وأكاد أشم رائحة أشجار احور تنمو على الضّفاف الحزينة . 
ورائحة اليرتقال الفوّاحة » والتّفاح > والجوزء والتّوت . وأتخفيّل لذة 
انهراس حبّات التوت تحت أسناني » وذوبان سُكرها في فمي . عند 
التهر كلام كثير» وفي مائه معرفة لا يملكها سواه . وعليك أن تعرف 


174 


على التهر ألقيتٌ مودتي . وعلى ضفافه صدحت ؛ بأغنياتي . 
قرفت عليه داقن فرحب بی دون عشروظ . كنت أنزل إليه 
بالسيارة أحيانًا ء وأحيانًا ماشيًا على قَدَمَيَّ أغبّرهما في الطريق الُمَدَسة 
لأصل إلى الماء المقدتس . لا أعباً بالأضواء التي تلمع في الحهة الأخرى 
تغتال الأرض والإنان » وتلوّث التراب والهواء . كنت حين أصل إلى 
الضَّفة أمد يدي إلى التهر » فأغرف منه عَرّفات مُتتابعة » وأشرب ء 
اشرت کے ارتوض” + ثُمّ أغسل وجهي » وأسكب الماء على رسي » a‏ 
أستلقي على ظهري ء أعد التجوم . اليل أليل . والقمر غائر . وأنا 
ساهر . أسرّح البصر والرّوح أهيم على وجهي طائفا بأجنحة من خحيال 
في ملكوت السّماوات . حتى السّماء من هنا أجمل من سواها 
يوقظني من خيالاتي سقوط تهاب في التماء السوداء ء لامعا 
كأته لفظ الروح ومات ان عيني طويلا قبل أنْ أفتحهما وآ 

رأسي 3 لاتذكر أن وقت تأمّلاتي محدود . وأعرف أنهم سرعان ما 

يفتقدوننى ويسألون على . أنهض . أغذ الخطا عائدًا إلى التّقطة وفى 
الال آلف عذال اف جتاح في آفاق ال حلم " 1 

سأحب ما يحدث مهما كان » لقد وصلت إلى هنا بقدر الله › 
وقدر الله هو الذي سير عى لحظاتي القادمات . وبقائي هنا بقدره أيضا 
أخشى ما أخثشاه أن يعجل القدر فأنقّل من هنا قبل أن يتم ما سعيت 
من أجله . لكنني مُطمئن ؛ فالأقدار عملت أقلامُها في اللوح من قبل 
أن أشاء 

سأنضو عي جسدي لأعرفني . ربّما سأتركه هنا . إذا كنا جميعًا 
ستر حل . ويومًا ما ستصبح مجرد ذكرى › كلمات في أفواه عابرين › 


175 


فأنا أريد لهذا المكان أنْ يكون نقطة البداية في هذا الرحيل المقدور 
ليس بإمكاني أن أعيش كل حياتي كما أريد . لكنني أيضا لن أتركها 
تسير بلا غاية . الغايات على قذر أصحابها ء العليّة لأصحاب الهمم 
العاليّة . والدّنيّة لاهل الدنايا . ومنذ ذلك اليوم الذي اجتاحت فيه 
الطائرات قريتي قرّرت أن أكون في العالين . 

أخصاف » وأتوجس ٠‏ وأشك ٠‏ وأقلق » ويشتد إيمانى ويضعف › 
وأصبح أحيانا رقيقا كماء هذا النهر صافيًا سّلمًا اخ كا يجري 2١‏ 
وأصبح قاسيًا كصخره وشوكه أحيانا | . أنتبه » وأغفل » أتغيّرء 
وأبكي . 2 وأفرح > وأحزن » وأسرع ء وأبطئ ؛ وأصمت يومّين دون أن قول 
حرفا ثم أثرثر كأنَ طاقة الكلام اندفقت فجأةذ في اليوم الثالث › 
وتعتريني رعدة أحيانا . وشجاعة استثنائية أحيانا ري . وأشكو» 
وأتذمّرء وألعن ٤‏ وأبوح ٤‏ وأخفي : وأبدي ٤‏ أ : ر وأطمع > وأرجوء 
وأفزع.وأقفوء ارج : وأمضي 2 وأحسن ١‏ وأسيء > وأرتعب » 
وأكركر » وأرتجف » وأئبّت . وأنفرد »وأتقوقع › وأشكو . . لكنني في 
كل حالاتي لن أنظر إلى الوراء بعد اليوم . 


nr fone | cop 


176 


(١؟")‏ 
إصابة الهداف تحتاج إلى انقطاع التضّس 


كنت أقضي الوقت هنا في الباقورة بالتّفكير . أرسم الخطوات في 
المكان » وأعد العٌّدّة لليوم المشهود . لم أكن أعرف متى سيكون ذلك 
اليوم » ولكتني أشعر أنه قريب » وقريبً جدا ء ربّما لن يتجاوز 
الأسبوعين . زملائي في النقطة لاحَظوا شرودي في الأيّام الأخيرة . 
كتا غجلس نأكل (قلاية بندورة) » بالمناسبة أكثر طبخة يطبخها العساكر 
هى هذه القلآية كانت اللقمة تدور ببطء فى فمى › وتظل فيه وقنًا 
افيا دون أن أبلعها تمرح أحدهم محاولة كن حدة المت : 
«تنهتا إلى شاغله بالك» . أبعم » تظهر فاطمة › آخذها من يدها ء 
وأبتعد » أريد أنْ أقول لها سرا يتحرّك في صدري › يُعذبني » يجعلني 
أتقلّب على الشّوك » تسير معي خطوات قلائل » حينَ يبدأ صوت ت الشهر 
بالوصول إلى مسامعنا تغيب . أنظر إلى يدي » فلا أجد يد فاطمة 
فيهاء ذابت فجأة . لا أدري كيف تتركنى دون أن تقول كلمة واحدة , 
ها رانف يدها بعلن دى : لذن تحنو مقن ارف حمر | فنا 
وإ غابوا 

كان نهارًا آذاريا دافنًا . الجوّ في الأغوار فى مثل هذا الوقت يكون 
رائعا » وفي الصباح اڭ آذار بنسمات دافثة عليلة قادمة من النهر 
كل ما يأتي من التهر جميل › ال تحرف لولم يلوه و ر 
الباثسون . أتخيل صورة المعركة القادمة على التهر فأرجف . أؤجل 


177 


الصّور إلى حين يُوقظني من هواجسي صوت عسكري يصيح من 
مركز النقطة : «أحمد . . . شاي ولا قهوة» . أجيب بعد أن انتبهت 
بصوتٍ أعلى «قهوة سادة» . تأتيني القهوة » سمراء كتراب بلدي › 
اک رجالها الحا شف اا أشعلٌ سيجارة لعيتيها وأنا أقف في 
حرج المراقبة » أرشفُ رشفة عميقة من السّيجارة وأتبعها بمثلها من 
الفنجان » أشعر بمتعة كبيرة . يدب التشاط فى جدي . أتطلع إلى 
اليعيد » تنهض الخيالات والمقارنة من جديد . كل هذه الغابات والمزارع 
والثمار لهم؟! يتراجع منسوب السعادة فى جسدي » لكتني حين أفكر 
بالتأر يعود إلى مستواه الطبيعى . قبل أن أنتقل إلى هنا . حدث ذلك 
منذ أكثر من ثلاثة أشهر ء سألتّني فاطمة من جديد عن حلم أمَّي 
الذي سيتحقق » كانت دائمة السّؤال عن هذا الحلم » وأحس أنّها 
تتوجّس منه خيفة » لا أدري مم تخاف؟ لكن بريق عينيها يقول ذلك › 
ربّما هو الفضول أيضًا . ولا أدري لاذا علقَمّها أمَى بحلم من أحلامها 
المئة هي الأخرى » كان أقضل لولم تحدثنا عن هذا الحلم » أو آتها 
أراحغنا وقصّته علينا وبآدت حيرة فاطمة التي تُلاحقني » ولا تفتأ بين 
فترة وأحرى تُذکرني به » في هذه المرة أردت ا أتخلص من أسثلتها 
المتكرّرة عنه فأجبمّها : الحلم آنه سيُولد لنا ابنان أحدهما سيّصبح قائدًا 
للجيش » والآخر رئيسًا للوزراء . وقد تحقق بفضل الله . ها هما سيف 
الدين ونور الدّين . تكادٌُ تضربني بالملعقة التي بين يديها . وتصرخ 
مستاءة : «تهزأ بي؟6 . أضحك . شير إلى بطنها ‏ «وهذا القادم ؛ ما هو 
نصيبه من حلم اَمَك . هل سيكون وزيرًا للدّاخليّة مثلاً؟!» . كانت 
ستضع لنا مولودًا ثالمًا عمّا قريب . قبل أسبوع أيّام قالوا لي إن (بتول) 
قد وفدت إلى الدّنيا . رقصت من الفرحة . ودرت حول نفسي دورات 


178 


عديدة › واشكريت من غور أبي عبيدة سدرًا من البقلاوة ليت ب 
زملائى فى التقطة . وطلبت من القائد أن يمنحنى إجازة لأ حظى بعناية 
زوجتي وأبنتي . فأعطاني إجازة لخمسة آيام ا أنا اليوم أعود إلى 
النهر . الذين يشربون من ماء التهر لا يتخلون عنه وإن ابتعدوا . التهر 
يعيش فيك إنه ليس مجرد ماء ء إنه أنت › تاريخك › ومبدۇك › 
وعقيدتّك . وشيء من الذّكريات الجميلة تُقاوم التسيان . 

ارف النتاعة التاسعة » كُنَا قد أفطرتا في السادسة اه 
زال على هيئته منذ الفاح كأنه نور ة ثابتة عُلقت على جدار أصم . 
الهواء يحرّك اللوحة أحيانًا حين تتحرّك معه الأغصان فتوقظ شرودك 
وتكسر أمامك رتابة المشهد . لكن شيفقًا آخر حدث ١‏ إنّه باص 
سياحي ٠‏ أعرف ذلك من لونه »يحمل عددا جديدًا من السّيّاح إلى 
المنطقة . منذ بداية خدمتى هنا وأنا أراقب هذه الباصات وأعرف 
أعدادها » وألواتها . وأفرادها ف لا تنام . جوارحي لا تغفل . أعرف 
ما أريد . اليوم هذا الياص الأزرق يتقدم إلى النقطة بهدوء لكن دون 
توقف » كان يبدو أنه مطمتن تمامًا إلى أنه يدخل أراضىّ تخصّه ء وأنه 
لیس مجرد سائح لأرض غيره » إنها أرضه هكذا لعن هاا وله يعتبرنا 
نحن إلا حدما أو حرستًا له . ظلَ الباص يتقدّم حتّى توقف في السّاحة 
الخالية التي تعد تحت البرج الذي أقف عليه » في منطقة مى (برج 
العلم) . أحست أن أمعائي تتقطع » وأنّ الباص كان يمشي على 
جسدي لا على الأرض 

أطلق السات يوقا طويلاً » وراحت أصوات الركاب تتعالى وهي 
تصقر وتُصفق . يبدو أنهم جاؤوا ليحتفلوا . عن ببالي أنْ أحتفل آنا بهم 
على طريقتي ل a‏ 


179 


الباص ما يقرب من عشرين راكبًا وراكبة . اليهود كانوا يعتمرون قبعات 
الكاوبوي ٠‏ ويليسون (شرنا) تبين منه أفخاذهم المهترثة وركيهم الي 
تشه أظلاف الماعز » ويلبسون أطواقًا من الذهب تلمع في أعناقهم . 
كانت أعمارهم متفاوتة » قدَرَتُها بين الثلاثين والسّتين . أمّا التساء 
فكان لباسهن يكشف أكثر مما ب يخفي . يكشف عن صدور وسيقان 2 
وأفواه جائعة للحرام . وشفاه ملوّنة » وشعور تطير مع الهواء . أصبح 
الباص فارعًا بعد أن أنزلوا منه كل ما فيه . لقد كان ما فيه من الأشياء 
أكثر مما فيه من البشرء أنزلوا معهم الطبول » وأواتي الخمرء والالالات 
ال والطعام والشراب » والكلاب » والقدور ء اا أخرى لا 
أعرف لها مُمّى . ثم بدأ حفلهم ‏ راح طبّالان ينقران طبلتهما > ونزل 
الشباب مع الشيب يرقصون » على اهتزاز الأرداف والصّدور . وراحوا 
يشربون الخمر »› ويتناقلون كؤوسه بينهم » ويصيحون صيحات عجيبة › 
ويقهقهون بفجور ٠‏ وأوغلوا في حفلة سكر ورقص ماجنة 
لم يؤلني مشهد غهرهم في أرضنا أكثر من شعورهم بالآمان 
والاطمئنان وهم يفعلون ذلك › وكأنهم قد أبلغوا من a‏ أن عساكر 
العرب القائمين على الحدود هم جام فلا تخافوا منهم!! وال فما 
هو السَّرٌ وراء انغماسهم في فى الهو والملذّات جهارًا نهارًا أمام 2 دون 
أن يرف لهم جفن . فكرت في أنْ أفعل شيئًا »ولكن زميلي الذي كان 
بجانبي والذي عرف من تحفزي . وتشتجات يدي أثني أنوي شيئًا › 
قال لي : «إيّاك أن تُقدمَ على فل شيء » سيخرب بيتك وبيتنا » نحن 
ماالنا ء فليفعلوا ما يشاؤوت» کل ماهو مظلوت متا أن نلتزم الصّمت 
ريشما يُنهون عملهم ويُغادرون بسلام» كانت كلمات زميلي قد 


ماي کر ا عاي لي 


180 


بدا أن حفلتهم اللعينة ستطول . صاروا يقذفون بقشور الموز في كل 
اتجاه » ويدلقون بقايا الطعام على الأرض . ويكسرون زجاجات الخمر 
على الأرض وهم غارقون في الضّحك والشتائم . ثم حدث في المشهد 
ما لسعني وصفعني بقوة ؛ سمعت أحدهم في هذه الميعة يُنادي : 
محمد . . . محمد . . .» لم أكترث كثيرًا لحظتها . ظننت آته يُنادي 
على أحد الأدلاء السّياحيّين المرافقين لهؤلاء الخنازير من عرب ال 4۸ » 
ولكن الذي طعنني يرمح في الخاصرة نفذ إلى القلب هو ظهور كلب 
ظل يركض حى قفز إلى حضن هذا الذي ناداه ب (محمّد) , لقد 
سمّى هذا الكلبُ كلبّه بهذا الاسم الطاهر » أحسست بالدّم حينها 
يتفجّر من أنفي » ويتدفق من أذني » وشعرت بحرارة عالية في رأسي »› 
و ت أن الأرض تيد بي » ضربت رأسي بباطن كفي حى لا 
أدوخ » ونزلت مُرعًا من البرج إليهم » كان زميلي يُنادي علي : ديا 
أحمد يا أحمد . . . اتركهم لا علاقة لنا بهم . . .» . لكتني لم أكن 
لاسمعه فى تلك اللحظة . هبطت مُسرعًا . ومشيت الخطوات المتبقية 
بيني وبينهم وأنا أصيح «ارحلوا من هنا ء اخمرجوا من أرضنا . . هيا 
أيها الخنازير ..هيّا» توققفَ هرجُهم قليلاً وظتوا أتني مجنون » 
فتابعت صراخى : «لا تدنسوا أرضى أيّها القرود » عودوا من حيث 
أتيتم إن لم تذهبوا الآن فسأقتلكم» . لكتّهم بدلاً من أن يخافوا أو 
يحسبوا لكلامي حسابًا » بدؤوا يستهزئون بي » ويضحكون » ويشيرون 
إلى وأنا مُنفعل » وكأتهم يقولون : «انظروا إلى هذا الا حمق . . انظروا 
إلى هذا الأبله . . ٠.‏ .لم أتمالك نفسي . كل تدريباتي السّابقة على 
eg‏ . رحت آخحذ من الارض بعض الحصى 
الصغيرة وأرميها باتجاههم . كان أحد زملائي قد لحق بي . وهو يصيح : 





181 


«ارجع يا أحمد ا Ces‏ ؛ . عدت بالفعل » ولكن إلى 


زميلي الذي ٫‏ يحمل البندقيّة قلت له ا يتدقيتك ٠‏ سأعيدها 
إليك حالاة» كد أ من النضب المي لكنه رفض أن يُعطيني 
إيّاها » وقال : ه هذه عهدة ة علي . وأنت سائق لا يجوز لك أن تحمل 


بندقيّة» كان كلامه موجعا لي » جعلني أحس بالعجز الام . تركتّه 
وركضت باتجاه سيّارة الدّورية ية » الشيء الوحيد الذي يُمكنني 
استخدامه دون أن يُوقفنى أحد » سُقمّها باتّجاههم » كنت أريدٌ أن أفرم 
لحمهم وعظامهم › لكن امرأة عمّي ظهرت فجأة ووقفت في الطريق 
الفاصلة بيني وبينهم . دست على الكوابح »لم يُصدَق زملائي 
المشهد ء قالوا : «إته يمزح» . «لقد عاد إليه عقَلّه» . «إنّ حياته ليست 
أثمن من حياتهم ء > هو يدرك ذلك ولن يقدم على عمل يجعله يذهب 
بشربة مأء» لم يعلموا أن الذي أوقفني هو صو امرأة عمّي » قالت : 
«ليس الآن يا أحمد . . . حين تكون الرّصاصات جاهزة » فد إلى التهر 
وأطفى غضبك هناك . التّهر ينتظرك» . ابتسمت ثُمّ اختفت فجأةً كما 
ظهرت . أدرت مقود السّيارة باتجاه التهر › دت إلى هناك . نزلت من 
السّيارة وأنا أكاد أتميّر من الغيظ » صفقت الباب حلفى » وجريت إلى 
الضّفة التي تهبط قليلاً عن مسعوى الشارع . غمرتّني رائحةٌ ماثه 
والشّجر الذي على ضفافه ٠‏ فانتشَيْت » برد غضبي قليلاً , ثُمَ لقتني 
نائم قادمة من الجنان المنتشرة على ضفتَيه » فسكبت ماء الرّضى 
على نار الغضب أبطأت من ركضي العصبي » مشيت الهوّينى › 
نظرت باتجاه التهر الذي صار قريبًا جدا ء إتني أستطيعٌ التفاذ إلى عقل 
التهر » شعرت أنه يرحب بي » كان بالفعل يفتحُ ذراعيه مُرحَبًا 
ومٌُيتمّاء سمعته يقول : «أنت ابني بالفعل » وأنا لن أخذلك» 


182 


غمرتني مياهه » استسلمت له بكامل جسدي ٠غطست‏ فيه بكلّى . 
حتى رأسي ي غاص فيه إلى القاع » كان الغضب قد سكت عني تمامًا » 
زات له ك حه . سمعتّه من جذيد يقول : وإصابة الهدف 
تحتاج إلى انقطاع النفس . ومن عمجل تدم» . إنه يُشبه فى حديثه 
E‏ اد ان » فكرت إذا كان قد خُلقا من نفس الماء » أو من 

نفس الطين » ظللت فيه أكثر من نصف ساعة حتّى هدأت تمامًا » کت 
محيكة بالا كنت ارية أن حلاف عنما افد من اليهود يوميا في 
المنطقة » وأبمّه أحزاني » لكتّنى شعرت أنّ خريره قال لي : «إنّهم يرون 
من هنا في كل يوم » أراهم يا عزيزي قبل أن تراهم أنت ٠‏ لكتني مثلك 
أنتظر اللحظة الناسّبة » ويوم تقوم الحرب على ضفْنَيَ » سأقاتل مع 
ال ع 

حرجت من التّهرء توضّأت بمائه المْمددس . وصَلَّيِتُ ركعتَين » 
ركعتين حرجت بهما من الدّنيا خروج الآثم من الجحيم » كان هروا 
إلى الخالق من درن الخلوق . في السّجود الثاني من الركعة الثانية 
بكيت حتّى انتفض جسدي ءلم أستطع أن أتوقف عن البكاء لحظة 
كان شعورً بالقهر والعجز والخزي » وشعورًا بالضياع . كنت أحس 
بغربتي بين زملائي لا بُدَ من آتهم تطبّعوا أو طُبّعوا » آنا لا أستطيع أنْ 
أتغيّر ‏ بقيتُ على نسختي الأولى التي حرجت معي من (إبدر) , 
بقيت على عهدي لأبي » ولأمّى ء ولامرأة عمّى » وما كان يجدر بمثلى 
أن يتكص أو يخون! 

لم أنهض من الركعة الثانية إلا وقد امتلاً وجهي بالدموع . اك يا 
أحمد من أجل أن تجعلهم يبكون الكن ارات ذلك لم يون بعد . متى 
سيشفى الغليل أيّها القلب المتعّب!! عدت ت إلى السريّة . في الليل 


183 


أضاءت عتمة منامي ثلاث شموع »لقد كبر أبنائي : مضى من عمر 
سيف الدّين أربع سنوات » ونور الدّين سنتان » وبتول شهرٌ واحد . كانوا 
أسرجة العتمة الطاغية » بهم شعرت أن للحياة معنّى فى حمأة فقداني 
اة الأشياء ومعناها في كل شيء . لكن حبّات القلوب هذه هل 
ستجذبني إلى الأسفل » هل تنجح في يي عما نويه » وخططت له!! 

نظرت إلى بتول » كانت شمعة صغيرة » إنّها لا تعرف عن أبيها 
شيئًا . رما حين تكبر قليلاً ستّحدثها أمّها عنّى » ستقول لها أشياء 
كنت أود أن أقولها لها بنفسى » ولكن هذه ادوه والحواجز ستمنعنا 
رما من اللقاء أو البوح . يا ابنتي إن أباك ليس القارظ العنزي » سيعود 
يومّاء بكل ما كنت تريدين أن يعود به ؛ بالأمل . با لحب » بالحياة » 
بسب الا خان دو جه سيكون مرفوعًا . في زمن تكست فيه 
الرؤوس حتى لا تقطع » وسيكون صحيح الرّأي والعقل والعزم »في زمنٍ 
صارت الخيانة فيه وجهة نظر!! 


نح (©/008(1م/ 


184 


(YY) 
من سيطعم الضراخ بعحدي::‎ 


لم أستطع النوم تلك الليلة ء اختلطت علي الرَؤى والمشاعرء 
داهمّتّني مئات المشاهد وطيوفها تتتابعٌ أمام ناظرَي . أوجعنى حب 
أبنائي ؛ هل حب الأبناء يُوجع؟! ارتباط الجذع بالجذرء وارتباط الجذر 
بالتّراب ؛ ارتباط مُقدّس » ؛ يُصبح الانفكاك منه مستحيلا 

منذ الصباح الباكر لهذا اليوم ع > والخنازير تتوافد إلى هنا بالعشرات » 
وكذلك القرود . حتى ملؤوا السّاحة عن بكرة أبيها بقاذوراتهم, لا 
أدري لماذا أتوا فى هذا اليوم بهذه الكثافة؟! كنت أسمع عن أعياد لهم 
يُقدّسون فيها نهر الأردن » وأيّام يشكرون الله فيها على أن عبر بهم 
يوشع بن نون التّهرء لم أكن متأكدًا منها تمامًا. هذا ما سمعتّه . أفتكون 
هذه الأعداد الغفيرة حاءت لتحتفل بذلك العيد؟! يه أدري . ولكن 
الذي أدريه آنه أ سوأ احتفال يُمكن أن يتم من مجموعات ما بعيد ماء 
في احتفالنا نحن بأعيادنا » نقوم بزيارة أقارينا » وصلة أرحامنا » ونهئئ 
بعضتا ونشكر الله على الطاعة . هؤلاء الْذين يجيئون إلى هنا أراهم 
يشكرون الله بالمعصية › إنه فجورٌ وفسق ما بعده فجورٌ ولا فق . لقد 
00 ريعي راي كوي لفون E‏ كرك يمعو 
اد ا تر أكشر من العورة الْغلّظة ء إن 
وضع لا يُطاق . ومنظرٌ لا يُمكن الّكوت عليه طويلاً . طلبت من 


185 


القائد إجازة مرضية » كنت بالفعل مريضا جا أشاهد من مناظر يندى 
لها الجبين . أصوات اليهود حتّى في أغانيهم غليظة مُبهُمة ء لا تكاد 
تعرف ماذا يريدون » فقط أجسادهم التي تتمايل هي التي تشي بأتهم 
في عالم آخر . حصلت على الإجازة المرضيّة ء ومضيت مُسرعا إلى 
(إبدر) هاربًا من المنطقة التي لُوَنْتْ بحفلاتهم الإباحيّة كمن يهرب من 
الطاعون . 

غيّرت ملابسي . وجلست مع زوجتي على العشاء . كانت قد 
أعدّث لي كفتة بالطحينيّة » وهي طبخة أحبّها ء أشعرٌ بنهم إلى 
الأكل ؛لكنّني آكُل بصمت ء لم أفتح فمي إلا لقم تتبعها اللّقَمء 
وس ا ٠‏ تقول لي فاطمة : «ما الذي يشغل 
تفكيرك؟» . أنتبه : .. أنا؟ لا شيء» . دلا تُخفي ما اتفقنا على 
يا . أجيبُ بعد أن أبتلع اللثقمة 
الأخيرة : دكل ما في الأمر أن الطبخة طيّبة وأنا منشغل بها وجائع 
جدا» . «أفهم هذا . لكتّني أريدٌ الأمر الآخَره . أهتفُ في سرَّي : «مع 
الزوجات لا سبيل إلى الإنكارء الزوجة مسبارٌ تعرف من حركات 
عينيك » ومن تلفتك » ومن كلماتك المبعثرة وغير المفهومة . والمتقطعة . 
أن هنالة أمرًا ما . وخمياراتك في الفرار من الأسئلة التي تحاصرلة بها 
تكاد تكون معدومة» . تياغتني من جديد : هلم تقل لي ماذا يحدث؟» 
أجيبّها دون وعي : «أيَامنا في هذه الحياة معدودة» . تضع يدها على 
صدرها وهى تشهق : «قل لى بربّك » ماذا تنوي أنْ تفعل؟: . أكذب : 
«لا أريد أن أفعل شيئًا ء فقط قلت عبارة عامّة » وهي صا حة لكل واحد 
فينا كل ما في الامر أنّني أستمع إلى مواعظ الشيخ كشك هذه الأيام 
ومتأئر به جدا» . تصمت وهي غير مُصدّقة . تعد الشاي . أطلبُ منها 


156 


أن نشربه على الستطوح كعادتنا . في طريقي إلى السّطوح على 
الدرجات الاثنتي عشرة أفكر في كل درجةٍ أن أصارحها بالأمر. أتخيل 
نفسي والررّاحة التي تُصيبني حينَ أتخفف من ثقل هذا السَرَ الذي 
يضغط على صدري .ء إنّه لا يجعلني أفكر بدقّة » يشوّشني › » يقلبني 
ويجعلني كمن يسير رأسه إلى الأسفل ورجلاه إلى الأعلى . في 
الدّرجة الأ خيرة أتخيّل نفسي أقف أمامها كإنسان ؛ قرر أخيرًا أن يرمي 
بكل الأسرار تي قله ء ويصرخ : «يا فاطمة ؛ إّها ساعاتي الأخيرة 
معك . لقد نويت أن . : » . ثم تتحشرج الكلمات » وتنغرس في الحلق 
دون أن تتحرّك إلى الأمام خطوة واحدة كما لو كانت خيوطا رفيعة من 
الكتّان قد علقت بكتلة كبيرة من الشوك . أتنحنح . أبلع ريقي . أعيد 
ترتيب الكلمات » أبدأ بنطقها من جديد : ديا فاطمة » بيتي وبين ما 
أريد لحظات قلائل » لا أدري إِنْ كنا سنج تمع مرة ثانية » يا 
فاطمة . . .» ثم تظهر كتلة الصّوف من جديد لتعرقل خيوط الكتَّانَ 
الماضية . أزدرد خوفي ٠‏ وأشد على أسناني » واستجمع شجاعتي » وأنا 
أستوي واقفا على السطوح » وقد برّدتْ نسمات الهواء السّابحة هنا 
أعصابي وألغت خوفي : «يا فاطمة » سأحمل البندقيّة وأ . . .» . ثم أقع 
في الشّرّك من جديد . أصرخ صرخة عالية أفرّغ فيها كتلاً من القهر 
الملتحجرة في جوفي . يأتيني صوت فاطمة وهي تصعد أولى الدّرجات 
إلي من الأسفل : «ما الذي حدث يا أحمد . . . لاذا تصرخ هكذا 
كالمجنون؟!» تحاول أن تهرع EE‏ 2 أكدن من جديد : 
«لقد تأخرت بالشاي . . . هما يا فاطمة . 

لب الذي ا بها ا 


- 
- 


مثل نهر المودة الذى يجري في أرضص قلوبنا ا رشفتّين وأغادر دون 


187 


أسير في حواري (إبدر) بلا غاية » أمضي على غير هدى » أركل 
السماء ٠‏ وأسألها أن تدلني 

آه لو كان الشّيخ عبد الرّرّاق حَيًا » > أو لو أتنى أعرف أين هو لذهبت 
إليه » وكاشفمّه » وقلت له : «يا شيخ ء إنّ أرضنا مُغحصبة > وإ حدودنا 
مُنتهكة . وإ محارمنا مُستباحة ء إتهم يشربون ويسكرون ويزنون 
ويرقصون على تراب بلادنا وفوق أرضنا » وإتهم في فلسطين يقتلون 
أطفالنا ونساءناء ويُذئحون شبابنا » ويعتقلون شيوخنا ء ويُصادرون 
أراضينا » ويبنون مستوطناتهم على قلوبنا » فهل هناك علي من حرج إن 
SIE OE CPE‏ 

r E E 
يعرف من وجومي ما بي > يقول لي بلا مُقَدّمات : «الشيخ تيسير عالم‎ 
وفقيه » ولن حلم إن شاورته » . أخرج من عنده دوت انتظار إلى (إريد)‎ 
وو اوسن ا بر ا‎ 

اح ا اوس ا O‏ ا ا 
وصوح aS‏ بالودو E‏ 
فتواه كلمئّين : «قَثْلُهُمُ واجب» . أعود مرتاحًا وحائفا . هل رأيتم في 
حياتكم مرتاحًا يخاف؟! أنا كنت ذلك الإنسان . وضعتّنى الفتوى أمام 


188 


هذه المشاعر المتناقضة . ارتحت لاتنى سمعت بالنكيل ما كنت أبحث 
عله اوت لار من عشرة انات آخرها :من يط انرا 
بعدي؟ 

عدت في الليلة نفسها إلى (إبدر) » كانت فاطمة تنتظرني وهي 
قلقة . ذهبت إلى بيت أهلي تال عني » قالوا لها : لم يأت إلى هنا 
يزدادٌ قلقها . تود أن تسال في حمأة ة القلق هذا أمّي عن الحلم القديم 
الذي قالت لها EEE E‏ لعلّها تكتشف من خلاله إجابات عن 
الحالة المريبة التي أصابتني في الأيّام الأخيرة › » لكنّها تتراجع » ترى أن 
الوقت غير مناسب . ترد أمّى عليها : «لا تقلقى على أحمد . آنا 
أعرمٌه » سيعودٌ اللّيلةَ إليك . لن يذهب إلى المرّيخ . امهم ما أخبار 
الأولاد؟ انتبهي لهم جيّدًا» . تعود هي إلى بيتنا وأذهب أنا إلى صديق 
الطفولة . أذهب إلى (سعيد) » لعلى أجدٌ عنده إجابة وافية 

أوّل دخولي من الباب » يصيح بصوته الغليظ : #مين؟» 
«أنا أحمد يا سعيد . . . أحمد الموسى» . ينهض من مكانه . يُهرَعٌ إلى 
وهو يحمل في يده أفعى يزيد طولّها عن مشرين . أجفل من منظرها 
الحف . أكاد أصرخ لولا أثني أعالجّ صرختي بابتلاع ريقي . ينفجر 
بالضحك › > يقول وهو فى غمرة ة ضحكه : «ألا تذكر كيف كتا نصيد 
الأفاعي . أنت جرّبت ذلك قليلاً ولم تستمرٌء كنت تصيد الحجل 
والعصافير ء أمّا أنا فتخصّصت بعدك بالأفاعى . كان الأمر صعبًا فى 
اا طرق عدرر نب سعياة :سهد بلدا كين لو كدت 
N N Î‏ ور كن E‏ 
الإمساك بالأفعى من عنقها ونزع أنيابها . اصطياد الأفاعي كان هوايتي 
منذ الصّغر ء ومنذ أن كنت طقلًا لم أكن أخافها ألبتّة . أصبحّت مع 


¢ ام 
ف 


حه 


189 


الرَمن لدي سلطة على الأفاعي »حتّى إنْها أصبحت هي التي تخاف 
0 2 
لي IS o‏ يقة أشدّ عليها من لدغتها المميتة» 
أتذكر أنّ اليهود أفاع وأن صديقي سعيدذ يُمكن أن يُشاركني فيما 
عزمت عليه » أو على الآقل - لكونه ليس عسكريا - يُساعدني برأيه 
E E‏ و ا ل 
انعد و 00 لذا في الشارع؟» اف عن 
أفاعيك . . كم أفعى لديك هنا في البيت» «أكثر من ثلاثين أفععى يا 
خاص بها . . .» . أندهش : «هل تحولت إلى حاو؟! ماذا تفعل بكل 
هذه الأفاعى يا سعيد؟ا!» . «أبيعهاء وأحيانًا أرتيها» «لمن تبيعها؟» 
«الزبائن كثرء بعضها سعره يكفيني مصروف شهر بأكمله» : امن 
يستري الأفاعي في هذه الأيّام يا سعيد الأفاعي تثقتّل ولا اع» 
«أنت لا تعرف شيئًا إِذَا» . «أإلى هذا الحد تغيرت يا سعيد؟» قمادا 
أفعل إذا ذهبت إلى العسكريّة وتركتّني »قل لي ماذا تفعل في 
العسكريّة» . أجيبه بلا مُقدّمات : «أفكر كيف أعود إلى إبدر شهيدا» 
يتنهد . أعاجله : «اصطياد الأفاعي أمرٌ مثير » لكن العيش معهم!» 
يبتسم » يرد : «كيف بك وأنت تنام بين هذه الصّناديق يا أحمد . 1 
لا تتحف . . هيا I‏ هذه الأفعى إلى صندوقها » وأغسل يدي 
وآتيك EI‏ 

أقول له ما عزمت عليه » يضحك .ء يُشجّعني . أسأله : «لاذا 


190 


ضحكت؟؛ . يرد : «توقعت أن تأتى وتستشيرني في هذا الأمر من 
زمان »ء لقد تأخرت» . هلاذا كنت تتوقع ذلك متي؟» . «لأنني أعر قك 
جِيّدايا أحمد. . لقد قضيت معك ستوات الطفولة كلها » وسنوات 
المدرسة التسع › > هل تظن أننى أنسى ء آنا أعرف آتك حرجت من 
انر ع.ووعفلت الك ج عن أجل هذه اللحطة “وقد انظ ها ميك 
طويلاً وقد حانت فلا تتردّد» . «يعني تُشجَعني؟!» «بالطبع يا 
صديقي أفي الأمر شك؟!» . «وأولادي يا سعيد ء من سيتولآاهم بعد 
رحيلى » أخاف من حاجتهم للتاس » إنهم نقطة ضعفي؟!» «الله 
الذي خلقهم هو الذي يتولآهم . وما دامت نيّتك لله فنقَدٌ ما عزمّت 
عليه وتوكل على الله» . «الأمرٌ ليس سهلا يا سعيد» . «آعرف » ولكن 
شرف ما أنت مُقدمٌ عليه لا يحظى به أي أحد . أنت تعرف »لو كنت 
مكاتك لما انتظرت حتّى الآن . رما قدّر الله أبعدنى عن العسكريّة ‏ 
وقدر الله هو الذي قرّبك منهاء وأنت الآن فى قَدَر الله فامض ولا 
تتردد» : 1 1 ۰ 


3 


191 


(CYT) 
الكلمة تقاتل‎ 


عدت من عند سعيد في آخر الليل إلى البيت . تلقتّني فاطمة 
على الباب مُصفرة الوجه «أر ور ع م يد عت 
الدّنياء لا أرد عليها . أتحاشى النّظر في وجهها وأمضي إلى الدّاخل 
تتبعني وهي غاضبة . «الهرب . . . الهرب . EE‏ . هذا ما 
تتقنونه أنتم أيّها الرجال» . أظل صامنًا . «أين كنت؟! لماذا هذا 
ا . أستلقي على السّرير ا زيف أن 
أنقصل عن الواقع بالنوم . تقول لي معلومة كانت تُخبّئها لتخبرني بها 
بعد العشاء » لكنّني لم أعطها الفرصة المناسبة » تُلقي بها في أذني وأنا 
هوي إلى وادي النوم التحيق : «سجلت ۽ آمس سيف الدين بالروضة» 
كأتنى قلت لها أو لنفسى قبل أنْ أغطس : «لقد كبر الأولاد يا فاطمة »› 
وصاروا يحتاجون إلي أكثر إلى جاتبهم» 

استيقظت فى الليل تاتها . استعدت فى ذاكرتى الكلمات التى 
قالها الشيخ بر ويد ا كد الدوافح إلى ما 
أنوي القيام به » لكتني كنت أبحث عن الذافع الأكثر وضوحًا » الدافع 
الذي لا تلوّثه آي ذرة من شك أو ندم » كنت أبحث عن نور الله الذي 
يُقذْف في القلب » فيطمئن طمأنينة لا تشوبها شائبة كان الوصول 
إلى ذلك الشّيء من أصعب ما جرت إِنّه اليقين ٠‏ واليقين لا يُؤتيه 
اللهافن كاف إثة لن أله فة له رضحت عليه حه ترات 


192 


وصلَيِت ركعتّين » نظرتُ إلى فاطمة كان وجهها الملائكي يحوّل العتمة 
إلى نورء والدّنيا إلى جنة . أهتف في سرّي : «هل ستغفرين لي!!» 

يكفي ةشر ة واحدة على التنفيذ ٠‏ وصوت الله سيجعلني 
أختصرها . خاطبني الله بکتابه » كان صوته يرسم لي الدروب كلها 
نت مطمئنا . في الصباح هممت أنْ أصارح فاطمة بالآمر كدت أقول 
لها : «إتني نويت على ٠‏ .» . ثم توقضتء أعرف أنها لن تقبل بذلك › 
ولو وجدت مني محاولات لإقناعها فإتها سزعزغ كياني كله بالآولاد . 
بنا . . . وهذه الآفواه التي لم تتعلّم إلا كلمة (بابا) حنّى الآن » كيف 
سعقول هذه الكلمة ولا تد لها ردا . 8 ۹ كيف سي تيقل هؤلاء 
الأولاد 5 حقيقة أنك لم تع لهم › ولم تعد موجوداء وأنك رحلت 
إلى غير عودة . . .؟!هل يهون عليك تداؤهم : بايا . . بابا . وهم 
يتقافزون حولك . . إنهم سيفتقدونك . . . سيحتون إلى اليد التي 
SS‏ 
التي تعداعى إلى 2 الحالة كلها ر a‏ 
oe‏ اله تأنية6 e,‏ بالتكاء. كانت هذه الجملة 
الأخيرة كفيلة بأنْ تُفجّر ينابيع التَفجّع من عيتيها » صارت تقول وهي 
تنشق : «ماذا ستفعل بنفسك يا أحمد . . .؟!! أنا كنت حاسّة أتك 
تنوي على شيء ما» . أحضئهاء أهدّىئ من رَؤُعهاء أقول لها «إته 


193 


مجرد حلم أنا مثل أمَّي . كثير الأحلام » إنه مجرّد حلم يا فاطمة . 
وأنا سائق كما تعلمين . ويُمكن أن يحدث معي أي شيء » حادث 
يراكلا ارغ اكيت لى الإجابة : خم ها ء أكاد آبک 
مثلّها » أضعف أمام طوفان الرّحمة الذي يغمرنا ء أتركها في غمرة 
بكائها » وأخرج . أتوجّه إلى بيت أهلي » أودع أبي وأمّي . لا يعرفان 
هما الآخران شيئًا . يقول لي آبي عظة جديدة من مواعظه التي يتحيّن 
كل لقاء بيننا ليقولها و ف اعد مرخ أن عسي کا 
كما تريد . إِيَاكَ أن تسترضي آحدا في مسخخطة الله > كل للحظة هي 
اختبار» وکل اختبار هو اختبار للصّبر في ذاته » فاصيرٌ ليمرَ كل َر 
وعن قريب » سيطمر تراب الرّمن كل شي ء . وکل شيء سينتهي » إلا 
لدعرى الطب يشيع ين لك الكراب كما لو كانت ربق دأت اغطار 
فواح لا ينتهي عبقه مدى الزمن» . لا آدري يا أبي لماذا تقو ل ذلك الان 
لي » وماذا تقصد به؟ لكنْ على عيني ورا سي يا بي » حاضر 

أستقل الباص المتوجّه إلى (الشونة الشماليّة) » أحمل في جيبي 
مُصحفا » وبعض الأشرطة الدّينيّة . أكثر ما يُميّز الياصات والسسّرافيس 
هو صوت الغناء الصّاخب الذي تقذف به السمّاعات مثل القيح في 
آذان اركاب » صححبٌ وضجيج » وتطبيلٌ » وزمرة » كل هذا موجود ء أما 
المفقود فالكلمات التي تحمل معنى كان السّائق يضع أغنية فكرت 
أنها لعلم فاشلٍ تحوّل من التَعليم إلى الغناء الأفشل لأن كلماتها 
كانت تقول ك . جيد . . جيّد جدا . .© إي والله . 
هذه كلمات ا ع ا كان هذا المغنى الفاشل 
حلت قات اقل أن بغر كه مدهنة ا نىك 9 برد فى 
كلمات الأغنية الألف كلمة «متاز» واحدة!! تحولت هذه التّرّهات إلى 


194 


ترّهات -حديلة ء إد صارت الستماعات تة تقول على لسان مُغن آخر يدو 
انه كادم من البسطرمة : «بيني وبيتك خطوة ونص ' لا ْتَكَلَم ولا 
بتبْص؛ لعي وو OE E‏ 
طت مت لأ شع في اأسجلة رطا من الأرطة قبي سمي 
ا ON TT‏ 
بوصلة قلبي متّجهة إلى الفعل الذي نويت أن أقدم عليه كنت أعرف 
أن الكلمة تحمس . وأنا من التوع الذي تلين قلوبهم للكلمات » وتؤثر 
SS E SS E‏ ل 
7 ا برا الكلمة تحير 1 العزائم ا ا 
E E‏ 
ج 

وصلت إلى الباقورة ظهرا » وفورًا غيّرت ملابسي . وطلبت من 
القائد أن أستلم الدورية كالمعتاد » كنت مُتحفرًا جداء ومستقزاء 
وعشرات المشاعر المتناقضة توح في علبي راحم باللحظة المناسية ‏ 
الخطوة الأولى أن أقود سيارة الدورية » ومن هناك :2 7 تصبح الرؤية واضحة 3 
ويُصبح الهدف في المرمى . لكتني فُوجشت ت أن قاد السَرية ة يطلب مني 
أن أكون سائقه » لذن سائقه قه المخاص كان قل أعطي إجازة لحظة وصولي 
إلى هنا . انزعجت جد من الأمرء وفكرت ة فى أن هذه أولى العراقيل 
في سلسلة طويلة ربّماء ومَنْ يدري قد يكون الله يُريد أن يثنيني عمًا 


195 


أفكر به » لكنّني تراجعت عن هذا التّفكير الآثم » وقلت : إن ما حدث 
لم يكن إلا من الشيطان ‏ لم يكن بوُسعي إلا أن أرضخ للأمر » لكتّني 
سألت قائد السريّة عن الفترة التى سيظل فيها سائقه ثقه مُجارًا » فقال لي 
إنها خمسة يام . وبالفعل بيت أسوق بقائد السسّريّة خمة آيام : ثُمَ 
في اليوم السّادس عاد السائق من إجازته » واستلمت أنا دوريّتي بشكلٍ 
كان دوامي في الدوريّة المتنحركة ست ساعات »ليها ست 
ساعات استراحة يتولى القيادة أثناءها شخص آخر »في اللّحظة الى 
كنت أهمّ فيها باستلام نوبتي طلبت من خازن الأسلحة أنْ يُعطيني 
يُندقيّة ء. فرفض!! قال : «أنت سائق › والسائق قى لاا يحمل بندقية» 
آجبتّه وأنا أنوي أن ألكمه على وجهه فأهشمه : «ولكتنى أحد أفراد 
و ب ان کو اة رد کا كان ن ا 
سأقول له ذلك : «العنصران اللذان يكونان معك يحمل کا 
منهما بُندقيّة . أمّا أنت فلا» .لم أقل شيا كان افتعال المشاكل 
سيّفشل كل شيء . حرجت حزيتًا وغاضبًا . قدت الدورية على ضفة 
التهر . كان كل شيء وادعًا لا شيء يبعث على الرّيبة أو الشّك . لم 
يزر المنطقة أحدٌ من اليهود في ذلك اليوم . رحل النهار على خير . وأتى 
اليل » وفي الليل أرق طويل » وتفكيرٌ لا ينقطع » وظل أمر الحصول على 


ہے 


بتدقيّة في اللحظة المناسبة يۇرقني 
في اليوم التالي » فى ۱۹۹۷-۳-۱۱ كان مجلس الأمن منعقداء 
ف ألا إصدار قرار بمنع اليهود من بناء مستوطنة في (جبل أبو 
غنيم) ء وكان 0 يصوت لصالح الفلسطينيين با يقاف قرار بناء 
المستوطنة » ولكن الفيتو الأمريكي كان جاهرًا e‏ 


196 


وسيدتها (إسرائيل) . وبالفعل أفشل قرار إيقاف بناء المستوطنة › 
ومضت إسرائيل في بناء المستوطنة التي تبتلع من أراضي القدس ما 
يحولها إلى أفعى نهمة » وشعرت بضيق في الصّدر ء وحزن عميق . 
وعضب شديد › وکان تصويت أمريكا في الجلس دافعًا كبيرً؟ لي كي اَم 
ا :ورت أن الله تتح لي الطريق من جديد وأ شدي 
فنيت قئ الليل أن تشل يد أمتريكا الى زفت بالف جرفي 
التّصويت » أمريكا التى تدّعى الحريّة وحقوق الإنسان »ء كلما تذكرت 
تمثال الحرية رافعًا يده بالمشعل أعرف أنهم كذبة 6 وأن دولتهم المتتجبرة 
المستكبرة في الأرض هي الأولى في قمع الحريّات » وفي تهب خيرات 
0-6 > وفي احتلال البلاد الآمنة › وإثارة الفتن والحروب فيها 
5 ( وأنا أغني امات حماسة > و کان معي في الدورية تسيل 
(مجدي) » كانت الشّمس قد ارتفعت في المسّماء » وكنا منذ الصّباح 
قد أفطرّنا » وشرينا القهوة . ودخحتا سجائرنا » وتمركرّنا فى الدوريّة فى 
الجزء التهاري في منطقة برج العلم . وهي السّاحة التي ينزل فيها 
السيّاح . فى العاشرة » تهادى باص من بعيد . عرفنا أتهم سسيّاح يهود 
الخازن لم يُعطني بندقيّة ؛ ومجدي تتريّع البندقيّة على كتفه » كنت 
أنظر إليها كحبيبة باعدّ بينننا الهجر والفراق . وصل الباص المتهادي , 
ونزل منه أكشر من عشرة ة من الرجال والنساء ء وبدؤوا فظائعهم . » راحوا 
افرق ور ة دوت ويشرون PE‏ » فجأة أشاروا لناء كانوا يقولون 
بإشارتهم أن انضِمُوا إلينا » تشجع (مجدي) للأمرء وراح يُصفق على 
إيقاع أغانيهم وحركاتهم الفاضحة › فزاد ذلك من تشجّعهم › فأشاروا 


197 


إليه أن هيا ماذا تنتظرء وهم (مجدي) بالفعل أنْ ينزل من الدوريّة › 
ويختلط بهم › ويغني معهم . ويسكر . فجن جنوني » كان قد صارت 
رجلاه على الأرض يستعد للمشي باتجاههم » حينما نزلت من السيّارة 
والتففت حتى صرت فى مواجهته »> ووقفت أمامه كالحخائط الأصم 5 
ومنعته من أن يخخطو خطوة واحذة صرحت بصوت حاولت آل 
يسمعوه : «هل أنت مجنون » ترقص مع اليهود» «دقائق يا أخي » قليل 
من الخمر يُفرح القلب» كان يبدو أنه لم يُقم لغضبي وزنا » وظن أنني 
أمزحٌ معه » دفعتّه من كتفيه بكلتا يدي حتى كاد يقع على الأرض » 
وصرخت من جديد : «لن تفعل ذلك وأنا موجود» . تراجع عندما رأى 
الجدّيّة في عيتي . عاد إلى موقعه في ظهر الدوريّة » وعدت إلى مكاني 
خلف المقود ووصلت قهقهائهم إلينا مختلطة بصخبهم الذي كانت 
a e‏ تق على هذا الفجور »لم أحتمل أكثر » 
ره ا كانوا قد آنهوا حفلتهم 
في تلك الأثناء » لكن عددا منهم وهو يُغادر راح یستهزئ بنا » ويصنع 
أشكالا من الحيوانات بيده »ليقول ا إننا -حصير ودواب ع وهو يلنفجر 
بالضحك . وكنت أنا أنفجر من الغيظ › وكان هذا الموقف قد رسخ لدي 
القناعة آنه يجب أن أنقذ العمليّة فى غضون 74 ساعة » لان الدوافع 
لها كلها قد تشككلت ء ولم يبق إلآ أمر حصولي على بندقيّة ولو بالحيلة 
أو بكسر باب مخزن الأسلحة الموجود فى التقطة 

قال لي مجدي بعد أن غادروا : «لماذا طلبّْت متي السّلاح يا 
أحمد؟» . كان سؤاله ينضح بالشّك ء أجبمّه لبعد من رأسه ما يُفكر 

: «لقد طلبت منك البتندقية قيّة لأشاركهم فرحتهم باطلاق الرصاص 


198 


في الهواء » لقد كان علينا أن نزغرد معهم» . بالطبع لم يقتنعْ » لكدّني 
كنت أحمى نفسى بهذه الكلمات فيما لو وقعت المساءلة . سألنى من 
جديد : «وهل كنت ستفعل ذلك حَقا؟ أنت الإنسان الملتزم بالصّلاة لا 
صدق أنه يُمكن أن يقوم بذلك» . أجيته : «لكتني إنسان » من لحم 
ودم » ولي مشاعرء ألا يمكن أنْ يطرب القلبُ مرة . مرّة واحدة يا 
مجدي »ألا يمكن أن يفعل الإنان ذلك» كانت الشكوك قد بدأت 
تتصاعد في المكان . وكان کي الرملاء قد بدؤوا ينظرون إلي 
وكأتني ا أمرًا مدا لا ندر کون كيه . وكان إتمام التنفيذ قد صار 
واجبّاءوحتميا »قبل أن تهب رياح عاصفة فتهدم كل شيء 
وأقسمت فى تلك الليلة على تنفيذ العمليّة غدا » وكان قسمى من 
الصّدق إلى درجة أنّي شعرت بحرارته » بعد أن غادرت طيور الشّك 
قلبي بعد ذلك القسّم تاركة سعة في الصّدر وراحة 


199 


(5؟) 
هناك نهر مثل هذا التهر 


مر ليل الأربعاء يطيئًا . هتفت في سرّي : «القلقّ أكثرٌ من الذباب 
في هذا العالم »لك الرّاحة هناء . وأشرت إلى قلبي . «ولكنْ ما نَفْعٌ 
هذا إذا لم يكن هذا مرتاحًا؟!» وأشرت إلى رأسي لا تَبْعَ فى الكون 
يشرب منه الئاس فيصابون باليقين ‏ لا يد من الشك فى كل شىء! 

كنت اعم سد حلول هذا اماه لم ا أكقرمن ساعن بده 
انتهاء دوريّتي . أعددت آنا الشاي والقهوة لزملائي » وقدمت لهم 
الأكواب بنفسي » وضحكت معهم على العّشاء » حتى ظتوا أتني 
شخص آخخر . قلت لهم وهم يلتهمون كل ما في الأواني من طعام › ولا 
يُبقون شيئًا : «يدو أن المثل الذي يقول : (لقمة هُنيّة بتَكَفى ميّة) لا 
يصلح هنا» . ضحكوا قفنت وأعددت لهم مزیدا 9 الطّعام » وأنا في 
حالة عجيبة من النشوة . 

منذ أمس ء وأنا أردّد القسم كل دقيقة عشر مرّات : «والله العظيم 
لأنفذ العمليّة غدًا . والله العظيم لأنفذ العمليّة غدا» . واليوم منذ 
الرابعة مساء كنت أسأل عن المسؤول عن مخزن الأسلحة ء قالوا لى إِنه 
قد تغيّر » ون المسؤول الأول الذي خدم هنا أكثرٌ من سنة قد تُقل إلى 
ثقطة حدوديّة أخرى . فألت إن كانوا قد بعثوا بمسوؤل آخر عن الخزن 
بدلا منه » فقالوا لي : لا . ولكنّ مأمور المقسم يحل محلّه ريشما يبعغون 
لنا مسؤولاً جديدا . صنع ذلك انشراحًا كبيرًا في صدري . خطوت 


200 


خطوة حاسمة في الاتجاه الصّحيح . قررت فجأة أن أصمت . أن أتوقف 
عن الحديث مع : الزملاء من ساعة بدء استلام عملي على الدورية 
العيون تفضح فكيف بالكلام سامت كمااضصدت زكريا ج ارق 
بالخير كما رزق . لكنني بيني وبين نفسي > ومن دون أن أحرّك شفاهي 
كنت قد أقمتُ القسم أكثر من ألف مر ة!! 

العو إلى 0 ل 
ات لى كتير . e‏ 0 . والمعاني الُستغلقة . الاستماع 
إلى القرآن في وقت الحاجة له طعمٌ آخر » تتعلّق به كل الجوارح 
اأضطربة الباحئة عن الاطمئنان . وتهفو إليه القلوب المنكسرة الباحثة 
عن الأمان » وتتبدى لك معان جديدة لم تنتبه لها من قبل » مع أتك 

کان وقت a‏ الم قل حل في لحان تقريبًا . جاءني 
زميلى (فلاح) ليحل محلي . منذ ثلاثة أيام e‏ أن والده مريضص 
وأنه يحتاج إلى أنْ يكون جاتبه . رأيته اليوم متكسرًا » عرفت أنني 
سأجد عنده ما أريد » وسيجد هو عندي ما يُريد , أخبرئه بشكل 





صريح : «والدك مريض » وهو بحاجة إليك » وإذا لم نبرّ آباءنا الآن 
فمتى نستطيع؟ » . برقت عيناه » لكنه سألني بلهجة حزينة : «ليتني 
أستطيع أنْ أكون معه في هذه اللحظات» . فقلت له بثقة : 5 «تستطيع» 
فسألنى محتارًا : «ولكن كيف » والآن هو دوريّتي؟» .قلت له «أنا 
ا مكانك؟» . فسألني مستغربا : «وهل عط ا أنت 


في العمل منذ ست ساعات» . «بالطيع يا صديقي » اذهب وكن إلى 
جانب أبيك . اطلب إجازة ولا تتأخر عنه أمّا هذه السيارة فأقودها 


201 


آنا في وقتك» . قال : «ولكن ذلك يعني أن تظلّ ساهرًا طوال الليل › 
وهذا يُتعبّك كثيرًا ؛ لأتني لن أتمكن من العودة قبل غد» . أجبته ولا 
تهتم » فأنا متعود على السسّهر يني عله سي 
إلى هذه الإجازة» . كادت عيناه تدمعان من الفرحة »قال لى : 
ا د اي و 
الإعدادي : ولا و العغرف بين الله والنّاس» كانت فرحته كبيرة » 
اتصلت آنا بنفسى بقائد السريّة » وطلبت منه إجازة » قلت له «زميلى 
فلاح بحاجة إلى أن يرعى أباه » وإذا تكرت عليه بإجازة فسأسد أنا 
مكانه حتى يأتي» اائلات يست إن اشن الى على نا ا لهاو 
4 ساعة متّصلة . حدّثت نفسي : لکن هذا ما كنت أريده حتى 
أحصل على صيدي .ء لا تني لا أدري باي الاعات الست يُمكن أن 
أظفر بهذا الصّيد . أضفت لقائد السّريّة : «إنني أفعل ذلك من أجل 
حالة إنشانية » ولن يتأخر فلاح في إجازته عن يوم واحدء إنه يسكن 
في المنشيّة وهي قريبة من هنا» . كان كلامي مُقنعًا لكنه لم يكن 
قانونياا» واف القائد على الطلب . وسرعان ما كان (فلاح) يغادر المكان 
فرحًا » وأنا استلم كامل وقت الدوريّة حتّى أحقق ما نويت عليه 
عدت إلى صَمّْتي . المرافقان اللذان يُرافقان الدوريّة معي يسألان 
عن حالة الخرّس الُفاجی الّتی أصابتّتی › فأقول : «ستعرفون کل شىء 
فى وقته» » فيزداد EEE‏ 2 على أشرطة القرآن ء ال 
الدَينيَة تصدح من مسجَلة السَيّارة » كان الظّلام قد غطَّى كل شيء ء 
وسكن معه كل شيم . كنت أحاول أنْ أشحن عاطفتي من خلال ما 
ET‏ و . يسألني زميل آخر : «لم كل هذا 


المت :يا ا ةة اه إحانة تة :وإ الليل وأنا أحب أن 


202 


أختلي بنفسي فقط » وغدًا ستعرفون كل شيء, . وأرجوك لا تسألني مرّة 
ثانية » واشتغل بنفسك فهو أفضل لي ولك» يسكت على عفهن» 
وينسحب من الحديث > ليمارس هو الصّمت مثلي . أوقفت الكيارة سد 
الثّامنة مساء حتّى العاشرة ليلا أربع مرّات . كنت أنزل منها » وأصلي 
بجانيها . في السنجود كان يتناهى إلى سمعي خخريرٌ التهر قادمًا من 
الغيب » كانت وشوشمُه تبعت في الرّاحة » بدا أنّ أخوّتي للتّهر قدية 
جدا 

في الثانية عشرة نياك تفت سقط رأسي على المقود في حركة, 
خاطفة » انحرفت السّيّارة عن مسارها » هَرّني زميلي الذي يجلس في 
الخلف » أيقظني من غفوتي المفاجئة » قال لي : «أحمد . . . أحمد . 
انتبه . . . انتبه إلى السَيّارة » كدت تهلكنا» . أنتبه بالفعل فأرى سوادا 
يُخفي كل شيء . سألني من جديد : «هل تريد النوم؟» . أجبمّه 
«نعم؟ ولكن مَنْ يقود السَيّارة؟!4 . أجابنى : «أناء فلدي رخصة 
المنبعث من المسجل حتّى لو غت . مدّدتْ جدي قليلاً في الكرسي 
الخلفي وغت ساعة ونصف . صحوت على صوت تبديل الورديّة كان 
زميلان آخران يستلمان » سألتهما إن كان أحدهما يستطيع قيادة 
السيارة حتّى أنام ساعة أخرى » فأجابني أحدهم : «تعمء أتا» ت 
وأتا أشير إليه بيدي طالبًا منه استلام المهمّة ؛ ٠‏ مبتلعًا نصف الجملة من 
شدة التماس:والتسي": وداد التتارة انك وانفظى بعد ساغة ا 
التوم إلى قفيره . 


صحوت بعد أقل من ساعة مفزوعا على صوت ارتطام الميارة 


203 


بشجرة نخل مُجانبة للطريق في إحدى البّيارات » كان ارتجاج السيّارة 
قويا لذرنجة ا استيقظت. وأنا أقول : «يم الله . . بم الله .ماذا 

حدث؟» . قال لي السّائق وهو في حالة دعر : «لقد صدمت التخلة › 
لم أرها» . نزلت لأتققد الأضرار »لم تكن الأضرار كبيرة » فقط كان 
الصّدام الأمامي للسَيّارة قد انبعج قليلا . اطمأننت ؛ كنت خائقا أن 
تكون الأضرار كبيرة » ويتعطل عمل السسيّارة وندخحل في تحقيق وأسئثلة ‏ 
ويضيع علي صيدي » قلت لذي صدم السّيّارة : «لا مُحدّث أحدًا با 
حصل » واعتبرٌ أنّ الأمر لم يحدث من الأساس » وفي وقت لاحق آنا 
مأتديّر الأمر فلا تخف» . نزلت كلماتى عليه بردًا وسلامًا > كان خائفا 
من الساطلة وتال ااا مم الام راراج عقيراء لحتني أخذت 
مكانه » وأرجعته إلى صندوق السَيّارة خلف الرشاش 

قدت السسَيّارة على الشريط الحدودي المسموح لنا في عتمة هذا 
اليل ريّما لساعمّين أو أكثر لا أدري » كان وقتُ الفجر قد اقترب . 
يدرت أ إذان الفسر تي نوع يعد سفت باع . السحر ساحر . ظلمته 
رغم خُلكتها إلا أنها تزيل عنك تعب الدّنيا وأوضارها . ترتقي بك كما 
لو كنت ريشة بيضاء يجذبها غمام السّماء إلى الله . صمت ونقاء لا 
صوت إلا ما يقوله الله فيك . ولن تسمع ذلك الصّوت الإلهي إلا إذا 
كنت قد تبردت من ذاتك ووهبته جوارحك مّصغيًا إليه يكلك . 
أوقفت السسّيّارة ونزلت إلى التهر . . . تهاديت وأنا أسير نحوه » مشى هو 
الآخر في مسيره التَارِيخيَ إلى أحلامه وهو يتهادى إلي كتا مُقبلين 
ا 

عن لبت ولحي به ل ثقت منذ أوّل يوم جائت فيه إلى هنا . وصل 
إلى صوت خريره التاعم » برودة اجو المحيطة به أيقظت في روحي 


204 


أشجار الحنين . نَسّمات الهواء المنعشة تحتضنني ٠‏ تمسح برقّة على 
وجهي . رأيت فاطمة . تحمّدت خُطاي . كان سيف ونور يمشيان خلفها 
وهما يقفزان جذلين بصوت التّهر وطراوة العُشب » وبتول تستقرٌ بين 
يديها وهى تلعب بطرف الغطاء المنعقد بين يدّيها الصغيرتين!! ١لماذا‏ يا 
فاطمة ناذا ا . لماذا أتيت بالأولاد يا فاطمة ...ألا 
يكفى ما أعيشه فى داخلى ايها الغالية . .؟! لا أريد أن يقضم قار 
الخوف من قلبي » علي أن أظلّ على ما غادرتُك عليه › قويا » صامدا » 
ومالمًا باليقين روحي .أرجوك لا تظهري لي قبل أن ألتقيك 
هناك . .هناك نهر مثل هذا التهرء مَنْ شرب منه لا يظما أبدًا » 
فأجَلي موعدنا عنده ‏ إن الفارق الرّمنىّ بين الموعدين عشيّة أو ضحاها . 
فاصبري حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا» . ابتسمت حين سمعت 
كلماتي وذابت في التيم العليل هي وسيف ونور وبتول كأنها لم 
تكن . ظهرت أمّى مكانها . نفضت رأسى › فتمايلت . يبدو أن تعب 
اللا وسور قد 1 على ها ارس هل هله ال وان ی ا 
قعلاً آم بسبب الفارق الرّمني الذي يتضاءل بيني وبين قڌري 6 
سيري إلى التهر . نادتني . التفت خلفي » فرأيتها ا فى بال 
تقف مثل نخلة صابرة » قالت لي : «آلا إن أولياء الله لا وف ف عَليهِمْ 
ولا هم يحْرْنُونَ» . قالنّها بصوت الشيخ عبد الررّاق . لا بد أنني أحلم . 
كيف أحلم وأنا أسمع وأرى وأقف على بعد خطوات من النهرء وصوت 
خريره يصلنى صافيًا كنجمة فى الليل . «إنّه التعب . .إِنّه 
التّعب . . .» . هتفت في سرّي : هلا بدَ أن هذه التهيّؤات من تعب 
الليلة الشديد . أمّي في إبدر وكنلك زوجتي وأولادي » أنا هنا على نهر 
الأردن » أستعد للوضوء من أجل صلاة الفجر» . نقفضت رأسي من 


205 


جديد » التفت مرّة أخرى خلفي » كان طيف أمّي قد ذاب هو الآخر 
بين الأشجار! 

من بعيد كان أحد زميلي الجحالسين في الدوريّة يُدحَن »عرفت 
ذلك من ضوء السيجارة المُشتعلة في الظلام » كانت تلمع كجمرة في 
عين أسدٍ . مشيت الخطوات القليلة المتبقية إلى النهر فضي على 
متفهيه :كات المام رك قسن قن ر ا اوقلع كط و 
اتات قوع ا زل سام في قلت الا مان التجريادة 
بالقدوم » ولهذا بدأ معان التجمات المتراقصة على سطح الماء يخفت 
اا ا ة صغيرة » رميتّها في التهر › ؛ فتجعد وجهه 
قليلاً » نّم ما لبث أنْ عاد إلى نعومته يثرثر كأنّ شيئًا لم يحدث . 

لم آتوضاً اء منعش مثل هذا في حياتي » كأن الماء كان يُهدَئْ 
من كل ما هو ثائرٌ في . ملأت يدي به » ورشقتّهما على وجهي 
فانت* نتشيت » ثم ملأتهما من جديد » ورشقت وجهي ثانية » كنت أحس 
بمتعة غامضة في كل مرّة» فعلت ذلك أكشر من عشر مرّاتٍ ثم 
أقمت الوضوء » قمتُ فسكبت كقّين من الماء على رأسي ولتت ب 
ا ا اا ی د ا 
وللروح نقاءها 

صليت على العشب » كان سجّادة الأرض الأروع . لم يُصل أحد 
من زميلي معي » لديهما إجابات جاهزة في كل مرّة : «نحن في مهمّة 
الحراسة › وفى واجب و > وعلينا ألا نغفل لحظة» . أسخر من 
ردودهم الجاهزة في سري ١:‏ : لا تريدون أن تغفلوا لحظة واحدة 
كأنٌ مدافع اليهود ah‏ وصواريخهم تقصفنا بشكلٍ متواصل » 
وكأنهم و في الوقت القصير الذي نؤدي فيه الصّلاة بعت رن تف 


206 


أراضينا . أتبع مُستهزئًا في سرّي : «إنهم يعتبروننا أبناء عم » ومصيرنا 
واحد ومشترك » فلا تخخحافوا يا جماعة من هذه التاحية» 

في في التجود . سجد الكون معي › كان يعبد الله كما لا نعبد» 
ويعرفه كما لا نعرف » قليلٌ من التّماهى مع الطبيعة يكشف لك حُبّها 
الفطري للخالق . قمتْ فقامت معى الاشجار » ركعت فركعت معى 
الظلال » رفعت يدي إلى الله فرفعت الكائنات قبلى يدّيها شاكرة على 
الوجه الذي يكون عليه الشكر الق . سلّمتُ فسلّمت علي ناث 
الفجر » وشقشقات النور القادمة من الشرق » وزقزقات العصافير الغادية 
من وكناتها إلى أرزاقها المقدورة في هذا الفضاء الرحب ء لا بُدَ أن الشْرّ 
جاء إلى الأرض بعد خلق الإنسان ء وإلاً فلماذا لا کون شر إلا ويكون 
هو مصدره وآلته؟! 

طلبتُ من زميلَيَ أنْ يقودا الدوريّة بشكل معتاد حتّى أنهي 
صلاتي » نصف ساعة أخرى وينتهي كل شيء أقول لهم . نصف 
ساعة وتنقلبُ عقارب السّاعة . أجلس أمبّح الله بعد الصّلاة حمَّى 
طلعت الشّمس كان نورها في أوله » حجولاً » وخحفيقا آتيا من بين 
الأشجار وادعًا , يقول للئّاس انهضوا إلى أعمالكم » فقد مُسمت 
أرزاقكم كما قسم الله لي البهجة . أصلي صلاة الاستخارة مرّة أخرى . 
أطلب من الله شيئًا واحدا : «إذا كان فيه الخير لى › فلا ترنى سواه 
حنّى أقضيه» . أعود إلى الدّوريّة أقودها . الساعة + EYE‏ 
صباحًا . إنه موعد تبديل المتاوبين على الدّوريّة . منذ أكثر من 
عشرة ساعة وأنا لم أبدل عملي E Er Rar‏ 
aE‏ ال ل Ek O‏ ا 


207 


فيه + واه اة إلى ال اة انكر عليه لك راط مه ميلا من 
0 / . 

أتوجّه بالسّيارة إلى مركز التقطة » يُبدَل عسكريّان فيأخذان مكان 
الرَميلِين السّابقين » وأبقى أنا أسدٌ مكان زميلي (فلاح) » أطلب من 
الرَمِيلِينَ الجديدين أن يُمُهلاني أقل من ساعة أذهبُ فيها إلى قيادة 
السّريّة » أتناول إفطاري ٠‏ وأحلق ذقني » وأعود إليهما سريعًا » يوافقان 
بلا تردد القد اهبر قاب قوسن أو اد عن عقن الل 


208 


(e) 
e 


دخلت إلى المنامات » خلعت بدلتي العسكريّة » وتوجّهت إلى 
المطبخ ١‏ » تناولت فطوري وأنا أشعر بغربة عن المكان وساكنيه ٠‏ أشعر أن 
روحي تلق في مكان آخرء أهتفُ في أعماقي بتوجّس : «هل أنا فعلا 
اجى إلى هذا المكان؟!» أنهي فطوري بسرعة قبل أن يسمع أحد 
صوت أفكاري 3 أغادر إلى اللمافات 5 أرغي ذقني بصابون الحلاقة » 
أفركها جيّدًا , أنظر إلى وجهي في المرآة » بدوت رجلا ثلجيا . أجرر 
شفرة الحلاقة على ذقني » أكشط الرّغوة ومعها الشعرات التابزات » أكرر 
لا ا ا اب 1 
انفئأت من جراء 0 الحلاقة عليها » يسيل خيط من الدّم 
الجرح > وأشطف وجهي بالماء » أتشقه i‏ الُلقاة على كتفي ¢ ار 
قليلاً من الكولونيا > أضع فوق موضع الجرح لاصقة صعيرة . تقول لي 
فاطمة «عريس ...ما أجملك!!4 . اجيمها: وإنّه قفعلاً عرس > 
وسيكون مشهودا» 5 ألتفت حلفي 3 أسمع صوت أقدامها وهي تُغادر 


209 


الحكان ؛ «هل كانت حقا هنا؟!» 00 الجواب » لكي متعة المسؤال لا 
تمنعني من أن ألقيه ولو على نفسي . أبتسم . «الموت ت ليس انتهاء » إِنّه 
التفاف إلى الجهة المقابلة » من لال الالتقاء بالاحبّة الذين طال 
غيابهم على الضّفة الأخرى!» . 

أعود إلى المنامات » اليبس تدلة عسكرية جديدة > نظيفة نظيفة ومكوية › 
كنت قد أعددتها لهذه اللحظة > على أن أكون جنا . الأناقة تعني أن 
عمليّتي يجب أنْ تكون أنيقة كذلك . أدور حول نفسي ٠‏ أنظر إلى 
المرآة ء أصلح ياقة البدلة العُليا . أميّر يدي على شعري » أعيده إلى 
الوراء في حركةٍ أرستقراطية ٠‏ أشة (القايش) على وسطي . أتأكد من 
ذُعان بسطاري » أر ل اق الطويلة على ساقي » أقف وأعيد النّظر في 
المرآةء أضع التظارة الشمسيّة على عيني . أبدو مثل کوماندوز حقيقي 
أقول بصوت خفيض : «أنا جاهز» 

أذهبُ إلى مُستودّع الأسلحة » أعرفُ أنّ خازن المستودع ليس 
موجودا » وأن مأمور المقسم يحل محله » تصقر أوّل ما يراني » أسأله : 
«هل أبدو لائقا بعروس؟» . يصدمه السّؤال . يكتفي بهرٌ رأسه . أطلب 
منه بشكل طبيعي : «بندقيتي ايها الصّديق؟!» . يتردد . يألني 
والشك يبرق في عيئيه : «وهل مسموح للسائی أن يحمل بندقيّة؟!» 
E‏ بشقة : : «بالطبع» . يسألني بدرجةٍ خف من الشك دين 
يحمل السائق سلاحًا؟» . أجيبه بثقة بثقة أكبر من الستابقة : «لقد صدرت 
أوامر جديدة بذلك» وأسأله بنغمة تطفح بالعتاب واللوم : «أللا 
تعرف؟!» . ينحرج » يفتح الخزن » أمرر يدي على البنادق جميعًا » إنها 
كلاشينات حديئة » أكادٌ أقبّلها بندقيّة بُندقيّة » أتوقف فى المنتصف › 
أقول كمن اهتدى إلى حبيبة تاه عنها اسن عرزن لهند دعل 


210 


بندقيّتي» . يناولني إيّاها . أقف متصنعا انتظار الجزء الآخر من تسليم 
السلاح ١‏ يسألني بريبة «وماذا بعد؟!» . «الرصاصات يا عزيزي . هل 
تظن أننى سآخذ البندقيّة فارغة » إذا كنت بالفعل تظن أثنا نحمل 
البنادق فار غة-فأنت إِذَا جديدٌ على الصّنعة كلها ء البندقيّة الفارغة 
ليست أكشرٌ من عُود حراثة!! ماذا أفعل بعود حراثة يا صديقي!!» 
يسألنى وقد هزه استفهامي » وشعر بضعف حين أحس أنه يستلم هذا 
الموقع لأول مرة في حياته : «أين هي الرصاصات لأعطيك ما تريد؟» 
أجيبه برفق : «لا عليك »آنا أعرف مكانها» . أدور خلف صف البنادق 
إلى صف (الباغات) » آخد سبح باغات بحمولتهن كاملة » كل باغة 
فيها ثلاثون رصاصة . أخرج مزهوا » في جعبتي مئتان وعشر رصاصات 
بالعدٌ والتمام . ينظر مأمور المقم إلى كأبله » أربت على كتفيه 
بيُمناي » أتمنى له يومًا سعيدا » وأغادر وأنا أكاد أرقص من الفرحة 
غَدَدْتْ الخطا إلى الدوريّة ؛ إتها سيّارتى » وأنا سيّدها وسيّد 
اللحظة الآنء جلست في صندوق الدوريّة الخلفي » أفرغت الباغات 
الستّبع من الرصاصات المحشوة » وفردت مقتين وعشر رصاصات على 
الأرض . وبدأت أعدها من جديد » كانت كل رصاصة ترفع منسوب 
سعادتي عشرة أمتار » وصل منسوب السعادة عندي إلى القمر > بعد أن 
تأكدت من عددها » رحت أفرز الرصاصات المستقيمة من ۰ 
الح بها اعوجاج » الرتصاصة الملتقية كالصراط المستقيم تصل 
هدفها بدقة وبسرعة » أما الرصاصات المُعوجمّة فهي كالرقاب 0 1 
ترى بشكل صحيح , عددت مني رصاصة مستقيمة قاتلة ء ولم يكن 
هناك لحسن الحظ إل عشر رصاصات خحاطئات » وان كن قادرات حتّى 
هذه العشر على إصابة طرف الهدف إذا كان واسعًا » كأنْ يكون مجاميع 


211 


يشريه متوزعة على بنضاحة ‏ عريضة من لكات .ركض تلبى ]ماني وخر 
يُغْنَى . أعدت الصاصات ان ۴ باغاتها . في الرصاصة الأولى 
وأنا أ القمها للباغة الأولى هتفت : هذه من أجل الله .فى الثانية 
هذه من أجل محمد . . . فى الثالثة هذه من أجل ااا چ 5 
الرابعة : هذه من أجل بنى قريظة لقد حانٌ حيئّكم . . . هذه من أجل 
رأس كعب بن الأشرف . . هذه من أجل عنق حُيي بن أخطب . . 
هذه من أجل عنق بتحاس روتنبرغ . وعددت مثة رصاصة على 
الأقل سمّيت أهدافها وغاياتها 

تمنطقت بالباغات » حرّممّها على وسطي » ولففت الحتاد على 
كتفى تذكرت صورة الك ويه عبد قاور ا ؛لو كيت الي 
باع ایا لدو ا » حاصّة وأ شواربى وقتذاك فة عر 
شواربه! قفزت من صندوق السيارة وأخحذت مكاني حلف مقودها. 
ووضعت البندقَيّة إلى جانبي » مع باغاتها » وكمنت كما يكمن التمر 
للفريسة كنت أستعجل الرّمن ٠‏ إن الالتفات إلى الوراء صار 
مُستحيلا » وإنه لا تراجع ولا استسلام ولا ندم ولا لوم » وإنّ الجنة 
أمامك وإن الثار خلفك خلفك , ولن أدع نفسي للتار ولو لآخر قطرة من دمي 

الدورية في الصباح تكون ثابتة فى منطقة برج العلم » في هذه 
السّاحة الأ كثر زيارة من اليهود . تتحرّك فى الليل على طول الحدود . أنا 
الآن متمركر فى موقعي أنتظر أفواج اليهود لأكتب درس الوطنيّة الأول 
فى هذا المكان . كانت السّاعة تشير إلى التّاسعة والتصف صباحًا من 
7 ۱۹۹۷-۳-۳ حن عاد زميلي (فلاح) الذي أخذت مكانه منذ 
نوبة أمس » وذهب لزيارة والده المريض . قال لي وكلماته تلهج بالشكر 
والامتنان : «سآخذ مكانك »لقد كنت صديقا رائعًا » زرت والدي . 


212 


وقضيت معه يومًا بطوله . واطمأنتت على صحَّته » وحان الآن دوري › 
اذهب أنت وارتَح » لا بُدَ أنك تعب جداء . لم يُعجبْني ظهوره ابتداء . 
ولا عودته بهذه السّرعة » فرفضت طلبه » قلت له : «نوبتى تنتهى فى 
الواحدة ظهرًا » سأبقى هنا إلى ذلك الوقت » وبعدها سأذهب لأنام . 
وحينها يُمكنك أن تحلّ محلي» . استغرب من طلبي . لكنّه لم يغادر 
إلى المنامات » وصعد ليجلس بجانبي » ركنت اليندقيّة خلفي 
شكرني مرة أخرى » وراح يتحلّث في مواضيع شتی » كنت أسمعه ولا 
أسمعه » كان عالمي مختلفا عن عالّه » صحيح أتنا نقتسم السّيّارة 
نفسها وغجلس على مقعدين متجاورين » إلا أنّني كنت أحلق في سماء 
أخرى › سماء بعيدة عن زملاثي هناء كنت أرى أن أي شيء غير 
التركيز على الهدف . سيجعل كل شيء ينهار . 

في العاشرة صباحًا فتحت المذياع في السَيّارة على تشرة الأخبار . 
كان المذيع يتحدّث عن مستوطنة (جبل أبو غنيم) والتّداعيات التي 
صاحبت فيتو أمريكا » ون بناء المستوطنات هو حجر عثرة في عمليّة 
التلام . قال لي فلاح معلا على ما سمعناء ه ممًا : «الظاهر أنّ عمليّة 
السلام ستفشل» . نددّث متي ضحكة عالية هي أقرب إلى الغيظ 
المكوت منها إلى الضحكة الطبيعيّة › وهنفت قائلا : «أقسم بالله 
العظيم لأقومن أنا بإفشالها . وفي هذا اليوم» كان يعرف ۾ أنني أتصرّف 
على غير المتوقع . فأخافه قسّمي ٠‏ التفت إلى وقد أمال جذعه نحوي . 
وبدا الرعب يتسرب من خلال قسمات وجهه › وقال : «ما الذي تنوي 
فعله أب يها احنونء آنا اعرف انك منرت »لا أدري كيف وضعرك في 
هذا 0 الحسّاس وعندهم ملفك الأمني» . خففقت حدة عباراتي » 
عرفت آتني تلفّظت جا لا يجب أن أتلفّظ به , قلت له بلا ميالاة کي 


213 


أزيلَ غبار الشّك الذي أثرئه بقسّمي السَابق : «وماذا تراني سأفعل؟ 
هه انا فد ستاك دور لا سول له ول كز :وانا امزح كثيرًا كما 
تعرفني» . نظر إلى وسطي وما زال لواء الشك يلوح في وجهه » وسال 
باستهجان شديد : دوما هذه الذخيرة التي تتمحرم بها على وسطك . 
يا رجل . . سبع باغات؟!» . وصفر طويلاً . ضحكت لأداري 58 
الأمور إلى مسار آخمّرء وباغتّه يسؤال أوقع أفكاره السيّعة تحت قدمّيه 
دألا تعرف بالأوامر الجديدة يا صديقي؟» . فسألني : «وما هي الأوامر 
الجديدة يا طويل العمر؟! ومنذ متى حضرتك تلتزم بالأوامر؟» . فقلت 
له بكلمات هادثة عرد على ريا بتكل محم زإنا سد بيدي 
على مقود الدوريّة : «لقد صدرت أوامر بان يكون الا ملا 
«ومنذ متى صدرت هذه الأوامر » على خبري قبل إجازتي » أي قبل 
يوم واحد ء كانت الأوامر تقضي بأن السّائق لا يُسمح له بحمل 
التلاح» فاح دون أن يطرف لي جفن » ودون أن يشعر يأنه يحفر 
خندقا عميقا تحت إرادتي ليوقعني فيه : «في الليلة الماضية فقط › ٠‏ ألم 
يُخبروك بذلك!!» . لكنّه لم يُصدفني » وبدأ يطرح أسئلة تدل على أن 
هذه الإجابات لا يُمكن أن تمر عليه »فلم جد بدا من المناورة على 
متوى أخخرء فقلت له : «أريد أن ن أصارحك » كدت أود أن يبقى هذا 
الأمر سراء لكنْ أنت صديقي » ولن أخفي عنك شيمًا .» . عدلت 
من جلستي وتصتَعت الجلديّة الكاملة . وقلتْ له كمن يُدلي علومات 
خطيرة زلم يعرفها أحدٌ قبله «أتذكر قصّة الضّبع في تلك اللّيلة 
المشؤومة ء ليلة أن كاد يلتهمني ويقضي علي؟» . فأجابني ضاحكا : 
«بالطّبع » وهل تلك الليلة تُنسّى . لقد عدت إلينا ووجهك مثل 
الليمونة من الفزع» . «تمام » إتني أحمل هذا السّلاح من أجل أنْ 


214 


أصطاد ذلك الضّبع الذي كاد يفتك بي» . فسألني : «وماذا ستستفيد 
من اصطياد الضبع؟» . حين سألني هذا السؤال انزاح عن صدري هم 
ثقيل » لقد فاته أن يكشف أتني أكذب »لو عرف أن الضبع لا يخرج 

في التهار بل في الليل , وأنا أحمل السلاح الآن في التّهار . لكن الله 
يريد أن بت فده . أجبتّه وأنا منشرح الأسارير : و وعدا 
فوائد كثيرة من اصطياد هذا الضبع » ؛ ارلا سنة خلص من شرّه » فلا 
تكون أنت على سبيل المثال فريسته القادمة › وثانيًا » أنا سأبيعٌ جلده » 
جلده إذا نظف واعتّني به فاته سيحصّل في سوق الجحلود قرب مسجد 
إربد الكبير ثمتا جيّدا لقد ذهبت إلى تلك السّوق مرّات عديدة 
وجلود بعض الحيوانات التّادرة مطلوبة لديهم › وأسعارها مرتفعة» . ثم 
توقّفت قليلاً قبل أن أميل يرأسى نحو أذنه وأهمس فيها: «وهناك 
سببٌ آحمّرء لقد انَفقتْ مع قائد السسّريّة على أن منحني إجازةً مده 
أسبوع إذا خلصت السّريّة من شر هذا الوحش المحجول» . لم يقنع 
كثيرا . أحس أن القصّة كلها مُختلقة » وآتها ليست أكثر من مجرّد فلم 
هندي . ولكته تركنى وغادر إلى السّريّة » فحمدت الله على أننى 
ار تحت منه ومن أسثلته . ۰ 


215 


(YT) 
ركعتان نا يصح وضوؤهما إلا بالدم‎ 


كان المشهد هادنًا حتّى هذه اللحظة . الوقت عر برتابة قاتلة » وأنا 
آل ايوق مت ااا ترد ف الذي اسان على ف 
التفت جهة الأصوات فرأيت أربعة س يقومون برفع خزان دي 
للمياه ليضعوه فوق الحمّامات » نعق عراب على شجرة خلف المنامات : 
غاااق . . . غااااق ارت وة عن المسامات انام ناظري » حلقت 
عاليًا فوق العلم المركوز في السّاحة ء حتفت : التقائضض تبتمع > نعطيهم 
الحمامات فيبعثون لنا بالغربان . سمعت صوت الغراب مرّة أخرى 
يصيح بشدة : غااااق . . غااااق . . . كأنما هو ي يحتج : «لست مثلهم ؛ أنا 
علمت الإنانيّة التتظافة والحضارة » وهم علّموها الغدر والقذارة» 
رفعت المنظار إلى عيتي كان هناك باص التقطته عينا المنظار 
قادمًا من بعيد . تحفزت . أنزلت المنظار عن عيني » وتلفت حولي » يبدو 
أن الصّيد التّمِين قادم » انعظرت دقاتی حتّى قحرب أكفر»ء ويكون 
بإمكانى مشاهدة الركاب فى داخله . رفعت المنظار إلى عينى من 
جديد » فانخلع قلبي بلعت ريقي » دققت النْظر مرّة أخرى وتأكدت 
من أن الباص يحوي ما يقرب من عشرين طفلا أعمارهم بين 
السادسة والثامنة . قفز إلى ذهني أطفالي ٠‏ تخخيّلت بقعا من الدم تُخطي 
وجهي بعد أن سقطوا قتلى بنيران مجهولة » نفضت رسي » > ور حت 
أمسح وجهي من آثار الدّم التي تخخيّلتُها . حادثت نفسي : «ليس من 


216 


البطولة ولا الرّجولة أن أقتل باص أطفال » سأدعهم يمرّون» . دار الباص 
تصف دورة قبل أنْ يستقرٌ في الّاحةءعها هم على مدى الرؤية 
العاديّة » كانوا ينزلون واحدًا واحدً! من الباص » وبهدوء عجيب » كانوا 

بيض الوجوه 2 شقر الشعور رّرق العيون > باستثناء ثلاثة من الصغيرات 
د > وشعورهن مُجعّدة » ويربطنها في جدائل كشيرة تتدلى من 
على الرأس . ثمانية عشر طفلاً نزلوا من الباص وهم يحملون عَلم 
إسرائيل كانت نجمة داود ت تتوسطه . وهو يرفرف بين أيديهم › وهم 
ينزلون جَذلين » وعلامات الفرح الغامر بادية على وجوههم . أحيانا 
هناك من يستغل البراءة »من يقتلهاء هم يفعلون ذلك . منهاجهم 
التعليمي يفعل ذلك » أناشيدهم الصباحيّة تفعل ذلك » أتعرفون ماذا 
يُنشد هؤلاء الأبرياء أمام العلم في الصّباحات الباكرة قبل أنْ يد خلوا 
إلى صفوفهم؟! إتهم الآن أطفال » ولكتهم سيّصيحون غدا أشدّ القتلة 
تمرسًا حين يكبرون ٠‏ وسيقتلون ابني وابنك وأبناء المسلمين » وستتدلى 
جدائلهم من تحت قبّعاتهم الكهنوتيّة وهم يمرحون في شوارع القدس 
العتيقة »يذرعونها بعنجهية وفي أيديهم الرشاشات الحديثة ولن 
يتأخروا غر افرع الرمياضات فى وسط رؤوسنا لو وو بأدنى خطر 
وهل كان هؤلاء القتلة الكيار إلا أطفالا تفيضى بالبراءة والشفقة 
وجوههم!! وماذا أصبحوا اليوم؟! أصبحو (الهاغاتا) » وأصبحوا (البالماخ) 
و (الآرجونز) . هل تظتون أن أفراد عصابة (الهاغانا) التى فعلت كل 
هذه الفظائع وُلدوا قتلة من بطون أمّهاتهم؟! لقد كانت وجوههم اللّينة 
حين نزلوا من أرحام أمّهاتهم أكثر براءة من وجوه هؤلاء الأطفال الذين 
ينزلون من الباص أمامي!! 

ولكنني سأعمل بمروءتي » وبشعوري الدّيني والقومي والعُروبي 


217 


لن أسمح للتاس أن يقولوا : إنّه قتل أطفالاً . وذبح صغارًا . سأدعكم 
تمرون بلام ايها الصخار» مع أنني موقن ) أتكم حينما تكبروت 
متذبحون أبنائي ¢ وأبناء إخحوتي 3 وأدرلءٌ أن الوفاية خير من العلاج ¢ 
وأنّ قطع رأس الأفعى الصّغيرة ذات الملمس اللين هو من أجل ألا يكبر 
ويستعصي على القطع » ويخشن جلدها ويستعصي على الحرق . 
ربتهم مدارسهم الدينيّة على أن في قتلنا قربات إلى الرّبٍ » سأنتظر أنا 
هذا الصّنف من الناس . أمًا أنتم يا مَن تعيشون الآن عمر الورود مروا 
م 

Ea‏ 000 0 البغيضة لا تزال ترفرف 
HETO‏ + منحرفة »إلا أتهم EEE‏ 
عمقتضاها > ويشبون على شرائعها . ولذلك تجد اليهودي منسجمًا مع 
نفسه ومع توراته »أمًا نحن ء فالام تربّي بطريقة > والأب بطريقة › 
والعادات بطريقة 3 والدين بطريقة ٠‏ والعيب والحرام بطريقة 3 والشارع 
بطريقة . وتأتي الحكومة فتنسف كل ما سبق وتربّى الإنسان متا 
بطريقتهاء بحيث تصبح القاعدة الأولى فيها : «ابعدٌ عن طريق 
|الحكومة وغتيلها» . ويخرج الفرد متا بلا تربية »> ويضيع قلبه وعقله بين 
عشرات الشات » وتخحتلط لديه المفاهيم والقيم » وتصبح أخلاقه أن 
يكون بلا أخلاق » ودينه أن يتمرّد على دينه . ولهذا سنبقى أمّة 
مرذولة » يتعبدها الأراذل » حتّى يعود إلينا انسجامنا واتساقنا على 
هڏي واحد هو هدي القرآن والستة . 

كانوا يُغتون » صوتهم متناسق . كلماتهم عبريّة فوق أرضي 


218 


العربية » وجوههم غريبة فوق أرضي الحبيية » عيونهم لا تنتمي إلى 
هنا » ولكنّها بوقاحتها تحاول أن تفرض علينا أن هذه الأرض لهاء وأن 
هذه السّماء لهاء وأن هذه المياه لها » ونحن باسم تسامح الإسلام وأنه 
دين التلام نضع رؤوسنا تحت مقصلتهم وننتظر أن تسقط على أعناقنا 
فتفصلها عن رؤوسنا » وهل المفاوضات إلا مقصلة » وهل القبول بحقهم 
في أرضنا إلا نطعٌ وسيف؟! 

أصواتهم في تراتيلهم بدت جاذبة » إنهم يغتون بأسلوب الجوقات 
الدّينيّة . حركوا جُذوعهم إلى الأمام عدّة مرات » كعصافير تنقر من 
الماء بسرعة ثم وقفوا على أقدامهم . وتابّعوا غناءهم وهم يتمايلون »› 
ويهزون الأعلام بيمناهم . ليتني كنت أفهم العبريّة يومّها لأدرك ما 
يقول هؤلاء الأطفال الملاعين . 

أكلوا وشربوا » وتقسّحوا مع أدلائهم في المكان » وكنت أرى الدليل 
يُشير إلى كل شبر في هذه السّاحة » كأنه يعرفه » وکانه 0 
الطفل عدف له عنه طویلا »وكأتني أسمعه يقول له. 
أرضك . احتلها هؤلاء العرب الهمج » وستعود لك يومًا 0 
لا تكون بالتّمئى › ولا بانتظار المخلص . إنّما تكون بالعمل » اعمل كما 
قالت لك التّوراة » أنتَ شعبٌ الله النختار» وهؤلاء كلّهم جوييم › 
وحمير » خلقوا على هيئة البشر من أجل أن يخدمونا» . 

كنت في كل لحظة أضع يدي على مخازن الرتصاصات 
(الباغات) » أتحسّهاء أتأكد من جاهزيّتها » أتمنى لو أنني أستطيع أن 
أنفذ هذه العمليّة بهؤلاء لكتني أكف في اللحظة الأ خخيرة » كان الصّبر 
صعبًا حينها . على أن أفعل شيمًا » أين باصاتكم القذرة اللأخرى » 
لتأت إلى هنا ء لتحل في أرضي لكي أذيقها من العذاب ألوانا 


صعدوا إلى الباص بعد أكثر من ساعة .ما كاد الخاض کل 

دورته ۾ في اا حا للزحيل باتجاه الجاف المعهدت حتى 
ككف المنظار لي باصا آخر قادما إلينا ء دعوت الله حينها الا 

أطفالاً هو الآخرء وأن يكون ركابه فن الكبار في العم 5 انتظرت 
قبل أن أعاود التظر إليهم عبر ناظور الذورية » وبال 0 1 
لقند كان يحمل ناء كبيرات في السّن وبعض الرجال » لقن جاء 
صيدي أخيرًا إذا » وها هي لحظة الصّفر قد حانت . استعجلت تقدّمه 
إلينا » وهل يستعجل الإنسان عدوه إليه إلا إذا أراد أن رديه !! 

نزلت من الدوريّة » سأصلي ركعتين › ربّما تكونان آخر ركعتين 
ستمس جبهتي فيهما تراب وطني » إتهما رَكعتان لا يصح وضوؤهما 
إلا بالدّم . ستكوتنان آخر عهدي بالدّنيا وباليشر » كنت أتخيّل أن قتلي 
سيكون على يد زملاثي لا على يد اليهود : نيقتلوندي ليبرتوا أنفسهم 
من فعلتي سم داريو ادو ب عي ب 

نها ‏ المختضر إن حدث : «قتلوني ليحموا اليهود» . أو : «قتلوني 
لك الت 

أطلت في الرَكعتّين » الياص لم يصل بعد تماما إلى المكان . 
وسيمكث على الأقل ساعتين هنا قبل أن يُغادر » وسيكون بإمكاني أن 
أخاطب الله بشكلٍ جيد قبل أن أكون .على موعد مع الموت ٠‏ الموت 
انس اة البوابة التي توصلك إلى الله » وهل يكون لقاء الله 
مُخيفا!! والموت ليس صعبًا ؛ لأته يساوي لحظة خحروج الرّوح من 
الجد ويمكن أن تخرج الروح من الجسد برصاصة واحدة . رصاصة,ٍ 
واحدة فقط ؛ تتحيلوا ١‏ وأنا أتوقع عددا لا باس به من الرصاصات 
سيستقرٌ فى جسدي ٠‏ ولذا سيهلون على وعلى الرّوح خروجها 


220 


والمويع لسن بعيداء, > إته يعيش في كل واحد متاء > يفارقه -حين يفاركه » 
وهو في عيشه معنا أقرب إلينا من حبل الوريد , والرّحيل معه يُمكن أن 
يحدث فى أي لحظة دون سابق إنذار » وأنا لا أريد أن يرحل بي إلا 
شهيدا 

كنت فى الرّكعة الثانية حينما وصل الياص واستقرّ تمامًا فى 
الاحة على بعد حطوات متي ¢ نزل مته بعضص الرّجال وفتيات 
الما 00 قد 7 راك كر ة غريبة و1 0 
ا ل ل » بل 
ارتفع صوت قهقهاتهم الفاجرة » انفجروا بالضحك وهم يُشيرون إلى 
إشارات استهزاء » وراحوا يأخذون من حصى الأرض ويقذقونه في 
وجهي . سيقولون لكم في الإعلام : إن الذي دفعني إلى ا 
الرشاشن هو استهزاؤهم بي وأنا في الصّلاة » في الحقيقة هذا عُشر 
الحقيقة ›الحقيقة الأنصع أتني كنت أنتظر هذه اللحظة بفارغ الصّبرء 

وإلا فما معنى أننى أخذت معي مكتسن وعشر رصاصات > أفأحذتها 

لأ تسلى بها أو لأ تصور معها وهي تمنطق وسطي!! 

حاولت أن أتخفف فيما بقى لى من الصّلاة » أسرعت فى أدائها 
قليلا » وأنا في الجلوس الأخير » جلوس التشهد » رموا باتجاهي قشر 
الموزء واستقرٌ أمامي تمامًا فى موضع سُجودي » سلمت وأنا أقول في 
سري : «اصبروا علي قليلا َ لأجعلتكم عبرة يتحدث بها القاصي 
والدّاني» . مشي بثقة لم أمشها من قبل بانجاه الدوريّة » استللت 
البُندقيّة من مكانها » عبّأت أوّل باغة ذات الثلاثين رصاصة » وصوّبت 
بهدوء تجاه إحداهن . بدا لى مسمار التصويب يتوسط رأسها الفاجرء 


221 


ستكون إصابة في منتصف الرأس » أنا قنّاص » وأعرف هدفي تمامًا 

کنمت تقس وضعت یدیئ علئ الرّناد» بيدأت بالتحمر:» إضصبعى 
يضغط » والكون كلّه يتوقف »نها الرتصاصة الأولى الحقيقيّة » التي 
ر مال رھ رر کی 
الرصاصة الأولى التي ستجعل التّائم يصحو » والغافل ينتيه » والمخدوع 
يعرف . وقبل أن أسمح للزناد أن يتم شرارته لتخرج الرصاصة الأولى 
إلى هدفها » صحت : «الله أكبر ..» . وانطلقت الرّصاصة على هَدّي 
هذه الكلمة الخالدة » الكلمة التي تبعث الطمأنينة والشّجاعة في قلوب 
اأؤمنين » والهلع والرّعب في قلوب الفَجَرة . أصابت الطلقة هدّفها 
بدقة » وتنائر رأسُها في المكان . ورأيتُ من خلال الشعيرة دماءها ترشق 
باب الباص » ودماغها يندفق إلى بوز الباص . كانت هذه الرصاصة 
الأولى كفيلة بان تُغيّر الحياة هنا في المكان » وتلخبط مجريات 
الأحداث » كانت الناء مدربات في حالة الهجوم › إنهن خريجات 
مدارس عسكريّة » ونحن شبابنا لا فعيائنا في هذا السّن لا تنزل 
المصّاصة من أقواههم > ولولا النجل العام لوضعوا أحمر الشفاه وهزوا 
خصورهم کرت اوا في السّنة الثالشة من التحاقي بالعسكريّة 

في مذكرات هشام شرابي (الجمر والرّماد) مُتسائلا كيف ترك فلطين 
وذهب إلى أمريكا للدّراسة وهو في سن الثامنة عشرة ولم يكن يعرف 
أن اليهود فى مثل سنه وخاصة الفتيات قد كانوا جميعًا مُجتدين 

نهضت المقارنة من جديد مع شبابنا » فعضضت شفْتَي حمّى كاد 
يسيل منهما الدّم . أمَّا هؤلاء الفتيات اللواتى تفرعَطنَ من الرتصاصة 
الأولى فلم ينتظرن رصاصتي الثانية » هربن باتتجاه شيءٍ يُخفيهن ١‏ 
باتجاه المزراع > ركضن لعشرين أو ثلاثين مترا . ثم انبطحن على المنحدر 


2 


العٌعشبيّ كما نفعل : تيحن الود المدوّبين ارقن و واحدن يزحفن 
باتجاه الاشجار لحفادي رصاصات أخرى محتملة - مع أن صوت 
الرتصاص سكت لوهلة 

هتفت وأنا أشد على الكلمات > ودمائي تغلي في عروقي : : لن 
تكن أذكى متي » أعرف كيف أواجه الأمر» . حولت مُبدئة الرّمي على 
الإطلاق الستريع (الأوتوماتيكي) من أجل أنْ أحظى بعدد . كبير منهن 5 
في هنه اللحظات كان الجنود المكلفين برقع حزان المياه فوق الحكافنات 
قد وصلوا إلى وهم يصي حون بي أن أتوقف . وجَّهت فوّهة الرّشاش 
تُجاهم » وحذرتُهم بكلمة واحدة : دن تدخلتم فافرغ ما تبقى قَى من 
الرصاصات في روحم . تراجعوا مذعورين د يكفوا عن الصّراخ 
حرفت البندقيّة باتجاه النحدر العُشْبى » وصوّبت باتّجاه الرّاحفات › 
حتفت بصو تٍعال, : «الله أكبر . .. الله أكبر . . .» عَطّى على هتافي 
رغم أنه کان د يش القضاء صوت الطلقات الرّشاشة > كانت الرصاصات 
تلعلع في الجوّء أنهيت المخزن الأول » بدلمّه بالثاني » ورأيت أياديهن 
ترتفع ثم تخمد حركتهن » في الخزن الثالث (أردفت) البندقيّة معي » 
كززت على أسنانى » وخبطت الارض ببسطاري › وهتفت مختاظًا : دلا 
بد أن رصاصة مطعوجة هي الّتى أوقفت الوضع الأوتوماتيكي» . نظرت 
إلى المنحدر من جديد . كان عدد لم أستطعٌ تقديره على وجه الدّقة 
يرقد بلا حراك » البقيّة كانوا قد اجتازوا مرمى رصاصاتي » صوبت 
البندقيّة نحوهم من جديد . لكتها لم تطاوعني » صرخت صرخحة غيظٍ 
كبيرة » ورميتّها بعيدًا عن . كان علي أنْ أبحث عن وسيلة أخرى لام 

قدرٌ كبيرٌ من الرّاحة يجتاح كياني » انتصرت على نفسي أخيرا ) 


223 


وانتتصرت لديني وأمّعي . بعثرت لغة الشّجب في وجوه العَجَّرَة » 
وغيّرت ولو بشكل فردي أسلوب التياكي على وضعنا» ها نحن 
نستطيع أن نثأرء ونستطيع أن ننتقم . 

اقترب مني عدد كبيرٌ من العسكريّين بحذرء كانوا يخافون أن 
أكون ملحا » طمانتهم : «سلاحي ليس مُوجَها ل خوتي » سللاحي 
موجه للخنازير والحيّات» . أمسكوا بي » ومضوا , بي إلى الدورية » 
أجلسوني في داخلهاء وتوجهوا مع عدد کبیر لإخلاء اتان 
ركهم يفعلوت ذلك وَنرلِت من المتيارة» وصليت ركن لله هكر 
على نجاح مهمّتي . بعد أنْ صلَيت الركعتين » قفزت وجلست على بوز 
السَيّارة » وأحرجت سيجارة » وأشعلتّها » ورحت أدخَها بلذة عجيبة 
كنت أنظر إلى العساكر وهم يتقافزون ويتصايحون ويقومون بحمل 
القتيلات على التقالات استعدادا لإجلائهن لا أدري إلى أين › كان 
أحلى منظر رأيته في حياتي كلّها , وريّما في حياتي الّستقبليّة كلما 
رأيتهم يرت قتيلة على التَقَالة آخذ تفسًا من السكيجارة وأنا في غاية 
الاستمتاع » وكنت عد معهم القتلى » دخنت وأنا أنظر إليهم سجائر 
عند الاواتي كمان على التقالات “دحي كع ا لكت 
سأكتشف فيما بعد أن اللواتي د سن كن نكا وان لخد صعادتي 
وانقعالي لم أكن أتمالك نفسي ودححنت سيجارتين إضافيّتين . وأنا اليوم 
أقسم صادقا قسمًا نابعًا من القلب أن هذا المنظر الذي رأيته كان أجمل 
منظر أراه 7 حياتى 1 

ل كيه ناكا جات E‏ وار » فرأيت 
مجموعة من الطالبات اللواتى تي تشن وفجهن ثلاثة رجال » يبدو أنهم 
من الذين تمكنوا من الاخحتباء ء وأتهم ريّما بعد أن اطمأتوا إلى توقف 


224 


انهمار الرصاص . قاموا من مخابئهم وهربوا باتجاه بوابة المعبر لينجوا 
بأرواحهم . لم احتج إلى وقت كثير لأخحذ قراري 3 قفزت إلى السميارة ٠‏ 
وقدتها باتجاههم » إنهم يهربون كالفئران على الممرٌ الإسفلتي » بإمكاني 
وبالفعل » دست على دوّاسة البنزين بأقصى ما أستطيع » لكتني أتيتّهم 
من الجهة المقابلة »أي من جهة الأراضى المحتلة حتى يطمكتوا لى ع 
وبالفعل ظنَّوا أتنى سيّارة جاءءث لتنقذهم » وتُقلهم إلى الدّاخل ء فراحوا 
كانوا صيدًا سهلاً . قلت مُرِحَبًا بهم : «تعالوا ذوقوا مرارة ما ذقناه عبر 
عشرات السّنين » هلموا إلى الموت فى مقدّمة هذه السّيّارة » دهست 
الأول والثاني . ور البقيّة عبر المزارع » واحتفوا وراء الاشجارء لا أدري 
أمات الرّجلان اللذان دهستهما أم انضمّوا إلى الجرحى الذين أتَنّى أن 
يكون عددهم اكيم )!! 

عدت بالسَيّارة إلى منطقة برج العلم » إلى مكانها الطبيعي . کان 
بوزها » ورحت أدخن وأتساءل ما إذا كان الرّملاء قد طبخوا الغداء أم 
ل ! 


225 


(YY) 
استراحة محارب‎ 


أبلعٌ الجنودُ الشهودٌ قائد السّريّة عبر اللاسلكي جا حدث فحضر 
إلى النتائجة - كان يرافقه كلاكة من العمسكريين المسلكين: شالك اكد 
الّريّة «لماذا فعلت ذلك؟» . فأجيته «فعلت ما انيكب ا ادغ 
من زمن بعيد» . لم يقل شيمًا ب احاطظ التلخون بي ٬‏ وأمروني بان 
الس يطلبوته منى دون مقاومة . انتبهت إلى عقب السيجارة وهو 
يلمع بجمرته إصبعي اة على الأرض » دست عليه بالبُطار › 
قلت وأنا أنفث دخان التفس الأخحير «ما أردت أن أفعله فعلتّه . أنا لا 
أقاوم زملائي» . دفعني اثنان منهم إلى الأمام » وأشار الكّالت بسبطانة 
الرشاش لا تقدّم . سمعت أصوات طائرات عمودة ج ادر 
استبطاتهم قليلاً في المغادرة لكي أعرف لمن تتبع هذه الطائرات 
العموديّة . هبطت الأولى في مدرج صغير معد a‏ الطّائرات قرب 
المعير في الموضع الذي خُصدت فيه الأرواح > كانت تابعة لسلاح الجو 
الإسرائيلي . نزل منها السعفون » وراحوا يحملون القعلى والجرحى 
ويتوجحهون ب بهم إلى الطائرة في حركةِ سريعة وخحائقة ارت دقائق ف قبل 
أن تهيط طائرة (هليوكبتر) أخرى قريبًا من الأولى . عرفت فيما بعد 
أنها كانت تحمل الأمير حسن الذي كان ولىّ العهد يومثذ . 

قُيَِدتْ يداي إلى الخلف ء ودعت إلى قيادة السّريّة . في الطريق 
تخابروا مع المجهات المعنية . وقرروا نقلي من قيادة السّرية إلى 


226 


استخبارات الشونة الشماليّة . في مُصفحة وحراسة مُشْدّدة وصلت إلى 
مركز الاستخبارات . انتظرت ساعتين في غرفة ودف وا دف 
يدي ورجلي » ومنعني من أدنى حركة » قبل أن يفد ضُبّاط التَحقيق 
من الاستخبارات كات الباريات الأولِيّة قد وصلتهم . كان في 
الحسد العربي وقتها بعض الثم . بعض البادئ 56 تربئى عليها أبناؤنا 
واوا لم تكن قد لست غانًا مخلما عى ادر . أدخلوني على آول 
ضابط سيبدأ معي سللة التحقيقات » كانت السّاعة 5 
الواحدة ظَهرًا بدا أن قلبّه ليس مرهوئًا إل لعروبته .لم يشت 

يفعل المحققون عادة » ولم يضرب » ولم يصرخ ايلم يفعل آي ديد 
كان اول شيء قاله ل نويد شيثا؟ء . أجبته «أريد أن أصلّي» 
فكوا القيود من يدي ورجلي . وتوضّات » وصليت براحتي » وانتظرني 
حتى أنهيت . بعد الصّلاة سألني إن كنت أريدٌُ شينًا آخر . فضحكت 
وقلت : «هل لديكم شيء يؤكل » فأنا جائعٌّ جدا؟» . وبالفعل أحضروا 
لي مقلوبة دجاج بالباذنجان والرّهرة » وأكلت بنهم » كان الطعام لذيذًا » 
وكانت نفسي مفتوحة »لم أبق في الصّحن شيف > فطلبت المزيد» 
فأحضروا لي صحتا آخر » كان ساخدًا أكثر من سابقه » رأيت البُخار 
يتصاعد من كتلة اللي تلمع من زيت الزشرة القليّة » وفوقه تست 
قطعة دجاج محمرة كبيرة وكانت الرائحة تسافر عبر الممافة الفاضلة 
بيننا فتصلئي قبل أنْ يصلني الصّحن نفسه ء ولولا آتني أخشى أن 
تزعل مني فاطمة ء لقلت إن هذه المقلوبة أزكى مقلوبة أكلتها في 
حياتي أتيتُ على الصّحن القّاني كما أتيتُ على الأول ولم أبق فيه 
إا أحسست بالشبَع . سألت : «هل عندكم شاي؟» . قالوا : 
«نعم!» . فقلت : «بالتعنع لو سمحتم» . كان الضابط ينظر إلى ويبتسم ء 


227 


سألحّه «تدخحن؟» استغرب سؤالي »لکته أجاب : «نعم» . فطلبت منه 
سيجارة » أعطاني سيجارة (مالبورو) كان الشاي قد حضرء فشربتُه 
ودخحَنت وأنا في غاية الاستمتاع » كنت أرشف من هنا رشفة عميقة 
يصلّ صوتها إلى أذن الحرّس » وأسحبُ من هنا تفسًا عميقا أملاً به 
هواء الغرفة . اقترب منى أحد الغساكر » أمال جذعه حتّى صار فمه 
فا هن أذ » لست آنه سیو یی على جرا فى حضرة الا 
أو بشم على ها فعلت» أو بطب ی آن أكون اکر ا ےا :لہ 
قال لي بصوت خفيض وهو مرتبك لا يريد لغري أن يسمعه : «تسلم 
ايدك» . هبطت الكلمتان على صدري كغمامة من الطمأنينة › إن هذا 
يعني أنّ في الجيش مثلى » وأنّ في القلب مشاعر تجاه الصّهاينة مثل 
المشاعر التي في قلبي . وان هؤلاء العساكر لولا القيود التي تمنعهم من 
كل شيء فوا ما فعلت وزيادة . كنت أردد في سري : «مَنْ يقبل 
بقاتلٍ إلا قاتل » ومن يقبل بخائنٍ إلا خائن!! هؤلاء اليهود قتلوا وخانوا 
ا ان عن مور رخا جار اميه اط 
الصدور الا بية » وهذه القلوب اليعربيّة فلا يُمكن أنْ تقبل بفلطين إلا 
طاهرة من الأغجاس › > موححّدة ومحررة» 

لم يفعل ضابط التحقيق أكثر من استضافتي على الغداء وعلى 
سيجارة وكأس شاي ء تقلت بعدها فى سيّارة مرسيدس خاصة » كان 
يُجاجها أسود يُخفى خلفه الرّاكبين » شعرت بشيء من الأهمية › 
لوهلة ظننت أن التاس ستصطف على جاتبّي الطريق وهي تمد يدها 
بالَحيّة » وتهتفُ لي بصوت مُرتفع ا اسار جين E O‏ 
وتنا سيّارة مُسلحة أخرى » كان اللقمون عبيون هيا اف اددهم 
الرّشاشة إن رشاشاتهم تشبه الرّشاض الذي نفذت به العملية » رقص 


228 


قلبي من الفرح . شيء من الخدين إلى داه من نوع حاص بين 
الجندي وبندقيته » كما هي بين الفارس ويله . توجهوا بى إلى مبنى 
استخمبارات إربد . في الطريق مروا قريبًا من (إيدر) › » قفز قلبي من 
صدري كعصفور يقفز من قفص » حننت إلى الأولاد » منذ أسبوع لم 
أرهم » تُرى ماذا يفعل سيف الدّين ونور الدّين وبتول الآن ء وماذا تفعل 
أمّهِم؟ هل وصل خحبر العمليّة إليهم؟ ما هي ردة فعل أبي وأمّى على ما 
قمت به؟! كيف يسير العالم في الخارج الآن؟ ها هي (إيدر) » إبدر 
الى زرعت في حقيقة الإباء > وعلممّني أن أكون جُنديا ماتلا له 
ا خانمًا »ها هي تنبسط أمامي كزهرة سوسنة تأبى أن غوت . 
نڏ کرت > امرأة عمَي » > حلت نفسي أخاطبها : «لقد انتقمت لك يا امرأة 
عمي . وإذا عدت إلى المكان مرّة أخرى فسأنتقم لك من جديد» 
قال أحدٌ الجالسين في سيّارة المرسيدس في الكري الأمامي › 

بصوت أقرب إلى الهمس : «إنْ هذه العمليّة ستو و على عل 
السسْلام > وستّعيد ترتيب الحسابات من جدید» . رد عليه السّائق 
«وهل تظن أن عاك a‏ ردم و . تفاعلت معهما 

قائلاً : «السّلام مع الأفعى نهايته” تاب ينهشٌُ : في الضلوع ء ألم تعدمنا 
التجارب عبر التّاريخ » ألم يقولوا : الملدوغ يخاف من جَرَة الحبل!!؛ 
لكزني الجندي الذي بجانبي كي أسكت ؛لكته كان يبدوفرحًا 
ومرتاحًا لما قمت به » شارك هو بدوره : «الله يعدّيها على خير» . ذات 
العبارة التي يقولها ثلاثة أرباع الشعب العربي المقهور . يعرف الصّواب 
لكته عاجرٌ عن تحقيقه . أردت أنْ أقول له «الله لا يأتى بالخير لمن لا 
يريدون الخير لأنفسهم» لكتني آثرتٌ الصّمت . تابع الذي يجلس 
بجانب السّائق : «أعتقد أن هذا السّلام سلام حكومات لا سلام 


229 


شعوب ء هل ترى أن الشعوب بشكل عام ترضی الصلح مع اليهود؟ لا 
أعتقد بذلك؟» .رد اى , : «جرائمهم 3-9 تتوقف 3 إن مجازرهم من 
دير ياسين إلى اليوم شاهدة على دمويّتهم » ليس من المعقول أنْ يقتلوا 
كل هذا العدد متا ونبقى ساكتين» . قال الذي يجلس بجانبي : دلا 
تنس مذبحة قاناء ولا تنس مذبحة الخليل . يريدون أن نتلقى الضربة 
u E E‏ ا ٠ A‏ أن 
مرة ا . زفر السّائق من عدن زقرةٌ حرّى » وقال : دولا يهمّك ء لا 
تندم على ما فعلت » إن شاء الله ما تأخن عليها حكمًا » وإدا أخذت إن 
شاء الله سيكون محققاء . ضحك الذي بجانبى » وقد وجد أن 
الحديث قد بسط راحته بيننا ء وصار مُباحًا : «ماذا سيحكمونك؟ 
إعدام!» . أجابه بسرعة الذي بجانبي : «سيكون شهيدًا» . قال الذي 
يليني من جهة اليسار : «ولماذا إعدام » ألأنه قتل مُجندات يهوديّات؟» 

قال السائق 5 : «آه والله بالفعل . . . ليش إعدام!! أنت ل مسلمين أو 
أردنيّين ...يا حيف!» . فى داخلى كان عالم من النشوة يتفاعل › 
نقلت رأسي ونظراتي بينهم › هؤلاء الجنود المساكين مارسوا دور القاضي 
وا محامين والمحكمة . قلت لهم وأنا أضحك : «لو أعدمونى الأمر سهل 
بالتسبة لي » الذي أرجوه ألا تبقى معاهدة السّلام الفضيحة في وادي 
عربة قائمة6 م قلت بصوتٍ حاد : وهل أفراد الجخيش ا 
أبناء الذين قاتلوا في باب الواد »> ومن أحفاد الت استشهدوا مح عر 
الدين القسمام > ومن إخحوة مفلح كايد العبيدات > هل هؤلاء مستعدون 
أن يُاهموا في إفشال عمليّة السّلام » وإعادة إبرة البوصلة إلى اتجهاها 


230 


الصّحيح » حيث يبقى العدوٌ عدوا » ويبقى امحتلّ محتلا؟! وهل هناك 
مَنّ يبث هذه الرّوح في أبناء سلكنا العسكري المنضبط ويُوكّد على أن 
مقاومة المحتل و|إخراجه من أرضنا واجبٌ وضرورة وفريضة؟!4 . ساد 
الصّمت . لكن روحي كانت تلق في الأعالي كنت أشعر أن خمس 
وات سن التفكير بالأمر قد آتى ثماره اليوم » وأنني رن دخل 
معركة شديدة › وقائل وقُوتل » وأصاب وأصيب » وأنهّى المعركة على 
الوجه الذي يُرضيه » وان له أنْ يستريح » »ألم يقولوا ذلك ؛ استراحة 
اا 

على الباب » وضعوا غطاء أسود على عَينَي » وقيّدوا يدي ورجلي . 
وکت بصعوبة والا سيك ون اكلا SD‏ الح جين بن 
رجلي » تبعل الخطوة قصيرة وصعبة » ومع الحركة كانت تضطرٌ القيد أن 
يضغط أكثر على عظمة رجلي فأحس بألم فظيع » أدخلوني إلى أحد 
المكاتب » وبقيت واقفا أسمح ما يدور حولي من حديث ولا أرى . 

بعد أقلّ من نصف ساعة من سماع أحاديث لا علاقة ةلي بهاء قال 
أحدهم وآظنّه أكبرهم رب «هل ا فا . و كان سؤاله ودودا 
فأجبته «القيود تسبّب لي آلامًا » والغطاء الذي على عينَيّ يحولني 
إلى أعمى» . فأمر الجنود الصّغار بأنْ يفكوا قيود رجلي . #تشعرت 
بانزياح كمية كبيرة من الألم ء ونزعوا الغطاء عن عيني › وخرت 
براحةٍ وا اتلس د غا اة ةا الف > لكن الضابط 
أبقى على قيود يدي » وسألني إن كنت أرغب بالطّعام » فأجبئُه «لقد 
أكلت مقلوبة زهرة في الشونة وكثرت فأنا شيعان » لكتني أريد فنجانًا 
من القهوة » ولتك سادة» . ضحك » واهترٌ مع ضحكته » وقال لي : 
«تُؤْمر أَمْره . أشعل سيجارةً وقدّمها لي » كانت من نوع «كنت» كدت 


231 


أقول له وأنا آخذها بكلتا يدي : «ما بحب أغيّر لكر للظروف أحكام» 
حضرت القهوة هة برائحتها التي تعيدٌ ترد تيب حلایا الذّهن الُشمّتة » وترفع 
منسوب الرّاحة » قلت له وأنا ا يدي الْقَجدَتين عاليًا ئيراهما: 
«سيدي ألا ترى › كيف يمكندى أن أشرب القهوة ويداي لا تنتميان 
لى ء أهكذا تعاملون ضَّيوفكم؟!» . ضحك هذه المرّة بصوت أعلى » 
وقال : «مش قليل أنت يا أحمد» . وأمر أحد العساكر أن يفك قيدي › 
و القهوة وأقمت السيجارة وطليبّت أخرى 1 وأشعلها هذه المرة أحد 
العساكر بعد أن عادر الضابط المكتب » وكانتت من نوع (رع) كت 
على استعداد - بسب 0 الذي 3 E‏ - أت 00 
وترحمت 0 ا التي كنت أرى جداتنا ا ااه 6 
وهتفت نحن جيل (كمال) و (جولد ستار)!! 

مرت ماعة ثقيلة » حرس في الغرفة ء ولا أحد سواي معهم . 
يققونت بانتظار أوامر تخص التحقيق معي و هاتف الجرس في 
الک . قفزأحد العساكرء ورد على الهاتف . وحن حين أغلق السماعة 
هتف : «قيّدوه 5 ا ا 
خلال خمس دقائق 
سنوات طويلة ءعندما حدمت فی حدود الرَمثا وكات هو مديرا 
لاستخباراتها > و کان شهماء وعلافتي به قوية » ويعرف أهلي وأعرف 
أهله ؛ وتجمعنا مشاعرٌ ألفةٍ واحدة . قلت لأاحد العاكر وهو يقوم 
بتفييدي : وما هي وظيفة فاخ بك في الاستخيارات هذه الأيام؟» 
فأجابني : «سيكون رئيس هيئة التحقيق» . ارتحت أكثر لهذه المعلومة › 


232 


صار بإمكانهم تفهم دوافعي ء إذا تفهم ابن قريتك أو محافظتك 
TUES‏ 

كانت السّاعة تقترب من الثانية عندما حضر صيّاح بك إلى 
المكتب . نظر إلى نظرة فاحصة .ء أراد أن يتأكد من أتّنى هوء أردت أن 
أجيب عمّا يدور في ذهنه فأقول : «أنا هو بشحمه ولحمه» . طلب من 
كل الحرس والعساكر أنّ يخرجوا من المكان . وبقينا وحدنا » قال لي وهو 
يحدّق في سقف الغرفة : «فعلتّها إذًا؟!» . لم أقلْ شيمًا . طرفت عيناي 
من دون أَنْ أنظر نحوه وقالتا : «نعم» . سكدت قليلا » م تابع «تكلّحٌ يا 
أحمد . . قل لي ما الذي حصل معك هناك؟!» . أجبتّه «لقد كنت 
أصلي صلاة الضحَى في أمان الله ء ولم ق ۾ أي اعتبار لوجود المجتدات 
الإسرائيليّات » لكتهن لم سي وشأني » في فى الرّكعة الثاتية » بدأن 
بالاستهزاء بي ورَمّي الحصى والتفايات باتجاهي » في الجلوس الأخير 
كانت قشور الموزء وبقايا الأكل تتجمّع فى موضع سجودي . كل ما 
أذكره أتنى أنهيت الصّلاة بسرعة ء وتناولت من السَيّارة بندقيّتى » فى 
اللحيلة ي عابت فى فلت ال وال اعرف ناذا نت 
الفط + سفت أصوانا ولخطًا لكر ذلك كان قل معنذافى للوغى : 
دارت بي الأرض » دحت » رأيت الياص مقلوبًا » وبوابة العبر تبح 
كأتها تنصهر » سقطت على الأرض » جاءت السَقطة على طرف 
رأسي » فأصبت بغيبوبة عميقة » ولم أصح على نفسي إلا في قم 
الاستخبارات في الشونة الشماليّة» . سألني وقد بدا الاهتمام السام 
على قسمات وجهه «فقدت الوعي؟ كيف؟! لقد تناولت البندقيّة 
بكامل إرادتك!!» . أجبته وأنا هر رأسى › كأنتى كنت أنتظر منه أن 
يسألني هذا السَّؤال : «بعد أنْ صارت البندقيّة بين يدي . تصرفت بلا 


253 


و اعت ادي لم اکن اي ت ت اد ادي ااي من أمراضٍ 
نقسيّة متعددة > أعاني من نوبات فُقدان الوعي 1 والفصام 5 اقاب 
الشخصيّة ؛ ومعي تقرير طبَيّ يوضح حالتي هذه بشكل كامل» . 
مألني بلهفة وكأنه وجد مخرجًا بعد طول تفكير «وأين هو هذا 
التقرير؟» . أجبئّه : «فى ملفّى الطب فى مستشفى الأمير راشد› 
وهناك نسنحة منه في بيتي» . ضغط صبّاح بيك على ارس يسرعة > 
قفز في وجهه عسكري أدى له التّحيّة » تناول صيّاح بيك ورقة وكتب 
عليها أمرًا وختمها بختم القسم ووقع عليها . وقال للعسكري : «الآن 
تستقل إحدى السّيّارات التابعة لناء وتذهب إلى مستشقى الأمير 
راشد » وتّحضر املف الطبي الكامل المتعلق بأحمد» . خرج العسكري 
يلبّي الأمر . قال لي صيّاح : «هذا التقرير سيساعدل كثيرًا » أنا أريدٌ أنْ 
تنتهي هذه القضية على خخيرء وإذا ما عرض في المحكمة في بيّنات 
الدفاع من قبل محام مرس فإته ريما يُاعد القاضي على النطق 
بقرار عدم المسؤوليّة لعدم الأهليّة العقليّة» . ثم واصل أسئلته حول 
دوافع القضيّة . وحول الأصدقاء الذين أنا على علاقة وثيقة بهم. 
وبِمَنْ تأر من الشيوخ » ولَنْ أستمع » وكانت أكثر أسئلته عادية 2 
ولم أرَ عسكريا يجلس معه إلى مكتبه ويُدوّنَ مجريات هذا التّحقيق » 
فقد كانت الأسئلة كلها شفويّة وكأتها حديث بين صديقين أحدهما 
يريد أن يعرف ما حدث مع الآخر بعد طول غياب!! 

استمرّت أسثلة صيّاح بك أكثر من ساعة شريت خلالها فنجاتين 
من القهوة » ودخندت خمس سجائر على الأقل . وأثناء ذلك سمعت 
أذان العصر يُرفع » فطلبت من صيّاح بيك أن أؤدَي الصّلاة » فسمح لي 
بتأديتها في المكتب »ء وقام من خلف مكتبه › وأعطاني سجادة الصلاة 


234 


بنفسه > وكان ذلك لطقا كبيرًا منه 1 

بعد أن أنهيت الصّلاة » رن هاتف المكتب.ء فتناول العقيد صياح 
السَّمّاعة > فلمًا علم من المتصل على الخط الآخر » رن على جرس 
مكتبه > وطلب من عاكره إخراجى من المكتب »لكى يكمل المكالمة 
ولعله تلقى أمرًا فى هذه المكالمة بإعفائه من التّحقيق » وإبعاده عنه 

لم تمر غيرٌ عشر دقائق . حين أعادوني إلى مكتب العقيد صيّاح › 
كان يبدو مخطوف اللون . تغير فى هذه الدقائق العشر كثيرًا »لم يعد له 
ذات الوجه » سألني كأئما يعتذر : «هل تريدٌ شيمًا قبل أن أخرج؟» 
بالمتجائر» ‏ أخرج علبة سجائره كاملة وكانت من نوع ( (1.84وأعطاني 
إيّاها » وقال موجها حديثه للعساكر «زوّدوه بالتجائر كلما طلب» . فهر 
اثنان رأسّيهما صافحني مصافحة مَنْ يودع صديقا سيغيبُ عنه عقودًا 


235 


(YA) 
أين الكلب؟‎ 


بقيت في المكتب وحدي رمحي ينص ن اع صوت أذان 
المغرب من أحد المساجد القريبة » قمتُ وصليت »> كنت قف أنهيت 
الفرض » وشرعت بركعتّي السسّئّة » وقبل أن أتمّهما رن جرس الهاتف » 
رفع أحد الحرس السسّمّاعة » أصفَّى قليلاً . قبل أن يشير براسة جهة 
الباب بطريقة مضطربة > قائلا : إن أبو سليم» قد حضر . رايت حركة 
لا اعتياديّة من قبّل الحخرس والعساكر ء كنت قد أنهيت الرَكعتَّين › 
وفيت جالسًا أدعو الله » فى هذه اللحظات سمعت وقع خُطُوات 
شخص خلفي »ثم صوته وهو يقح كأفعى : «أين الكلب؟» . فرد عليه 
الحرس : «إته هذا الذي يُصلّي أمامك» . صار بجانبي تامًا » حيتها 
هممت بالوقوف » لکته سألنى : «هل أهمت صلاتك؟» . فأجبته كمن 
يريد أنْ يكون ودودًا : «ودَعَوْت لك» ‏ فرفسني برجله رفسة قويّة على 
ظهري أوقعنّني على الأرض » وصرخ : «لا أريدٌ دَعَواتك يا كلب» 8 
أمرني بالوقوف » فوقفت وأنا لا أزال أضع يدي على جانب ظهري من 
شدة الرّفسة ‏ ما إن استويت في وقوفي حتى هوى على وجهي بلطمة., 
أشدٌ أفقدتني وعيي للحظات » وسقطت ساعته من يده لقوة اللطينة 
كنت لا أزال أحس طنيئًا يشقب أذني في الجهة التي تلفّت اللّطمة 
حين نظر إلى ساعته على الأرض وأشبار إلى كمن يُخاطب كلبًا 
أجرب : «أعطني السّاعة» . هممت لحظتها أنْ أنشب أظافري في عنقه 


236 


وأعض رقبته حتّى ييل منها الدّم » لطالما كان هذا الشعور يراودني في 
حالات الفضب الكديد . لكتني تالكتُ نفسي » وأجبحّه لاهذه 
ساعتك ولیت ساعتى › وأنت الذي أوقعتهالا أناء وعليك أن 
ا تنكف :ا لے ادا فى بك :ولیت ی شرا 
عندك». فاجأه ردي » لكته ف الوفت 2 تسا تماديه 
وعنجهيّته » فقال وهو يزفر : «الظاهر أك وقح!!» . فقلت له بلا مبالاة ء 
لكن بتشف بيني وبين نفسي : «ليس بمستوى وقاحتك ء ولا جُرأتك 
على الله» . هته العبارة الاخيرة , أمال رأسه جهة اليمين قليلا كمن 
يريد أن يسأل عن جرأته على الله ء فأعطيّه الجواب قبل أن ينتظر 
«لقد ضربتنى وأنا بين يدي الله ؛ فهل هذه رجولة؟!» . فرد على وهو 
تفسرق وهل مكلاف رك كك اكلة نه ربكن أن قله الذي تعرقه غير الله 
المعروف للتّاس؟» فرددت : «وهذه جرأة أخرى منك على الله » لقد 
دخلت ورآیتنی ي أصلَي له » وكنت أدعوه » ولم تحترم جلوسي أمام ملك 
الملوك » ورحت لتضربني على ظهري › هل هذا فعّل من يعرف الله؟!» 
لم يقل كلمة واحدة بعد عبارتي ي الأخصييرة » اندحنى مثل مهزوم في 
الحلبة وتناول ساعته التي سقطت على الأرض . وقال لي ووجهه 
محم فين أت دی الم فيه بعد اتحناءته : «اجلر» . جلست وأنا 
أشعر بألم شديد في ظهري ء كان موضع الرّفسة يؤلمني كثيرا » كأن 
صخرة صلدة قد هرستّه 

سالنی «مَنْ وراءك؟!» . أجيمّه دلا أحد غيري »ء آنا ورائى» . «لا 
تتهبَلُ . هذا كلام غير مقنع» . «أنت حُرٌ ء أنا أقول لك الحقيقة . لأنّني 
من أجل هذه الحقيقة فعلت ما فعلت » ولن أقول لك أكثر من الكلام 
الذي قلنّه لصيّاح بيك» لانت نبرثُه وهو يقول : «إذا تعاونت معنا 


237 


فإتك سترتاح وتريح » وإذا لم تتعاونٌ . . .» . توقف قليلاً ليغيّر نبرته 
أهتف في سرّي : (إنّه جيّد في تغيير مستوى الأصوات» . يُتابع هو 
بنبرته الخنشنة ء مُّهِدَدًا : «وإذا لم تتعاون فأعدك بأنك سترى أشياء 
تتمنى لو أنك لم تعش حتى تراها» . أجبته ببرود : «هذا كل ما 
عندي .ليس لدي ما أقوله بعد» . وأدرت وجهي إلى الجهة الأخرى . 
وقف على قدمّيه » وصرخ : «سأعرف كيف أجعلك 3 دوت 
ملفك كله . أنت واحد مُتَتَمُرد » ولديك أسبقيّات في المشاكل 
والمشاجرات . وعندي شكاوى كثيرة من زملائك عليك . وأنت غير 
منضبط ولا ملتزم » والدليل أنه لك أحد عشر عامًا في العسكريّة وما 
0 برتبة جندي حاف › وزملاؤك الذين خدموا معك صار كل واحد 

منهم وکيل أوّل» . ثم جلس » وهو يلتقط أنفاسه . أجبمّه عن عبارته 
الأخيرة : «صحيح أنني لا أزال جنديا حافا وزملائي صاروا وکلاء » 
ولكن أتعرف السّبب؟ السّبب أتني لا أطأطئ رأسي لأحد »ولا أقبل 
أنْ يكون حيطي واطنًا» . ْم طلبت منه سيجارة قائلا : وأنت تحقق 
معي منذ أكثر من ساعة » وتثير ير أعصابي بكلماتك وأسئلتك › وفوق 
ذلك رفستني على ظهري » ولطمّتني على وجهي › وأنا في ضيافتك 
كل هذا الوقت ؛ ألا تعزمُنى على سيجارة؟! أشعلٌ لى سيجارة من 
تفلف اعفان عست عن الا الكو .حى يده على 
ملكتب ء أراد أن ؛ 1 يشتم » أراد أن يبصق ء أرادَ أن يفعل شيئًا » لكنّه برطم 
شفتيه + و ا ا عقن لزيد الى ينا علا و کت 

دخل ضابط أعلى منه » عرفتّه من هیئته أوّل ما دحل . تم إن (أبو 
سليم) وقف على أصابع قدمّيه وأدى له التحيّة » لقد كان هذا هو اللّواء 
(أبو عبّود) . نظرّ إلي نظرة غضب ويادَلْتّه مثلها » فقد كانت لي معه 


238 


حكاية قديمة لين عاق اد المقاعد ولق يحول بره ه عنى » وأشار 
للضابط الستابق أن يُتابع معي التحقيق . سألني الضابط إن كنت أعرف 
الباشاءأجيته «هل هذا سؤال!! ومن لا يعرف (أبو عبّود)؟» . 
فانتفض الباشا وشتم شتيمة لم أعذ أذكرها , قائلاً : «وهل أنا حَرَاثْ 
عند أبيك يا خَلْقَةَ العسكري » اسمي اللواء أبو عبّود باشا» .لم أرة . 
سكت الضابطان وتبادلا التظر »قبل أن أوجه كلامي للباشا قائلا : 
«أريدٌ أن أنعش ذاكرتك» . انتبه إلي » وعرف ما سأقول فسألني 
« کیف حصلت على البندقية؟) . فأجبته «أجل سؤالك هذا لاحقا 2 
لديا وقت طويل من أجل أن ا لف عقن »لكنني أود أن أذكرك 

ببعض أعمالك › أتذكر في عام ۱۹۸۹ ولم تكن قد صرت باشا يومّها › 
DEE aN EET‏ 
وأثناء قيادتي للصّهريج . طلب مني أحد الرّعاة المساكين الّذين شقَق 
العطش أفواههم أنْ أملاً له قربته بالماء » تخيل يا سيّدي لدي صهريج 
ماء يحمل أكثر من عشرة أطنان من الماء ٠‏ أي ما يُعادل عشرة آلاف 
قربة ماء » ولم يكن لينقص من ذلك الماء شيء لو سقيت الرّاعي » بل 
إن ما يتساقط منه بسبب حركة الصّهريج على الطريق يُمكن أنْ يملأ 
خمسين قربة . تخيّل يا سيّدي ء كنت أريد أن أهبّ ذلك الراعي 
المسكين قرية واحدة من عشرة آلاف قربة تتماوج في صهريجي . 
وفعلت ؛ ملأت له قربته بالماء » ورأيتني » هل صادف ذلك يوم نحس 
بالتبة لى؟! لا أدري ؛ لكن ربّما . شاهدتنى وأنا أسرق من ماء الدّولة 
قربة واحدة لأروي بها ظماً راع مَنسيّ ريما لا تععيره الدّولة أحد 
أبنائها » فماذا فعلت؟ لقد بعشت بى إلى المحكمة » تُحاكمنى على أنْ 
ردت وا مق اجا فى ف العَطش؟!! وت ر 


239 


وصدر قرار ضدي بحسم راتب شهر کاملٍ بتهمة مخالقة الأوامر 
والتعليمات . وذهب راتبي في ذلك الشهر بشربة ماء!! أتذ كر ذلك يا 
سيّدي!!» . تحرك على الكرسى الذي يجلس عليه > كان حاول أن 
يبتلع أطنان المرارة العالقة بحلقه جرّاء ما قلت » صك جملة واحدة 
قالها بلهجة متخذية «هل أنت حقود إلى هذه الدّرجة .. ألم 
تتس!!» أجبمّه ,اتا لا أتنى من سء إلى بغير حَق» 0 
«ولكتك كنت تستحق َه * . صرحت بذات المستوى : «کنت أستحق أن 

اشكر على إنسانيّتي لا أنْ أعاقب» . رد بحروف مرتجفة «وهل ستقوم 
عزن إذا تفي ل ا جت عن هتا ا فون 
الشارع فهل ستقتلني؟» . أجبمّه «الله أكبر . . . حاشاك . .وهل 
تظن آتني سفاح ومجرم؟! آنا لا أمدّ يدي على مُسلم , أمّا ظَلمّكَ لي 
فاحتسبه عند الله ء وأطليه مته يوم ألقاه» . فرد بعصبيّة «إذا كنت 
تدعي أك لست سَّفاحًا ولا مُجرمًا > فلماذا قتلتَ ناء؟!» . اجبته 
كنظ عَرّ مشيله ؛ وكدت أضمٌ رجلاً على رج ل وآنا أتحلّث » لكنْ 
قت أن يُفسد ذلك الأمر» فقلت : «اليهودُ مُغتصبون » ونحن في 
حالة حرب معهم . دَعْكَ من المفاوضات فهذه لم يشهد عليها أولها إل 
مَنْ كان حاضرًا » أمّا العْيّب الشهود على الحق والوطن فهم يرفضونها › 
ومعنى تنا في حالة حرب أثنا نقتلّ منهم ويقتلون منَا » وقد استحلوا 
أرضّنا وعرضنا » وأساؤوا لديننا ء ولم نشف دماؤنا على حرابهم من 
أوّل يوم وَطئوا فيه تراب بلادنا الطاهرة . ولهذا واجب على كل مَنْ 
يستطيع متا أنْ يقاتلهم» . وضع يديه على ركبمّيه » وقال کمن أراد أن 
ولد ب اعراك ال كله عابنا "راج تور E‏ 
0 يعني أن ما قلته من أنهن استهزأن بك في الصّلاة هو 


كذ واختلاق » ومعنى ذلك أنّ الأمر كان مُبِيمًا » وكان مُخخطّطًا له!!» 
كه بات ی ی ت او ا ولد اتلك ارقش فلن 
التناقض بين ما نُه سابقًا وما أقوله الآن» . أجاب : «أنت الذي 
أوقعت نفسك فيه » الآنَ تأكد لي من أنك كنت تكذب بخصوص 
استهزائهن ورميهن عليك مخلفات الطعام» . أجبته باستخفاف ET‏ 
«لم أكنْ أكذب ‏ بالفعل هن استهزآن » وعملّن إشارات سخرية » 
وقهقهنَ بصوت عال » ولم أكن أنوي قبل ذلك قتلهن , فرق بين الحكم 
الشرعى بشأن اغتصاي شر من ديار المملمين » وبين واقعة فعلية 
حدئت معي صباح هذا اليوم» " 

طال الجدال بيتنا » يبدو أن الحديث معى ذو شجون » ذهبوا فى 
الأسئلة كل تفي تكد أن ا مقا التي يصل عددها إلى 
امات »لم تكن أكثرٌ من جولة تمهيديّة لما سيأتي “دحل علب عدير 
مخابرات محافظة إريد وبرفقته ضابط أخرء ويدؤوا معي تحقيقا 
جديدًا ء كنت قد أصبِت بالدوار لكشرة وا م و0 
شديد › وكان أثر الرفة في ظهري ما زال قائما . فقلت لهم:ه 
نعسان » وقد مرّوقت نومي » ولا ُد أن أصلّي وأنام» ا 
بالضّحك . وقال لي المحقق الأول العقيد أبو سليم : «یا رجل كيف 
تتطيع النوم وقد قتلت سيعًا وجرحت سحّة سمّة » بأي برود أعصاب 
EEE‏ اي اليك 
ال ضقي اال مع ی 
بشكل أدق قبل أن أعبّئها في الخازن » إنّ رصاصة واحدة ة فى الخزن 
الث هي التي خرّبت علي » ولم كمل فرحتي إلى نهايتها . وإلا 


241 


كنت قد حصدت أرواح كل مَّن كان في الباص . انتبهت من خواطري 
Oh‏ 0 دوما علاقة ذلك بالتوم » اعتبر أنني عدت من 
مناورة » ألا أستحق ى أنْ أرتاح قليلاً بعدها!!» . لم يُعتقوني » بل أمعنوا 
في أسئلة بمعنى وبلا معنى > ولذلك رحت أحاول أنْ أخفف تعبي 
بالتسلن مدوم E ak‏ . مألني الباشا : «ما علاقتك 
بحزب التحرير » ومَّن تعرف من عناصره؟» . أجبّته «أعرف ياسر 
عرفات » ولكنّني لا أعرفه معرفة شخصيّة »لم يحصل لي الشرف 
حتى الآن » أتوق إلى ذلك . ريّما يومًّا ما سأصافحه كصديق .ء وأنال 
منه بوسة رَطبة » وأشد على يده قائلاً مَنّ خان البندقيّة قله . فى 
الحقيقة أراه فى التلفاز » وفى الجرائد › إن صوره تملا الجرائد اليوميّة 1 
والأسبوعيّة » وعيناه تُخبران أنه ثائرٌ من طراز فريد . أمّا شفتاه فترتجفان 

من البرد أو الشّوق دائمًا على أرجح تقدير» . . سألني وقد علنّه بَهتة : 
«وما علاقة ياسر عرفات بحزب التحرير؟!» . فأجسّهم » وكأتني أريدٌ أن 
أضيف بإجابتى شيئًا جديدا إلى معلوماته «ألا تعرفون؟! إته رئيس 
وا . قال أبو سليم : نحن نسألك عن حزب التحرير وليس 
عن منظمة التحرير» . سألت بتغاب فاضح : قأليا شيئًا واحدًا. ما 
الفرق بين الحزب والمنظمة إذا كان كلاهما يُضاف إلى التحرير؟!» 
لاحقا فى سجن سواقة سيصبح عدد غير قليل من أعضاء الحزب 
أصدقاء لى وقد جمعتّنا الحنة نفمها 

لم يشا الضّبّاط أن يُتعبوا أنفسهم أكثر من ذلك . عرفوا أن طريق 
الأسئلة للحصول على الإجابات التي يريدونها مسدود . كان أذان 
لعب فو ارط مد اك من عمق ماع . غادروا المكتب ٠‏ وثقلت إلى 
إحدى زنازين الشعبة . صليت » ونمت . 


242 


كانت أوّل ليلة لي بعد العمليّة . آلف ذكرى تجتاحني » وأمواج من 

المشاعر المتضاربة تغمرني . ظلت طيوف المجتّدات الهاويات على وفع 
الرتصاصات يشغل خيالي »لم يغبّنَ لحظة » كلّما تذكرت الموقف 
شعرت بالفخر > حمدت الله على التوفيق . لكتني من جهة أخرى 
كنت أقف أمام الباب الُغلّق لسؤال جارح : ماذا سيفعلون بي؟ هل 
سأعرّض على محاكمة., عسكريّة علنية أم سريّة؟ كيف تجري أمور 
العالم في الخارح؟! ماذا فعلتْ فاطمة؟ هل وصل الخبر إلى القنوات 
وإلى شاشات التّلفاز؟ ماذا يقول النّاس الآن بحقى؟ هل يعتبرون ما 
قمت به بطولة أم يعتبرونه جريمة؟ لست مهتم إلا بصنف واحد من 
الاس ؛ عائلتي وأهلي ٠‏ إذا اعتبر هؤلاء ما فعلتّه بطولة فلن يضيرني ما 
يقوله الآخرون أريدٌ من زوجتي أن تقف إلى جانبي » من أبي وأمّي أن 
يفعلوا ذلك . أريدٌ من أبنائي خر ودا ورن فا نف أن 
يفخروا بأبيهم » أن يقولوا بكبرياء حين يُسألون : نعم نحن أبناء أحمد 
الدقامسة . أنْ يرفعوا رؤوسهم وهم يمشون بين النّاس » يهتفون : إن أبانا 
بطل > وإنه هو الذي اد فة وجه العرب» وهو الذي أعاد إلينا 
أسماءنا » وإلى شوارعنا أفراحها » وإلى بلادنا بسممّها . أيتها الأم التي 
تعبت من أجل أن تراني رجلا : هل تحقق الحلم الذي قلت لفاطمة إِنّه 
سيتحقق ء أنا أعرف ذلك . كل أحلامك كانت لا تنتظر شروق 
الشمس لتصبح واقعًاء إنها تُصبح كذلك بمجرد أنها مرّت بيالك . 
ولعت في خاطرك . أيّتها القدّيسة النقيّة كل ما أريده من الذنيا أن 
يكون قلبّك راضِيًا عتي » أن يلهج لسائك بالدّعاء لي .. . فهل 
تفعلين؟! وسقطت دون وعي في التوم : 


243 


(۹) , 
انتظارالعذاب اشد من العذاب 


' ١ یہر چیہ‎ Jer 


فى الساعة السابعة من صباح يوم الجمعة أيقظوني . كنت لا أزال 
أفركُ عيتيّ » حين سحبوني إلى مكتب (أبو سليم) ء وقفست أمامه وأنا 
أراه من خلال غشاوة E‏ عدي وكال لعاضر الاستخبازات 
اموجودين في المكتب : «حذوه وأعطوه ذخ خلرة ه يصخصح» . فرحت 
جدا ء كنت محتاجًا بالفعل إلى دش تعب الأمس » ونكد الأسئلة » 
وطول فترات التحقيق » والترحيل من شعبة إلى شعبة كل ذلك زاد 
من حاجتي إلى دش يُنظفني من بعض ما علق بجسدي وبروحي من 
الدتس . محيوني إلى غرفة صماء ء ليس بها أي قطعة أثاث . وهي 
معتمة لخلوّها من الشبابيك > فقط ياتيها الضوؤ من لمبة وحيدة بنت 
فيه عكرات الشناكي اعشافها على مع السفف عند سين د 
بحثت عن دش يكن أن يستحم تحته الإنسان فلم أجدٌ . فسألتهم 
ببراءة : «العقيد أمر أن أستحم» . فأجابوني وهم يتضاحكون : 
«بالضبط › ونحن سنجعلك تستحم تمامًا» . أجلت بصري مرة ثانية في 
الغرفة » وقد بدأ الشّك والخوف ينقران قلبى كانت هاك قيود مُعبّتة 
على الجدارء بدا الجدار مُهِتَرِنًا ومقشور الطّلاء فى أكثرٌ من مكان .ء أما 
القيود فعلاهن بعض الصّداً ك0 بنات الألم » رقيقات الوجع »› 
والراقصات على إيقاع المّرخات » أو هكذا َيل إلي . وفي إحدى 
ا ادلو ماعن ھا (شوال) ملح كير والى يعات 


القيود هناك سوط مضفور لم أكنْ أعرفٌ بعد إِنْ كان من الجلد أم من 
الحديد . قلت فى نفسى : «هو إرهاب نفسي فقط »لن يفعلوا لى 
شيئًا» كانت آمالي تتعاظم بان لا يوني بسوء » ومع تعاظم آمالي 
كانت تتعمّلق إلى جانبها مخاوفي من أن تكون هنا نهايتي »لم أدخل 
مثل هذه الغرفة من قبل 

أجبرني ثلاثة من الحرس على أنْ أخلع ملابسي . ضحكت كأنني 
ست ا > كاتت ضحكة خوف » هل سمعتم من قبل بأ هناك 
خوفا يبعث على الضّحك ‏ > هكذا كانت حالتي . قلت لهم بود » وقد 
تقلصت ضحكتي إلى الرّبع : «بلاش يا شباب . . . عيب . . . والله 
عيب» . لوح أحدهم بالسّوط » فسارعت إلى خلع ملابسي »لم يبق ما 
يستر جسدي إلا الملايس الذاخليّة . دفعوني إلى الجدار الأصم . 
وضعوا القيود في يدي . وعلقوهما إلى الجدار. كان القيد المثيّت على 
الجدار أعلى من رأسي قليلاً » وبهذه الهيئة بدوت مثل ذبيحة تعلق 
للسّلخ . تراجعوا إلى الوراء » ما زال الأمل حتّى في حالات انعدامه 
يواصل زحفه إلى قلبي » هتفت في سرّي : «غذا كان الألم مجرّد شبح 
على الجدارء فأستطيع أن أحتمل ذلك »لن يكون الأمر مؤنًا بشكل 
كبير» . لم أكذ أ هذه الجُملة في خاطري حى دخل شخص لا أدري 
إنْ كان ينتمي لنا نحن البشرء هو بشري بلا شك »ء لكنه لا يُشبه أحدًا 
من البشر الذين عرفتّهم طوال حياتي ٠‏ كان طوله يتجاوز المترين » حتّى 
أنه انحنى برأسه وهو يدخل من الباب » وكان عريضا أعرض من 
ثلاجة ۲٤‏ قدم » وعضلاته تُشبه البطاطا الضخحمة » ورأسه يُشبه بطيخ 
الغور فى الصيف > ظننت أتهم يمزحون حبّى هذه اللحظة معي »لکن 
البغل الذي دخل لامَّوّ كان لا يعرف المزح . نيت أنْ أقول لكم إن 


245 


شواربه يقف عليها الصّقر كما يقولون »لم تأخذ المسافة القاصلة بين 
الجدار المشبوح عليه وبين الباب معه أكثر من خطوتين » صار أمامي 
تمامًا » وبدون أنْ يقول كلمة واحدة رفع يده التي تساوي فى حجمها 
وجهي بأكمله » ولطمني لطمة ظن آتها البداية » ولم يكن يدري أنها 
التهاية بالنسبة لي » ارتطم رأسي بالجدار » وانسحق من أثر اللطمة › 
وفقدت الوعي مُباشرة » يمكنكم أن تقولوا إنّه تغلب علي بالضّربة 
القاضية ء أنا الذي حسبت نفسي كوماندوز في صباح اليوم الفائت لم 
آخحذ معه إلا ضربة واحدة!! 

لا أدري.كم بقيت غائبًا عن الوعي » لكنّهم رشوا على وجهي دلوا 
تلو الآخر من الماء » واستيقظت » وأوّل ما استيقظت طالعّني وجهه 
المشؤوم » أردت أن أبكي لكنّه لم يتركً لي فرصة للبكاء » فلكمني من 
جديد » ورحت أتلوّى على الجدار مثل شاة مريوطة من عرقوبها . كان 
جسدي كله ساحة مفتوحة أمامه يفعل به ما يشاء » كانت صرخاتى 
تملأ المكان » رجوته أن يتوقف عن ضربي » لكنّه كان أصم › رجوته أكثر 
أن يتوقف قليلاً ريشما أرتاح » وبعدها فليتابع عمله المهدّس »ء لكنّه رد 
على بأن تناول السّوط وبداً يضرينى به » حمدت الله أته كان من الجلد 
لاعن ديد هح آنا قدرية و قله مؤلة عدا وتظهر آنارها 
على الجسد لأسابيع لكنّه بعد ذلك يتعافى » أمّا ضربة سوط الحديد 
فإنّها تأخذ نتفا من اللحم › وهذا اللحم الذي يذهب منك لا يعود لا 
في أسابيع ولا في أشهر › إن استخدام سوط الحديد يعني أن يُنقصوك 
شيئًا فشيئًا حتى لا يعود لك وجود . حمدت الله كثيرًا على سوط 
الجلد . لكن صرخاتي » واستغاثاتي لم تتوقف . حتّى دحل العقيد أبو 
سليم » فأمر الوحش أنْ يكف عن تعذيبي . قلت له ورأسي مُدَلّى بين 


246 


كتفي » ويداي ما تزالان مُعلقتين إلى الحائط : «أنت قلت لهم أنْ 
يأخذوني للش من أجل الاستحمام » من الممكن أن العساكر الطيّبين 
قد فهموا خطأ» . فرد على : «لا لم يفهموا خطأ ؛ لأن هذا هو الدش 
الخاص بنا» . فقلت له وأنا أحاول أنْ أيتم بفم يملؤه الدّم : وسامحك 
الله » لماذا لم تخبرني بهذه المصطلحات من قبل ء لقد قضيت معك ليلة 
كاملة ولم تقل لي شيئًا عنها!!» . فسألني من جديد : لاوكيف رأيت 
الدُشىه . أجِينّه وأنا أحرّك رأسى محاولا أنْ أرفعه قليلاً : «أعجبنى › 
لكنّه ساحن قليلاً» . قال لي : «تستطيع أن تخرج اليوم لو انك . . .» 
وصمت . فسألته : «ماذا تريد متى؟» . أجابنى : «أنْ تقول الحقيقة» 
فأقسمت له برب السّماوات السبع أتني TETER‏ 
خلصنى من هذا الذش اللّعين » وفك قيودي ء ودَعْنا نتتحدّث رجلا 
لرجل . فأمر على الفور بفك قيودي » وإحراجي من تلك الغرفة 
الحيفة . وقفوا على الباب ينتظرون أن ألبس ثيابي . لم أك أقوى على 
الإمساك بالينطال » ولا بالقميص العسكري » كنت أرتجف » ولا أقوى 
على حمل ذرّة تراب . وكدت أسقط وأنا أحاول » أقار العقيد إلى 
الرجل البغل . وفي خلال ثوان ء كنت ألبسْ كل شيء ولا أدري كيف . 
على الباب » سالني العقيد : «هل تُحسن القراءة» . أجبتّه كأن الموضع 
موضع افتخار : «أتا قارئ جيّد» ويمكن أن تعدني قارئًا نوعيا» . ابت 
بسخرية » وأشار إلى لوحة مُعلّقة على الجدار أراها لأوّل مرّة : «إدا اقرأ 
هذه» . وقرأتْ عبارةً حمدت الله أنّنى لم أقرأها قبل دخولي إلى هذه 
الغرفة القاتلة » فلو أننى فعلت لأصابنى الرّعب » كانت العبارة تقول : 
امن فات مات . وسن لم يت ولد من جديد» . بلعت ريقي » حاولت أن 
أتغلب على حوفي » قلت للعقيد : «لقد ولدت من جديد إذَاء 


247 


المعركة لمن صبر . أعرف هذه القاعدة . لقد قالوا : «التصر صبرٌ 
ساعة» . جسدي الذي حرج لتوه من حفلة تعذيب لا يُساعدني كثيرا 
على الصمدد ء وكذلك ذهني المضوّش أحتاج إلى بعض الوقت 
للتعافي . التعافي يكون بانتظار التعافي . كان علي إذا أن أماطل حتّى 
أستعيد بعض قواي . دخلنا إلى الغرقة . جلس خلف مكتبه » أراد أن 
ندا وار الأ عله البغيض » استمهاته بطلبي أن أدححّن : «هل لديك 
سيجارة؟ منذ الصباح لم أدخن» . دخنت ‏ «سيجارة بلا كأس شاي أو 
قهوة كأنتها ليست سيجارة» . أحضروا لي شايًا يقطر حلاوة . «الجوع 
يقرص معدتي » والوحش الذي أدّبني قبل قليل جوعني أكثر؛ 
أحضروا لي فطورًا كان لسان حالهم يقول : «لاحق العّيّار لباب 
الدار» كانوا يلبّون طلباتي على أمل أن أعترف لهم با يبحثون هم 
عنه . تناولت الإفطار مع المحققين جميعهم . مزحت معهم . ضحكوا 
رفعوا الطعام بعد أن انتهينا . لم يعد هناك مهرب من مواجهة الأسئلة . 
قال أبو سليم : «تكلم يا بني . قل لي ماذا حصل» .أعدت له القصّة 
التي أعدْثُها منذ أمس إلى اليوم أكثر من عشر مرّات : « كنت 
أصلي . . وجاء باص . . . وبدؤوا يستهزئون.. .»4 كان هناك عدد 
E‏ و د اط ل 
أكن قد رأيته من قبل قفز في وجهي › وصرخ : «وهل تستغفلنا يا كلب 
يا ابن الكلب» . فوقفت على رجلي » كنت أرتجف . كان أبي يقف 
عابي كان عو الأخرر يرت صر فى وجهة «أن تشتمني في 
وجهي فمن الممكن أن أقبلها » لكن لماذا تشتم أبي » وهل أبي فعل لك 
شيئًا . أنت هو الكلب » وأنت ابن كلب» . فهجم نحوي وانهال على 
ضربًا بيديه ورجليه . وكان يغلي من الغل » ولا أدري إِنْ غاظه سبّي 


248 


لأبيه لماذا لم يتوقع أنْ أغضب أنا لسبّه لأبي » والبادئ أظلم . سحبوني 
بعدها إلى الغرفة المشؤومة ذاتهاء كان اثنان يقومان بجري . ورجلاي 
تشحطان خلفي ء فلمًا رأيت الباب » حاولت أن أقاومَ برجلي فاوقف 
جرّهما لي »لکن قواي لم تساعڏني » ا الغرقة ٠‏ ونزعوا 
عنّى ملايسي » وتوقعت الأسوأء وانتتشر الخوف فى جسدي › 
فأحسست بخدر في كل جوارحي » ومرارة تحت لاني » وكدت أبكي 
من القهر . قيّدوني إلى الجنار الأصمء وذهبوا كنت أتوقع في أيّة 
لحظة أن يدحل علي البغل ويبدأ بضربي . وكنت أتخيّله منهالاً على 
الضّرب فأحس بالألم بالفعل مع أنه مجرّد تخيّل » وتأكّد لي أن في 
انتظار العذاس عذابًا أشد من العذاب نفسه . وأنْ ما تحس به هو ما 
متها شو لله كرك آذ اعمتل دع o‏ 
0 و : 
مر الوقت بطيمًا . لكن أحذدا لم يدخل علي الغرفة › ويدا أتهم 
عدلوا عن فكرة التعذيب . أو أنتها حدثت دون أنْ أحس أو أنتبه » هل 
استطعت التَحَكّم بمشاعري منذ ذلك اليوم؟ ربّما . بقيت مشبوحًا حتّى 
الظهر . أخرجونى من الغرفة السّوداء » وسألونى إن كنت أريدٌ الغداء » 
كعد غا ا وو ا چ فين كاين ي 
قاسية » لم أسمخ في حياتي لأحد أنْ س والدي بسوء . ولا بالكلام ‏ 
لكر هذا الجيفة استقوى على بسلطته وبوجوده بين زملائه المحققين » 
هذا أكثر ما أوجعني ؛ أن يشتمه على مسمع الآخخرين ا 
احتجاجًا على ما حدث . توضأت وصليت الظهر . وبعد أن أقمت 
الصّلاة . قيّدوا يدي ورجلي . وعلى باب شعية الاستخبارات كانت 


تنتظرني سيّارة عسكريّة » ركيت في الكرسي الخلفي وعن يميني 


249 


وشمالي عسكريّان » وانطلقت السّيارة ترافقها مسلحتان كالعادة باتجاه 
الأغوارء باتجاه الباقورة المستعادة . من أجل أن أقومّ بتمثيل العمليّة 
التي نفذتها على أرض الواقع 

قال لي أبو سليم الذي كان يجلس في المقعد الأمامي ونحن لم 
تبارح إربد بعد : «نحن ذاهبون إلى الحدود . وبعد أن تُمثل العملية 
سأقوم بتسليمك لليهود» . فاجأتني العبارة وبعشرتني #فسالت 
00 كنا وعد يي EE‏ 
وا ا E NS‏ 
فعرف أنه استطاع أن يهرّني » تابع : «لکن فكرٌ . . . قبل أن نصل إلى 
الباقورة » معك وقت إن قلت لنا الحقيقة » وأخبرّتنا عن الجماعة التي 
وقفت وراءك ودفعتَك إلى هذا العمل » ف وف ألغي الطلب 
الإسرائيلي » وأطلب من القضاء ء العسكري أن تتم م محاكمتك هناء 
ليس هذا فحسب ؛ بل ساطالب بتخفيف الحكم عليك إن صدرة . 
مرت الحظات صمت صعبة . لكزنى 0 
رأسه ورفع حواجبه إلى الأعلى »قال لي بهذه الحركة كل شيء : «| 
ال ا N‏ 
العيتين يُمكن أن تُزيل جبالاً من الصّخر القاسي كانت تضغط على 
الصدر . 

قبل أن نصل بقليل إلى اللأغوارء سألني أبو سليم : « 
فكرت؟» . أجبمّه انعم» . فتحفز . «وماذا قررت؟» بكي 
قتلي فلن أقول لكم كلامًا غير الذي قله لكم اليوم وأمس » لأنّه هو 
الحقيقة . ولآته لا يوجد عندي كلام سواه» . رد العقيد بغضب : 


250 


«الجماعة التى دفعنّك لهذا العمل لن تنفعك حين تُسلمك لليهود ء 
هل ستدافع عنك مثلاً؟ سوف يُعدمونك » أو تتعفّن فى سجوتهم دون 
أن يسأل بك آحد» . اجه هذه المرّة بحنق : «أقسم بالله العظيم لك 
أنه لا تُوجّد جماعة ولا أي شخص دفعنى لذلك »آنا قمت بهذا 
العمل من تلقاء نفسي » آنا أكره اليهود › وأريد أن أنتقم منهم » ألينن 
هذا سببًا كافيًا لأنفذ هذه العمليّة؟!» 

كانت سا برج العلم في الباقورة تعج بالضّباط والعساكر 
وكاميرات التّصوير والكلاب البوليسيّة والمحققين والحرس » وعُمّال 
ا مختبرات الجنائيّة » والأطبّاء . أحسست بأن المكان يرحب بى على 
طريقته » عشرات من الجنود والضباط احتشدوا فى المكان › كان 
يعتبرهم عوالق زائدة » وحدي كنت حبيبه » وحدي كنت الغائب 
المنتظر . وأنا أيضًا هرّني الشوق إلى المكان » من بعيد يل إلي آنّني 
أسمع خرير التهر » كم اشتقت إليك أيّها الصّوت السّماوي › إِنّه يوم 
واحدٌ » لكتهم جعلوه يطول كأته قرنٌ . إن البعد عنك ماعة يفجر في 
ينابيع ال حنين ف ووضو ا او ا ا كي ار 


تحفزتٍ الاك الا يقة مناسبة 0 ويعنت 
الأبراج . 


«فكوا القيد من يَدَي ورجلي . أريدٌ أن أمثل لكم عمليّتي بشكلٍ 
حر لا تخخاقوا لن هرب . أنا لا أهرب مما أفتخر به . أنا لا هرب من 
حلمي الذي تحقق» . سألوني عن موضع صلاتي » وعن موضع الباص 
والمجتّدات ء وعن الخصى وقشور الموز... شرحت لهم كل شيء,ٍ 
بالتفصيل مُترنّمًا كما لو كنت أنشدٌ قصيدة : في الفخر والحماسة 


251 


١نم‏ . . .» وصمت » فاستعجلني المحعقون والمضدورون لحر 
یره . ثم ماذا؟» 3 توجهت إلى السيازة وسحبت البتدقَيّة 

وصوبت باتجاههم . . . (آيوه , شم ٠‏ ماذا؟!» ئم فقدت لوعي ٤‏ 
ولم اصح إلا فى سبنى | e‏ الشونة الشماليّة» . سألنى كبير 
المحققين : «وكيف مت بدهس اثنين وأنت فاقدٌ للوعى » هل يُعقل 
لد OE‏ سيد م7 


كي خت ا ء من الاستعطاف : «تذكرٌ يا 
بني .. تذكرٌ. . .» . فقلت له : «هات سيجارة لربّما أتذكّر » أحتاج أن 


أدحن من أجل أن يصفو ذهني» ايك المح بالضحك › »> حتى إنّه 
ضرب بيده على كتفي » ؛ وأمال جذعه حتى ركن رأسه على صذري . 
أخرج سيجارة من نوع (دنهل) وأشعلها › وقدّمها لي . قلت له شاكرًا : 
«اللحظات الجميلة تحتاج إلى سيجارة أرستقراطيّة» . ضحك من 
جديد » وسألنى بعد لحظات : «والآن هل تذكرت ...؟ هل ساعدتك 
الستيجارة على استر جاع الموقف؟» . أجِيمّه وأنا أنفث دخان السّيجارة 
عاليًا : «ربّماء تذكرت بعض الأشياء #لكعدى فت أن اف 
را الحلو منه اعد على تنشيط الذاكرة > أظتك لا تمانع بأن 
يُحضروا لي كأسًا؟ة كان أبو سليم يقف على بعد خطوات من كبير 
المحققين » لم يُعجبه الموقف . فاقترب وهو يقول بازدراء : «إنتا يا ولد 
أهبل ولا بتهبّل؟» . أجبِمّه بهدوء : «لا هذا ولا ذاك . وكأس الشاي 
تنشط الذاكرة كما قلت لك لكنّ يبدو أتك لا تقرأ» . أضاف كبير 
المحققين موجَهًا كلامه لأبي سليم : «ايق بعيدا . لا تتدخل» . زفر وهو 
يضع يديه على خصره ويبتعد .لم يكن بالمكان کله شاي › فأرسلوا 
سيّارة إلى التقطة لإحضار إبريق شاي كامل » طلبوا تحضيره عبر 


22 


اللاسلكي قبل أن تنطلق السّيارة من هنا على وجه المّرعة » وصل 
الشاي بعد حوالي عشر دقائق . قرفصت على الأرض . سكبوا لي 
هذا موعدٌ الشاي العراقى المعطّر كالئلافة» كان بالفعل كالسّلافة . 
كان كير الحققين ينتظر» رحت أهرش رأسي » وأشرب EEE‏ 
الكاسن وأضعه على الأرض ثم سحب تفا قا من سيجارة هي 
الغانية التي تبرع بها مُحقق آخَر» وأنظر في السّماء » وأشرد بيصري 
وکل ص في ت وهو e‏ كان يقفا على رجل واحدة 3 
الجوهرة الى سأنطق بها!! بعد أن آتممت الحا س الأولى > طلبت كأ 
ثانية وأعطوني » > ويعد أن أنهيتّها وقفت ٠‏ وتحفزت الكاميرات والمصوّرون 
لتصوير ما سأقول . سألني كير المحقّقين : «والآن هل تذكرت؟» 
«للأسف يا سيّدي . . . إتنى ما زلت مُصابًا باضطراب ما يعد 
الصدمة » . وهززت رأسي بأسف . عندها لم يتمالك أبو سليم نفه 2» 
وركض باتجاهي وقد تخلى عن هيبته كعقيد » وعن وجود مسؤول أكبر 
مه يحمقى في الموضوع 5 واتهال علي بالضرب وهو يقول ب «ألم 
أقل لكم إنه يُسْتهبلنا؟!!!» 


3 


r) 
ليس مهما أن يتأذى چسديء‎ 
امهم آلا يتأذى جسد الوطن‎ 


أعادوني وأنا أتلوى من الألم إلى شعبة استخبارات إربد » لكن 
خفف من ألمي أتني دنت ما أريد وشربت من الشاي ما أريد ء 
وحظيت كذلك يتصوير سيدمائي مثل ذلك الذي يحظى به التجوم . 

في الطّريق كان العقيد أبو سليم يزفر مثل ثورلم يأكل شيقًا منذ 
الصّباح » قال لي بصوت لم أعرف آنه له من كمَيّة الغيظ التي فيه 
«سترى معي ما لم تحلم بأنْ يحدث طوال حياتك» . هتقت في سرّي 
«لقد حدث معي ما حلمت به أمس» . وتايّع : «مسترى أيَامًا تتمنى 
أتك لم تُخلق لتراها» . هممت أنْ أطلب منه سيجارة » ولكتني خحفت 
أن ينفجر بالصّراخ . الملاعين لا يُدركون حاجتي الشديدة للتّدخين › 
وخاصة عندما أسمع حماقاتهم وهم يُرغون ويُزبدون يها 

وصلنا إلى إربد عصرًا . لم أستطع التَحدّث براحتي في الطريق 
أدخلوني إلى شعبة استخبارات إربد مُقيّد اليدين والرجلين كنت 
أتوقع أنْ يخفّ غضب أبو سليم بعد أن قطعنا هذه المسافة من الأغوار 
إلى إربد » لكته كان لا يزال حانقا على ما فعلت فى ساحة برج العلم . 
فهتف بي غاضبا دما رأيته في السّابق مني سيكون دغدغة لما ستراه 
اليوم» أدخلت إلى الغرفة المّوداء الكثيبة » ومن جديد علقت من 
يدي إلى القيود المثبّتة على الجدار فوق رأسى ي » مرت لحظات هدوء 


254 


مريح » ظننت أنها ستطول » وأثني ربّما أستطيع أن أغفو حى ولو على 
هذه الهيئة › فمنذ ثلاثة أيام لم أنم جيِّدًا . لكن حيل الآمال قصيرء 
سرعان ما انقطع بدخول الوحش » كاتنت لديه تعليمات م 
يقسوة . كان مُنخراه ينقتحان وينغلقان كأئهما مُنخرا يغل يلهث 

اقترب وعيناه تقدحان شررًا » ابتسمت ابتسامة راجفة » أردت 0 
له : «دغنا نتفاهم . أنا والله لن أضربك مثلما تضربني » وسأعتبرك 
صديقا لي منذ اليوم إذا قبلت صداقتي» . لكنّ هذه الكلمات ظَلتْ 
حبيسة في داخلي . لاه لم يُمهلني حتى أقولها . أوّل شيء فعله أنه 
أمسك بشعر رأسي وشده بيديه » حتى كادت جلدة رأسي تنخلع من 
مكانها وتخرج بيده . صرخت من الألم » فعاجلني بلكمة على فمي 
كادت تُحطم نصف أسناني . مال الدّم غزيرًا . تناول الوط ولف طرفه 
على يده »لوح به في الهواء » فصفر صفيرًا مُرعبًا ء كدت أسترحم »› 
لكن فواي خخارت . جلدني جلدة مرّتْ على وجهي كألف أقعي ذات 
جلد شوكي › رفعت رأسي من شدة الضربة »فتلقاه بيده الأخرى › 
فك على الجدار حتّى أحست أن جمجمتي انقسمت إلى 
نصفين » كنت أشهق على حافة الموت أو هكذا خميّل إلى » سمعت 
صفير الوط مرّة أخرى لكتني لم أره لأتني كنت قد بدأت طريقي إلى 
الغيبوبة . أكل السّوط من جسدي العاري حتّى شبع » كنت قد 
سقطت في وادي الغيبوبة التحيق منذ السّوط الرّايع . اللعين لم 
يتوقف . كنت في عالم آخرء وكان هو يستلذ بممارسة ساديّته معي i.‏ 
تأكد أتني لم أعذ أصرخٌ بسيب فقدان وعيي توقف . ذهب باتجاه زاوية 
الغرفة » سكب من (جوال) الع ي ر تم 
حمل الدلوء وعلى بعد متر رشقني فيها بقوّة » التحمّ الماء المالح مع 


255 


الجرح النازف فأنتج ألما لا يوصف . كان هذا الألم الجهتمي كافيًا 
لإيقاظي من غيبوبتي صحوت وأنا أفتح عيتّي وأغلقهما لتفادي 
دخول الماء الالح إليهما ء وأحاول أن أحرّك رأسي اا ات 
الماء عن و«جهى »لكنّه لا رآنى على هذه . ملا دلوًا أغرى بالماء ء 
وسكب فيها الملح ورشقها في وجهي وجسدي من جديد » فراح 
جسدي يرج كخروف مذبوح 

تركني بعد ساعتين من التعذيب » كان الماء المالح قد أنتج 
تهيجات بنفسجية في مواضع e‏ وصدري 0-00 
شيتًا في المكان غير الدلو و (جوال) الملح 001 
قارس » وألمّ نابح » وجوعٌ ذابح » وخُرْنَ مهلك » وعَطش قدي » وموت 
وشيك » ووحدة قاتلة » وعالم لا يرحم . تركوني ساعات طويلة دون أنْ 
يسأل بي أحد »أو يفتح لي باب الغرفة كاثن حي . أو يطمئن على 
وضعي ء أو يسألني إِنْ كنت محتاجًا للتبول أو للماء . ووحدي كنت 
أرى أن وطيتي تداس بأقدامهم » وروحي الشائرة تُزهق بباطيرهم › 
وهم إخحوة السّلاح ورفقاء الذرب ٠»‏ فما أمر الشعور , وما أقاء!! 

في ساعة متأخرة من الليل › فكوا قيودي » كنت قد بقيت 
مشبوحًا فترة طويلة فلم أتمقكن من السّيطرة على نفسي » بدوت مثل 
خشبة تأبى أن تتشنى أو تتقدّم خطوة » كدت أمقط كجذع شجرة 
مقطوعة » لولا أن تلقاني أحدهم فأسندني » وضربني آخخر على وجهي 
شيف احا ار a‏ وا 1 


ٿيابي وق دوتی من جديد E‏ سيّارة ا جديدة مع 


256 


حراساتها » ورّحَلت إلى شعبة استخبارات عمّان . 
الطريق بن ارب عي سي . وأتا دنيامن التّعب 


ال »ع وقفضصاء ء صن الألم المجنون »ما إن مشت السيارة بنا عدة 
كيلومترات › حتى أملت رالسى علق ككف ارس الذي يجلس عن 


بميني » كانت كتفه حَنونة وطريّة » فغطست في الوم سريعًا 

أيقظوني على باب شعية استخبارات عمّان » ساقوني إلى زئزانة. 
جديدةء لا أدري كم من الزنازين ستّصبح لي أوطانا فى رحلتي هذه 
نحو المجهول! كانت الرّنزانة صغيرة طولها متران وعرضها مر واحد , 
وليس بها مكانُ لقضاء الحاجة » فقط هناك دلو تفوح منها رائحة البول 
الكريهة . عشرات قبلي سكيوا بولهم هنا فى الدلو نفسها . قال لي 
الجلاد الجديد : «منوعٌ أن تنام» . لم أكترث كثيرًا فقائمة الممنوعات في 
رحلتي هذه طويلة » وليس فيها مسموحات ت أبدا ء إلا تلك التي أصنعها 
بنفسي ء وغالبًا ما يكونٌ ثمنُها باهظًا . ما إنْ أغلق الباب حتّى تكيّفت 
مع عالمي الجديد » حنيتُ جذعي كالهلال ل » ودفنت يُمناي تحت رأسى ي 
كمخدة » ووضعت يُسراي فوقى كغطاء ء ورحّبت بالتوم بكل ما في 
لغات الأرض من ترحيب ء ثم تلاشيت في أحضانه . 

مرّت نصف ساعة أو أقل قبل أن أنْ يدخل (أبو قاسم) » عرفت 
أنه مدير الشعبة هنا فيما بعدء أوّل بدء العلاقة بينى وبينه ركلة ‏ 
وتذكّرت الأغنية القديمة «أول عشرة محبوبي هَّدانى خا ألماس» 
وكاس تله حدق ی فرعا ف و و بی .لالم بور 
لك منوع النوم!!» . تلوّيت من أثر الضربة » وقلت له : ديا رجل حف 
ربك . . أنا نعسان . ولي ثلاثة أيَام لم أن . ألا يُمكن للإنسان أن 
يحظى بنصف ساعة من التوم؟!» . لا أدري اذا لم تُعجبه عباراتي 


257 


فركلني ركلة أشدٌ من سابقتها . نهضت مثل عسكري ما زال في 
الخدمة يتهيّأ لتلقى الأوامر . لكن سرعة نهوضي وخزتني في كل أنحاء 
جسدي » كان كل شبر فيه يتكلم بلسان الالم . قال لي أبو قاسم : 
«المحقّقون السابقون كانوا يلعبون معك › وقت اللعب انتهى ء لسوء 
حظك أك وقعت بين يدي لكن أقسم لك إن بقيت حَيا فلن تخرج 
من عندي إلا بعاهة أو مجنوتا» . هرشت رأسى » وأنا مُطرق هرّشات 
مُتتاليات » َم رفعثّه نحوه » وسألتّه : «ولاذا تيد أن تخرجني من هنا 
بعاهة » فأنا قتلت يهوديّات » ولم أقتل أحدًا يخصك . ولا أحدا من 
أقاريك . .آم م أن لك صلة بهؤلاء اليهوديّات » صلة قرابةٍ أو نسب › 
فأنت تريد أن تثأر لهن › وتنتقم مني لاجلهین . ٠‏ . هل تُبدل بم أخيك 
دم عدوك!!» . أثارته كلماتي كأ ني بالفعل قتلت أخواته » فأوسعني 
مرا وا وااو كا تسح ا أشن 
بالجدار » فطن كأته ته يُهيّئني لغيبوبة جديدة » فلم أتمالك نفسي وبصقت 
عليه » وصرخت في وجهه «ستبقون عبيدا لادتكم اليهود يا 
كلاب» . وأعترف اليوم أنّها كانت جُرعة فوق العادة من الحرأة . وأمر 
عساكره » فالتم علي أكثرٌ من عشرة » وربطوني ٠‏ وقيّدوا يدي ورجلي . 

ثم أمرهم بإحراجي من الرّنزانة إلى الممرٌ الطويل الذي يفصل بين 
الزنازين لكي يسمع صوت تعذيبي كل المساجين الآخرين » وأمر بسوطٍ 
فأتي له به » وأذاقني من العذاب ألوانا لم أقدرٌ على احتمالها ورت 
أن عيني قد فقدت بصرها ء وكانت تلك البداية . ولم أكره في حياتي 
مثله!! ثم أعادوني إلى الزنزانة شيه ميّت » وهناك كان قد أمر بإغراق 
أرضيّة الرّنزانة بماء بارد حتّى لا أتمكن من التوم!! 

ظللت واقفّاء قنز قدماي دما وألا حتّى سمعت أذان القجر . 


258 


فناديت عليهم لأصلي » فقالوا علينا أن نسأل (أبو قاسم) » ولم يعودوا 
إلآ بعد ساعتّين وكانت الشَّمس قد أشرقت › ولم أصل الفجر ء وكان 
هذا فجر اليوم الثالث بعد العملية » وبهذا يكون قد مر على قرابة أربعة 
أيّام منذ اليوم الذي شو[ السكلية ونوانا لم ادق طعم النوم يشكل جمد ١‏ 
وكان كل ما مته لا يزيد عن بضع ساعات متقطعة . وأحسست في 
تلك الأيام أن النوم أهم من الححياة » وأن الإنان يُمكن أن يقبل 
حرمانه من الحياة » ولا يقبل حرمانه من النوم > ولم اج تفسيرًا 
واضحًا لحاجة الإنسان الكبيرة للنوم لدرجة أنه يفضل الموت على 
فقدانها » وإلى اليوم ظل لغز الوم مُحيّرًا بالتّسبة لي! 

في السّادسة والنصف أحضروا الفطورء كنت أذهب فى جوعي 
إلى حالاته الأشد »لم تعد لي رغبة في الطعام » ورآيت في ذلك أحد 
طرق الخلاص . لقد لوثوا صفاء اب تر و 
عن الطعام أسهل بكشير من المسامحة في عشر دقائق من النوم . قلت 
لهم : لا أريد أن أكل ا أن أصلي . أخرجوني وتوضأت وصليت في 
الممرّ (الكرودور) فهو أنظف من أرضيّة الرّنزانة التى اختلط فيهاالماء 
بالبول بالقذارات بأشياء أخرى . ۰ 

عندما أتهيت صلاتى » حانت مني التفاتة إلى طاقة إحدى 
الزنازين » كانت الزنازين تتورّع على مر طويل » بأبواب حديدية » يقبع 
في ثلثها الأعلى طاقة مرّبعة لإدخال الطعام غالبًا أو المناداة على 
لتزيل ا ل الي يي ما ان 
فرأيت E‏ (فلاح) الذي قمت بقيادة سيّارة التّوريّة نذلاً مله نوين 
ذهب ليطمئن على والده . المسكين ظتوا أنّه مُتواطيع معي ء أو آنا ديّرنا 


259 


الأمر معًا ٠‏ فاقتيد إلى هنا ء ولا أدري ما هي الآلام التي عَبَرَها قبل أنْ 

يصل إلى هذه الزنازين المشؤومة . وحزنت لأجله » وكدت أبكي 
لشعوري بأتني أنا الذي ورَطنّه في هذا الأمر دون أنْ يدري . 

في التاسعة من صباح ذلك اليوم » دخل غرفتي عرض » عرفته 
من لباسه » ومن الأدوات التي يحملها . كان في يده (إسرنجة) أشهرها 
في وجهي بدون مقدّمات » وقال لي کان الأمبر تمعسيل حاصل 
ا ا a‏ . حفت كثيرًاء» قلت ربّما يكون 
في الإسرنجة مصل قاتل » وإتهم يريدون أن يتخلصوا مني بأسرع 
الطرق » وتذكرت قصّة المصري سليمان خاطرء وما أسهل أنْ يقولوا إنه 
اتتحر تهارشت في رأسي كلاب الك » وقلت إذا لم يكن مصلا 
قاتلاً فسيكون مصل هلوسة » يفقدني السّيطرة على أقوالي أو أفعالى » 
أو يُريني ما لا أرى ٠‏ وكان الخوف هو الذي دفعني إلى أنْ أرفض قلت 
له : «أنا لا أثق بك» . قال لي : «إنها عينة لتحليل دمك . لأغراض 
صحّتك» . «أنا لا أصدقك» . «ليس المهم أن تتصدّقني الهم أن أنهي 
عملي وأخرج فهم ينتظرونني أنْ أعود بها» «لن تفعل» . نظر إلى باب 
الزنزاتة الذي كان لا يزال مفتوحًا » أراد أن يُشير برأسه إلى بعض 
الحرس » ليقيّدوني ويأخذ العينة بالقوة ‏ لكتنى خفت أن أتعرّض لزيد 
من الأذى »> فتراجعت عن عنادي > وسألته بلهجةٍ مختلفة «أنت 
متأكدٌ من أتهم يقعلون ذلك من أجل صحتي؟» . أجابتي بهزة رأسه 
«نعم» . قلت له : «إذا كان الأمر كذلك فعلى بركة الله» . ومددت 
ذراعي » وغرز إبرة الإسرنغجة في عرق العضد . وسحب عينة الدم» 
وحرح 

في الحادية عشرة تقريبًا من ظهر ذلك اليوم » أخرجوني من 


260 


الرّنزانة إلى أحد المكاتب ء كان يبدو آته عيادة مُوْقّتة » كان بانتظاري 
فى جوفها طبيبان عرّفاني على نفسيهما › قالا بأتهما طبيبان نفسيّان › 
كان يبدو أنهم يعتقدون بأنني مجنون على الحقيقة » ضحكت في 
سري > وهتفت : «يبدو أتني مثل بارعٌ» 

أجلسني الطبيبان على كرسي وثير » شعرت معه براحة, غريبة في 
قفاي > هتفت فيي سري : فيي وسط هذا العذاب المتواصل عكر أن 
تحظى بفترة استراحة يُمكن أن ورد ميل على قمة مزبلة» 
كان الكرسي الذي جلست عليه من الجلد الطْري » غاص قليلاً تحت 
اق ا جسمي ء وكان من النوع الدّوارء درت به ذات اليمين 
وذات الشمال » دورتين فقط . ليمنحني شعورًا بالسّيادة وبالتعيم 
المقيم » وبأتني أنا المحقق لا هماء وبأن أستلتي هي التي سأوجّهها لهم 
بدلاً من توجيهها لي . تنيت في تلك اللحظات أن يسألوني عن كل 
شيء ء أن يخوضوا معي بالتفاصيل » فأنا أغشق التفاصيل » وأستمتع 
بروايتها . ومن ناحية أخرى الجمال كله يكمنْ في تلك التّفاصيل 

كان الطبيبان التّفسيّان ضابطين فى الخدمات الطبّيّة الملكيّة › 
أحدهما برتبة عقيد والآخر برتبة رائد . قال العقيد : «هل كنت تعاني 
من مشاكل في المدرسة؟» . سألته : «أي نوع من المشاكل تعني؟ 
قال: «الضرب» «الضرب؟!» 8 «الضرب من قبل المعلّمين أو 
الرّملاء؟» «كلاً ‏ كنا عائلة » أنت لا تعرف معنى أن تكون طالبًا 
فى مدر حكومية في قرية . القرية وخا كلما قله + ل 
التعاون » تعلمنا حب نالا ريه 2 والتلدذ بمساعدتهم > والممتعادة لرؤيتهم 


سُعداء » لا أن نسعى إلى إيذائهم» . سألني الرائد : «هل تعرّضت هنا 


261 


زميله برأسه بعيدا . «لا تخافا » ليس مهما أن يتأدّى جسدي أناء المهم 
أنْ يلم جسد الوطن من الإيذاء » إذا ساعذثماني على ذلك . 
فسنكون متساوين في حب الوطن » حب الوطن ليس ادعاء ء تعالوا 
تبت لأنقسنا قبل الآخرين أتنا نُحبّه» 

سألاني عن أسرتي . علاقتي بهاء سلوك أبي واي معنا نحن 
أبناءهما . المماكين لا يعرفون أتنا تحت جناح أبي عرفنا معنى الوطن › 
وتحت ظلال أمّي عرفنا معنى الحب والرّحمة . هم حتّى الآن لا 
يستطيعون أن يقتنعوا أن العمليّة التي قُمتْ بها يُمكن أن يقوم بها 
إنسانٌ سوي . إنسانٌ يريد ليلده الطاهر أن يظلّ طاهرة . 

وا عن الأسغلة الف إلى الال ن العماتة وكيك قت 
وما الدوافع التي دفعمّني إليها؟ لم أزذ على ما قلمّه في السّابق شيمًا 
صرت أحفظ ما أقول لكثرة ما سسُئلتُ عنه كان العقيد طيّبا في 
أسئلته » أحسست أنه يبحت عن طريقة ة للوقوف إلى جانبي . آما الرائد 
فكان خبيثًا »قال لي : اذا قتلت يهوديات, بالذات؟» . أجبتّه : «وماذا 
تريدني أن أقتل . واويّات مثلا!!» . انزعج من إجابتي لأ لَه وجد فيها 
سخرية » لكنه بلع الأمرء وسألني ثانية : «قصدت لاذا قتلت باصا فيه 
فتيات ولم تقتل باصا فيه رجال!!» . أجبته : «لقد مر أوّل باصٍ وكان 
فيه أطفال ولم أشاً ان أقتلهم مع أنه كان بإمكاني ذلك وبسهولة » لقد 
انتظرت حتّى يأتى باص فيه بالغون وراشدون مع أتهم الصغار والكبار 
EE‏ موص e E‏ لبو 
كانه كان يضم يهوديات ومعهم رجال» ۔ دفش نظارته بإصبعه بين 

عَيتيه لتثبت وهو ينحني ليجل معلوماته » ثم رفع رأسه وسأل بصوت, 
6اا ا «ألمٌ يكن جميلات . . . ألم يُغرك منظرهن › 


262 


وخاصة أتهن يُبرزنْ كل شيء . . .؟!» أراد أنْ يقول ماذا بُبرزن فتوقف 
حتّى یری آثر السؤال علي . فهمت إلى ما يقصد » وعرفت أنّه يريد أن 
ثبت في تقريره أن الدافع إلى عمليّتي يتعلق بصورة أو يأخرى 
باجنس . الاحمق يظلّ أحمق ‏ قلت له لأزيل غشاوة تشكلت على 
عينيه يسيب افتراضاته الْسبّقة «لو كان الدّافع غريزي كما لحت لا 
قُمتُ بقتلهن أيّها الطبيب الذّكيّ » فجمالهن يُقثّل ولا يُقثّل» لو تركت 
الأمر لأهوائي ولشهواتي كما فعل بعضْ زملائي ٠‏ لنزلت من الدوريّة 
ورقصت معهن وللعبت وأخذتهن بالاحضان و . . .» . قاطعنى كمن 
يريد أن يتثنى «لكن الجميلة إذا راودها الرَاغب عن نفها وأبت 
يقوم بقتلها» . قلت : هذا أنت تتهمني بأنني راودتهن عن أنفسهن أمام 
الخلق . هل هذا يُعقل!! إِنَ افتراضًا مثل هذا بلغ من الغياء مستوّى 
خياليا . ثم افترض أتني راوذتهن أيّها الحصيف » فهل لديك شهادة 
منهن بأنهن رفضن .ء إذا قلت إتهن صاحبات غواية » فهل صاحبة 
الغواية ترفض الذي يرادوها › إن كانت ترفض كما تفترض فلماذا ھی 
غاوية ومُغوية!! ألا تريد أن تسألني أسثلة معقولة أيّها الطّبيب!! مشكلة 
الأطبّاء النفسيّين أنهم في كثير من أحوالهم يحتاجون هم أنفسمهم إلى 
علاج » هذا من ناحية » ومن ناحية أخرى يضعون فرضيات تحتاج إلى 
خيال » أو إلى مجنون ليصدقها . لأنها تُنافي العقل » وتفتقر إلى أدنى 
مُقومات الصّحّة» سألني : «هل أنت متزوح؟» . أجبته : «إضبارتي 
عندكمء ثم لماذا تال نوالا كوا :وسال ات 2هل 
علاقتكما . . .» فأوقفتّه صارنمًا : «ليس لك حق فى أن تتدخّل فى 
أموري الشخصيّة » أنت تال عن أفعالي هنا . فاجع" أسئلتك تتمحور 
حولي » ولولا أنّسي آريد أن أستلى » وأقضي بعض الوقت لا أجبت عن 


263 


سؤال واحد من أسثلتك > لأ تني أعرف أنها تافهة » وأنها تريد أن تى 
نماذج أب في التعامل معنا ء ونحن نختلف أيها الطبيب الذكي › 
نختلف عن الغرب في كل شيء» . نظر إليّ من تحت نظارته نظراتٍ 
توعد » وسمعمّه يقول : «سأعرف حقيقة دوافعك بطريقتي» قالها 
بأسلوب أقرب إلى التَّهديد والتّقرير. 

قررا بعذ جولةٍ ويل من الأسعلة تحويلي إلى المدينة الطبّيّة ألا -جراء 

ال ا المتعلقة بصحتي الحسدية والعقلية 3 ولأخحذ صورة 

طبقيّة للنتماغ 


264 


)۳1( 
من خاف الله لم يضره أحد› 
ومن خاف غيرائله لم ينذعه أحد 


فى الممرّ عائدا إلى زنزانتى » حاولت أن أسترق التظر عبر طاقات 
الزتازين لكتهم كانوا يطلبون متي أن أنظر في الأرض . أدخلوني 
زنزانتي وأغلقوا بابها الثقيل علي وغادروا كان وجه فلاح حين لمحته 

في الضحى شاحبًا . يا ويلى مما حدث له ء ماذا فعلوا بهذا المسكين؟! 

كان منکسرا ويبدو کمن يتمنى الموت . أشفقت عليه » وشعرت أنني 
السَّبب . قمت إلى الطاقة ء ناديت : «قلاح .. قلاح... » . ضاع 
صوتي في الممرّء وظل الصّمت مخحيّمًا . لم يكن الوقوف أمّام الطاقة 
هو مدى رؤيتك ٠‏ لكن الصّوت لا عشي فى خطوط مستقيمة مثل 
الضوء . وبالتالي يمكن أن يحتال على الآفاق المسذدودة بالانكار 
والتلوؤي » ويصل إلى مُبتغاه في التهاية ون يكن قد فقد جزءًا كبيرا 
من تأثيره وقوته . ومن أجل هذا صرخت مرة ة أخرى : «فلاح 
ضعيف قدّرت أنه لفلاح › قال الصّوت : «نعم . .© . ناديت مرّة ثانية 


«ارفعٌ صوتك إن كنت فلاح . . ارق صوتك أن احمد .. » . جاءني 
صوته هذه المرّة واضحًا : «نعم يا أحمد ...» . (انا بتر نك + 


لاو و ري ا 


265 


آسف إِنْ كنت سيبًا فيما أنت فيه» . كانت كلماتى كأتها قد يعشت 
في هالحياةءفدبّت فيهالحيويّة «لا عليك يا صديقى . هنأ فى 
اا E a‏ 
الشمس ستشرق يا شباب . . . ستششرق قريبًا . . . وستخرجون من هنا 
سالمين بإذن الله» . وتعالت أصوات الزّملاء الآخرين : «أنا هنا . 
«اعتقلوني قبل يومّين . . .» أمس جاؤوا بي إلى هنا .» وعلى الرغم 
من أن أصوات زملاء لك قد ترقع معنويّاتك من جهة » إلا أن تأثيرها 
علي من جهة أخرى كان سلبيًا . فلقد خفت أنْ يُجبروهم على 
الاعتراف بأنهم كانوا على علم بالعملية » وعلى الاشتراك معي فيهاء 
وهم في الحقيقة ليس لهم في الأمر ناقة ولا جمل » وفكرت في 
أولادهم وعائلاتهم »وأكثرّما طعَنني والد (فلاح) الذي ينتظره ه في 
نيت ا ولي تاجو دين اخل ان برعاء نهو عرض ا 
وآلمني أنْ يكون لي يد في كل هذه العذابات » وضغط ذلك على حتّى 
ا في نقد ی اعنترف بالى ن ی ر 
بكامل وعيي ودون إكراه لا تعاون من أحد لأ بررئ ساحة ز ملا ئي 
وقفت على الطاقة «يا شياب . «العبويا عبات . والله . . .» لم 
أكمل فَسّمي » فقد قاطعنا صوت غليظ قرع بالعصا على باب الرّنازين : 
«اصمتوا أيّهاال...» » . كان الحرس قد عادوا . يبدو أنهم كانوا في 
استراحة أو فى غداء 

عمدت حرس داخل الرّنزانة . فى الاماكن الضيّقة الى تضيق 
بعدرائها غلل فلك لمن أقامك من مهرب من اغا إلا مادو 
الأماكن ضاق :إن ادها غفرن لك عيقكة الاو نها ءا 
قح قلبها لك . وإنّ فتحت قلبّها لك ريت المَجّب . قلت لها : إذا كُنا 


266 


سنقضى معا زمنًا طويلاً فلا بُدَ أنّ يعرف أحدئًا الآخرء المعرفة شرط 
حجر ازوف اه ن ای جه غ ويه الس اا 

من التّظرة الاولى خمادعٌ »آنا أؤمن با لحب الذي يأتي بعد طول 
المعاشرة أنا رجل عملي ولست حالما على طريقة يقة الشعراء 

بعد الظهر أخمرجوني من الزنزانة » اقتادوني إلى مكتب (أبو 
قاسم)ء أوّل ما رأيته انقبض قلبي » > كان بإمكاني أن أسامح كل 
الجلادين » سا هذا فقلبي لم بُطاوعني حتّى هذه اللحظة . أمرني 
بالجلوس على أحد الكراسي » قال لي : «اسمعٌ يا ولد »آنا لست مثل 
باقي المحقّقين وقد جربتني قليلاً » ومعروف عتي أن مَنْ أحقق معه 
هنا » ما أن يخرج ميّمًا » أو مُسْوَّهًا » أو فاقدًا عقله ‏ إلا إذا أراد أن يخرج 
سليمًا فهناك طريقة واحدة أنت تعرفها» ل ضعت اجه و کت 
لحنقي عليه أتحد اه بما أستطيع : «افعل ما تشاء » فلو أمرت بقتلي © أو 
قَطعْت أطرافي فلن أقول إلا الحقيقة #والحقيف فلحها للك ردول 
المحققين السّابقين » وسابقى أقولها لكل م محقق لاحق ٠‏ لأن عقلي 
وروحي لا يوجَّد فيهما كلام آخحر . انتهى» . وأخذ يُجادلني ء وفي أثناء 
ذلك . دخل عسكري لاهث .ء أدى التّحيّة بشكل مُضطرب › وهتف : 
«سيّدي .. . لقد . .» . ولم يستطغ أن يُكمل . كان يرجف . فسأله أبو 
قاسم : نكل ء هيا . . ماذا هُنالك» . فأجابه : «إن العسكري الذي تُحقق 
معه في قضية السرقة قد مات» . قسأله : «مات؟ كيف؟» . فرد عليه 
تت التعذيب ياسيدي» . أجابه أبو قاسمء وهو ينفث دخان 
سيجارته » ويضعها في المكتة «بسيطة » ضعُوا العكري الميّت في 
كيس زبالة » وحولوه إلى المستشفى »ء واكتبوا فى التّقرير إنّه انتحره 


اهتزت ترقوتي عقت فيكلت ر عيبا بسرعة »© سری وجع 


267 


في كبدي » ارتخت بعض مفاصلي › واجتاحني خوف حقيقي . نظر 
إلى أبو قاسم : «أرأيت » قلت لك مَنْ أحقّق معه يخرج من عندي 
ميّنّا » الأمر عندي بغاية البساطة . مَنْ يموت من تحت يدي . أبعث مع 
جُشته إلى أهله تقريرًا من كلمة واحدة : انتحر . وهذا العكري الذي 
حمَفنا معه تُهمته بسيطة ‏ إنّها قضيّة سرقة ٠‏ وليس مثل قضيّتك فل 
سبعة وجرح ستة» كان اضطرابي قد بدأ يستقر . ابتلعت الصّدمة 
الأولى » ومرّت الضربة بشيء من السّلامٍ . كنت حَدَرًا » وثابتا على 
أقوالي حى الآن ‏ ولم غير منها حرا ء إلا أن هذا التبات تعرّض لهرة 
عنيفة قبل قليل » ولكتها هرّة كسحابة الصّيف » انقشعت 2 شرا 
ساعدني على ذلك عبارة قفزت ت إلى ذهني من أيَام المدرسة › أظن انها 
كانت في أحد دروس الحكم في الصف السّادس . وهي للفضيل بن 
عياض » كانت العبارة تقول : «مَّنْ خاف الله لم يَضْرَه أحدء ومن 
خاف غير الله لم ينفغه أحد» . وعلى مدي منها أجبثّه : «بودي لو أن 
ما حدث حدث بطريقة أخرى لأغيّر أقوالي . ووسائل 00 


تجح . جرحت الجملة الأخيرة كبرياءه » فالني مُتتكرًا : ٠‏ 
SELEY‏ أننا اختلقتا هذه القصة لإرهابك؟» . جيه بهذدوء : 


فألني : «ولماذا أنت معاكة هكذا؟». فأجّه «لأتا دولة مات 
وقوانين ولسنا دولة عصابات وبلطجة . وهذا الذي قلته لا يحدث فى 
بلدي» كانت طعنتى فى كبريائه قد أتمت نفاذها بعبارتى الا رة 
فنادى عددا من باك . > وقال لهم : «خذوه إلى 0 الضّيوف 
وجهزوه » حى يعلم أن الله حَق» . 

كانت الغرفة ُسخة أخرى عن ن الغرفة الوداء في استتخبارات 
إربد » تُشبهها إلى حدٌ كبير » سمَّينّها الغرفة السّوداء رقم ۲ » توقعت 


268 


الأسوأ . هذه قاعدة مهمّة في تخفيف الألم عند المساجين . حين تتوقع 
الأسوأ . ويحدث ما هو أقل منه تشعر بارتياح كبير» وبنحمة الله 
SE O‏ معيو دن خورلا كان 0 
يُعروني . 

بقيت عملابسى ‏ سبحت . تت الخطوة الاولى . ارتحت أتتى 
مسر من الارتياح . ظللت مشبوحًا » توقعت في أي الحظة أن يدّخحل 
هناك . فهذه عمّان العاصمة وهناك إربد . وما يحدث فى الأ كبر أكبر . 
هكذا فكرت . لکتھم لم يُدخلوا إلى لا بغلا ولا ثورًا ولا حتّى ضبعًا . 
وهذا أسوأ ما في الأمر » إذ لو دحل شيء من ذلك إليّ لارتحت من هذا 
القسم من العذاب ٠‏ أمًا أن تنتظره » وتعيش على جمر انتظاره ولا 
يأتى ؛ فذلك هو الجزء الأصعب في عمليّة التعذيب!! 

في الثانية نه تقريبًا ٠‏ فكوا قيودي تلمّست يدي › وفرحت . ها أنذا 
أغيو ؛ سمحوا لي بالصلاة 34 توضات وات الظهر ء وأحضروا لي طعام 
الغداء . جد انا بويت ؛ أمر غضبي السّابق » فأكلت - مسرورا ع 
كل شيء . يعيدوني إلى الغرفة السوداء » بل ذهبوا ر بي إلى زنزانتي ١‏ 
الى ت ممنوع» كدت أتقيّا ما أكلثّه » كنت أريدٌ أن أقول لهم : 
خذوا كل ما يُمكن أن آكله ء ولكن لا تمنعوني من التوم . المنع من التوم 
لقي ان من يعبر علاط على ھی کر حتى قوت اا غ نون 


269 


لي أن أنام ولو على الأرض المليئة باليّول والقاذروات ربع ساعة!! 

بعد أذان المغرب » فتحوا باب الزنزانة » وأتونى بملابس مدنيّة 
قميص أبيض ٠‏ وبنطلون رمادي . الملاعين يعرفون المقاسات العى 
أدري » ربّما قاسوا كل شيء وسجلوه في إضباراتي أثناء التحقيقات 
التابقة . المهم أنني لبست وفرحت كالاطفال بملابسي الجديدة » كانت 
قدا برت إلى امت ل اا بكل مافيهامن 
فضاءاتٍ . حرّبت القيود المشهد قليلاً » لكنه عاد واعتدل في الموكب 
الذي رافقني . وضعوني في سيّارة مدنيّة مظللة الرّجاجٍ كما لو كنت 
فيا ورافقتنا سيارتان لحان الا جهو اة شة المنتصبة فى 
ظهورها أمام قتاصّن . وتقدّمتنا سيارة غجدة » ودراجة مراقب سير › 
كانت مهمّة سيّارة التجدة والدراجة أن تيعد المّيّارات عن الطريق . 
بنلك لم a‏ انا على إشاره وإنغيدة مرخ إشنارات ارو 0 
وهي حمراء ¢ وكانت طوافات سيارة التجدة ودراجة مراقب اليارة 3 
طرفيه » وصوت سائق سيّارة التجدة » يصيح بقوة : «افتح الطريق 
امت ان 0 ال 0 

وصأنا إلى المد REE‏ دكي ل 
يُلااحظ أحد دخولنا > كاتنت الكرودورات اة ماما من المرضى أو 
الأطبّاء ء يبدو أنْهم قد جهّزوا ذلك من قبل » إضافة إلى أنّ الوقت كان 
قريبًا من العشاء » فهو وقت مسائي تخف فيه الحركة كثيرًا . رافقني في 


210 


هذه الممرّات الخالية أكثر من عشرة مُسلحين »لم أعرف منهم أحداء 
باستثناء بنادقهم » فأنا صديق قدي لها » كتا نسير إلى حيث الغرفة 
التي يوجد بها جهاز الرّنين المغناطيسي » يبدو آتهم يريدون أن ُجروا 
محا لدماغى » ليكتشفوا دوافعى وراء العمليّة » تذكرت على الفور ما 
كنت قرأته وأنا فى العسكريّة ع فعلوه بأينشتاين من أجل اكتشاف 
مصدر عبقريّته ؛ فقد شطرٌ علماء الدّماغ والأعصاب دماغّه إلى مثتين 
وأربعين قطعة . وحللوا كل قطعة على حدة » من أجل أنْ يعثروا على 
EE‏ يغتروا على شيءء کان عواقد قال لزملاته 
الذين يقومون الأن ,- بتشريح دماغه قبل أن يعوت : أمتلك موهبة خاصة › 
آنا مُضْولِيَ على نحو مجتون فحسب . لقد قال عني ما كنت أود أن 
أقوله لهؤلا ء الذين يَجُرونني كفأر تجارت إلى غرقة الرنين المغناطيسي 
فى الغرفة کان في استقبالي نجشهرة من الأطباء العباقرة › اللواء 5 

والعقيد » والرائد الذي حقق معي بشأن حياتي الجنسيّة » وآخخرون » كان 
يدو أنهم انتظروا لوقت طويل » ظهر ذلك من خلال وجوههم التي 
اس رت بدخولي اول ما رأوني . تولى اللواء الطبيب التخطيط بنفسه › 
وأخذ عددا من الصور الطبقيّة » وساعده عرّضون فى تسجيل الملاحظات . 
كان الدخول إلى جهاز الرّنين المغناطيسي يُشبه الدّخول إلى القبر أو إلى 
عالم الآخرة »فيه نوعٌ من الشعور بأته طريق في اتجاه واحد فحسبُ ‏ 
يُفضى إلى الضفة الأ خحرى » الضفة التى لا يُمكن العودة منها 

تنيت أنْ تطول إقامتي في الت 11 واا هة 
وفرصتي في التخلص من i aE‏ الجمسدي والنفسي ولو إلى حين فيها 
كبيرة كر السات سمّيت بذلك لأنها : تستعصي على التّحقق » 
ولذلك سرعان ما عدنا إلى e‏ عمان . 


271 


)۳۲( 
طال شوقي اليك أيتها الحبيبة الغائية 


بعد أن عد عُدْنا إلى شعبة استخيارات عمّان ء أدخلوني إلى أحد 
مكاتب الُحقّقين » كان مُحَقَّقًا جديدا » لم ير علي في الطائفة ثفة التي 
مرت علي كان يلبس لباسًا مدنيا » وحيّانيى كصديق › وسرعان ما 
ی يتان طلية الى فسان مل القهرة و تجار عرد 
علبة سجائره » ومدّها نحوي » فتناولتُها » وقام بإشعالها لي بنفسه . قال 
لي دون مقدّمات : «لن أضغط عليك » فقط أريدٌ أن أسمع منك ما 
حدث » كما لو كنت تقصّه لقريب أو صديق ء أنا مهمّتى أن أعرف ما 
دت لبس ميتي أذ امبر عا عدف ا ا 
E E N‏ بال جويقت لا أزمن نونك 
الأعباليت كلها يعولا تسكن أن اعها فى ا قز أن ا عد 
أحمد براحتك» كان كلامه مُقنعًا » واستثار الجانب الشاعري الكامن 
في » وكدت أروي عليه التّفاصيل الحقيقيّة . لكتني خفت أن تُقارّن 
بأقوالي الأولى فيؤخذ ذلك ضدي فى الحكمة EEE‏ 
فسردت له بشيءٍ ا فف رداك اهمون الدع سواه 


ص 
- 


لحيش من الُحققين السّابقين . فلم یزد على ما قله له حرفا . ولم 
على سؤالاً آخر » وأمر بإعادتي إلى الزنزاتة » وسحب من درجه علبة 
سجائر جديدة وأعطانى إيّاها » وقال لعناصره » اصنعوا له شايًا » وكلّما 
طلب منكم ذلك فلا تتأخّروا عليه كنت قد كدت أخرج من الباب 


22 


مُغادرًا إلى الرّنزانة حين قلت له بعد أن طمعت فى كرمه «أريدٌ أن 
أطلب شيئًا آخر يا سيّدي» . فابتسم برقة » وسألني ما أريد » فقلت : 
«زنزانتي صِلْخْ» . فضحك . وسألني ما معتى : «صلخ» . فأجبِتّه 
«يعني فارغة » لا شيء فيها إلا أنا والدّياب . لا فرشة لا مخدة لا 
عناصره أن يؤْمّنوا لي ذلك » وان يسمحوالي بالنوم » فقال أحدهم 
حائقا : «ولكنْ أبو قاسم أمرنا ألا تسمح له بالتوم» كدت أضربه ء لولا 
هو الرجل الثاني بعد (أبو قاسم) في هذه الشعبة »وعدم وجود ايو 
قاسم يومها هناك . جعله في المرتبة الأولى 

اجتاحتني اة اة من الفرح . وأنا أراهم يحملون في أ يديهم 
فرشة › كدت أحتضتها ء وأقبّلها على رأسها وآقول لها : «طال شوقي 
إليك أيّتها الحبيبة الغائبة» . لكتهم لم يكتفوا بإغراقي بتلك الموجة من 
الفرح ء إِذّ جاءنها موجة أخرى تشكّلت على هيئة ثلاث بطانيّات 
ومخدة » رقصت في أعماقي ء لمعت عيناي » وترقرّقت فيهما دمعتان نزلتا 
على خَدّي بسرعة . وضعت الفرشة في الزاوية » وفوقها الخدة » وتغطيت 
ببطانيّتن » وفاضت الثالثة » سأجعلها سجادة للصّلاة . أي نعيم هبط 
على من السّماء فجأة؟! حينَ مدت جسدي الْتهّك على الفرشّة . 
أحسست بأنّ ملائكة الرّحمة في الجنّة تضعني على أمرة من وين » 
واو بي في السّماوات العلا وتطوف ر بى الكواكب وأنا مغمض العيئين 
أستمتع بأحلام ريني كل جميل ومُدهش . لكن الملائكة لم تكد تسير 
قليلاً بأسّرة الرَيشٌ التاعمة بي في الفضاء ء حتی كنت قد ذهيت في نوم 
عون 1 > لا أدري إن كنت قادرا على الاستيقاظ منه لروعته 


273 


لم أصح إلا في الصّباح . ضاعت صلاة الفجر كنت قد 
استيقظت على أصوات العساكر ء كانوا قد فتحوا الباب فجأة. 
وحرّكوني من ذراعي » وأقاموني » وهم يقولون : «قمْ . . . قُمْ . . . أبو 
قاسم جاء» كانوا مرتبكين ومُضطربين » ويرتجفون خوفا . وقفت وأنا 
أفرلكُ عيتي , وأتمطى من نوم لذيذ . أخذوا الفرشة والأغطية » وأخفوها 
بسرعة . توضّأت وصليت الفجر فائثًا » وجلست في الزّاوية » أخرجت 
سيجارة وأشعلتها وانتظرت حى تأتيني كأس الشاي . لكن الذي 
أتاني كان أبو قاسم ومعه نائبه ومجموعة أخرى من الضبّاط والعساكر 
الصّغار كنت أدخن مُستمتعًا . حين أطل وجهه من الباب » ما إن 
رأى السيجارة تستقرٌ بتنعّم بين أصابعي حتّى جُنَ جتونه «مُن أعطاك 
الستيجارة؟ مَنْ ممح لك بالتّدخين . . .؟: ثم التفت خلفه إلى كل 
الضبّاط والعساكرء وتابع هياجه «لاذا سمحتم له بالتدخين › 
سأقدّمكم للمحاكمة لخالفة الأوامر» . بعد أنْ سكنت القنبلة التي 
ألقاها للتَّوّء كان النوف قد عقد ألنة العاكر كلهم . حتّى تكلم 
نائبه » وقال : «أنا أعطيته الدّخان » وأنا سمحت له يذلك» . فخرح أبو 
قاسم وهو يتوعد » ويُرغي ويُزبد . ومرّت عاصفته الهوجاء كأن لم 
تحدث . بعض العواصف لا يُؤذيك إلا صوئها . وهو مُؤذ ليس لأ نه 
مُخيفّ فعلاً » ولكنّْ لأنّه جعجعة » ونشارٌ » وخارج عن الذوق العام . 

بعد أنْ أفطرت » وشربت الشاي الذي وعدت به ء أخذوني إلى 
مكتب لم أدخله من قبل . لكتني وجدت فيها الطبيبَّين التفسيّين 
اللذين قابلتهما أمس ء العقيد والرّائد . مكنتْ عندهما ما يقرب من 
السسّاعتين » ستكونان أجمل ساعتين يُمكن أن يقضيهما سجين حتى 
الآن . كانتا ساعتين من التّسلية والضّحك بحيث أثني تنيت أن تطولا 


274 


إلى المساء كان الرّائد بالات الذي لا أدري لماذا أأحسّ كلما أراه أنّه 
بحاجة إلى علاج ؛ مُنقيضًا . دائم النظر في إضبارته . حاد الكلام . 
جملته غالبًا مبتورة . وعيناه ساهمتان . وجسده مُرتخ كدت أن أقول 
له له في المرّات الثلاث التي رأينّه فيها منذ أمس : «هل نت مريض؟ لا 

ب أنك بحاجة للعلاج؟ آلا يُوجَد أحدٌ في العائلة يدلّك على طبيب 
جيد لو كنت أعرف “أنا لاعدتك» 

كانا يحملان رسومات خشبية . ولوحات (بازل) » ويعض الألعاب › 
وبدآ يسألانني أسئلة غريية » قال لي الرّائد : «هل حدث معك سرغة؟» 
سألمّه «هل هذه أكلة : و .لم يعجبه جوابي لا أدري لمادا يفعل 
الكثيرون ذلك!! يسألونني أسئلة غريبة » وحين أجيبّهم عنها يشمئزون » 
إن كان لا تُعجبكم إجاباتي فلماذا تسألونتي إذاء وفروا علي وعلى 
أنفسكم ؛ وقّوا مشاعركم ومشاعري من الانزلاق وكفوا عن أسئلتكم 
الّخيفة والهجينة . العقيد أراد أنْ يُطرّي الجر قليلاً » فقال : «السّرغة » 
يعني المشي وأنت نائم» . قلت للرّائد : «هل تعني مشلا أنْ أستيقظ من 

قرافي في منتصف اليل 6 وأقوم م أمشي ۾ اسن 0 وأنا نائم 
والمقاعد وأنا نائم» . فأجابني بلهفة «نعم . . نعم . .» . فأكملت : 
«فأخحرج من بيتي » إلى الشارع وأنا ا كالسحورء حر 
أصل إلى المقيرة » فأدور على سورها کانني أحفظه . .» . هر الرائد رأسه 

بعنف : انعم .. . نعم . .ميحد أذ ينه مار يصوت عال فل 
اه بويع اكلا سالا تسو اثلا از ميا دن 
الناس وهم يصرخون فزعين لمنظري يظتون أنني خرجت من المقابر فلا 
أسمعهم » وأتابع مسيري » حتّى إذا وصلت أطراف القرية » بدأت بالتقاط 
بعض الحصى وإلقائها في الوادي بصورة مسرحيّة؟» . هز الرائد رأسه 


275 


بشدةأكبر:لانعم. ل .. هل هذا ما حصل معك لومرة 
واحدة . .» . فأتجباهل سؤاله * ثم أتابع ا ي الخصى .۰ 
مره أدراجي ء فلم على أهل القبور » وأتابع صعودا حتى أصل إلى 

يتى » وأدخل من الباب المفتوح » وأدرج إلى فناء البيت ء ثم إلى الغرفة » 
اد ي » وأغط في نوم عميق من جديد كان شيمًا لم 
يحدث» . انتتفض الرّائد وهو ينتظ ر الإجابة انعم ... تعم. . .هل هذا 
ا ل أذ شيا كاد و + . اتتفخ صدره 
مثل بالون راح يتل بالهواء » ظل يتلئ ويتزايد حجمه حتى انفجر مرة 
واحدة : «ومن أين جئت بهذه المعلومات؟» . أجبتّه بهدوء لا يتناسب 
أبدًا مع انفعاله الصارخ : «ربّما تخيّلتها . . .لا لا .. ربّما قرأتها في 
کات لا أدري على وجه الدّقة إن كنت تخخيّلتّها أو قرأتها . 
لكن افترض أتني الفها!» . كاد الرائد يخرج عن طوره › ويغادر المكتب ؛ 
«ألم أقل لكم إنه.بحاجة إلى طبيب» » لكن زميلة العقيد شده من كتفه 
وأبقاه : «علينا أن ننهي المهمّة» . 

بدأ وقت اللّعب » خربطوا قطع البازل » وطلبوا مني إعادة ترتيبها . 
كانت الخريطة تضم سنّة عشر قطعة » وهي صورة أسد . ضحكت في 
سري وأنا أجمعها »لا أدري إن كان الأطياء يتعاملون مع المرضى بهذا 
الخباء»لکتني ملت لاتنی اريك أن اتسلى > ج اؤوتی باحخریى 
أصعب ء وتدرجوا و في الصّعوبة » حتى أتوني بواحدة مكونة من ١44‏ 
قطعة › »قلت لهم : سنت ما فيه الكفاية تاغل درك حرييلة 
العالم» . اتدهثوا لكتهم قالوا : «إنها موجودة» . فأكملت : «بشرط أن 
تكون الخريطة مكوّنة من ٠٠١‏ قطعة على الأقل» أتوني بها مُبعشرة . 
ابتهجت . أحفظ خريطة العالم من الصف الخامس ء ليس عن طريق 


276 


ا OTE‏ 
يشتري لي كُرات العالّم » كان الشعور بأ تلف العانّم كلّه على 
ا شرا لا تاه شن اة . نثروا ال ٠٠١‏ قطعة مامي » وكان 
ليا رتا سكف تف الا عة اة #وهنا ما كنت غه 
إذ إتنى كنت مسرورًا بحصة التّلية هذه . كانوا ينظرون إلى وأنا أعيد 
و القطع بثقة وبسرعة . أعرف زوايا العالم وبلدانه الق 
المعروفة » وأتهاره ء وجباله » وصحاريه » كنت أعمل على إعادة ترتيب 
القطع كما يعمل عازف البيانو على إعادة إتتاج اللحن » وفي خلال ١8‏ 
دقيقة كنت أسلمهم الخريطة › وقد أخذت كل دولة موقعها في عالم لا 
يُعتّرف فيه إلا بخمس دول أو ست » والياقي عيارة عن هلاميّات . 1 
وتدووا يدها با لازت كانت بعض الحزازير تحص طلآب 
الصّف الأوّل والثاني » وكنت أجيب عنها لكي أطيل أمد اللعّبة 
ننتقل إلى الحرّورة الأصعب . سألوني أسئلة في الرّياضيّات وفي 
الفيزياء » وكنت لا أزال أتذكر بعض قوانين الفيزياء التي أحذناها في 
حصص العلوم الهم فشلوا فى إخراجي مريضا نفسيا أو مريضا عقليا ء 
فذهبوا إلى مساحات خد المحاوللات ؛ راحوا يسألونني عن 
طفولتي » عن علاقاتي بأصدقائي في الطّفولة »عن طبيعة هذه 
العلاقات » وعن أحلامي ء وعن سلوكي أيَام المدرسة › لقد نشطوا 
ذاكرتي جيذ » وهذاما جعلتي احتمل بعض استلتهم الحمقاء . 
أ إلى لزان »ركان يبدو ن مين قد كني با قلت و 
أجبت عنه ليُقدّما تقريرهما إلى الأمن العسكري » من أجل حيئيًا 
المساكية بقیت في الزنزنة إلى الرابعة عصرا ت Su‏ 


277 


عندما دخلت المكتب رأيت جميع الذين حققوا معي في السابق » 
من أوّل لحظة تمت فيها العمليّة إلى اليوم » ريّما زادوا عن سبعة » 
سألني (أبو سليم) المحقق الأعنف في مرحلة التحقيق في إربد : «هل 
عذبوكَ هنا؟ هل قام أحد بضربك أو بتعريضك للأذى» ات : 
انعم » عذبوني ومنعوني من التوم» . فرد : «تمام » يعني قاموا 
بالواجب» . فرددت سخريته بسخرية أخرى : دلا تخاف »ما قصروا » 
كأنك موجود وزيادة» . فرد : «اسمع يا أحمد . . .» واتكاأ بكلتا يديه 
على مسندي الكرسي الذي يجلى عليه ليعدل جلسته ليشعرني 
بخطورة ها أسيقوك + راغ لصت الان اتسين تلن حتمنيمًا مغك .اما 
رأيته منذ ثلاثة أيّام كان كله تجريبًا » العذاب الحقيقي لم يأت بعد» 
نحن لم نستمعل معك الكهرباء » ولا الشبحة العراقيّة » ولا الفروجة » 
ولا القالب ٠‏ ولا طريقة سحالين . وأنت ٠‏ تعتقد أننا غير جادين في 
ذلك › لكتك إن لم تقل مَّن دفعك إلى العمليّة . . .» وأشار بسبّابته 
وحركها مُتوعَد! » وتابع «إِنْ لم تقل لنا من هي الجهة التي دعمَنّك › 
فسوف تمرٌ على أساليب التّعذيب كلها . وهذا وعد متي » وسترى» 

ثم أمر بعض العناصر » فشغَلوا التلفاز» ووضعوا شريط فيديو في 
مُشْغّلة الفيديو » وراحت الشاشة تعرض فيلمًا عن طرق التّعذيب » وقد 
كنت بالفعل توافا إلى أن أعرف ذلك . ولا أدري لماذا » وفي الحقيقة 
شاهدت تلك الطريق باهتمام كبير » وشغف عال . ١‏ 

ما الشّبحة العراقيّة فيم رفع المعتقل فيها على شبك حديد : 
وإدخال يديه بين القضبان . ويم ربط اليدين إلى الخلف في الشّبك » 
وتكون الرّجلان في الأسفل حرتان لكنهما لا تصلان الأرض › 
والتجين في هذه الحالة أمامه خحياران » إِمّا أن يسكن ويستسلم »› 


218 


فيكون كل ثقل جسمه مرتكرًا على يديه الْمقيّدَتِينَ خلفه فوق رأسه » 
0 اج شخط علن الكيود وغلي ال وعدي مضل الخو 

يكاد يكسرهما أو يسبب لهما ألما فظيعًا في منطقة الرّسغين . والخيار 
القانى أن يحاول التخفيف من وزن جسمه بواسطة رجليه الحرّتين 5 
فيبداً يحاول أن يصعد بهماإلى الأعلى »لحن يديه الداخلتَين في 
الشبك واللتان اضطرّتا جسمه إلى الميلان لا تمكنان رجليه من الارتكا 
مما يبّب ثقلاً إضافيا على اليدين وبالتالي مزيدًا من الألم ا 
يُحتمل » يكتشف السّجين متأخخَرًا في هذا التوع من العذاب أن رجليه 
الحرتين كانتا فخا وقد وقع هو الفح . لكته فخ لا يكن إصلاح ما ينتج 
عنه من خراب!! 

وأما الكهرباء » فسلك معدني له طرفان . يوضع أحدهما في 
القابس الموضل للكهرباءء والآخر کون جزءا معدنيا ٠‏ يوضع على 
الجزء المراد تعذيبه » وضربه Ea‏ يدووة من N‏ الجسم التي 

من الممكن ا تحمل قليلا صعقة الكهرباء مثل اليدين وباطن 
القدمين . 5 م ينتقلون إلى الأجزاء الأصعب والتي د تبب الصعقة فيها 
للا لا يُغتفرءمشل الرأس › ؟ ثم إلى أصعب الأصعب وهي المناطق 
البو لجسي الأحفاء التناسليّة 

وأمًا القالب » فيوضع المعتقل داخل قالب من الخشب › ؛ يمحشر فيه 
حشرا » ويُدلى الاين > رأسه إلى الأسفل وقدماه إلى الأعلى . 
ثم يرفع الرأس , قليلاً » ويوضّع تحته مكعبً من الخشب صغيرٌ جد : 
حجمه ١(‏ سم مكعب) » يحيث يكون ارتكاز الجسم كله بشقله على 
هذا المكعب الصّغير » فيبدأ يخترق الرأس مثل مخرز » وتيدأ صيحات 
المتجين بالاستغاثة إلى أنْ يقول ما يجب أن يقوله 


219 


سيّارة » يُحشر فيه »ثم يُعلّق هذا الدّولاب فى الّقف بسلسلة 
معذدنية 3 ويكون الجن مقيد الرجلين واليدين معاء ورأسه إل 
الأسقل » يرى العالم مقلويًا » ويدؤون بتدوير الدولاب > دورات بطيئة 
ثم تتسارع فيبدأ عقل السّحجِين يدور فى دوامة » ومع السترعة يشعر بأن 
رأسه سينفجر ء وان عيتيه ستخرجان من محجريهما وترتشقان على 
الجذار. 

وأمًا الفروجة »فهو يه قروجة الدجاج 3 يۇتي بقضيب معدني 
بعد أنْ تُقيّد اليدان » ويجلس الستجين مُقرفصّت » ويدخل القضيب من 
تحت ركبتي الرّجلين ء ويربط مع اليدين › فيصبح في هيئة الفروجة . 
ولكته لا يستطيع أن يفرد رجليه أو يباعد بينهما وبين يديه > ويعلق 
طرفا القضيب على طرفي حدار › ويصبح الجن فرّوجة في الهواء 2 
ويبدأ السجَان بجلده بالسياط حتى يعترف . 

حي الكت بعد أوّل مشهد في الحقيقة » وتحول إلى قلبٍ 
يخفق > وترقوة | تتأرجح ٠‏ وأطراف تر نجيف . بعذ هذا الفلم الذي لم يكن 
لطيقا أيدًا . عرضوا على الشّاشة ة فلمًا آخرء يبدو فيه الهم جالسًا 
مُرتاحًا » والمحققون يتحدثون معه بلطف » والجلسة أقرب إلى منادمة 
SS‏ و 
أن تم عرض الفلم الثاني > سألني أبو سليم : «والآن . . . أي سلوب 
دنا الأول آم الثاني؟» . فأجبته دوت إبطاء 5 لاني كن 
شاي أم قهوة؟ 

ماذا تظتين يا فاطمة؟ ماذا أطلب فى موقف صعب كهذا؟ أيّهما 


280 


أقرب إليك يوم كتا نسمر على الستطوح وننظر إلى البعيد . كانت 
الاحلام تتسع على قدر اتاع الأقق . هل ما زالت هذه الأحلام قادرة 
على أن تظلّ خمضراء؟ هل ما زلنا قادرين على أ فشي الطريق إلى 
نهايتها؟ أمْ أن النهاية جاءءت أسرع مما نظن!! جاءت هنا على شكل 
موت لا يكن الهروب منه . ماذا تظنين يا فاطمة ؛ شاي أم قهوة؟ 


281 


و 0 و 
أبحث عن الحقيقة يا بني... 
أبحث عن الانسان!! 


rs fn jeer 


«لقد قُمنا بالتحقيق مع زملائك الذين شهدوا الحادثة » وقالوا 
كلامًا غير الذي تقوله » جاء دور الحقيقة ‏ فلا تُخبَّىن شيئًا » وَل كل 
شيء دون مواربة» . قال لي ذلك أبو قاسم وعناصره يضعون كأسًا كبيرة 
من الشاي تفوح منها رائحة التعنع الطازجة . تنحنحت . عدت من 
جلستى . كنت بالفعل أريدٌ أنْ أقول ما حدث معى دون مواربة » ولكن 
من أن آتي بكلام جدید» إته ذات الكلام الذي أعدته عشرات المرّات 
عليهم حتى حَفظته الجدران!! 

تخيّلت حوارًا يدور بيني وبينهم » لکتني أنا الذي أقوم بأدواره 
كلها ء حينَ صارت كلماته جاهزة للخروج من الحلق » أجيمّه : «في 
الجمل ماذا فعلت؟ لقد قتلت . السّؤال الذي يجب أن يُطرّح هنا : لماذا 
قتلت؟ الجواب : لأنهم يهود . السّؤال : ولماذا تقتل اليهود؟ الجواب : 
لأنتهم عدو وأنا عسكري » وكنتُ على الحدود » وعلي أن أحمي 
حدود وطني » هم قاموا بتلويشه ٠‏ فقتلتهم . هل هناك إجابة أوضح من 
هذه . ستقول لي : ولماذا تقتلهم وبيننا معاهدة سلام وهؤلاء جاؤوا 
سائحىن؟ الجواب الذي عندي : أنا لا أعشرف يعمليّة السلام > هذه 
مشكلتي › لا أقرّ لهم بأن يطؤوا ذرّة تراب واحدة من ثرى الأردن فما 
بالك بفلسطين » وهي عندي أجل وأعظم . مشكلتي مع اليهود ليس 


282 


لها حل ء لا أمس ولا اليوم ولا غدًا » مشكلتي معهم تنتهي في حالة 
واحدة أن أقتلعهم من وطني بالرصاص ء أو يرحلوا هم بكل مُقدراتهم 

إلى أي مكات » وليكن الجحيم مثلاً ٠فقد‏ خلقوا له . ثم هؤلاء ليسوا 
سائحين › هؤلاء مجندات في مدرسة عكرية . أظن لو أن الأمر كان 
بالعكس؟ » لقمنَ جميعًا بتصفيتي ٠‏ ولأفرغت كل واحدة منهن خرّانًا 
كاملا من الرصاص في جسدي . أظن أنهم يتفهمون هذه المألة أكثر 
منكم . ظلَتْ قضيّة أنّنى مدفوع من جهة خارجيّة ؛ لقد أجبتكم عن 
ذلك أكثر من مرة » وأنا هنا أتحدى أن تكونوا أثبتم أنني ذفعت من 
جهة أو منظمة خارجيّة من خلال تحقيقكم مع زملائي . أظن أن الأمر 
بات لا يحتاج إلى أمثلة وتحقيقات أخرى »ألا تعتقدون معي 
بذلك؟!» . وأرحت يدي كأئني كنت أحملّ حملا ثقيلاً وتخلصت 
منه . ونفشت نفثة طويلة من صدري »ء كاد حرّها يحرق شفتي . مط أبو 
قاسم شفتيه » شعرٌ بن مشروع فيديو أساليب التّعذيب لم يُؤت ثماره 
كما يشتهي ٠‏ فخبط بيده على المكتب مُعْضبًا » وهتف بصوت, يرشح 
تالآشسقت والتهديد معا : «الظاهر أته لا ينفع معك هذا الأسلوب» 
وشعرت بثقل الكلمات » فسأّه وفى صوتى بَحَّة اليأس : «ما الذي 
تریدونه بالضّبط منّى؟ أنا مُعترفٌ بكامل رغبتي باتني قتلت فماذا 
تريدون أكثر من ذلك »ء لقد تعبت من الدّوران حول التقطة نفهاء 
قلت كل شيء عندي كل مرّة بطريقة مختلفة , ولم نُصدّقوني حتّى 
الآنء ماذا أفعل حتى تُصدّقوني؟ هل أعترف على أشخاص ليس لهم 
ذنبٌ . وليس لهم أدنى علاقة بالأمر؟ هل تريدون أن أورط معي أناسًا 
أبرياء؟ هل ترتاحون إذا اعترفت على نصف زملائي وقادتي بأتهم هم 
الذين دفعوني إلى ذلك؟ هل تريدون أنْ أقول إن الأحزاب خلف 


283 


ذلك؟ما أسهل أن اورّط الناس معي > ولکن أين ¿ آذهب من نضي حين 
أخلو بنفسي؟ أين ن أذهب من الحقيقة وهي تهوي على رأسي بمطرقة من 
حديد حين أكون وحدي؟ هل هذا يُعجبكم؟ أن أجلب إلى البلوى مَن 
ليس له في الأمر ناقة ولا جمل . إنّه لهل إذا كان يُريحكم ء لكنّه 
ليس الحقيقة...ليس الحقيقة ...4 . صرخ (أبو سليم) : «أنت 
تكذب كما تتحدّث ءلم أرَ مثلا يُتقن الدور في كل الذين حقَقت 
مَنْ يستسلم للأمر » ولا يعودٌ أي شيء يعنيه : «اكتبوا الإفادة التي 
تُعجبكم وأنا سأوقع عليها إذا كان ذلك ينهي الأمرء ويُريحكم . 
اكتبوا أي شيء » سأوقع عليه » هل هذا العرض يُسعدكم. 
شكتم سأوقع لكم على بياض ¢ وسودوا الصحفحة جا تشاوون من 
اعترافات» كنت قد وصلت إلى حافة الانهيار »لم يكن من شيء 
او لاوا و ب ابابل كلد لم وسركوني 
أكثر من عشرة ة مُحققين ام لي الي 
وكانت ليلة من العذاب التّفسىّ لا يعلم بها إلا الله 

من بعيد . وشفيفا كأته قادمٌ من الجنّة , وَعَذَبًا كماء يتهادى في 
جريانه » وحزينا کو » تعالى النداء الخالد : الله أكبر» من مآذن أحد 
المساجد في الخارج . كان هذا التداء شفاء لما في الروح من ضنك » ولا 
في القلب من أسى ٠‏ لكأته مسح على جروحي ء وأعاد إلى ذاتي التي 
شعرت أنها تبعثرت ومُرّقت إلى أشلاء بين يدي المحققين . لقد رفعني 
ن الصّافى في هدوء الليل من وهدة اا لبقول لي ر الظلام 

تي الفجر › > ومن الضيق : ص ينبثق الفرجه . سمحوا لي بِالتَوضَوٌ والصّلاة . 


284 


وبعد أنْ صليت » نعست » وغفوت للحظات » لكأتنى رأيت المحقّقين 
العشرة ا ا ا بإطلاق 
0 بل بوي والبطّانيات والخدة : 
فرميت نفسي على الأرض ٠‏ وت على البلاط »لم يكن قاسيًا ولا 
باردًا كما كنت أتخيّل ء بل إنه كان لينا كفراش من الرّيش »ء وناعمًا 
كالحرير » وحين وضعت يدي تحت رأسي ٠‏ أحسست أن يدي تحولت 
إلى مخمدة طريّة يفوص فيها رأسي بالتعيم . . . غت حتّى شروق 
الشمس . كأتنى غت الليل بطوله فى أفخر الفنادق ». لقد عرّفنى الله 
في تلك الليلة معنّى جديدًا للتعمة لم أكنْ أعرفه من قبل . إن ري 
لطيف لما يشاء 

أخمرجوني في العاشرة تقر يبا ٠‏ نه اليوم 0 ا 
ا ل ا ا E‏ 
أعر عيتيه انتياهًا طويلاً » سألتهما : «لاذا أنتما هناء ألم تكتبا تقريركما 
وانتهى الأمر» . رفع الرائد وجهه ء > وقال : «أترى هذه الصور؟» كانت - 
فيما يبدو - صورًا للقتيلات . قلت له بدون أدنى تأثْر : «وماذا تقصد 
من وراء عَرَضٍ هذه الصور علي؟ لقد قتلتهن وكفى» . قال لي وقد بدا 
أن دمعة : تترقرق في عيتيه تحاول أن تجد لها طريقا إلى خده : «هل 
تعلم أن خمسًا من هؤلاء القتيلات هن عربيّات ولسُن يهوديّات» . نزل 
الخبر على كالصاعقة > شعرت أن تارا اشتعلت في رأسي . وبدأت 
أهرش رأسى ؛ اله وقد بدأ جسدي يرجف : «وهل أنت متأكد؟ه 


255 


فأجابني : «نعم » وهذه أسماء العربيّات الخمس» › وأشار إلى القتيلات 
وقد كتب تحتهن أسماءهن بالعربيّة » قرّب الصّورة مني لاتأكد من 
قراءة الأسماء > وكانت هذه هي الصّاعقة الثانية » رات ا الأولى 
فاطمة البتول ٠»‏ والثانية : نور » والثالثة : ميسون . . غامت بي الأرض › 
رو رت یرو شی عاد يا أمامه «لقد قتلت 
عربيّات لمات . . ولیس یهودیات كما كنت تظن . . أتدري ما 
اتب اوه :إنينا اناد نة عاك الكببية قا وجول 
ونور . . . والآن لقد جرّبت شعور أن تفقد عزيرًا على قلبك › أولم 
تفكر بشعور أهلهن » أليس لهؤلاء الملمات العربيّات آباء وأمّهات » 
أليس لهن أقارب . . . إن بطولتك صارت في مهب الرّيح › إتها تتضاءل 
EE‏ ا ال ل 
فتفقأهما...» . لم أعد أحتمل أكثر »لقد ذهب كل شيء سنُدّى . ها 

هى البطولة ت تتحوّل إلى جرية » وها هي الأحلام تحشرق في لحظة › وها 
أنتَ أمام نفسك الآثمة > كيف سيهدألك بال بعد اليوم > وکیف 
سن جنا ميك رن ددا بسكن الا ربجتو 
على ركبتي » كمن لم يعد قادرًا على حَممّل آلاف الأطنان على 
كاهليه . وارتحت يداي . . . ورميت رأسي على صدري › كانت 
الدّموع من أوّل الحثوٌ قد وجدت طريقها » وصارت تسيل » ثم انفجرت 
ل لل TS ma‏ 
أسماؤهن تشبه أسماء أحبّ الئاس إليّ . أقربهم إلى قلبي . 1 
لخسارتك يا أحمد . . يا لَشُوم ذلك اليوم الذي قرّرت فيه أن تستل 
البُندقيّة وتصوّبها إلى هؤلاء المسكينات . . . واحسرتاه . . . ولم أستطع 
أن أمنع نفسي من البكاء » وامتمررت بالبكاء الذي تحوّل إلى نشيج › 


286 


نم إلى عويل » ثم إلى انهيار تام . . . نم رحتُ أطلبْ من الله لهن 
الرحمة » وأصرخ : لم يكن قصدي . . . لم يكن قصدي . . . أنا أردت 
أنْ أقتل يهودًا لا عربًا . . والله لم يكن قصدي . . . وسقطت مثل 
عجل يخور » ولم أعدٌ قادرا على رؤية شيء 
سحبوني إلى الزنزانة ظللت فاقدا للوعي أكثر من سبع ساعات . 
لم يفعلوا خلالها شيئاء > كنت مرميا على بلاط الرّنزانة ككيس 
ثفايات . سكبوا على دلوًا كييرًا من الماء بعدها » فصحوت كالمجنون » 
كان اللّيل قد بدأ يزحف على الأرض » ظللت أكثر من ربع ساعة حبّى 
استوعبت أين أنا » وما الذي حدث معي . كان المغرب يطوي الأرض 
من جهة الغرب ليُعلن عن نفسه » وقبل أن يفعل ذلك أخذوني إلى 
مكتب المحققين من جديد » كانت آثار الصّدمة ما زالت ماثلة على 
وجهي »وجه شاحب مسّنّه حرقة الدموع فزادته شحويًا » وعينانى 
مُنتفختان لكثرة ما نزفتا من الدموع ء وآثار تخميشات على وجهي › لا 
أدري إِنْ كانت في حالة ذهولي أم لا ءلكتني أعملت قيمايبدو 
أظافري في وجهي كثيرًا أثناء تلك الصدمة . 
في المكتب » بدأ المحققون ثقيلو الدّم » بالأسئلة من جديد , 
سألوني عن أسماء شيوخ يسكنون الأغوار » وكانوا يريدون معرفة ما إذا 
كانت لي بهم صلة . وفي الحقيقة مع احترامي لمقام هؤلاء الشيوخ 
فإتني بالفعل لم أكن أعرف أحدا منهم .لعل هذا السّؤال كان بداية 
الاقتناع بان ما قمتُ به كان عملا فردياء ءقام به أحد العاكر 
0 . ذلك أنهم ريّما سألوا هذا السّؤال ذاته للشيوخ 
لوا : «إثنا لم : نسمع به من قبل أبدًا » ولم نعرف قبل العمليّة أحدا 
0 الاسم» . وهذا يريحني ويُريحهم ء إذ إنّه لا يُحمّل آي أحد سواي 


287 


مسؤوليّة العمل الذي قُمتْ به كان أمر القتيلات العربيّات الخمس ما 
معنى حياتي تافها > لکن صوتًا آخر كان یصعد رویدا رويد! قادمًا من 
الأعماق يقول لي : «وهل صدقتهم أيّها السّاذج؟!» 

سألوني عن أخي الأكبر (باسم) الذي عمل خيّاطا في 
العسكريّة » وعن أخحي عبد الله > كان أخي باسم هو ثقطة ضعفي . 
الاخ الاك والأحن والأ حب إلي . ما زلنا في العائلة نكن له ذلك 
ا لحب لأته عائى في طفولته من مرض جعله لا يستطيع الستير بشكلٍ 
ميح اضر وف رعو PPPS‏ ليه 

نحن الصغار لتعرف ماقط الماء ا الزرع 210 اله يوم 
E a O‏ 
ل د Im‏ 065005 
بطرد أخحيك باسم من الوظيفة 0 اعتقاله واعتقال أخيك عبد الله 
عرضًا ميا لا يمكن أن يخطر ببال أحد لو نك قلت لنا الحقيقة 5 
eS E E E a‏ عي 
وضح التهارء فإذا سأله أحد el‏ ايها الحكيم؟ لم تحمل 
فضباحا وتن فئ وضح النهار؟!» + يجيب «أنا أبحث عن الحقيقة يا 
بني . . أبحث عن الإتسان» . ومات ديوجين الذي كان يعيش في 
برميل دون أنْ يعرف الحقيقة » ولا أنْ يعرف الإنان » ولكن هل كان 


288 


ديوجين یری ما لا نراه! فمن أجل ذلك كان يحمل مصباح البحث عن 
الحقيقة. أخحشى ما أنحثاه يا أبا قاسم أن تموت مثل ديوجين دون أن 
عبد الحقيقة. .. أيقظني من هذياتي هذا صوثه الخشن : «ماذا قلت 
بشأن العرض أيها العسكري؟» . نفضت راسي لاسقط مته رما 
تبقى من نثارة الخيال الذي ذهب بي إلى ديوجين » وسألته : «أي 
عرعن ععدة . فتنحنح وغيّر جلسته Se‏ 
الذي ل يُفوّت : «العرض يقول إنه إذا أخبرتنا بالحقيقة. 
e‏ 
وسط البلد القديمة وهو يُساعد أبا قاسم في البحث عن الحقيقة 
فسألني الق - وقد قاطعت ضحكتي عَرضه - باستهجان : «ولماذا 
تضحك؟» » . أجبځه وأنا أشير له بيدي ليُكمل حديثه «لاا شيء . 
ی ر فقط أكمل من فضلك» . ولا أدري إِنْ كانت 
هذه الكلمات الطريّة به الفّاحكة الساخحرة حرجت منّى لأبي قاسم آم 
لديوجين الحكيم . وتابع هو كلامه : «كنت أقول إذا أخبرتنا بالحقيقة 
فستحظى بمحاكمة صوريّة أشبه بالمسرحيّة ومتخرج من السّجن خلال 
مَدَةَ بسيطة » ومآمُّر بصرف راتب شهري لك يُقدّر بأكثر من ألف 
دينار . . .» . تراقصت الثة الات وان دینارًا أمام ناظري التي 
كانت هي كل راتبي بعد حوالي عشر ستوات من المندمة ء وتناثرث 
مثل أحجار صغيرة أمام الصخخحرة الكبيرة ذات الألف دينار . . . هل 
كانوا رتوت تعييئى وزيا معلا أو مما فى الدوان د اعد 
مثل هذا الرّاتب الضسّخم؟! وغقلت عن باقي العرض » فطلبت منه أن 
يُعيده » فسمعت الألف دينار مرّة ثانية وتخيّلتُها حونًا كبيرًا تأكل بلقمة 
واحدة التمكة الصّغيرة التي كنت أفرح بها في آخر كل شهر . 


289 


وسمعته يقول أيضا وهو يُتابع فقرات عَرّضه : «وسنبني لك بِيتَا» . 
وهذا البيت الذي في إبدرء إنه بيت صغيرٌ ضيّقَ مُتهالك » نحن نبني 
للذين فيم رونا ارحب من قلونا ,وتراجعت البينوت الطرجة .. 
وراحت تختفى 2 فى أمام ناظري في الأفق البعيد كأتها نقاط سوداء صغيرة 
تذوب في المحيط » وبدت مكانها بيو حجريّة بيضاء > تشمخ في 
السّماء » وتتّسع أمامها الحداثق ذات الجمال الطاغي . . . ثم سمعمّه 
يقول : «وسنشتري لك سيّارة» كان هذا حلم فاطمة أكثرممّاهو 
حلمي » تقول » وهي تضع يدها على كتفي › وتسند رأسها فوقهما : «لو 
أتنا غلك سيّارة لاستطعنا أن نزور أهلي في أمّ قيس في الاسبوع 
مرّة . . . إتّني أشتاق إليهم كثيرًا » وسيكوث بإمكاننا أن نلف الأردن من 
شماله إلى جنوبه » وسنشتري ما لذ وطاب من الطعام » ونتممّع بمناظر 
البلد المساحرة ونحن نعبر جباله وصحاريه وسهوله ووديانه » وسیکون 
بإمكاننا في إجازتك أن نسهر ولو ليلةً واحدةٌ على قمّة من قمم رم 
الأقرب إلى التجوم التي لا يراها سوانا » وإلى الله » وسئُسمّي بعضّها 
بأسمائنا » هاتان نجمتان دائمتا الترافقق والالتصاق ء إذا ظهرت واحدة 
ليوك ا و سدقت سكت ی 
سئُمّيهما : أحمد وفاطمة .. . تم يُعجبنا الاسم » وحين نعود إلى 
إبدر » نرى التجمتّين فى إحدى ليالى الصّيف الوادعة » فنقول : ها 
هما + لقن طفع نكا اا عقا خا ت أن ن مله 
إلى آخر العمر ء بل إلى أن يفنى الكون : فاطمة وأحمد 0 
تضحك من كل قلبها . . وأضحك أنا . . . وأستفيق من هيامي على 
صوته الخشن : دلماذا تضحك ثانية > ألم يُعجبّك العرض؟» . أنفض 
ران ونا اوشم شال > أحدّث نفسي : : وستهلكني هذه الخيالاات 


290 


التي لا حَدَ لها» . أسأله بعد أنْ أستعيد بعضًا من الواقعيّة : ««لخص لي 
العرض مرّة أخرى» . فيقول وهو يتأفف : «إذا قلت لنا من وراءك 
فستخرج من السّجن سريعًا » وسنصرف لك راتبًا مقذاره ألف دينار » 
وسنبني لك بيتا فارها » ونشتري لك سيّارة حديثة » هل هذا واضح؟! 
هذا هو العَرض» . تم تظهر لي فاطمة من جديد » كانت عيناها تقولان 
ت «حبا بي لا تتخل عنّي» . فهمت كل شيء يا فاطمة » أين ذهب 
من عيتيك السّاحرتين »لن أساوم عليهما » ولن أقيل بسواهما وطنًا 
أصرخ كمن فقد صوته لزمن طويل ثم امتعاده فجأة بعد انحباس : 
«وأنا رفضت» . فيهتف متوعّدًا » وهو يُمسّد على حیته » ويأمر عساكره 
مُرْبدً! : «خذوه إلى غرفة الضيوف» 


291 


(۳€) 


لقد كان يُشاهد كل هذا › كان يستمتع » وكان يتشفى ء لقد أراد أن 
يُتابع الأمر بنفسه لان الوحش الذي يوجد في داخل كل واحد متا 
ويظل كامتًا حى تأتي لحظة خروجه » استيقظ في نفسه آنئذ فطلب 

من البغل أن تكون الضيافة على الأصول . نزلت علي كل أنواع الألمء 
للوحوش قلوب أرق من قلوب البشر أحيانًا . نحن لا نولد بهذه الوحشية 
مُطلقا , لا بد أن تربيتّنا هى التى جعلتّنا نبدو على هذا الوجه الكريه 
البغيض الذي لا يَمَتْ إلى الإنتسانيّة بصلة ء إذا كان الكره ينغرس فى 
ت تمك أن خرن اللي فون دات 
القلوب؟! آلا يُمكن أن نعلّم الئّاس الحبّ يدل الكره» آلا يُمكن أن 
نغرس في قلويهم الورد بدل الشوك؟! لو بحشت أعمق في قلبك 
ستجدني هناك . أتعرف لاذا؟ لأنني أنا أخوك › لأتني لا أحمل لك أي 
نوع من العداوة . أنت لم تحتل أرضي » ولم تسرق قمحي . ولم تركب 
ظهري » أنت أخي » وهناك في المهوى البعيد من القلب » في السويداء 
بالضّبط ؛ ستجدني!! لكنْ افتح نافذة قلبك ليدخل إليه التور » علمْ 
ل ا ا كا 
وهكذا نعيش في أمان » وهكذا تظل الشمس تشر ق كل صباح 

وت على الارض مغشيًا علي من شدة التعذيب ‏ لقّد جرّبوا 
كل شيء » كان صياحي من شدة الألم لا يستمرٌ طويلاً ‏ »ريما نصف 


292 


ساعة وبعدها أفقد كل شيء ۰ وكان هو يرى ذلك › ولم يُحرّكُ ساكنا . 
بل كان يُساعد في صب الرّيت على التار . على الأرض كنت مرتخيًا 
مثل ممسحة » مثل شريطة لو ركلتها برجلك ففتتثنى وتتحرّك بضعة 
سنتيمترات »ء لا حياة في » لا وعي » ولست أنا » كنت قد غادرت هذا 
المكان منذ فترة » وسافرت بعيدً! فى اللأوعي الذي كم تمتيت أنْ أتذكر 
من رحلتي إليه شيا بعد عودتي . لكن الغياب كان يُنكرني في 
الحضور 
رشقوا على ماء باردا لأصحوء ثبتوا يدي على المكتب > وأحضروا 
الإبهام . قال لي أبو قاسم : «تقول الحقيقة أم نخلعه؟!» . تحطّم مصباح 
OTE‏ ا . أجبنّه : «قلت كل 
وو 1 ان يدي آنا aA‏ 
!ل» 0 كثور ا ر قبل ان تصعد » وزفر 5 نار ملتهبة ٠‏ 
واقترب متي 4 ووضع الكمائة جه على ظفر إبهام يدي اليُمنى « وأدحل 
فكيها الحديديين المد قت الف بصعوبة » وأنا أكز على أسناني 
من الألم» م شد عليهما »نشت مى رة غاليةاء كانت الم نة 
قد حفرّته أكثر على ما يبدو ليستمرٌ » أدار الكمّاشة بحركة سريعة يمينا 
ويساراء فا ت أن شّعر رأسي قد احترق » حى إتني شممت 
رائحة الحريق وشواظه » وضغط أكثر إلى الخلف ليم خلعه . فضغطت 
على أسناني لأمنع مزيدًا من الصّراخ أن يملأ الغرفة » ورشح وجهي 
وجسدي عرقا » وصار العرق يتصبّب من رأسي كأنه تحت نافورة من 
الماء الساخحن » كان الظفر ينسحب إلى الخارج ببطءء وكان کل مليمتر 





293 


منه لا يتخلى عن جَذره إلا بألم فظيع . قاوم الظفر كثيرًا قبل أنْ 
يستسلم نر قليل من الدّم على جانبّي الفر في خيطّين رفيعين » 
واززق لوثه: + ووحتت أضغط على أسناني » وأكتم أنفاسي حتّى كدت 
العم خا ياج أككر إلى لخاد وروز للضي التي كان ينخلع 

ا ا ا لي 

لم أستيقظ إلا بر شق الماء . لقد أسرفوا في الماء » رشقوني بعشرات 
الدلاء حمّى الآن ء ثم يأتى مَنْ يقول لك إِنّنا دولة شحيحة بالماء » إِنْ 
كان الأمر كذلك فمن أين جتتم بكل هذا الماء الذي رشقتموني به؟! 
على أيّة حال هو خيرٌ منكم » كنتم من قبله تبعثون بي من الحياة إلى 
الموت » وكات هو يُرجعني من الموت إلى الحياة . صحوت وآثار الألم ما 
زالت باقية » ومنظر ظر اللحم تحت ظفري كان بَشْعًا > أدرت رسي بعيدا 
وأنا أراه » قيّدوني من جديدر» وقذفوني في الرّتزانة العارية . اريت 
على ا ومن شه الألم والإرهاق إلى ظهر اليوم الثاني 

حين صحوت » رأيتني قد تغيّرت . لمُني . والعالم الذي يجري 
في الخارج غير العالّم . شيء ما يقول إن الطّريق قد وصلت إلى نهاية 
مسدودة . سوف و بالحائط الحديدي السّميك . وما من عودة . 
والذئاب على جانبي الطريق تنتظر لحظة انهيارك من أجل أنْ تنقض 
عليك فتأكل لحمك . إنها فقط تنتظر لحظة العف الفاصلة بين 
حياتك والموت . وها هى تبدو ويكة 2 . ناديت بصوت مبحوح 
أشبه بعواء كلب جريح : «آین أنتم . . . يا هوه . . . يا هيه ۰» . أطل 
و ا 
بقرف : «ماذا تريد؟» . أجبته : «أريد أن أعترف . . . نادوا لى (أبو 
سليم) ريد أن أعترف» ٠‏ 


294 


هرول أبو سليم إلى » حدث استنفار في الشعبة كلها . بدا أن 
الكلب أخيرًا سيعترف » يبدو أن صبره نفد » وأنّ نفوره من العَظمة قد 
زال » وأنّ ما كان مُستحيلاً أصبح مكنا . فُحمّ باب الرّنزانة » فبدا أبو 
ترق الا شل ابن الهول قلت له : «فك قيودي » سأعترف» 
قال لي بفو َة : هيل و وأنت مقيد» ٤‏ المنتصر : يفرص شروطه:: 
قف ی بنط جد ا 
وقسمي على أن أتأرلها ء قلت له إتني كنت أنوي أنْ آحڌ يثاري لها 
من رئيس وزراء العدو يوم اللاحتفال على معبر وادي عربة »لكنكم 
استثنيتمونى من تشكيلة الحراسة فى آخر لحظة . أخبرته عن عمليّة 
السّلام وأثرها القاتل علي » أخبرنُه عن تأثري بقصف مُفاعل موز 
التووي العراقي » وعن انهياري لما رأيتّه من صور الضحايا في صبرا 
ل ا A‏ لون ا ا 0 
الباقورة بأي س لا نها مسرح ر العمليّة لوالو نويت + أن أفعلها .لم 
يحدث أي شيء بالصّدفة » لقد كنت أعي ما أقوم به » كان كلّه عن 
تخطيط » وكان عقلي يعمل في الاتجاهات الأربعة . الصّدّف لا يعول 
عليها إلا الفاشلون » أنا أعرف ما كنت أقوم به . وها آنا فافعلوا بي ما 
الكباريتى قد استقالت بسبب عمليّتك؟» . فأجيئُه : «من الطبيعىّ أن 
بن كو وح ال يي الو 
» . فسألني مُتجاهلاً تعليقي على استقالة الحكومة : «ومن أين 

عل ا ل E‏ ل E E FA‏ 
نفسي . مَنْ هو الطبيب الذي وفع لك عليها؟!» . خفت أن يُعافَبٍ هذا 


205 


الطبيب » فأجبتُّه لكى أحميه » وأحمى بعض أصدقائى من الأطبّاء : 
«أنا بالفعل أعاني من مرض نفسيّ . ألم تُشبتوا ذلك خلال فعرة 
التحقيقات هذه؟ا» 

كان اثنان مُوكلان بكتابة الإفادة . وكاتا مُنهمكين في تدوين كل 
حرف أتلفظ به » وكان أبو سليم يسألهم بين فترة وأخرى e‏ 
كل شيء؟» » . وكان أحيانا يجعلني أعيد بعض العبارات ليتمكنوا من 
تدوينها استتمرٌ ذلك أكثر من ساعتين ۽ فم طلبوا م مني التوقيع على 
الإفادة » طلبت أن أقرأ ما كتبوا فرفضوا » وقعت على إفادتي من دون أن 
أقرأها » وسألني أبو سليم إن كنت أريدٌ توكيل مُحام في قضيّتي 
فرفضت لأتني لا أملك فلسًا واحدًا . كان وضعي ألادي صعبًا . 
وكذلك وضع أهلي / 

لم أكن حتى تلك اللحظة أعلم ما يحدث في الخارج » موقف 
أهلي والتاس » والتقابات » وأصحاب الرأي » والإعلام ماذا يقول » كنت 
متشوقا أن أعرف كيف يرسمٌ العالم الخارجي صورته عني . »هل 
يعتبرني بطلا أم مُجرمًا؟ هل ينظر إل كقدّيس أم كإبليس؟ وإذا كان 
الما س قداتقسمواة في إلى فريقين » فَمَنّْ من الفريقين يراني بطلاً ‏ 
ومن منهاما يراني مُجرمًا؟ ومن منهما يعدي قادّيسًا ء ومن منهما 
يعدّنى إبليسًا؟ كانت هذه الأسئلة تؤرقني بالفعل » وكتت كذلك ما 
أزال مثقو 35 ب الفؤاد من المعلومة التي عرضها علي الطَّبيبُ التفسي من 
أن خمسًا من القتيلات كن عربيّات من عرب ال ولمع 

لا أدري كيف مر الليل . غت وحيول الحزن تتسابق في ذاكرتي » 
وفي الصّباح نقلوني إلى دائرة المخابرات العامّة . وأدخلوني أول وصولي 
على رجل أجنبي . عرفنّه من ملامحه » ملامحه لا تنتمى ي إلينا 


296 


ولسانه كان ثقيلاً مثل لسان السّكران » وحروفه مقطوشة كأتما قصّ 
أحدهم آخرها بمقص . كانت الغرفة أشبه بعيادة . طلب مني أن أخلع 
ثيابي . أجلت التظر في الغرفة لأرى إن كانت هناك قيود وسوط 
(وجوال) ملح ودلو ماء فلم أرَ شيئًا من ذلك فارتحت . ركب الأجنبي 
الذي بدا طبيبًا على جسدي بعض القطع التي تُشبه القطع اة 
الموصولة بأسلاك ال جهاز إلكتروني > کان الجهاز يطلق زمره بين الفينة 
وال خرى كانت الاسلاك مع القطع الدائريّة قد غطتْ صدري . وضع 
بعص الملاقط الموصولة بأسلاك كهربائية على إصبعى الشاهد والبتصر › 
حك انق ليه حوس هاا الذي ل ا ا 
كنت رائد فضاء يريد أنْ ينطلق بعيدًا عن الأرض » للحظة تمنيت أن 
الأرض التي يتقاسمون العيش فوقها : تابع الأجنبي مهمته بكل 
إخلاص ؛ وضع موصلا كهربائيا كبيرًا على القلب › ولف حزامًا على 
وسطي . وعلى عضدي لف شريطا يُشبه شريط الضّغط . إلا أنه 
وول بأسلاك إلى الجهاز الإلكتروني . أنكذ قال الأجنبي : نحن 
جاهزون» كان هذا الجهاز هو جهاز فحص الكذب . الملاعين لم 
يكتفوا بكلّ العذابات ا السسابقة » لم يقتنعوا بإفاداتي كلها ء 
إنهم يريدون للعلم الحديث أن يُثبت صحة أقوالي من كذبها . قال لي 
الأجنبي : «ساسالك عدة أسغلة و بواحدة من إجابتين هما : 
نعم » أو لا اتَمَمَّنا؟؟ أجبه وقد أجلسني على كرسي : : «اتفقنا أيّها 
SS Sg‏ : ننتمي إلى تنظيم ري «لا» . زمر الجهاز 
8 تنتمى إلى أي إسلاميّة؟» . «لا» . زمر الجهاز . «هل أحد 
: باط الفيكن و كلفك ا المهمَةَ أو ساعدَك فيها» 


297 


تزكقت فا كيل آل ایت مرت باذ قزري ف ا الف اط 
والجنود ترتجف في تلك اللحظات » كل واحد منهم كان يُمكن أن 
ينتهي وجوده ومستقبله بمجرد الإجابة بثلاثة حروف » كان طائر الرّهبة 
والتوجس يقف على رؤوسهم فينقر منها ما يشاء وهم لا يحركون 
ساكتاء فقط كانوا ينتظرون إجابتي 0 الرّهية على السَّؤال 
الأصعب . لكتّنى أجبِنّه بشقة بشقة وبإيمان : لا» . فولى الطائر بعيدًا عن 
رؤوسهم » وتنقوا الصّعداء بعد أنْ توقفت تلك الأنفاس فى صدورهم 
للحظات قصيرة :هي زمن ما بين السّؤال وال جواب ولكنها بدت في عُرف 
شعورهم لل وطويلة جدا . سألني : «هل أنت مدفوعٌ لهذا العمل 
من قبّل جهاز مُخابرات عرب" أو أجنبى؟» . أجبته : «لا» . زمر الجهاز 
لم أكن أفرّق بين زمرات الجهاز » لكتني أحسست أتها مُتشابهة » ولم 
أكن أعرف كل زمرة ماذا تعنى 

أعادوني إلى شعبة الاستخبارات . لأجد أبا سبليم ومعه رجلٌ آخر 
لا اعرف من هو بانتظاري ٬‏ قال لي أوّل ما رآني : «اجلس . هذا امحاميى 
شون الدفاع عنك أمام الحكمة . هل تريد توکیله؟!» أجبحّه «لا» 
فخرج الحامي . قال لي أبو سليم : «ولماذا لا تريد توكيل محام يتولى 
الدفاع عنك ٠‏ أنت بحاجة إليه من الآن فصاعناء ملف التحقيق 
أغلق » وسنبداً بعرضك كُحاكمة» . أجبئّه «حالتي الماديّة لا تسمح» 
فضحك : «لا تخف . هذا امحامي لن يأخذ منك قرشا واحدا » المحكمة 
العسكريّة هي التي تطلب منه أنْ يترافع عنك» . ورفع الهاتف ء واتصل 
با حامي الذي عاد بعد أنْ غادر في عضون ربع ساعة ء وقال لي : i‏ 
مُناضل مثلك » أتظن أثني سآخذ منك ملَيمًا واحدا » أنا من الَبعَدين 
من فلسطين » وأريد أن آخذ وكالة الدفاع عنك . ٠‏ لأتني مُقتنع بذلك . 


298 


لقد تم انتدابى من قبَّل نقابة المجاتين ومن اتاد المحامين العرب » 
ومن المنظمة العربيّة لحقوق الإنسان من أجل الدّفاع عنك» . فردَ طائر 
الاطمئنان جناحّيه قليلاً فى أعماقى .» حدّثت نفسى قائلا : «إذا 
قضيتى في الخارج تتفاعل › وكل هؤلاء تصدوا لتوكيل هذا المحامي 
من أجلي» . فوقعت له الوكالة » وكتبتُ فيها اسمي الرّباعي ثم قال 
لي : «لقد اطلعت على إفادتك > في الحقيقة يجب أن تغيّرها » وسنقول 
إتها اخل رق عافن قزرت ال ا واللإاكراهءإفادتك بان بكرن بي 
ا أخحشى اا إذا لم تشيرهاء . خفت قليلاً : 
العريق في المحاماة » والقضايا التي جلب البراءة أو 
عدم المسؤولية » واستطرد في الحديث عن نفسه كثيرًا حتى ]سيكت 
بأن قضيّتي هامشيّة » وأن ذاته هي الفلك الذي يدور حوله الحديث . 
شي ء مأ نقر راحتي وجعلني على قلق منه وخحرح!! حرج دون أن 
بسألني عن أي شيء يخص قضيّتي » لا عن ظروقها » ولا كيف 
حدثت العمليّة » ولا عن ملابساتها » خرج ولم يعد إلا بعد ما يقرب 
من شهرين!! 
كان جهاز فحص الكذب قد كذب عليهم » اعتقدوا ذلك لأنه لم 
يُعطهم التتيجة التي يرجونها » حى الأجهزة التي ليس لها مشاعر 
وتعطي التتيجة دون محاباة لأنه لا عقل لها سوى حساياتها الرقميّة ‏ 
كعدوا انها تواطأت معي ولم تقل الحقيقة . مرت ثلاثة أيّام قبل أنْ 
يُعيدوني من جديد إلى داد ثرة المحابرات ليقوموا بفحصي على هذا 
الجهاز ثانية ليذو أله أعطاهم النتيجة نفسهاء >لكنهم مع كل ذلك لم 


299 


فى أحد العام التي بدأت تمر دون كثير من الانتباه لغزلانها التي 
تقفز مسارعة إلى الأمام » قال لى الرائد الطبيب التَفسيَ : دلا بد أن 
غجري لك مزيدًا من الفحوصات» . سألتّه هما إذا كان مستشفى الطب 
التفسي الذي يعمل فيه يريد أنْ يستخدمني كفأر : تجارب » ويجري على 
أبحائه ليواصل تقدّمه » فأنا سجن ولا بُدَ أن الفرصة فى استغلال 
الستجين من أجل إجراء الاختبارات عليه هي فرصة ثمينة » ولا تتكرر 
كثيرً » فالسّجين لا حول له ولا قوّة » ولیس له أن يعترض أو يرفض» 
لم يقل الطبيب شيئًا » بل باشر فى عمله دون إبطاء » قال لى : «سآخذ 
منك عينة من الدّم لأتأكد من لوك من الأمراض» . وسحبّ بالفعل 
عينة الدّم » لكنني لاحظّه يقوم بأشياء غريبة بعدها » قال لي نم 
إسفنجيّة » وكان عند طرفها ماسورة عالية مئْبَتْ فوقها كيس جلوكوزء 
مدت على الفرشة كما طلب متي » ثم رأيته يغرز إبرة الدلوكوز في 
وريد يدي » وبعد أنْ غرز تلك الإبرة » رأينُه يأتي بإسرنجة فيها محلول 
أصفر › واستطعت أنْ أميّز عدد المليلترات التي تحويها الإسرنجة . لقد 
كانت حوالي + مل »وهي كمّية كبيرة , تم رأيثه يُفرَْ كل ما في 
ا حلول في الإبرة التق في الوريد لتنتشر في جسمي مُباشرة فشكت 
جلس على كرسي قريب متي » ويداه بين رکبيه » وهو ينظر إلي يتاع 
أثر امحلول على . مرّت دقائق صمت من تلك التي لا تسمعٌ فيها شيئًا 
الدقائق البكماء شعرت بارتخاء أعصابي ٤‏ ويديى 3 وکل جوارح 
جسمي ءلم أعدّ قادرًا على رفع رأسي لأ نظرٌ إليه . قال لي الطبيب 
الذي بدا أنه يَغيمءويبدو من خلال ضباب أبيض : «بماذا تشعر 


300 


اله3ه كان فون تع هر ا فاق ادا من كز :عالت آذ ا ييه 
بأتني أتحوّل إلى خرقة » لك لساني كان ثقيلاً جدا . أردت أن ألعنه ‏ 
أن أشتمهء أنْ أقول له إتني إنسان ولست فأرًا » أن أقول له ما هذا 
الشيء ء الذعين الذي أعطيتني ياه » لكتني لم أقل ما أريد » كنت أقول 
ما يريدون ؛ لقد كنت أُهلوس!! 

دخل أبو 5 إلى الغرفة الّتي كنت فيها لكتّني غير موجود» 
عيناي مفتوحتان ء ولكتني لا أرى » ولساني يتحرّك في فمي »ء لكنه 
ينتمي لهم ولا ينتمي لي كان أبو سليم يحمل جهاز تسجيل في 
يده » قرفص عند رأسي مثل مَلْك الموت » وضع يده على را سي سی » وبداً 
يلقنني » سألني : «مَنْ دفعك إلى هذا العمل؟» . أجبتّه «لا أحد» 
خرجت كل كلمة كأنها جيش من الكلمات لشقلها » ولطول الزمن 
الذي نطقتها به لم أجرّب ثقلاً في اللّسان مثل هذا من قبل . سألني 
أيضًا : «كم دفعوا لك من المال أو الذهب لكي تقو م بهذا العمل؟» 
كنت أريد أن أبصق في وجهه > لكتني قلت E‏ 
لست خسيسمًا ولا تذلاً مثل الكثيرين ء آنا قُمتُ بعملي هذا من أجل 
ديني وأمَتي » ومن أجل أن أنقد أبنائي وأبناءك وأبناء المرب 
والمسلمين » وأحميهم» . فسألني وحاجياه يرتفعان فوق جفتيه 
كغرابين : «وممن ستنقذهم؟» . اجه «من اليهود » اليهود الذين 
سيبدؤون بك ؛ فيقتلونك لو سنحت لهم الفرصة» . قال لي «ولاذا لا 
نصا حهم ونعيشْ معهم بسلام» . فأجبته : «آنت تحلم » هم لن يقبلوا 
بغير إفنائك . وإرسالك إلى الجحيم » قل لي : هل يُمكن أن يعيش 
الذّئب مع الغنم في مكان واحد » مستحيل . إن الذّئب سيُفكر في كل 
لحظة أي غنمة سيأكل ؛ سيتفرد بها واحدة واحدة > وياكله حَميمًا 


301 


لو قلت لك إن صداقة نشأت بين ذثب ونعجة فهل يُمكن أن 
تُصدّقني!! إتها الغريزة » الذئاب لا تعترف غريزتُها بغير أنيابها» 
سألني : «ها هي معاهدة السَلام لها ما يقرب من سنتين بيننا وبين 
اليهود ولم يحدث شيء؛ . أجبته : «يبدو أنك جاهل أو تتجاهل › 
والمياه التي سرقوها من نهر الأردن!! والأرض التي تهبوها وقالوا إنها 
وسا خادة وهي ليست كذلك!! والخيرات التي تذهب ٤‏ كلها لهم في 
الباقورة!! والذين يُقتَلون في بلادنا على أيديهم › في لبنان وفي 
فلسطين!! أمْ أتك لا تعتقد إلا الأردنٌ وطنّا لك » أليست تلك أيضا 
أوطاننا؟ الي القتلى ملمين مثلنا؟ ال ala‏ 
دماءهم و عندك إلى هذا الحد؟!» . سألني وهو يُضيّق عينيه 
فل انت كمون ا ق سكت انهف فسن ا ا ت : 
وي SL‏ ا 
أنت تفعل ما تفعل لأنّك لا تريدٌ للحٌرتّب الشهري أن ينقطم › ولأتهم 
يُسجلون خلفك كل كلمة تقولهاء لو تحرّرت من هذا الخوف. 
فستصطفا إلى جاتبي . دماء العروبة والإسلام تجري في عروقنا 
جميعًاءولن يفرّق الذئب بين دمي ودمك . حين تُناديه رائحة 


- 
إهما 


الضحية 6 


302 


)۳°( 
أحاول أن أنضي نفسي من المنفى لأعيش 


تزع الطبيب التفسي إبرة الجلوكوز من يدي » وخحرج هو وأبو سليم 
مرّت لحظات قصيرة قبل أن يأتي بعض العساكر ويأمروني بالقيام 
للذهاب إلى الرّنزانة . تحاملت على نفسي لأ نهض ٠»‏ لكتني لم أستطع › 
قلت : «الدبابات على الحدود» . لم تلفت العبارة انتياههم قفارت 
بيدي إلى سقف الغرفة وأصابعي مرتخية «والطائرات ستقصفكم» . 
وهنا كير قن العناكث::: اللتكترات يةد ا مكل 
الحشرات . . . الباقورة فيها موز . . . أنا جائع والبيت لا يوجد فيه 
أحد . . .» كنت أهذي . أسندني اثنان » وضع كل منهما رقبته تحت 
ذراعي » ويده على ظهري .ء وقادائي إلى الزنزانة كنت لا أزال لا أقوى 
على الحركة حتّى سمعت أذان العصرء كنت قد بدأت أعي ما أقوله 
تمامًا » ولكنني أردت أنْ أستغل فكرة هلوساتي لأفرّغ من خلالها بعض 
مكنونات صدري . 

تجمّع عددٌ من عناصر الشعبة من العساكر أمام زنزانتي » لقد 
اع إن يووا ا عت تادر ا عاوية وافارادوا إن عكر 
معي » ويستهزئوا » ويُمضُوا وقمًا طريفا » فراحوا يتضاحَكون » ويُشيرون 
إلي بسخرية واحتقار ظنًا منهم بأنّني لا أعي ما يدور » فقلت لهم : 
«أنتم ظلمة ظلمة » لأتكم أذناب للظلمة » عر قا امه e‏ 
ا قاسم فقال وهويقهقه: دهل 


303 


صحيح أنك قلت عني إنني ظالم؟» . فقلت له «نعم ء أنا قلت ذلك ؛ 
أنت ظالم وحقيرٌ وعميل لليهود » وحائن لله والوطن» . ولم يُصدّق أن 
تخرج مني هذه الكلمات وخصوصا أمام عناصره الصّغارء فاحمرٌ 
وجهه › ولم يدر ما يفعل > أمر عناصره بإغلاق باب الزنزانة ومغادرة 
المكان » وولى هو وجهه إلى مكتبه على وجه السّرعة . في اليوم التَالي 
ناداني وقال لي دهل أنا ظالم؟» . فأجبته وأنا أميل رقبتي جهة 
اليمين وأعقد يناي على يُسراي فوق بطني «الله أعلم» . فقال : «أنت 
قلت هذا أمس أمام العساكر» . فأنكرت ذلك » وقلت له» «لا لم أقل 
كلمة من ذلك» ء وتظاهرت بأتنى لا أذكر شيئًا . فقال لى : «بلى » أنت 
فلت عت بات حاف وعم للبتودة فقت له إا كنت ع قلع 
هذا الكلام فعلاً فأنا آسف ؛ يبدو آتني كنت تحت تأثير الهلوسة التي 
أصابتني بسبب الحقنة فلا تُؤاخذني؛ 


مر يومان بعد إبرة الهلوسة . في الحقيقة لقد حسّنت الإبرة نفسيّتي 
قل ٠‏ مني من أن أقول ما أريد تحت ذريعتها ‏ وقد قلت أشياء أفرغت 
فيها احتقانات كثيرة سبّبتها التحقيقات المتواصلة تي أجريت معي ء 
اديت لكك القع ترفك له رة هليه الأب خت اا 
أريدها وأشياء أخرى لا أريدها ء لكنني في المجمل ارتحت . 

عادت إلى صور أهلي وأحبابي . صار تذكرهم مثل نور يكشف لي 
موطئ قدمَي وأنا أسير في الظلام . حلمت بجزيرة . جزيرة نائية لم 
تمسّها قدمٌ من قبل › ٠‏ أعيش فوقها بأمان ء تنيت أن أسرق من الرّمن 
أسبوعًا » أسبوعًا واحدا » لا أفعل شيا سوى التمدّد على ترابها اللين » 
وأقلب بصري بين زرقة سمائها وخضرة بحارها » إنّها أمنية فحسب › 
إنَنى أحاول أن أنفي نقسي من النفى لأعيش »هذا المنفى الذي 


304 


بان و و على سدرى لو ا كبر ملم 
أريدٌ آفاقا بلا نهاية ء أريدٌ أن أرى شمسًاء أن أشاهد غجومًا ولو كانت 
حافتة » أريد أن لوت أصوات الطيور تتداحل فيما بينها في سم 
لازوردي أريد أن أشعر أنني حي !! 

أحذونى إلى مكتب المحققين › أوّل ما دخلتّه كدت أصفرء كان 
منظرًا لا غ كير من ضبّاط الخابرات يتراصون في مقاعدهم 
كأنّما جاؤوا ليحضروا عرضًا سينمائيا من بطولة (فان دام) » أو محاضرة 
في الأمن القومي يُلقيها عليهم (هنري كيسنجر) » أو ندوة في الوعي 
الياسي يُديرها (هشام جعيط) . وكان من ضمن الضبّاط أشهر مدير 
مخابرات مرّ على الأردن » يجلس وعلى رأسه الشماغ الا حمر ء ويلبس 
لباسًا مدنيا » وعلمت بعدها أنه كلف بممتابعة التّحقيق والإشراف عليه › 
لخيرته الطويلة في هذا المجال » ولعلّهم استعانوا بالحرس القدي أو 
المحاربين القّدَّماء كما يقولون لان (الدهن بالعتاقي) . لم يكنْ هذا هو 
المشهد الُثير بحدّ ذاته » ما كان أكثر إثارةَ هو ما لم يخخطرٌ على بالي ولا 
اك خطر حى على بال إبليس . كانت هناك امرأة سافرة ليست 
عجوز | ولكتها شمطاء » وكانت عيناها تُشبهان عيني فهد في جُنح 
الظّلام » وشعرها غابة من الليل 0 »وتلبس لياسا غريبًا . تقد 
عرفت أنها عرافة »أو ساحرة!! هل تصدقون أن مثل هذا التَخلف 
يحدث على أبواب القرن الحادي والعشرين!! والله لقد حدث معي 

أمرني مدير الخابرات بالجلوس إلى جانبها . ولم أتردد لأتني كنت 
أريد أن أدخل اللعبة وأعرف إلى أين تصل الأمور ء وكان عندي فضول 
شديدٌ أن أعرف ماذا يُمكن أن تفعل هذه المرأة بسحرها » والدّخول فى 
تجربة السّحر بحد ذاته أمرٌ ساحر ؛ ولهذا سارعت بالجلوس إلى جانبها 


305 


قال لها مدير الخابرات بالحرف الواحد : «هذا الذي يجلسُ بجانبك 
اسمه أحمد موسى مصطفى الدّقامسة واسم أمّه كاملة » ونريد منك أن 
تعرفي ما إذا كان مرتبطا أو مدفوعًا من جماعة أو تنظيم أو جهاز 
مجابرات» . وبدأت المرأة 7 تتمتم بكلمات غير مفهومة 3 وتأتي بحركات 
المشعوذين الغريبة » وتذكرت أن ای ريجان) زوجة (رونالد ريجات) 
رئيس أمريكا لم تكن تسمح لزوجها أن يعقد صفقة مع دولة أخرى . 
ولا أن يُلقى خطابًا قبل أنْ تأخذ رأي العرّافين والعرّافات » وتستشير 
المنجّمين والمنجّمات » وقلت فى سرّي : وإذا كان رئيس أكبر دولة وأقوى 
في العالم يستعين بهؤلاء التسعوذين فما بالك بنا!!» . وكنت قد 
قرأت ؛ قبل حوالي أربع سنوات كتابًا يكشف فيه صاحبه أسماء رؤساء 
دول كدق ن ا ومو كان كلف ن اغ ها قات وقد 
ظننت أن فيه مبالغة حتّى رأيت ذلك بأم عيني » لقد قرات في الكتاب 
أن جاك شيراك وميتران وهما رؤساء e‏ الععغظمى » الدّولة 
العلمانيّة التي لا د من بوجود إله » ولا تعترف إلا بالعلم » كان هذا 
الرّئيسان يتردّدان على الْمنجّمين » بل إتهم كانوا يستجلبون السّحرة من 
أفريقيا » ويضعونهم عندهم في القصر الرّئاسي تحت 0 
ويدفعون لهم الملايين مقابل استشاراتهم!! وقرأت فيه أيضًا أنْ حاكم 
إحدى ولايات أمريكا أنفق مدّخرات الولاية البالغة ۱۸١‏ مليار دولار 
على غرف ليدله أأين تبتر الول بل إن ا صاحب القبضة 


ساحرة » صنعت من كل منهما طاغية له و 
الدولة ما يز أطنانًا من الذهب وهربته إلى خارج روسيا!! 


صحيح أن الموقف الذي أقفه اليوم قد حدث مع مَنْ هو أكبر من 


306 


مدير مخابرات » ولكنّه يكت حَظْمَته بالنسية لى لأنه يحدث معى 
بشكل مباشر ؛ إذا بدت المرأة 5 رتم تتمتم بعبارات وألفاظ عريبة > وراحت 
تقوم ببعضص ا 3 تضع أحيانا يدها على صدرها 
وأحيانا على رأسها » وتلف إصبعها في حركات أفقيّة دائريّة وتهرّ رأسها 
مثل امجانين » وبدأت أنا أقرأ بآية الكرسي والمعوّذتين لكن في سرّي 
دون أن يسمعني اح » وفي عمرة حركات العرافة وتمتماتها صرحت 
في وجه مدير المخابرات بشكل هستيري : «قُلَ له أنْ يتوقف عن 
القراءة . امنعه باي شكل من الأشكال الآن» وراحت تهذي . لم 
أستجب لها فى البداية » استمتعت بصراخها ء كان تأثير آيات الله 
عليها جَليا » أحببّت أنْ تتأذى فناكفتُها قليلاً حتّى صرخحت مرة ثانية : 
وعن حركات الرأس وقالت لمدير الخابرات : «إنه لا ينتمي لاي جهة) . 
ولن تُصدّقوني إذا قلت لكم إن التحقيق في هذه القضيّة توقف نهائيا 
بعد هذه العبارة من هذه العرافة مسري امو 
يعرضوني على جهاز فحص الكذب من جديد » ولم يُحاولوا معي 
محاولة > لقد كان عند هذه العرافة iH DRY‏ 
أنهم لم د خخ يثقوا بقولي › ولا بشهادات زملاثي › ولا بالفحص الطبي » ولا 
بالأجهزة العلميّة » التي أعطتهم التتيجة نفسهاء ٤‏ ووتقو ثقوا فقط بقول 
العرافة » وبنا عليه غلق ملف القضيّة نهائيًا ري ان 
الذهول : هل نحن فعلا على أعتاب القرن الحادي والعشرين! 

قضيت عمري المقدور لي في شعبة استخبارات 26 
إلى الأ حسن ء صاروا أكثر لطفا وتهذيبًا معي » حتّى المحقق الأشرس 


307 


(أبو قاسم) الذي كنت أراه فظًا غليظ القلب مُتعجرفًا ‏ صار ودودًا . ولا 
أدري أهو باب اللطف الذي فتَحتّه العرّافة » وحينها تمتيت لو أتهم 
جاؤوا بها من البداية وأراحوني من العذاب الطويل »آم هو إغلاق 
الملف » وبداية تحويلى إلى الحكمة العسكريّة . وانتهاء عمل هؤلاء 
المحقّقين الّذين رنوت أن أخرج من عندهم دون أن تكون في صدري 
أدنى ضغينة تجاههم!! 

ومرّت الأيّام . ملأها بصور الأاحبّة حتّى لا تتشابه . واستطعت أن 
أقرأ بعض الكتب المهرّبة » كان من الممكن أن يتعاطف معى بعض 
الضُبّاط ويُحضروا لي الكتب على مسؤوليّتهم اله س أكثر صنفٍ 
من الكتب في تلك المرخلة كان به ودي هو كنتب الدكرات» 
وخاصة مذكرات السّياسيّن والأدباء » قرأت في فترةٍ وجيزة ة مذكرات 
هزاع انمجالى ومذ كرات وصفي الكل › > ووؤعددت بمذكرات الملك عد 
الله ء لكنها لم تأتني › او ی إلى تحن و منتاكود 
فترة هذا الستجن أخصب فترة في القراءة بالتسبة لي . 

وعرفت من مذ کرات هزاع الجالي فكرة الصّالونات السّياسيّة التي 
لم تتغير كثيرا في عصرنا » فهو يقول : «في هذه الفترة بالذات استدعى 
المغفور له الملك عبد الله الدّكتور صبحى أبو غنيمة من دمثق › فجاء 
إلى عمّان وكان في استقباله ما يزيد عن اة سيّارة » وحل ضيفًا على 
السّيّد محمّد العجلوني . وأؤلم له الملك وليمة كبرى » اختلى به على 
إثرها واستكتبه رأيّه في جميع المائل النياسيّة » ومن جُملتها رأيه 
في تحقيق مشروع الهلال الخصيب مُبِعَدثًا باتحاد سورية والأردث › 
فوافق ادجو على دام وح بخط يده » واحتفظ الملك عبد الله 
بالوثيقة معه واعدًا الدّكتور بتعيينه رئيسمًا للوزراء . وانقلب بيت السَيّد 


308 


حك على الفجاوني. ندوة تديا ست رطاكة: زاقف بالكباي وبالكهول من 
كل مُشتغل بالمسائل العامّة . وكانت تقوم تكثّلات عنيفة » ترشح هذا 
وزيرا ك . ولم يبق أحد إلا وزار الدّكتور أبو غنيمة رئيس 
الوزراء المرتقب . 

وعرفت من هذه المذكرات أن اليد (جونستون) كان سيعقد 
اتفاقيّة مع الأردن لاستغلال مياه تهر الأردن تحت مسمى (مشروع 
اليرموك) » وكادت الأردن أنْ توافق لولا تدخل جامعة الدول العربيّة 
شيا المشروع خشية أن يكون بداية للتعامل مع إسرائيل! 

لقد حاولت بالفعل أن أتخلص من الرتابة التي قُطرت على كرهها 
بالقراءة » وقد جحت إلى حد ماء لقد كنت أفضل أن أنادى للتحقيق 
أو أن أتعرّض للأذى على أنْ أبقى جالسمًا مثل القرد لا أفعل شيئًا ‏ 
ولیس بين يدي كتاب لأقرأه . 

فى ۱۹۹۷-٤-۱۷‏ حل عيد الأضحى على وأنا فى الجن › كان 
اول عيد أقضيه بعيدًا عن هلي وأبنائي » تذكّرت التكبيرات التي 
كانت ث*. تشق سكون الصباح بعد تور جامع القرية تصدح بها 
حنجرة الشيخ عبد الرّرّاق كان أحد الذين وجدت بهم فهمًا للحياة 
ومعنّى للعطاء كنا مُعتادين أن نصحبه إلى سوق الحلال في ذلك 
اليوم » فيشتري كبشا أملح . ويجره من قرنيه » ويقوم بذبحه في ساحة 
الممجد » ويُفرّق لحمه على الفقراء والمساكين » وكان لي من أضحيّة 
ت عبد الر راق فى كل عبد شام بک ر 
الا القليل . إلّه طقس ظل يكبر معي Spa‏ 
نعدٌ نعرف للشيخ مكانًا » احتفى فجأة » كأته كان حلمًا أو طيفا 3 
القرية ورحل بهدوء دون أي ضجيج 


309 


فتحَ باب الزّنزانة » كان أبو قاسم يقف بالباب » جنا حتّى صار 
وجهه مقابلاً لوجهي » ابتسم : «جثت لأهنئك بالعيد» . ومد يده 
مُصافحًا وقد أشرق وجهه : «كل عام وأنت بخيرة . ثم أمر عساكره بأن 
أخرج إلى ماحة التشميس »ء كانت هذه السّاحة تقع ضمن مبنى 
شيم ااا ا عدر وف فن ا و لمكن 
أن ترى نور الله كما خلقه دون حواجز كنت قابعًا في الزنازين لحوالي 
شهر لم أخرج منهاء وحين حرجت إلى هذه السّاحة لم أستطع أن 
اتكل تدس الثور aL‏ جاعليتهها مولع ير 
بإمكاز ني فتحُهما إلا بالتّدرِيجٍ » لقد أعماني التّور لفترة مُؤقتة » وعجبت 
أن هذا التور الذي هو سبب الإيصار يكون أداةٌ للعمى . بدأر- م 
عينيّ شيئًا فشيئًا » حتّى بدأت حدقا عيني : تستوعبان المشهد, ثم 
ركضت كخيل تفلت من عقالها و E‏ 
طفلاً يتعلّم المشي في البراري لأوّل مرّة » فرحت آركض في كل انّجاه » 
ها هي سهول (إبدر) تنفتح أمامي » وها هي آفافُها تنبسط › وها هي 
حقولها تخضرء وها هي أشجارها تمق ء وها هي فراشاتها تطير . 
كنت بغاية السّعادة » لا قيود في الأرجل › ولا في اليدّين › وأنت حر 
فى اختيار الاتجاه الذي تريد أن تملأه بقبلات قدمّيك » وبالفضاء الذي 
ریا كني ریات دنك 


310 


)۳( 
ولدقك لهذا فكن رجلا 


في اليوم الثالث من عيد الاضحى . زارني المحامي الذي أوكلتّه 
في قضيّتي قبل ما يقرب من شهر» طمأنني على أخبار أهلي » وقال 
اتهم يُسلمون عليك وجميعهم بخير . وخرج سريعًا دون أنْ يشفي 
غليلي » ولم يجلس معي أكثر من عشر دقائق . 
مر أسبوع من بعدها رتيبًا كثيباء لا شيء يُذكر » أعدت قراءة 
من الا راجو ته انى رعا اخ ا ت انت 
عبد الله بوعده . ولكنه لم يف › وربّما كانت لديه أسبابه ؛ لا أدري 
كلت بعض عبارات وصفي 
في ليلةٍ سابعة - بعد صبيحة العيد - طويلة ورتيبة إلى حد 
الكابة كك الك وأنا أردد بعض الفقرات ت التي حفظًها من الكتب 
التي قرأثها . لم يكن لدي من عمل آخر كان ا لجو خانقا » وكنت قد 
بدأت أتساءل عن موعد تقديهم لي إلى المحكمة كانت الزنزانة 
ضيّقة » وشعرت بحرارة ترتفع إلى يافوخي . وكان العشاء قد رحل » 
فتحوا باب الزنزانة » وأخرجوني منها إلى غرفة خاصة ء وهناك أعطوني 
ملابس جديدة لألبسها , ورشوا على - جسمي العطر ء وتنائرٌ رذاذه في 
الأ جواء وحولي فزادني انتعاشا ٤‏ م 952 إلى أحد المكاتب ولم 
أكنْ لأعرف لاذا يفعلون ذلك معي » وعتدما دخلت كانت الُفاجأة ؛ لم 
أتمالك نفسي » وضعت يدي على وجهي من الدّهشة › وأطرقت طويلا 


311 


مُتسمرًا مكاني كأنما ربطت أقدامي بالأرض ء قبل أن أتوجّه إلى أخي 
باسم وأهوي عليه بالعناق » كان أخى باسم بعرجته الجميلة » وروحه 
الطيّبة في انتظاري هو واثنان من أقاربي » ألم أقل إن أخي الأكبر كان 
مثل أبي ٠‏ كانت الدّموع قد بدأاتٌ تنساب على خدّي » مسَّحَّها لي » 
وعانقني من جديد » وقال لي : «لا خوف عليك ., ولا تحزن ؛ أنت في 
خير يا أخي» . وسألمّه «ألم يعتقلوك؟ لقد هددوني باعتقالك إن لم 
أعترف» . فأجابني «لاء لم يمسّنى أحد بسوء ء وها أنا كما تراني في 
صحَة جيدة» لم E ASS‏ «للا لاياأخي 
تكن کا ل«اكلكم بخير 5 . قال أقاربى الذين جاووا معه «لا 
ی یر بعك روف د دي و 
إلى نهايتها ء وإنّ ما قُمت به هو عين الصّواب» . فشعرت بسعادة 
عظيمة » ولكتّني نكست رأسي لبرهة » وسألت أخي : «هل صخي أن 
من بين القتيلات السّبعم حمسًا من العربيّات؟» . فابتسم وقال لي : 
«مَنْ قال لك ذلك؟» . فأجبته : «لقد أقنعوني بذلك في التحقيق 
وأروتي صورهن وان أسماءهن فاطمة البتول ونور وميسون» . فضحك 
هذه المرّة وقال : «الملاعين قالوا لك ذلك؟ إنهم يكذبون . لا تضع 
كلامهم في بالك » القتيلات جميعهن يهوديّات مُتشدّدات »ء والرّحلة 
تي كن ضِمْنها هي رحلة لكلَيّة عسكريّة دينيّة» . فانزاح عن صدري 
هم ثقيل » وكرب شديد , وعمّرني فرح لا يُعادله إلا الفرح الذي 
شعرت به لحظة أن أتممت عمليّني . وعرفت أنهم استطاعوا بكذبهم أن 
يهزوني شهرًا كاملا الد کر وات اوی رت آلا امدق کل هنا 
أسمع بعد اليوم حتّى ولو بدا أنّ تكذيبه غيرٌ مكن . 

طلبْت من (أبو موسى) الذي كان يجلسُ في المكتب المجاور. 


312 


ويتابع المشهد أن يسمح لوالدي ووالدتي وأطفالي بزيارتي » فقال لي : 
«إن زيارتهم مسموحة » يستطيعون أن يزوروك إن شاؤوا» . فطلبت من 
أخي (باسم) أن يُخبرهم أن يزوروني غدا 

غادر أخى وأقاربى بعد أن زرعوا فى حديقة قلبى ورود الأمل . 
وبعد أنْ رفعوا انی » وأكثر شيء خن الله اه عو آن القتيلات 
لم يكن عبات لأن الدم العربي عندي . ولم أكن لأسامح 
نفسي لو كن عربيّات . لكتّنى 5 بت من هؤلاء الكذبة : كيف 
أعاشوني كل هذا الوقت في هذا الوهم > كنت أرى في كل ليلة يدي 
ملوئكين يدماء تصرخ وت ك : هل يُمكن أن تسقك دماءتا ايها 
العربي ونحن مثلّك ؛ وفي رت يجري ذات لدم الذي يجري في 
عروقك!! فأستيقظ مذعورًا » إلى أن تبيّن افتراء الطبيب التَفسىّ على » 
لوراخد ةة فسأعضه في ذراعه حتى لا يرفع بها مرة ثانية ضوةا 
كاذبة في وجهي . 

منذ صباح اليوم التالي لزيارة أخحي جاءني أبو (سليم) وفي يده 
كيس كبير » كان الكيس يضم ألعاب أطفال . قال لي وهو يبتسم : 
«اليوم سيزورك أهلك . عليك أن تكون جميلاً في حضرتهم » وسيزورك 
أبناؤك كذلك » عليك أن تكون أيّا صالا وتُقدّم لهم بعض الهدايا ء قل 
لهم إتها هدايا العيد , أريدك أن تفرح بهم» . لم أذر ما أفعل يت 
من قدرة الإنان ذاته على أن يقن دورين على طرفي نقيض!! لكنني 
مع للك لم الاكن من حبني ري 

في المساء . عبرت الممرٌ الطويل المؤدّي إلى مكتب الرّيارات » بدأ 
قلبي يخفق بشدة . ها أنذا أسمع صوت دقاته بوضوح ء إنّه يكادُ يفرّ من 
صدري » نهبت الخطوات الباقيات إلى المكتب » قبل خطوتّين من 








313 


الرحمة» . لكتني سرقت خطواتي العجلى لأدخل وفى يدي الهداياء 
سقطت من يدي على الباب » إنه مشهدٌ من الجنّة » إنها أمّى » تمايلت › 


أريدٌ من أحد أن يسندني » لا أجد يُمكنه أن يحتمل هذا ؛ أنْ ترى 


قلبّك بعد هذا الغياب دُفعة واحدة ء إنّها أمّي » دالية البيت » ونخلة 
الدار» وعريشة الياسمين » وبض القلب › ونقاء الروح . . . إتها مي 
ADEE NENE‏ انها .. إنها 
هي .. نعم هي . . فأنا لا أحلم > لقد صرت أممّز بعد هذه الرّحلة 
الطويلة بين ما هو وهم وما هو حقيقة » ولا توجّد حقيقة أثبيت من رؤية 
مي ء إن الام لا يُمكن أن تخطئها المَّين ؛ تخطئع كل شيء سواها , أما 
أمّي فهي العين » فان أبصرت بعيني فلاتني أرى أمْي . . . ركضت 
إليهاء و على ارين رت ار ع ا 
وقفت » فأحذني في أحضانها فشعرت أن العالم يتوقف إجلالاً لها . 
قالت : «ولدْتُكَ لهذاء فكنْ رجُلا» . تم هويت على كفيها ألشمهما 
وأبكي » كان الأطفال قد تحلقوا 0 ساقي يتضاغون » وسيف الدّين 
ونور الدّين يهزجان : «بابا . ۰ نعم يا باباء يا رُوجحَهماء هل 
E URES‏ ايز سود ب با زو E E‏ 
أحضانى » وقدّمت إليهما الهدايا » ركضا فى الغرفة فرحّين » وكان هناك 
أبي . . وكانت فاطمة وعلى ذراغيها البّتول » عذبة كالاا حلام كذبوا 
لا يُمكن أنْ تُشبهاها ؛ أنتما تفحة مُبارَكة , أنتما حياة روحي التي 
كادت توت بين هذه الجدران الضّيّقة » والستقوف المعتمة 2 أنتما سر 
كفاحي لأ بقى حَيا . قالت فاطمة : «لقد اشتقت إلى كاس الشاي على 
التطوح في الليالي المقمرة» . قالت امي : «لولم تفعل هذا لما عرفتّك . 


314 


أنت الآنْ ابني . لكتني كنت أرى ذلك في عيتيك . صحيح أتك لم 
تقل لي ولم تستشرّني في الأمرء تعرف لو استشرتني لما خالفتّك . المهم 
حال SS as‏ زنك تر وما أي «لقد غبت 
عنك كثيرًا في العسكريّة والعُربة يا بُني . . . أمشى أنْ تطول غربتي 
ا ی 

فى الشهر الذي قضيئّه هنا قد كبر كثيرًا »> كانت غضون وجهه تبدو 
ا في الصّمت . ويذاه تنطقان بالأسى . وعيناه تسافرات في المدى 
البعيد » أشاحَهما عتي كمن يطلب الصّفح › وبكيت من جديد : هلا يا 
ابي لا تفعل . أنا لك يا أبي » فلا تقل ذلك» . وحضنتّه طويلاً › 
وبكيت على كتفيه حتى تشجت » قال لي وهو يُعيد لي بعض ما تناثر 
منى : ويا بني »إن كان ما فعلتّه لله »فلا تندمٌ عليه لحظة › .يا يني إنا 
لله وإنا إليه راجعون» انم لم يمنع هو نفسّه من البّكاء 

وغابوا في أيكة القلب كأنهم ما كانوا . وظل عطرهم فوَاحًا أسابيع 
عحد إشابيع عوانا اراهم من تافدة كلمي أطل عليهم كل مساء » وأقص 
لهم ما يحدث معي . الرتابة . الرّتابة قاتلة . إن لم أقصص عليكم 
قصّصي في كل ليلة فأموت » وأنا لا ريد أن أموت قبل أن أقول كل 
شيءء أنا أقاتل بكم لأجلي » وأناضل من أجل ألا أفنى . لقد قلت لي 
يا أبي : دلا تندم» . وها أنذا أفعل » أحاول أن أطرد التدم كما أطرد 
السام ؛ بأنْ تظلوا معي . ولا يُمكن أنْ تظلوا معي دون أنْ أحدثكم › دون 
أن أقص عليكم حكاياي ء إنها حكايا ملوّنة » وطويلة › وأنا سأختار لكم 
أجملها »فكل حكاية لا تتشح بالوجد لا يُعَوَلُ عليها . ما زال خخرير النهر 
RE‏ بالهواء » أتنفسه #لن اموت ما دام ذلك الصوت يعيش 

في . النهر رئتي . وسأظل وفيا لهوائه وترابه ومائه » ولن أبيعه أبد! 


315 


(FV) 
فَاصبرإن العاقبة للمتقين‎ 
/ 

جهدوا في أن أكون في صحّة جيّدة ومظهر لائق ؛ منذ مساء اليوم 
الذي يسبق المحاكمة وهم يجرون بعض التّعديلات على جسدي . أن 
أظهر إنسانًا طبيعيا في الجلة الأولى للمحكمة العسكريّة . ليس هناك 
مر آثار لاي أَذَى على جسدي . وهذا ما حدث . إنه يوم الغلاثاء 97ا- 

۱۹4۷-0 وإنها المرّة الأولى التي أقاد فيها إلى الحكمة . رافقتني سبع 

سيّارات على الأقل في الطريق » بينها ثلاث سيّارات مُسلحة تنتصب 
الرشاشات الآليّة فوقها ء ويقيعٌ خلفها جنود مُلشْمون اص يحمل 
عددًا من عناصر الاستخبارات » والزنزانة المتحرّكة التي تُقلنى › 
وسيّارتان أخحريان إحداهما سيّارة نجدة . لقد كان موكبًا حافلاً ۰ 

حين وصلنا إلى الحكمة أدخلت ا نظارة صغيرة تقع خارح مينى 
ا حكمة » ريشما يتم د اتعقاد المحكمة ار رسمي . كان فار الخوف 
يلعب داخل صدري »لن انكر ذلك » شيء من الخوف استحوذت عليه 
صورتي أمام الاس » تخميّلت للحظات أثني أمرّ بين صَفَيْنِ من التّاس » 
الصّف الذي عن يساري يرميني بالحجارة والبيض الفاسد ويشتمني 
بأقذع الشتائم » والصّف الذي عن يميني يرميني بالورود ويُحييني 
ويهتف باسمي!! 

كان لا بد من وسيلة للتَّغْلَب على هذه الخيالات المتعبة »> وهذه 
النفسيّة القلقة » ولم يكن من دواء خخيرًا من القرآن » فرحت أتلو يعض 


316 


آياته في سرّي » رددت ما استطعت تذكره من أيات الصير : « 
الصابرين» «فاصبر إن العاقبة للمتقين» . «وَلمِن صبر وغفرَ إن ل 
عَرْمِ الأمور» «يا أيه الذين آمنوا اصبرا وصابروا ورابطوا واتقوا الله 
لعلكم تُقلحون» . دإنّما يُوفَى الصابرون أجرهم بغير حساب» . وغيرها 
من الآيات » كنت أردّدها وأنا أحاول أنْ أخفف من توترّي »ء إنها الجلة 
lS O ASE‏ 
المكلفين بحراستي أن ينادي المحامي الذي أوكلثه في قضيّتي من أجل 
أن أعرف منه ناذا مأقول في الحلة . لكنه لم يأت . عاد العسكري 
ليقول : إنه غير موجود . توترت أكثر » فأنا لا أعرف بالضبط ما هي 
اله التي وجهت لي ٠‏ ولا أعرف بم أرد › ولا أدري ما عو لوكت 
المناسب لمواجهة هذه التهم! أين هذا المحامي الذي أخذ توقيعي منذ 
أكثر من شهر ونصف ولم يجلس معي إلا عشر دقائق .لم يكن أحدٌ 
يدري بمدى الغليان الذي كنت أعيشه 

في العاشرة » حرجت من النظارة باتجاه قفص الاتهام في قلب 
المحكمة . وقبل أن أدخل القاعة التقيت بالمحامي » فقلت له مُعاتبًا 
وغاضبًا «لاذا لم تحضر إلى النظارة عندما طلبت رؤيتك؟» . فقال لي 
هلماذا؟» . فازداد غضبی › وهتفت : «لماذا!!! چ أعرف ما أقوله في 
المحكمة يا سيادة المحامي!!» . فرد على : «لم يُبلْغْنى أح بذلك» 
فقلت له «لم يقت شيء » نحن لم ندخل المحكمة بعد . هل يُمكننا 
أن نجلس مما لتداول الأمر ولو لعشر دقائق؟» . فقال لى : «لا ء لا 
يُمكننا ذلك » فا لمحكمة قد اتعقدت بالفعل .ولك إن ساك القاضين 
هل نت مُذنب؟ فأجبّه ب : لا ۰ ۰ 


ودحلت »من الزّاوية اليمنى القريبة من مجلس القضاة 1 


317 


وارتبكت . شيء ما لمع في فضاء امحكمة ء إنّه ضوء لامع جدا كان له 
صوت (كلاك) ثم تتابعت الأضواء التي تلمع من فالاشات 
الكاميرات » كاميرات من كل الرّوايا » صحافات محلية وعربيّة وغير 
عربيّة جاءت لمُُسجل اللحظة ء اللحظة التَاريخيّة . لكنْ المفاجأة كانت 
حين أجلت بصري بنظرة حاطفة على القاعة »إذ كنت أظن أثنا 
سنكون ثلاثة في المحكمة لا رابع لنا : أنا والحامي والقاضي › فإذا 
القاعة تمتلئع بالتاس عن بكرة أبيها . وإذا هي تفيض بهم حتى لا يوجد 
فيها مقعدٌ شاغر . ورفع ذلك من معنويّاتي قليلا ؛ إذَا التاس لم تنس 
بعد مزور أكثر من سبعين یوما على العملية الان جاءت لترى هرذ ا 
الذي فقتل اليهوديات ع إذا مأ زال الشعور العربي الإسلامي بكره اليهود 
قائمًا في التّفوس » هذا ما كنت أحدّث به نفسي » وأنا أحاول أن 
أصعد الدرجة الا خيرة لأدخل إلى داخل قفص الاتهام . 

كان ضوء الكاميرات قد حف قليلا بعد موجة الشهب التى 
تساقطت من فلاشاتها قبل قليل » صار بإمكاتي النظر في الوجوه 
لاعرف مَنّ هو موجود › رأيت عددًا كبيرًا من الشخصيّات الوطنيّة 
الذين كنت أراهم في الصّحف اليوميّة 8 ميّة وأتايع أخبارهم في التلقاز 
ووسائل الإعلام الأخرى 3 رأيت د عبيدات وخسن مجلى وليث 
شبيلات وسليم الزعبي » وشخصيّات نقابية ووطنيّة أخرى » كانوا في 
المقدّمة تقريبًا » ارتقيت بنظري إلى الأعلى لأشاهد عددا غير قليل من 
أقاربى ا وعددا آخر من التاس لا أعرفهم جاؤوا ليحضرووا ال 
مُساندة لي ا نظري + فق د أيرن aR‏ 
E OHNE REK OE‏ 


318 


أو مُحمل بدفق ثقيل من الشعور جعلني أجلس هذه الجلسة » وفي 
أثناء محاولتي أن أغيب بانكماشي على نفسي عن المكان » صدح 
صوت ألوف » صوت سماوي » صوت اهرت له أركان القاعة بكل مَنّْ 
فيها من البشر ء إتها أمَّي . وقفت شامخة كنخلة » ثابتة كطود › وعالية 
كرمح . هتفت وهي تلوح بيمناها كأتها الف فارس يُثير التّقع في 
الميدان . وهى نادي على : «يا أحمد . . . يا أحمد . . .2 فانتبه طائر 
القلب إلى صوتها . إنها هي » عظيمة بقدر ما في العظمة من معنى » 
تايف يموت بدو والقاعة كلها تتفت لكا ا نادات دن 
الجدران خشعت وهي تُصغي لكبريائها : «ارفخ رأسك يا أحمد . . . ولا 
يهمّك . .لت أنت الذي يُطاطئ رأمه › هؤلاء . .» وأشارت إلى 
القضاة › وتابعت : «هؤلاء ت أن يُطأطئوا رؤوسهم › أمّا أنت 
فازقعه إلى فوق ٠‏ إلى فوق . لا تخف ولا تخجل يُمَّهِ » فأنت لم 
تُخطئع . EET‏ إلى الحماء يعد وندن ترلع راسا بت > ليا 
تحزن » ولا تهتمٌ ؛ إن عشت عشت سعيدا ون مُت مُت مُت شهيد». 
فا ل م رأسهاء وأحسست أن كل مَنْ فيها شعر 

بمعنى العرّة والإياء » وأدرك جلال الموقف , ولم يتوقع أحدٌ من أمَي أن 
شيل هذا ی اتيج كل کت ا قوق اب ا 
أشد صدري ٠‏ وأرفع هامتي ٠‏ وأستقبل بها النجوم . وجلست أمَي بعد 
أنْ علمت القاعة والتاريخ أنّ البطولة مبدؤها الأ » وأنّ الكبرياء منبعها 
الام » وأنّ صناعة الرّجال تبدأ بهذه الام العظيمة » شعرت بعدها أتهم 
لو بعثوا بي من قفص لمحاكمة إلى منصّة الإعدام مياشرة فسأموت 
مرتاحًا وفخورًا بما قمت به ء مَنْ كان يدري أن بضع كلمات من آم لم 
تتعلم في المدارس »ولم تقرأفي الكتب › ؛ لكتها تعلمت می زات 


319 


الوطن » وقرأت من ثراه » أنّ هذه الكلمات يُمكن أن تحط فى كتاب 
التاريخ صفحة جديدةً!! / 

ولم تكد أمّى تجلس . حتى قامت فاطمة › بوجهها التوي › 
وصوتها الحنون » فنادت وهتفت > بکلمات يتخاذل أمامها أشجع 
الرجال » فقالت : «ارفع راسك يا (أيو فيف) > أولادك تلن عليك 
وفخورون بوالدهم ء ولا تهتم لهؤلاء الخونة عملاء اليهود» . وجلست . 
كانتا أعظم امرأتّين في الوجود آنئذ » كانتا تعلّمان كل من في القاعة 
أن الرّجولة ليست ذكورة » وإتما موقف . ون العظمة ليست ادعاء وإتما 
عمل » وأيقنت يومَها أنه لا قائد في التاريخ » ولا عظيم في الأمّة لم 
تكن قد صتعنّه امرأة » وتذكرت سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلم 
وخديجة » وتذكرت معاوية بن أبي سفيان وهندًا » وتذكّرتُ صلاح 
الدين الأيّوبي وأمّه . . . وتذكرت وتذكرت . 

ما إن أنهت زوجتي كلامها . حتّى قامت ناء القاعة على قدم 
واحدة » كان أكثرهن من أقاربى ادات الكلملة والعدة مين » 
أطلقت زغرودةٌ شقَّت نان الشركة > وتبعتها ثانية » فشالثة . فهيحجحن 
كل من حضرن » فرحن يُزغردن » وتحولت الحاكمة إلى عُرس| 

واكتمل عقد المحامين > وكنت أظن أن المحامى الذي أوكلته عن 
طريق اا هو مُحامى الوحيد ‏ وأن الاس خائفة > جلس 
وثراقب » وتنتظر ما تُسفر عنه المحاكمة » فاكتشفْت أله ما من محام 
وطني ومعروف في الأردن إلا وسجل نفسه في هيئة الدفاع عنى « 
فبالإضافة إلى آل عبيدات وحسين مجلى » كان هناك الأساتذة 
الأجلاء المحامّون : صالح العرموطي › ات الرشدان » وهاني 
الخصاونة . وعلي الضمورء ونعيم المدني » وصالح الفايزء وفيصل 


320 


البطاينة » وزايد الرّدايدة » ومحمّد خشوش »ء ورياض النوايسة › وخخالد 
الزعبي » وحاتم الشريدة > وهاني الدّحلة » وسميح خحريس »ء وزهير أبو 
الراغب » ومحمّد الضّباطي . . . وآخرون لم أعد أتذكرهم » وقد وكلتّهم 
جميعًا بالدفاع عتي » وبدأت أفكر بعزل أوّل محام اضطررت إليه الذي 
ما إن رأى توكيلي لكل هؤلاء حتّى قال لي : إن عملك هذا خطأ. 
وليس بصالحك» . فأجبّته «أنا أعرف ما هو فى صالحى ء ولا أريد 
نصائحك» ۰ 1 

وتقدّم أحمد عبيذات رئيس وزراء الأردن الأسبق إلى القفص 
الذي أقف فيه . ومد يده من خلال القضبان مُصافحًا ومُشجعاء وشادا 
على يدي ٠‏ وقال لي بكلمات عفوية مليثة بالعاطفة والصدق : «أقسم 
بالله أنني أتمتى أن أكون مكانك . أنت بطل» . وحلقت بي هذه 
الكلمات من جديد › وشعرت أن الله يقف إلى جانبي » وأنه هيأ كل 
هؤلاء التاس ليشدوا من أزري 

ووقف الجميع استعدادا لبدء المحكمة » ولتلاوة لائحة الاتهام » وقد 
تم تشكيل هذه المحكمة بأمر من رئيس هيكة الأركان الشركة ء للنّظر 
فى قش على وجه التخديت ومششيت :اخس المسكري 
الخاص» . ووجّهت إلى أربعٌ نهم : «التّهمة الأولى القتل القصد مع 
سبق الإصرار خلافًا لأحكام المادّة ١/۴١۸‏ التّهمة الثانية الشروع 
بالقتل مع سبق الإصرار خلافا ل حكام المادّة ١/8374‏ . التّهمة الثالثة : 
التهديد بإشهار السّلاح خلاقا لأحكام المادّة ١/5149‏ . التّهمة الرابعة 
عصيان الأوامر العسكريّة خلاقا لأ حكام المادّة ١۷‏ من قانون العقوبات 
العسكريّة رقم 47 لسنة 41487 . وسألني القاضي العسكري عن التهم 


المستدة إلي بأنني مذنب أم > > فأجېته باتني غير مُذنب . وقررت 


321 


المحكمة رفع الجلسة . وتم إخراجي من المحكمة . ولوّحت لي أمّي من 
بعيد » وأنا أهم باروج » ورأيت ابتسامة على وجه زوجتي انطبعت في 
فؤادي » ورأيت أبي يرفع قبضته كأنه يقول لي : «كن صلبًا» 

ما إِنْ خطوت بضع خنطوات في طريق العودة » حتّى هالني عدد 
كبير من المواطنين وقد احتشدوا حارج المحكمة ممن لم يمح لهم 
بدخولها لاكتظاظ الأعداد في الدّاخل كانوا قد جاؤوا لمساندتي › 
ورفع همّتي ومعنويّاتي . لقد غرز رجل المهمّات الصّعبة الذي يعيش 
في داخلي قدمّيه في الأرض » وتعملقت أغصان شجرة العرّة » وعرفت 
أن جمهرة كبيرة من المواطنين تقف إلى جانبي . وسمعستة من بعيد وآنا 
أركبُ زنزانة الترحيلات أصواتهم وهي تهتف وتُحيّي 


322 


(A) 
الواحد الثابت على الحق كثير‎ 


على باب شعبة الاستخبارات في عمان . استقبلني (أبو قاسم) › 
كان ينتظر قدومي بفارغ الصبرء بش في وجهي » وتحول إلى حَمّلٍ 
وديع » مشى معي إلى الزنزانة »وقال لي يصوت أبوي : «غعير 
ملابسك » أحضرنا لك ملايس مريحة . والغداء جاهز» . أمر عاكره 
بن يأتوني بالغداء سريعًا » وطلب منهم أن يُلبّوا لي كل شيء أطلبه 
يبدو أن موقف النّاس معى وموقف الشخصيّات الوطنيّة قد حسّن 
مغاملتئ هنا ء ايتسمت :هتنت فى رئ #الواحث القابت على اللو 
# يا 

أكلت على جوع » وشربت على عطش » وتمدّدت في الزنزانة وأنا 
أسترجع صور اليوم الُذهلة . مرّت الصّور ر » وتوقفت عند أمّي ل 
زالت كلماتها تملا وجداني بالشذا > شعرت أتني يُمكن أن أقاتل بها 
وحدي جيشا صهرونيا بكامل عتادء » وأثها يُمكن أن تظل بوصلتي إن 

ضلت الجهات » ودربي إن تشعبت . شعت السيل . فتح أحد العساكرباب 
الزنزانة » وقال : «إن أبا قاسم يريد رؤيتك في مكتبه» . دخلت عليه › 
كان غارقا في قراءة صحيفة بين يديه » رفع رأسه » وابتسم ابتسامة 
عق + واختار إلى و ا «تفضل . اجلس يا أحمد» 
حلست . تابع : «بعد قليل سيحضر طبيبً من الخدمات الطبّيّة 
الملكيّة ليتأكد من آتك لم : تتعرض للضّرب أو الأذى » فأرجو ألا تُقدّم 


323 


أي شكوى ضدي ۰ أو ضد أي من عناصري» . وسكت . بدا محأثرًا 
وشعرت بالتّعاطف معه . لكتّنى قلت : «لقد تعرّضت بالفعل للتّعذيب 
هناء وأنت بنفسك خلعت إظفر إصبعي» . وعدلت جلتي على 
الكرسي » وأملت رقبتي قليلاً إلى اليمين ٠‏ كنت أشعر بالتّشفي » 
وأتني أصبحت أنا المحقق وهو الهم . لقد تبادلنا الأدوار تقريبًا . لكر 
ما هالني 2 اني يجرد هذا التخيّل في تبادل الأدوار حولت بسرعةٍ لی 
جلاد مثله » كان يبدو أن كل إنسان يحمل في داخله كلا 
الشخصيّتَن : الضحيّة والجلاد ء وأنّ إحداهما تظهر حسب الموقف 
لتختفي الأخرى » كدت أقول له «أنا أريدٌ حقي » وتقدم الشكوى أقل 
شيء ممكن » ولو عقنت من الحصول على كمّاشة لخلعت إظفركَ كما 
فعلت مسن ولؤتوقع فى يدي وط وادت اماي فيد إلى ادا 
لجلدئك كما جَلدْتئى» . لقد كان هذا الصّوت ينمو فى داخلى بشكل 
عجيب » حى كاد يُتلفُ لى أعصابي » أغمضت عينىّ في محاولة” 
للتحلص منه ء وأغلقت أذني لكي لا يستمرٌ الصّوت في تشور 

ورحت أكسّر هيمنته على » فتحث عیتۍ فجأة » ومددت يدي نحوهء 
وقلت 23 ا ل و ا بعرت عد د ول 
استطاع أن يجد طريقه إلى قلبي «لو اشتكيت فسيلحق بنا الضّرر 
جرّاء هذه الشكوى » ولربّما تُقدّم للمحاكمة » هل ترضى لنا ذلك » وقد 
استضفناكَ عندنا كل هذه الفترة؟» . ضحكت من أعماقى › وقلت وأنا 
أعبث محفظة أوراق على جانب مكتيه : «كانت اي مذهلة» 
قبع شرك ا حتافو ول 1 
أن العفو من 55 الكرام » وأنت من الكرام» ا بصوت واثق : «لا 
تخحف لن أشتكي عليك ولا على أحد » وأحتسب ذلك عند الله» 


324 


حضر طبيب الخدمات الطبّية الملكيّة » كشف على كل بوصة في 
جدي > أراد أن يقول لي «بعض آثار الأذى ما زالت مائلة» . لكنني 
عاجلتّه بقولي : «أنا بخير» سألني : دهل تريد أن تشتكي على 
أحد؟» . أجبته : «لا» «هل تعرضت للضّرب؟» «لاه «هل توقع 
على إفادة بهذه المعلومات؟2 . «تعم» 

في ۱۹۹۷-٠-۳١‏ حضر أهلي لزيارتي » قال لي باسم : «إن 
مسؤولاً كبيرًا في الدّولة اتصضل بنا » وطلب متا أن نقومٌ بإقناعك يعدم 
توكيل هيئة الدفاع الجديدة في القضية » والإبقاء على امحامي الأول 
الذي اختارته شعبة الاستخبارات ٠‏ وأثنا إن تجحنا فى إقناعك فى 
ذلك وع الأمرء فإتهم سيوظفون أي الأصغر عبد الله في وظيفة متازة 
وبراتب كبير » كما أنهم سيصرفون لزوجتك وأطفالك مبلعًا كبيرًا من 
امال » بالإضافة إلى راتب شهري للأسرة ب (000) دينار» كان 
العرض مغريًا جدًا كانت زوجتي بلا معيل » وأولادي بلا أب يقفا 
إلى جاتبهم » وآخي الأصغر كان لا يزال يطارد وظيفة لا يُمكن ال 
بها . ترددت › ومسألتّهم : «أنتم ما رأيكم؟» . فقال أخى الأ كبر باسم : 
«نحن رأيّنا أن تعزل الحامى الأول . لأنه يريد أن يحول القضيّة إلى 
قضيّة جنائيّة » وهذا ليس في صا حك . وتّبقي على هيئة الدفناع 
الجديد» . واتفقت معه على هذا ء وكان امتحانا اجتزتاه يحمد الله 

فى ۱۹۹۷-٦-۲‏ انعقدت الجلسة الثانية للمجلس العسكري 
ا لخاص (المحكمة) » حضر عددٌ جديد من الحامين امُتطوّعين للدّفاع 
عني » وسألني القاضي مَنْ تختار من المحامين لينوب في الدّفاع عنك › 
فاخترت هيئة الدفاع متمثلة باحامي حسين مجلي . وسارت القضايا 
على هذا التحوء من محكمة إلى أخرى » ومن منفى إلى آخر » ومن 


325 


سجن إلى آخر . . . حمس عشرة جلسة متتابعة » كانت لُهانًا حلف 
القرار ء أشبه اث ضائع في غابة مُتشابكة لم يهتد إلى المخروج من 
تعقيداتها 

كان ظهوري في الجلسات الأولى للمحكمة يتحول إلى مشهد 
سينمائى › مجرّد صعودي الدّرجات القلائل التى تفصل باب الحكمة 
لر و قاد اء من الد ات اوا 
طريا . والتاس مُتعاطفين › وأنا أحمل إرثًا قديًا عنوانه الأ برز الصّراع مع 
إسرائيل الغاصبة » وهو عنوانٌ كان يجمع الكثيرين تحت لوائه في تلك 
الآيّام . 

في إحدى الأمسيات » طرق أحدٌ الغُرباء باب بيتنا في (إبدر) » 
نض أخى له الاي » وتسدرت أمامنها رجلا لم رامن قبل »ريت 
به لكنه أطرق في الأرض » وراح يبكي »لم تفهم أمَّي ؛ هل كان 
يبكي بالفعل » استغربت »لم يكن منظره مُتسولاً ولا طالب حاجة 
هدت من روعه › وسألته إن كان بإمكانها مُساعدته » قال لها : «لقد 
أجبرت على الإدلاء بشهادة ضد أحمد› > أحمد زميلي > ولكتهم 
دفعوني إلى ان أقول في المحكمة كلامًا غير صحيح عنه » أنا جعت 
لأعتذر لأمّه » ولأقول إنني تعد من جديد للشهادة الصّادقة» 
شكرته أمّى . سامحته ا يُسامحك» . وأعطنّه ثلاثة 
أرغفة . قالت له حينَ رأت الرّقض في عبيتيه «كنتٌ خبرَتُهما صباح 
ا Gg‏ 
أكل» 

انسحب المحامي لأسن تضص في الخلسه الرابعة » قال إنه 
انسحب من هذه القضيّة بسبب استدعاء بعض الصهاينة للادلاء 


326 


بشهاداتهم » وموقفه الوطني لا يسمح له بمتابعة قضيّة يقف فيها معه 
صهاينة » لقد غطى على انسحابه الحتميّ من القضيّة بتقمّص الدور 
الوطني بشكلٍ ذكى » أشهد أنه كان ماهر 

في الجلسة الخامسة 2 استّدعي الشهود اليهود › قورت الحكمة 
تعيين مترجم لهم من العبرية إلى العربية » كانوا يلبسون القلنسوة 
اليهوديّة بكل فخر » ويدخلون مرتاحين دون أن يشعروا بان منظرهم 
مستفرٌ , أدلى بالشهادة أقارب القتيلات من الرّجال والنّساء » وجميعهم 
كانوا يعتمرون تلك القلنوة . كانت إحدى الشاهدات امرأة يهوديّة 
مغربيّة » ضحكت علينا جميعًا » قالت بالعبريّة إنها لا تتقن العربيّة . 
وحين كان القاضي يسألها بالعربيّة » كانت تُجِيبُ بلغتها العبريّة قبل 
أن يم المترجم اة جملة واحدة من العربيّة إلى العبريّة . انذهل 
القاضي . ولم يُعجبه » فألها بالعربيّة : هل تفهمين العربيّة؟ فأجابت 
بالعربيّة «لا لا أفهم ما ت تقول؟» . وانفجر القاضي بالضحك . 

استقبل رئيس الوزراء الشهود الصّهاينة يومئذ بالحفاوة والتّرحيب » 
کان واسع الصّدرء متهلّل اواو تستقزه اه أبدًا طقوسهم الدينيّة › 
ولا قبعاتهم السّوداء » أقام لهم مأدبة حافلة »وقدّم لهم على الغداء 
المنسف على أصوله . لم يخقف التّرحاب الْبالَعْ فيه حُرْنَهم » كانوا لا 
يكادون يأكلون . اختلطت على قسمات وجوههم علائم الأسى 
والغضب معا كان هذا بروتوكولاً سَمجًا بالتّسبة لهم » هم لا يريدون 
خا هذه الطريقة يقة التّخيفة في الاعتذار أو إبداء التعاطف . كان لسان 
حالهم يقول : نحن تفهم بعضنا أكثر من هذه المجاملات التي تبدو 
كاذبة 

طلب القاضي من إحدى الشاهدات أن تُقدّم بطاقتها الشخصيّة 


327 


للكاتب ٠‏ أجابمّه بأتها لا علك بطاقة » سألها من جديد : «لا بأس » 
فليكن جواز سفر إذا» . ردت : «لا أملك أي وثيقة رسميّة على 
الإطلاق» . سألها : «وكيف عبرم الحدود ودخلتم الأردنٌ» . أجابت : 
«لم يطلب متا أحد أي إثبات لشخصيّاتنا » وعبرنا الحدود بلا أي 
مساءلة» . قلت للقاضي لحظتَها : وهل تستطيع نت أو أي أردني أن 
تتحرك داخل بلدك بدون إثبات للشخصية > لماذا نحن كلما مشيتا معة 
متر طلبوا متا هويّاتنا » وسألوا عن أصلنا إلى الج السّادس؟» . امتعض 
القاضي › »لم يعر ما قلت اهتمامًا . قال لها : «ضعي يدك على الكتاب 
المقدّس من أجل القسّم» . أجابتّه بثقة «أنا لا أقسم» جحظت عينا 
القاضى » سألها » وما زال حاجباه يُحلقان بعيدً!ا عن جفتيه : «ولماذا؟» 
أجابنّه وهي تبط كفيّْها : «لأتنا مُتديّنون » والمتديّنون لا يكذبون» .لم 
يعلق القاضي بشيء » طلب منها أن تدلي بشهادتهاءلقد احترم 
دينها . وقناعاتها » ولم يجبرها على وضع يدها فوق الكتاب المقدّس!! 

حضرت أمّي كل الجلسات » كانت تمدّنى بالعزية » لم أكن أشعر 
بالخوف وهي إلى جانبي » كانت ثح عينيها حين يقف محامي 
الادعاء تكاد تلتهمه كتير ما كانت تُطلق كلمات تويّخ فيها القضاة 
والشهود » كانت تتصرّ ف في المحكمة كما في البيت » > غير مرة أرادت 
أن تكنس من الحوش ما رأت أنهم زوائد يجب تنظيفه منها 

قالت لى مرّة فى إحدى الرّيارات أثناء هذا الماراثون القضائى : 
اهز رابك ي ا ت اعرف أن امن ادها وا 
قصصًا طريفة » سألت : «أيّ عصافير؟» . عصافير الذوري الثّلاثة يا 
أحمد ألم ترها؟» «أين؟» «فى المحكمة» «في المحكمة؟ه انعم 6 
«ما قصتهن يا أمَّي؟» «ثلاثة عصافير ملوّنة » كانت تدخل من طاقة 


328 


علوية فى الحكمة »> تطير حتى تصل إليك » ترفرف بأجنحتها فوق 
كتفيك ألم لاحظها يا أحمد؟ كانت ربت على أكتافك ؛ 
5 شنك » وتشدو بلحن ساحر عند أَذنّيك » ثم تطير . خط رة مر 
عندك , باتجاه صف القضاة » هل هي عمياء ياأحمد؟ لأتها كانت 
تصطدم بالصور الْعلَمَة فقوف روس القضاة تصرب إطار البراويز 
بناقيرها » ثم تعود إليك » بوداعة ترفرف فوق كتفيك » ؛ تهبّك قليلاً من 
الهواء البارد في هذا الجرّء » تغتَي أغنية عذبة ء تم ترتفع إلى الطاقة 
وتغادر المحكمة . مأ E r‏ زذلك يا أحمد؟» . أجيبها وأنا محتار : 
0 لك ا و 
a E Eee‏ 
بني بُني » إشارة من الله » الله يقف معك » وقلبي يقف معك › ٠أنت‏ رضي 
والدين يا أحمد » ولن يُضيّعك الله . . . الله يحفظك يا ابني» 

قال لي أبو E Sa E E Û E‏ 
كانت الشهادة قد شوّهت صورتي ء وأثيتت تْ بخط يدي أتّني لم أتعرّض 
للتعذيب › كنت قد كتبت هذه الشهادة بعد أن استدرٌ عطفي بكلامه 
المعسول أجبثه ص موود بوجي اود ير د يم 
لا أريدك أن تبقى شوكة فى حلقي › > جهز نفك لكي تُنقل 
السجن العسكري في الرّرقاء» . أجيكّه «أنت أنانت نذل و-حفهير 
وا مي ووو NE‏ و 
المنتصر والمتحدي «سترى النذالة على أصولها» 

استدعى فى اليوم الثانى طبيبّين نفيّين » أحدهما امرأة . كنت 
بالفعل قد تحولت إلى حقل تجارب أو وسيلة تسلية » لا أدري . لم أشأ 


329 


أن أدخل عليهما من الأساس لكدّني أجيرت . كانا يريدان التّتحقق من 
جديد فيما إذا كنت ؛ أعاني من اضطرابات نفسيّة بدآ يسألانني أسعلة 
تافهة » مثل أن يرفع أصابعه في وجهي ويسألني : کم عدد هؤلاء؟» 
بدأ ت أتبرّم » انتظرت ا ا ل 
ا من المكتبياب وو وأحذوني إلى الرّنزانة مُقيّدًا . في الطريق 
وَعَدانى أن يتركا الأسئلة التى أظنّها تافهة » ويتوجّها إلى أسعلة ذات 
رى تظرت إلى الف اليما كدت ايفن لول أن بان الرنزانة 
استقبلني بسرعة » وفي لحظات كان جوفها يبتلعني 

بعد يومّين من تلك الحادثة » فتحوا باب الزنزاتة » وأحرجوني إلى 
ساحة التشميس الواسعة » تفاءلت فى البداية » أن ترى ل 
أنْ تشعر بأن الحياة ما ما زالت تواصل مسيرتها إلى الكّفب الذي سيبتلع 
كل شيء . بدأ المخوف يجتاحني حين قالوا لي : اخلع ملابسك . 
رفضت . فلوّحوا بالسّوط . فامتثلت . صرت عاريًا ماما إلا ممّا يستر 
عورتي الْغْلّظة » دفعوني باتجاه الرّاوية » فت أكشر تتم ا 
التعذيب ولياليه قفز في وجهي › وسدّ علي الفضاء . ما زالوا يدفعونني 
إلى الرّاوية حتّى صرت بمحاذاة صندوق التفايات الكبير (الحاوية) 
قيدوني إلى حلقة معدنية فيها . ارتفع هرمون الخوف أكشر »ئم جاء 
ثالث » ظندت آنه يحمل سوطًا » أو أداة تعذيب » لكنّه كان يحمل 
سطلاً كبيرًا من الماء » كان هذا السّطل مليمًا بالماء المذاب فيه كمّيّات 
كبيرة من الستكر » رشقني به » فغطاني من راسي إلى أسفل قدمّي ؛ 
ولشدة حرارة الجوّء نشف الماء وبقي السّكر» وبدأت ت رحلتي مع 
العذاب » صرت مهوّى للذباب والحشرات والتحل » هبطت علي كل 
الح رات المحكة لک کاو دی جت اك :لک ی 


30 


مُقيّدتان » كانت رغبتي في هرش أنحاء جسدي با في ذلك رأسى 
رغبة عارمة لا تُوصّف »لني كنت عاجرًا تمامًا » تعرّضت للسعات 
النحل ودغدغات الذباب وقرصات البعوض ؛ كانت دغدغات الذباب 
الذي أراه وهو يُحرك رجليه مُطمئنا في جلدي وخاصة قرب العيتَيّن 
أوجع بكثير من قرصات التحل . وعشت ساعتين من العذاب لا يعلم 
بمعاناتي فيهما غير الله 

فكوا قيودي . وأدخلوني إلى الحمّامات »قال أحدهم : «الدّش 
أمامك» فحت ماسورة الماء على أوسع مجال لها » تبرطعت تحت 
الماء » نظفت كل بوصة في جسمي ء وتلذذت بانسكاب الماء على 
الجسد العاري في هذا الحو لحار . عدت إلى الزنزانة » أحضروا لي 
الغداء » فرفضت كبو من الاستيجاج . جاءني أبو قاسم » قال لي : 
«تظن أنه بامتناعك عن الكل ستضغط علينا» . أجبنّه : «أريد أن أفهم 
لاذا فعلت دت . فقال لي بلهجة البريء : «وماذا فعلت؟ هل فعلت 
شينًا يسيء إليك لا سمح الله» . سالته بغيظ مکتوم : الماذا سكبتم 
علي ماء محلى بالسكر وتركتموني تحت رحمة الذباب والحشرات» 
نحن ؟لم نفعل ذلك . أئيت ثبت أئنا فعلنا» «إذا كنت تظن أنتك بذلك 
ستجبرني على كتابة استدعاء لنقلي إلى السّجن العسكري » فاعلم 
تك خاسرء ذلك لن يحدث ولو فصلتم رأسي عن جسددي» 
«ستفعله عن قريب يا أحمد . أؤكد لك ذلك . لدي وسائل أخرى 
ستضطرك إلى أن ترجوني كي أقبل بنقلك إلى هناك . لم أعد أطيق أنْ 
تبقى عندي» 

في مساء اليوم الثّاني » حرجت بقسوة من الزنزانة » مَثْلَتُ أمام 
أبي قاسم » كان يُمسك بورقة بين يديه » قال لي وهو يشير بها نحوي : 


331 


«لدي فى هذه الورقة إفادة من عناصري المناوبين تقول بأنّك حاولت 
الفرار ت إحدى الحمّامات وأمسكوا يك خارج المبنىة كدت أبصق 
فى وجهه . لكتنى عرفت أن الأمور متتجه إلى الأسواً إن فعلت . 
فرت غضبي بشتيمة . » صرحت فى وجهه «هذا ليس غريبًا عنك 
يا تلان وهم غار وط ن ارقت بضربة واحدة من يده » قمت 
برعة ورددت له ضربته » فانهال علي ا الت الوط 
والأرجل والأيدي . قال لي وهم يسحبونني إلى الخارج بصوتٍ لاهث : 
«صار أمر نقلك إلى السّجن العسكري واقعًا لا مفرّ منه › تة مرخ 
هذه الإفادة مستصل إلى المحكمة غذا» 

فى الجلسة التّاسعة قال تقرير الطبيب : إنّتى قمت بضرب 
نفى!! وقالت إفادة العاكر إتتى بالفعل ارت الهروب 0 
الجن من خلال نافذة إحدى الحمّامات . وهذا ما استدعَى عرضي 
على طبيب نفي من جديد!! وبناء عليه قرّرت الحكمة الموافقة على 
طلب أبي قاسم » ونقلت بالفعل إلى الجن العسكري . 


332 


2) 
الرضا شرط القبول 


حضر طبيب شرعي هذه المرّة » لا أظن أنهم يعتقدون بأنني ميّت › 
وجاؤوا ليكشفوا على الجثّة » ما زلت حيا ء وما زلت أقاوم » وما زال 
لدي ما أقوله كشف الطبيب على جسدي ء وكتب تقريرًا في صالحي 
أنني تعرّضت للضرب » عجّل هذا في نقلي من شعبة الاستخبارات 
إلى الستجن العسكري في قلب الزرقاء 

وصلت إلى الجن ليلا » كانت حرارة الرّرقاء اللآهية قد خفت . 
وسمح الليل لبعض التمات اللّطيفة أن تعجوّل في الأرجاء » أعرف 
جو الزرقاء » إنه خاتق » ويضغط على الصّدرء ولاهب » ومليء بالغبار ؛ 
وفاسدٌ كأن عشرات الآلاف من الأقفية ضرطت فيه مرّة واحدة!! لكن 
انزياح الشّمس عن قبّة السّماء » وخلوٌ الطرقات الخارجيّة من ازدحام 
الناس a‏ ترحيلي › وإفساح الطريق للموكب العسكري ٠‏ كل 
ذلك خفف كثيرًا من انزّعاجى 

أدخلونى على د ا »> تفاحأت أول ما رأيته » إنه العقيد 
(مد الله) ‏ لقد حدمت تحت قيادته في السّابق » وكانت مياه المودّة 
عجري في قلوبنا » وكنت أحترمه » ولا أظن أن قضيّتي ستؤثر على هذا 
الاحترام » وقد صدق حدسي . تلقاني بترحاب شديد . وسالني عن 
أحباري » قلت له ء وأنا أنظر إلى جسدي وأشير إليه «ها آنا كما ترى › 
كامل الأوصاف» وضحكت . 


333 


خصّص المدير لي غرفة نظيفة . وأمر عساكره بتلبية حوائجي دون 
سعيدة » أو على الأقل يحلم أكثر من حلم في الليلة الواحدة » وأمرهم 
كذلك بأنْ يصرفوا لي وجبات الطعام من مطبخ الضُبّاط لا مطبخ 
التجناء ء وكانت تلك تكرمة عظيمة إذ حصلت بموجبها على 
وجبات دجاج ولحم مطبوخة على يدي طبّاخ ماهر ما كنت أحلم بها 

نمت نومًا هنيئًاء ترحّمت على مشاكساتي مع أبي قاسم. 
وتعاطفت معه قليلاً » وهتقت فى سرّي : «لو كنت أدري أنّ هذا ما 
ينتظرني لعجّلت بطلب نقلي إلى هنا . لكن الإنسان يتوقع الأسوأ 
دائما» تابعت حديثي مع نفسي : «لا تلم نفسك على توقع الأسوأ. 
اله كا ما ساعد القلب الضعيف على عبور الأزمات» 

حلمت يزوجتي تلك الليلة . > كانت تبلس مع أمَّي ‏ تجادلها > تقول 
ا وی فلك رن ع ا 
EEE CEE‏ 
اء آنا التلقاز القابع - خلفهما » وظهر على الشاشة ة مذيع الأخبار وهو 
ينقل خبر مقتل صهاينة في عمليّة استشهاديّة في القدس» . قالت 
أمى لزوجتى «هذاهو الحلم يا فاطمة» . وانطفأت الشاشة > وأعتم 
المكان 

في الصّباح استيقظت على صوت مدير الجن العقيد (مد 
الله) » كان يقرفص عند رأسي . حين فتحت عيني رأيته يبتكم › قال 
:تواتك كنت شعي لداعت م حه اشارا 
عناصره الواقفين خلقه » جاؤوني بالفطور » وبالشاي التاخحن « عزمت 


334 


عليه قائلا : «مالحني يا سيدي» . أكل لقمة من صحن الحمّص » 
ونهض » قال لي آرت اا ان ا حر لك وخ وت 
إن احتجْت شيئًا ما عليك إلا أن ترن الجرس وسيكون عسكري أمامك 
ينتظر أوامرك » وبالفعل عيّنوا شرطيا مناوبًا 74 ساعة أمام باب غرفتي 
وانسحب هذا التعامل اللطيف من مدير الجن على بقيّة العساكر 
الصّفار ‏ فكانوا غاية في التتهذيب معي , وعرفت أن الشّمرة الحلوة لا 
تأتي إلا من شجرة طيّبة 

أغضبُ سريعًا . لكتني أسامح أسرع كان هذا أكثر ما انطبع في 
ذهن الّذين تعاملوا معي تعاملاً مباشرًا . لم أكنْ أهتم كثيرًا بآراء الاس 
حولي › ٠‏ كان يهمّني أن أكون متصال حا مع نفسي » والاً أتدمّ على 
شي ء ولا تلطخنيٍ الشهوات ء أو تنغص حياتي الآلام » أو أنْ 
تصرفتي عن هدفي المغريات . ما أقصر العيش . ما أمرّ السّاعة » وما 
أغبانا إن قضيناها في الحقد على الآخرين!! سيعيرون قريبًا مر الحياة 
إلى الموت كما سنعبره مثلهم › فلماذا كل هذا العداء؟! أنا أؤكد لكم 
أنه على لا شيء ؛ لا شيء يست حق . فيي جلسة من هذه الجلسات 
لي طال أمدها » كنت قد دخلتُ مع القاضي في جدال » قصرخ بي 
قائلاً : «اسکت» . فأجبنّه «كيف أسكت ءلن أسكت» . وكنت 
منفعلاً » فطلب متي أنْ أخرج من قاعة المحكمة › لكتني رفضت قائلا : 
«لن أخرج» . فهاج القاضي » وطلب من 0 الشرطة أن يُخرجوني 
بالقوّة » وصاروا يدفعونني إلى الخارج وأنا أتثبّث بقضيان الحديد في 
القفص حتّى لا يتمكنوا من ذلك . كان أحدهم قريب متي . » وقد غاظه 
ما يحدث »ولا أدري إن كان يريد أن ي يُئبت أنه قادرٌ على تحقيق الأمر 
بالقوة أم أنه نوع من الااستعراض للخ استيقظ في أعماقه في تلك 


335 


اللحظات ليُشاهده التاس » قفز هذا الشرطي إلى أعلى القفص . تلقه 
مثل قردء كان أعلى القفص مفتوحًاء ونزل من جزثه المفتوح هذا 
وهوى بيسطاره على كتفي ورأسي › وراح يضربني ليرغمني على 
الخروج » وتدخل عدد من المحامين وروجوني أن أخرج » وخرجت 
بالفعل . أثرت بى تلك الحادثة . جرحتّنى عميقا لا أنكر ذلك . 
ولكنني اليوم وأنا أروي لكم قصتي ٠‏ أنظر إليها كما أنظر إلى العشرات 
متلها : مامتا بع اانه > قالت لي أمَي : «لن أسامحه ولن أغفر 
له» . قلت لها : «أنا سامحته» . أجابني وهي ترفع يديها معترضة في 
وجهي «أنتَ حر ء أمّا آنا فلليوم لم أسامحه » لك أن ت تتصرف بالجزء 
الذي يخصّك ٠‏ ولي أنْ أتصرّف بالجزء الذي يخصني' 

في الجلة الثالغة عشرة من هذا الماراثون الطويل التي عُقدت بتاريخ 
؟ ابابا ؟ ١‏ قدم احامي حسين مجلي مرافعته الخطية التى تقع فى 
مئتين وثماني عشرة صفحة » تضمّنت وقائع المحاكمة منذ البداية › 
ورفضه للاستماع إلى شهادة الصّهاينة باعتبار أن أسماءهم لم تكن 
مُدرجة في لائحة الشهود » ورفض وصف أطبّاء المحكمة لي بأثنى أعاني 
من اختلاللات نفسية » ودفع باتجاه حماية حدود الوطن » وأنه تصرف جا 
يُمليه على الواجب بوصفه حارسًا فى ثقطة حدوديّة كان يبدو أن خط 
التّهاية في هذا الماراثون يقع على بُعد جلستَّين فقط » وهذا ما حدث . 

فى ليلة النطق بالقرار » كان ذلك ليلة الجمعةء وهى الليلة التى 
حافك LN‏ لعن وير التو كان زايا 
أنه يريد أن يُخفف على » كان يُدرك أن الوجع يُمكن أن يُنسى إذا وجد 
قلبًا دافنًا يُسامره » مكثنا ساعتّين معًا . قال لى : «المحاكمة غارقة فى 
الممجابات الات #والزقعة مح البهوة ليست أي وقعة :ولنلك لا 


336 


تتفاءل كثيرا» . جِبْتّه «كان ذلك في علم الغيب وفي علم الله قبل 
أن أصبح مُضخة في بطن مي » أقبل ما يقبله الله لي؛ . قال : دلا 
أريدك أن تصاب بصدمة ء رئما تظن أن هذا التعاطف الكبير معك من 
التاس سوف يُخفف الا حكام التي ستصدر غدًا بحقك » كلا يا أخي » 
التعاطف كان معك شعباء وهؤلاء لا يملكون القرار ولا يصنعونه › ولا 
حتّى يُشاركون فى صنعه » كل هذه الهتافات التى كان القلب يطرب 
لها في جلسات الحكمة لا ترفع عنك عقوبة أو بنذ منها ما دام أنّ هذه 
العقوبة ستّقرّر على ضوء التّوازنات الدّوليّة » خذنى مثالا على ذلك › 
أنا معك » ومع العمل الذي قمت به > لكتّني وأتا العقيد ذو الشارة 
الحمراء لا يُمكنني أنْ أفعل لك شيئًا سوى أن أقدّم لك الشاي بكمَّيّة 
السكر التي تُحبّهاء . قلت له وأنا أهرّ راسي وأبتسم : «هذا يكفي , 

يكفى أن تكون القلوب معی > أن يعرف الحامن 0 تعرف الأحيال أن 
اف ب كان تح على ميا رفن ر الجهود فى يناه ان 
الأساس »أنه حتّى لو ديجت الاتفاقيّات ووُقعت المعاهدات » وخضع 
الزعماء فإننا - شعويًا - سنظل نرفع البندقيّة في وجه القمّلة 
ملين هد تتهدة طويلة +.وقال:: «ارجو الا تعيش أنا وانت إلى 
زمان تتطبّع فيه الشعوب بطباع الرؤساء » أن يُصبح قبول اليهود أمرًا 
واقعّاء ويتم تجريم من ينالهم 0 الكلام في المجالس العامّة بتهمة 
معاداة اللسامية أو العنصرية أو حتى الإرهان» . فاجأني تشاؤمه » قلت 
له «أمَا آنا فأرجو أن أعيش حتّى أرى جيلاً يقلب الطاولة على رؤوس 
الجميع . ويخربط معادلات السّياسة وتوازناتها » ويُغيّر خارطة المنطقة › 
ويُعيد القدس إلى حوزة السلمين» . قال لي وهو يهر رأسه بأسى : 
وأحسدك على تفاؤلك» . أجبته «تفاءلوا بالخير تجدوه مد الله بيك6 

مكتبة الرمحي أحمد ۸١‏ 


337 


قال لى : «أنا أتشاءم أحيانًا لأ كون واقعيا » لكنّ هذا التّشاؤم لا يدفعنى 
إلى الاش »لو كان فی الأجيال هذه أو القادمة من يحمل قلبك 
وروحك فستبقى الأمة حيّة اكىن صراعنا مع اليهود قائمًا » رجو 
آلا تخحبو هذه الجذوة» . قلت له : «وماذا تتوقع أن يحكموا غدا على؟» 

يلمك › ولكتنا ل ندري أين يقودنا مركب ال اة والتوازنات 
الإقليمية!! في المقابلة ال اریت أمس مع مستشار رئيس وزراء العدو 
الصهيونى على إحدى قنواتهم التلفازية مثئل من معد البرنامج : ماذا 
تتوقع أن يُحكم على الجندي الأردنى أحمد الدقامسة؟ أجابه 
المستشار : الموْبَد مع الأشغال الشاقة . هذا ما قاله في المقابلة ولكن لا 
ندري عَم ستتمخض المحاكمة غدا». 0-6 «أرضى بقدر الله» 

سألني : «هل أنت خائف؟» . أجبته : . . لكن للأمانة أنا مشغول 
الفكر > لا أكاد أستقر» . «الإيمان 0 . وأعطاني 
كَعَسّمًا صغيرًا فيه تور عار من القرآن الكريم وأدعية مأثورة » وقال 
لى : «صل به الليلة أو صلاة الفجر ء وادعٌ مما ورد فيه » زوجتى قالت 
أن أوصله إليك . هي الاخرى تدعو لك» قلت له قبل أنْ يغادر وقد 
كاد الليل ينتصف : «عندي طلب واحد سيدي ٤‏ القت إلي وابتسم : 
«على طول» . قلت له «آريد ثيابًا نظيفة في الصّباح » وحذاء جديدًا ء 
وعطرًا . وأريد من الحلاق أنْ يقص لي شعري بشكل رائع» . سألني 
وهو يبتسم مستغربًا : «حاضرٌء ولكن لاذا تريدٌ كل ذلك؟٠‏ . أجبمّه 

«أريدٌ أن أبدو وسيمًا أمام المحكمة » غد! هو التطق بالقرار » وعلى أن 
أكون جميلاً في تلك اللحظة > مرفوع الهامة > موفور الكرامة 3 لا أريد 


338 


مرتبك أو نادم أو ضعيف . لي قلب أسد . أريد أن أتلقى الحكم بكامل 
بهائي . الرضا شرط الشركة 
مر الليل كطائر ت تخفق أجنحته بصمت » صمت عميق » حركة بلا 

صوت لم يحدث ذلك لليلة من ليالي الجن الكثيرة إلا لهذه . قطع 
الطائر طرفي الغابة في هدوء وحط على رة عاليةء وبداً يؤدّن 
لصلاة الفجر » استيقظت حينها , توضأتْ وصليت , ورفعت يدي إلى 
السّماء » كانت أبوان السّماء مُفمّحة » هكذا رأيتها » كانت امي تقف 
في ذات اللّحظة مثلي . وكذلك أبي › وزوجتي » وإحوتي » كانوا يقفون 
يرفعون الأ كف إلى السّماء » فتنهمر غيمات الرضا 

إنه صباح التّاسع عشر من تموز لعام ۱۹۹۷م » أحضروا لي طعام 
الإفطار فى السّابعة » أكلت بشهيّة » شممت فى رائحة الخبز السّاخن 
رائحة الخبز الذي تصنعه أمَي » كأنّ يديها قد مسّنّه بشذاهما. 
أخرجوني من الزنزانة إلى غرفة الحلاقة » حلق الحلاق لي ذقني » وزيّن 
لي شعر رأسي »تم حرجت من هناك إلى الحمّامات » لبستُ ثيابي 
التي وعدني بها مدير السّجن . ورششت العطرء فبدوت وسيمًا كما 
أردت . وانتظرت الموكب الذي سيقلنى إلى الحكمة . على باب الرّنزانة 
المتحرّكة » وكنتُ قد صعدت درجمّيها ٠‏ وقف المدير على بابها ء ومد 
يده إلى الأعلى وصافحني » وهو يقول : «ابق كما عرفتّك » قويا شامخًا 
متماسكا » قلبي معك» . ابتسم » ولمعت عيناه . 

وصلنا إلى محيط المحكمة » كانت المحكمة قد تحولت إلى ثكنة, 
عسكريّة . يُحيط بها القتاصة والحرس من كل جهة » وينزرعون في كل 
شبر منها » أدخلت كالمعتاد إلى النّظارة التي تقع خارج المبني » بانتظار 
الاد عا التطق اقرا كان اكد يت قد رافقني من الجن إلى 


339 


هنا » قرأت فيه » وتلوت ما أحفظ من الآيات » ودعوت با استطعت . 

في العاشرة أدخلوني من الباب الذي يُفضي إلى القفص 
الو كا كته تدرط ی و وي مق 
O TS‏ 0 7 
أقارب القتلى اليهود . على يمين الحكمة احتشدت عشر الك الماك 
والكاميرات وأجهزة التصوير والميكروفونات » كانت هناك وسائل إعلام 
محليّة وعربيّة وغربيّة وصهيونيّة » كل قناة جاءت لتشهد الحكم علي » 
كانت العدسات قد فتحت قلوبها وآذانها وأعيّنها لتلتقط الفصل الأ خر 
فى هذه المحاكمات الطويلة 

: دخل القاضي وأعضاء المحكمة القاعة نى جوت الحاجب‎ ١ 

«(محكمةة » وأمر المجميع بالوقوف . فوقفت ٠‏ وبدا القاضي بتلاوة 
القرارء كان القرار مكونا من ثلاث و فة > في غمرة قراءته 
للقرار > جلست وبدأت أتلو آيات من القرآن الكريم » كانت الآيات 
بلسمًا مسح على كل الجروح السّابقة » في منتصف آيات سورة يونس » 
رأيت الشيخ عبد الرّرّاق » كان يقف وهو يلبس جُبّته النضراء . كان 
يضحك » وفي يده عُكاز خشبي » قلت له «لقد هرمت يا شيخ عبد 
الررّاق» أجابتى «نحن هناك سئولد من جديد ء اتبعنى» . ومشيت 
خلفه . دحل إلى غابات ملتفة الأيكة » سألمّه : «إلى أي تأحذني يا 
شيخ عبد الرّراق . القضاة هنا يتلون قرارهم وأنا أنتظر ما سيقولون» . رد 
علي وهو يلتفت نحوي إلى الخلف » ويُشجَعني : دهيًا اتبعْني » هؤلاء 
القضاة ة لا يَملكون من أمرهم شيئًا » نحن سنذهب إلى قاض عادل لا 
يُظلْم عنده أحد» . وغاب ولم أعد أراه . 

استيقظت من غفوتي على صوت القاضي › كان القاضي يقرأ 


340 


الجزء الأخير من القرار : لاثانيًا : غَصَل بأحكام المادة من قانون 
العقوبات ء فإته نقذ بحقه العقوبة الأشد دون سواها وهي الوضع 
بالاشغال الشاقة المؤئّدة + خب له العقوبة اعتبارًا من تاريخ توقيفه 
الما : ريه إلى رتبة نخدي تان وطوده من الخدمة العسكريّة عملا 
بأحکام المادة . . . قرارًا وجاهيا صدر بالإجماع موقوفا على تصديق 
عطوفة رئيس هيكة الأركان الْشتركة ء وأفهم علنًا بتاريخ i‏ 
17م . رفعت الجلسة 

عبخع على الععضن عند من احامين ومن كارت . هتأنيى عدد من 
الناس بالّلامة » بعضهم ذهبت تقديراتهم إلى الإعدام » ورأوا في 
الحكم اليد نوعًا من التَخفيف ب أهود عن بن اج 
يقال سازع العبفا كر بإخراجي من القفص تحت حراسة,ٍ مُشددة. 
كانت حراسة غير موقة . عشرات aS‏ المسليفة رافقت الرّنزانة 
المدحركة التي تُقلّني » بالإضافة إلى باص يحمل أكثر من عشرين 
ملحا مُلتَمًا ‏ وأربع درّاجات ناريّة 

كان قلبي يمور و فى الطريق يأللاف المشاعر المتضاربة > ضحي لم آلفه 
من قبل علا راسي »طيورٌ مهاجرة تخفق بجناحَيها عالِيًا في فضاء 
عقلى > مضي إلى آفاق مجهولة » وصُوّرٌ عديدة من طفولتي تمر سريمًا 
أمام عيني › ت قف للحظات أمام أمَى مرة » وأمام أبي مرةء ثم تتابع 
عَدُوها السريع ٠‏ إلى أن تصل إلى الشيخ عبد الرَرّاق » يملوؤها بالعطر وهي 
تر من أمامه » لتصل إلى اليوم الذي نفدت فيه العمليّة » إنّها خلايا 
ضوئيّة تختبى في أشعة تركضْ مسرعة من البدايات إلى التّهايات › 
هل كل حياة البشر أضواء تر سريعًا » وفجأة تنطفئ » هل نحن نقاط 
ضوئية مُسافرة!! ما الذي يحدث في هذا العالم المجنون!! 


341 


(٤ ١ ) 3‏ - 
العالم مليء بالذئاب 


على باب الجن العسكري استقبلني المدير » كان مارا 1 
عانقني كأخ یری أخاه العائد لتوه من غربة طويلة أول مرّة » وأطال 
عاق سد تا مويق ر عن ظلهره لأقول له «ثمن الجنّة غال» 
رفع رأسه » كانت عيناه جمرتين » تتحفز فيهما الدّموع إلى الانهمار. 
اجاح بوجهه دحي ارت : «حسبي الله ونعم الوكيل» 
خحففت عنه » دعوته إلى التَصبّر والاحتساب كانه هو الذي حكم 
بالمؤبد لا أناء عجيب هذا الرّجل › قال لي : «مع أتنى كنت أتوقع 
حُكمًا كهذا . لكتّني أرى أن بطلا مثلك يجب أن يُكرّم لا أن يقضي 
عمره كله في السجون» . قلت له « کل شيء عنده بمقدار» یکی ٠لم‏ 
امن :هقفت هون ديد : هلو كان الأمر بيد البشر لهلكوا » نحن نتطلع 
إلى رحمة الله » أملي أن ألقاه راضيًا . هل تعتقد ذلك سيّدي؟» . لم 
يجب . أجابتني عيناه » كان طائر المودة يخحفق في آفاقهما الواسعة . إن 
لم تعرف التاس عن قرب » وتعاشرهم زمنًا يُتيح لك الحكم عليهم » فلا 
تتبرعٌ بتوزيع أحكامك الحوفاء » أقول هذا الكلام » لأ تني عرفت أن في 
الجيش شرفاء بهم تستعيد الأوطان كرامتها » وترفع هامتها 

رافقني العقيد مد الله إلى زنزانتي » قال لي وهو يقف على بابها : 
«اطلب أي شيء . أي شيء . اعتبرني أخاك الكبير . آنا لا أحظى 
بأخحوة مثلك في كل حين وما ساون جاهدا أن ت تبقى عندي هنا في 


342 


السجن العسكري > لان المعروف أن العسكري الذي يصدر حكم فة 
پرحل تلقائيا إلى سجن سوافة» #اششكركة لن إت معروفك 
سيّدي » هل يمكن أنْ يُحضروا لي الصّحف اليوميّة الصّادرة صباح 
غد؟» 0-0 : «منوع إدخال الصحف لكنني سأحاول أن أؤمّنها 

كان يوسا فارقا . إتھا E‏ إنها عواصم ع 0 
ن بساعة من هذوء . لقد تحوّوا إلى ع عبيد لأولنك 0 يقيمون 
لهم القواعد المشكرية في بلادهم من أجل ان 90 يفهم العالم 
بشكل واضح › ولا بصورة سريعة, أن العالم اليوم تحوّل إلى ادم مُطيع 
للعمّ سام ء أن العم سام تحوّل إلى عاض فلل لاسرال . التزاعات 
الس تفتعل > الحروب التي 5 تكن 3 الثورات” الع ف » الأوطان الع 
باع » الجزر التي توهَّب » البشر الذين يدجنون » كل ذلك يحدث من 
أجل أن تظل الابنة الدلّلة : تعيش في رفاهية كل حكم على مُقاوم › 
أو مُعارض » أو صاحب رأي » ينبع من الخوف » الخوف على البقاء إلى 
حفيد الحفيد السادس عشر على ذات الكرسي ؛ الكرسي الذي قوائمه 
دااع ال ا ملك أن يُحطم هذه القوائم عا يمى 
إرادة الشعب » الشعب الذي لا يُتقن غير الثباح على الشعب الشقيق » 
الشقيق الذي يُحاصر شقيقه بكل ما أوتي من قوّة حتّى يرمي له 
المتعمر الل أمام قدميه لين نهشهما الدود ولا يرميها لشقيقٍ 
أخر!! انها 0 من الود 6 دح و 0 والهذيان ٤‏ ؛ فا ين اچ 
يقاوم د لويد » سيأكله العفن في السجن أو يأكل 


343 


حبل المشنقة من عنقه ء إتها عصا التأديب لكل مَنْ يفكر في هذا 
التهج . ليس لهذا الزمان » ولكنها لكل زمان . حدثت في كل مراحل 
مقاومة ا محتل في فلسطين » وستحدث غدًا » ويعد غد . ولن يُوقفها إلا 
ا ل EEDA‏ ت » بل یری 
الختجر الذي يُخبّئه المفاوض خلف ظهره » ويشحيّن الفرصة المناسبة 
لطعن غريمه 

و «إن لم تكن ذ ذئبًا أكلتك الذئاب» . صدقوا . العالم 
مليء الا تاب »الذ تاف تتجول في كل مكان » شوارعنا مليئة 
بالذثاب » بيوتنا مليعة بالذثاب » فَرّشنا مليكة بالذّئاي » عيوننا مليئة 
بالذئاب »إلى حد أن أرواحتا مليعة بالذئاب > وإ لم تدرب أنفسنا 
على قَثّْلها » وقتل الخوف منها . فمصيرنا إِمَا أن نتحوّل ذثابًا مثلها تلغ 
في كل دم » وإمًا أن نتقرٌ في بطونها . ولا حيار ثالث . وعليه قاوم 
حتى آخر قطرة في دمك . وحتى آخر لحظة في عمرك » وحتى آخر 
تفس في صدرك!! 

صحوت كأتني قد غت قرنًا من الرّمان » وعبرت عوالّم مختلفة . 
وتجولت في أماكن غريبة » صحوت كأتني أصحو على عالم لا ينتمي 
إلى السجن » عالم ينتمي إلى بشر آخرين » وكوكب آخر غير الأرض » 
كان ذلك محاولة للهروب من الواقع . »هل يُمكن لأحلام مثل هذه أن 
تخد عك > تفصلك عن عالمك الحقيقي لتجعلك تعيصرٌ عالك 
الوهمي ٠‏ إنه وهمي نعم » ولكنه عالم على الأقل خال من وقاحات 
البشرء خال من المبادئ المعكوسة » والقيم المنهارة اشيا اة 
والتبعيّة للآخر 

كانت السّاعة تُشير إلى الثامنة حين طرق مدير الجن باب 


344 


زنزانتي » وأحضر لي بنفسه جرائد الصباح لذلك اليوم » وكانت تصدر 
أربع جرائد في الأردن يومّها هي : الرأي والستور والعرب اليوم 
والأسواق . قلَبْمّها » كان خبر الحكم على يتصدّر صفحاتها الأولى . من 
الجميل أن يعرف الاطفال أن في بلدهم من أطلق التار على الصّهاينة » 
أن ابا فاا افد ان اهنود عوك حقده إلى عمل حقيقي 
الشخات وحدها لا تصنع الوعي . ولا تبرز الحقيقة ل امدق ف 
البندقية في إثبات ما تحمله من فكر . لسان البندقيّة غير ذي عوج › إنه 
لسان عرب مُبِين . لقد تكلمت البندقيّة في ذلك الصّباح من أجل أن 
تشعل فكرة الصّراع الأبدي بيننا وبين اليهود . لقد قرأت عن تاريخ 
اليهود ما يشي له رأسْ الوليد .لم تقتصرٌ مكائدهم على الأنبياء 
فحسب ‏ فذلك مما أخبرنا به القرآن »لکن مكائدهم طالت كل 
شعب وكل عرق وفي كل عصر . قتلوا » وأبادوا » وأحرقوا » وأعدموا . 
وسسحلوا : في الشوارع » ونهبوا » وزيّفوا » واستلبوا » وانتحلوا » وراوّغوا » 
وفتنوا » وأوقعوا بين الشعوب » ورقصوا على الجراح » وسكروا على 
الآماء » واغتصبوا ء وخانوا » وغدروا .تم لعبوا دور الضّحيّة ‏ 
واستجدوا العالم أن يقف إلى جانبهم بصورة لم تعهدها أي طائفة من 
ار كان ديئها أو لوثها و عرقها!! 

قرأت الصّحف › وشعرت بشيء من الهو » إنّني أصل إلى الحطة 
الأخيرة في المرحلة الأولى . لقد قمت جا كان يجب أن قوم به » ولست 
نادمًا على شيءء وأترك ما فعلتّه للأجيال الرّة والتاريخ من أجل أن 
يحكموا عليه . قال لى مدير الجن : «إتها كاذبة » يمُونها الصّتحف 
الصفراء» . سألته : «ولماذا يسمونها كذلك؟» . أجابني : «لأانها تشبه 
أنياب الضبع الصفراء » تعيش على دماء الضّحيّة ولا تشبع!!» 


345 


بعد حمسة آيام من صحف تأتيني تباعا عن طريق مدير الجن 
ذي القلب الطَيّب » > جاءني المحامي حين مجلي . كانت نظارتاه تُفطيان 
عيئيه بإطارهما الأسود الشهير » من خلف رُجاجتيهما رأيت حزن 
عميقا . سألئّه إن كان الحزن عابرا أم مُقيمًا على سبيل الدَعابة » قال لي 
إنّ سبب ذلك أن رئيس هيئة الأركان المشتركة قد صادق على قرار الحكم 
المحادر بالمؤيّد » وأردف وهو يحك ذقنه : «أحكام المجلس العسكري 
قطعيّة» . لم تكن المصادقة على القرار لضيف إلى قائمة توقعاتي شيمًا 
الأمر محسوم بالنسبة لي من الأيَام الأولى لتنفيذ العمليّة . 

في ذات اليوم » في المساء الشفيف . دخل علي العقيد (مدّ الله) . 
كان يضحك › يحمل في يده راديو ترانزستور » بحجم كفة اليد » قال 
لي : «إنه يلتقط إشارة الإذاعة الإسرائيليّة بوضوح ء الملاعين بثهم 
يصل إلى كافة أنحاء الأردن » فى حين أن بث إذاعة مُحافظة من 
ا يسنن إلى النافظات الا خرى داعل الأردن نقسها!! لقد 
احضرته لك كي : تستمع إلى الأخبار متى تشاء» . شكرئّه ٠‏ لم يكذ 
يخرج > حشّی سمعت على اة إذاعة القدس (إذاعة اة 
الفلسطينيّة) أخبارًا تفيد باعتقال والدتي » وعدد من أقاربي » بتهمة 
التحريض على أعمال شغب . هل من المعقول E‏ اتسين 
اعتقال امرأة!! 

تخيّلت أمَي وهي تتقادّم. الجموع الغاضبة › تهتف بصوتها الهادرء 
وتهيج م الجموع من بعذدها التي من النوع الذي يُمكن أن يصنع وز 
لقد es‏ الحرّ لا يرهن إرادته ل حد ء أتخيّلها بشرشتها السكوداء » 

تشق الطرق » وترفع صورتي » لقد طلبت من كل المصوّرين الذين 
التقطوا لي صورا أيام الحاكمة أن يزودوها بنسخة من كل واحدة »تحمل 


346 


تلك الصّور وتهتف بأعلى الصّوت . تحتمي بها الجموع من خلفها ‏ إنها 
أمّ ؛ وامرأة سمّينيّة ء ولكن ذلك لا يشفع لهاء فتّعتقل . يأتي رجل 
رشيدٌ ء يُسارع في الإفراج عنها , ويُلغي الهم الحمقاء بحقها . تعود 
إلى البيت وما زالت تهتف . ينال منها التعب » وتنام . تحت مخحدتها 
تنام صوري كذلك بهدوء . تتلمّسها قبل أن تنام » وتغلّفها بدعاء يصل 
إلى قلبي هنا ء فيُشعرني بالطمانينة 

يا فاطمة » إتني لم أتم تعليمي في المدرسة » لكن ذلك ليس نهاية 
الامرء إتني أعلم نفسي بنفسي » هل ذلك صعب؟ كلا . إتني أعشق 
الكتاب الذي أحمله بين يدي . أقرأ بشغف ٠»‏ إته يُاعدنى على الصّبر 
على ما آنا فيه » ويُساعدني على التّسامح » كلّما قرات كتابًا شعرت 
بتفاهة الّنياء وحماقة لّهاث GOTE‏ 
ونُشوب التزاعات بينهم » يَقتلون لرغبة » أو لنزوة » أو لطمع . . 
اجوو ونس موا اح كر 
إذا تطهّرت من الطمع لم آسف على مفقود » ولم أتطلع إلى موجود › 
ودعاني ذلك إلى أن أسامح كل أحد . . . فلا تحرميني من الكتاب . . 

إتني حرجت من المدرسة مُبكرا لأحمل البُندقيّة » لا لكي أصبح 
جاهلا > والعالم الذي يحمل البندقيّة لا يُخطئع › > لأن لديه رصاصتين : 
رصاصة الثورة ورصاصة الفكرة . انظري إلى ابن تيمية » وإلى أحمد بن 
حنبل . وأنا؟ سأتعلم » سأتعلم ما استطعت . يبقى الإنان يتعلم إلى 
آخمر يوم في حياته » ولي بأولتك الحظماء الذين لم يُكملوا تعليمهم 
قدوة » لي بالعقاد والرّافعي قدوة ء وبغيرهما . وإئّني قادرٌ على أنْ أتقي 
روحي بالقراءة » فلا تحرميني في كل زيارة من أن تأتيني بالكتب . أنت 
تعرفين ما أريد » وأنا أنتظر على أحر من الحمر . 


347 


41 
الكتب هتابل موقوتة 


إنها اول زيارة لأهلي بعذ صذور الحكم ؛ وإنه يوم الحمعة » زارتني 
يومّها امي » وزوجتي ١»‏ وشقيقها . لم أكن بعاد قد سافرت في البعيد ء 
ولا حملت حقات تبى ورحلت باتجاه الصّحراء حيث الجن الأحن 
(سواة قة) كنت لا أزال في السسّجن العسكري بالرّرقاء . وكان يومًا 
انينى عليه أملى فى العشرين عامًا التى سأقضيها فى المنافى . 
ای عن فيد ادا اد اننا بكوم ل يمينا بارلا كانت 
أمَي تحمل رق كتب فيها أخي (باسم) الاد وها إنها اله 
تقرأء تعرض الورقة على صاحب المكتبة » وتشير إلى المكتوب فيها : 
«أريد هذه الكتب» كان يهر رأسته «لا يُوجّد منها عندنا أي كتاب» 
لا يؤثّر ذلك في عريتها . تنادي على فاطمة التي تتفحّص بعض 
الكتب المعروضة : «هيًا ليس لدينا التهار بطوله» تقول لها وهي شير 
بيدها کي تبعها . لقد استغرقهم البحث يومًا كاملا حتّى استطاعوا 
الحصول على ستة كتب من عشرة مدونة في الورقة . تفرح أمّي » تُقلب 
الكتاب بين يديها » تشعر بقيمته » لا تستطيع أن تقرأ حتّى اسمه » 
لكنّها تضم الكتاب إلى صدرها ء ثم تقبّله » تقول في سرّها : «سيقرؤه 
أحمد » وهذا يكفي . إنه يُعالجَ أموره بشكل جيد في السّجن الكتانب 


ديق عات . إنه يخفف عن ابني وحشة الآيل» ليها 


348 


الحكمة؟ الحياة . أقول وأنا أبتدئ رحلتي الجديدة مع القراءة : «الكتاب 
صديق ليس كأي صديق » الأصدقاء ينامون . لديهم حاجاتهم الخاصة 
لا يُمكن أن تلتقيهم في كل وقت . لكن الكتاب يلتقيك في أي وقتٍ 
لراه أنت مُناسبًا » بالنسبة له كل الأوقات مناسبة ؛ أي صديق هذا!! 
الأصدقاء يُعطونك ظهرهم مرّات, ؛ إتهم معذورون » لديهم أسيابهم » أمَا 
الكتاب فلم يعطني ظهره يومًا . وها أنا أقرأ ؛ أقرأ لأتني آريد أن أعيش 
الحياة التى أريدُها . لا الحياة التى يُرِيدُها لى الآخرون » لقد عرفت بعد 
مضي السّنوات أنّ أكثرنا يعيش حياته كأنّه مشي في حقل ألغام . 
يحذر في كل خطرة أن ينفجر به لغم ما ؛ لغم رأي النّاس فيه » لخم 
العادات . لغم بعض ما تربينا عليه »لغم العيب الذي لا يكون عيبًاء 
لغم الخلال والحرام الذي تزرعه رؤوس مشايخ ليسوا بمشايخ!! ولغم 
السائد » واللغم الأشد خطورة لغم : «إِنَا وجذنا آباءنا على أَمَة وإنّا على 
آثارهم مُقتدون؛ .لم يتح لنفه يومًا أنْ يُفكر ا شل أله الف 
والتّمحيص ليهتدي . أما أنا فأريدٌ أنْ أعيش حياتي التي لم يصنعها 
أحدٌ سواي . أريد أن أتدفق بشكل حرّء أن أتداعى بشكل ٹرثار وعلى 
نحو غير مسبوق . 

اكه آرت اللات كنا ولوق الكن ا المستحيلة تُصبح 
ممكنة إن رافقت حبيبًا . فكيف بحبيبّين . تنتظر أمّي مع فاطمة في 
الخارج > يقول لها العسكري : «الكتب منوعة» . تُطل برأسها من التافذة 
الصغيرة . تكاد تسحيه من ياقة قميصه العكري » وتعتفه «ليش 
منوعة؟» . يحتار ماذا يقول : «الأوامر» . هذا أقصى ما يُمكن أن تفسّر 
به الحماقات التي تُرتكب كل يوم في عالم الأدب والسياسة 
والاجتماع : «الأوامر» «أوامر إبليس» ترد عليه غاضبة . يصمت من 


349 


جديد » فتتابع هي : «ستدخل هذه الكتب يعني ستدخل . . . ناد لي 
شاويشك» . يُحرّج ء يحتار» ماذا تعني بعبارتها الأخيرة؟ تُنقذه في 
اللحظة المناسبة : «وين مدّ الله بيك» . يأتى مد الله » يعتذر لها «إته 
أحمق » لكنه بالفعل لم يتلق مى الأوامر» «الأوامر . الأوامر» . ترد 
من خلفه مُضجرة . يضحك » يعتذر من جديد » ويسألها : «بخدمتك 
نحن يا حجة» . ترفع الكتب بوجهه «هاي الكتب لأحمد . . . اليوم 
لازم تدخل لعنده» . يبتسم.» يهز رأسه > ويهتف : «حاضر يا حجة» 
بقلب الكتب بين يديه » يعثر على عنوان ما » يرتبك قليلا » ينظر خلفه 
ليتأكد فيما إذا كانت الكاميرا لفط انيب الكتاب الذي ينظر إليه 
الآن ء يُقلّب الذي بعده » ينظر من جديد » يعرف أن الكت قنابل 
مَوقوتة » يدرك أنّ الكلمة تُشبه الرّصاصة »› حين تخرج لا تعودٌ أبدًا , 
بعضُ الكتب مخازنها من الرّصاص لا تنفد . تظلّ رصاصاتها حيّة 
وقادرة على إصابة أهدافها آلاف السّنين . كل هذا يحدث هناء وعين 
الكاميرا تتابع . يقول لأمّي ثانية «حاضرٌ يا حجّة» . يأخذ الكتب 
معه . يوقفها قليلا » يراجع شريط الكاميرا ء يحذف مشاهد الحوار 
الأجمل »ء ويقول لعناصره : «بإمكانكم الآن تسليم الكتب لأحمد» 
ينفتح لهم باب القلب . قبل باب الزنزانة . يقول لي المدير : 
«بإمكانكم أن تجلسوا في أحد المكاتب » سيكون الأمر أسهل . ننتقل 
إلى مكتب مُخصّص للزّيارة الخاصة . أقف فى مواجهة فاطمة › عيناها 
رن انا قف عر الك روه ن إن الدرى سوق درو رفي 
وأنْ العتمات تحتاج إلى ضياء عَينى حبيب » هي تعرف ذلك جيِّدًا » 
وتدرك أنني مُبعثْرٌ هناء تائه حد البكاء » وأنّ دروبي كلها موحشة. 
ومُعتمة ء ولا بد من عيتيها لكي أبصر . أفكر في أن أقول لها ما يدور 


350 


في خاطري منذ يوم صدور الحكم » أتراجع في كل مرّة » توقفني فجأة 
صدمة ما بعد الإجابة عن سؤال مثل نشطة الحبل فى مشنقة 
الإعدام » يقذفها قاض من بعيدء فإما أن يكون ماهرًا فيدخلها في 
عنقك فترحل بك عن الدنيا » وإمًا أن تخحطئك فتعيش ما شاء الله لك 
أن سيك ولقد وب رو عفد ا الولو کے ا القاس 
فهل أغجو من عقدة الحبل الثانية الى أقذفها آنا فى سؤالى المصيري . 

السَؤال الأخيرهئ الشوط الأخير يُشبه السّير على حاقة جرف 
هارء إنه اضطراب وجداني فظيع » » قلق لا مُتناه ء أرجل مهترّة » وفؤاد 
هلع » وعيو فَزِعة » وبدنُ مرتجف ء > تكادٌ نمة هواء واحدة ة تلقي بيك 
إلى الوادي حيث الغياب السّحيق . وفي لحظات انتظار الإجابة عن 
هذا المسّؤال تتأرجح كورقة يابسة في عاصفة » وعلى الجواب أن 
يُنهي قلقك الأ بدي . إمَا أن يغرز رجليك في تلك الحافة ويُثبّتهما 
فتقطع الوادي بهدوء حتّى تصل إلى الغاية » وإما أن يُطوّح بك مثل 
صخرة تد حرجت من أعلى الجبل » وظلت تهوي إلى قاع لا قرار له 

أي شيء يُمكن أنْ يوقف سيل الحزن هذا غير الذكريات الجميلة! 
اياف يسول ال ر إلى اسن ورال إلى الان ضير أن ر 
بذاكرتك إلى البدايات ؛ البدايات آلحالمة » اليدايات التى كنت تريد أنْ 
تفتحّ فيها ذراعَيك للعالم اک ر و ا کو 
فاطمة أعود معك إلى البدايات » حينما كان القلب مزروعًا بالياسمين . 

كنت أبحث عنك »لم أكنْ أعرف أن التي أبحث عنها هي أنت › 
لكتنى كنت أبحث عن القيمة التى يُظهرها العقل . وعن الجمال الذي 
نُظهره الرّوح » وقد كاتا فيك يا فاطمة »ليس مهما أن تكون الطريق 
طويلة » ولا أن تكون مليئة با حفر ؛ لمهم أ نصل . وها-.نحن يا فاطمة 


351 


مشينا الطريق ذاتها معّاء وحينَ صرّنا في المفتّرق » كنت أاف أنْ 
ا ا ا e‏ 
عنك :ا دري إن كنت معطت في ولك آم لا اوح لزج مك 
اليوم في الحالين أن تُسامحيني . ولقد صار بإمكانك أن تمضى الطريق 
إلى نهايته ء أمّا أنا فعلي أنْ أنتظر عشرين عامًا أخرى لكي أواصل 
الطريق » ولا أدري إِنْ كنت سأصل إليك أم أتني سأفقدك! إن خوفي 
من الفقد لا يُعادله إل حوفي من أن يضيع كل ما فعلئّه هباء!! 

في عله الا تعد ان لترلتها اد كر انام كات ت تعمل فى 
الحقول » وأيّام ت تتعب في الخحصاد › وأيام تستيقظ في ا 
في فرن الطابون لكي تخبز لبيت أهلها > تتنهد ثم تقو تقول 0 
ذلك خمسون عامًا كأنها أمس . كل شيء سينتهي يا بُّني . وکل 
صعب سيهون ء وإ شاء الله يكون الفرج قريبًا» . أبتسم ‏ أجدٌ في 
كلامها ما بُشجعنى لأ سأل فاطمة السؤال الذي يعذّبنى ء السّؤال الذي 
ف ف راسي ی ر منا ل هلان 
كل اتا جيل غ انز وا و و هنا و داك انها 
القرصة ول بالإجابة مهما كانت . وتبعات الهروب من 
المواجهة أصعب من تبعات المواجهة ذاتها مهما كانت مصرية 

نظرت في عينيها عميقا » مواجهة العيتّين تعب في البداية 
ولكتها تريح في التهاية » وهذا ما أرذته » أردت أن أرتاح كانت عيناها 
تعرفان ما سأقول » لكتهما تخشيان ملي البّوح » وبوح الأنثى أشدٌ 
صما وأشد وطنًا وأبلغ من أي بوح . ناديتها كما لو كنت أنادي على 
بعيد قريب : «يا فاطمة» . فأجابت عيناها : «لبّيك» . فهتفت : «يا 
فاطمة . إِنّه مؤيّدٌ يا فاطمة » وإنّها عشرون عامًا » وقد أقضيها كاملة دون 


352 


هفو ...» كانت عيناها قد بدأتا تغرورقان بالدّمع » سالت دمعتان » 
شهقت . مسحتهما بظاهر يدها التبويّة » وأشاحت بطرفها . . . قلت : 
«انظري في عيتي أنا أيضًا أبكي . . . لا خميار لنا إلا أن ينظر أحدنا في 
عيتي الآخر ء آنا أيضا أفيض بالوجع ملك يا فاطمة »لكتني أريد أن 
أسالك سؤالي القاتل الذي ظل يرّقنى منذ ذلك اليوم . . . إنَها عشرون 
عامًا يا فاطمة › وأنت ما زلت صبيّة » أنت فى أواسط العشرينيّات › 
ولديك . . .» . علا صرثُها بالبكاء قال وكلماتها تبكي معها | 0 
تكمل لا تقل شيمًا أرجوك . . ؛ . شددت بأصابعي على عيني 

لأوقف نزيف الدمع عدي أكدن اقا . دعيني أسأل السّؤال 
وأرتاح .لن ألومك على جوابك مهما كان › فقط قوليه بكل صراحة 
وبكل موضوعيّة . . . العواطف مهمّة صحيح . » ولكن ى ا 
والذي في القلب صعب أنْ ينفصم صحيح . . . ولكنّها حيائك . . . لن 
أكون سببًا فى القضاء عليها وضياعها . . .6 . علا صوتها بالبكاء أكثر › 
وضعت يدها على فمى › وصرخت : «ألم أقلْ لك أ تسكت . 2« 
أجيبها وأنا أرتجف من هرّة الدّمع : «ديئنا يضع الخيارٌ لك . . . فكري 
جِيّدًا يا فاطمة »أي امرأة يُمكن أن تحتمل غياي زوجها عشرين عامًا ء 
إنه موت لا غياب » أي امرأة تبقى على ذمّة رجل غير موجود » معنى 
أن أقضي خلف الضبان عشرين عام أن لست هنا ليحت تن 
جانبك . ووجودي كغيابي ٠‏ كموتي » كفقداني , كأن موتا من نوع 
خاص غيّبني . فلماذا ترهنين حياتك وسعادتك ومتقبلك في انتظار 
لا يودي إلى نتيجة.. . وها نا يا فاطمة » أهبك الخيار» لك أن 
تختاري ما تشائين » إذا أردت أن أخلى سيلك - وإنْ كان حر 
الستكاكين في عنقي أهون على منه - فعلت » وإنْ أردت الاخرى فأنت 


ا 


353 


تملكين إرادتك » وسأدرّب نفسي على الرّضا بأي شيء تقرريته) 
شهقت شهقة عالية > قامت من المكان » مسحت دموعها » حاولت أن 
تبدو متماسكة لكدّنا كنا معا غارقين في نوبة بكاء جارحة » هتفت 
وهي تتنشق » وتتقطع كلماتها بتَشقها : #أرية أن أقول لك كلمة 
واحدة : «اسكت» . فألتها : «هل ستنتظريننى حتى أعود ولو بعد 
عشرين عاما؟» . أجابت بحنو إلهي «سوف أنتظرك لو بقيت مثة سنة,ٍ 

في الجن . وسأرععى أولادي وأولادك » وسيكبرون على حب > والدهم 5 
اغا أن يقتفوا أثرك . ويسيروا على هَدّيك . فلا تهتم ب 
أنت في محنة . وإذا لم أقف آنا معك فيها فمن يفعل . لقد تكلمت 

مع أهلي وأهلك في هذا الموضوع واتفقنا على ذلك . لن أتخلى عنك 
أبدا . أولادّك لهم الله ثم أنا »لن يموتوا من الجوع » سأعمل من أجلهم › 
وسأكون لهم آبا وأماء إن فقدوك في الجن » فلن يفقدوا روحك التي 
تُظلْنا » والله لا ينسى أحدًا . ما يهمنا أن تبقى أنت بخيرء أن تظل 
رافع الرأس رلك انس لدي ان E RE‏ 
لم أقل كلمة . لم أقٌّ على الوقوف » تهاويت على أقرب كرسي » دفنت 
رأسي فى صدري ورحت أبكي 

في اللّيل » من ذلك اليوم » كانت فاطمة قد تحولت إلى أيقونة 
عشق » إلى نهر حب يروي القلب في كل حين . كانت كلماتها قد 
تشكلت على هيئة ملائكة صغار تحلق في فضاء زنؤاتتئ الصيّق 
فتحوله إلى أفق فسيح . عرفت أن بطولتي إلى جانب بطولتها هباء 
أيقنت آتها كانت أكثر وفاء متي . لقد فكرت با بعد الموت حين نفذت 
عمليّتي » وفكرت هي بي وبأبنائي حين اتخذت قرارها الصّعب . إن 
قلب الأنعئ العاشقة كفيل بان يُصلح ما انكرء ويبنى ما آتهدم : 


354 


ويُحيل الأرض الخراب إلى جنان وارفة . لقد عرفت اليوم قيمة وجودها 
إلى جانبي » أتخيّل لو آتها احتارت أن تمضي في سبيلها بعيدا عنّي 
وهذا من حقها ماذا كان يُمكن أن يحدث لي؟ ماذا كان يُمكن أن 
يحل بي؟ أدركت يومّها أتني بحاجة إليها أكثر من أي يوم مضى › 
وأنها أسندت روحي التق كادت تنهار > وجعلدّني أقفْ على رجلي 
وأجتاز غابة الشوك » وأبدأ من جديد . 

تذكرت قصة (أمينة مينة قطب) مع (كمال الستانيري) » > كنت قد 
قرأت ديوانها فيه (رسائل إلى شهيد) : شاعرة مصريّةٌ رقيقة ؛ صنعت 
من الحرف حزنا يُدمي العيون » ومن الكلمة ألما يشق القلوب ٠‏ خطبها 
ا ا EEE‏ 
لرجلٍ احتارله عن قناعة. ورضى “وخر لخد اوها اا مك 
بضع سنوات قبل أنْ يسجنه الستّادات مُجدَدًا » وخيّرها مرّةٌ أخرى وهو 
ينظر في عيتيها من خلف قُضبان الرّنازين » في أن يتركها لتختار غيره › 
ع ا و وم ا ا 
«بدأنا الطريق مُعاء وسئنهيها معًا على ما يحب الله» . لكن الفاجعة 
أتهمالم يُنهيا الطريق معًا » فقد أعدمه (السّادات) نی دة شو انت 
من سجنه » وظلت وفيّة لم تتزوّج من بعده حتّى وافاها الأجل! 


355 


(٤۲( 
الشيء الوحيد الجيد هنا‎ 


ثقلت إلى سجن سواقة فيي ١۱۹۹۷-۸-۲م‏ ء قال لي الرّجل 
الطيّب العقيد (مدّ الله) وعيناه ينفر منهما الدّمع «إنَها الأوامرء لقد 
صدرت أوامر بترحيلك إلى سجن سواقة من القيادة العامّة» كان 
حزيئًا بالفعل » ويشعر بأته يفقد صديقا . لقد كان بالفعل صديقا 
الأصدقاء الحقيقيّون يُعرّفون برفرفة القلب حينَ تودّعهم أعانقه . ألملم 
أغراضي . يأتيني بحقيبة من حقائب الجيش . أضع فيها كل ما هو لي 
هنا » أحرص على أن آخذ الكتب معي » أسأله «هل سيسمحون 
بإدخالها معي؟» . وأشير إلى رزمة من الكتب تزيد عن عشرين كتابًا 
يقول : «سأهاتف مدير الجن هناك › وأطلب منه أن يد خلوها › وأن 
يكون متعاونا» . أعانقه من جديد » وأعتف : «لقد كانت أيَامًا جميلة 
صرهات .باق ]ا على هذاه اع راديو اراد وره يقرلل 
بأسى : «لماذا لا تريد أن تأخذه معك؟» . أجيبّه «سيأخذونه و 
أنت تعرف ذلك » لا أريد لأحد أن يأخذ منتى هديّتك الجميلة إذا 
خرجت من الجن يومًا تاشاعة لى وهل سد بان تُحافظ عليه 
حتّى نلتقي خارج هذه القضبان؟!» . يرد وهو يشرد ببصره بعيدًا 
«سأحاول ؛ قد يكون ذلك مكنا إذا حرجت قبل أن تقضى مدّتك 
كاملة . أمّا إذا قضيتّها كلها لا سمح الله اتی بكرن قد 


356 


أصبح تراثا » وسأكون أنا قد تقاعدت من الجيش من سنواتٍ طويلة » 
وسأحتفظ به كعنوان للصّداقة الاستثنائيّة الح جمعتنا» . أشد على 
يديه بحرارة » أشعر بحاجة كبيرة ة للبكاء » آخذ نفسًا عميقًا كي أمنع 
دموعي من الانهمال ات لآحذ ا > أحملها فوق كتفي › 
وأغادر باتجاه زنزانة الترحيلات » شيء ما في قلبي قد انكسر بسبب 
فراق هذا الرّجل الطْيّب . لم يأت کاو إلى 8 الزنزانة المتتحرّكة 
ليودعني » كان يخشى من أن تلتقى عيوننا » العيون تذبح المحبّين . 
غادرت دون نظرة وداع واحدة! 

كانت الحراسة التي تُرافقني لا يُمكن أنْ ترافق إلا زعيمًا . لم 
يكن في اروت الک ندران ولك الدين رافقو فى یی مين 
العساكر يزيدون عن عشرين عنصرًا كلهم مُسلْحون . من خلال الطاقة 
العلويّة في زنزانة الترحيلات كنت أتابع صور الحياة » كانت اون 
تضج بها . هذا العالم امجنون لا يتوقف عن التدقق كالتهرء إنه يحب 
لحياة بشكل هستيري » يمشي في الطرقات » يصعد الدرجات » يستقبل 
الأصدقاء » ويودعهم » يحب » يكره » ينام » يصحو › يسير على القوارع 
أو فوق المجسورء أو تحت الأشجار »يعبر الإشارات أو الا نهار أو 
السّاحات » ويفعل كل ما يدل على الوجود المتنامى . فى اللحظة التى 
كان يقلي فيها بائع فلافل عددا من الأقراص في مطعم ينتتصف 
سلسلة من المحلآت الشّعبيّة » كان هناك معلّم يشرح درس التحو 
ا نا ترضع وليدها الذي ولد منذ ساعات › 

ب ينتظر حافلة ثقلّه إلى مكان عمله في محطة ماء وجرَار يسمي 
عي عي بن سيوج وساي E‏ 
حائط أجرد يمتلئ بورد الجوري من الدّاخل » وقطة تعدو بسرعةٍ تعسلق 


357 


الباب لتُّفلت من حجر الصّبىّ الذي يُطاردها » ونحلة تطوف بزهور 
الجبل البريّة لتجمع الرّحيق للآكلين . وأنا . أنظر من هذه التّافذة 
لعل عَذوى الأمل تُصيبني ؛ كل ذلك حدث في اللحظة نفسهاء في 
الثانية إيّاها » إته عالم مُفعَمٌ بالحياة » مهووس بها » ولا يعترف بسواها 
وحده الوت ينتظر ‏ ؛ يقبع » يراقب » يلبد مثل أسد جائع » ويتحوّك إلى 
هذا المحيط المليء بعنفوان الحياة لينهش روحًا هنا أو هناك › ثم يعود 
إلى مكانه » يراقب من جديد وينتظر بلا ملل هذا الطوفان الذي لا 
يتوقف! 1 

استقبلني في سجن سواقة رئيس فرع الأمن الوقائي . أخحذ 
المعلومات الشخصيّة الخاصة بي AF‏ وس بام 
فعلا غريباء إتها خطوتي الأولى إلى عالمي الجديد . ولت إلى 
غرفة المراقبة » ومن هناك وَرّعت إلى ما يُمّى غرفة ee‏ 
الغرفة التي يتمّ فيها استقبال التزلاء الخد ١ ٠‏ 

تعرفت في اليوم الأول على مهندس معماري . > كبير في السّن › 
خبير في الحياة » محكوم سنة بسيب شيك »عرف بقصّتي من 
الأخبار » قذم لي قائمة من التّصائح الّتي يقوم عليها مجتمع الجن . 
فكرت أن أعرضها على فيلسوف عندما أخرج ليؤلّف فيها كتابًا ءلم 
أعدٌ أذكر الكثير » لكن القليل منها كان كافيًا لأخبركم به » قال لي 

- لا د تثق بأحد هنا حتى ولو كان أباك . 

- الجناء اون ي ألا حتيال يُشكلون ئلائة ئة أرباع نزلاء هذا 
الجن ٠‏ > فاعرف لتلزم . 

- مَّن بدا لك بجلد ليّن فاقطع رأة ؛ إنه أفعى 

- إذا سلّم عليك أحدهم فتفقَد أصابعك . 


358 


- الحياة هنا أصدق من الخارج وأوضح ء وهي تُظهر ما خفي من 
نذالة البشر وخسّتهم هناك . وأشار إلى نافذة السّجن التي تُطل على 
العالم الخارجي 

- لا تخجل من أحد ولا تداري أحذاء إذا بدا لديك ميل إلى 
ر أو اجتراء ای نزول ف کرو ت فى لشرد وا ا 
دفعتين على الا كثر 

ا ء الوحيد الجيّد هنا هو أنه لا قيمة للألقاب » تنتفي 
وتوضع تحت الحذاء » ليس هنا مهندس › ولا دكتور . ولا طبيب › ولا 
محام . أنت هنا رقم » وعليك أنْ تُحافظ على هذا الرقم بكرامة حتّى لا 
يداس أو يُمحى . 

- كنْ طيبًا مع الكلب ولا تكن طيّبًا مع أحد . 

- لا تحاول أن تكون مُصلحًا اجتماعيا » فهذا الجتمع الذي صرت 
جزء! منه لو جاءه كونفوشيوس أو بوذا أو زرادشت أو المسيح أو كريشنا 
أو ماني فإنّه سيكفر بهم جميعًا » وسيعلق لهم - إن استطاع - مشانق 
فوق أبواب المهاجع واحدا تلو الآخر!! 

- كل مَنْ في هذا امجتمع يتبع إنجيله أو قرآنه الخاص فلا ثحاول 
ان كوت نا 

- اركل برجلك كل قيمة من الأخلاق مثل التامح والعطاء 
والرهتن وال ققة + وافركها عخلف اعنوار هذا الجن هنا نت تفي 
في مجتمع الغابة بصورته الأعمق ؛ البقاء للأقوى وليس للأصلح 

- سيبكي أمامك كثيرون . ويحزن آخرون » ويروي لك غيرهم 
مدت ب ا فعملة التّعاطف مُهلكة إنْها 
ف الجيب والقلب . 


359 


- هؤلاء الذين يبدون لك مجرمين ليسوا في واقع الأمر إلا ممثلِين 
محترفين » ولو زار مخحرج قديرٌ مهجم التصب والاحتيال فقط فإنه 
سيختار نصف يات ليؤدوا أدوارهم في فلم الموسم! 

- القلوب للفتّعفاء › والعقول للفلاسفة › والأيدي للرّجال ء لا 
بقاء عندنا هنا إلا للوّجال . 

- لا تحاول أن تفصل بين مُتنازعين » ولا تتدخل بين مُتشاجرين › 
ستكون محفظتك هي الخاسر الوحيدء ألم أقلْ لك إنّهم عثلون 
بارعون!! 
- ب العف كدب »+ اوو دة الس داق ع افش الارن 
مذاجة » والصدّق أسطورة › الإنسانيّة بلاهة ؛ ك واقعيا لتعيش 

- التظاهر بالصّمم أفضل وسيلة لنجاة الفريسة » العَدُو يشير شهيّة 
لتو ظ 

- امجمتمع هنا يقتات على الكذب »لن تكون حياته مُمكنة بدون 
كذي ١‏ لقد اعتاد على ذلك وانتهى الأمر »في حالتك لا تكنْ صادقا 
ولا تكن كاذبًا » يُمكنك أن تكون أخرس 

- لا تحزن ولا تفرح . ولا تقس ولا ترحم » ولا تجالس ولا تجف › 
ولا تاع ولا تشرلكٌ »ولا تقدمْ ولا تتراجع ؛ فقط عش في قوقعة 
الحذر » وامنع أي أحد من الاقتراب 

- إذا نسيت نصف الحكم التي قلنّها لك والّتي س جلها خلال 
سَة أشهر من المراقبة والمتابعة الدّقيقة والحذر الشديد . فلا تنس شيئًا 
واحدا : لا تُصدّق أحداء بمن فيهم أنا الذي قلت لك كل ذلك!! 


کان ناصحًا أمينًا » ولكتني قرأت كثيرًا من هذه التصائح في كتب 


360 


الممعشائمين » فلم يُعجبّني ذلك ء أنا أعرف أن جزاء الإحسان هو 
الإحسان . وأنّ بذرة الخير مدفونة فى قلب الإنسان » فقط ساعده على 
أل يبحت عنها ء واسمح لها بأل ترى التّورء واسقها بالكلمة الطَيّبة 

جاءني ذ فى الام الأولى لوفودي إلى هنا أحد التزلاء » سلم علي 
بحرارة » عرف بأنّه صديق قد لاحد أقاربي (ابن ¿ حالي) » وأن العملية 
التي نَذئُها ترفع الرأس . وأنه يتمتى لو أننى ي أنقّل إلى مهجعهم » 
وقرفتى عفن ها في هذا الجن من عالم؛ المطبخ +والشيبادة: 
والمهاجع » وكلّ مهجع ماذا يحتوي ء والذكان » وقال إتني أتشرّف بأنْ 
أتيك ما تريده من أغراض فى آي لحظة . واعتبرنى خحادمك الأمين 
وشکرته بدوري اوه إن كان عة سيان فاا أحتاج أن أدخن 
واحدة › فاعتذر أنه لا يُدخَن » لكته مُستعدٌ أن يشتري لی كرورًا على 
حسابه من الذكان . بالطّع تعقَفت . فلقد خُلقت أنقًا » فلم أرض 
ذلك » وأخرجت من جيبي عشرين دينارًا » وهي تُساوي قيمة كبيرة 
أنذاك ء وطلبت منه أن يشتري له باكينًا . وبالفعل » أخذ العشرين 
دينارًا » وغاب كأته ذهب إلى البرازيل أو الأرجنتين أيَام ما كان أجدادنا 
يذههبون ولا يعودون . وإِنْ عادوا فإلى القبر › وطال به العهد أيّامًا ولم 
أسمع له حسا ولا عنه خبرًا » فرعت إلى المهندس الحكيم » أبتسم 
ايتسامة عريضة » وقدّم لي سيجارة » وقال لي «في المرة القادمة كن 
حدم حتّى مني وأنا أعطيك هذه التيجارة » ريّما تكون ستارة صيدٍ 
عة بعد شهر من ذلك اليوم ‏ رأيت الذي احتفى بي حتّى نساني 
نفسي مُصادفة في إحدى الممرّات » كان يُدخَن ويتحادث مع نزيل, 
آخر » هجمت عليه » سألته 3 ين العشرون دينارًا التي أعطيتّها لك؟» 


361 


نظرٌ إليّ نظرة استغراب شديد ء ثم تحولت نظرة الاستغراب إلى نظرة 
اشمشزاز » قال لى بطريقة يعجز عن إتقانها أمهر الممثّلين : «هل 
أعرفك؟» أجبمّه بلهفة : «أنت صديق ابن خالي ء وأنا أعطيئّك 
عشرين دينارًا لتشتري لي علبة سجائر من الدُكان قبل شهر» . أدار 
رأسه إلى المجهة الأخحرى كأنه يُديرها عن كلب » وقال للذي يحادئه 

«يبدو أن السّجن يُفقد بعض التاس عقولهم . اللهم عافنا» . وتابعا 
طريقهما!! 


yap fe | مرجي‎ 


362 


(fT) 
أنا الغريق فما خوفي من البلل؟!‎ 


أنا مع القتلة . فهل زاد القتلة واحدًا!! كانت الغرفة التي صُنَفت” 
فيها تضم خمسة عشر سجينا وكنت السنّادس عشرء وكانوا من 
ا محكومين بقضايا قتل كانت الغرفة أشبه بمكتب مُخابرات » كل 
الذين يُشاركونني هنا مُخبرين بطريقة أو أخرى . يراقبون تحرّكاتي » 
يحصون علي خطوا تي » ويعدّون أنفاسي » ويسجلون مواعيد نومي 
وصحوي » ويسألون عمّن يزورني أو يسأل عتي . . . لقد تحولت إلى 
بقعة الضوء عندهم من جديد . 

وفى مكتب الأمن الوقائی بدوت مكشوفا تمامًا » يسألتى الضصابط : 
«لاذا ت من المهجع في السّاعة گا عن هو هذا الستجين 
الذي استقيلتّه وكان يلب خاعًا فى خنصر يده الُرى . . .؟ لماذا 
تكثر القراءة في كتاب جاهليّة القرن العشرين .؟ كنت أتفاجاً مع 
كل سؤال » كيف تصل إليه كل هذه المعلومات بهذه الدّقة ء أيّة 
عصفورة تلك التي تنقل أخباري إليهم بالتتفصيل؟! 

(أبو خلف) هو الاسم الحركي لهذا السّجين ‏ ليس اسمه 
الحقيقي » يجلس في الزاوية » اتخذها نقطة مراقية . واتّخذ من عيتيه 
عدسة تُخرّن الصّورء حتّى إذا هبط الليلُ وأوى المهجع إلى التوم » استل 
قلمه وقرطاسه وكتب كل شيء فعلتّه في ذلك اليوم . لم أكنْ أصدق 
أن مثل هذا يحدث ء ولم أكن أدرك أن لدى الستجناء كل هذا الوقت 


363 


الفائض حتّى يصرفه أحدهم كله في مراقبتي ومتابعة تحرّكاتي 
ا اي الج ا 
والطبقة عار ES‏ سات 
إلى صعود ء وقد لا يناسب ذلك كبار السن » في البرش الذي كان ينام 
فيه أبو خلف » كان هناك سجين آخر قليل النوم » كشير القلق يحتل 
المجزء العلوي » قال لي مرة : «أتعرف أبا خلف؟» . أجبته مستغربًا 
سؤاله «أعرفه » لماذا تسأل؟» «إنه هو الذي يكتب عنك التقارير » إن 
مكتب الأمن الوقائي كلفه بكتابة تقرير أمبوعي عنك . وهو يفعل 
ذلك ليلة كل أحد» بعد أن ينام المهجع بأكمله», . أجبتّه بحذر : «هل 
أنت متأكدٌ من ذلك كو قدت ٠‏ أشغل اة من قواعد المهندس 
الحكيم وله عق بأحد» . فيُجيبني : «لقد قلت لك وأنت حر 00 
حتى يوم السّبت › » أظل على شوق وفضول لأعرف . في الليل ء يأ 
ا O ORE AT‏ 
جديدًا ء وحياة جديدة » كل يوم ير يقرّبهم من لحظة الإفراج » إتهم 
يستعجلون الليالي أن تمر ليعدوًا أيَامهم » فتقل مدّة محكوميّتهم » 
ا يغتبطون بالتوم لأنّ يومًا قد نقص من هذه الأيّام التي 
يعدونها وهي ٤‏ قشي بيطء ثقيل نحو بوابة الفرج Sa‏ بعلمود أن 
أعمارهم هي التي تنقص > حتّى إذا قُتَحَ لهم الباب ودعوا إلى الخروج › 
رأوا أن ما قضوه قرّبهم من الموت لا من الحياة » وأنّ الذي كانوا يحلمون 
به كان سرابًا » يخرجون فلا يجدون إلا الصّحراء » أتكرهم الجميع » 
وتجاوزهم الزمن » وكبر أبناء جيلهم حتى صاروا شيبًا » ولم يعد أحد 
لديه الرّغبة في أن يراهم » يتمتون أن يعودوا إلى الجن فيقتلوا الأمل 


364 


الكاذب » ويخنقوا أعمارهم ير الأيام » لكن بوّابة الجن تُغلق خلفهم 
فلا عودة . حتّى السّجِن الذي كانت جدرانه الأربعة تضغط على 
صدورهم لم يعذ يتقبّلهم » رضوا به على عذاباته ولم يرض بهم › 
فينهبون ما تبقى لهم من الخطا في الحياة » يتمئون لو نهم يغيبون عن 
أنفسهم ء أو يُغيّبهم الواقع فلا يعودون يعرفون من هم ء أو ينامون فلا 
يستيقظون إلا في الآخخرة . . . هكذا كانت تبدو وجوههم السّاكنة ‏ 
المستسلمة لسلطان الوم » الآملة في غد يكون خيرًا من أمس . 
حين أووا إلى التوم » تظاهرت مثلهم بالنوم » وظللت أراقبُ برش 

(أبو حلف) دون آن يشعرء > وبالفعل > بعد مرور نصف ساعةٍ كانت 
أنفاس التجناء قد انتظمت اكد من انهه خرقواهن نو عمين» 
أخرج من أغراضه ورقة . وبدأ يكتب » تركتّه يفعل ذلك براحته » كان 
قلبى يخفق » أمعقول أنّ ما يكتبه فى الورقة هو تقريرٌ عنى؟ ماذا لو كان 
يكتب رسالة لزوجته ء أو أبنائه؟ ماذا لو كان يكتب مذكراته كما أفعل 
أنا كثيرًا؟ لماذا على أن أعتقد أتني محور الكون » وأنّ كل مَنْ يكتب 
فإتما يكتب عي » أو يتكلم فإتما يتكلم علي » أو يُشير فإنّما يُشيرٌ 
إلى؟ لماذا هذه العقدة من الأنا تحتلنى؟ أفكارٌ كثيرة طرقت ذهنى آنئذ › 
وادا كن ععيت OTE TE‏ السك E‏ 
مضروفه اليومي أو حواطره؟ كيف سيكون وجهي أمامه؟ وكيف سأبرر 
له موقفي الشائن؟ لا . لن أقدم على حُطوة ة حمقاء مثل هذه! ولكن 
ماذا لو كان بالفعل يكتب 3 تقريرًا مليئًا بالافتراءات عنّي ويُقدّمه إلى 
مكتب الأمن الوقائي ؛ ألا يُلحق ذلك بي الضررء ويجعلهم يُعاملونني 
معاملة سيّئة؟ وإذّا فمن يستطيعٌ إيقاف ذلك سواي؟ لا أحد . وبين أن 
أهجم عليه وأستل منه الورقة وبين أن أتركه وشأنه تأرجحت كشيرًا 


365 


حنّى كدت أسقط في اللاقرار لکن صوت المهندس الحكيم ساعدني 
لحظتهاء غزا أذتي قوله «القلوب للضعفاء . والعقول للفلاسفة . 
والايدي للرّجال ء لا بقاء عندنا هنا إلا للرّجال» IE,‏ اكه 
عقلي وقلبي » وأستخدم يدي » قمت من برشي › وهجمت عليه › 
خطفت الورقة منه › وبدأت أقرؤها > فإذا هي بالفعل تقر ير مُفصّل عن 
تحركاتي خلال الأسبوع الفائت »ء وإذا فيها 0 0 المعلومات لو أردت 
أن که كا ابتعطيت أن اة بهت دة ووت فا أن انق 
أنيابي في رقبته ء إتها رغبة مُوْجّلة في العَضّ منذ زمن بععيد . 
استعضت عنها بضربه في بطته > فصرخ » بدا القتَلّة الآخرون د تململون 
فى أبراشهم » أفسدت ؛ الصّرخحة عليهم هدأتهم . ؛إنهم يريدون لليلة أن 
تمر سريمًا ليربحوا يومًا فائًا! سألمّه : اذا تكتب هذا التقرير عني وماذا 
E E LS‏ . فأجابني وهو خائف : «إن ضباط الأمن الوقاثي هم الذين 
أجيروني على ذلك . من أجل بعض الامتيازات » مثل السّماح لي 
بالاتصال هاتفيا مع أسرتي » أو إدخال بعض الأشياء من الخارح 
كالثياب» . فأمسكنّه من عنقه . وراودتني الرّغبة في عَضّه مرّة ثانية › 
لكنني كتمّتها » وصرحت في وجهه : «أتقبل على نفسك يا حسيس 
أن تكون جاسوسًا على زميلك الذي يُشاركك الطعام والشراب مقابل 
هذه الأشياء التافهة » أين مروءتك يا رجل؟» كان صوتي يخفت في 
العبارة الأخيرة » نطقتها كأتني أتراجع عنها , لقد علا لحظتّها صوت 
المهندس الحكيم : «الشرف كذبة ء المروءة خدعة » الصّداقة خخرافة » 
الكعَاون سداحةء والسنتق اسطورة ‏ الان اة تلاعة ؛ كن واقسنا 
لععيش» . تبّا لك أيّها المهندس » هل عليك أنْ تكون صادقًا فى كر" 
عبارة؟ ما هذا الجتمع الذي نتقاسم معه العيش هنا؟!!1 ٠‏ 


366 


كان وجه (أبو خلف) قد تحوّل إلى ليمونة كان الخوف يملأ 
عيتّيه . أعدت له الورقة » قلت له : «أكملّ ما كنت تريد كتابته » 
وقدّمُها إلى مكتب الأمن الوقائي» . ظن أنني أسخر منه » أكدت له 
قولي . وأردفت : #ولكن قبل أن تُقدّمها لهم أطَلِعْني عليها > حتى 
أعرف ب بم أرد عليهم إذا حققوا معي أو سألوني» . لم يستوعب المشهد › 
هذا المشهد لا يحدث في مجتمع الغابة » مجتمع الغابة يأكل كل فرد 
في هالآخر . بالنسبة لي سأعيش ولو بوجداني حارج هذا المجتمعء 
اعذرني أيّها المهندس الحكيم ؛ قد تكون صادقًا في زسم المشهد عن 
الآحرين »لكن ماذا عتي؟ ماذا عن مشاعري؟ ماذا عن قيّمي التي 
تعطي لوجودي معنّى » اعذرني أيّها المهندس الحكيم » سأسمح لهم أن 
يعيشوا بقوانينهم وسأعيش” أنا بقوانيني » ليس لدي الوقت » ولا العمر 
ينسع لكي أظل على حذر من كل أحدٍ » أو أن أتوجّس خيفة من كل 
مخلوق » أو أن أتوقّع الشّرّ في كل عمل يقومون به » قد يكون ذلك 
الأمر يحمي صنمًا من النّاس » لكنّه ليس أنا »آنا يحميني أن 
أتغاضى ٠‏ أن أدَعَها مر أن أسامح أنْ أطنّش »أن أعيش بلا أي 
رقابة « وان أقول ما قال الشافعي : 

دع المقادير تجري في أعنتها 
ولا تتبيتن إلا خحالي البال 

أعطيمّه التقرير » وعدلت له بعض المعلومات » واتفقت معه كما 
قلت على أن يُطلعني على تقريره الأسبوعي لكي أعرف ما أرد به إذا 
واجهوني ببعض المعلومات كان بالفعل يُقدَم لي تقريره مساء كل 
بعت + ذلك التشرين الذي سيقذدمه هو بدوره صباح الأحد لمكتب 
الأمن الوقائي . ومرّت الأيّام » واكتشفت أنه كان يخدعني حتّى بهذه . 


367 


أخمدت صوت المهندس الحكيم حتّى لا أسمعه . نعم » كان يعدم لي 

تقريرًا لا يتضمّن كل ما يكتبه › كان د تقريرا ناقصًا > هو تمضية للحال 
لكى يظل يكتب تقاريره بأمان ‏ ثح بعد شهر أو أكثر »قلت له اكتب ما 
تشاء ولا تعرض على شيمًا › > فماذا ستفعل تقاريرك لي ٠‏ بم ستضرني؟ 
أنا المقضي علي بالستجن الْمؤيّد ماذا ستَزِيدٌ على الُؤبّد من زمن » هل 
بعد الأ بد شيء؟ وأسعفني قول المتنبي : 

والٌجر أقتلُ لي ممَاأراقبة 
أنا العَريقٌ فما خوفي من البلّل؟! 

تعرقت على أمين مكتبة الجن (ربيحى) + كان من مادبا ٤‏ ودود 
شوش » كان يُقيم كل وقته في ال مكتبة يقرأء وقد رحّب بي » ودعاني 
إلى الكنوز المدفونة في رفوف هذه المكتبة » وكان يدرس كذلك في 
E‏ الخ ل فيها كاعر ا 1 آراد 
منهم أن بتكمل تعليمه حكَى الغانويّة العامة كان ذلك أوّل عهدي 
بمكتية ببواقة» كانت تقع فى الطابق الثاني من الجن › » في منتصف 
الفاح وبالتاح كانت تابد ا تراراىع أنهنا إلعن من كدير من 
المكتبات التي ت تتمتع بالحريّة خارج الجن › أنا عرف ما أقول بدا أن 
لکتاب هو اتيف لجن GATE RS‏ 
ويحبس » كان الكتاب يفتح ويُوسع » ويُفرج . . . بدأت علاقتي تتو 
ج ربجي 1 

تفتح المكتبة أبوابها من التاسعة صباحًا حتى الثانية ظهرًا » وغالبًا 
ما يكون لكل مهجع وقت مُحدّد » يأتي بعض أفراده » يستعير كتابًا 
واحدا في الأسبوع ؛ ويعود إلى مهجعه او اسمه في 
دفتر الاستعارة . بعض الذين أدمنوا حُبّ الكتاب كان السّجّانون 


368 


يسمحون لهم بالإقامة ساعات في المكتبة للقراءة » المهندس الحكيم 
كان واحذا من هؤلاء .لم يكن الحرس يعترضون على إقامته شبه 
الدّائمة في المكتية » وكنت أرى برفقته سجيئًا آخر تعرّفت عليه 
لاحقا 
انعا اشن لاخر هو( هه ا كيو من کد 

جامعات الهند » محكوم بسبب قتله لأحد الجواسيس من أبناء قريته 
في طولكرم » وكان هذا المجاسوس يعمل لصالح (الشين بيت) »وقد 
ھول بالإعدام » ولأن أهل الجاسوس أسقطوا حقهم الشخصي › 
فقد فضت العقوبة من إعدام إلى المؤْبّد . كنا متشابهين في أشياء 
کت ٠‏ قتلت أنا صهاينة » وقتل هو مُتصهينين » حُكمنا معا بالود . 
وجمعنا حب القراءة والثقافة ء والرّكون إلى الكتاب . نتصحنى هو 
وزیی أذ أكمَل دراشتى بعد الف الثانت الإعدادي وان ت 
أمامي وعلي أن أستشمرها . فوعدتهما بذلك » وسيكون لهما أثرٌ كبيرٌ 
على طوال سنوات منقاي هنا 

ساعدني المهندس الحكيم في القراءة المنهجيّة » ولبّى ربحي لي 
كل ما أريد » فكان يُعطيني ما أشاء من الكتب في أي وقت . وكانت 
السّنوات الثلاث الأولى لي في سجن سواقة من سنوات الخصب 
القرائي . إذ إنني قرأت ما يزيد عن مئتي كتاب » بعضها من الأمّهات . 
غير الكتب التي كانت تأتيني مع فاطمة أو أمّى في الرّيارات » وهريت 
مني ومن الغابة ووحوشها إلى القراءة » وساعدني ذلك على أنْ أرى 
بعيونٍ كثيرة » كنت أحتاجها في الليالي المدلحات . 

اتجهت في قراءاتي الأولى إلى الكتب الفقهيّة . كنت أعلم أتها 
الأصعب لكتها الأمكن » إذ كنت محتاجا إلى قاعدة متينة أقف 


369 


عليها . وتكون منطلقي إلى العلوم الأخرى » وإلى الاتجاهات كافة » 
وات ت ما وقع تحت يدي لابن تيمية › وللغزالي القديم والحديث › ولابن 
العربي . . وكنت قد تدرّبت بشكل جيّد على القراءة المثمرة » فكنت 
أضع ملاحظاتي على دفتر حاص عن كل كتاب » وألخص أهم ما جاء 
فيه » وأناقش - وهذا أهم شيء - أفكاره مع الآخرين » وكوّنت لي 
أصدقاء يحبّون القراءة مثلى » حتّى إذا ضاق بي حبل الكتاب » فردت 
آراءه على عقول الآخحرين فأنتج تغاققًا عظيما ذا فائدة عميمة ت 
توجّهت بعد الكتب الفقهيّة إلى كتب التّاريخ » فلم تر كتابًا في 
التاريخ مثل تاریخ الطبري أو الكامل أو البداية أو التهاية 5 قرأتّه , 0 
ادع كتابًا في المذكرات لعربي أو غربی إلا أتيت عليه وما أذكره من 
ذللف اسذكراث هل السماة ب (كفاحي) ودک اھ كبر 
وأعمدة الحكمة السبعة للورنس » ومذكرات رؤساء وزراء الصّهاينة مثل 
غولدمائير » ومذكرات موشيه دايان المعنون ب (أيبقى اليف الحكم؟) » 
ورات بالك مد ةرات زعلك السرا رول و ا كنت 
السياسيّة . وركزت في ذلك على الكتب التي تختص بالقضيّة 
الفلسطينيّة » وبالصراع ل الصهيوني ادات في هذا الجال أكثر 
من خمسة عشر كتابًا » وكان من أبرزها كتاب (تكوين الصّهيونيّة) › 
وكتاب آخر لكارل الصبّاغ لم أعذ أذكر اسمه اليوم بشكل دقيق 


370 


(5) 
العزئة نه تؤتي ثمارها 
إلا إذا تنكرت لرغباتك 


كان يعدو نحو الأجل › ولكل أجل كتاب » ظل هادا كأنه رأى أن 
الحلم العربي بن يُستعاد فلسطين قد تبخر » أدرلة مُبَكرًا حجم الخيانات 
والمؤامرات فانكمش على نفسه » خروجه إلى بعض دول الخليح لم 
يكن من أجل العمل كما كان يقول > بل كان ذلك هروبا › » کان يتستر 
على هروبه بالغياب الطوعي الطويل في مجاهل الصّحراء . المدن التي 
تلقها الرّمال من كل جهة » كان يجد في ذلك راحة ء من كان يُصدّق 
أن الذين كانوا يهتفون بالموت لإسرائيل › ويهدر صوتهم من المشرق 
العربي إلى مغربه ٠‏ تبيّن أنهم أوّل مَنْ خخانوا وباعوا ومهدوا للباعة 
الصّغار من بعدهم » كان يلعن الكرسيّ في كل مرّة » لكن لعناته لم 
صب أي كرسي بأذى وظلت الكراسي تغوص في الحم الشعوب حتّى 
تت هذه الشعورن!! 

عاد أكثرٌ غربة »لم يعرف نفسه » وأنكرٌ كل شيء » تضحياته في 
سبيل مبادئه بدت تسخر منه وهو يغذ خطاه نحو القاع . القاع النفسي 
الذي يريد لروحه المتعبة أن تغوص فيه . لكنّ العقل يُشقي . لم يتركه 

عقله وشأنه , ظل يُْتَبه » ويُعيده إلى ما قبل عام ۱۹٤۸‏ ححيث اليوش 
الحاشدة التي كانت تتهيأ للمعركة . كل جيوش العرب تُعد اعُد 
فلماذا لا يكون ذلك مُقدّمة للتصرء ومَنْ هي إسرائيل ؛ إتها مجموعة 


371 


من العصابات تُحاول أنْ تُؤْسّس دولة لقيطة فوق أطهر أرض ؛ وهذه 
الجيوش بكل معذاتهاء ويتارينمها الممتدٌ إلى الصّحابة والفاتحين 
الأوائل » والتي تناسلت من ظهور القادة العظام لن تسمح لهذه الدويلة 
اللقيطة ان تة تقوم لها قائمة كان هذا ما يجول في خاطر أبي » لكنه 
اكتشف أن القيادات كاذبة › وخحائنة » وحسيسة »وقبضت الئمن 
كا ٤‏ وأن الود تاكن وبلهاء ومختدزغعون ظلقوا ادق فاسدة 
يُطلق الرّصاصة إلى الخلف » فكانوا يقتلون أنفهم!! فغرق في حُرن لا 
نهائي . وفقدت بذلك وجهه إلى الأبدا! 

ومر زمن مقدورٌ » عقدان » وهم يقولون إن العرب تجمع العتادء 
وترص الصّفوف » وتتحد , لتضرب إسرائيل ضربة رجل واحد فيتفرّق 
دمها بين القبائل » فيكتشف أبي المسكين أن دم الكرامة والوطن هو 
الذي تفرّق بين القبائل » وأما أولشك الذين لم نمع إلا جعجعاتهم . 
وتبشير السّمك الجائع في الماء بلحم الصّهاينة اللّذيذ » فكانوا يسكرون 
ليلة المعركة » ويقبضون ثمن خحياناتهم من أولياء أمورهم › وما زالوا 
مستمرين في تلك الحعمجعات والعنتريات مع كل زعيم جديد 
اكتشف أبى ذو القلب الشديد الطيبة أن الّذين كانوا يُنادون بالوحدة 
کانوا 2 ن الصّهاينة على تسهيل احتلال بلدان أشقاثهم لتنتفخ 
وهم نيّبة على حاب الدّم العربي والحلم العربي والأخوة 
العربية!! 

سامح عقله »لکن عقله لم يُسامحه › ظل ينقر هدأته » ويَشْغّل 
باله » ويقض عليه مضجعه . ويُوقعه فريسة للهم تتناهشه أنيابه حتّى 
يذهل عن نفه » كان يريد أن ينی لکته فشل › كان يريد أن حو 
العار العربي الذي شهده بأمّ عيتيه من ذاكرته لكنّه لم يستطع . كان 


372 


يريد أنْ يصرخ في وجه الذكرى الأليمة الفاجعة ارحلي عني أيّتها 
القاتلة واتركيني بلام »لكنه كان يقع في فخ التذكر من جديد . 
وظلَتْ دوامات التَفكر فيّما حصل تنهش عقله » وتأكلٌ قلبه » حتّى 
أسلمه عقله إلى ا بجلطةٍ حادة في الدّماغ!!!! كان ذلك 

حدثا حدثا مولا للغاية » ولكته كان السّبيل ال ت ليوقف سيّالات التفكير 
في الأمرء كان يريد لعقله أن يأخذ استراحة يأتيه الله بها على أيّة 
صورة يقدّرها » فكانت على شكل جلطة نعم شل عقل أبي فلت 
معه أركانه » فأصيب بعدها على الفور بشلل نصفي أقعده في الفراش 
كان حجم الخيانة أكبر من أن يستوعبه عقله . فأراح عقله بين يدي 
ربّه » وكان حجم الخديعة أكبر من أن تحتمله جوارحه فأراح يديه 
ورجليه إلى السكون التَّامّ . صار طريح الفراش » لكنْ عقله - رغم كل 
ما حصل - لم يرحمه حى بعد أن أقعده على هذا التحو المأساوي . 
وظل يُلهب مواجعه . ويتقاذفه في وادي الكابة مثلما تتقاذف الريح 
ورقة يابسة في واد أجرد!! 

كنت ألتقيه في المسجد . كان ضبّاط الأمن الوقائي يمنعونه من أن 
يأتي إلى مهجعي » ويمنعونني من أن آتي إلى مهجعه . فلم نهذ غير 
الاد لقف فيه وا ا لع كا غاا ما ت تو 
ساعات ما بين صلاتئي الظهر انف وتو كانت العيون في هذه الفترة 
تخفّ عن تصويب سهامها إلينا » فوجدتُ في الجلوس إليه راحة » 
GE‏ ينه a‏ كان قد بدأ لتر عن العزلة » العزلة 
الاحتماعة عيّة التي تُنتج حصوبة فكرية » نصحني بأنه إذا أردت أن 
تصبح غيرك › > فعليك أنْ تحلص أناك من رغبتك » الحُزلة لا تُؤتي 
ثمارها إلا إذا تنكرّت لرغباتك تنكرًا تام . وأن اتفتاح العقل لا يحدث 


373 


إلا بعد انكماش الجسد . فشتركت المسد لا أريد . ورحت أنهل من 
موطن السّر في الفكرة » وأشرب من مورد الفكرة في الخطرة » وألتمس 
الخطرة فى الخلوة » وهذا ما كان . 

قال لى الحكيم : لا يسلم الحمّل في الغابة إلا إذا انكمش . تعال 
بنا نتكمش ساعة . وكان اتكماشنا غيبتّنا عن غابتنا في حضرة أرواح 
الكتب ء كنا نأتيها أحياتا قبل الظھر › فنطوف بها كتابًا كتابًا » نختار 
كتانب الأسبوع » فنستعيره » ونذهب إلى صلاة الظهر ء ثم غجلس بعد 
الصّلاة فنتذاكر ما فيه إلى العصر ء ونبقى على هذه الحال أسبوعًا حتّى 
ينتهي الكتاب الذي بين أيدينا ء ثم إذا عرضت لنا سوانح في معانيه › 
وآراء فى مجاليه » بسطنا فيها التّقاش › وعلا صوتّنا من الحماس حتّى 
يدخل التاس لصلاة العصر ء فإذا بنا توق للعودة إلى مماحكة الرأى من 
جديد » فنجلس من العصر حنّى يحين وقت العَدّء الوقت الذي نتحوّل 
فيه إلى أرقام » وكنًا نعرف أن البشر في حكم الرّعاة الذئاب ليسوا إلا 
أرقامًا » فنصعد إلى مهاجعنا كأتنا نعود إلى قبورنا ء فلم نكن تبث حياة 
أجمل من تلك التي كنا نقضيها في أفياء الكتاب » ويأتي الشّاويش 
فيعدٌ كل واحد منا فى جهة غير جهة صاحبه ء فأسبقه أنا بالرقم مرة › 
ويبقني هو به مرّة » فإذا أنا أحد عشر مرّة وإذا هو تسعة عشر مرّةء ثم 
نتبادل الأدوار في اليوم الثاني كنا أرقامًا لم تُفلح السجون في أن تفهم 
إنسانيّتنا » وكنا تعد كما تعد البهائم التي تدخل إلى الزّرائب » وما كان 
من أحد يلك أن يثور على القطيع › أو حتّى يغيّر عشوائيّة رقمه الذي 
يُعدَ به » ولم نكن نملك حين تصبح على باب المهجع › ونأخذ رقمنا 
الذي تُصادفه ويُصادفنا في تلك اللحظة ءلم نكن فلك أكثر من أن 
نخفض رؤوسنا ء ونقول : ماااع . ثم ندل لنأوي بعدها إلى أبراشنا!! 


374 


في شهر أيلول من عام 1951 حُكم على آخي عبد الله وأحد 
أقاربي بالسّجن لمدّة شهرين بتهمة إطالة الان وُحشروا كما حُشرنا 
من قبلهم إلى سجن سواقة › ومع أنّ لقاء أخي في الجن أزاح عتي 
! بعض الهم من جهة ء إلا أنّه وسّع ذلك الهم من جهة أخرى » كان 
ذلك الهم الواسع سببه والدي » إذ إلّه بسجن أي لن يكو هناك مَنْ 
يرعَى أبي الُصاب بالشّلل التصفي > والّذي يجاح إلى رعا تامة › 
وأمًا حي الأكير باسم فكان يعمل بعيدا ص (إبدر) » كان موظفًا في 
الزرقاء » ولا يتمكن من الذهاب إلى قريتنا إل في نهاية الأسبوع › وأما 
شقيقاتي فكانت لكل واحدة منهن أسرتها وشأنها العائليٰ الخاص › 
وأما أي فيكفيها أبناؤها المسجونون وزوجها المشلول . وهمومها التي لا 

كان القانون يسمح لمن يُسجن ثلاثة أشهر أو أقل أنْ يستبدل فترة 
سجنه بالغرامة الماليّة » يدفعها في المحكمة » ويخرج . وهذا ما أردنا 
لأخى عبد الله » ولكن المحكمة رفضت الاستيدال » دون أن نعرف 
الأسباب . ومكث آأخي عبد الله معي شهرَيه » كان فيهما يُحاول أن 
يخدمني بكل ما يستطيع » وطلبت منه بأنْ يحذو حذوي في القراءة 
والذّهاب إلى مكتبة السّجن » وخرج قبل أن ينبت ماء القراءة في قلبه 
شجرة اليقسن!! 

وإذًا فهي العُزلة . اقتصرت علاقتي في تلك الفترة بالمهندس 
الحكيم لنناقش معا ما نقرأ . وبربحي أمين المكتبة لنستعير من المكتبة 
ما نرید » وبهلال الذي جمعتني فيه تَشَابه الصفات وتلاقي الأرواح 
كان المهندس خبيرًا بالكتب » ومنهجه معي کان صارمًا » كنت أناديه 
معلّمي » وكان يقول لي : ثكاتّني أمّي إذا لم ُصبح أفضل متي » أي 


375 


معلم فاشل ذلك الذي يكون تلميذه أقل منه!! ونستمر في التقاش 
الجاد . . حَكَمُه التي ألقاها في رُوعي اول لقائي به هناء بدأث تأخذ لها 
مكانًا جانبيا » فبعد أنْ كانت تتسيّد » أصبح هنا إحلال لغيرها 
مكانهاء كان الكتاب هو الوحيد القادر على أن يفعل ذلك ؛ كان 
المهنس يريدني أن أفهم ذلك › يريد أنْ يقول إن ما تؤمن به اليوم قد 
يُصبح إيمانك به هامشيًا غدا . وأن ما تدافع عنه اليوم بشدّة قد : تتركه 
لنفسه يُدافع عن نفسه إذا وجد حُجَة يتمكن بها من أنْ يظلّ قائمًا 
غدًا » ما أؤمن به اليوم ليس بالضرورة أن أكفر به غدا » لكن بالضرورة 
لن تكون له درجة الحرارة من الاعتقاد فى المتقبل . هذا ما قاله لى 
دون أنْ يقوله ٠‏ قاله عنه الكتاب » وقالته ا حياتى التى قيا 
هنا 00 
استغرق متا كتاب (تكوين الصّهيونيّة) أسبوعين » تعلمت منه 
الكثير » تعلّمنا من الكتاب الذي يتحدث في ظاهره عن تاريخ 
الصّهيونيّة منذ العبور قبل ثلاثة آلاف سنة وإلى اليوم » تعلَّمّنا أن 
اريخ له قانون «اوقاتونه ليس مرا :إته مكل حركة التمر» تداك 
في سيرورة مُحدّدة ضمن ظروف وقوانين صارمة ء كان التّاريخ يعلمنا 
الآدب » الآدب مع الحدث . الآدب مع الحالة » قلا تسارع إلى إطلاق 
أحكامنا مالم نعرضها على سنن التاريخ ‏ تم تحليلها على ضوء 
مقارنات متعدّدة وحَيّوات الأ الغابرة » ولا يتمكن من ذلك إلا قارئ 
عميق لحركة المجتمعات في بطون الكتب التّاريخيّة كان أفضل مأ 
تعلمئّه من هذا الكتاب هوأ سوأما كنت أقوم به قبل قراءته » أي أن 
أقيس الاحداث وأفسّرها بمقياس واحدٍ أو على مسطرة واحدة :أو على 
تيرموميتر واحد أو على رأبي أو هواي الشخصيّ > تلك فضيلة أخرى 


376 


تَعلحْمّها من الكتاب > هو ألا أجعل هواي الشخصي ضمن اااي 
أو أحكامي » ولا في ذيلها غبل أن اختدوغات . ويأتي في النّهاية ُب 
الكتاب » وهو فهم الجذورء هل لشجرة يُمكن أن تعيش دون جذور . 
كان الكتاب يجعلني أتتبّع الصّهيونيّة من الجذور إلى الثمارء وأدركت 
غباءنا كشعوب واستغفالنا فى مواجهة ما يُخططون له ء وما يتدارسونه 
في مشناههم بشكل حثيث ودقيق . أمَا من يحكموننا فلم يكوتوا في 
الات :لاي لدا أكثر من جار على ر الشطرح 

بدأت الآفاق في فضاء العقل تتسع › تتماهَى » تد » وتشكل 
حالة من الإشعاع الروحي لم أعهذه من قبل » كان علي أنْ أكتشف أنّ 
الخير كله في العُزلة كان سات اي ي العزلة مع الكتاب لا قاس 
بملدّات الذيا كلها ؛ لأنها بياطة لا تنتمى إلى الدّيا ء ولن أقول إنها 
تنتمي إلى الآخرة ؛ فشأن الآخرة شأن الراحة بعد التعب ء والحزاء بعد 
العمل ؛ ولكن أقول تنتمي إلى عالم علوي قد يُلامس أرواحنا الحية 
التي تنتظرنا في عالم الت بشوق جارف ولا تنتمي إلى وجودنا 
المخاتل › ولا حياتنا المزيّفة 

كان الااختلاط بالسجتاء ء يعني أمراضًا روحيّة مزمنة من تلك 
ال إذا افق فإنها تعلق بك علوق الشوك في الصوف . كان 
الجناء PALE‏ و مذهلة من التنوع بين تناقضات السلوك 
البشري لم تكنْ مفهومة . وبالطبع لم تكن مُتخيّلة » كانت لهم أمزجة 
غير مُتوقعة » وأنا لا أستثني نفسي »ء وكان التّصادم بين هذه الأمزجة 
يُنتجح شجارات يوميّة » تبدأ ولا تنتهي » وكان في اختيار العزلة حل 
معقول . إنه يحمي » ويجلاد » ويُنيت من جديد 

كانت أهواء التّجناء تمل طيقًا من الألوان اللامُتناهية » وكان 


377 


الانحراف درجة واحدة على محيط الدائرة أو أقل من ذلك يُحدث 
الفوضى » ويجعل من الوقوع في المشاكل أمرًا حتمياء ومع كل ذلك 
كان الاضطرار إلى مُعايشة هذا الواقع يبدو نوعًا من الحفاظ على 
الحياة ‏ أعني الحياة الفيولوجيّة » فإته من دونها كان يُمكن أن 
تفقدها . وليس هذا تنظيرً » فان مسايرة بعض القثّلة المتمرّسين في 
فرض الضرائب على المهجع الذي كنت أتقاسمه معهم كان لا يُمكن 
تفاديه » لأنّ تفاديه يعنى أن تنتهى » والشكل الذي يُمكن أن تنتهى به 
له كك تسر الآنه ليقع فى و ل مضه عقاف داك 
إلى أن تتظاهر بالاتّخحاذ من العدوّ اللّدود صديقًا حميمًا . وتذكرت بيت 
المتنبى : 

۰ ومن تكد الدأنيا على المرْءِ أن يرى 

عدواله مامن صداقته بد 

كتا نسير أنا وأحي عبد الله في إحدى السّاحات » ذات تقاطع 
بين مهجعَيّنا » وكتا معروفين لضَبَاط الجن » كنت أنا أقيم في مهجم 
القتلة كما قلت لكم »› وكان أخي يُقيم مع الستياسيّين » ومن مصائب 
بعض الضّبّاط الصغار أن الحياة التي لم تعركهم جيّدًا تُوقعهم في 
حماقات باردة » حصلت مُشادة بينى وبين ضابط من هذا الصّنف 
اعترض على اجتماعي بأخي ٠‏ وظنٌ أن السلطة - التي لا تتمثّل بأكثر 
فق تان - تيح له ن يعتدي على المساجين » وأنّ المساجين ليسوا إلا 
بهائم تتحرك في زرائب » وعليه أن يها بالعصا! تطورت المشادة 
الكلاميّة بيننا »فقام بشتّمي أمام أخي ء »فلم أجد طريقة لتأديبه إلا 
بضربه » وكنتُ مغلولاً إلى الح الذي لم تفلح فيه كل قراءاتي السّابقة 
في سيطرتي على أعصابي وضبطي لنفسي › فأخذت أضربه ء وأفرّغ 


378 


فيه طاقتي » تدخخل أخي فتوقفت . اجتمع الضُبّاط والحرّس على 
المشهد . قيّدوني بسرعة › وتم رميي في الحجز الانفرادي أسبوعًا كاملا 

قبل أن يزجَوا بي في الزنزانة » طلبت مقابلة المهندس الحكيم لمدة 
خمس دقائق فقط . وافقوا على مضض . جاء يهرول . سألته عن 
كتاب الاسبوع اقرح » فحدده لي » واتَفقتُ معه على المنهجيّة في 
نقاشه ا اليوم الغاني: من الحجز الانفرادي كنت قد أنهيتّه كاملا 5 

بقيّة يام الاسبوع أحفظ الفقرات التي أعجبتّني فيه 

E N‏ الوا 
لازم أبي » ويُطمئنه عني » ولا ينقل له كل ما رأى مني هنا كان أبي 
فى هذه الفترة يُمعن فى الدّخول إلى لحة الغياب » كانت حياته تنفلت 
انفلات لماه شوق بات روت الأصابع » كان يبدو أنه يُمعن في الرّحيل 
بعيدًا عن عالّنا »لم یکن يقول شيئًا » ولا يطلب شيئًا » يبقَى صامنًا . 
تحدّق عيناه المفتوحتان في أغلب الأوقات على اتاعهما في الفراغ . 
كأنه يرى ما لا ترى!! 

فى ۱۹۹۷-۹-۲۰ تعرّض خالد مشعل رئيس المكتب السّياسى 
لحركة حماس إلى محاولة اغتيال من مجهولّين لا أحد يدري كيف 
دخلا إلى الأردن؟! يُقال : إنهما كانا يحملان الجنسيّة الكنديّة » وليسا 
في الحقيقة إلا عنصرين من عناصر الكوماندوز المكلّفة بالاغتيال في 
يا الموساد الإسرائيلى . وحَقنا خالد مشعل بحقنة ا 0 
كادت تودي بمحياته › تعاملت الحكومة مع الأمر على أنه مُشاجرة في 
البداية » وهذا ليس سذاجة منهاء بل محاولة للتّغطية على الأمر 
وتمريره كأنه لم يحدث » فلمًا استطاع الحارس الشخصي لخالد مشعل 
وهو صائم الإماك بأحد العنصرّين » وسلمه للمركز الأمني » وبدأبت 


379 


الأمور جعت E SE SE‏ جلك علي اند مجرد 
مشاجرة » وكان يُمكن أن يُحدث بلبلة لا تُحمّد عُقباها 

في تلك الأثناء تفاءل بعض العارفين معي في المهجع وفي 
المهاجع الأخرى ٠‏ أن يتم الإفراج عتي مُقابل إعطاء التّرياق من قبل 
الحكومة الإسرائيلية لعلاج خالد مشعلء والإفراج عن العنصرين 
لكتني كنت عرف أن علاقة الحكومة الأردنيّة مع حكومة الصّهاينة 
دافكة جدا »فلم أتفاءل كثيرًا . انتهت المشكلة على الوجه الذي 
أفرحني ؛ فقد اشتر حرط الملك حسين على نتنياهو إعطاءه دواء السم 
الذي لم يهتد الأطبّاء إلى معرفته . والإفراج عن الشيخ أحمد ياسين 
من سجوت الاحتلال مقابل تسليمه عنصري الموساد . وقد تم له ما 


أراد 5 


380 


٠ )٤٥( 
أنا منشغل بزرع الحدائق لا بإطفاءالحرائق‎ 


في أواحر عام ۱۹۹۷ جاء إلى أحدٌُ السَجناء يقول : إن سجيئا 
آخر » يسأل عنك » وإنه بلهفة إلى لقائك . فألته «هذا الذي يسأل 
هنی أين هو؟» . فأجابنى : «فى غرفة الاستقبال» . فضحكت وقلت : 
«فى غرفة التصابين تعنى!» كانت هذه الغرفة هى غرفة الاستغفال 
كما كنت أسميها . وليس غرفة الاستقيال »ففيهايتم استغفال 
التّححاء الحدد وتشليحهم أموالهم ٠‏ ولقد رر بهذه التجربة من قبل › 
وأكلتّها وأنا أحمد الله أنها وقفت على عثرين دينارًا 3 ولم تتجاوزها 
المهم أتني ي اليوم أصبيحت أمرّ عودا وأصلب مڪشرا ٤ء‏ ولن يخدعتي أحد 
اع دن الا لدی ماع من ال »وحصانة من 
استخدام قواعد المهندس الحكيم التي تظل صالحة ومكنة مع المجتمع 
الذي أعيشه هنا 

ذهيت إلى غرفة الاستقبال بصحبة السّجين » فلمّا وصلنا إليها 
ا as‏ 
الرّاوية ع ٠:‏ ا » بشرته بدوية u E E‏ 
أوّل نظرة بعضْ حكم المهندس » يبدو آتها موسميّة ونوعيّة » اقتربت 
أكثر » كان مُنعزلاً عن الآخترين ولكتّه لم يبد يائسا » كان بعضْ البشر 
والماحة تغطي و-حهه نظر إلي ولم يعرفني 7 بدآئه القول :اهل 


381 


سألت عني ء أنا أحمد الدقامسة» . قفر من مكانه كأنه كان نائمًا 
RR o,‏ 

هتف : «أهلاً بالحبيب». كان صوته البدوي يحمل في ذبذباته حقيقة 
Ll at‏ 
وأجلسني إلى جانبه » وبدأ يطمثن على أخباري كأتّه ليس سجيئًا 
مثلي » وراح يُراجع معي تفاصيل العملية » ويقول لي : «لم يرف أحد 
رأسنا فى الأردن مثلما فعلت . . . أتدري أتنى حلمت وأنا فى سجن 
الجويدة أتنى سأقايلك وأعددت لك ا من الأسئلة ايا 
عليك حين ألتقيك » وها آنا ألتقيك فيتحقق الحلم وتفرٌ الاسثلة» كان 
هذا السّجين هو (علي المّنيد) . رجل بمعنى الكلمة » وقف معي في 
قضيّتي وقوف الأسود في الشرى » ودافع عنها بكل ما يستطيع » وحين 
صار نائبًا في البرلمان بعد سنوات طويلة في عام 3١17‏ . وكان السّجن 
قد قضم من عمري ١5‏ عامًا بين جُدرانه » أقول حين صار نائبًا لم 
ينسّني وحمل قضيّتي تحت القبّة » ولكنّه كان يعلم كما كنت أعلم 
وكما كان يعلم الكثيرون أن مجلس التواب لا يملك من أمره شيمًا › 
ولكنه صوت . صوت يصدح صاحب الرأي فيه بالحق . 

حُكم علي السّنيد على تهمة (إطالة اللسان) سنة ونصف › وهي 
التهمة الجاهزة لكل من يقول : (لا) فى وجه سابنة لم وو أن 
يسمعوا من القطيع غير (نعم) . صار الجلوس إليه فرضًا يوميا » كانت 
تجربته مع لحنة مقاومة الصّهيونية والتطبيع التي أسنّسها ليث شبيلات 
ثريّة » فأفادنى منها . ممّا ثقفه خلال عمله فى هذه اللجنة من الوثائق 
والكتب والحقائق التي تتحدّث عن الصّهيونيّة 

جَمّعنا كر اليهود الغاصبين » ووحَدنا حب الوطن على حقيقة 


382 


المستعدين أنْ يُضحَوا بأرواحهم من أجله › لا أولئك الذين يهتفون 
بأسمه وهم يبيعون أراضيه » ويرهنون مُقدّراته للعدوٌّ وا محتل ٠‏ ويفككون 
نسيجه » وينهشون مه ء ويتناهيون خیراته » وكان أكثر هؤلاء يجلسون 
على كراسى ) دوارة » مصنوعةٍ من جلد الشعوب ومدبوغة ا بدماتهم + 

وصّمنا رمضان في الجن معًا » كان الصّقيع يُغْلّف كل شيء» 
ومع ذلك لم غنع أنفسنا من اللقاء ٠‏ اللقاء الذي كان قادرًا على أن 
يُذيب الثلج ؛ ويحيل البرد إلى دفء ٠‏ ويمكن زهور كانون من أن تفوح 
أشذاؤها العاطرة حتّى في غير موسمها . كنا نلتقي أكثر ما نلتقي ظهرًا 
فى المسجد أو فى السّاحات العامة . أو بعد السّحور . كان هذا يحدث 
نادرًا » لم يكن مسمومًا للسّجناء أن يُوْدَوَا صلاة الفجر في المسجد إلا 
في حالااتٍ استمنائية 

کان تدك نيدو عطشى إلى اللقاء وإن لم يكن قد مر عليه 
ليلة » مثل الطيور الهائمة تهفو إلى مورد الماء العذب » نتعانق » ونبداً 
الحديث . كان الحديث في هموم الأمّة وبُؤاس واقعها لا يفل من 
عىزيتنا » ولا يُوقعنا في شرك اليأس » بل كان يدفعنا إلى المزيد من 
العطاء » كنا نعرف أن حركة الأم والشّعوب التي قالها ابن خلدون في 
مقدّمته يشر بخخيرء إذ ليس بعد هذا الهبوط المْريع إلا صعودٌ وكنا 
نعيش على هذا الأمل » لكن الأمل هو الآخر فح يُوقع غير المنتبه في 
الركون » والاكتفاء بالمراقبة والانتظار » وبالتسبة لنا أولئك الذين كنا 
واعين لحال مجتمعاتناء كان الأمل يُُحفزنا على الثبات وعلى 
الاستمرارء وعلى الصّمود على المبادئ في وجه طوفان التمييع 
والتخضيع والتطبيع والتركيع والتجويع . 


حل عيد الفطر في آخر الشهر الأول من عام ۱۹۹۸م . كان عيدا 


383 


باردا . العيد الذي تقضيه دون حبيب هو مأتم يذبحك العيد الذي ير 
عليك في السجن ء لا لفداحة الاتحباس »لكنْ لبُعد الأحبّة ؛ تذكرت 
سيف الدين ونور الدّين والبتول » هل يختلف العيد إذا كان الأب بعيدًا 
عن أطفاله؟ وهل يختلف بالتسبة للأطفال أم بالتسبة للاباء؟ أم 
لكليهما؟! لقد كان أبي يغيب بعيدًا عنا في عمله › وير علينا العيد 
دونه » لكتني ما كنت أعتقدٌ أتنا نأسى لفقده أكثر مما كان يأسى هو 
لفقدنا . ها أنذا يا فاطمة ء ألبس أفضل ما عندي من الثياب ٠‏ أتزيّن 
كمالو كنت بينكم » أضحك كما لو أن فلذات الأكباد يتقافزون 
حولي » أنتعل حذائي مسرورًا كما لو كنت سأغذ الخطا إلى بيت 
أهلي » أهوي على رأس أمّي أقبّله » وأجثو بين ياديها » أطلبُ منها أنْ 
تُامحني . أن تغفر لي بُعدي ٠‏ وأنْ تسقي شجيرات الورد في ساحة 
الدار عنّى ۰ ۰ ١‏ 

تقول لي فاطمة في الزيارة الأخيرة عن سيف الدّين ونور الدين 
في العيد » بعذ أن ألبستّهما ثياب العيد . رأوا وهم خارجون من البيت 
أولادا يضعون أيديهم في أيدي آبائهم » فحزنوا » راح نور يبكي » جلس 
على قارعة الطريق . وخلع قميصه الجديد » وهتف بغضب وحزنٍ : أنا 
لا أريد أن أعيّد » أبي ليس موجودًا معنا لكي يأخذ بأيدينا مثل بقيّة 
الأطفال . وشاركه سيف حُزنه . ثم عُدنا إلى البيت ولزمناه طوال فترة 
العيد . 

ظل مدير السّجن يخترع الوسائل ليُبعدني عن ال مهندس » وعن 
على لا أدري ما الذي كان يَغيظّه في اجتماعنا معا »هل کنا 'ُشكل 
تهديدًا لسلطته نحن المساجين المجرّدين من كل شيء؟! ما الذي كُنَا 
نفعله أكثر من أنّ ُذيب الهم الذي في صدورنا من خلال ما نقرا »ما 


384 


نناقش » ما نتجادل فيه » كُنَا نجد فى ذلك لذة » تُنسينا مرارة الجن » 
أفكان يحسذدنا على تلك اللّذَة ولا يريد لنا إلا أن نتتجرّع مزيدا من 
المرارات!! 

بعد العيد تقل مدير السّجن إلى موقع آخخرء وخفت الرقابة علينا » 
ففرحت . كان ذلك إيذانا بأن اللقاءاتَ ستتابع . والكتب التي 
سنناقشها ونطوف حول كعبة الآراء فيها ستزيد › وهذا ما حدث . لكن 
لم يمر على نقلٍ مدير الجن أسبوعٌ » حنّى كان صوت التماعة في 
الجن يُنادي على علي السّنيد » وسمعت اسمه فظننتّها زيارة له في 
غير موعدها کان تكون من مُحاميه , وٽا في مهجعين مُنفصلَين . لکن 
الأمز لم يكن على ما توقعتك» إذ إن إدارة الجن طبه لحه بان 
محكمة أمن الدّولة أمرت بالإفراج عنه بعد أن فضت مُدَة حُكمه 
إلى سنّة أشهر من قبل محكمة التمييز . طلب آنذاك من العساكر أن 
يراتي » كان E‏ يودعني قبل أن يخرج » وأتيت إليه » تعانقنا 
وبكينا ء بكينا الأيّام القصيرة الجميلة » بكينا الجلسات الرّائعة » وبكينا 
ما فى القلب من إخاء » قال لى : «لن أنسى قضيّتك » سأحمل راية 
الدفاع عنها حى يأذن الله بالفرج إِنْ شاء الله» . ومضى يشق طريقه 
إلى بوابة الحرية 

ترك خروجه من الجن فراغًا كبيرًا في قلبي » وتُقبًا أكبر في 
روحي عانيت مته كثيرًا . حاول المهندس الحكيم أن يس الفراغ » قال 
لي : «من أجلك لا تتعلّق بأحد . القلب الُظلم هو الذي يرى التور في 
الآخرين › إنهم كائنات تتحرك » تغيّر أماكنها » تشع حيتا » وتنطفئ 
أحيانا كثيرة » فلا تجعل مصابيحهم وحدها هي التي تُضيء لك 
العَشّمات» . فهززت رأسي » فتابع : «التخلى عن صوت القلب أعلى 


385 


مراتب التحرر من كان أسير نداءات قلبه عاش في عبوديّة مقيتة» 
وهر رسي من جديد دون أن أحرّك شفاهي يكلمة! قد أكون أمنت با 
قال > أدركت أنه حقيقئ وواقعى ٠‏ ولكن الذي شعرت به بعد ذلك أن 
انقب قد ازداد انّساعًا ٠‏ ۰ 

واظبْت على الذهاب إلى المكتبة » كان ربحي ينتظرني في كل مرّة 
وقد أعد قائمة بالكتب التي قرأها » أو اطلع على مضمونها لكي 
يلخصها لي ٠‏ ويسألني أيها تريد لهذا الأسبوع . لم تكن المكتبة كبيرة › 
ولم تكن صغيرة » كانت قوامًا بين ذلك »ليس فيها إلا ثلاث أو أربع 
طاولات يتيمة » تتبعثر على أرضية حزينة » كل ما في المكتبة كان 
يبعت على الرهبة » فإِنْ لم يبعث عليها فهو يبعت على السام » وما لم 
يكن لديك دافمٌ في أعماقك يحثك على أن تلج اللجة > فإن أكثر ما 
كان فيها کان طاردا 

كانت نوافذ المكتبة تفتح على السّاحة الْرَئيِسيّة التي تقع في 
مدخل السّجن » السّاحة التي غالبا ما ينتظر فيها دفعات المحكومين 
فاد ين سجرن ای قبل أن رجن وج إلى د الااستقبال . 
أو تصنيف بعضهم بشكل مباشر وترحيلهم الي مهاجعهم الْحدّدة 
كاتنت اة كمد تتمتّع بإضاءة حيّدة من هذه التاحية . أمّا رفوفها فكانت 
من الحديد لر ا الذي شاع ة في فى الثمانينات للمكاتب 
الرَخيصة » وحين كنت أعرض أمنيتي بأتها لو كانت مصنوعة من 
الخشب لكان أفضل كان ربحي يقول : «إنْ مهمّة الرفوف أن تحمل 
الكتب فوقهاء وإن هذه الرّفوف 7 تقوم بهذه المهمة بشكل جيدة . لد 
فات صديقي ربحي أن هذه الرفوف لا تحمل كتبًا من أوراق » ولكنّها 
تحمل کا من أرواح ء وأن هذه الأرواح لحن قضت > في أزمنة غابرة 


386 


سحيقة › وتعبت في أن تسكب عُصارة تجربتها وحياتها على هذه 
الأوراق المجموعة بين جلدتي كتاب تستحق رفوفًا أقضل من هذه » 
تستحق رفوفًا تحتفي بهذه العظمة التي وصلت إلينا . فات صديقي أنْ 
يتعامل مع الكتب كما يتعامل مع المُظماء » لا أن يتعامل معها كآتها 
رزمة من الأوراق الصّفراء مجموعٌ بعضها إلى بعض 

ترك رحيل علي في قلبي فراعًا كما قلت لكم »لکن سرعان ما 
طرأ عنصر حِديدٌ على المعادلة » معادلة الاخوة السَماويّة . فوفد إلى 
الجن المهندس ليث شبيلات ء كان ذلك في أيّار من عام ۱۹۹۸م . 
هذا الرّجل الرّائع الذي كان يقف إلى جانبي في قضيّتي » وواظب على 
حضور جلسات المحاكمة كلها . هذا الرّجل الشهم الذي كان يُقل أبي 
وأمّى وزوجتي وأبنائي بسيارته ويأتي بهم جميعًا ليزروني في السّجن › 
صار سجيئًا هو الآخرء ورج به إلى هنا بتهمة التّتحريض على أعمال 
الشغب » وحُكم بتسعة أشهر . وتساءلت أمثل هذا الرّجل المحب 
لوطنه المُقَدّس لترايه » يُحرّض على أعمال شغب؟! أي عصرإذًا 
نعيش » وفي أي بقعة من الحضيض رمانا التَاريخ . وإذًّا فليث شبيلات 
أصبح سجيئًا مثلي . ولم تعد زيارته لي تتم من خلف القضبان بل تتم 
بال حضان!! 

صرت أحرص على أنْ ألتقي به معظم الأيّام وأجلس معه كل 
الأوقات المتاحة .إلا وقت التوم لانه كان في مهجع آخر غير المهجع 
الذي أنا فيه أنا كنت فى مهجع القتل › وهو كان في مهجع 
الستياسيين . لمست أثناء وجودنا معًا في السجن أته إنسان متواضع على 
الرّغم من مكانته العالية » صرت أعتيره مثل أبي » كان يمح بيده على 
شعر رأسي كما لو كنت ابنه على الحقيقة » ويقول لي : «كلنا أيتام » 


387 


الشرفاء يا أحمد في زماننا أيتام » وإنْ لم يمسح بعضنا على شعر عض 
فسنزداد يُتَمّا» . كانت عباراته تُمثل التقيض فى المضمون والفلسفة 
للعبارات التي يقولها الحكيم . يقول : «تأمّلٌ علائق الكون » الكون قائم 
على الحب . الحبّ يجعل الحياة سهلة » يحمل أحذنا في سَعَّته الآخر 
فى ضيقه › وحدهم الذين لا يملكون قلوبًا هم الذين يجعلون المحياة 
قاسيةء قليل من الحب يا أحمدء وقليل من الصّبر يا بُنى يحولان 
الحياة إلى نعيم . التعيم لا يتحقق بلا قلب » والقلب لا يتفتّح ولا يُزهر 
الا إدا نظفتّه من البُغض والمحسد والشحتاء والحفاء والتكيّر » لا أدري 
كيف يعيش أولئك الّذين لا يتراحمون فيما بينهم » إن حياتهم لا شك 
جحيم مُطلق » فلا يغرتك كثرة أموالهم . ولا انتفاخ جيوبهم > إنها ورم 
والورمٌ قاتل » وإنها عَرَضْ والعرض زائل 

كان ليث قريبًا إلى كل السّجناء » يلبس مثلهم . ويأكل مثلهم . 
ويُجالسهم › ويدعوهم إلى طعام يُتفق عليه من ماله . وكان يلبس 
بيجامة عاديّة » وكان معتادًا على الطواف في الممرّات بين المهاجع . 
كأنه يعرض نفسه على المحتاجين » وكان لا ثحي أحذا ء يُعطى هذا 
ويُنفق على ذاك . ومَنْ لم يعرفه بشكل شخصي لا يمكن أن يفرّق في 
الق و اتام 

كان رجلا طُوالاً » وسيمًا » أبيض تشوب وجهه في حالات 
الصّفاء حُمرة » وكانت لحيته خفيفة » وشعر رأسه ناعمًا » وكلاهما 
وَخَطْهما اغب »لك الشيب أضاف لمسة جديدة إلى وسامته . صوته 
صوت أبي » لا في التبرة » فقد كانا مُخختلفين . ولكن في المعنى » إذا 
تحدّث فعن الكرامة والمروءة › وإذا نصح نصح يأبوة » وكان يغضب › 
ولكنْ في الثوابت التي يرى في التّنازل عنها ضعة وخسّة 


388 


كان يخرج معنا في يوم مهجعه أو في غيره » فيلعب معنا كرة 
قدم » وقليلاً ما كان يلعب كرة السّلة » وعرفت أنه كان أحد أعضاء 
فريق كرة القدم في الجامعة الأمريكيّة في بيروت أيام كان طالبًا فى 
السّتينيّات . كان الرّجل الخمسيني يحاول أنْ يجارينا نحن الشباب 
العشرينيّ في اللعب . وأحياًا يطلب متا أن تُسابقه » فتُقيم مسايقات 
الجري . ونخجل من أنفسنا أمامه › لكته كان يستمتع بمشاركتنا » لقد 
كان يملك روحا شيابية مرحة 

بعالت ها ان طف مولت مه ما قفرت :وكات اغات 
حديثنا حول الأ حداث السّياسيّة الكبرى ال و في الأردن » وكنًا 
على أبواب القرن العشرين » القرن الذي بشر رئيس وزراء إسرائيل 
شمعون بيرس بتغيير المنطقة فيه من خلال كتابه : «الشرق الأوسط 
الجديد» كان الكتاب قد ترجم إلى العربيّة مؤخرًا » وقرأه ليث » وكثيرًا 
ما كان يُطلعني على فحواه » ليقول لي : «انظر كيف يفكرون › مع كرهنا 
الشديد لهم واستعدادنا في كل لحظة لقتالهم ء إلا أن الواحد يقف مَليا 
متعجبًا أمام شخصية مثل هذه » زعيم يهب عمره وروحه وحياته من 
أجل أن تقوم دولته الغاصبة وأنْ تستمرّء ولا يرهن وطنه بشخصه ء فهو 
لا يعد نفسه أكشر من مواطن إسرائيلي . لكن القدر شرفه بان يكون 
أكثرهم ديه ا ولوطنه . أمّا زعماؤنا فالواحد منهم يقضي عمره 
وحياته وهو يسرق أموال الشعب والأمّة ليُكدّسها باسمه كأتها أموال 
الذين خلّفوه في سويسرا » وحينَ ينهشه الموت لا يُحصل ورثته من هذه 
الأموال فلسًا ء وتذهب في شربة ماء لخدمة الصهيونيّة العالميّة » ثم إنه 
بجشعه لا يترك في وطنه شيئًا قابلاً للبيع إلا باعه » ولا تجد أكثر شعبه 
إلا فقيرا يأكله الجوع والعوزء ويتكفف التاس في الطّرقات 


389 


فليحكمُني من شاء أن يحكمني » ولكن ليكن مُخلصًا لي ولوطني 
ولقضاياه المصيريّة . ولا يبيعنى فى أسواق المزاد » ولا يشحد على» 

كان مدير الجن الجديد شدیداء کل مدير يأتى نشف ما خاو 
الحصول عليه من حقوق من المدير السّابق » يُلغي كل شيء صنعه 
مسلفه » فكأنَ لسان حالهم : «كلما دخلت أمّة لعنت اها . ويدأً 
ادد سكي ] اد على یه انه يريد أن بوذت سردات 
الاستباقيّة كل الجن ء فيُقدم على أفعال تبدو غاية في الحماقة » من 
ذلك أتني كنت ألبس (دشداشة) في إحدى المرّات » جالسًا بأمان الله 
فى مهجعي ء وكان يمر بالملهاجع وقتها يريد أن يفرض هيبتّه » وحين 
رأتي على هذه الحالة » أمر الحرس بإلقاء القبض على كأنني مُجرم › 
وصادر الدشداشة التي اعتبرها مخالفة للرّي الرتسمي!! نعم كان لنا زي 
رسمي يُشيع في قلوبنا الوهن والذّل » وكان أقرب إلى أكياس ,اخيش 
منه إلى اللّباس الآدمي ٠‏ وكنًا تُرعَم على ليسه! 

كان المرض قد تفاقم في تلك الأيام مع أبي » أصبح لا يقوم من 
فراشه إلى الحمّام إلا بمساعدة اثتين يتوكأ عليهماء أو يحملانه حملا 
شعر بعجزه فازدادت نفسيّته سوءا ء أبى الذي كان فى العسكريّة شعلة 
من التّار في الحركة وأداء الواجب ء والّذي طاف بلدانًا عربيّة 0 
والذي حرث الأرض ٠‏ وزرع وقلع . و لأبنائه ما صتع › يتهاوى الان 
أمام العجز › > غير قادر أن تكون له سلطة على يديه لين حمل بهما 
البندقيّة » ولا على رجليه اللَمىَ مشى بهما في ساحات الحلم والمجد 
لقد أدركنا أن شلله هذا سيقتله › وأن النتائج التي تنيني عليها مشاعره 
ستكون كارثية 

قدمت استدعاءلمدير الجن كي أرى أبي » في 


390 


4 .شرحت له أن أبي مريضض وعاجرٌ »ولا يستطيع أن 
يأتي إلى التجن ليزورني . . . كنت في الاستدعاء أكتب كأتما أكتب 
لبي » أو عن أبي » كان الاستدعاء يفيض بعاطفة ا لحب له والحرّن 
لاجله ؛ كنت أريد أن أراه قبل أنْ يفاجئنا الرّحيل » الرحيل الذي 
موي جوع اجو يوي كلم ل ل 
كل أحزاني » كأنه كان ينقصه رضي الله عنه أن أقول له ذلك . . 
جاء ني الرّد برفض الطلب . . احتفظت بالاستدعاء لوده بغلااف 
شفّاف الي ىن الكتير» راطا معن سرض مكو ولا 
ثم أعطيته لأحد المحامين » وقلت له لا فرط فيه » أريد أن أصوره 
وأحتفظ به في مُذْكراتي 

كانت المضايقات تُطل بعنقها البغيض مع كل ذي سُلطة » حاول 
ليث أنْ يُخفف عن المساجين » كان يجلس مع الإدارة ويطلب منهم أنْ 
يُعاملوا السّجناء بالرّفق » وكانوا يسمعون له ولكنهم لا يُطبقون من 
الاتفاق معه شينًا » ولم ييأس من المحاولة في كل مرّة » ويومًا كنت 
أجاله في ساحة مهجعةء وقد كادت الشمس تيل إلى الأفق 
لعتأذن الكائنات التي تفهم لغتها بالوداع » وكنًا من ضمن هذه 
الكائنات . سألته يومّها : «لماذا صر على أن تطالب للمساجين بتحسين 
ظروفهم في كل مرّة ‏ لقد جرّبت العسكر إنهم يعدون ولا يفون » لو 
كنت مكانك لقلبت الطاولة على رؤوسهم ولأسمعتهم كلامًا شديدا 
يستحقونه ‏ وإذا كنت لا تريدٌ ذلك » لا تريد أن تشاء تشتمهم على كذبهم 
ل ل ور ل 
شيئًا» . يومّها نظر إلي وابتسم ء قال لي : «يا بني . إن افتعال المشاكل 
مثل افتعال الحرائق » وحتى ننجو منها سننشغل بإطفائها » وهذا ما 


391 


يريدونه » يريدون أنْ نقضي عمرنا كله في إطفائها ولا نفعل شيمًا آخر 
مُفيدًا . ومن مصلحتهم أنْ تظل هذه الحرائق مُشتعلة . وإذا ما حبت 
زادوها سعيرًا » وصبِّوا فوقها الرّيت لتلتهب › وتحن ماذا سنفعل؟ 
سنحاول إطفاءها حى لا تلتهمنا ء وهذا هو الفح ؛ لن نكون مُنتجين 
إذا ما وقعنا في هذا الفخ » وستجد كثيرًا من الناس يفرح وهو واقع في 
الفخ أنه أطفأ نارًا هنا » وقدر على إخماد أخرى هناك » وهو فى الحقيقة 
كان منشغلاً باللاشيء وباللاجدوى في كل حين » صدَقني يا أحمد ء 
أريدك أن تكون مثلي ء أنا مُنشغل بزرع الحدائق لا بإطفاء الحرائق» 
غاظتنى مثاليّته يومّهاء كما أغاظتنى واقعيّة المهندس الحكيم من 
قبلها . فألته غاضبًا «وهل ستظل كذلك لو خرجت من السّجن» 
ابتسم وسكت ء ولم يقل كلمة واحدة من بعد . 

لم يطل ليث المكوث ء كان يقاؤه معنا يُشبه بقاء الشهاب اللامع 
فى قبّة الّماء الداجية » رحل كأته كان طيفا تجوّل لزمن مقدور بين 
مهاجع الأيتام والمساكين » مسح على رؤوسهم كما يفعل القدّيسون »› 
حارتين سالتا على خحدي يوم فراقه » لقد انطفا من بعده نور آخر في 
قلبي » تخخيّلت الحكيم يقف فوق رأسي » كان الموقف لا يحتمل 
التوبيخ » لكنه يحتمل الهمس فى الأذن » لقد قلت لك من قبل : ولا 
تعلق قلبك بأحد» . شعرت بيده على كتفي ء أزحتّها برفق » وخاطبت 
صوته القادم من هناك : «ويبمن أعلقه إِذا؟ بالله؟!» . رد ولم أره : سحل 
الله أُوَلا!!» 


392 


(45) 
كان مينًا ثم عاد إلى الحياة 


«أريد أن أكلم أبي إنه يموت > صرخحت في وجه المدير»» 
وتحقزت . أحاط بي عددٌ كبيرٌ من الشرطة > كانوا مستعدّين للقبض 
علي وإيداعي في الرّنازين الانفراديّة . تبعت وأنا أغلى : «إنّها مُكالمة 
هاتفية ولن تكلفك كثيرًا» . رد علي ببرود واستخحفاف : «القوانين لا 
تسمح » وما يجري عليك هو الذي يجري على كل المساجين هناء 
أعترض مع خفوت صوتي العالي : «لكنّها حالة إننانيّة» يرد بذات 
الأسلوب وهو ينظر إلى قلم يحركه بين أصابعه «القانون فوق الجميع › 
ولا استشناءات» . أقترىس من شتيمته » لكتّنى أهدّئ المسير : «لو كان 
أباك فهل ستتعامل مع الموقف بالطّريقة نفسها؟!» . يرد وهو ما زال 
يحرك القلم بين أصابعه ويدور على كرسيّه الدوّار: «نعم ؛ حتى لو كان 
أبي . أخرجوه من هنا» . دفعت بشدة إلى الخارج » التصقت بظهري 
أكف كثيرة وهي تطردني بقسوة » نظرت في عيونهم : «لقد سرق 
الرّحمة من قلوبكم أنتم أيضا . وا أسفاه على حالي وحالكم» 

لا أدري لماذا كان وجهه مختلفا ذلك اليوم » كان لونه مخطوفا . 
مُصفرا ‏ وباردًا » سا «هل تعاتي من شيء؟» . رد علي : «لا أدري » 
قبل سنوات طويلة أجريت لي عمليّة قلب مفتوح . وأشعر باختناق في 
الصدر في بعض الأحيان» رودت اوسني أب تجا من تقب في 
القلب . لا عليك يا صديقي . إن شئت أوصيت لك على بعض 


393 


الأعشاب . والأدوية من الخارج . المهندس ليث مستعد تمامًا . عليك أن 

ترتاح أيضًا» . أجابتي : «كل شي ءِ سينتهي فلماذا أكترث! أينَ وصلنا 
في الكتاب الذي بين أيدينا؟» . كنا يومها نقرأ كتاب الدكتور خليل 
الشيخ : (الانتحار في الأدب العربي) . وكان قد صدر قبل أشهر› 
وحصلنا عليه من صحفيّة ظلّت وة فيّة لقضيّتنا زمنًا طويلاً . خلال 
الشهر الفائت تء كنا قد قرأنا ناقشنا ثلاثة كتب هي (الجماعات هل 
هي قوة فعّالة لهنري تيري مُترجما) » و (مع الله في السّماء للدكتور 
أحمد زكي) » و (الحرب الصليبيّة الثامنة للفريق سعد الدّين 
الشاذلى) » وقرأناها من مكتبة السّجن باستثناء الكتاب الأخير » فقد 
سا ع 

بالعودة إلى كتاب (الانتحار فى الأدب العربى) » كان العنوان 

لافنا » وكان الضمون دَسمًا » ومع أنّني لست مع قصص الانتحار ء ولا 
من هواة قراءة الأعمال التقديّة . فقد استهواني هذه المرَّ فى هذا 
الكتاب الذي عرض لا برز الشعراء والكَتّابٍ الذي سقطوا في هوّة الواقع 
الذي تعيشه الأمة › وأرادوا أل يستمر سقوطهم المريع فاستعجلوا ذلك 
بالانتحار . لست أناقش هنا القضية من زاوية دينية » فالإسلام - 
شك - حرم ذلك حُرمة قاطعة ٠‏ لكتّني أود e‏ 
الأسباب التي دفعت مشأهير في الأدب والإعلام على أن يقدموا على 
خطوة غير متوقعة ؛ الانتحار هكذا ببساطة!! ولكن هل فعلا كانوا 
ترون هكذا ببساطة مثلما أقول أنا هنا؟! الدكتور خليل استطاع أن 
يجمع من فار إلا حداثت مايمكن تقديمه كتفير لهذه الظاهرة التي 
تتبّعها من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث » وقد مر على ستة من 
هؤلاء في عصرنا » وهو يُحاول أنْ يُقدّم هذا التّفسير» فقد انتحر كل 


394 


من : (أحمد العاصي ١97١)ءو(إسماعيل‏ أدهم )۱۹٤١‏ »و (عيد 
الباسط الصوفي )١195”١‏ »و (تيسير سيول ۱۹۷۳) » و(خليل حاوي 
)١ 44‏ . وبلغة نقديّة راقية اسعطاع أن يضع يده على بعض هذه 
الأسباب » نقلها في حالة (تيسير سبول) على لان أحد أصدقائه 
«إحساسه أن عقي اغ تنه كن ع زوفو الدّفين بان سره ومَعْلّه 
الأعلى على الأرض قد هوى في وحل الواقع » تجريته المرّة عع كرت 
نذرٌ له عحُمره وطاقته ليراه قد تشحّت وتشرذم » الكوابيس التي كانت 
تتعابة ينبب امراش الأمّة المرسنة ..- . الغرية عن الوطن :وال ضدقاء 
والتفس . . مع إحساس بالعجز وقناعة بعدم جدوى الثقافة 
ومحاولات التغيير» » . حين قرأنا هذه الفقرة من الكتاب قال لي 
المندس : «ها هو سقط لأنه تعلق تَثَّل أعلى فلم يجادّه عند حدود 
توقعاته » وانّكأ على جدار الحزب فانهار ذلك الجدار » وشغل عقله في 
هات تتعرّض له الأمّة من نكبات فَجُنَ فهوى ,يا صديقي نَحَذٌ من العلم 
ما يكفى لكى لا تتكىئ على سواك» . تجاهلت نصيحته الجديدة » وإن 
اا فا مهمه الرضاهة وغ فت الف سان المستزيد : «أتدري 
ماقاله تيسير سبول من قبل في إحدى قصائده وهو يُشير إلى 
غيابه؟» . ولم أنتظر أن يطلب متي ذلك » فقرأت له 


أنا يا صد يقي 
أسير مع الوهم - أدري 
َم نحو تخوم التهاية 


نبيا غریب للدت لحن ان E‏ 
ناشفط لا بد ” يملأ جوفي الظلامُ . . 
عذيرك بعد إذا ما التقيّنا بذات مَنامٌ 


395 


اي 

لَك انت 7 

انا 

سعل ء كان سعاله جافا . «الدخان» . قال وهو يسعل من جديد › 
وتابع : «لعنة الله عليه »هو سبب كل هذه المصائب . نحن أعداء 
اتنا ترارق غا فر اعرف آنه يض قبل أن يعت تفسيه ٠”‏ 
أحاول أن أداري الحرج الذي أوقعني فيه بالسّؤال عن الموضوع الذي 
كان يدور حوله كتاب الحرب الصليبّة الثامنة . عنوانٌ جذاب هو 
الآخخرء يبدو أن العنوان في التهاية هو الباب الذي يفتح على الحديقة 
الخلفيّة » يجعلنا نشتهى أن نقراً 

قال لي : «الحروب لن تنتهي» . أعرفُ أنه مُتشائم » «لكنّْ ما 
مناسبة هذه العبارة؟» سألثّه . رد علي بمزيد من السُعال . وتناول 
ساره حتديدة اعتغلها سهت قا عقا وت وحن ترق 
مغلها » لسنا في النّهاية إلا رمادًا » أو دُّخانًا يتلاشّى» . لم اعقب . مد 
علبة سجائره نحوي : «احترق مثلى» . حجلت . بدأت أفكر في 
أن . تراجعتٌ ما أصعب أن تترلة ما تشتهي!! ۰ 

تلقينا في أوائل عام ١448‏ ثمرة كبيرة من ثمار السّلام مع 
الصّهاينة » أرادوا أن يُبرهتوا على مدى حُبّهم لنا » وعلى أثّنا أبناء عم . 
مصيرنا واحد » فقاموا بضخ مياه مَلوثة بالخراء من طبريّة إلى محطة 
زي » ووضلدّنا المياه بكمّيات كبيرة » وكان ذلك جزءا من الاتفاقيّة 
المائيّة بيننا ء كان خحراء ممتارًا فلقد جاء من حبائب القلب ء فلماذا علينا 
أن نعترض » وترنمت يومّها ببيت انتشر في السّجن انتشار الثار في 
الهثيم › ولا أدري مَن قائله 


396 


اشرب خراك فلست أوّل خاري 
قي مَوطني ذي التبعة الأنهار 

وكانت الحكومة قد دآابت منذ أنْ وقعنا الاتفاقيّة قيَّ المشؤومة › اتّفاقيّة 
العار والشنار مع العدو الصّهيوني تُقنعنا بأنّ المستقيل سيكون ورديا » 
وان حجم الوظائف التي ستوفرها الاتفاقيّة ستشغّل كل العاطلين عن 
العمل في البلد » وسنتنرّه على شواطئع حيفا ويافا وعكا » وسيكون 
بإمكاننا الصّلاة في القدس من عمّان في ساعة . وستدفتح أيواب 
الرزق والسمعادة حل لا يمكن تخميله › وستع التجارة حتى بت 
لكل محروم مشروعه الذي سيعتاء ش منه » وأننا سنتمتع بمزايا لم يتمتّع 
بها مواطنو سويسرا » وصاّق بعضنا ا ا 
حتی بالكلاب » وقالت الحكومة : السّمن والعسل قادم!! وبعد أنْ كلا 
كل هذا الخراء تبيّن لنا أن الحكومة كانت صادقة في مقولتها . فهي لا 
تفرّق بين السّمن والعسل وبين الغائط والبول » فالمنتن يرى العطر 
مؤذيًا . والقذر يشمثرٌ من النظافة! 

وكتبت على إثرها مقدّمة كتاب بعنوان : (أوهام السسّلام العربي 
المّهيوني) » ونسخت منها سخا لأورّعها على المساجين » ولكن 
عساكر الأمن الوقائىَ صادروها » وصادروا ثلاث دفاتر كنت أكتب فيها 
مذکراتي وا أنْ أستعيد منها شيئًا » ولكن الغزال الشارد كان قد 
غاب في الأيكة الملتفة .ثم رحت أحاول أنْ أكتب ما أتذكر > کان علي 
أن أتذكر جيّدًا » أن أحظى بوقت من الصفاء الذهنى لكى أستعيد ما 
سرق كن هل يُمكنك أن تستيد الاء لذي انسكب في الرّمل » أو 
أنْ 5 تستخرج الإبرة من كومة القش! 

د التي نفَذَتُّها لم تكن لتُعجب الجميع » بل إن 


2307 


شاعر المرأة ذاته » الشاعر نزار قبّاني اعترض على ما قمتْ به » وتباكى 
على أرواح القتيلات :هذا انه ؛ لقند عاش في لتدن سنوات طويلة 
جداء وساعدته الحياة الغربية على هذه اللوثة لوئة الرّقة تجاه الأنثى 
ونان حت GC‏ لعا ين المي وات 
على وجه التّحديد من عقدة الشعور بالذنب تجاه الآخّرء وخاصة إذا 
عشنا في الغرب »مح أن الغرب نفسه لا يشعر بهذه العُقدة › إنه 
مُستعد أن يسحق شعبًا بأكمله » ملايين من التاس يُبيدها من أجل 
وهم » من أجل كذبة » كذبة لم يشثمغهابل اختلقهاهو بنفسه 
وصدّقهاء إنه مممتعد لأن يُشعل الحرائق في كل الأمكنة بدعوى 
محارية الإرهاب ء ويشغل كل العرب فى إطفائها أو إشعال المزيد منها . 
آل شک لدت أبدا وهو يهدم الات على شقانت الآلاف من 
ساكنيها دون أنْ يطرف له جفن › أو ترمش له عبن › إته بسهولة مستعد 
لأ يُغيّر خارطة دُول بأكملها ويلعب بنا كما يشاء » ويُعيد ترسيم 
الخدود . ويُسلم بلادا لبلاد وينهب بلادا من بلاد » ولو سالت من تحت 
قدميه الدماء أنهارًا وتكدّست الحعث أكوامًا ء فإنه لن يشعر باي دنت ۽ 
بل إِنّه ينتظر منًا أن نعتذرله لأتنا (كَرُمشنا) مشاعره بلون دمائنا المقوّز 
الذي يسيل على حدّ سيفه!! 

تتابعت لقاءاتي بالمهندس الحكيم في ظهريّات الأيَام » أطلعته مر 
على مقالة كتبّتها بعنوان : «زراعة الأمس حصدتها اليوم» . رفع 
ا ان يفت أن أنهاها ا رأيّه » قال : دلا يُدَ أن تقرأ أكثر › 
القراءة فيوض والكتابة ثمرء ولا ثمر بدون فيوض» . سعل . أتيمّه 
بكوب ماء . سألئّه : «مُتعّب؟» . ضحك ضحكة واهنة : «مَنْ متا ليس 
مُتعبًا! هل نحن إلا من تعب» . أسأله وقد بدأتْ لهجعه تُخيفني 


398 


«لماذا كل هذا التشاؤم؟» . «التفاؤل كذبة » مُصطلمٌ اخترعه الإنسان 
ليخدع عقله كي يستريح قليلاً من حجارة التشاؤم التي تطحن قلبه» 
إن ريي لطيف» . «ولهذا جعل التَشاؤم حالة والتّفاؤل عرض » إن بشرًا 
يُساكنونك هذه الأرض لا يمكن أن يدعوك لتعيش بسلام . نحن ذئاب 
جائعة يا صديقي» . حاولت أنْ أحرف دفة الحديث باتجاه آخرء 
فسألته عن الكتاب الذي سنقرؤه هذا الأسبوع » كان يحمله بين يديه . 
رفعه فى وجهى > كأنه يُعلن صافرة البداية أو النهاية لا أدري « 
ع ين و | توا مع شيط 

«مُبارَك أنا بالإيمان » وملعونٌ بالنيان 

واضح » لكن مُغطى بالطين 

راشد . أهرمٌ . ولا أزال طفلاً صغيرًا 

ا 

لا تقل هو ميت 

كل كان ميّمًا ثم عاد إلى الحياة 

وأخذه أصد قاؤه إلى الصحبة مر أخرى» . 

كان يقرأ من ديوان جلال الدّين الرومي » قال لي : «منذ ثلاثة ایام 
وهو بين يدي » أقرؤه وأشعر بكل حرف فيه » نه اوا ی خرف 
الحرف » إنه رار > شعر الرومي لا يقرأ إل بالقلب » تتلذد بالترتم 
فيه » وتطرب لسماعه , لكنّه لا يُسمع إلا بالوجدان . ظللنا نرشفُ من 
كأس الرّوميّ عشرة أيّام متتابعات . كان الشّعر إمساكا بلحظة اتقاد 
الرّوح ٠‏ كتا نحاول أن نلتّقي تلك اللّحظة . أن نتحيّن لها فتستح لناء 
من أجل أنْ نتخلّص قليلاً من دناءات هذا العالّم . 

أمس جاءني ء من بعيد وهو يدحل بوابة المسجد ء بدا مع سقوط 


399 


أشعّة الشمس عليه » كأته يُشْعٌّ » الفضاء خلفه مُمَحَمْ بالفراغ وهو علؤه 
بالتورء بالقيء » وبالظلال التي تسمعٌ موسيقاها » كان يبدو أنّ روحه 
تتامّى » صافيًا كنهر » ونقيا كغمام » حينَ جلس إليّ لم يكن يحمل 
كتابًا » تعجّبتُ ‏ قال لي . وهو يُوڵي وجهه بعيدا عنّي : «لا يُمكن 
زحزحة الرّمن إلى الأمام أو الوراء ثانية واحدة لحساب الموت » الموت 
انقطاع الحياة فجأةء لا أدري مَّن سيرثيني إذا مت . . . الذين يعيشون 
في غابة يكون فيها البقاء للأقوى يموتون مُبكرًا » أنا لست قويا با 
يكفي » أعرف ذلك . وسأرحل سريعًا . . .» . لم أقل شيئًا » قمت إلى 
الخابية » ملأت له كأسمًا من الماء » سعل » بدا سُعاله سهامًا ناشبة فى 
حلقه » شرب بصعوبة » قال لي : «مَنْ كانت آخرٌ حياته شربة ماء من ٍ 
يد حبيب فهنيئًا له» . هات من تشاؤمه » قلت له لأبشره بقرب 
الإفراج عنه «إنها أيَامٌ معدودة وتخرجٌ من الجن وتعود إلى أطفالك 
وأهل بيتك وتهنأ بهم» نظر إلي ياتا وهو يث على صدره من الألم › 
وقال : «صدقت ؛ إنها أَيَامٌ معدودة وسأخرج من الجن لكتني لن 
أعود إلى أطفالي» لفيا تنعت آنا a‏ انا منوراء ظهورنا . 
التفتُ لأعرف مَنْ يبكى »لم يكن ثمّة إلا الفراغ . وجدار تعلوه رفوف 
خحشبية قديمة تحمل بعض المصاحف . قام مثل طيف . غادر ء ٠‏ وهو يرتح 
من السعال . 

الخروج » هو الخروج ء كلنا سنعبر يومًا ما تلك البوابة التي تُفضي 
إلى خارجناء تُفضي إلى الحقيقة » الحياة وهم ء وهم جارح › إنها راقصة 
تبدّل کل يوم حذاء وت ما و 
لا يتزيّن لصنف من الاس أكثر مما يتزيّن للجبناء > سيجعلهم يرتعو 
في الطّبقة الستابعة منه 


في اليل سعل أكثر » قام يتلمّس باب المهجع كالأعمى › الباب 
مُغلق › مُوصَدٌ لا تفتحه إلا السلطة . التمس الهروب من الموت بانفتاح 
الباب » لكن الباب لم يفنح . هل كان سينجو من الموت لو فح الباب!! 
أم أنّ اموت استبطأ الحرس ليم مهمّته المقدّمة معه!! 

نادى المساجين الذين يشاركونه الملهجم على العمساكرء لم 
يسمعوا . طرقوا الباب بكل أياديهم › وهم يستغيثون : «إنه عوت» كان 
الالم في صدره يصعد يروحه › جاؤوا بعد ساعة ء رأوه مُلقى على 
الأرض . كان هو قد بدأ سفره إلى الغاية » الغاية البعيدة ة تاركًا لهم 
جسده ء «الحسد قشرة» قال الموت . حملوه ه إلى الممستشفى . عيناه 
نطقت بكل شىء » وصل إلى هناك بجسده »› كانت روحه قد التحفت 
انل الطّبيب الشرعي : «إِلّه ميت منذ ثلاث ساعات!» 


(57) 
صارت قاطمة وطتي 


كان الطّابون قد أغلقَ منذ زمن سحيق ء وتحوّل إلى أطلال دارسة » 
لو لحق بها امرؤ القيس لوقف مع صاحبه وبكى عليها » أو لو لحقها زهير 

بن أبي سُلمى لغنّى : «أثافي سسُفعا» . صارت تخبز خبز (الشراك) على 
الصاح > کان إدامنا مع الرّيت والشاي اللو . قبل أن أتزوّج كانت أمَي 
تُعطيني بعض أرغفة الخيز آخذها معي إلى العسكريّة » أقبّل يدها 
وأعلم أن خُبرَها هو بر الحياة » وأنّ المسيح لو كان حيا لطلب منها أنْ 
تكسر له من خبزها كما كان يقعل هو مع حوارييه 

توقفت أُمَي عن إعطائي أرغفة الخبز الثلاثة حين صار لي وطن ؛ 
حين صارت فاطمة وطني ‏ وها اغتربت عن هذا الوطن في المنفى » في 
سجن مواقة الصّحراوي » عادت أمَّي إلى خبز الأرغفة الشلاثة › 
تنتظرني من الستابعة صباحًا حتى العاشرة » تتوقع بعد كل طرقة على 
الباب أنْ أكون أنا الطارق » تنظر إلى فرجة الباب في كل لحظة » تقول 
في نفسها : «سيأتي ولن يطول غيابه أنا متأكدة من ذلك» . يراها أبي . 
يُشفق عليها ء يقول لها بكلمات تخرج ثقيلة من بين شفمّيه : «الولد 
فى حفظ الله فلا تقلقي» . تصيح بوجهه : «أنت لا تدرك ما آنا فيهء 
أنا أحس بأنفاسه تقترب »أجد ريحه في كل صوت » فدغني 
وشأنى» شرل ابن دا غا تالكا يعد ل جل ف این انت 
اء الرفن نوكن جه كله : طلم إلى ای٠‏ يكرك آن 


402 


الامّهات لَسْن آدميّين بالمعنى الحقيقي ٠‏ لا ينتمين إلى البشر ء إِنَهن 
رحمة إلهيّة ليسّت موجودة إلا في السّماء ؛ يُفكر أبى وهو يبتسسم : 
«هل الأمّهات ملائكة ضَلْت طريقها إلى عالمنا؟!» . 

لم تبت تبت الأرغفة الثلاثة يومًا واحدًا عند أمَّي » كانت بعد العاشرة 
Sas‏ ارط ل ل له : دهي لك ١‏ 
كأنه أكل» 

في ايام البرد من عام ۹ مات املك حسين › وعم ۾ الحزن 
الدّولة » واتشحت بالسّواد » إنها له منذ ما يقرب من نصف قرن » كان 
فى يافعًا حينَ جاءها وغادرها عجورًا . وارتبط اسمه بها في كل 
محفلل . زعلت أمّي على موته › الموت لا يقي على أحد كانت 
تقول : إنّه حذر كل الضُبّاط والعسكرين والقادة ومديري الخابرات 
وغيرهم ؛ كل شيء إلا أمَّه > دعوها تفعل ما تشاء » وتقول ما تشاء » 

فى الجن ٠‏ سر کف > لکن غمامته انقشعت ٠‏ . كانوا قد 

بدؤوا خان عن العفو العام وتبييص اللجون > كان الك عد الله 
القاني يستعد بعد أن صار ملكا هو والحكومة على استصدار عفو عام 
عن الستجناء , يُفرِح به ذويهم » عن روح الرّاحل الكبير »لعل بعض 
الدّعوات تصل إلى أبيه الذي صار فى رحمة الله . حينها انقلب 
الستجن بكل من فيه من مساجين وسجّانين إلى خليّة نحل » وتحوّل 
إلى معاهد للدّراسات والتحليلات » وانداح طوفان الأمل حتى مس 
كل أحد ء وما بقي من سجين إلا وأمل أن يكون الإفراج عنه قريبًا 

تكركب الستجن » صار السستجناء مجانين . يذرعون ساحات 
اللهاجع بخطوات سعينة وهم يُفكرون في القوائم التي ستتضمن 


403 


أسماء المشمولين بالعفو »لم يعد أحد ينام » وإذا نام فغفوة بسيطة 
يصحو منها فرعا وهو يهڌي : «اسمي مكتوب» . تحول الآمر إلى هلوسة, 
حقيقية »› » بلغت منتهاها مع تباطْو الحكومة في إعداد القوائم > راح 
بعضهم يُخطّط للمشاريع الكبرى التي سيقوم بها بعد الإفراج عنه » 
كانت سنوات الجن الصّعية التي عاشها أكثر التزلاء ترسم في 
خيالهم العمل الفوري وجني الكثير من الأموال . كأن الأموال 
والوظائف كانت تنتظرهم على بوابة الجن الخارجيّة » فما إن تُفتح 
نفسه وقد صار مديرًا » حر وقد صار علك شركة استيراد وتصدير 

حتى أولئك الّذِين يعرفون الواقع تمامًا راح يتخيّل نفسه عضو مجلس 
إدارة في شركة وندوزء وأته يجلس على نفس الطاولة التي يجلس 
عليها بيل غيتس!! هل الجن يفعل بالإنسان كل هذا؟ هل كان 
الانحبا س لغما يزداد الضغط عليه في الوجدان . ويظل كظيمًا حتى 
لحظة الإفراج 3 فاإدا حدثت انفجر ذلك اللغم فتحول و شظايا 
مضيئة › ؛ فظتها الإنسان نيومًا » وما هي إلا أشلاء أحلامه الأ سطورية 
وإذا فقد سافرنا بأحلامنا قوق ظهور التجوم والكواكب واخترقنا 
السّماوات والآفاق . 

لم يشملني العفو . لم آكن ممن وقعوا في و فخ الأمل » كنت أعرف 
ف ابن اا ای يدينه سه سارات من لشب > ريما . أما اللآن 
ل ٠‏ أفرج عن ثلائة الل كاد فى لك ۽ (ريحي) 
eT‏ حزنت لفراقه » فقد كان هو والمهندس الحكيم رحمه 


الله أكشر مَنْ أنارا لي دروب المعرفة . في مهجعي أفرج عن نصف 
زملائي » عن ثمانية » وبقينا ثمانية . كان الجاسوس الذي يكتب 
التقارير عني لمكتب الأمن الوقائي (أبو حلف) أحد افرح عنهم ءلم 
أشعرٌ تجاهه بشيء ء كان ذلك الشعور قد مات منذ زمن . 

أصبح مهجعنا خاليًاء حدث ذلك في المهاجع الأخرى » بعضّها 
أغلق بالكامل »لم يبق فيه من ديار . كانت سنة ١9949‏ بالفعل سنة 
تبييض .ء لقد صار الجن موحش » تتجول فيه أشباح العتمة فقط!! 
وهل كان يومًا غير ذلك؟ يلى ؛ كل مكان عامر بأهله ولو كان الجحيم!! 


(548) 
انهد عمود البيت 


ت أبي!! سكن كل شيء . صمت مُطيق . لم أعد أسمع شيئًا 
أحس أنني سقطت في فراغ . لا وزن لي » أبدو مثل ريشة تتأرجح بلا 
قرار » فقط أواصل السّقوط دون شيء يجذبني ٠»‏ كأني أسبح في هواء . 
هدوء في أذني ء > مثل ليلة ثلجيّة نامت فيها الرّيح » وامتص الثلج كل 
صوت فلا تكاد تسمع نأمة » فقط ندفات كثيرة من الثلج تهبط بهدوء 
لتنضم إلى الأرض المكسوة بالثلج في كل ناحية وتضيع في هذا 
البساط الأبيض الممتدٌ . الأشياء تبدأً بالاختفاء » السّجناء يسيحون 
حولي عيونهم مُطفأة وأفواههم مُغلقة كأتهم في فلم صامت › لا زمان 
ولا مكان ؛ ينقطع كل شيء » كل شيء يضم حل » ويغور في ثقب 
الصّمت بعد ثوان قليلة هديرٌ خافت مثل هدير القطار يأتي من مكانٍ 
بعيد جدًا » ر القطار دون صجيج » فقط بُخارٌ أزرق يتصاعد من خلفه 
مثل الضّباب في أيام الشتاء . كل شيء حزينٌ وباهت ء الرّماد يُغْطي 
الطرقات » وآثار بشر كثيرين تبدو فوق الرّماد متجهة إلى حافة ليس 
بعدها شيء سوى الهاوية!! 

مات أبي ؛ انه عَمود البيت . لم يعد بيت لناء » أصينحنا أيتامًا من 
جديد!! ا الله على روحك يا أبي . انطفأ الضياء الذي كنا تبصر 
به . وسقطنا في الفقد فجأةً , وعرّقت الخيمة التي كتا نحتمي تحتها من 
الرّيح والمطر » وأصبحنا بلا معنى . توضأت بالبكاء وصليت على روحه 


406 


الطاهرة » كنت أرتجف ء البرد يُغْطى أضلعى يا أبى ء أينَ هو معطفك 
لذي كنت تلقيه على كتفي ليُشيع في الدتفء ١‏ 

قال لي علي السّنيد ء إته توفي ليلة الخميس . وكان يضحك . 
سألمّه : أين أمّي؟ لم أكن أقصد أن أراها » كنت أريدٌ أن أقول إتها 
صارت لنا كل شىء . كنت أريد أن أبكى معهاء أن أسقط تحت 
قدمّيهاء مَنْ يحمينا يا أمّي الآن . لعنة الله على القيد » صرحت من 
الفجيعة » لعنة الله على الجن ء لعنة الله على القلوب القاسية » ما 
ضرهم لو أخرجوني لألقي عليه نظرة الوداع الأخيرء سأهوي على 
جثمانه » أحتضنه كما لو كان حياء وأبوح له بكل شيء » وأطلب منه 
أن يُسامحني ء أنْ يغفر لي كل شيء ء أن يقول لي للمرّة الأخيرة : الله 
معك يا بتي ءلم أحبّ في حياتي غير وطني وأنتم » ولقد ضاع الوطن 
ونحن نحلم » واللهُ أرحم من أنْ يجمع علي ضياعَين » كونوا كما أحب 
لكمء > أسرة واحدة » وعلموا أيناءكم حب الوطن » حتى يأتي اليوم 
الذي ينهض بهم وبأمثالهم . 

مات أبي ء قالها علي وهو يدير صفحة وجهه ء لا يُريد أن يقولها 
في وجهي » قلها يا علي » قُلها في وجهي وبفخر » قُلها فما عاش اح 
مثل أبي . ولا مات مشله . لقد نام على حلم اليندقيّة التي كانت 
رفيقته يوم تطوّع في الميش » اميش الذي دخله ليكون مُجاهدا » وظل 
أميئًا لها ولحلمه حتّى ثوى . قُلّها يا علي : لقد أقعدنه روحه الثائرة , 
وتوقه إلى الشهادة : «أمات أبولة؟ ضلال . . . أنا لا يموت أبي» 

لماذا يا أبى تغادرنا هكذا دون أن تقول!! لقد تعبت من هذه الذنيا ء 
أعلم » لقد ريت فيها ما يجعل الولدان شيبًا أعلم » وأعلم أك صبرت 
صبر الحبال الرّاسيات » وقد آنَ لك أن ترتاح » آن أنْ ثلقي عن كاهليك 


أثقال النن القاصمات › ورحلت جيب نداء ص ناداك » أفكان 
أقرب إليك مناء وجواره أحب إليك من جوارنا » فآثرته علينا 
وارحمتاه لروحك الطاهرة يا أبي!! 

قلت لعل ء أريدٌ أن أكتبّ استدعاء أطلب فيه من إدارة السّجون 
أن تخرجنى لكى أراه » رد على : «تراه!!» . ومد يده » كانت من خلف 
ويُداريني . وتابع : «لقد دفن أمس . ادعٌ له» . انفجرت من جديد 
ا «يخرجوك؟ إلى أين يا أحمد؟» «إلى قيره . أريد أن 
أجلس على شاهدة قبره وأكلمه . أريد أذ أريح جبيني عليها لأحس 
برواحه تنسرب من التّراب إلى تلك الشاهدة فتسري في روحّه ؛ روحه 
الثائرة الهادئة , الصّامتة الضّاجّة . أريد أن أتمدّد إلى جانب قبره وتشاهد 
معا جوم (إيدر) في ليلة من ليالي الشوق 3 لدي أسعئلة كثيرة أريد أن 
أسألها له » لا أحد يستطيع أن يجييني عنها غيره » ولدي حكايات 
كنت أريد أن أقولها له ٠‏ له وحده » كنت أريدٌ أن أقول له أشياء كثيرةء 
أن أثرثر معه » ولكنّه رحل . . . هل هكذا بباطة رحل أبي يا على!!؛ 
ينظر في عيني ويبكي هو الآخر : «لقد رحل بالفعل يا أحمد. 
رحل» . أصرخ مُستتكرًا : دلا لم يرحل . نت تكذب ٠‏ وأنت مثلهم لا 
تريد ني أن أرأه» 5 أنهارٌ على شناك الزيارة 3 يتجمع حولي الماجين 
والعسكرء يحملونني إلى العيادة ء تمرّ ساعات » يحل الظلام على 
الكون كله ٠‏ أصحو على السترير فجأة » وأصرخ : «أبي . . يااااا أبي» 

مات أ بي کاله ما عاش » كأئنا ما ألفْناه وهو يحملنا صغارًا نبكي 
بين يديه » ويا صخبّنا وضوضاءنا وطلباتنا الدائمة كأئّنا ما رأينا 


408 


جبينه وهو يرشح بالعرق عائدًا من الشكنة يحمل بين يديه أكياس 
الحم والخضار كأته ما كان يُلاعبنا ء ولا يأتينا بالهدايا في كل عيد . 
كانه كان حلمًا . الحياة حلم يسهو فيه الإنسان عميقا » والموت صحوة 
الغافل . فجأة تقح يد إلى كتفك تهرك بعنفء تصرخ في وجهك : 
«استيقظ لقد مات أبوك» CS‏ . . فَمَنْ يستطيع ألا عوت!! ستيدو 
الحياة يوسا ما لنا جميعًا كأنها لم توجد من الأساس . 

كان أبي شَغوفًا ء يحب الحياة » يحب التاس » مليئًا بحيويّة 
مُفرطة . . أصدقاؤه عدد النجوم > وکان حاضرًا في کل مكان » وجزءا 
د ...ما الذي حطم جناحي التّسر فجأة؟! لا أحد 
يدري ء ما الذي خنق الصّوت الصادح في البراري؟ لا أحد يدري . في 
سنواته العشر الأخيرة اختار أن يختفى عن التاس » بل حتّى عن 
نفسه › كان يحلم بأشياء كغيرة › لكنّه لم يقل لنا شيئًا ء كان قليل 
الكلام » وصمته غامضًا 

كان عالّي معه ساحرًا حينَ كنا أطفالاً »كان يأخذ بيدي إلى 
الحقول » أتشر ب معه حب الوطن » وتتلمّس أصابع قدَمَي ذَّهَبّ تُرابه » 
وحين كبرنا تحوّل ذلك التّوقد في عينيه إلى انطفاء . وذلك البشر في 
وجهه إلى غلالات أسى . ليتنا يا أبى بقينا صغارًا ولم نكبر 

كبرت ودخلت العسكريّة » كنت أعود متها مساءات الخميس 
مُنهكا > يكون جالسًا على عتبة البيت ينتظرني كما لو أثني لا أزال 
ذلك الصّبي الصّغير › يسألني عن حالي فأجيب بكلمة واحدة : 
«بخخير» › يريد أُ, بي أنْ يُطيل أمد الحديث معي » وأنا أهمّ بتجاوزه تاركا 
إِيّاه جالمًا وحده على العتبة وأدخل إلى الدار لآوي إلى غرفتي أغير 
ابي وأرتاح بعد طول تعب » يطرح قلاقة ئة أمسثلة أو أربعة معا 


يستبطئنى » أشعر بالضيق كما لو أننى فى جلة تحقيق › أدخل › 
وأتركه ورائي دون أنْ ألتفت إليه . .!! كم كنت عاقا يا أبي » كم كنت 
جاهلا حين ظنتت آتني كبرت وصار لي عالمي الخاص ٠‏ اليوم يأكل 
قلبي الندم ؛ ماذا علي لو جلست معك في تلك الايام على العتبة . 
وقبّلت رأسك › وحدثشّك مطولا » وارتشفنا معا كأس شاي ساوي 
العمر ء لماذا كان على الأولاد ألا يُدركوا قيمة آبائهم إلا بعد أن 
يرحلوا!! 

قلبُ أبي قارورة عطر ء > ورو-حه جرة أغان » وعيتاه شتلة ياسمن › 
تحط عفد ال قشو ا بعلل الو جع » وحالمٌ حد الفناء » وسهل 
ع ا او ا ا ا د 
السّماء ذات خريف » يأكل ما يَجد » ويطرب لا يسمع » وتكفيه كسرة 
خحبزء يشكر إذا وجدها ء ويصبر إذا لم يجذهاء لم يرتفعٌ صونه 
بالغضب في وجه أحد متا ء كان دائمًا رقيق الحواشي كربيع تحرّك 
نسمات آذار زهورّه فيفوح بالعطر في كل حين . ينام حين يضع رأسه 
على الوسادة كطفل لأته لا يحمل في قلبه ضغينة تجاه أحد . لكن 
كل ذلك مات اليوم . . . وصار ذكرى » فأي صبر نحتاج حتى نعبر 
طوفان الأسى! 

ما أصعب أن ده عن اخراص جل نبب كل ی 
ل I‏ 
ا ب ا 
عتيق كان حفط بيه Sas‏ اجر له مع وكات e‏ . فى إحدى 
هذه اللقطات صورة له مع زملاء له » سنّة يقفون في صفين » جميعهم 
تلب اللا العسكري الكاكي اللون » ويضعون شماغات مُهدّبة على 


410 


رؤوسهم » وشعار اليش العربي ذو التاج والسيفين مُثْبّت فوق جبينهم 
فى وسط العقال الأسود ء كانوا جميعًا يضحكون » كأتهم ذاهيون في 
نُزهة » أبي كان الذي في الوسط لكن في الصف الثاني » كان يد عنقه 
حتى يبدو وجهه كاملاً في الصّورة » وتبدو ضحكته الُشرقة قة كضحكة 
طفل » وأحد أسنانه الأماميّة يبرز قليلاً إلى الخارج فيّعطى ضحكته 
نكهة مُختلفة عن الآخرين » كاتوا جميعًا وسيمين بهذا اللباس 
والضحكة المرسومة بعفويّة قوق وجوههم » أكثر ما جعلهم يبدون بهذا 
الجمال » هو شيء ما في روّحهم ؛ لا أحد يعرفه » لكن يُمكن لْسُه 
بسهولة 

تعلمت من أبى هذا الشّىء ء كان يرافقه دائمًا دفتر مُذكرات أينما 
ذهب . وخاصة كن رات غيل الأولى فى العسكرية » يسجّل فيه ما 
يحصل معه ومع رققائه » كان دفترًا يسجّل فيه ما يُشاهده . وأحيانًا ما 
متسر الم ولايد > كانت لغة أبي بسيطة ء لكتها بليغة › 
كان يحفظ الااف الآأيات والآيات والأحاديث » كان الكتّاب في القرية 
يُعلّم أكثر من جامعة في هذه الأيام » وبالشفاه عنه وقر فى ذهني عدد 
كبيرٌ من أبيات الشعر التي كان غالبًا ما يترتم بها . 

دفتر مذكرات أبي وثيقة تاريخيّة يُمكن أن تكون شاهدة على 
عضرة وعصير زليه برعاي بجر من تاريخ ايحن العربي > لكتني 
أعلم أن كثيرين لا يريدون لهذه المذكرات أن 5 تنشر » التاريخ الذي نقرؤه 
فية فواعات كثيرة وإ زا جات ٠‏ وتحريف للكلم عن هواه + ورف > 
الحقيقة الكاملة ليت عند أحد غير الله . يُمكن أن أختصر مذكرات 
أبي ٠‏ في عبارة كتبها في ذيل ا لأحد اقتحامات قواعد العدوّ في 
فلسطين . كان يتحدّث بمرارة كيف يُمكن أن يُقاتل العسكري دون 


411 


أوامرء لأنّ الأوامر من القيادات العُليا لا تصدر إلا بعد أن تنتهى 
المعركة في أغلب الأ حيان » العبارة الى ختم بها إحدى أوراق مذكراته 
تقول : «كان لدينا حلم » ولكنهم داسوا عليه» . لقد اختصر يها مرارات 
الدهور التي كان يُمنَى بها هو وزملاؤه طوال انتسابهم إلى وحدات 
الجيش . 

فى الليل أويتْ إلى فراشى . كنت مثقوب الفؤاد » حلقى مشدود 
إلى كرة حزن تحاسيّة . جر أقدام الفجيعة حافيًا في غابة من شوك 
الأسى › ؛ كل شيء في يبكي » نت » في المنام , رأيت الشّيخ عبد 
الرَرّاق » كان جالسًا على حافة واد يُعطيني ظهره » عرفمّه من عمامته 
التي بدت على ضوء التجوم المتلالئة » وقفت على مبعدة منه مُندهشًا 
لا أدري ماذا أفعل › أشار لی بيده دون أنْ يلتفت إلى الوراء كى أجلس 
بايا ل ا ل 
واد لا ری له قرار لعُمقه › وأمامنا الفضاء 2ل E E‏ بقعم بعر 
في المدى . قال لي دون أن ينظر نحوي : «أبوك بتحير» O ET‏ 
اله «وهل تدري بموته؟6 . رد باستغراب : انعم ء ألم يقل لكم!!» 
سألته وأنا أخفض بصري وأنظر إلى يدي : «لا »لم يقل لنا » ولكن 
كيف عرفت؟» . سألني . عرفت ماذا؟» ته 00 . أجابني بفرح 
«لقد زارنا أمس» . سألته لأعرف أين زارهم : « نتم أين تسكنون؟»6 
«هناك» . وأشار بُعكازه إلى pe RE‏ النجوم . كل 
واحد منًا له غجمة » انظر إلى تلك الأكثر بريقا إتها نجمة أبيك »إتها ما 
زل جا خد نيك ا تبدأ با لخفوت لمح 
لنجمة جديدة بالظهورء هناك . . . انظر . . . إنّها نجمة أبيك» «ولكن 
أبي ذفن في القبر سيّدي الشيخ وليس في السّماء» . أجابني بشيء 


412 


من الحزم کان عبارتي جرحت كبرياءه : «لا تكن أحمق » هل رأيته وهو 
يُدفن في التراب؟» . «كلا» . «إذًا لا تحكم على مالم تر» . سألمّه : 
«وأنت؟» . رد كأته تهلل : «أنا رأيئه ؛ كان يصعد إلى الأعالى لحد 
مكانه الذي يليق به» 

استيقظت مرتاًا . علوء! باليقين . اليقين برد » حماية من المَّنّهِ » 
ودوحة يجد المرء فى ظلها الرّاحة بعد الشْك . الشك الذي يظل يحومٌ 
حولي مثل طائر فقد صغاره . 
وزارني في اليوم التّالى عددٌ كبيرٌ من الشخصيّات الوطنيّة وقدّموا لي 
المحنة 


413 


(55) 
والله ما كتبت استرحاما لأحد دا أمَي!! 


زارتني أمّي بعد شهر من موت أبي » كانت تبدو غاضية » حاولت 
أن أواسيها على فَفْد أبي قبل أن أفتتتح معها أي حوار من أي نوع 
لكنّها قطعت علي الطّريق » هتفت يصوت عال لشفت أك قتقت 
استرحامًا لتخرج من الجن ع »هل تريد أن تنكس رؤوسنا يا ولد!! 
تطلب عفوًا!! لماذا » هل نحن صغار في عيونهم لنفعل ذلك؟! يا ولد 
العفو لا يُطلب إلا من الله . وطيت راسنا . . . هل على هذا رَبيئّك؟!» 
لم تمر لأ لي فرصة كي أردّ » كانت كلماتها تهبط فوق رأسي كحجارة 
مر اه ؛ قلت لها بعد أن سكنت من غفا ومن قال لك ئي 
قدّمت استرحاما؟» دهم يقولون ذلك . أحد ضبّاط المخاترارت أوصل 
لأحد أقاربنا أنك كعبت استرحامًا ليُفرجوا عنك . . . تكتب 
استرحامًا!!! ألهذا ا لحد نت على نفك!!» . أجبتّها مثل متهم يُدافع 
عن نقسه «والله ما كتبت استرحامًا لأحد يا أمّي » وهذه إشاعة تريد 
النيل من عزيمتي وتشويه صورتي . ثقي يا أي أتني لن أطلب العفو إلا 
من الله › ولن الجأ إلا إليه» . أمالت رأسّها وهی تلهث من غضبها 
السّابق » كأتها هدأت قليلاً : «هكذا تكون ابني » ابني لا يهون ولا 
يذل » ابني عليه أن يعرف أن الحفاظ على المبادئ اهم من الحفاظ على 
الروح» : «حاضر يا أمَي . ولكن كيف أبي؟» . صمتت »ء كأن السّؤال 
فاجأها: (إنه فى رحمة الله» . «ولكن كيف؟» «كيف!!» . (كيفا 


414 


مات؟» . «مثلما يموت البشر . لقد كان صابرا > والصابرون يرون ملائكة 
الرحمة وهي تنزل من السّماء لتعود ومعها أرواحهم . لقد ارتاح . آلامه 
في الشهر الأخير من حياته كانت فوق احتمال البشر . الله أرحم به 
منًا يا بُني» . وسكتت كأن دمعة أوقفت الكلام في حلقها » فغصّت 
تركتّها براحتها , ٠‏ لتتابع : «كان يُحيّكم جميعًا » البيت الذي ليس في 
أب بيت خرب » بلا معنى » باهث , موحش يا بني» «لماذا رحل 
سريعا يا أمَي؟» . «الطَيّبون لا يمكثون طويلاً يا بُني» . 

عدت إلى القراءة أداري بها أحزاني » وأعبر بها قنطرة الأسى إلى 

ضفة الحياة ء الفرح ربّما إذا زارّنا ء أو الأمل إذا تفضل علينا بالإقامة 
بيننا قليلاً كتبَتْ مقالة بعنوان : «وامعتصماه» كنت بالطّبع أحفظ 
بعض أبيات قصيدة عمر أبي ريشة 

رب وامعتصماه انطلقت 
ملء أفواءه الم بايا اليثم 
EE‏ ا »لكنها 
لم تلاس نخوة الأمتصم 

على مدي من القصيدة ء ومن قراءاتي في الصّراع العسربي 
الإسرائيليّ » وما تُعانيه أمّتنا يومئذ كتبْتُْ المقال » وتشر المقال في 
جريدة العرب اليوم . ناداني مدير السّجن في اليوم الذي تُشر فيه 
المقال , قال لي : «كيف خرج المقال من السسّجن؟» . آجبتّه : «مع أحد 
السجناء الذي أفرج عنهم» . «إنه لم يُفْرَج عن أحد أمس» . «لقد خرج 
قبل ثلاثة يام . اليوم فقط تُشِر» . لم تُقنشْه إجابتي ٠‏ قال لي وهو 
يحاول أنْ يجد منفذا : «أنا أكافئ الذين يقولون الحقيقة يا أحمد» . ولا 
أريدٌ مكافاة من أحد» . فل الحقيقة إِذَاه . دهي ما أخبرتك» . تركني 


415 


لم تكن تلك الحقيقة ولا بعضّها ء المقال أخرجه أحد عناصر الشرطة ؛ 
دفعت له ٠١‏ دنانير ليُوصله إلى علي السّنيد ۔ كنت فرځًا بنشره . 
كانت قراءاتي تثمر أحيانثا . أفكّر في أن أكتب كلّما شعرت بحاجة 
إلى ذلك . الكتابة تحمي هي الاخرى » تحمي من الزن أحيانًا » ومن 
الجنون أحياتا أخرى › ويُمكن أن تُصيبك بالنّشوة » النّشوة لا تأتى إلا 
بعد احتراق . ١‏ 
المهندس غالب وفد إلى السّجن بتهمة حيازة أسلحة ومُتفجّرات » 
حُكم بسبع سنوات ونصف » كان بالفعل يحوي مُتفجّرات ولكن في 
عقله » كان مثقفا موسوعياء أفرح بقدوم هذا الصّنف من البشرء إتهم 
قادرون في جلة واحدة ن يفتحوا لك آلف باب على آلف كتاب » في 
سجن :بيعب بالقكّاة وعديمي الشرف وآرباب السوابق الذين ن بك 
من کل جانب » ويسدّون عليك كل طريق » يكون انبثاق واحد مثل 
غالب يُشبه انبثاق وردة من بين صخور ناتئة في أرض قاحلة ١‏ 
تاريخ التّضييق علي في الرّيارات » بدأ منذ أوثل أيَامي هنا في 
سجن سواقة ء كان علي السنيد أهم نافذة أطل بها من منفاي هنا على 
العالم الفسيح »في عام 7٠٠٠١‏ منعوه من زيارتي ء » تححجوا بأنه ليس 
من أقاربي » كان أخمّا ثالثا لي ولكتهم لا يعرفون ذلك . أضربت عن 
الطعام حتى يسمحواله بالزيارة . حدث أن زارتني أمّي في تلك 
الفترة يُْفتَرض بالمضرب ب عن الطعام أنْ يليس أفرهول الجن الخاصَ 
بالإضراب 5 ويُودع في فى الرّنازين الانفراديّة » ولا يُدخل له أي نوع ف 
الطّعام والشراب . كان قد مرّ علي عشرة ة يام وأنا مُضرب . كنت أقطع 
الوقت بالقراءة في الزنزانة » قرأت كتابين ليّد قطب . ورواية لماركيز » 
وديوان الشّافعيّ . آخحرجوني من تلك الرّنازين لملاقاة امي > أخيروها أن 


416 


ابئها العنيد فى حالة صحَّيّة سيّئة بسبب الإضراب ٠‏ إنه يُصاب 
اا ويققيا و ااا ليوا ا أن کے اون عد 
ارات لع أعرفُ كيف يكون قلب الأمّ . أبي يعرف كم هي 
ak O‏ ل . لكتها لم تقل 

له : «إنني أملك أيضا قلب مُحارب عنيد» . أخرجت عبر مر خاص 
لملاقاة أمَى » نظرت إلى » كنت أبدو هزيلاً وشاحبًا . ونحيلاً كعود 
ی حب راش على عله ا ا ادي 
GSS E‏ تُشيح قليلا بوجههاء 
لعتدير أمرها ريثما تحاول ترتيب ما ستقوله a‏ 
تطمئن على أخباري » نظرت في يني بشكل مُباشر » كانت عيناها 
تحملان إصرارها القديم » قالت لي : دلا تفك إضرابّك ء ائبتْ عليه 
حتى يعم تلبية مطالبك» . وخرجت . عدت إلى زنزانتي جائعًا أكثر › 
جائعًا إلى الحديث معهاء كنت أريدٌ أن أيثها همومى هناء لكنها 
کی لوحدتى وغابة ؛ بت على ما قالت + وكسبت الحولة الول 
التي كسبتّها هي قبلي » إتها مدرسة في الصّبر والقّبات . 

حين رحلت إسرائيل من جنوب لبنان في.أيّار من عام ٠٠٠١‏ 
تفاءلت بأن المقاومة ستكسب الرّهان » وأتها ستنتصر مهما طال زمن 
المعركة كسب المعركة يقع لأولئك الذين حافظوا على أنْ تخفق رايات 
الجر في قلوبهه إلى آخر لحظة :تسن تخمل هذه العتفيدة عق 
قتال اليهود » ليس لهم مكان بيننا » المفاوضات ومعاهدات الصّلح قد 
تخدع الاس يومًا أو شهرا أو سنة أو حتّى عقودًا » ولكن زيقها 
سينكشف في النهاية » لأنها ببساطة قامت على باطل » والباطل زاهق 
لا محالة . وأمّا الحق فلا يُلغيه تقادم الأزمنة عليه . نحن نعمل في 


417 


غابة من الحراب » نغرس في قلوب أبنائنا وأبناء الجيل القادم أن أيدينا 
لن تمتد إلى أيدي الذثاب مهما أحاطت بنا التوائب وأرهقئّنا الخطوب . 
نحن من طينة لا يُمكنها أن تجلس مع غاصب ولو طال ذلك عهودا 
ظبا الّيوف المشهرة وأسنة الرّماح المشرّعة » ولسوف تغمدها فى قلوب 
الغاصبين وعيونهم . 

استلم إدارة السّجن مديرٌ جديد . كان سلفه قد ألغى عتى 
الزيار ات الخاصة » كانت الزيارات اللخاصة د تتم في كل شهر مرّة » أقکن 
فيها من الجلوس مع عائلتي الأصعَرة ؛ أمّي وزوجتي وأطفالي مواجهة . 
E‏ رامع يز حلت لازتام . قايلت مدير المّجن الجديد » وطليت 

a ع‎ N O 
hp GP OPENER ENES 
«تريدٌ مساومتي إذَا» . فرد : «أنا أريدٌ مصلحتك . وأنت رجل محترم‎ 
أرى الخطأ وأسكت عليه »لن يكون ذلك أبدا » فلتنقعٌ ورقة الزّيارة‎ 
الخاصة واشرب ماءهاء لا أريدٌ منكم شيئًا»‎ 

فى شهر أيلول من عام ٠٠٠١‏ تبر الفاح شارون على تدنيس 
المسجد الأقصى ء كان يُدرك أن العرب في سّبات عميق » وأنّ قادتهم 
في شخير عال » وأن بعضهم سيُؤيّده على اقتحام الأقصى لو علم 
بالأمر » فمنهم من هو صديقه الحميم » ومنهم من يرتبط به بعلاقات 
أخويّة أو عائليّة وثيقة . ومنهم مَن باع أمّته وشعفعيه ودينه من أجل 


418 


الكرسى!! ولسان حاله يقول : وماذا يعنى الأقصى للمسلمين؟! ولولا 
بقيّة من حياء تمنعه ‏ أو مُرْعَةٌ من خمجل تردعه لأنكر أي صلة 
الان اف وا أن قود الى ا الأ اتن هن 
الذين اعتدينا على حقهم التاريخيّ فيه › وبنيناه فوق هيكلهم!! 

لم يكن شارون يومها في الحكومة كان في الُعارضة » ولكنّه أخذ 
الضوء الأخحضر من حكومته حتى يقوم بفعلته . السفاح الطاغية » قاتل 
الأطفال والشباب والتساء والشيوخ في صيرا وشاتيلا » يعود إلى 
الواجهة من جديد ء تصدّى له الشباب فى المسجد الأقصى بصدورهم 
العارية » وبأجذيتهم التي راحوا يقذفونه بها هو وألفين من رجال أمنه . 
واندلعت المواجهات .. وتوسعت الااحتجاجات » وكانت انتفاضة ثانية › 
تدع إشرارتها هذا للحن ورت ا ی جد فا ن كلها 

هل يُمكن للرّعماء العرب الذين وقعوا اتفاقيّات علنيّة مَشينة مع 
العدو الصهيوني > دعك من الذين وقَّعوا فى السّرّء أقصد الاتفاقيّات 
المعلئّة » هل يُمكن أن يُلغوا تلك الاتفاقيّة نوف نقضها وعدم احترام 
بنودها »وأقلها سيادتنا على أقصانا؟ هل يُمكن أن يتحرك الدم في 
عروق الزعماء العرب الكبغر قيدفعوا بهذا الاتجاه ء أم أن هذا من 
الأ حلام البريئة التي ما زالت الشعوب الساذجة تُعلّقها على رُعمائها؟! 

لكن الأمل في المقابل كان يُزهر على أيدي فتية يحملون الحجارة 
ويشعلون الإطارات ء ويقودون المسيرات » ويقفون بشجاعة قل مشيلها 
أمام الدبابات والُدرعات وناقلات الجند . إن الأرض تشور› وإذا ات 
الأرض على شذاذهاء > فستدفع بطاهريها لكي يُدافعوا عنهاء إن نداء 
الأرض النبويّة إذا سرى في أرواح الشباب امن بقضيته العاشق 
لوطنه فلن توقفه لا الدّبابات ولا الطائرات ولا الصّواريخ . . . وسالت 


419 


الدماء » وارتقى الشهداء مُكرّمين » كان منظر الدّم يُثير الحميّة في 
العروق » فيتسابق نفرٌ من الصادقين إلى الشهادة » وكان عرسا وطنيا 
جعل القيادات الإسرائيليّة تتساءل عن السّر وراء استماتة لتماومين 
على هذه الصّورة المذهلة ؛ وراحوا يحاولون الولوج إلى عقليّة العربي 
المسلم الذي يهل عنده أن يقم روحه في سبيل بلاده كما لو كان 
يدم لها وردةء كان كل شيء يُمكن إيقافه . يُمكن القضاء أو 
الاحتيال عليه »أو خحداعه أو إغراؤه أو حتّى شراؤه إلا ذلك التفر 
العجيب من الشّهداء » إنّه لا ملطان عليهم إلا لله > فكيف يُمكن أن 
تشتريهم بلعاعة من الذّنيا وقد اشترى الله 00 أرواحهم بأن لهم 
الحتة » وكيف : يُمكن أن توقفهم والبائع روحه لا يوققه إلا أن يعبر إلى 
الضفة الأخرى حيث ٠‏ الغاية والأمنية!! 

رحت أجول في الممرّات كامجنون , وأتقافز بين المهاجع كالملوع . 
لم أدر ماذا أفعل » ماذا أقدّم لهؤلاء الثائرين » كنت أتَنّى أن أهدّم أسوار 
السّجن .ء أن أخلع بواباته » أن أكسّر جدرانه ء أنْ افتح منافذه » وأسمح 
لطوفان من البشر يسيل خلفي إلى منطقة الأغوار » إلى الحدود » نحمل 
البنادق » وئقاتل > كنت أتخيّل أن كل مَنْ سيتبعني سيكون قتاصًا › 
وتنا فى الحدود الفاصلة » نقبع كالأسود التافرة » نتربّص كالفهود 
التاقمة » ننتظر السَيّارات ممن فيها لنصطادهم واحد) واحدا . . .!! ماذا 
سيفعلون لنا » سيقتلوتنا!! وهل كُنَا نتوقع غير ذلك . لقد خرجنا من 
أجل ألا نعود!! ثم ماذا؟! سمّرسلون لنا 6 ات لكي يقذفونا 
بالصوارق 5 وليكن ؛ ذلك أمر طبيعي » سنقاتل حتى آخر رصاصة في 
بنادقنا » وحتى آخر قطرة في عروقنا؟! نحن لن نعود , لان مَّن يقعل ما 
نفعل لا يعود إلى أهله ولا إلى وطنه › ولا إلى سجنه » نحن تريد 


420 


ذلك . نريدٌ أن نعبر مثل هؤلاء الشهداء إلى الضّفة الأخرى » حيث 
التعيم الإبدئ ' 
حتى يقال إذا مروا على جدني 
أزشدة الله من 0 د 
إخوتي e‏ هنا E‏ دون أن أكون قادرا و 
کک لم أستطع التوم بشكل طبيعي » تقليت في الفراش مثة مرّة» 
في فى الفجر رأيت أحدهم بف دما حتى يفقد الوعي ارات نفسي 
أحمله في سيارة الإسعاف ذاتها من فلسطين وأعبر بها الحدود إلى 
المدينة الطَبّيّة في عمّان » نزف حى صقت الجراح دمه ءلم يكن 
بإمكانه أن يصمد ؛ طويلاً » استشهد ف فى الطريق » وسمعت الطبيب 
يهمس في أذن مُساعده » لو أعطي و-حدذة دم واحدة لريّما غياء فصحوت 
کان اح أيقظني . صليت الفجر وانتظرت فورة طعام الفطور د بفارع 
الصّيرء جاء الشرطي المكلف بفتح المهاجع > مألثّه : «هل جرحی 
الانتفاضة عقون في الأردن؟» . أجابني : : نعم > فى المدينة الطبّيّة » 
لقد أعطاني الحل إذا . هُرعت إلى مدير الجن » قلت له : «نستطيع أنْ 
6 . استغرب من دخولي عليه ومن هيأتي ومن كلماتي » 
تا : «يُمكن أن نتبرّع لهم بالدّم » التجناء سيتبرّعون بالدّم » آن 
لاان لدمائهم أن تتجدد»ه . سألني وقد أثاره a‏ «وكيقف 
ستتبر ستتبرعون؟» «سأجمع منهم توافيع ل أراد أن يتبرع الدم « e‏ 
أربعة من الملمرضين مع أدوات, ڪڪ وتسحبول منهم ب الم 
وتبعثون بها ا المدينة الطْبَبَةَ E‏ يرقد عدد من جرحی الانتفاضة 


421 


هناك على سرير الشفاء» . قدّرأنها فكرة جبّارة وإنساتيّة » لكنّها فيي 
الوقك ذاه غير لا نه ذل قن ادل ال اسي وما يشوف 
ذلك صلاحيّاته . بعد تفكير قال لي : «يُمكن أنْ تجمع التّواقيع » وأنا 
سانقل طلبك هذا إلى المسؤولين وسنرى» . 

دب عد أهرول أبحث عن الدفاتر والأقلام » وتحوّلت 
لون مَشَاءٍ له يعرف القعود حزمت > وسطي بثلائة دفاتر وأربعة أقلام 
خی لا قلتي فى عو الى ٠‏ طْفتُ على المهاجع كلّها . » أثير فيهم 
الحميّة والتخوة لوطنهم وعرضهم وإخوتهم › وأحثهم على التَبرَع على 
أنه أقل ما يُمكن أنْ نقدّمه أمام تضحيات الأ بطال الصامدين هناك 
كان أكثر المهاجع تيرّعًا بالدّم هو مهجع القثّلة » وأقلهم تبِرُعًا به هو 
مهجع السياسيّين!! 

مكنت أسعَر المشاعر أربعة يام » كان علي أن أتكلّم مع كل فرد , 
وفي الجن يومها ما يقرب من ألفي نزيل »أجل مع كل واحدرء 
أكلمه كأته أوّل واحد أفعل معه ذلك » وقد يدخل معي في نقاشات 
وحوارات عقيمة حول مشروعيّة ذلك » وكان أكثر ما يمغصني أولئك 
الذين يُناقشون الأمر من وجهة نظر شرعيّة » فقد عرقلوا مسيرتي » 
وجعلوني أشتمهم لكنْ بالسرّء أمّا الذين شاطروني مهجع العثّل فكانوا 
أسهل الناس وأسرعهم إلى تلبية التداء » والتوقيع على العريضة . المهم 
في التهاية جمعت ما يقرب من )۷٠١(‏ توقيعًا » وكنت قد صنفتهم 
حسب مهاجعهم وقضاياهم . ليسهل على ضبّاط السّجن مناداتهم . 
كنت قد تعبت » لكنّني كنت أعيش غبطة من نوع خاص. إِتها غبطة 
القدرة على الفعُل الحسن » حملت العريضة وكلى انتشاء » وهرولت 
إلى مدير السّجن » كانت آمالي وسيعة بوسع الأفق . وظلَتْ كذلك 


422 


E aE‏ باا E‏ جاءني الرّدَ 
من المسؤولين بالمنع» . سألته وأنا أكاد أسقط من الإعياء والغضب : 

«ولماذا؟» . قال : «لأن الجن له يواجد به أجهزة طبية من أجل هذه 
الغاية» . أعرف أنهم يكذيوت 1 وأعرف أن الأمر له يحتاج إلى أجهزة 
مُعقدة وأنّ الأمر بسيط جدا فأنا عملت فى هذا الجال وأعرفه جيّدًا, 
لکن الذي أعرفه أكثر أن قرارهم لیخ بأيديهم « وأن تبعيتهم للصهيونية 
- بشكلٍ مُباشر أو غير مُباشر على ضوء تفاهماتهم كيارية حدورها 

فى قلوبهم إلى الحد الذي أشربوها فه!! 


423 


مرّ عام » كأنّ الأعوام تركض في لا اتجاه وأنا لا أدري!! ما الذي 
يحدث؟! تتشابه الأيَامٍ کان ما فات هو ما سيجيء غدًا . لولا الكتاب 
لكنتُ قد سقطت في ألف مرض نفسي . لولا مراجعة ما أحفظ لكنت 
اليوم في عداد الا فقدوا عقولهم . ؛إنها حياة لا كأي حيأة » تسير 
مثل رجلٍ عجوز في أرض بلا شجر ولا ماء رولا جبل > أرضٍ تتوازی 
مع الأفق ؛ لا بداية ولا نهاية كلّما قطع العجوز جزءًا منها ظنّ أنه ما 
زال في مكانه › وإذا نظر خلفه رأى أن ما خلفه يشبه ما أمامه . فكأتما 
مشي في فراغ » وكأته كلما تحرك ذراعًا إلى الأمام تمركت الارض من 
تحته ذراعًا إلى الوراء » ثم يستيقظ من ذهوله ليرى آتها أعوامٌ طويلة » 
وأته إتما مرّ عام مثل ذلك الذي مر من قبل › فيّصيبه الفرّع من أن 
تكون كل أعوامه مُتمائلة ‏ ثم لا يدري ماذا يفعل . فيبكي بصمت › 
ويتسلم لقدر ماض فيها لا يملك أن يدفعه عنه! 

كان علي أن أخترع في كل مرّة شيئًا يقضي على الرّتابة التي 
أمقتها كما أمقت الكفر . قلت في نفسي كما قال الإسكندري لعيسى 
بن هشام : «لنا في هذا السّواد تخلة » وفي هذا القطيع سخخلة» كانت 
قدلمعت في ذهني فكرة لطيفة ee ei‏ نا ع د ل 
دخلت على مدير الجن › »وقدمت له استدعاء . قرأه بحضورى » 
فقطّب حاجبّيه » أراد أن يضربني » أو أنْ يرق الكتاب » أو على الاقل 


424 


o1 


ا ا 0 
طويلة تنم عن دهشته : «تريد مقابلة مدير الخابرات شخصيا . هل أنت 
تحلم؟! أم أن الجن أثر على عقلك؟! مدير المخابرات مره رة واحدة؟ هل 
تعرف ما معنى أن ثقابل مدير المخابرات؟!!» . أجبمّه وأنا أهز رأسي 
بالإيجاب : «نعم » لقد كنت فى اليش ٠‏ وأنا أعرف ما معنى مدير 
الخابرات» . سألنى : «وماذا تريدٌ منه؟» . «الأمر سري بيتى وبينه8 . 
ES‏ اقتربست منه » رکزت ذراعي على سطح مکتبه » ودنوت منه" 
ل e‏ : «الأمر يتعلق مصلحة 
» . التفتَ حوله وقد شعر بخطورة الموقف من خلال طريقة ة ثطقي 
بالكلمات . وسألني اتا التي وشوشمّه بها : «هل آنت جاد» 
هززت رأسي مشل عصفور ينقر من جُرن ماء بشکل متتابع : لانعمة 
أحفى الاستدعاء في درج مكتبه > وقال : «خير إِنْ شاء الله» . 
بعد أسبوع تمامًا من ذللك اليوم » قال لي المدير : «جهز نفسك 
لمقابلة الباشا» . لم يكن لتجهيز نفسى أي معنى » فأنا جاهرٌ فى كل 
لحظة ‏ لن يتغيّر شيء على ثيابي ولا على هندامي ولا على الشبشب 
الذين أجعله فن قدي رانف عرد من سارت الحرانة من جن 
سواقة الذي يبعد )7١(‏ كم عن عمّان إلى دائرة المخابرات . كانت 
اع يي سيت بوره الله اراي يت ٠‏ كنت أنظر إلى كل 
لقبظ بين وبين لما ٠‏ كم دق الاء إلى فيه دفعة واحدء فراح يعبت 
بالتّاسن > وطريق المظار ضار أهلا بالخ مارات التكتجة : وهن الدواز 


١ 


425 


الثامن إلى ناصية شارع الشعب كانت الحياة تتكلم بلسان ٹرئار» كنت 
أحبا أن ل بأزمات حتى ثیطئ من سرعتنا وأستمتع برؤية الناس 
والكائنات » حدث ذلك فى مكانين » عند إثارة المدينة الصناعيّة 
وعند مبنى (فاست لينك) الذي اہ حديثًا على الشارع الرئيسي 

لم نقف على المنافذ المُؤدية إلى مبنى المخابرات . كان لدى الحرس 
المعلومات الكافية التي تسمح بتأدية التّحيّة لنا » وإفساح الطريق كي 
نواصل إلى هدفنا . دخلت فى التهاية على مكتب أحد مساعدي 
المدير » جلت قُبالته في جو من الفخامة » قال لي » وهو ينظر في 
ولعو تتشي و ی دعاء لب كدري 
فيه الأسباب» . أجبمّه : «الأمر بيني وبينه › ولا أستطيع أن أقول 
الأسباب إلا مدير الخابرات شخصيا» . صَمّد نظره باتجاهى يريد أنْ 
يقول لي أنت وقح ء لكنه قال بدلا منها : «الباشا وا ول شيك 
من مقابلته » ولكن اشرح لي الموضوع » وسأقوم بنقل الأمر إليه حين 
التقيه» . أجبته : «إذا كان الباشا مشغولا في هذا الوقت » فمن الممكن 
أن تستدعوني في وقت آخخرء آنا لست مستعجلا» . وتأهبت للقيام من 
الكرسي الوثير الذي یرشح راحة » والذي تنيت أن يطول الحوار بيني 
وبين المساعد حى أهنأ به زمئا أطول » وضعت ذراعَي على رُكبَّتَي › 
7 ربت عليهما كمن يشعر بالأسف لعدم تحقق الُراد ‏ ونهضت 0 
أ نهوضي حتى رفع السّمّاعة التي على المكتب » وسمعكّه يقول : 
دستّدى؛ احمد الدقامنة فصر علق مقاباعك ياء 

دخلت على الباعسا ء قام من مكانه وسَلّمَ على » وأفسار لى 
بالجلوس قجلست . قال : «أمامك ٤٠‏ دقيقة لتشرح الموضوع الذي 
جئت من أجله» . قلت له : «لقد خدمت في الجيش بكامل طاقتي 


426 


لمدة أحد عشر عامًا » وتعرّضت لحادث سير سبّب لي إعاقة في يدي 
او هدت لهات اي اجن الور مولي 
فرفض طلبي ولا أعلم السّبب رغم أن القانون يسمح لي بالحصول 
عليها ء هذا هو الطلب الأوّل . أمَا الطلب الثاني فمن حقي كسجينٍ 
محكوم بِالُؤْيَد أن أحصل على زيارة خاصة لأسرتي » وهذا هو كل 
شيء» .أغضب » كان يتوقّع أن أتحدتث بعد كل هذه السّنين عن الجهة 
التي دفعتني لأقوم بعمليّة الباقورة ٠‏ لكن توقعاته انفشات اة 
صايون » بدا على وجهه الضّيق الشديد » حرّك بعض الأدوات على 
مكتبه › قبل أنْ يقول بنبرة استهزاء : «ألهذا طلبّت مُقابلتي؟» . طرقت 
ف تعي و ا ل ٠‏ سال الباشا الأخحير يُشيه 


ص 


سؤال أبرهة لعبد الُْطلب : «ألهذا جع ؛ تكلمني في مِعْتَّي بعير 
أصببتها لك وتتر مرك ك يما هو دينك ودين آبائك» . فرد عليه عبد الطلى: 
«آنا رب الإبل وأمّا الكعبة فللبيت ر رك يحميههة . وأنا أرد على 
استغرابه : هنعم أنا رب البيت أكلّمك في أسرتي وما يخصّني » أمَا 
الوطن فللاأردن رب يحميه» كان يظن أن الأمر يتعلق بمصائر اليلد 
الكبرى » قال لي بعد أنْ وجد أن الأمر دون مافرّغ نفهله:ة «أنا 
حاضر » سألبّى لك هذه الطلبات » إنّها بسيطة . لكنْ لها مقابل . 

تعمد عن الا فة وا فرق ون و لدو ارقف 
ما نقوله لك فسأسعى للإفراج عنك خلال فر فترة قصيرة» . قلت له 
«إنها الا ذا 9 إنه البيع 5 والكمن يحب أنه يقبض سلفا؟!» . 
صمت قليلاً قبل أن أكمل : «تريدني إذَا أن أتخلى عن هؤلاء الذين 
وقفوا معي وناصروني » وساعدوني على أن أظل قويا . . . المشكلة في 


427 


ارون نا آي ا مرن فن ار ت داي اس حلت رم 
ليس بالضّرورة ضدك ء لماذا تريد من كل النّاس أن يكونوا نسخة طبق 
الأصل عنك!!» . رد علي : «لانّك لا تعرف مَنْ هم ولا مَع من 
تتعامل » أنت إنسانٌ بسيط » هؤلاء الّذين يدّعون مقاومة التطبيع مع 
اليهود هم أنفسهم الذين يُقيمون معهم مشاريع مُشتر ة » مثل ...»0 
قلت له : «إذا كنتم تعرفون ذلك » ولديكم هذه الأسماء ء فلماذا لا 
تُعلنون عنها عبر الإذاعة والتلفاز من أجل أن يعرفهم التاس ويبتعدوا 
عن التعامل معهم أو مُساندتهم من أجل الوطن» . قال : «لأننا لا تريد 
الو بأحد » ولا نريد أنْ نفضحهم » والسّتر مطلوب من الله» . قلت 
له «إذا كان ما تقوله صحيحًا » فأعطنى وئائق ثثبت ذلك وأنا أتعهد 
لك بالابتعاد عنهم ء والتبرؤ منهم علنًا وأمام التاس» تململ على 
كرميّه » خفض بصره ثُمّ رفعه ‏ قال : «لماذا لا تدم استرحامًا للملك 
من أجل الإفراج عنك؟» . أجبنّه «ربي أرحم بي» . وقف فجأة . قال 
لي بحرم : «انتهت المقابلة» . ضغط على الجرس . الملاعين أخرجوني 
مع أن ال ه4 دقيقة لم تنته ؛ كانت هناك ملفات أخرى يُمكننا 
التَحدّث فيها معًا من أجل البلد . لكن لا أدري من ما تَهِمّه مصلحة 
هذا البلد حقا؟!! 

في الحادي عشر من سبتمير من عام ۲۰۰۱ اخترقت طائرتان 
بُرجى التّجارة العالميّة فى أمريكا ء دخلت إحداهما فى الثلث الأعلى 
من البرج الأول E‏ داخله » كان الذي اخحتار نقطة الاصطدام 
مُهندس ذكي » يعرف أنه لولم ينزل إلى هذا المستوى لربّما يُصيب 
الطوابق العلويّة فقط . ويبقى بقيّة المبنى سليمًا . لكنّه اختار نقطة 
لينفجر فيها بحيث إته إذا سقط ركام اليرج الذي يعلو نقطة الانقجار 


428 


فوق البرج فإنّه سيّشكل ثقلاً كبيرًا قادرًا على أنْ يجعل ما تبقى من 
ا 0 E A‏ و ا 
وكان منظر مروعًا و ا ا دراميا يعجر عه خيال 
أعظم الخ جن السّينمائيّين في هوليود . اندلع الحريق في الطوابق 
العليا ء وكان الثلثان الأوّلان ما زالا قائمّين » وجزء من الثلث الثالث . 
ولأن النار كانت تخار من استوعب الحذرث ء راحوا يهربون من الموت 
بحثًا عن فرص للنّجاة لكتها كانت تبدو ضيئلة بل ومستحيلة » وكان 
على بعضهم في الطّوابق العليا أن يقف في مواجهة ة الموت حرقا أو رَدُما 

تحت الركام » أو تجربة خحيار ثالث نسبة النجاة فيه أقل من واحد في 
الألف » وهو القفز من علو 1٠١‏ طوابق إلى الأرض » وهي فرصةٌ حياة 
لا تكاد تدخل العقل »لكتها أمام الموت حرقا أو ردمًا تبدو فرصة ٤‏ 
والغريق الذي يبحث عن قشة في طوفان هو يعرف أنّها لن تحميه » 
لكن أمل التجاة من الموت يُضخَم له القشة حتّى تبدو قاربا فيهرع 
إليهاء. وكان هذا مشهدا آحر من . السينمائية المفجعة . راح عددٌ من 
التاش يقفز في الهواء من ذلك العلوٌ الشاهق عاك سعد إن اموت لم 
يُمهله حتى يتم سقوطه الجر 

حين رأيت المنظر على شاشات التّلفاز لم أتمالك نفسي من 
الفرحة » ورحت أهتف » وأردد كلهات التحيّة لمن قالم بالعملية كاتنت 

ردة فعلي كردة فعل أي مواطن اعربي يشعر بالظلم والقهر » ويرى أطفاله 
9 المسلمين يذبحون في أكثر من دولة > وخاصة على يد اليهود 
الغاصبين » وهو يعلم أيضا أن برجي النّجارة هما عَصبُ الاقتصاد في 
أمريكا » والاقتصاد في العالم يقبض عليه اليهود » وإنّ إصابتهم في 


429 


عصبهم لهي بمثابة رد قوي على ما يفعلونه بناء هكذا كنت أنظر إلى 
الأمرء كان شعوري بالسّعادة غامرا بالفعل » فنّشت في جيوبي عمًا 
أملك من نقود » فوجدت في جيبي ما يقرب من ٠‏ دينارًا » فاشتريت 
بها كل ما في دُكان الجن من حلوى » (هريسة) و (وربات بالجبنة) » 
وقمت بتوزيع الحلوى على السّجناء وحتّى الضبّاط قبل أنْ أعرف هَن 
قام بالعمليّة كنت أطوف على المهاجع كأن ابني تزوج أو تخرج من 
الجامعة » وأنا أصيح بصوت مبتهج «تَحَلُوا تَحَلُوا اليوم عيد6 
كانت كاميرات السجن تلتقطني > في كل شبر أتحرك به » من غرفة 
المراقبة عرف المدير بالأمر فنادانى › لكتتى كنت قد وزعت تصف 
الأطباق » الصف الثاني سيبقى في مهجع القتلة أكثر من أسبوع 
ونحن نفطر عليه ونتغدّى ونتعشى »قال لي المدير : «هذا أمرٌ لا 
يجوز . لم يكن عندي لفرحتي وقت كي أناقشه ء هززت رأسي 
الموافقة على الكَوقّف عن توزيع الحلوى وبرجت وأنا اكسعر باتني 
شاركت على مقدار ما أستطيع بقتل هؤلاء الصّهاينة الغادرين 

ذهيت السكرة كما يقولون » وجاءت الفكرة » جلست بعد مشوار 
التوزيع على برشي أفكر فيمن يُمكن أن يكون قد نفذ العمليّة الجبّارة 
المتقنة إلى حدّ لا يستوعبه العقل » ظننت أن الجبهة الشعبيّة لتحرير 
فلطين قد فعلت ذلك »لها خبرة قديمة بالمطارات وتنفيذ العمليّات 
فيها » ولكنَ ذلك قد مضى ٠‏ أفيكون قد تجدّد لها شبابها!! الذي دفعني 
إلى هذا التفكيرء هو اغتيال الأمين العام لها (أبو على مُصطفى) 
بتفجير صاروخي من قبل سلاح الحو الإسرائيلي على مكتبه في رام 
الله قبل حوالي أسبوعين من تنفيذ العمليّة » فقدّرت أن جماعته قاموا 


بالتأرله » لكتنى رجعت في تفكيري السّاذج ؛ فهل يُمكن أن يخططوا 


430 


للعمليّة » ويختاروا منفذيها » ويقوموا بها بهذه البراعة » وكل ذلك في 
أقل من أسبوعين؟! نم ازداد المشهد ضيابية حين أعلن أسامة بن لدت 
مباركته للعمليّة . اود ل يجار حا القاكدة ها بل درت ام 
توالت أنباء عن أن البرجّين حين اصطدام الطائر تين بهما لم يكن فيهم 
يهودي ' واححدٌ » وكانوا جميعًا قد تلقوا تحذيرات بعدم الذوام في ذلك 
اليوم »نم توالت المشاهد المصورة التي صوّرت المشهد بدقة عالية 
وباحترافية سينمائيية حقيقيّة » وكأن بعض مَن يريد لهذه العمليّة أن 
تشيع في العالّم كان يعرف بها مُسبَّقَا وجهز لها كاميراته » وانتظر في 
أماكن متعدّدة من البرجين خطة الو ليقوم بتصوير المشهد من زوايا 
مختلفة . فيجىء المشهد فلما مُعدا لا عملية عدائيّة . . . . والغرض من 
كل ذلك؟ الإرهاب . . :ْ نعم ؛ الإرهاب .. . الإرهاب ذلك المصطلح 
الذي لم يكن شائعًا ولا a‏ قبل › ولم يردده زعيم في حياته 
بقذر ما ردده الرّئيس الأمريكي 06 الابن ٠‏ والذي قال في أحد 
تصريحاته : «إنها حرب صليبيّة جديدة» > وعلى كلمة الإرهاب المزعوم 
علق كل فجوره وکل حرويه وكل هجماته من بعد على الإسلام 
والمسلمين . سرق أفغانستان » ودمّر العراق ونهبها » وأعاد الصّومال إلى 
ما قبل التاريخ » وأعلنها حريًا لا هوادة فيها كان من أبرز تجلياتها المرعبة 
والمقزّزة في آن مما سجن أبو غريب في بغداد . والتّعذيب الوحشي 
والسادي واللا إنساني الذي يمارسه جنوده المضطربين عقليا مثل 
ال . . التي كانت تتلدّذ بتصوير المعتقلين العراقيّين 
في السّجن وهم غراة ة بشكل تام » الكلاب تنهش أجسادهم » وتلغ في 
أعضائهم الحساسة » وهي تأخذ لها صورًا بشارة التصر نه عصر 
الكاوبوي الأقذر فى تاريخه ء والذي لم يكن يومًا من الا يام نظيفا 


431 


وإذًا فهي ليست القاعدة كما أعتقد , ون كانت القاعدة قد غرر 
بهاء وامتّخدمت أداة من أجل تنفيذ مُخططات أكبر متها ومن كل 
الجماعات الجهاديّة والدّول » من أجل كسر شوكة الإسلام وإيقاف 
زحفه وانتشاره» لأته يُشْكل خطرًا عليهم فيما سمّوه سايقا ب (الخطر 
الأخضر)!! 

ولماذا أفغانستان؟ لماذا تقطع أساطيل أمريكا وبوارجها وطائراتها كل 
هذه المسافات المهولة لتحارب أفغانستان؟ ما الخطر الذي يتهدّدها قادمًا 
من هناك؟ هل هي القاعدة؟ هل هم الجهاديون؟ هل هم الأفغان؟ ا 
هي طالبان؟ كلا » هذه كلها ذرائع » وإنْ كانت جميعها أشواكا في 
حلق أمريكا , لكنّ هذه الشوكة لا تستدعى كل هذه الحشود 
العكريّة »وکل هذه الالاف من الأطنان من ارات تُلقى على 
شعوبها؟! إِذا فالأمر أكبر من ذلك وأبعد؟ وما عاه يكون؟ إنّه الفط 
ادات 

التفط وامخدّرات؟ بلى . الفط وفهمناه » فهم أولياؤه وأوصياؤه وهم 
يستخرجونه من أرضنا ويبيعونه لنا ء وقد يمنعونه يومًا ما عنا » لنعود إلى 
حجريّتنا الأولى » ويُاعدهم في ذلك حُكامنا . فهمنا ذلك يا أحمد. 
ولكن المخدرات؟ ما خان أمريكا بالمخدّرات؟ إِنّها قصّة طويلة يا 
عزيزي » ولكن لا بأس من الإطلالة على ی منهنا : إن اقتصاد 
أمريكا يقوم في جزء كبير منه على المخدرات » بل إن مافيات 
المخدرات هناك تتحكم | بالأسواق > وتّغيّر أماط النّاس » وتفرز مرشحين 
مجلس الشيوخ » وعددٌ من اترات وصل إلى برلمانهم عن طريق 
مافيات الُخدرات . فهو إذًا سلا اقتصادي سياسي ء أمّا جانيه 


الاجتماعى ؛ فهو الأخطر » لقد كان مظهرًا من مظاهر عنصرية أمريكا 


432 


التي تدّعي الحريّة » كانت المخدّرات الوسيلة الأقوى في وَقف تفوّق 
السود في أمريكا » وعدم وصولهم إلى مراكز قياديّة » وهذا ما دفعهم 
إلى إغراقهم أكثر من غيرهم بالجنس والُخدرات » ولذلك ترى أن 
اتتشار المنخدّرات في أحياء السود أكثر بكثير من أحياء التيفن: 
زا ات هي الضمانة لعرقٍ أسود يوغل بسببها في اليه والضياع 
والديون وقلّة الإنتاج والأمراض النقسيّة التي تؤدي إلى القتل . ولكن 
ما علاقة كل ذلك بأفغانستان » الأمر بسيط يا صديق ؛ أقغانتان 
تعتبر المنتج الأول أو التّاني عالميًا لزهرة الحشخاش التي تُصنع منها 
أجود أصناف المخدرات ء ولا بُدَ من السّيطرة عليهاء احتلالها أوَلا 
عسكريا , ثم تعيين حاكم من أهلها یکوت عميلا بالكامل لأمريكا . ثم 
الاستيلاء عن طريقه على کل شبر من أفغانستان تزرع فيه الكمدرانت: 
فا محدّرات هي نفط أمريكا الأهم فاحل تمرير مشاريعها وسياساتها. 
وأمًا طالبان والقاعدة فهما لاعبان صغيران » وبعمالة بسيطة وأختراق 
بسيط لهما يُمكن القضاء عليهما أو إبقائهما مثل الجزرة التي تقو 
الحمار إلى مصرعه 1 

مَنْ يُصدّق في أحداث سبتمبر أن الصّندوقين الأ سودين للطائرتين 
قد صّهرا ببب شدة الحريق » مع أنهما لا ينصهران ولا يحترقان تحت 
آلاف الدرجات السَيليرَيّة › 37 ورقة TE‏ ف عت كوي اليرجن 
ظلَتْ سليمة ولم تُحرّق ؛ ألا يقول ذلك إننا نتعرّض لخديعة غير 
مسبوقة ء نحن الشعوب المسكينة التي ت وراب عاديا فون بهي 
ولا أحد يدري كم خديعة انطلت علينا منذ وجود الممتعمر قينا إلى 
اليوم ونحن نظن أنتا واعون ومُدركون ٠‏ فإذا بنا بُلهاء ومساذجون 
ومُعْيّبِون!! 


433 


سنصحو یوما من هذه الذاحة وهذا الْتَعغييب 3 ولكن حن يكون 
قد غاص الرّمح في الحلقوم . العالم يتجه إلى الجنون » والجنون يقود 
إلى الفوضى » والفوضى تستجلب الطوفان ء والطوفان هو الحل الأمثل 
لتنظيف هذا الكوكب المُتداعى من الَكَام والشعوب . 


مومس | کی وک 


434 


(61) 
يجب أن يتجدد الهواء الداخل 
إلى أرواح العظماء الراقدين هنا 


فى عام ٠٠١"‏ أصبحت أمينًا للمكتبة في سجن سواقة » كان هذا 
هو حلمي الثاني بعد حلم العسكريّة . فى سنوات فتوتي الأولى » 
وقبّيل أنْ أنتسب إلى الجيش » كنت مورَعًا بينهما . أنْ أكون أمينًا على 
الحدود ء أو أمينًا على الكتاب . وتحققا اليوم معنا » وإنْ جاء الثاني بعد 
اتحياس بسبب الأول . قلت وأنا في السّادسة عشرة ة من عمري ٠»‏ 
سأتشئ مكتبتي الخاصة » لكن سنوات العمل وتقلّباتها كانت مرهقة » 
وقيادة السّيّارة بالموتى كان أشد إرهاقًا » فتأجل الحلم إلى أمد إلى حك 
أتنى نسيت كيف كنت أتخيّل شكل مكتبتى الخاصة 

اليوم أنا هنا» محبوس تعم , لكتّني أمتلك فضاء . أدور في 
حلقات مُفرغة لكثني لست حزيتا » سنوات عمري تمر لكتني لست 
ياتا ما دامت ستمرٌ في هذا . ست سنوات وأنا في التعيم » أنتقل من 
دوحة إلى دوحة » كان عملي هذا قد أعاد لي الثقة بجدوى الحياة . 
كنت قد بدت به أستعيد عافيتي النّفسيّة بعد سلسلة من 
الانهيارات . أن تعمل آميتا لمكتبة يعني أنْ يكون الله والسّماوات 
والأرضون كلهم راضون عنك . 

كانت مكتبة السّجن تحوي ما يقرب من أربعة آلاف كتاب » وهى 
وإ انظ اة و فيك فاد إلا انها المج لا اع ده 


435 


متازة » وخاصة أنّها تحوي كنبا نوعيّة » والسّبب في نوعيّة الكتب أنّها 
كانت تدخل إلى هنا بإشراف الصّليب الاتحيب ولو ترك الأمر لإدارة 
الجن لما أدخلت كتابًا واحدا إليها » ولكانت ربّما سعت إلى إغلاقها 
حتى لا تأتى منها المشاكل!! 

من أهمّ الكتب النّوعيّة المترجّمة التي وجدثُها في الجن . 
كتاب : (تعليم المقهورين) لباولو فريري › وكتاب (المؤمن الصادق) 
لإيريك هوفر » وكتاب (الطاعون) لألبير كامو . وهي كتب تُقَدَّم أفكارًا 
ثورية » ورؤى تقدمية ؛ وتهتم عم بالحركات الجماهيريّة وعقائدهاء ولو أن 
الأمر بغير يد الصّليب الأ حمر لما دخلت هذه التوعيّة من الكتب! 

وميه ل الشمس »حن يتفلت العد 
من اليد ٠‏ وتنفتح أبواب المهجع من أجل وجبة الفطور. مرحًا أقطع 
المردوانات » حبّى أصل إلى المكتبة فى الطابق الثانى » معى مفتاحها . 
ان الاب ی اک فضت ب ا ا 
فى الجن هى الحرَّيّة » القيد ليس أنْ تضغط على صدرك أربعة 
حدراة يل أن عيض باعل : أن ری كز هذاه الفيوظن اناف قف 
مكتوفًا لا حيلة لك . كنت أنظر إلى الكتب السحقرة يأمان فوق 
الررفوف » أطوف عليها بنظرات عاشق » وأتلمّس أغلفتها كأنني أتلمس 
جيذ الحبيبة + واب بتسم ء إنها آلاف الكتب » وأعلم أتني سأخرج من هنا 
عاجلا أم آجلاً » وأتهم رما سينقلونني من هذا السّجن إلى سجن 
آخرء وعليه فإته كان من الضروري أن أقرأ كل هذه الكتب قبل أن تمعد 
يذ إلي فتدفعني إلى زنزانة مُتحركة لتنقلتي إلى منفى آخخرء إِنّه سباق 

مع ألرّمن إذَا 
كان لي مكتبّ صغيرٌ » أجلس إليه . وعندي دفتر من إدارة 


436 


الجن أسجّل فيه أسماء المستعيرين » ودفاتر خاصة بي أسجّل فيها 
بلمخطابي واقتباساتي ٠ ٠‏ وکان يحق لكل سجين أن يتعير كتابًا واحدا 
في الأسبوع كت اخ اسماء اا وأسماء الكتب وكم 
تبقى لهم من الوقت › وإذا تجاوز أحدهم ا جوم واحد» كنت 
اتل نزیلا آخر يعمل معي وهو (نشوان) » شاب في أوائل العشرين 
محكوم سنتّين على سرقة » أغلب وقته يدور مثل القط في المكتبة › < 
يفعل شيئا سوى التحرّك بلا معنى » يبدو أته قبل بالعمل معي من 
أجل أن يتخلص من رفقائه في المهجع أو يحظى بمساحة من الحريّة 
تيح له أن عشي بضعة مئات من الأمتار بشكل قانوني من مهجعه 
إلى هنا ء أو أن الدّنانير العشرة التي يتقاضاها تُوفر له حاجته من شراء 
علب السّجائر بالتسبة لي كنت أتقاضى ضعف مرب مُساعدي ؛ إذ 
خصّصت الإدارة لي عشرين دينارًا في الشهر كمُرتّب لقاء ا 
على المكتبة وكتبها وتنظيم أوقات الاستعارة كان اقا ردا نخدا 
لكتني لم أكنْ أهتمّ بذلك . ولو عُيْنْتُ هنا بلا مُرئّبِ لقبلت »ذلك أن 
الكنز الذي بين يدي لا يُقدر بشمن . 
أبعت (نشوان) للمتأخمّر في الاستعارة إلى مهجعه ويف امام 
النزياع الذي استعار الكتاب » يأخذه منه ويعود به إلى دون أن يحادثه 
بكلمة أقبّل الكتان » أتفححخص غلافه > وأفتش أوراقه من الدَّاخل 
لأتأكد آنّها سليمة ء وأنه لا ضرر قد حق به » ثم أعيده إلى مكانه 
مثلما يعيدٌ تاجر سبيكة ذهب إلى أخواتهاء ثم أحرم صاحيه الذي 
تأخخر أسبوعا كاملا من الإعارة . لكتنى كنت بحدسي أعرف من يقرأ 
ممن لا يقرأ ؛ فأتغاضى عن بعض الذين يتأخرون لأتني أعلم أتهم 
منهمكون في قراءته ولا أريد أن أقطع ذلك عليهم »لم تكن قوانيني 


437 


صارمة وإنْ كانت جادّة » فقد كنت أسمح لبعض القرّاء أنْ يتعيروا 
كرشن كعات في الأسبوع ء اثنين أو ثلاثة أو أربعة لعلمي المسبّق 
بأتهم يقرؤونها أو يُعدّون بحمًا من خلالها . وكان لدينا عدد من 
الباحثين في الجن جيّدٌ بالنبة للظروف التي نعيشها هناك . 

بعاد ستة أشهر من العمل أميتًا للمكتبة حفظت أسماء الكتب 
كلها » وأسماء مُؤْلفيها . وفكررت في أنْ أفعل شيئًا للأرواح الرّاقدة هنا » 
أظن أنهم ملوا أماكتهم القدية » وأحسّوا بشيء من الرتاية التي 
يشتركون معي في كرهها . ليس من المعقول مثلا أن ترقد روح الجاحظ 
بجانب روح ابن القيم » ولا روح شكسبير بجانب روح المتنبّي » مع 
احترامي للأرواح جميعها . وتقديري لهم قدّس الله سرهم أجمعين › 
ولكن مجالسة الجاحظ لابن القيّم لا تجلب المجانسة »ابن القَيّم 
متحفظ في بعض المائل واللجاحظ منفتح » ولديه بعض الألفاظ 
الوسخحة » ومتحرر من أي قيد . وفكاهته لا تستسيغها جديّة أبن 
القيّم . كما أنّ الأعمال المسرحيّة عند شكسبير يرى فيها المتنبّي ترقا 
وميوعة » ربّما يجد الأمر طريفا في البداية » في أوّل سنة أو ستتّين » أما 
أن يطول الرّمن أكثر من ذلك » فإنَّى أشعر بتنافر الاين » قد يلتقيان 
ف التي وا لشكمة بولك ابر ا بين على ات 
المتنبّى في تضكتّم الأنا!! من أجل ذلك صار لزامًا علي أن أعيد ترتيب 
الكتب » وأتخلّص من هذه الرّتابة القاتلة 

حدث ذلك في أوائل عام 7٠١4‏ » يجب أن يتجدّد الهواء الدّاخل 
إلى أرواح العُظماء الرّاقدين هنا » كحت استدعاء إلى مدير الجن . 
بفكرتي في تغيير ديكور المكتية » وإعادة تصنيفها » وإصلاح أعطابها › 
والميزانيّة التي تُكلف الإصلاحات . وافق على إعادة التتصنيف . ورفض 


438 


دفع التكاليف ء قال وهو يضحك : «أنت تحتاج إلى ميزانيّة ضخحمة »› 
نحن هنا في الجن فقراء ومنفيّون مثلكم في قلب الصّحراء ء ولا 
يأتينا دعم من أي نوع» كانت الميزانيّة لإصلاح الأعطاب وتزيين 
المكان بحيث تشعر أرواح الكّاب بالهناءة لا تزيد عن مشي دينار . 
قلت له وأنا أقف أمامه واضعًا يدي حلف ظهري وأحرّك جد عي باهتزاز 
بسيط جهة اليمين والشمال : «الميزانيّة سأدفعها أنا وهنا فى ملاو 
منكم توفير حركة التقل من المكتبة إلى أماكن الإصلاح والعودة بها 
إلى هنا» . أجابنى وقد حاصرتّه : «حتّى هذه لا نستطيعها!!» . سألته : 
«تقصد من ناحية مالية؟6 . أجابني ساخرا : «بالطبع من ناحية مالية › 
من أجل الال يقتعل البشر ليحظوا بالحياة» . أردفت : «الحياة الخاسرة» 
لم يسمع ما قله » لكنّني أشرت بيدي أنه لا مُشكلة عندي في هذاء 
لم يكن لدي وقت لاناقشه ء قلت : «سأزيد عليها خمسين ديتارًا من 
أجل المواصلات . هل هذا يكفي؟» . أجابني ببطء مع انطعاجة في 
زاوية فمه : «يكفى» . 

عدون ا کت ركد يومئذ بعد أنْ أخذته من صتدوق الأمانات 
في الجن . فكان حوالي (۸٦)‏ دينارا ٠‏ في اول زيارة لعلي اا 
طلبت منه أنْ يوقرلي )٠٠١(‏ دينارء وحينَ سألني » أطلعتّه على 
لمشروع كاملا » فانهلّت أساريره » وقال إن سيوقر المبلغ عبقي كاملا 
وهو الذي سيتابع الأمور خارح الجن بالاتفاق مع المدير . وكان ما 
أردت! 

قلبت المكتبة رأسًا على عقب » استعنت بالقط المتتجوّل (نشوان) › 
واثنين من قطط مهجعه على تنظيفها › اشتريت المنظفات من دكان 
الجن . حرجنا كل الكتب في كراتين (السيرف) التي جلبناها من 


439 


الدكان أيضًا فتكوّمت في الممرّ الذي ينفتح باب المكتبة عليه ء قلت 
للقطط الثلاثة إذا تابعتم معي المهمّة حتى تنتهي فأبشروا بعشرة دنانير 
اكز راح كم ارينهد الله انيع كارا O‏ لحتو E‏ 
أنا متهم . لقد كانوا يعملون اثتني عشرة ساعة متواصلة في اليوم دون 
التوّقف إلا لالتهام الطّعام تيده عل اة المل .ل انه 
سر هذا التوقد في قدرتهم › كانوا يعملون بصبر الحمير » وجلد البغال » 
وقوة الثيران . لقد كنت أشعرٌ بالمسيح يخرج من بين الكتب يُشفق 
عليهم » واب متهم أن يستريضوا فلاا ولک لم برا .بل آي 
ت أرواح عدد من المؤلفين تستصرخني أن ¿ أرحمهم » فقلت : 
«إنهم يعملون لأجلكم وهم مستمتعون › فلا تاقوا عليهم» . هل كانوا 
فعلاً يفرغون طاقات مُخَرّنة لسنوات من الخمول والجلوس في الجن 
وهم ما زالوا فى ريعان الشباب »هل كانوا يريدون بذلك أن ينسّوا 
واقعهم ويذهبوا في ذلك التسيان بعيدً! حتى يرتاحوا من عناء هموم 
الأيّام التي لا تزيدٌ قلوبهم إلا قسوة . وصدورهم إلا ضيقًا لا أدري . 
ريما 

صارت المكتبة تلمع > عادت بهيجة »لم يتركوا ذرَة غبار واحدة» 
حتّى حواف الشيابيك » وبلاط لاا وال نرفو اة 
والمسّقوف » ومقنابيض الأبواب » كل شيء صار يلمع . قلت لهم : «بقي 
شيء واحد علينا أن نفعله» . تنبّهوا برؤوس وعيود قططية على 
ا لحقيقة » لي معوا . قلت فلت فر التالك عن الكش أجل خر 
كوي كي ات لو وم ل هنا» 
استغرق الأمر أكثر من ثلاث ساعات . كان الإنهاك قد بدأ يظهر 
عليهم .لم أكن أتركهم ليضعفوا أمامي . صار وقت النوم » هجع 





التازلون هنا وهم ما زالوا معي » أشرت لهم بالذهاب . تهادوا على ضوء 
المصباح الخافت المعلّق في سقوف الممرّء كانت ظلالهم تأتيني 
شاحبة . حتى غابوا » أووا إلى أبراشهم . شعروا أتهم صنعوا شيا 
مفيدًا » قيمة الإنانٌ با يُعطى » أهدأً ذلك الشعور أرواحهم فناموا ليلا 
عميقا 
غادرت يعدم ال ٠‏ أويت إلى الفراش وأنا مُنهك ٠‏ »لم أستطع 
التوم ٠‏ كنت أفكر في التصنيف المناسب ٠‏ إن التصنيف أهم خطوة ة فى 
العمليّة كلها . هل أصتف الكتب حسب التّرتيب الهجائي » وإذا رأيت 
ذلك مُمكنا » فهل يكون الترتيب الهجائي لأسماء المولفين أم لأسماء 
الكتب ذاتها » وإذا وقع اختياري على أسماء المؤلفين » فهل آخذ الاسم 
الأول أم اسم العائلة » وإذا رأيت أن الأفضل الترتيب على الاسم الأول 
فكيف سأصئّف الا سماء الى تبدأ بالهمزة مثلاً » وإذا كان ذلك ممكنًا , 
نكيت لمكن التغليوهان الاميساء الت عدا اليش كرك فين 
الاسم نفسه » كأنّ يكون هناك حنيرن ا 
(إبراهيم) » َم ستكون الاسماء التي تبدأ بالياء مثل (يزن) قليلة أو 
تادرة » فكيف سأوقق بين حجم الأرفف وعدد الكتب »قد يكون 
عندي مئة كتاب يبدأ اسم مؤلفه بالهمزة . ولكن لا يكون لدي إلا 
كتاب واحدٌ يبدأ بالياء » ثم إن هذا الترتيب يعني المعرفة المسبقة باسم 
المؤلّف » وهذا ما لا يتحقق في مجتمع الجن » وعليه فقد استبعدت 
يقة التَصنيف هذه . وذهيت إلى الطريقة التي تليها . قلت حسب 
تاريخ نشرها » لكتنى سرعان ما استبعدت هذه الفكرة جر بذک أن 
بعض الكتب ليست مؤرّخة بتاريخ نشرء ففكرّت إذَا بتاريخ تسجيلها 
في الجن . أي في التّاريخ الذي سُجنت فيه هناء لكتني استبعدت 


ذلك ايضًا ء فلقد ترك هنا تُزلاء كتبهم هديّة للمكتبة حين غادروا إلى 
فضاء الحريّة » ولم تَر كتبهم على الصّليب الأحمر فلم تأخذ تارينا ولا 
رقمًا . قلت إذَا نجرّب أن نيدأ من السّماويّات إلى الأرضيّات » بمعنى من 
الكتب السّماوية وبما يتعلّق بها من علوم ثم إلى الكتب الارضيّة » لكن 
ذلك متداخل بشكل مُزعج ؛ إنه غير يمكن هو الآخر . لکن ماذا لو 
جرّبنا التصنيف حسب الموضوع » نبدا بالموسوعات ء ثم الطّبيعيّات » فم 
با معاجم »ثم بعلوم اللّغة وهكذا . . . جيّد ولكن مَن يقرر ما يأتي من 
هذه المواضيع قبل الآخر ؛ إنّها حقا مُعضلة . دارت ليلتها في ذهني 
آلاف التخيّلات لموضوع التصنيف ., لكتني نمت دون أن أهعدي لاي 
منها »في المنام جاءني ابن النَّدِيم وقال لي : «المعرفة ما أيقنت ء وإذا 
شرعت شيئًا على علم سار التاس خلفك » فاصنع ما صنعت» 
وغاب . كان اسمه أوّل مرّة يظهر لى » وشكله يُشبه صورة الأب لويس 
شيخو الذي ريت صورته على غلاف كتاب من كتبه في المكتبة » 
لكتّنئى لا أدري لماذا ظننت هذا ذاك ‏ لقد غاب » وصحوت وقد 
اهتدیت إلى طريقته 

ينا جو كاتا بن بعد ذلك لجوم للشهيود وونخن يدرب 
وتُصئّف»ء كنا نبعث بالهترئ كي تة تقص المطابع الأ جزاء المهترئة منه 


بشكل مُتناسق » وتقوم بتجليده ه بغلاف من الجلد . وتعيذه إلينا . 
وكنت قد حدّدت لكل موضوع لونًا للغلاف حنّى يتم تمييزه كذلك من 
لونه 


تنلل طيلة التهار إلى غرفاتها » ووضعت أوراقا مطبوعة تدل على 
فواضنيفها واشكرزيت لوحات د تتوزع على الحدارن » نخحتار خطاطًا من 


442 


خطاطي الجن ليكتب عبارات مُقتبسة من آيات القرآن أو الحديث أو 
الأمثال أو الحكم . وطبعت تعريفا موجرًا بكل كتابٍ قرأته . ووضعتّه 
تحت تصرف المستعيرين » وفكَرتٌ في أن أعقد ندوة ولو شهريّة حول 
كتابء أو أن أستثمر وجود المرشد الديني الذي : تجمع له مهاجع 
مختلفة كل عدة أشهر فى التعريف بأهمَّيّة الكتان أو القراءة » يقولها 
هو أو أقولها أنا . وعرفت أنَنى مع عملي هذا قد سمحت أيضًا للهواء 
الدّاخل إلى قلبي أن يتجدد . 


443 


(o) 
يا محبوسي الأرض تعالوا لنقراً ساعة:‎ 


كان من الجميل أن ته تفتح كتابًا » فتجد فيه بطاقة وضعها نزيلٌ قدي 
في هذا الجن . أو ريما من سجن آخرء وانتقل الكتاب من ذلك 
السّجن إلى هنا بعد تغييرات ماء إنه نوعٌ من العبور الرّمني إلى الماضي 
يشعرك بالحنين إن لذلك لمسة شفيفة شفيفة في قلبي ؛ أتذكر أتني فتحت 
ذات مرة كتايًا» وقلبت صفحاته نه نوز سس سن 
الكفّ . كان الكتاب يحمل عنوان : (الحياة بعد الموت) » ولم يكن 
الكتاب يُناقش المسألة من ناحية فلفية أو وجوديّة » بل من ناحية 
يويند أن التق الدى قرا الات تار عا فيه > فكعي بخ 
بدا أنه اعتنى به بشكل جيد , هذه الفقرة : «سأمضي » مثلما مضى 
الأوائل . اموت لا يُشَكَل النّهاية » إنها بداية للأبديّة . يمكن للانسان 
أن يعد الموت فرجّاء لأنه يقضي على الهموم » ويُخلص من الديون ؛ 
ويقي من الفتن . الفتن كثيرة في هذه الايّام وأنا لا أريد أن أفتنَ في 
ديني . أتمتى أن ترتاح روحي من عناء الحياة » وأن تحل لي الشفاعة يوم 
لا ينفع مال ولا بنون إلا مَنْ أتى الله بقلب سليم» 

في كتاب آخر وجدت رسالة من سجين إلى أمّه يطلب منها أنْ 
تسامحه » وأنّه سيعود ليرعاها » ويرعى إخوته ؛ ويبدو أنّه لم يتمكن من 
إخراجها . فأودعها في الكتاب ء ثم نسي بعد سنين حين حان موعد 
خروجه من الجن أنه فعل ذلك فبقيت الرّسالة شاهدة على ما يفعله 


الجن بالستجناء » إنه كفيل مع تقادم الأيام بان يرقق قلوب أقسى 
الجرمين »> فهم في النهاية أدميون تعود إليهم أدميتهم حين يتحرك فيهم 
ذلك الدّفق الإنساني المسمّى بالعاطفة اللاواعية 

الكتب كالتاس ؛ تبكي وتضحك » وتبكي وتضحك » وتنزل بها 
المصائب › وتنتظر أخخيارا مُفرحة > وتخضع للأقدار المكتوبة » وأنا أفرح 

حين أحمل كتابا لاني بمجرّد النظر إليه أشعر بتحسّن في مزاجي 
وصحّتي . ووجود الكتاب إلى جانبي يعني أنّني للت من نسبة 
الإصابة بمرض الوحدة أو الاكتئاب ء إنه يملأ على حياتي 

والمكقية لبت كانه فيه مجموعة من الأوراق 
المكدّسة ء أو الأغلفة المنضدة . إنّها ليست بزلا ولا فُندقًا » إنتها ساحة 
الحياة » مُعتركها . ووجهها الأصدق بكل ما فيها من تنافر وتقارب › 
الذين يقرؤون فيها يجعلونه حمّة بالئّاس »ء بالتّوافد إلى هُناء 
بالتقاشات الثّريّة » بالضجّة اللذيذة في الحوار حول فكرة ما تستيقظ 
أرواح الرّاقدين هنا » يسمعون صوتا ج ان من انه العميق . 
يُزيل عن عيونهم غبار التاريخ » وأتربة الماضي الّحيق ويدعوهم إلى 
التهوض ومشاركة الجالسين هنا حَيواتهم . لو كنت أستطيع ء لحعلت 
من كل مكتبة ندوة دون تر تيب ولا إعداد » كل من يأتي هنا يشتبك 
ا E‏ 
عما دار بينهما ء تُجمّع القصاصات . يُعاد إنتاجها دون التدخّل في 
مضمونها » ثم تُعرّض على كل داخخل من جديد » مَنْ أراد أنْ يُضيف أو 
يُحاور أو يشتبك مرّة أخرى » فها نحن ء كلنا > نحمل هذه الشعلة 
لنضيء ء لعنات الظلام في حياة فانية الكقان لبس افةو 
مؤلّفه 5 الكتاب يتعدّد بتعدّد قارئيه › والصفحات تقوم من الموت بقراءة 





ما تناثر فوق مساحتها من رذاذ الحروف 

أنا من جيل ما قبل انتشار الفضائيّات » الجيل الذي كان فى 
(إبدر) لا يُشاهد إلا التفلزيون الأردني » أو تلفزيون الشرق الأوسط » 
وأحيانا » حين نصعد إلى الستطوح تلف (الأنتين) من أجل الحصول 
على صورة واضحة للتلفزيون السّوري . لم يكن جيلنا مُلوَنَا بصريا » من 
أجل ذلك كانت الوردة تهبه لمسة فاتنة ء ويستطيع أن يشعر بروحها 
وعطرها ء والمرأة كانت سرا غامضًا ولذيذا في آن »لم تكن تتكشف 
كأتها أرض رطبة بلا ورق ء ومن أجل هذا كانت نظرة واحدة من طرف 
عينيها تدوخنا » كنا نعيش هذا الف تددن الوه كاه د 
ريما يدفعنا إلى ارتكاب حماقات أو أفعالاً خارقة أحيانا من أجل أن 

يُئيت الواحد متا اا 35 لحت لان أنه هو الأجدر بها دون سواه » 
كان الحب العفو هذا أيضًا يدفعنا إلى أن نترفع في أخلاقتا ونيدو 
مُهذبين فى حضرة الجمال ء أمّا جيل اليوم فلكثرة ما تلوّث بصره 
بالمشاهد العارية » ولكثرة ما انتكشف أمامه مما يجب أنْ يكون مستورًا » 
خإنه لم بعت جرع اح عاطفة و ولا يدفعه إلى الخير أي شعور » صار 
باردًا مثل صخرة ملساء ‏ لَبِطًا مثل حلزونة » ولزجًا مثل بَصقة!! 

كان هذا النقاء البصري التسبي يدفعنا إلى أنْ نقرأ » لم يكن هناك 
كثيرٌ من الحواجز التي ترتفع في وجوهنا أو بيننا وبين الكتاب ء وإن 
كان الحصول فى آيّامنا على الكتاب عزيرًا لقلة ذات اليد ولأسياب 
أخرى » لكنّ ذلك دقعنا أيضًا إلى أن تقدّر قيمته » اليوم ترى الكتب 
ملقاة فى الطرقات » يستجدي صاحبها الاس أنْ يشتروها فلا يعبؤون › 
فإذا ا راح يبذلها لهم هدية فإذا هم منه يستسخخرون!! هذه 


الفروق ليست تفضيلا جيل على جيل » ولا إنقاصًا من وزن جيل على 


446 


حساب جيل آخر » وإنما هي توصيف ها رأيته وعایشّه » والأمر يبقى 
بهو اف اق اة الح دحت الها و العف مانا ودي 
الكتاب!!  ١‏ ۰ 

الجن لا يمنع أحدًا من أن يتحرّر» فليقرأ ويجرّب الحريّة الُطلقة 
في القراءة » الجن للّذين لا يقرؤون هو سجن لا مُتنام » كل يوم يتوالد 
حتّى يشعر الإنسان بمرور الأيّام أته ينحيسْ في ألف سجن » لأ يفك 
القيد عنك ويُخلصك من تعدّد المّجون إلا الكتاب » كلما قرات كتايًا 
فتحت نافذة على الرّيّة » أيّها المعتقلون هنا فى سواقة وفى كل سجون 
العالم » يا مَحبوسي الأرض تعالوا لنقراً ساعة! ۰ 

فى المعتقلات الكبيرة الرهيبة » قد تحاصر الحريّة أكثر بمحاصرة 
الكتاب »لكنّ الكتاب كاماء الذي ينداح من تحت بوابات الرّنازين 
و ا نعم ولحته لا يتل . إن أكثر 
الكتب التي حظرت جارج الجن كانت تتريع بدلال على رفوف 
المكتبة داخله المنع فكرة غبيّة عجوجة » واخمتراع مَنْ حوله الحقد إلى 
إنسان أعمى > إنه سذاجة في زمنٍ لا يستطيع أحد فيه أنْ يضع ستارة 
أمام الشّمس ليُغْطَّيها . الحياة في حركة دائمة » والكائنات » والتجوم . 
والكتب ٠‏ والأيّام » ونحن » . . . ولولا ذلك لمتنا 

المساجين أناسّ طيّبون ويُسطاء » لقد فرحوا بالتّغيير الجديد الذي 
صنعئّه في المكتبة › رخو من المهاجع أفواجًا يريدون أن يستعيروا 

»لقد انتشر ت بينهم عدوى القراءة » إن الذي كان يقف في 

ا الصغيرة التي وقفت أمام سد مأرب » لم 
أفعل شيئًا كثيرًا من أجل أنْ ينداح الطوفان ؛ فقط أزلت تلك الحصاة » 
فجاءني التجناء من كل مكان . رأيتهم يتهافتون على دواوين نزار 


قبّانى » لا أدري لاذا؟ ريّما لان ا لحب فى الجن يخضرّ ويُزهر أكثر منه 
8 هذه البوابات » الخرمان يوسع دائرته ويجعله حالة محوريّة يدور 
حولها القلب . هل كان السّجين يأوي إلى أشعار نزار الرقيقة ليستحضر 
من حلالها الحبيبة الغائبة الحاضرة؟ هل كانت قراءة أبيات الغزل التي 
تعج ر بها دواوينه طف أوام الشوق عندهم 3 تزيده؟! 

ديوات أبى نواس كان هو الآخر من أكثر الكتب استعارة » لا أدري 
لماذا تهافتوا ا بهذا الشكل؟ هل لأنّ الخمريّات فيه تعلو يسكرون 
بالوصف حين أعجرهم السكر في الواة قع » أمٌ هو الكبت الجنسي؟ أم هو 
عشق الآخحر؟ عشق المثيل الذي كان - من خلال علاقة خفية غير 
ظاهرة للعيان - يُفْرَعْ فيه عُفَده الجنسيّة؟ هل كان يحدث هذا بالفعل؟ 
ريما ؛ السّجن حرمان . حرمانٌ على ألف صعيد . والحرمان يُفقد 
الإنان معناه » ويحوله إلى آلة ء » أو شبح مصابٍ بالف ثقب في الرّوح 
ييبحث عن شفاء ء لديه اندياح ولا يجد مخرجًا ء الطّوفان يضغط على 
تلك الخارج في كل حين ٠‏ وإن لم جد تفريعًا فإنه سينفجر 

كتب تفسير الاحلام ء وبالاخصض كتاب ابن سيرين الشهير في 
ذلك ء كان أيضا من أكثر الكتب اتتفارة > كان لا يعود إلى رفوف 
المكتيات » وكنت أسجّل الذين ينوون انا في قائمة الاحتياط . 
وبعضهم كان دوره في استعارة الكتاب لا يأتي ألا حك ار أشهرء 
ولم يكن لدينا إلا كتاب واد > طلبت من الإدارة أن تومن لنا تخا 
أخرى منه » وانتظرنا سنة . لكنّهم لم ييار : اضطررت أن أشتري 
نسختين على حسابي يأتينتي بهما زُوَاري من الخارج » لأضيفهما إلى 
مكتبة الجن . وعانت التسختان زمنًا طويلاً قبل أن تدخلا إلينا 
كانت سخ ابن سيرين من تفير الا حلام هذا تتناقلها الأيدي 


448 


والقلوب » وكدت أنبّه المستعير ألا يطوي صفحة من الكتاب » ولا يُمرّق 
شيشا شيكا :ولا حوبت قوق آي جزم ته :ومع كل هله الصبيهات لم يسلم 
الكتاب من بعض العبث › وحاولت أنا بطريقتي أن أعيد إليه بعض 
بهائه » معتذرًا منه أشد الاعتذار . ولكن لاذا كتاب ابن سيرين » إنه 
كتاب الأحلام يا سيّدي . والسّجناء قوم حالمون » تُداهمهم الأحلام في 
كل لط حت ف لات صخري + جلدم ASSES‏ 
عقولهم وت تعشش في وجدانهم . ما إن يستيقظ الواحد منهم في 
الصباح حتى يبدأ بسرد حلمه على جاره في البّرش . وما يكاد ينتهي 
حتى يقول له جاره الذي كان يتمع إلى حلمه «الآن دوري ۰ أتعرف 
ما حلمت؟» . ويقص عليه حُلمه » ثم يسأل أحدهم الآخر عن 
تفسيره » ويتجادلان » ويتصايّحان » ثم يُحكمان الا في المهجع يظتونه 
قادرا على تفسير أحلامهماء وحم النزاع الدائر » فإذا بالتزاع ينشب 
من جديد › وهكذا في دائرة لا تنتتهي ي » يقنع الجميع هنا في فخ 
الأحلام! 

أحد السّجناء لفت انتباهي كان يُكثر من استعارة دواوين نزار 
قباني ولعشقه لشعره حفظ كثيرا من أبياته » وكان يترتم بها في 
المردوانات » ويتغتى بها إذا جلس إلى طاولة الطعام في اللحظة التي 
كان يهم فيها بتناول طعامه . لقد حوله شعر الغزل إلى إنسان إيجابي » 
مُقبل على الحياة » يشغل نفسه با يعود عليه بالتفع ولو كان ترثمًا 

سجناء التنظيمات الإسلاميّة كانوا يستعيرون الكتب الدّينيّة 
وكتب التفسير » وكتب العقيدة » ويبحثون عن كتب التشدّد ‏ لم تكن 
كتب ابن تيمية موجودة » ربّما كتاب أو اثنين » لكنْ كتب سيّد قطب 
كانت موجودة » وبعض كتب السّلق . 


449 


كنت أتعامل مع الكتب كأنها أبنائي » حتّى إتني كنت أنزعج 
جدا إذا طوى أحدهم صفحة من صفحات الكتاب ليعرف أينَ وصل 
في قراءته » هناك أكثر من طريقة ة لتذكر المكات الذي وصلت إليه لتعود 
إليه في مرّات لاحقة » ورقة مطويّة » أو طرقًا من كرتونة ما حتّى لو كان 
طرقًا من علبة سجاثر ءلم أكنْ أحبّذ أيضًا أولئك الّذين يضعون قلمًا 
عند الصفحة التي وصلوا في قراءتها > کان ذلك يشعرنى ي بأن القلم 
يبعج قلب الكتاب » يجعله يتلوّى » كما لو كان جسد إنسان طري 
یشبح على عمود قاس . كنت أتسامح في كل شيء ؛ في التأخيرء أو 
ف 0 ا كتاب 0 في إعارة الكتاب المعار إلى 38 
يدر لبي بأداة حادة » كنت أتفقد الكت المعادة کا کتابا 5 
أعيد الات اة إلى وضعها الطبيعي » وأعتذر منها على فظاظة 
البشر» وعلى لا أخلاقيّتهم » كان صريرها وأنا أعيدها مثل سكين يحرّ 
بحده الجارح قلبي قبل إصبعي 

كنت أقرأ وأكتب في كل مراحل حياتي في السّجن » لكن في 
تلك الفترة التي عملت فيها أميثا لمكتبة الجن » كتبت مسوّدة كتاب 
OT‏ حلم O‏ ارو و 
يتقادم الرّمن » تتراكم على فكرته الأتربة والعُبار » الفكرة إذا لم تحيها 
بالشروع في العمل فيها فإتها ستموت ء ولو كان لك قل فستموت 
بعدها! 

لم تقم. إدارة الجن وزتا لما فعلت › کل التحسينات « والتشجيع 
على القراءة لم يكن يُشكل عندها فرقّاء كانت الإدارة تتجاهل 
المكتبة ء وريّما عدثها جزءا زائدًا على حاجتها ء وأنها تحجز مكانًا من 


450 


والحقيقة أنهم ريّما مُحقون من وجهة نظرهم » لا نهم قلما عثروا على 
سجين مهتم بالقراءة » ولكن الزاوية التي أخطؤوا النظر من خلالها أو 
تقديرهاء هو لماذا يد تقوم الؤدارة نقها بتشجيع الستحناء على القراءة 3 
لماذا لا تحقزهم على ذلك › وتّقيم مُسابقات وتحدّد جوائز . السّجناء 
لديهم فراع مُذهل ء وإن لم يقضوه بشيء نافع فإته سيقتلهم ٠‏ أنا 
حاولت . ومحاولاتي أثمرت خخيرًا كثيرا » فلماذا لا تحذو الإدارة 
حذوي ٠‏ أو تقف إلى جانبي؟ الأمر لا يهمّهماء هى تتبع سياسة (وأتا 
مالى؟!) وهى سياسة التجهيل التى يكون أثرها على نفسيّة السّجين 
أشد وطأة من آثر الانحباس ذاته مهما طال زمنه 

ومع ني دمت للسّجن وللستجناء خدمات جليلة جا فعلتّه من 
إعادة الروح إلى المكتية إلا أن كتبي ال کانت تأتيني من حارج لم 
= من المداهمة في فترات متباعدة ومن المصادرة ٤‏ وبعضها كان 
يُحَتَجَرْ في الإدار ة قبل أن يصل إليّ لسنوات » وقد يعود إلى المصدر 
لذي جاء منه »و يبقى عندهم حتّى يأكله الععث أو تنموفوقه 
الطحالب!! 


451 


(or) 
أكلت يوم أكل الثو رالأبيض‎ 


سقطت بغذاد » سقطت فى يد البرابرة » ليست أوّل مرة » قدّر هذه 
الغاضنمة الت تقف :سور منيمًا عن العروبة جهة الشرق أن طف : 
وأنْ تحرق »ء وان يدمّرها المغول فى كل عصر 

بلادٌ يأكملها تُستياح لكذبة » صنعوا الكذية » أخرجوها : 
وصدقوها » ثم فرّغوا حقدهم الدفين في جسد أمّتنا المنخورء لا أحد 
يستطيع من الرّعماء أنْ يقف في وجه هذا المد الصّهيوأمريكي › بيساطة 
لأن المرء لا يقف ضدّ نفسه ء أو لأن العبد لا يرفع صوته في حضرة 
سيّده » وسيكون عليهم بعد سنين أن يُردّدوا العبارة التي يحفظوتها 
جيدا » ولريما 00 لكتهم لا يفعلون شيئًا سوى 
انتظار دورهم يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأ نعام : «أكلت يوم أكل الور 
الأبيض» 

لم يكن قوط بغداد وحده هو الْمُدوّي یومئذ » بل کان سقوط 
الأخحلاق » وسقوط العرب . وسقوط القوميّات » وسقوط الهتافات 
الفارغة › وبدونا كمنسأة سليمان تنخرها الأرّضة من تحتها ولا أحد 
يدري أو يشعر 

المستعمر يعود بثوب صنعه بنفسه وفصله على مقاس الأنظمة ١‏ 
إنه ثوب : «محاربة الإرهاب» . وباسمه دحل بغداد فقتل من قتل من 
علمائها وأعلامها › ولا نه بلا حضارة فقد دمّر كل ما يمت إلى الحضارة 


452 


: بصلة » أو سلبه ليدّعيه لنفسه ء إنه أسلوب الصهاينة ذاته في انتحال 
الإرث العربي الإسلامي لأنفسهم ٠‏ مسرقت آثار بغداد » وتاريخحهاء 
نهبت الحا حف ء وثقلت ال الخارج ٠‏ ورغ العراق العظيم من تراه 
لقد آهلك التتار بغداد حين اجتاحوها سنة 5605 هجريّة » وعاثوا 
فيها فسادًا » قتلوا مَنّ قدروا عليه من الرّجال والنّساء و والشيوخ 
والفتيان في الشوارع > فهرب الناس من البطش فاختبؤوا في الآبار 
والقنوات والمزارع والخانات . فخلعوا أبواب الخانات TT‏ على 
أهلها , ومَنْ أغلق عليه باب بيته كسروه عليه » فلمًا هرب إلى السّطح 
لحقوهء وقتلوه » وقتلوا أهل بيته حتّى سالت ميازيب البيوت بالدّماء » 
وقيل إن التّتار قتلوا ما يقرب من مليوتي مسلم . ثم لما فرغوا من قتل 
الإنان تفرّغوا لقتل الفكر فأحرقوا مكتبتها ؛وحين لم تف التار أعداء 
الحضارة والإنسانيّة بالإتيان على كل ما في المكتبة من ثُراث » راحوا 
يرمون ما لم تطله التيران من كتبها في تهر دجلة ‏ وتلقّاها التّهر حزيئًا 
باكيا ٠‏ وبكى على ما يحدث يومثذ » وسالت دموعه «حتّى ماء دجلة 
أشكل» > كانت دموعه سوداء قاتمة جراء ما یری » وبنى هولاكو من 
الكتب جسرًا يعبر فوقه جنوده المحمّلون بالموت إلى الضّفَة الأخرى . 
فرغت بغداد من أهلها » وبقيت أربعين يومًا خاوية على عروشها 
لسن في توراعها إلا القتلى » وأنتنت أجسادهم فرى الوياء فيها 
ووصل الطاعون إلى مَنْ كان مُخَتبئًا في الحشوش والمقابر فهلك . 
ولكنْ هذه الصّورة لم تكنْ فريدة ولا وحيدة لقد أعادها إلى 
الأذهان هولاكو العصر الجديد (بوش) » فاعتدى مدعو الحضارة وحاملو 
شعلة الحرَيّة على مكتبة بغداد . حدث ذلك تحت سمع الجيش 
الأمريكي (المحرّر) وبصره » كان الأرشيف الوطنيّ ومتحف الآثار 


عي 


453 


والمكتبة الوطنية في بغداد تتعرض لعمليّة سطو ونهب ممنهجين . 
سُرقت كتابات عمرها سنّة آلاف سنة » وتهبت الكتب التّاريخيّة 
امحفوظة مد القرون الوُسطَى » واخعتفت بره عتما من العا 
التادرة » ولوحات لخطاطين عمرها مثات السّنين » كانت أكبر عمليّة 
محو حضاري وسطو بربري يشهدها العالم في بداية القرن الواحد 
والعشرين › قرن ادعاء المدنيّة الزائف . 

لكن أمريكا عدوة الحضارة لم تصنع صنيع هولاكو والبرابرة في 
بغداد فحسب » لقد فعلوا ذلك في كابول بعد عام واحد حين قصفوها 
بالصّواريخ الج تزن زنة جيال كابول مجتمعة!!! وحرقوا كل ما فيها 
مكتباتها ومدارسها ليمحوا كل ما ينتسب إلى الحضارة » لأتهم أعداء 
الحضارة الأ برز فى العصر المظلم الذي نعيشه!! إنهم يُشبهون قطيعًا من 
البشر العراأة هاسعو فى البرد مكتبة ضححمة » وينهبون كتبها 
ويُضرمون فيها التيران من أجل أن يتدفئوا!! 

كنت أيَامها أتمّر أمام التلفاز في المهجع أنا والقثّلة » نراقب 
الأحداث ونسمع الأخبارء وأعلن الأمريكان بداية الحرب » وبثوا حينها 
خطانا E a‏ > فبکیت وبكى مَنَ کان معي 
في المهجع . هل تحن قوم عاطفيّون حقا؟ أمْ أن هذا أثر الجن الطويل 
فينا ؛ يُبكى مَنْ لم يكن له قلبُ ء فكيف من كان قلبه أخضر قبل أن 
يد إلى هنا؟ أم آنا وحدنا الذين بكيّنا ء أمّا الذين هم خارج المتجن 
فلا یدرون إن سقطت بغدادء ولا يدرون إن ألقى د خطابًا أم لاء 
زل لقالو ماذا يقول هذا الذي ما زال يعيش في الماضي؟! 

عرفت يومها أن العرب لن تقوم لهم بعد اليوم قائمة » وأنهم 
سيأكلون أنفسهم › وسينتفش قوم يظنون أن علاقتهم العتيقة جدا 


454 


بأمريكا وإسرائيل سوف تحميهم من الطوفان . ثم يحين الحين فيكونون 
أوّل مَنْ تضحَي بهم أمريكا › وسيّسحلون » ويأتيى بعدهم من يجلس 
على كراسيّهم وسيحين دور الجدد في السّحل . وهكذا .. . ييتمرٌ 
ملل السسّحل الذي لا يعرف أحدٌ عدد حلقاته ولا متى ينتهي 

ترك احتلال العراق فى نفسى ذكرى أليمة لا أظن أنتها ستمحّى 
نوكا لعدابلات فف الود أمامها عة عاد كانت اف 
خاصرة الأمّة في العراق طعنة لن يتوقف نزيقها ٠‏ 

لاحقًا التحق بنا فى سجن سواقة شاب كان قد رل من الجن 
الفشكرئ؛ كنت اسقط أخبار عؤلاء القادمين من التحن المسكريئ 
لأعرف قضاياهم › فهم في النهاية كانوا رفقاء الآرب وزملاء الستلاح 
كان الشاب قد حُكم عليه بالسّجن لمدّة حمس سنوات بتهمة 
التجمّى ٠‏ وقلت فى البداية «بل يستحق المؤْيّد أو الإعدام» . وكنت 
أظنّ أنّ تجمته لصالح إسرائيل » فلمًا تبيّنت لي الحقيقة أشفقت 
عليه » وخففت عنه . وثمّنت موقفه . كان تجسّه لصالح الخابرات 
العراقيّة » إذ إن هذا الشاب كان يخدم في إحدى قواعد سلاح الجو 
الأردنى فى المنطقة الشرقيّة . فرأى بأم عينيه أن هذه القواعد التى 
تدم ها قد تحولت إلى قاعدة أمريكيّة تعح بالطيّارين الأمريكيّين › 
وبالطيّارات الأمريكيّة » وأنّ قواعدنا وأراضينا كانت تحدم للانطلاق 
منها لضرب العراق » فثارت ثائرته . أن يُقصّفف بلدٌ عربي من قواعد بلد 
عربي ) آحر وبُقاتلات أمريكية > فهرع إلى السفارة العراقية وأخبرهم جا 
اهدي زم يكن يترق أن اا (قلوبهم معك وسيوفهم عليك) 
يُمكن أن تتكرر في أزمنة عديدة . فألقي القبض عليه وحُوكم وسجن › 
لأنَ عليه ألا يُذيع أسرارًا كفيلة بان تكشف الأقنعة المتلوّنة! 


455 


)٥٤( 
القراءة يصوت عالٍ‎ 


جالا إلى مكتبي في المساء » إنه ضوء الانبلاج › انبلاج الفكرة › 
الفكرة التي تصنع ثورة » ثورة في كل شيء . أعرف أن طول علاقتي 
بهذه الكتب » وطول مكثي بين رفوفها سيّبقي روحي زمنًا طويلاً هنا » 
حتى بعد أن أغادرها إلى سجن آخر أو حتى بعد أن تضيء ء شمسي . 
مكل كردا او اب ونام اف انی ود 
فراشاتها في فضاء اي A‏ 
أحدليا لأكقة الفا ۰ 

المكان الذي كتب فيه الحاحظ كتبه » وكان يقرأ فيه » وفيه انهارت 
عليه وطُمرّ تحتها لن يموت ٠‏ إِنّه إلى اليوم يتنس يصوت الجاحظ » 
بروحه » بكلماته التي كان يخطها » وبصرير القلم فوق خد الورقة » لن 
يموت لأنّه ليس مادة » حتّى ولو تراكبت فوقه عشرات الطيقات من 
الصّخور أو الحجارة أو الأتربة . الخالدون لا يموتون , إنهم حى في يوم 
الهول يبرزون ليُلجَأ إليهم » يُنادى عليهم من أجل بقيّة حماية من وجع 
الدّنيا 

لم تكن القراء ءة شيمًا مُفرحًا أبدا لي و فى الصغرء ات في فرت 
وادعة » وبين أهل بسيطي الثقافة ٠‏ عميقي الحب للوطن والنّاس 
والحياة » وليس لديهم آي تعقيدات من آي کنا نقرأ كتاب الراب 
والطّبيعة فى البداية » هذا ما كنا تُتقنه . لکن أوَّل لقائى بالكتاب » كان 


456 


مع الشيخ عبد الررّاق » ومع القرآن » فتح القرآن التافذة » فشممت شيئًا 
من الهواء المنعش > ودل على الطريق » فشعرت بمتعة وأنا أستكضفه 
رحد افا لا تصدقوا مَنَ قال : إن القارئ یولد مُحبا 
للقراءة . العلاقة بينك وبين الكتاب مثل العلاقة بينك وبين الطرف 
الآخرء لا يُمكن أن تحبّه دون أن تعايشه . دون أنْ ترضى منه ساعة 
وتتشبية تدا ا ا ا 
عاك بات العرانة جد جنا ا 
بعض الكتب كانت تُشكل لي رعبًا حقيقيا في البدايات . عدو 
الكتاب سميكًا وتيا إلى حد لا بطاق إنّه ل يقرأ > اوقت تلف 
قلبي وما زلت في الصّفحة العشرين » ثم هو يمتص دمائي وأنا ما زلت 
في الصّفحة الأربعين › ولا أكاد أصل إلى الصّفحة الخمين إلا وأنا 
أختنق » وأنفاسي تتقطع › والكتاب أكشر من 4٠١‏ صفحة » يا ويلتى › 
إنه لا يُمكن أن تلتهمه حتى التيران . 
ست مكتبعى الخاصة فى الجن . تضخحّمت الكتب التى 
دخلت إلى هنا من فاطمة وأمَي و اة لت امه 
تكديسها فوق برشى أو تحته » أو فى صناديق بلاستيكيّة » اختلطت 
أحيانًا مع يعض الفضارء وبقايا من الطّعام . لت نفسي » للكتب 
قداستها .» وعلي أنْ أفعل شيمًا من أجل ذلك . طلبْت من إدارة الجن 
أن يصنعوا لي مكتبة » قال لي المدير : «أنت جئت ببدعة ؛ ما من أحدر 
من السمجناء عبر خدمتي الطويلة في الستجون طلب شيئًا كهذا!!» 
أجبثّه «اعتبرها بدعة حميدة» . لم أنتظر أن يُوافق أو لا » وصفت له 
ما أريد : «مكتبة خشبيّة » أحب الخشب أكثر من الحديدء الخشب 
يحمل روح الغابة » الغابة وطن الغموض ٠‏ وذات لون بُني غامق . لا 


457 


أحب الألوان الفاتحة» . ابتسم » أردفت : «يُمكننى أنْ أعطى المواصفات 
بشكل أدق للمنجرة › وثمنها جاهز» . لم يُحر جوابًا » ابتسمء وطلب 
النجارين في منجرة الجن . 

بعد شهر كنت على موعد مع الفرح › » حملهااثنان مه من الرّملاء 
التجارين الذين يعملون هنا » تزيّن ¿ المهجع بها . إنها المكتبة الأولى من 
نوعها » أوقفمُّها إلى يمين برشي . برشي هو الأول الذي يقع إلى يسار 
الدّاخل » مكتبتي الخاصة كتب التفاسير والصّحاح وأصول 
الحديث »> وبعصس الموبيوعات » وعدد من المعاجم العريّة والإجابرزية 
شعرت بروحي تحلق في السّماوات » كان قلبي يضحك » شيء من 
الحياء منعني من أن أرقص › تراجع المنفى قليلاً » شحبت رماله > صار 
لدي هنا وطن!! 

حتى عام ١ ٠0‏ فقت عقا من الحوادث التي شهدثها في 
السّنوات الثماني الغابرة . لا أذكر إن كان ذلك في أواخر عام ۹*2 أو 
في أوائل عام ۲٠٠٠‏ حين وفد إلى السّجن صحفي ذكي » الصّحفيون 
طعامٌ جيّد للسّجن » إنهم يزجّون أنفسهم في المناطق السّاخنة » أو 
المحرمات فينالهم من عقاب السلطة ما ينالهم . لا أدري ما هى المقالة 
زمتا طويلا » وكان من أنشط الذين ترددوا على المكتبة » قال لى مرة : 
فاكتبّها لنفسك . غدًا سيأتي من أبنائك أو من أبناء جيلهم مَن يتوق 
أنْ يعرف قصّة هذا الذي رفع البندقيّة في زمن الرّيتون والحمام » وربّما 
سُيَسمّى شارعٌ أو قاعة كبرى من قاعات وزارة الثّقافة باسمك إِنْ 
تبدلت الأ نظمة والحكومات » ومَّنْ يدري » فالدنيا دوّارة كما يقولون» . 


458 


ا بحذلقته أن ينفخ (الأنا) القارة في أعماق كل واحد منا 5 
ماشيّئُه في البداية » ْم ما زال بي يلح حتّى وافقت . 

كنا نجلس في المكتبة ما يزيد عن أربع ساعات في كل يوم » أتذكر 
الاحداث وهو يدوّنها فى دفاتر جئنا بها خصّيصًا لهذه الفكرة . بقيتا 
على هذه الحالة ما يقرب من شهرء لا أدري كم دفترًا ملأنا » لكتّني 
أفرغت كل ما في جعبتي . استمرّت علاقتي به إلى يوم الإفراج عنه 
أنا مُقيم هنا ما أقام عسيب كما يقول امرؤ القيس » أعرف كم ير بي 
من بشرء وكم تمرّ بي من محطات » تعبرني وتواصل سيرها إلى النّهاية 
وأنا ما أزال في موقعي أنظر إليها وهي تختفي أمام تاظري جرع 
أفرج عنه دون أن أدري » كان الاتّفاق من قبل أنْ يُسلّم نسخة من هذه 
الفاتر إلى محامي . وأن يقوم هو بنشرها في الصّحف تباعًا . لكته 
اختفى » ولم يُعط نسخة لأي محام من محامي » ولم ينشر صفحة من 
هذه المذكرات في أي صحيفة ولا حتّى على حيل غسيل » ولا أدري 
ما الذي حدث »قلت ريما حاف أن ينشرها فتسبّب له أذَى ء أو قلت 
رما هو مبعوث من الدولة كي يسمع مني لعلي أبوح له ا لم ابح به 
لهم وخاصة ما يتعلق بالجهات التي دفعتّني إلى تنفيذ عمليّتي . أو 
ربّما مات . . ريّماء لكنه شككني في التهاية أتني كنت أحلم أو 
أتخيّل ٠‏ وأته لا يوجد صحفي » وأتني لم أعط مذكراتي لأحد »وان ما 
كنت أقوله له » كنت أقوله لنفى . وما كان يكتبه هو فى دفاتره» هو 
ما كتبّْه أنا في دقاتري . لم يَعُدْ للصّحفي وجود كأنّ آمّه لم تلذه . 

دأيت في الأمسيات وأنا جالس في المكتبة أن أقرأ من الكتاب 
الذى بين يدي بصوت عالء لم أكن أجد الفكرة في الصباحات 
عكنة » لكنها فى المساءات كانت مُدهشة » أعتقد أن نوعًا من استدعاء 


459 


روح الكاتب وصورته هو أن تقرأ ما كتبّ بصوت مرتفع . إنها تؤدي إلى 
حالة من العشق مع الكتاب لا تنفصم عُراها » يتحول صرثك الذي 
ترفع به عقيرتك وأنت تقرأ حروفه إلى صوته . هو يتكلم الآن » يأتي 
صوته من الأزمنة السكتحيقة . ريما آلاف السّنوات ء يعبر تلك الآماد 
الغابرة ليصل إليك . تنهض به وينهض بك ٠‏ ثم يتداخل الصوتان فلا 
تدري من منكما الآخر! 

كان أجدادنا يقرؤون بصوت عال ء كانوا يُعطون الإجازة فى الكتب 
كما يعطون الإجازة فى ي القرآن » القرآن برل أمام الشيخ RAS‏ 
السّند» وكنلك الكتان ٠»‏ يقرأ أمام الشيخ بصوت عال قُيصحّح الإمام 
للقارئ ويُضيف إلى علمه › وينقح » ويُزيل ما علق به من الشوائب » ثم 
لا ينتهي يقول له «أجزئتك» كان أجدادنا يفهمون ويثقفون حيرا متا 
أمّا الأمالي تلك الجاميع من الكتب التي تنم عن ثقافة موسوعيّة » فقد 
كُتبّت هي بإملائها من قبل أصحابها كأبي علي القالي على التلاميذ 
وهو يتلوها فى درو بجوت مرح . نحن فقط الذين نستهجن ذلك 
اليوم » لكته كان يُنتج حالة من المعرقة واسعة »ويشكل ثراء علمياء 
ودقيقا لانّه أخذ من أعلى سند . 

القراءة بصوت عال مُنعشة > تذكرت مظفر التواب حين قال : « 
مُْمِس أيّام الله بضحكة عَدْنَنِكَ نلق لان ررس يق . 
لك بعضها يحتاج إلى خلوة » تبدو أمام النّاس أحيانًا مُخجلة ء »لكتها 
مع الذات »مع هذه الفرادة . تحافظ على طزاجتها كأتما قيلت اليوم أو 
أمس » وعلى إدهاشها كأنّ الحبر الذي كتبت به لم يجف بعد . تعلّمت 
ذلك من (ميكافلي) » أعني قرأت أنا والمهندس الحكيم رحمه الله : 
لميكافلي كتابه الأشهر (الأمير) » قال المترجم في مقدّمته . إنّ ميكافلي 


460 


كان يعرف أن النَص الذي كتبه ينتمي إليه أو لا عن طريق قراءته 
بصوت عال » كان يمسك النص بين يديه يقف في أول الغرفة ة ثم 
يذرعها ماشيًا يقرأ ما كتبّ بصوت عال فإذا أحس ا 
النص ٠‏ وإذا شعر بأنه دفق الدم في عروقه » يخبط سطح مكتبه بقبضة 
يده ويصيح : «هذا النتص لي» ثم يُثبته في الكتاب ٠‏ وإذا شعر ببرودة 
نحو احرف ء بنوع من الفتورء فإنه يُسارع إلى تمزيقه » فهو ليس له ولم 
يكن أبدًا!! 

كان الجن مونًا بطيئًا . ووحشا يُمزّق بأنيابه جسدي » كنت أدفع 
اموت بالكتاب » وأبعد الوحش برافقته » نحن هنا تماثيل مُحتطة » يتبلد 
شعورنا مع الرّمن , أو تُبلّده نحن » لأئنا لا غلك أفقا » وليس أمامنا ما 
ررد الشمس يُمكن أن تتسلل في يوم قريب عبر نواقذ 
السجن . قلوبنا هي الأاخرى تحجر حين يولي لنا الخحبّ ظهره . كنا 
نبحث عن ُا ضائع ؛ تغيم الحبيبة » يتستر الوطن » وحينها لا نجد 
غير الكتاب » نبحث فيه عن ا لحب » أو نتََخْذْه هو نفسه حبيبً! 

الكتاب الذي تُحبّه هو الكتاب الذي شاركت أنت بتأليقه بتأليفه ولو لم 
تكتب فيه حرفا واحذا , أعني بعض الكتب 7 تقول عنك ما لم تستطع 
أنت أن تقوله عن نفسك › ؛ تُصاحبك في أمزجتك كلها . وتدفع بها 
إلى الستطح فتٌُخطلّصك مِمّا كان سلبيا منهاء وتُثبّت فيك ما كان 
إيجابيا . إنها ثيرموميتر المزاج كنت أقول عن كتاب جيّد هو ذلك 
الكتاب الذي يتعدّد بتعدّد الأ شخحاص الذي يقرؤونه › وَالأَجْودُ منه أن 
يتعدّد بتعدد القراءات التى يقرؤها الشخص الواحد » على الكتاب أن 
کا في ا لطر ان و ی د چا 


461 


(26) 
أريد أن أسايق الزمن 


انتظمّت في الدّراسة » وصيّة المهندس المرحوم ظَلَتْ عالقة في 
ذهني » كان في الجن مدرسة » وجودي بين الكتب ٠‏ وتطويع نفسي 
للمكوث بينها ساعات طويلة هوّن على الالتحاق بتلك المدرسة › وإنْ 
كنت آنا بطبعي 9 الالتزام 0 E‏ الدّراسة منذ أن كنت 
تلميذ! في (إبدر) آيَام. الابتدائيّة كانت هناك لحنة تأتي إلى الجن 
في نهاية السّئة ميتعثة تنه عن ززارة SL i‏ عانات لا 
في قاعات هي مهاجع باللأساس » ركنت فيها , بعض المقاعد من أجل 
إنجاز المهمّة كتا ثلائة عشر مُتَقَدَمًا في تلك السّنة لاجتياز الصّف 
العاشر » وقد نحت بسهولة » مع قرفي من المناهج » أعني من رتابتها 
وتهيّأت في السنة التي تليها لاجتياز الصف الحادي عشرء وكانت 
عيني على الحصول على الثانويّة العامّة » ومن بعدها إكمال مسيرتي 
التعليميّة » ومع أتنى لست مؤمتا بأنَ الشهادة يُمكن أن تقدّم أو تحر » 
ولكتني تماشيت مع التَيّار الذي يردد العبارة البلهاء كثيرًا : «الشهادة 
سالااح 6 1 

كانت حماستى شديدة » كنت أريد أن أسابق الزّمن للحصول 
على الثانويّة › ولكدّني ما إن أهمت اجتياز الأوّل الثانوي بنجاح حتى 
فترت همّتي فجأة » كانت ضغوط إدارة الجن علي تستفرّني » وتلقي 
بي في خليط من الأمزجة السلبيّة المتنافرة فی كديرا منع الزيارات 


462 


المتكرّرء كان يُوجعني مساومتهم لي على ألا أبعث بمقالاتي التي 
أكتبها هنا إلى الصّحف مقابل الحصول على زيارات خاصّة هي من 
حقي . كذلك الإضرابات الكثيرة ة عن الطعام التي خضتها شتّعت 
تركيزي » وثقبت ذاكرتي . أضف إلى ذلك تدخيني الشره . 

المؤيّد يبدو طويلا إلى الىد الذي تشعر فيه أنَكَ لا تتقدم بالزمن 
إلى الأمام » بل ترجع به إلى الوراء » وأن اليأس يرافقك مثل إبليس في 
كل خطوة . المويّد هو المُؤْبّد » المؤبّد هو الأبد . ومن جديد تفلح الكتب 
بالسّيطرة على » وهزية اليأس » كانت تطرد شياطين الأ وهام التي تعيش 
في عقلي كنت أعرف تمامًا أن الابتعاد شبرًا عن الكتاب يُقرّبني ذراعًا 
من اليأس والجنون » فجاهدت كي أبقى على عقلى سليمًا 

لا أدري متى حدث ذلك على وجه التحديد ء فقد تتشابه على 
الآيام والسنوات أحيانًا , لكنّه بعد ۲٠٠۲‏ الحقائق تُصارعني هي 
الأخرى » تنفر مني » وتتفلت من بين تلافيف عقلي . أحب المديرٌ مرّة 
أن يأتي باينه 6 الجن . ولا أدري لاذا فعل ذلك » أستطيع 
أنْ أتخيّل ع عشرة أسباب »لكل ما الفائدة في أن أسردها لكم كلها ما 
دام السيب الحقيقي لذلك هو الحادي عشر!! 

عدت في ذلك اليوم من المكتبة إلى المهجع » لأول مرة أرى زوَارًا 
جُدُدا للقتلة » غرفتي تضم بالمتوسّط اثتي عشر نزيلاً » يومها رأيت أن 
الغرفة يجتمع بها حوالي ثلاثين نزيلاً من مهاجع مختلفة وقضايا 
مُتعددة » كانوا يتحلقون حول (عماد) وهو محكومٌ ٠١‏ عامًا بتهمة 
القتل » حين رآنى › تهلل وجهه ء نادانى » اتسعت الحلقة › انفرجت 
حبّى دخلت وجلست إلى جانبه » ثم عادت الحلقة إلى الالتثام » قال 
لهم مُوْكَدَا : «أحمد متا وفينا ‏ وهو ناقم على الشرطة أكثرٌ متا » وسيُعوّز 


463 


وجوده إلى جانينا موقفنا» . فأحبّه دون أن أدري عن الأمر شيا 
«تعلم أتنى معكم على الحلوة والمرّة» . فكبّر بعضّهم . استغربت أن 
القتلة يُكبّرون » صار الفأر يلعب في عب كما يقولون . سألته بجديّة 
«ماذا هتالك يا عماد؟» . أجاب : «لقد نسّقنا خطة الاختطاف جيّدًا : 
وستعرضيها عليك إذا اردت إن ری ا يعض یار > فخبرتك 
ك . سألته م متوجسا ا 
وتنهدد أبأه E OSE EEE‏ 
ونهرب» . فصرخت مذهولاً : «الله أكير » وما علافة ابنه بالموضوع» 
«نحن مسجوتون هنا ظَلمًا » وأقلّنا أخذ ٠١‏ سنة » وإذا لم نفعل ذلك 
سوف نعفن ونحن في السّجن» . هيا شباب مشكلتكم مع القضاء 
وليت مع مدير الجن › ثم افرضوا آتها مع مدير الجن > فلماذا 
يُؤخذ الابن بذنب الأب . ثم كم عمره يا شباب؟» » سألتّهم : «الابن 
كم عمره؟» . رد أحدهم : «ثمانى سنوات» . صرحت من جديد : «هل 
فقدتم عقولكم .هل الخيانة والغدر هي وسيلتكم؟ أليس عندكم أبناء 
e‏ قفزت إلى ذهني جور ة ابتي سيف الدّين ونور الدين 

حت .ء لكتتي الكت نفسي لأكمل «ألم تفكروا بالعواقب؟ ماذا 
E‏ أحدهم : «لن نتراجع اوقل ها نتت + إذا 
كنت لا تريد الاشتراك معنا ء فبالناقص عن واحد» . أجِبتّه : «أنا 
بالطبع لا أريد الاشتراك معك » وبالطبع بالتاقص عنّي » لكتّني لا 
أناقش معكم موضوعي » بل أناقش موضوعكم ٠‏ أنت . . . أنت الذي 
تكلمت الآن ء لو فشلت الخطة » فستكون أُوّل الهاربين لانني أعرفك 


464 


من بعض الشياب » وعلت أصواتنا » وكادت الشرطة تنقض على 
المكان ويحدث ما لا تُحمد عقباه » ثم عدت فغيّرتْ أسلوبي » وذكرتُهم 
الدع ركم ها لعل مرو القن ادو لصا ب رن بده 
المروءة فهو يخرقها خرقًا » إذ يُعدَ اعتداء على من لا حول له ولا طول 
ولا ذنب ولا حرنة ف هوخ واف ]د الشجاعة أن يواجه الأسد 
أسدا لا أنْ يواجه قطا » وما زلتُ بهم آتيهم عن آيانهم وعن شمائلهم 
حى اقتنعوا با قلت » وانفض سامرهم › ورأيت أقفية الذين جاؤوا من 
خارج مهجعنا كأقفية السعادين وهم يغادرون المكان مخذولين . 

التجناء هنا مساكين بالفعل »لهم الله » حين عرض أحدهم 
يُفضل أن يظل في برشه يتوجع . ويئن على أن يذهب إلى عيادة 
الجن » لان الذهاب إلى العيادة لا يعود عليك بالتّفع أبدًا » فالطبيب 
ليس موجودا دائمًا › والدّواء شبه مفقود ٠‏ وإذا حصلت على حبّة 
(ريفانين) فستكون محظوظًا . كانت هذه الحبّة تُستخدم لعلاج 
الأمراض جميعًا بلا استثناء » كان الطبيب أو الممرّض يصرفها لأوجاع 
الأسنان والمعدة » وأعراض القولون العصبي » والستعال ء والزكام » 
والجذام» والسّخام » وحتّى الهيام ..ما من مرض يُطيف بك إلا 
وتصحبك فيه حبة (الرّيفانين) هذه » وكانت أعز مفقود » وسعيدٌ من 
حصل عليها ولو بعد عشر زيارات للعيادة . 

طالبْت عير ست سنوات قضيتها أميتا لمكتبة سجن سواقة بتزويد 
المكتبة بالكتب » وقدّمت ما لا يقل عن ثمانين استدعاء » وواظبٍت 
على تقديمها طوال عشر سنوات مثل عسكري ) يُواظب على تقد التحية 
لكائد الحبين كلما عر ا ايا س أو آمل » واجتهدت أن أغيّر 

صيغة الاستدعاء في كل مرة رة حتّى يكون جذابًا #وكنت ٠‏ أقول عسى 


0065 


وعل هذه الصّيغة تناسب مقاماتهم أفضل من الصّيّغ السَابقة! وللأسف 
لم يلب إل التزر اليسير » وبنسبة رأقل من العُشر . لكتني عضت شيئًا 
من ذلك النتقص ٠‏ والشح في الموارد » برفد المكتبة بالكتب ان تأتيني 
من الخارج . كانت أُمّي وفاطمة هما بطلتى هذا الأمر كنت في كل 
زيارة أحمّلهما قائمة بالكتب التي أحتاجها » ويشهد الله أن الظرف 
ادي كان صعبًا » ولكنّهما لم يتوانيا مرّة واحدة عن تلبية طلباتي › 
كانت فاطمة تقول : «الكتاب الذي تقرؤه يُقرَبك متي » إنه تعويذة 
الحب بيننا» . وتجتهد ما استطاعت أن تقرأ الكتاب نفسه قبل أن 
تدخله إلى هنا . هذه القراءة المُشتركة كانت جد يحيب انها نوخا 

من التواصل الرّوحي والمعرفي والمادي أحيانا ؛ ألم تقع عيوننا على 
الكلمات نفهاء ألم تقلّب أصابعنا المتفحات 00 فنلك الذي 
يدنينا إلينا 

لم يكن المحامون والمهندسون والنقابيّون الذين داب بعضهم على 
زيارتى يبخخل بذلك أيضًا »ولا صديقي التاريخي علي اليد 
ولكتني كنت أقتصد في الطلب منهم خجلا . وهل في المعرفة خجل » 
لكن ذل السؤال يبقى ذلا على الرّغم من القوّة الدّافعة المشجّعة عليه 
والهدف السّامي الذي يُبتعَى الوصول إليه بسببه!! 


466 


(65) 
من راقب التاس مات هما 
مكتبة الرمحى أحمد 
استقبلت الوفد التيابي الذي جاء ليزورنا في الجن » كنت 
أعرف أن كل ما سأقوله لهم لن يتحقق » سيستمعون لي وأنا أشرح لهم 
وسيّطيرون با قلثّه لهم ليُطالبوا به » وسيرتفع به صوتُهم تحت القبّة » 
وستتناقله وسائل الإعلام » وستنشره بعض الصّحف بخطوط عريضة,ٍ 
في صباحاتها » ولك شيئًا منه لن يتحقق » لاثنا ثحب التخلف » 
نحب أن نظل فى اليل » نحب أن يظلَ الإنسان فى بلادنا ضائمًا 
تائهًّاء تدوسه الأرجل › وتركله الأقدام!! وماذا يُمكن أن تكون 
مُطالباتي للوفد النيابي . إنها تنحصر في شيئين اثنين فقط › وهما شفاء 
الجسم والعقل ؛ الأدوية والكتب . بعد سنين من تلك المطالبات ؛ ظلت 
الأدوية تُباع للمساجين الفقراء الذين لا ملك أحدهم في السّجن فلم 
واحدا » وظلّت الكتب بيتها وبين السّجن حجاب » بل وصودر ما كان 
بخوزة بعض المساجين!! إننا ننحدر يا سادة ٠‏ نتحدر على الأصعدة 
كافة 
أطلعت الوفد التيابي على المصائب التي تحدث هنا ء أردت لهم أنْ 
يعرفوا أن العالم ليس القبّة التي يجلسون على كراسي وثيرة تحتها , ولا 
السّيّارة ذات التمرة الحمراء التي يقودونها ء ولا المناسبات والدّعوات 
والمؤتمرات التي يحضرونها » ولا المناسف ذات الدّسم التي يأكلونها . 
هناك عالم آخر موجودٌ وهو أكثر واقعيّة » ويُمثْل كثيرًا من الشعب 


467 


اليب عن كل شيء . ولا يُوجد تمثيل للواقع أصدق منه في الجن › 
ذلك أن الجن يخلع قناع اليف الذي کان يلبسه خارج الجن › 
ويظهر على طبيعته داخله » فهو لا يستحي مما قام به ولا يتستر خلف 
غلالة سوداء » لأته سجين محكومٌ في القضيّة ويريد أن يعيش ما تبقى 
له في مجتمع السجن ويخرج 

كان بعض رجال الشرطة يومها يقومون بتهريب المحدّرات إلى 
داخل الجن » وبيعها بأسعار خياليّة كان رجال الشرطة يُفتّثون مثل 
النزلاء في بداية دوامهم قبل أن يدخلوا إلى السّجن ليستلموا مواقعهم 
في الحراسة وغيرها » لكتهم مع ذلك كانت لديهم طرق لإدخال حبوب 
المحدّرات لا تخطر ببال أحد » وكانت الحبّة الواحدة يصل سعرها إلى 
(۱۰) أو(؟1١)‏ دينارء فيما الشرطي يشتريها من الخارج بنصف دينار ء 
وحلال أسبوع واحد يكون الشرطي قد ربح من وراء تجارته هذه أكثر من 
راتبه . السؤال الاه ليس كيف أدخلت الشرطة الخدرات إلى 
الجن » بل السوال الأهم هو : لماذا تدخحل الشرطة هذه المخدّرات إلى 
السّجن؟ لاذا يُغامر شرطى هذه المغامرة التى يعرف أن نتائجها لو 
اكتُشفت ستكون كارئيّة؟ سيّجَن » وسيّطرد من الخدمة » ولن يحصل 
على أيّة تعويضات . هل هو الطمع والرغبة في الحصول على الال 
بأسرع الطرق؟ هل هو قل الآمانة؟ هل هو الوضع المادَيّ الصّعب الذي 
کان يعيشه الشرطي يومكذ؟ : ثم السّؤال الذي يال هنا أيضا : لماذا يريد 
المساجين امسر على الج رات ,ولا جاءتهم فرصة ذهبية لكي 
يتركوها ويتخففوا من تبعاتها ومن أعراض الانسحاب فيها ولو بالالم 
وبالتّدريج؟ لماذا كان يشتري الُحدرات في الجن يومئذ مَنْ لم يُجِرَيها 
من قبل؟ هل هي الرّفقة السّيّئة؟ أمْ أن السّجين كان يهرب من واقعه » 


468 


ومن همومه ومن قيوده بان يرمي نفسه في وادي الموت؟! 

لم تكن المخدّرات يومئذ مُصيبة التجناء والشرطة وحنهاء كان 
هناك تهريب المواد الحادّة » مثل السسكاكين والشفرات ء وإ كان بدرجة 
أقل » وسيظهر أن ذلك كان يجري من تحت الغطاء وأن السّجن على 
مدى سنوات سيكون قد امتلاً به حين تقع الأضطرابات الكبيرة الع 
خديدتنا CG‏ . كات 
الحصول على شفرات الحلاقة يتم عن طريق الشرطة وبالعَدَ وباسم كل 
تزيلٍ يروك أن يتجلق دنه لو آي شيع حر لكنها وينينا بعد توميت 
إلى 2 الذي صارت الشفرات بتعدّد أحجامها وآتواعها تُستخدم 
للابتزاز وللتتهديد للحصول على المال بين الّجناء أنفسهم » وتأتي من 
الخارج . لدينا تجارة رابحة هنا يا سادة!! لدينا سوق سوداء ضخحمة أيها 
الطَيّبون!! هل أتاكم نب حجم الاستثمارات هنا » وحجم حركة الشراء 
والبيع والمقايضة يا قوم؟! 

نتشر الخبران في الصّحف » وتحت القبّة » ووجَهت تحذيرات خفيّة 
إلى الشرطة من قادتهم » وبدأت حملات التّفتيش عليهم » ومراقبة من 
يُشك فيه » وبالفعل ضبط بعضهم . وخاف بعضهم الآخر. وحقد علي 
قسم غير قليل منهم › فأنا بتصريحاتي للوفد التيابي أكون قد رفعت 
عنهم الخطاء » وقطعت > أرزاقهم > وهم يحفظون العبارة لن لا يهم في 
أي رزق سيقت فيه حمَّى ولو کان حشيشًا من صنف جيّد : «قطع 
الأعناق ولا قطع الأرزاق» 

كان يومًا كانونيا بار » حينَ كنت أجلس فى المكتبة » كنت أغلق 
التوافذ اتقاء البرد الغا > وعلى النوافذ تتناهی إلى أصوات حبّات 
المطر تطرق الرّجاجٍ مع كل هُبوب للرّيح . لم يكن هناك من شمسٍ 


469 


تُدفى القاعة أو تُنيرها . كان شيء من العتمة الهادثة » والضّبابيّة 
المحزنة يلف المكان ‏ ولف روحي بقشرة حريريّة من الأسى ءلم يكن 
لي من صديق يومهاء لا علي › ولا ليث » ولا ريحي › ولا المهندس 
الحكيم » ولا غالب » كثيرٌ منهم كان قد أفرج عنه › وغادر هذا المكان 
إلى فضاء الحرَيّة » وبعضهم غادر إلى القبر » رحمات الله عليه » ومع 
ذلك لم أكن وحدي ؛ كنت بصحبة كتاب » وكانت رواية (القرين) 
لدستويف سكي » كنت منهمكا في قراءتها » بل وبكيت في المقطع الذي 
يقول فيه بطلها الْمصاب بالانقصام (جوليا دكين) لطبيبه التّفسي الذي 
يجلس قبالته مُصغيًا بروح مريضة هو الآخر : «تعم لي أعداء » أعداء 
عتا آآ اعلى أنفهم أن يُضَيّعوني» حينما دلف إلي شرطي لم أره من 
قبل في الجن › يبدو أنه من العناصر الجديدة التي أوكلت لها مهام 
مكان القديمة . سلمء فظننت أنه يريد أن يستعير كتابًا ففرحت . لته 
لم يقل شيمًا ء دار من أمام المكتب نحوي »› وهو يلتفت يمنة ويسرة ء 
وخلفه مُستريبًا » فأرابني معه » واقترب مني أكثر حتّى شعرت بلفح 
أنفاسه » همس في أذني ولم يكن معنا أحدّ في المكتبة ليسمع : «هُناك 
مُؤامرة تُحاك ضدك» . لوهلة تخخيّلت أتنى (دكين) نفه › وأن هذا 
الذي يُحدّئني هو الطّبيب » اختلط علي الصّوتْ والفهم » فهززت رأسي 
علامة على أتني لم أفهم ما يقصد › فتابع «إنّ عددًا من الشرطة قرر 
توريطك بقضيّة» فهتفت بلا وعى : «لى أعداء» . فظن أتنى أسأله 
فأجاب بصوت خفيض : «نعم» TENE‏ عتاة آلوا على 
ای اا و ران الات أكن ا e‏ 
دور بطل القرين من الورق إلى الواقع في لحظة واحدة . ساله : 

القضيّة التي يرد يدون توريطي فيها؟» . أجابني e‏ 


470 


تُقسم على المُصحف بألا تذكرني إذا سثلت أو أن تقول لأي أحد 
أنني أخبرئك بالأمر» . تناولت المصحف الموجود على طاولة الكتب 
أمامي » رفعمّه حتّى صار بيني وبينه » أدنيتّه من شفتي » قبَلنّه قبلة 
عميقةءكُمٌ وضعته على سطح المكتب » وبسطت يدي فوقه. 
وأقسمت . أذ الشرطي نفسًا عميقا ء ونظر حوله مرتين ليتأكد من 
جديد أثنا وحدنا » وقال : «إنَ عددا من الضبّاط مستاؤون جدا من 
تصريحاتك للوفد التّيابيّ , إنّهم يعتقدون أك أغلقت الطّريق في 
وجههم » وخربت عليهم تجارتهم . لقد كانوا يجلسون في مكتب رئيس 
القسم . وقالوا : إن أحمد فضحنا » ويجب أن نورّطه يقضيّة من أجل 
إسكاته والتَخلّص من نطنطاته » فاقترح أحدهم بان يُرسلوا لك سجينا 
يقوم بضربك بواسطة مشرط في وجهك . فيترك فيه أثرًا إلى الأ يد 
ويبقى يُذكرك كلما نظرت في المرآة عاقبة مَنْ يقف في وجه سادته » ثم 
عند المثول أمام لجنة التحقيق في الأمر يقول ذلك السّجين إنه قام 
بضربك بالمشرط في وجهك لا نك تحرشت به جنسيا وقمت بمراودته 
عن نفه . وبهذا يُشوّهون سمعتك . ويتركون على وجهك علامة لن 
تزول . لكن أحد الضَبَاط اعترض على هذه الطريقة ال وهيف أو 
تعقّلا تعقّلاً ء ولك لحساسيّة قضيّتك > فقضيّتك مرتبطة بالأمن القومي › 
ا اي 0 
موسي اكوا ا . فعدلوا عن قضيّة المشرط 

تشويه الوجه ء إلى 3 تشويه السسمعة › » فقالوا يقوم الستجين الذي سنختاره 
ارفا دی نس للك . نم اقترح ثالث 
اقتراحًا أنفع لهم من هذين الاقتراحّين » وهو أن يدسسّوا كمّيمّة من 
الأحدرات في بَرّشك وبين أغراضك »نَم يقومون يعمليّة مُداهمة 


471 


لمهجعك » ويستخرجون المخدّرات » ويعرضونها أمام الملا » وتُلفق لك 
قضيّة الاتجار بالمحدّرات وتعاطيها . ويشيعون فى الجن وخارجه أن 
انظروا إلى هذا الذي يدعي مكافحة ارات فا ایا 
ويبيعها . وانظروا إلى مَنَ صّدع رؤوسنا بالمقاومة » والنضال من أجل 
فلسطين » إذا بهذا المناضل ينكشف فى التهاية ويتبيّن أنه حشاش › 
وصاحب كيف » ويتعاطى» الال الأخيرة » وخرج . جذبته من 
ذراعه قبل أن يُغادر » قَبَلْبّه على رأسه » وتركمّه ينسري من الباب كأته 
ألقى بأثقاله 0000 وغادر . 
بهدوء » وعلى سطح مكتبي الذي أجلس إليه » والشمس غائمة 

والبرد يذبح » والرّؤى تختلط » تناولت الورقة والقلم » وكتبت تقريرا 
بالذي سمعمّه إلى مدير السّجن » حاولت أنْ أجوّد خطي ما استطعت › 
استغرق الأمرٌ متي ساعة »ثم نسخت منه خة أخرى لرئيس فرع 
ا في السّجنٍ رجت دن المكتيينة +روبرلت إلى الإخارة + 

قت التستكن كاتني أسلّم مفاتيح الكعبة للسّدذنة » وغادرت ت إلى 
مهجعي . قضيت الليل بأكمله وأنا احج يه عخيراي البح کی 
الصباح »في الصّباح طُْفَتُ على المهاجع »وزعت على شاويش كل 
جيم E‏ لحل عن كل E‏ حدث لي شيء » 
وأنا حمل المسؤوليّة لضبّاط الأمن هنا ء ولحرّاس السّجن » كانت خخطوة 
استياقيّة » جرّبت فيها كيف يكون ألم الأصابع من طول الكتابة › 
وجَّمال الرّاحة بعد الضيق من الكرب الشديد » وتبرئة ساحتي »› 
وتسييجها من أنْ يطأها أي تڏل أو جبان » أو ها بسوء . 

فى الظهر تاداني مدير قت ٠‏ كان مُتعاطفا معى الد 


الان ف رون بسرعة »قال لي : لخدت ذلك أن مک وسا وت 


472 


أنا هنا » سأجمع الضّبّاط وأحذرهم » وإِنْ حدث لا سمح الله لك شيء 
فسأعرف كيف أحاسيهم ء أمّا أنت فُكنْ ما تشاء لا يهمّني ما تكون » 
ولكن كن عادلاً مع نفك وصادقًا » تحفظ لها هيبتّها ء وربّك خخيرٌ 
حافظاء . لم أعقَبْ بكلمة › وددت أنْ أشكره ‏ لكن الكلمات وقفتْ 
في حلقي . أدرت ظهري بحركة عسكرية وخحرجت . 

بعد تسعة أشهر من تلك الحادثة . كنت قد عرفت حركة 
التّنقلات فى الجن » مراقباتى المستمرّة » والتّظر فى كنه الأمور » طول 
العهد بالشيء يُورث عمق لعل به » كانت عبارة الشاعر القدي : «من 
راقب الاس مات هما» ليست صحيحة تامًا فى حالتى » وإنّ كان 
شطرها الثاني أصح » حين قال : «وفاز باللْدَة ال . لكتني لم أف 
ال ل ا فة + أن تقول الى يعني أن تصنع لك مزيدا 
ملعد ران ع فى طريقة هتي ان قر عد الجائر يفيه 
مك ولک ماله أن القلة المؤمنة أيا كان نوع إيانها تغلب الكثرة 
الكافرة أيّا كان مستوى كفرها 

كان الشرطة القدماء يتحولون إلى أصدقاء للمُجرمين العّتاة» كان 
يعفر عولاء المبدرمين غلك مالا وحافة تحار الك درا »وكاتوا 
قادرين إلى التَسلّل إلى بعض النّفوس المريضة من الضّبّاط » يُغرونهم 
بالمال » والمال ما سمي كذلك إلا لأنه يُميل القلوب . وتذكرت هَن 
قال : «رأيت النَاسَ قد مالوا .. إلى من عندَهٌ مال» ء وبالمعاشرة 
الطويلة › وبالوعد بالتقود اللامعة يبيع بعض مراض التفوس أنفسهم › 
من هّنا كان المجرمون يتسلّلون إلى جدار الأمن » ويشقبونه . ثم تنهال 
من بعد الحبوب امُخدرة وكل الممنوعات . ضصُبط أحدٌ الضبّاط مرّة 
متلبّسًا ومعه كمّيّة كبيرة من الحبوب الْمُخدرة » وكمّيّة من الحشيش » 


473 


ومجلة إباحيّة!! دخلت إلى مدير الجن »قلت له «إنّ ضَبَاطك 
وعناصرك يقعون في تجاوزات خطيرة» . فاجاته 9 التقريرية » هز 
كتفيه مُتضايقا » سألني وقد اعتاد على صراحتي : «مثل ماذا؟» . 
أجبتّه كاتني أعددت له الإجابة : «تهريب الحدرات ء والعلاقات 
المشبوهة » والرّشاوي » والحشيش » وحبوب الهلوسة » ومجلاآت 
الجنس» . سألني بنوع من السخرية کک تقترح؟٩‏ . اجه بمزيد من 
الثقّة : «إجابتك هذه تعنى اعترافك بالمشكلة › واعترافك بوجود 
المشكلة أوّل خطوات حلها حلّها ‏ فأقترح أن تغيّر ضْبّاط الجن وشرطته كل 
ثلاثة أشهر » ولا تبقيهم هنا أكثر من ستة أشهر ف فى أسوأ الظروف »ء إن 
التجديد أولاً يعني الحيوية » وبث دماء جديدة في كل مرة » وثانيًا يمنع 
التجاوزات التى حَدَثْتُك عتها» . 

بعد أقل من هين على كلاف الاد ٤‏ وجدت كلماتي التي 
القيتها على مامح مدير الجن صدى؛ ع تغيير /9٠‏ من ضبّاط 
الجن وأفراد شرطته . وانبئقت ا 8 فی قلبی 5 مسيظل الأمو 
جيّدًا على الأقلّ لستّة شهور › قبل أن تُكرر المأسي السابقة دورتها! 


474 


CO 
حمى القراءة‎ 


في أواحر عام »> بعشت برسالة إلى رئيس الوزراء »لكتهالم 
تصله » للبيروقراطية التي تت تسم بها معاملانا وروح العرب بشكل عام . 
ظلت تسخة منها مخطوطة ا ا م ب 
لإيصالها إلى صاحبها في أيار من عام 5 ب كان رئيس الوزراء قد 
تغير » وجاء رئيس وزراء جديد > لكتّني وجدت أنها صالحة حتى لهذا 
الجديد » واكتشفت أن التّركة التي يستلمها الجديد من القدي لا تتغيّر 
ذات المأسى » والمشاكل . والترهلات » إذَا فماذا يفعل رؤساء الوزراء 
الجدد؟! إنهم يستمتعون بعض الوقت ويُرفهون عن أتفسهم ء وعلؤون 
جيوبهم باللوز ء ريثما يأتي قرار بترحيلهم إلى مجلس الأعيان » أو إلى 
إدارة شركاتٍ كبرىٍ » الدورة الوزاريّة عندنا في الأردن تككاد تكون 
محفوظة لكل الئاس > حتی لطالب في الصف الثالك الابتدائي 

«دولة رئيس الوزارء المفخم . . 

فإنني أبعث برسالتي هذه 57 أقبع في ليالي الظّلم والظلام وفي 
غياهب الحقد he‏ . وکل ذلك لماذا؟ أالأنني أعلنت غضبي 
وسخطي على ص 06 الأرض ل » وعلى من استهات بالعباد 
والبلاد » وعلى من ليس له عهدٌ ولا ميثاق » ولیس يحكمه وعد ولا 
اتفاق . . كل ذلك لماذا؟ الأثني تمرّدتْ على عجزكم فتكلفْت 
بالرآصاص والقصاص »في زمن صمتكم المخزي الذي : تقوده الشعارات 


475 


0 ؛ والمعاني الخاوية > والحناجر العاوية . ومن الصّلافة أن يُطلب 
منى أن أقدّم استرحامًا واعتذارا من أجل الإفراج عني؟ فأي طلبٍ 
هذا؟! ااال وكلي عجحب ؛ ؛ أقدم اعتذراي على ماذا ولماذا؟ الائني 
احضرت لان العترى ی ل E ELE‏ 
ا . أقدم اعتذاري على ماذا ن التّعيّة والق . . 
ا 5 « بيه یوم أن تقرؤوها « وأن تدرکوا 
لا بذ من خخلوة وان طال الجن ولا ب من تائ وان وض في 
وجهك الجدران » كنت لا أزال أعيش اللذة او العظطلماء ء في 
كتبهم ٠عامًا‏ كاملاً هو عام ٠٠١٠6‏ صرفئّه كله في قراءة التاريخ والسّير 
الذاتيّة » قرات كتاب (أعلام من الأردث) » وفيه تعرّفت عن قرب على 
و 
وصفي التل 1 وهزاع امجالى 0 وسليمات التابلسي 1 وقرأات بعده مذ کرات 
الحاج أمين الحسيني . غير الكتاب فكرتي عن هتلر > فصرت أحترمه 
كنت جالسًا في المكتبة عندما وجدتني أقوم برضم صورة له > شاربه 
الذبابي » وعيناه الحادتان » وشعره الكث المسبّل » ووجهه اليارد كانه 
قطعة من الشمع . بعد ساعتين من إعمال قلم الرصاص في لوحة 
الرسم» حرجت بصورة لا بأس بهاء » حملّها بين يدي بعد أن أغلقت 
المحكتبة 007 » في الطريق كنت أفكر على آي حائطٍ 
ee‏ الحائط إيّاه » عن ببالي أن أؤجَل كماو 
أسأل المرشد الدّينى فى حُكم تعليق صورته » أو أنْ أسأل أهل العلم » 
فإ وجدت مخرجًا شرعيا لتعليق صورة شخص لا للتعظيم بل 


476 


للذكرى فسأبادر إلى ذلك . كان احترامي لهتلر منبعه أنه عرف كيف 
يتعامل مع اليهود من جهة › وفهم نفسيّة العرب من جهة أخرى » قال 
عنهم : «العرب لن أقاتلهم » سأدعهم للرّمن كي يقتل بعضهم بعضاه 

من بعده فرغت أسبوعين كاملين لأقرأ كتاب (ثورة ١4‏ تموز في 
العراق) » استخربْت في البداية أنْ يكون كتاب كهذا فوق رفوف 
السّجن . لكتّني تذكرت أعمال الصّليب الأحمر فعرفت . وقرأت من 

بعده بشكل مُتتابع كتاب (كفاحي) لهتلرء ساقئّني إليه مذكرات 
الحاج اض الحسيتي:: »ثم قرأت سيرة تابليون » وعطفت على العبقريات 
للعقاد فلم أبق منها عبقريّة دون أن أقرأها من أولها إلى آخرها ؛ تم 
ذهبت إن كقنت التاريخ اا حسب الفترات السياسية > فقرأت 
التاريخ الأموي . ومن بعده ذهبت إلى التاريخ العبّاسي > وعرفت أن 
التاريخ لا يُعيد نفه ٠‏ بل الشّاريخ هو التّاريخ وأنّ البشر هم الذين 
يُعيدون أتفسهم . 

واستمرٌ شغفي بالتاريخ على نحو مجنون » فقرأت في ثلاثة أشهر 
تاريخ ابن كثير المعروف ب (البداية والتهاية) وأتيت على أجزائه الثلاثة 
عشرء وأحزنتى أنه مات في ۷۷٤‏ هجرية » وتمنيت لو أنه جاء في عصر 
متأخر أكثر لأقراً أمزيدًا من الاحداث . وخاصة أن أحداث الدولة" 
العثمانيّة وتاريخها لم يكن له نصيب من كتب السّجن . في البداية 
والتهاية » عرفت أن المآسى لا حدود لتخميّلها , وأن التوائب ليس لها 
وجه واحدء بل هي بالف آلف وجه > وقرأت من فظائع اليكو ها 
جعلني في لحظات أخجل من انتماڻي إليهم . وأصيح : هل هؤلاء 
آدميون؟ قراءة التاريخ هي قراءة الطبائع البشرية في حيوانيتها » بل إتني 
أؤّمن أنّ البشر ينحطون إلى دركات لا تبلغها الحوانات › وأن من 


477 


الخيوانات ها هو ارم وأعقل وأصوب فعلاً من , بعض البشر كان 
التاريخ يقول عبارة واحدة : (لا مهرب من الحرب) كأن الحرب قدر 
الإنسان الذي هبط إلى الأرض . والإنسان الذي يتغتّى بأته صانع 
ا لحضارة » هو ذاته الذي تسو أنه صانع الموت » وأن حضارته قادت إلى 
هلاكه أكثر مما قادته إلى حياته » وأنّ أحقاده الطاغية الموروثة عن 
قابيل تغلب في نهاية المطاف على تسامحه الذي يظهر خجولاً في 
تخا | نادرة . ولوللا أن غريزة الجنس تُعرّض ما فُقد من البشر في 
اروب ,الاعات والأوبئة التي هي جميعها من صنعهم لهلكوامنذ 

فجر التاريخ! 

ثم لم يتوقف نهمي عن قراءة التّاريخ » فرحت إلى كتاب (تاريخ 
بلاد ما بين الرّافدين) فقرأت فيه حضارات الشعوب البابليّة وال كاديّة 
والسّومريّة والأشوريّة . . . وغيرها . ثم قرأت كتاب الذكتور غازي 
الربابعة (الإستراتيجيّة الإسرائيليّة) » ومنه عرفت كيف بعنا نحن 
العرب الضّفة الغربيّة والقدس والجولان وغرّة » وفتح الكتاب الباب لي 
على مذكرات عبد الله الثَلّ ء وإنْ لم أجذها في الجن » وسعيت 
جاهدا أن أحصل عليها عن طريق أمَّي أو فاطمة . 

ثم حننت في الستنة التي تليها في عام ٠>‏ ۰ إلى ما بدأت به 
قراءاتي في العقيدة والفقه والدراسات الدّينيّة » فقرأت كتاب (تلبيس 
إبليس) لابن الجوزي , وفيه تأكدت من وحشيّة البشرء ومن ضلالهم 
وانحرافاتهم حين لا تكون هناك رسالة سماويّة تُنقذهم من الجحيم 
الذي يقودون أنفسهم إليه » ولعل أكشر الفصول ال أمتعتني هي 
الفصول التي يتحدّث فيها عن تلبيس إبليس على الفلاسفة › وفيه 
يتحدّث عن أقوام يعبدون «الكواكب السّبعة وهي رُحل » والُشتري » 


478 


والمرّيخ ‏ والشّمس ء والزّهرة » وعُطارد » والقمر . هي المديّرات لهذا العالم 
وهي تصدر عن أمر الملا الأعلى . ونصبوا لها الأصنام على صورتها . 
وقرّبوا لكل واحد ما يُشبهه من الحيوان . فجعلوا لزحل جِسّمًا عظيمًا 
من الآنك أعمى يُقرّبٍ إليه بشور حسن يُؤتى به إلى بیت تحته محفور 
وفوقه الدرابزين من حديد على تلك ا حفرة » فيُضرب الثور حتّى يدخل 
الت وی ی د اراو ف ديد فون رجلاه ويداه 
هنالك › ثم توقد تحته النّار حتّى يحترق » ويقول له الُقَرّبون : مقدس 
أنت آيّها الإله الأعمى المطبوع على الشْرٌ الذي لا يفعل حيرا » قربنا 
لك ما يُشبهك فتقبّل منا واكفنا شرك وشر أرواحك الخبيثة . ويُقربون 
للمشتري صبيًا طفلاً » وذلك أنهم يشترون جارية ليطأها السّدنة 
للأصنام السّبعة فتحمل » وتترّك حثى تضع » ويأتون بها والصّبي على 
يدها ابن ثمانية أيّام قينخسونه بالمسّل والإبر وهو يبكي على يد أمَّه 
فيقولون له : أيّها الرّب الخير الذي لا يعرف الشرّ قد قينا لك مَّنْ لا 
يعرف الشرّ يُجانك في الطبيعة » فتقبّل قرباننا وارزقنا خيرك وخير 
أرواحك الخمّرة . ويُقرَبونَ للمريخ رجلا أشقر أنمش أبيض الرس من 
الشقرة اون فاون في حوض عظيم ؛ ويشدون قيوده إلى أوتاد 
في قعر الحوض » وعلؤون الحوض زيتا حتى يبقى الرجل قائمًا فيه إلى 

حلقه » ويخلطون بالرّيت الأدوية المقوّية للعصب والمُعفنة للحم > حتّی 
إذا دار عليه الحول بعد أن يُعْدَى بالأغذية المعفتة للحم والجلد » قبضوا 
على رأسه فملخوا عصبه من جلده ولفوه تحت رأسه وأتوا به إلى 
صنمهم الذي هو على صورة المريخ ٠‏ فقالوا : أيها الإله الشرير ذو الفتن 
والجوائح قرينا اا AEE‏ كو 
أرواحك الخبيثة الشرّيرة . يزعمون أن الرأس تبقى فيه الحياة سبعة أيّام 


479 


م 2 E‏ سجر 
سى اليشريّة #ويعرا N e‏ النقيّة الصافية 
الموحّدة . وتتاءل من أين جاء هذا الشرّ كله » وكيف استطاع الإنسان 
أن يخحترع أساليبه الفظيعة هذه!! 
تم عرّجتُ نحو سيرة ابن هشام » وعلى ضخامة ما فيها من 
المعلومات » وشساعة ما فيها من القصص التي يُمكن أن تُبنى على 
كل قصّة منها دراسة قائمة بذاتها » وولف في فقهها الْمجلّدات . فن 
أكثر قصة SEE‏ ور و a yf‏ 
َُيلة بنت التضر في أول الجزء الغّالث من الستيرة » التي اسر 
حبو و ا E RE‏ 
وسلّم بقثله » وكانت قُتيلة شاعرة » فرئته نته بقصيدة مُفجعة » وقالتّها أمام 
اسول صلى الله عليه وسلّم ومعه أبو بكر يمع » وصِمًا قالت : 


هل يَسْمَعتي التضر إن ناديشه 
أمحمّديا خيرضنء كريمة 
في قومهاء والفحل فَحُل مُعرق 
ماكان ضر لو منت ورتما 
E EET‏ 


2 & 5-2 


وأحقهم إن كات مق يُعستق 
A‏ هناك دد ل 


480 


وبكى ء ثم التفت إلى أبي بكر وقال : ديا أبا بكر ؛ لو بلغني هذا قبل 
قتله لنت عليه» . ويّمال إن الرسول صلى الله عليه وسلّم نهى عن 
قتل أسرى فُريش بعدما سمع القصيدة . 

ثم ذهب إلى القت فأتيت على تفسير ابن كثير وكان يُعجبني 

تفسيره القرآن بالقرآن أو بالمأثور » وساعدني ذلك على ربط متين في 
المعنى بين الآيات » وقد اندهشت من كثرة الآيات التي تفسّرها ات 
أخرى . ثم وقفت طويلاً عند (في ظلال القرآن) لسيّد قطب » فأعطيئه 
قلبى كله . كان موجودًا داخل مكتبة الجن › أخذت مى قراءته ما 
يقرب من سبعة أشهر » قرأته كاملاً » تم حصلت على تُسختي الخاصة 
منه بعد ذلك بشهر . ظل رفيقي حتى رحلت من سجن سواقة إلى ما 
تبقى من عمري في السّجون الأخرى . ولاحقا في عام 7٠٠٠١‏ سأكون 
قد قرأتّه مرة ثانية » تم ختمت قراءته للمرّة الثالثة فى عام ۲۰٠۲‏ › هو 
تفسير ممتع › وأفضل ما فيه أنه يأخذ بيدك حتى تعيش الحدث › ولا 
يترك لك مجالاً لكي تشت أو تسرح . أفكاره كانت متسلسلة » وكنت 
أنسى نفسى معه ؛ ما ميزه عن سواه أتك إذا قرأت تفسير آية ء فاته 
يُعِيِشَكَ في ظلالها » ويُسبل عليك يأسلوبه القَذَّ من فيء الكلمات 
العذاب » وعليك حتى تثقف ما يقول أن تسمح لنفسك بالغوص في 
مفرداته » مترابط لا يسمح لك بأنّ تخرج عن سياقه » وتشعر أن مؤلفه 
جالس إلى جوارك يحدئك حديثه!! 

ا ما بقراءة الرّوايات كثيرًا » وإ كنت قد 

ت بعضها في الجن > كانت هناك روايات ديستويف سكي ۰ 
î‏ > وجيب محفوظ » وجرجي زيدان . ديستويف سكي كان 
مُميِّرًا » وكانت كل رواياته قد ترجمها سامي الدّروبي إلى العربيّة . 


481 


سيّد قطب قادنى إلى أخيه » فقرأت لمحمّد قطب أكثر من عشرة 
كتب ء أذكر منها جاهليّة القرن العشرين وشَبُهات حول الإسلام . ثم 
قرأت (الشهيد الحي) وهو عن سيّد كتبه الدكتور صلاح الخالدي . 
وقرأت كتاب (الدين أفيون الشعوب) لم قر ت كل كتب ابن قيّم 
الجوزيّة ؛ كانت الرّوحانيّة العالية التي تتسّم بها المواضيع التي يطرحها 
تاعدني في أن أصفد وفي أن ات » کان الحمال الذي حاطب 
العالم غير المنظور المتمثل في سطوره تجعلني أعشقه وأعشق ما يكتب » 
أتذكر من كتبه التي ظلت رفيقة لي حتّى بعد أنْ أنهيثّها كتاب (زاد 
المعاد) 3 وكتاب (حادي الأرواح) 95 ولم له جوعي لي القراءة يومًا 
واحدا 

ثم عن ببالي أنْ أعود إلى التاريخ والّياسة . فقرأتُ كتاب 
(الماسونية في العراء) حمد الرعبي ¢ وقادني المؤلف إلى کت آخر له 
هو (الماسونيّة مُشكة مُلك إسرائيل) » تم قادني من بعد إلى أن أقرأ كل 
ما أستطيع عن الماسونيّة » وأذكر أثني قرأت كتابًا آخر عن الماسونيّة 
لبطريرك مسيحي لم أعذ أذكر اسمه لتقادم العهد كان ماسونيا ثم 
حفظت بعص فقراته لكثرة ما قرأته . ورأيت كيف كان الجاتين والمعاتيه 
يحكمون العالم في مذكرات (مناحيم بيغن) الرّعيم الأشهر لفرق 
اموت والاغتيالات يُصبح الرّجل السياسي الأول في دولة الكيان 
الإسرائيلي الغاصب .ء فهو يقول إن إنشاءه لمنظمة الأرغون السّفاحة لم 
يكن قرارًا شخصيا. فقد جاء إليه الوحى ذات ليلة بعد ساعات من 


452 


التفكير على شكل غيمة ساطعة جدا أطل منها را س طائر يُشبه تلك 
الطيور التي دت و وسو برو سيد رد E‏ 
لكين على رار هذه الطيور ء ولتبن بِيمًا لبني إسرائيل» . وعندما 5 
بيغن بتفجير فندق الملك داود فى القدس » كان يشغل باله هاج 
واحدٌ فقط ؛ كيف ينف فندقا يحمل اسم نبي يهودي؟ وظهرت على 
وجهه آثار مَرَضيّة وظل حائرًا أيَّامًا لا يدري ما يفعل . حتّى جاء ذات 
يوم وفذ تهلل وحجهه > وراح يردد : «لقد شاهدت النيى داود هذه الليلة 
وقأل لي : «لا تتردّد في صُنع مجد إسرائيل . إن اسمي لا يعرف 
الطمأنينة إلا إذا كانت قلوبكم مُطمئتة» . وكانت هذه كلمة السَّرٌّ التى 
جعلت فندق الملك داود ينهار بعد أقل من أريع ساعات فوق مثة 
يتصرف في أمور القتل والذبح والإعدام والمجازر إلا بوحي . ثم هو يُرغم 
زعماء العرب على أنْ يذلوا بين يديه » ويدخلوا بيت طاعته » وتمهد 
مفاوضاته مَرية معهم إلى العلبة › ٠‏ فكيف يل عربي ملم وا أن 
دي ا EET‏ 


483 


(0^) 


القراءة تحيى » وتسعد › لكنها أيضًا تمرض ٠‏ أتى لقلب عاشق أن 
کن ده لقره على أن ت كل ما اك واف مها 
أنى له - وهو یری ما تقع فيه أمته من ذل وهوان » واتجرار خلف الأعداء 
بلا لمن » واتصياع للقاتل في استسلام تام = أن يعيش هان البال أو 
مرتاحًا . لقد صار «فؤاديٍ في خشاء هن نبال» 

المرتحل يظلّ مستعدًا للحظة التي يُنادَى فيها بالرّحيل » ؛ يتخقف 
من الأمتعة حتّى لا تُثقله ولا تُبطئه عن الغاية .ثم هو لا يحمل إلا ما 
يغه المقيل » ٠‏ هكذا كنت في سفر دائم > سفر بيني وبيني في ابتعادي 
عتي » من صحرائي إلى جتتي » ومنهاً إلى صحرائي مرّة أخرى ء لا 
أستقرٌ على حال ء ولا أنام على أي جنبٍ 

صحوت كأن كل تماسيح أفريقيا تسبح على جلدي » > نهضت 
متثاقلاً » رح أهرضٌ جسدي بشكل هستيري , كانت كل بوصة في 
بطني وظهري تدعوني بشكل وقح إلى أن أحكّها . رفعت قميصي 
لاكتشف أنه ملىء بالبّقع الطافحة . وبالغدد ء وبالفطريّات » خضراء » 
وحمراء » وآثار الهرش الهستيري واضحة » هُرعت إلى الطبيب ء الذي 
حملق بعيئين مدهوشتّين لا رأى » كان طبيب الستجن بسيطا » ليس 
لديه ما يقدّمه للمرضى › ربّما كُنَا نحن نقلم لأنفبا أكثر مما تُقَدّمه 
لنا عيادة الجن » كتا نشتري بعض الدّواء من الخارج ونعرف 


484 


استعمالاته أكثر من طبيب السجن > ونبيع ونشتري ره لان العيادة لم 
نتداوّى بالكلمة الطيّبة » فلا يبخل أحدنا فى استعمالها للآخر لأن 
تأثيرها قل يكون أدوم من تأثير الأدوية والحبوب » وأرق وأسلس . الشفاء 
اة بال قبل أن يكون راحة جسد . 

ضيّق الطبيب عينيه » وقال بلهجة العاجز نافضًا يديه : «لا أدري 
ما الذي أصابك »لكل يبدو أتك بحاجة للتّحويل إلى المستشفى 
بصورة عاجلة» اة اهل تثتبه بشيء؟» . أجابني بلا مقدمات : 
«خلايا سرطانيّة» . أنزلت قميصى . قلت له : «وماذا أنت فاعل؟» . 
«سأكتب كتابًا بتحويلك إلى المدينة الطْبّيّة فى عمّان . ليس لدينا 
مخحبر لأخذ عيّنة من هذه الغدد لنفحصها» . جيه مغتاظًا : «وماذا 
تملكون غير حبوب الرّيفانين وميزانًا مُعطلاً؟» . هر رأسه محاولاً تفادي 
الدخول في نقاش عقيم معي › وتابع بأسى ١‏ لزهل اكد تلكا على بهل 
إلى المستشفى؟» . اجه «کلا . أفضل أن أموت هنا» . وخرجت . 
كانت إجراءات النقل مهينة بشكلٍ يه يُوصضف » إد بت تعد السجين 
الذي يحرج للمتشفى من يديه ا > والحكومون اليد مثلي 
يُرغمون على اأرتداء قناع أ سود على الرأس كي 5 يتمكن من رؤية 
شيء » وإذا كان ال جو حارا سبّب اختناقا لا يُمكن الصّمود أمامه طويلا 
قبل الوقوع في غيبوبة » وبسبب حادث قد فك تقييد يدي مع رجلي 
يسيب آلامًا في الظهر والرقبة ؛ آذ إذني ما مُنذ تلك م 01 
سواقة إلى عمان . تستغرق أكثر من ست ساعات ذهابًا وإيابا : ع 
د تحصل على كاسن ماء واحد . وتنقل في زنزانة متحركة يه في سبيارة 


485 


إسعاف ء ولا يُسمّح للهواء بالدّخول إليك إلا عبر طاقة علويّة صغيرة له 
تسمح للكف آن تعبرها لضيقها , وقد تجلس على أرضيّة الرّنزانة حيث 
البول والفضلات لأ ولئكك الذين لم يملكوا قدرتهم في تحكمهم ببولهم!! 
قبل انتشار التّماسيح الأفريقيّة على جلدي » كان الطبيب قد 
أخبرني أتني مُصَاب بالسكري »لم يكن الأمر جديدً! علي » فأنا أعرف 
ذلك . لكن الطريف أنه راح ينصحني بعدم الرّعل وألا أكون عصبياء 
لان ذلك كله يؤر على صحّتي ءلم أكنْ أعرف إذا كان الموقف يتطلّب 
مني أن أضحك أو أبكي ؛ أعيش في غابة من الوحوش . وجيش من 
ا مترتصين 5 ا ا لمكتراتت امات اة فى 
الشهرء »ثم يريد م مني أن أكون هادا أنْ أضحك للصّفعة » وأبتسم ' 
للطعنة »› ال ا الا 1 حجر ل ف نان د هه 
عن ا ف ي ى مع سيااان 
المريض الذي نغرق فيه جميعًا لأكون قادرًا على الابتسام ولو مرة 
واحدة ٠‏ إنّني لن أتحوّل إلى وحش كاسر مثلهم . ولكتني أريد أنْ أسيّج 
حماي بالأشواك وبالرماح حتى لا يطأه أحد من الجاهلين أو الحاقدين!! 
لقد بدأ مسلسل الأمراض إذا . لم استمع لنصيحة الطبيب بشأن 
الغدد » بقيت فى السّجن » عانيت ربّما شهرًا من الحكة . ومن نزيف 
الماء من الجروح والصّديد من القيوح » لكتني تمائلت للشفاء من 
بعد » ولليوم لا أدري ما نوع المرض الذي أصابني وقنّهاء ولا مدى 
خطورته ٠‏ 
الأعوام مضي . دولابها يدور » تطحن » ونحن قمحُهاء يد القدر 
تخيزنا » وفم الموت يأكلنا . ها نحن »ها أنا » تع سنوات من عمري 
تنقضي فيما أدري وفيما لا أدري . . . الأولاد يكبرون » كلهم دخلوا 


486 


المدارس » لا أدري كيف تتحمل أمُهم عناء تربيتهم وحذهاء إنها 

جبّارة » عليها أنْ تسهر على رعاية الثلاثة في كل حين » الطعام » 
واللّباس > والاستيقاظ إلى المدرسة . وانتظارهم آن رجوعهم منهاء 
ومتابعتهم في دروسهم › وإشعارهم أن لهم آبا ينتظر يوم عودته إليهم . 
متى عرفوا أوّل مرة أن أباهم يغيب وراء القضبان يا فاطمة؟ وأنه ما فعل 
ذلك لأنه لا يريد ان يكون معهم ء بل فعله لأنه يُحبّهم . متى عرفوا أن 
أباهم كان لا يرضى الدّنيّة في دينه » ولا يقبل الفيانة في وطنه › ولا 
البيع » وأنه غير قابل للمُاومة ء وأنه غيرٌ قابل للتطبيع أمام الأمواج 
التي تبتلع أبتاء هذا الجيل المسكين » الذي أرادوا له أنْ ينظر إلى القاتل 
على آنه شريك في الأرض وفي الماء وفي الهواء ء وإلى المسَفَاح على 
أنه ابن عم م ويمكن التعايش معه؟! هل يُمكن أن تم تبقى جذوة الحقد 
في قلوبهم على اليهود ومَنْ يسير في ركابهم مُشتعلة؟! ني لا أرية 
لهم أن يكبروا دون أن يُدركوا أن التفاوض مع الصّهاينة والمتصهينين 
خيانة » وأنَ القبول بهم طعنة للعروبة . وان الرّضى بالعيش معهم 
وأنيابهم لم تجف بعد من دمائنا هو خروج من ديننا الإسلامي العظيم . 
هل تُربّينهم على ذلك يا فاطمة؟! هل يقرؤون ما يقول الله عنهم . 
والرسول » والشعراء المتاضلون؟ هل يحفظون مثلنا أيَام كتا فيي 
أعمارهم : «قلسطين داري . ودرب انتصاري . . .» » أم أن مناهجهم 
مهّدت الطريق للتظر إلى اليهود على أنّهم أحباينا » وأ مصيرنا واحد 
وقدرّنا مُشترك ء كلا يا فاطمة »لم يكنْ مصيرنا واحدًا نحن وهم أبدًا ء 
ولم تكن أقدارنا مُشتركة يوم واحدا » دعيهم يقرؤون من السيرة ما فعل 
بنو التضير وبنو قينقاع وبنو قريظة » دعيهم يقرؤون ما صنعت خخيبر » 
دعيهم يقرؤون ما قالت غولدمائير ء إتني أعرف أن شيئًا من هذا لن 


487 


يقرؤوه في كتبهم المدرسيّة » ولن يجدوا شيئًا منه في مناهجهم › ولكتنا 
يُمكن أنْ نصنع لهم مناهجهم ء وأنْ ثقرئهم التاريخ الحقيقي » الذي 
يظل شاهدا علينا وعليهم › ومن بعدها . فليحكموا هم بأتقسهم . 
لقد كروا يا فاطمة ألييوا كنلك.لقد صار سيف ونور غلامن 
يافعين » وصارت بتول صبيّة خلوة » اليس كذلك؟ هل تنظرين في 
عيونهم فتّدركين أن الهلال لا بد أن يصير بدرًا . . . ها هم يا فاطمة ء 
إنهم يُغافلوننا » نحن العاشقين ين في غفلة متا ويكبرون » يكبرون من 
حلقنا » يدورون حولنا دورة ة واحدة 6 فنراهم قد صاروا شبابا ء > إنني أتوق 
إلى أن أراك وأراهم » لقد ملأت أيّام السّتجن روحي بالشوق الجارح » ولم 
أعدٌ أحتمل أكثر : 

ابني سيف الدين . . . ابني نور الدين . . . ابنتي البتول . 

أكتب لكم من وحي الكلمة الصّارخة »فيي ضمير أمّتنا 
المقهورة . .. أكتب لكم من جروح بلادنا المغدورة . 

من ليل قاس يَصِفَعُها . - من تیه الحزن 

الساكن فيها ودُجَى الأفكار 6 

وطُبول التصر ر الأروع د تقرع في :ا نحاء فلطين الحرّة . 

رغم يود الغدر المذعورة 

وَيَشائرٌ أَمَلٍ ولد من حم المأساة المرّة 

َعم لّيالي ابت الْسْعُورة 

اک .من أؤجاع في د دجلة . من کشمیر . من كابُولٍ 

من من ليا والشيشان من الهزسك . “كن مرا والصومال 

من الودان من اولان , ؛ وَصَنْ شهقات بلادي انحور 


458 


من غربٍ ف شرق 
وَشمالٍ يحوب 
من أنه در ترب فوق ثرَى الإسلام نشور 
كن 2 أصوات العزة فی وَطني بدت ت تَتَعالَى 
ثائرة ة تتحدى ألم الجرح الدّامي 
وَسيّاط لظم المأجُورة 
جقوني المُشتاقة 
وعروق اص الدفاقة 

خط لَك » بَلْ انق في عمق الذكرّى 
كلمات تتحدّى انيا وتعلن ثورة نقمتها ةك نقمتها 
ضِدٌ امنتيطان 00 
ِد استتعباد إرادتنا 

خد الا 
كلمات راقص فيها اتقاس الوغد ٠‏ الحالم 
در زا شرق في شاك أمانيه شضس الأوْطان 
عامل َالفرَحٍ الآتي الموعُود 
لم الأخرار المنكود 

و i PETES‏ لوجوهٍ عائقها الحرّمان 
ويُحَرّرٌ اسر أغانينا 
ا 


¥ e e 


489 


ابني الغالي سيف الدين : 
كن سما ضدٌ الجؤر وضد الضَيْمْ 
3 ر اَعَد التائه ؛ في جرا تردينا 
وأزيز ر الحق الصَارخ في َيْلٍ امسناء 
اقلق راحات الدخَلاء 
كن سف الذي , التاطع في ظَلّمات غياهبتا 
في ظَلْمات حصار الظّلم الجاثم فَوْقَ کرامَتنا 


كن سَيْفَا : 


سس" ما oa,‏ 


يمفت عمذه 


وعدة 
بَتَارًا في العَصر الخانع ؛ عضر الردة 
¥ 1 


کر نورا يفتك بالات 

ويضيء م ديا جي روني المقمُوعين الَجْلودين 
بسياط القهِرٌ 

2 طريق لحرت ودروب 00 

2 آهات العُرباء الوب 

يمداد د الوجم ا 

وَتعيدَ د صياغة معناها بحروف الور الأبديّة 


¢ 4 1# 


490 


Ta a 


ا مُصْغيّة للح بلا ات نتكخباز 


وني قل يط بارخ 


ج 


0 تَمْطِرُ َوْقَ ربوع الخیر 
أَمَانَا وَاطمتنان 


491 


)٥۹( 
الفرق في ال مستتقع‎ 


التّجناء يُلوئون هذه الكتب » إنهم يبولون على مقربة منهاء نوع 
من الرّعاع لا يُمكن احتماله . يأكلون البندورة فَغُشاء وتندلق من 
أشداقهم مَرَقَتّها » وقد يتطاير بعضّها على كتاب مُلقَى على برشي هنا 
أو هناك فيّدنسون قداسته . نبّهنّهم . لكتّني كأئما نبهت حجارة صمّاء 
بكماء في قعر واد . ثم حذرتُهم » فكاتنى حذّرت صخرة حاتت حوافها 
لطول عهد الرّمن بها . إنّهم لا يفهمون قيمة الكتاب » لا يعرفون أن 
أرواحًا تسكنه , ولا يُدركون أتنى أتضايق من هذا التعامل المهين . 

قلت للمدير : هلم أعذ أطيق العيش مع هؤلاء» . رفع نظره 
باتجاهي » كان يعرف كل شيء,ٍ . «يُمكنك أن تجعلهم أفضل . مهمّة 
المصلحين» «أنالم أصلح نفسي .ولت راضياعتي حتى 
أصلحهم» درن بسرعة» . «أريد أن أهدأ من تباحهم المتواصل ء 
المهجع بهم يتحول إلى جحيم» «وهل تظن أنك تسكن في الحتة؟!» . 
«إدا ساعدتني» «کیف؟» «تنقلني إلى مهجع جديد » ليس فيه 
أحد » وأنا أختار مَن يُساكنني فيه» . «تطلب شيئًا كبيرًا» دلا شيء 
كبيرًا على من أراد» . ضحك . قال وهو لم ينه ضحكته : «سأفعل» 

اخترت أبعدَ مهجع ذ في السّجن » وانتقيت قليلاً من القبّلّة على ما 
أعوق و ير من القشسايا الأخرى . السجناء صورة الحقيقة بلا 
مساحيق . لا يهمّني ماذا كانوا حارج السّجن . يهمتي ما هم الآن 


402 


وكيف يتصرّفون » حاولت أن أقرّب الُثقّفين مني ٠‏ أو الّذين عندهم 
استعدادٌ للثقافة › أولئك الذين يتوقون إلى تغيير أتفسهم » يعرفون أن 
العالم لا يتغيّر إن لم يتغيّروا هم . ولم نكن أكثرّ من ثمانية , عاد 
الوضع إلى الهدوء » وعادت مكتبتي الخ تشمخ إلى جانب برشي 
تبعد عني أشباح الكآبة والرّتابة 

شيئًا فشيئًا بدأت أحثهم على القراءة » أحدّثهم عن الكتب التي 
قرأتها ء. أشرح لهم كيف كانت شفاء ء استجاب اثنان أو ثلاثة » 
الآخرون كانوا على لى وبساطة » لكن الكتاب لم يكن مُعْريًا بالنّسبة 
لهم . بعد أقل من شهر » صار مهجعي مرارًا للسّجناء الرّاغبين في 
القراءة » كانت فى مكتبتى الخاصة كتب ليست موجودة فى مكتبة 
الك ا بالقراءة كان نهمهم يقودهم إلى » لا تشعطُوا في 
التفكير بعيدًا » لم يكن هؤلاء يُشكلون كثرة ولا نسبة » لكتّهم مع ذلك 
ليسوا قلّة فلو قلت إنّ نسبة القَرّاء في الجن لا تتجاوز 1,0 » فمعنى 
ذلك أن لديك )٠٠١(‏ قارئ ١‏ وهؤلاء يُشكلون وجه السسّجن › وقادرون 
على تغيير ملامحه ء وإذا استمروا في إقناع من حولهم فلريّما نحظى 
بالمزيد منهم . 

في أوائل عام 7٠٠١5‏ كنت قد قطعت شوطا في كتابة مُذكراتي 
بعد تلك الى سرقها الصحفى الذي ادعى آنه سينشرها » ملأت دفترًا 
واحدا! بعد أن ادر كت ها فاتنى » وكنت أعود إليها بين فترة وأخرى › 
ولم تكن للتَصرّف »لم أكن أعيرها كبقية الكتب . مكتبتي الخاصّة هنا 
فيها ما يقرب من مثة وخمسين كتابًا » أعير منها في الأسبوع الواحد 
أكثر من خمسين كتابًا » بعضهم يعيد الكتاب بعد يوم واحد » أسأله 
«قرأته؟6 . جيني : نعم 6 . أعيد السؤال مسرورا : «في يوم واحد؟!» : 


493 


يهز رأسه بالإيجاب » أقول في سري : «هؤلاء اهتدوا إلى ثمرة القراءة » 
إنها حُلوة » ولا يُتْبّع منهاء ويطلب الإنان بعد أنْ يتذوقها المزيد» . 
نحن في الجن إمَا أن نقرأ أو نفتعل شيثًا غلا به فراغنا » كالصّياح بلا 
سبب » والدّخول في مشاجرات بلا مُمَدّمات اولوق ي 
المخثّراتء أو الوقوع في براثن الكآبة ؛ ذهول دائم وصمت ٠أبكمء.‏ 
واتعزال في البرش عن الوجوه » واجتناب الطعام » والانسحاب من 
الواقع بكثرة النوم . 

كونت بسبب عملي أمينا للمكتيتين صداقات جمّة ‏ > طلب متي 
أحدهم أن يستعير دفتر مذكّراتي ليقرأه » ترددت » كان قد استعار متي 
مالا يقل عن عشرة ة كتب خلال الفترة E‏ ليد ينك 
NETE‏ الله عبتت . كان هناك شيء آخترء أعرنّه فيما مضى 
كتاب (من مفكرة إسحق رابين) عاد إلى بغير الوجه » كان قد لخصه » 
قال 8 وهو في قمّة اندهاشه يشير إلى إحدى صفحات الكتاب : «اقراأ 

» . تظاهرت أتني لا أدري عمّ يتحدث » طلبت منه أن يقرأ هو 

بصوت عالٍ . كانت الفقرة تتحدّث عن اليوم الأول من حرب الأيام 
السّمّة فى عام ٠۹٦۷‏ »قرأ : «ففي اليوم الأول تم تدمير جميع أسلحة 
ا لحو العربيّة » وفي الجبهة الحنوبيّة م تحطيم الديش المصري وأمرت قواته 
بالانسحاب نحو القناة تحت غطاء الفرقة المدرّعة الرابعة » وأصبح مُعظم 
أراضي الضفة الغربية بأيدينا » وتم احتلال القدس . . . توجهنا إلى 
بوّابة الأسباطء ودخلنا عن اة مندلياوم اد : »ومن ثم 
دخلنا عن طريق الشوارع الفيّقة في البلدة القديمة » وكانت اللدة 
وكأتها ميّعة ؛ التوافذ مُحطمة » والأبواب مُغلقة» َكلت له رانا أعطية 
الدفتر : من أجل هذا أتذكر؟ من أجل أن تعرف » الدفتر بين يديك» . 


494 


تصحو في أعماقه غريزة البّطش ٠»‏ أثرٌ الانغرار بالقوّة على صاحيه 
مُدمّر . رأى المدير في ذلك العام أن یکبس على التزلاء في مهاجعهم 
فيُصادر كل شيءٍ 2 

جمعهم المدير ؛ الضبّاط والأفراد والعساكر › ؛ وأوعز الف لواء الأمن 
ان يكون على ع الاستعداد 3 وطلبف من عناصره أن يباغتوا المهاجع ¢ 
ويُصادروا ما يقع تحت أيديهم من المناع » دون تمييز ء كان يريد بذلك 
إذلال المساجين » قم شوكتهم » وإثبات قدراته الخاصة التي تمد 
بها عن أي مدير سابق . وكان مصير كل من يرفع رأسه أن يُقصّف . 

دخلت مجموعات التفتيش مثلما تدخل قوات مكافحة الشغب » 
كانوا يصيحون بصوت مفزع : «تفتيش . . . تفتيش» كان معنى ذلك 
اذ عش هن ا و مانن ا وده المشرعة . 
وتتجمع مع الآخرين في الرّاوية البعيدة مثل كومة من المهمّلات › 
وتحرس وتنتظر عم يُسفر التفتيش .لم يكن هدف الحملة مصادرة 
أغراض السّجناء » فهي أتفه من أن تصادر » ولكن الهدف الأساسي 
كان إشاعة الخوف فى الصّدورء وحقن الهواء الذي يتنفسه الستجناء 
بالدّعرء كانت الرّسالة للمتنمّرين من السّجناء ‏ أمّا البُسطاء فإتهم 
بالإضافة إلى التزامهم السابق » كان يُخيفهم مجرّد مرور عسكري 
بجانيهم . لكن هذه الحركة أيضا زادت منسوب الخوف عندهم » ولذا 
فإنهم سيواصلون انخمادهم ¢ وعدم دخولهم في أي معركة صغيرة أو 
كبيرة . لكن هذه الحسابات لا تصدق دائمًا , الإنسان عجيب › 
يفاجئك ہا لا ت تتوفّع » كائنٌ غير قابل للتقنين ولا للحسابات » ويعيش 
في داخله لف سر وألف غموض . 


495 


كان المدير قد كلف من ضمن الضّبّاط ضابطًا غاية في الاحترام 
هو (عبد الكريم الحوراتي) » قصد مهجعي دون سواه من أجل أن يحميه 
ون كاتا ل ا رر تن أن يزه ا مير 
کل ما هو موجود تحت برشه أو رأسه أو في آي مكانٍ . صودرت 
الملابس ٠‏ والأغطية » والأوانى › والطعام ؛ والكراتين » والأوراق » وصواد 
التنظيف » والكاسات » وأوراق الل ا لعفي نينا" بالنسية 
اهبجعي جاه الضابط حوراي وتعاوت جع ناك ى ٠+‏ سنخحرج 
بعض الأغراض الجن ل تريدها هنا في أكياسٍ سوداء ۰ ج لا يقال 
تنا ای الاج عانق أف علا اسه أو ثقايالت + ها 
في هذه الأ كياس السّوداء » انام الفمُبّاط والمدير تقول إتنا عاملناك 
با مثل . . . هذا المدير لا يرحم» قال الجملة الأخيرة بصوت خافت . 
وبالفعل . وضعت له فى أكياس سوداء ما لا حاجة لى به » ودفعت بها 
إليه . رمقني بود » أحذ عتاصره الأكياس » وتخرج دون أنّ يُمسّ أحد 
بسوء . قرّبنى ذلك منه . وبدأت أحبّه 
بقى التّفتيش قائمًا فترة طويلة » وكنت تسمع أصوات العساكر 
وهي امسر بإخراج كل شيء يتردد صداها في الممرات في المهاجع 
البعيدة . أمر المدير بتجميع الأغراض المصادرة كلها في مکان واحدٍ 
خارج الجن . فتكونت منها تلال تراکب بعضّها فوق بعض » ّم 
أشهد على الأمر عددا من الفُبّاط وعددا من كران المهاجع وقام 
بإحراقهاء ظلت الا رمشتعلة في تلك التلال أكثر من خمس 
ساعاتٍ : تذ كرت دفتر مذكراتى الذي أعرته لأ حد السحتاء ء فأصابني 
الذّعر والهلع ٠‏ تخيّلتُ للحظة أنه ألقم الثار » وأنه صار طعامًا هنيثًا في 
بطنها .لم آم تلك الليلة وأنا أتخيّل أوراقه تذوي بين ى الألسنة الملتهبة ع 


496 


ولم أسامح نفي بإعارته لذلك الجن » وندمت ندمًا شديدا » 
وأصابني جزع كبير 

فقد السُجناء أكشر ما كانوا يحرصون عليه › وازدادت بذلك 
نقمتهم > كان يريد أن يهزمهم فصاروا يُفكرون كيف يهزمونه » وكيف 
ق لاوحا اة ولت لعفي 
الغليظة » العصا الغليظة تنكسر أوّل ما تنكسر على رأس صاحيها 

دون عاد الشتا بط ا هدوات اوضع 
بين يدي وهو يبتكم : «أنقذته لك من التارء . فرحت و شديدا! 
بعد سنة ونصف من هذه الحادثة سيّصبح الحوراني مديرًا لهذا الجن 
بأكمله 

واصل المدير حملته الشعواء . لم تُشيع التار نهمه إلى إظهار أسواً 
مظاهر السُلطة لديه ‏ فأمر بتقليل اللُشتريات من دكان الجن » ولم يُبق 
فيها إلا على أقل القليل » ولم يستطع السجناء أن يُعوّضوا ما فقدوه ولو 
كان كأسًا من البلاستيك ليشربوا فيها › أو صحن طعام ليأكلوا . حتى 
الملابس الداخليّة ممعت من الذكان » وصار علينا أن نغسل ملابستا 
القدعة کل يوم › و على قضبان التافذة الوحيدة العالية تلك التي 
تنفتح بتجهم قريبًا من سقف المهجع . وكان بإمكاتك أن ترى تلك 
الرّايات البيضاء والسّوداء وهى ترفرف على تلك القضيان بزهو كأنما 

كان هذا الضابط الألوف نحدومًا ومُتفانيًا على الوجه الحقيقى › 
وكنت لا تشعر معه بحاجز التُلطة الذي كان يتعمد الأخرون إظهاره 
معك ولو كان عريفا صغيرًا » رأيت هذا الحوراني بام عيتي يقوم بمماعدة 
الستجناء » والطاعنين في السَن » والمرضى » ويسير مع الكيار يأخمذ 


497 


بأيديهم حتى يوصلهم إلى الشبك في أيَام الزيارة »وي مح لهم 
بتكرارها » أو بالحديث مع ذويهم دون انقطاع وكان يحمي الستجناء 

من الإهانات اش حتمثل بالضرب ات يقوم بهاأفراد الام 
الآخرون . لكته كان واحدا في محيط لا يعترف بغر القوة سيلا 
و و في ی فلم يعره 
المدير احا 5 ك سياساته القاسية دون توقف . 
مرة 0 6 تة العامة التي تضطرم في 0 أن ا 
بإشعال موجة من الاضطرابات تعم كافة السّجون » كما أن ذلك ترافقق 
مع ا أحكام ا ضد مجموعة امتهم 3 كانوا قد أدينوا 

ده 1م . تقررت 
ساعة تنفيذ الأحكام . وجاءت الشرطة لإخراج الحكومين من المهاجع › 
كانوا يُساقُون إلى قَدَرهم من هناك › يُلبسون لياس الإعدام الأحمرء 
ويوضعون في زنازين خاصة للة التنفيذء ويمنع اختلاطهم باي أحد . 
حتى تحين ساعتهم الا خيرة . 

إتهم أربعة ؛ أولئك الذين سيلتف الحبل حول رقابهم » وصلت 
واحد 4 وأن المخطوات نحو النهاية ات معذودة . حن عرفوا ذلك 
أحاطت بهم جماعتهم › وعقدوا اجتماعًا في المهجع من أجل التعامل 
مع الأمر . للجهاديّين أنصارٌ فى الجن حى وإن لم يكونوا منهم 
لقد عملوا فيمامضى بكل طاقتهم لإمالة القلؤب إليهم › كانوا 


498 


يستخدمون اللّغة الثنائيّة الحادّة , هؤلاء - يعنون الشرطة والعاملين فى 
الدولة - كقارء وتجب محاربتهم ٠‏ ولا توبة لهم » فإمًا أن تبرأ إلى الله 
منهم بمحاربتهم أو تكون راكنا إليهم فتمسّك الثارء بهذه الحديّة كانوا 
يستميلون قلوب آولئك التاقمين على الشرطة بسبب سوء المعاملة » وما 
أكثرهم! NE E‏ و ON‏ 9 0 
عرائزهم 1 فالاعان بأفكارهم يتطلب ٩‏ فی ا 00 ضد 00 
الله الكفرة » ما أسهل القتل إِنْ كان مَنْ أقدمٌَ عليه يظته فى سبيل 
الله!! 

حن تقررت ساعة التنفيذ فيهم » فتحت الشرطة الياب لوإخراج 
الحكومين بالإعدام من مهاجع التّنظيمات الإسلاميّة » تلقاهم هؤلاء 
بقضيان من الحديد » وبعصى › وهراوات ٠»‏ وأحذية ١‏ فضربوا عددا 
منهم ء » وكانت تلك الشرارة بابًا للشرّء أصيب عددٌ كير من الشرطة » 
وبالقابل ات عذد د أكبر من أصحاب التنظيمات » وتفاقم الوضع الف 
ا لمحد الذي صعب معةه إنهاده بسرعة ؛ کان يمثابة عود ثقاب صغير 
CE‏ ا ٠‏ فى بيدر كامل 

من القش فسرعان ما انتشرت فيه النا رأسرع من انتشارها في أرض 
مرشوشة ‏ باللبارود . اضطرت إدارة السجن إلى طلب تعزيزات من 
الشرطة الخاصّة ومكافحة الشغب ولواء الأمن للسّيطرة على الوضع . 
وامتدت الاضطرابات لتشمل الجن كله » وهاج الجن وماج . وخرج 
الأمر بالفعل عن السيطرة . وبدا أن كشيرين ممّن لا علاقة لهم 
بالتنظيمات و ولا با حكومين بالإعدام لا من قريب ولا من 
لحي قد جاءتهم فرصة ذهبيّة لإظهار نقمتهم »> واستخراج عملاق 


499 


التَمرّد التّائم فيهم » وصنعت الفوضى من الجبناء شجعانًا ‏ وحين يجد 
الثور معه قطيعًا من الثيران تُشاركه المصير نفسه فإته لا يتمرّد على 
السلطة أو القانون فحسب » بل إنه يقوم بتدميرهما معًا . وانفلت 
الكثيرون من عقالهم . وراحوا يُكسّرون الأواني » ويخلعون الأ بواب . 
ويرموت الأغراض » ويزأرون كأنٌ شجاعة أسد واحد كافية لكي تملاً 
الغابة كلها بالزئير . لقد كانوا يعوّضون أيّام العتنيت بالصّراخ ء وأيّام 
الهدوء والرّضوخ والخنوع بالتّقمة والثورة والاندياح والانقلاب على كل 
شيء. 53 

وتوسّعت الدائرة » واحتلط مئات من الشرطة بمئات من السّجناء 
واتتقل الأ بر لاا و إلى E‏ ل ده 
(قفقفا). فاشتعلا هما الا خرات . وحاول المدير الأكبر في سحن 
الجويدة أن يُسيطر على الوضع با حوار ء وأنْ يُجادلهم بالّتى هي أحسن . 
ولكن ذلك لم يُجد نفعًا ده السّجناء الإمساك بهذا المدير. 
وأسروه » ووضعوه في برميلٍ وصوروه في وضع مُذل . وما كان ذلك 
ليكون لو أن لديهم أخلاق . وحدثتهم اتفه بقكله وقتل عدد من 
الضبّاط الآخحرين الذين أوقعوا بهم . 

أمّا فى سجن (قفقفا) » فقام عدد من الستجناء بصب الزيت المغلى 
على سجين آخحر » فأصابته حروق خطيرة ؛ ولم يكن الوح يسفح 
منج لاط اباك ا ف على وها ا المستشفى ففارق 
الحياة » ووصلت الأمور إلى مستويات لم يتوقعها أحد» فتطلب ذلك 
مزيدًا من التعزيزات » واستّتفرت كافة الأجهزة الأمنيّة المعنيّة 
بالسّجون » ورّشت السّتجون الثلاثة بالغاز » ونزلت الهراوات على 
الرّوؤس » واستّخدمت القوّة بشكل مُفرط » ؤكان ذلك اضطرارًا من 


200 


أجل السيطرة على الوضع الهائج » وسقط كثيرون مغمى عليهم > وثقل 
عدد ممّن كانوا من المهاجع القريبة من بوابة الجن إلى مستشفى 
(الكرك) و(البشين) « وبقفي بعضهم أيامًا حتى يتعافى ::واشتتعرت 
الفوضى إلى الليل 3 وحمت بعد ده ا وتجادب بالقوة 3 5 
a‏ خياد ادزا المطلوب تثفيذ حكم الإعدام فيهم 

بعدها > تعلمت السّلطة أنّ استخدام القوّة يودي إلى نتائج كارثيّة › 

مع الاضطرار إليها في بعض الحالات » ولكن الأسلم هو أن تمنع 
المقدّمات حتى لا تحدث التتائج » وأن المظاهر خادعة » فمن كان وادعًا 
لم تلتقط له كاميرات السّجن أي حركة مريبة ولو كانت رفعًا للصّوت 
صار في يوم الااحتجاج يصول ويجول ويهدّد ويتوعد 4 وأن ا حوار إذا لم 
يكن في أوانه لم ينفع . وكان على الإدارة بعد مرور العاصفة أن يأتوا 
بعلماء نفس وبأطباء نفسيين ليدرسوا ظاهرة لمرد عند اللحناء ٠‏ 
ويستفيدوا من نتائج تلك الدّراسة في إداراتهم . 

في سواقة . صار أعضاء الشرطة يشون بحذرء يأخذون كل سؤال 
على أنه تهديد › ويشكون بأية E‏ خرن من اى من . 
وفُرضت 0 حجحذيلهة كيه في 0 عا د تمي 0-6 العطوارئ 
للواققن ۳ الجانبين ف و والستحتاء ¢ كر شي ء قابل إلى أن 
ينفجر في أيّة لحظة » ومن أجل ذلك منت الؤّيارات فترة قم سمحت 
للأقربين من الأصول 4 وطالنا المنع جميعًا . فمرت ٠‏ أيام وأسابيع واش 
دون ان يسقي قلبي الظّمآنَ أحدٌ بالسّؤال على » فالإدارة كانت تُعيد 
الرائرين بعد أن يكونوا قن وقفوا على البوابة الخارجية ال : 


5301 


وشعرت بعد منع الزيارات أثني أعيش في كوكب آخر » وأنني صرت 
معزولاً عن العالّم » وكان ما شاهذته - ولم أكن موافقًا عليه من 
الأذى الذي لحق ببعض الستجناء » من أولئك الّذين لم يكن لهم ناقة 
ولا جمل في الموضوع › لكنهم وجدوا أنفسهم قَدَرًا في الميدان » كل 
ذلك سبّب لي شعورًا طاغيًا بالاسى » وتحوّل من بعد إلى سلسلة من 
الأمراض المميتة التي بدأات تفتك بي . 


502 


۶ ر 0 
أنا أحبك يا أبي 


ضباح هذا اليوم شعرت بضصيق شديد في التنفس ٠»‏ ويوجع في 
الصّدرء وخحزة قاسية مثل وخحزة المخرز في بطن البعير ء وقعت على 
الأرض ٠»‏ سارع البحناء الو أحذي إلى العيادة » كان سقف المهاجع 
يبدو لي مثل منظر من نافذة قطار ير سريعًاء لم أكن أسمع سوى 
a‏ ات SS‏ . بسرعة» . فى العيادة حولني طبيب 
السّجن إلى مستشفى الكرك › المستشفى الأقرب إلى سجن سواقة › 
رافقني ليُحافظ على خيط الحياة في ألا ينقطع . وصلنا إلى المستشفى 
عليه ء ولا وحدي . جميعنا نقف على ذلك الحد ء وحَدَث واحد 
يُمكن أن يودي بنا إلى الوادي ء إلى الموت . 

استعدت وعيي » أخذوا عينات الدّم » وقاسوا الضغط والسكري › 
قالت التقارير إتني مُصاب بتصلّب في الشرايين وجلطة في القلب . 
کان هذا أل عهدي باخلعات , وكات ذلك فى متم ام 21 i‏ 
أحلت إلى غرفة العنائة المشددة و دت يداي ورجلاي إلى أطراف 
التو ات الغرفة إلى ثكنة عسكرية كان عد يه ياد للد 
يروح ويجيء في حركة دائبة كنت أشعر بمزيد من الاختناق 
لوجودهم » أريدٌ فضاء فسيحًا مثل فضاء (إبدر) لكي أستعيد عافيتي 
ولكن هيها ت! هنا کل شيء خانق » أتى لي أنْ أتعافى وهم يدون 


503 


الابوات > ويهبطون بالأسقف . وينهضون بالجدار في الوجه ٠‏ وأنا أرسف 

فى القيود . كنت أتحرّك بصعوبة فوق السرير » ولا يسمّح لي بالذهاب 
إلى الحمّام إلا بحراسة . 

بعد يومّينَ طلبت منهم أن يُعيدوني إلى الجن » قلت لهم : «هو 
أرحم بي من هذا المكان» . رفضوا في البداية فأصررت : «أنا تعافيت 
ولا أشكو من شيء» . أجابوني : «على مسؤوليّتك الشخصيّة؟» . 
«نعم» . وقعْت على تعهد أمروني بالتّوقيع عليه يُعفيهم من المسؤوليّة 
ويلقيها فوق ظهري . 

عدت إلى الجن » كنت في وضع صحَي ونقسي مُتردٌ » همدت 
على البرش مثل كيس من الخيش »لم أقم من البرش حتى في ساعة 
التشميس التي يتوق لها كل سجين ءلم يكن يُحزنني غير حال 
المكتبة » كيف تركت الكُتّابٍ فيها للوحدة والعتمة › تُرى مَنْ يُجالسهم 
أثناء غيابي!! 

بعد أسبوع عاودتني ذات الأعراض » ونشب المخرز فى صدري › 
نقلوني إلى مستشفى الكرك »ثم حولوني من هناك إلى مستشفى 
البشير » كانت الطريق طويلة جعلت الموت يتراءى لي مئة مرّة» وبدا 
مرضي إلى جانبه هيّنًا . تلقاني عرض ببرود في الطوارئ » وأحالني إلى 
غرفة غير نظيفة » وطلب متي أنْ أستلقي ريثما يأتي الطبيب لمعاينتي » 
القت ى الذي نخره التّعب على السّرير فصرّت قوائمه كأتها 
تصرخ عاضبة »مرت نصف ساعة دون أن يأتى أحدّ » من فتحة الباب 
كنت أرى العساكر وهم يذرعون الممرّ الطويل جيئة وذُهوبًا ينتظرون أن 
تنتهي مأساتهم بي هم الآخرون . بعد ساعة شعرت أن السرير صار 
مرجوحة تتمايل بي فوق غمامات عالية » يبدو أتني في ظريقي إلى أنْ 


504 


أفقد وعيي . حاولت أن أقوم فوجدت فُواي منهارة تمامًا » صرحت 
فخرج صوتي واهنًا » لم يسمعني أحدٌ في البداية ‏ لكنَ عسكريا انتبه 
إليّ وعلى صوتي الذي لم يكذ يمعهء سألني إنْ كنت محتاجًا 
لشيء . قلت له وأنا أشير إلى فمي : آي شيء حلو» . غاب فترة ثم 
عاد إلي مع تمرّض آخر » قطروا في فمي محلولاً حلوًا » قبل أن يفتك 
ب التكرى بلحظاتٍ . سألت الممرّض إن كان الطبيب سيأتي أم لاء 
ار : هو عنده عمليّة » وسيفرغ منها قريبا جدًا» . وذهب . انتظرت 
ثلاث ساعات أخرى حتّى كحَلت عيتي برؤية الطبيب > كان ييدو هو 
الآخحر مذهولاً 1 مصنوما أو مُنهكا > لا دري على وجه الدّقة > طلب 
من الممّرضين الذين رافقوه أن يُجروا لي تخطيطًا للقلب » ويأخذوا عينة 
من الدم, بعد وقت قصير » جاءه التخطيط » رفعه أمام عينيه » ومن 
غلت ارت الى لفت فيا على ا إدخالي إلى غرفة 
العمليّات لعمل قسطرة للقلب . رفضت . كنت لا أريد أنْ أعملها فى 
مستشقى مثل هذا فيه من الإهمال واللامّبالاة ما فيه . لم يكترث 
الطبيب كثيرًا لرفضي .ء ولم يُحاول أن يثنيني عن ذلك › ولا أن يُطلعني 
على وضعي بلغة أفهمها أو يُقنعني بضرورة إجراء العمليّة > طلب بعد 
أَنْ رفع نظارته إلى عيئّيه أن أكتب على تعهّد بإخلاء مسؤوليّتهم › 
كتبته بلا مبالاة أيضًا » وخحرجت 
عدت وأنا أجرّ أثقال الألم » وأحزان التهور كلها . في السَجن 
عاتبني المدير لرفضي إجراء العمليّة »لم تكن عندي رغبة بالكلام 
معه . أعطيئّه ظهري . وولِيت وجهي جهة مهجعي . جلست أسبوعًا 
آخر فى يرشى مرميا . قرت فيه كتاب (مكاشفة القلوب) للغزالى »› 
اعد الكقان على أن ا خف الكون والحياة والئّاس ء 


505 


وأستسخف نفى ‏ بدا أن الحياة عبئيّة إلى الحد المقرّزء وأنّنا البشر 
عبارة عن لراقيّات تدوسها أقدام الموت دون اكتراث . كنت بحاجة إلى 
جرعة من مثل هذا التّوع » إلى صدمة تجعلني أستهينُ بكل شيء . 

استمرٌ مسلسل حم في دكان الجن » منع لكر الها والفواكه 
والتّمر على وجه الخصوص > وحين سأله أحدناء أجابه : «لأنكم 
تقومون بتخمير الفاكهة بوضعها ساعات طويلة في الشمس بعد 
ا من ماء الجلي إليها لتصتعوا منها خمرا 
وتسكروا» کا )و الكيضاء هنا ملاعين »آنا رأيت بعض 
زجاجات الخثمر هذه باع بأثمان باهظة 

بدأت أفكر فعليا بترك الان كان ا بن : «ما 

زلت شابا » وتصلب في الشرايين في هذا الجُمر سينقلك إلى عالّم 
الآخرة بقفزة واحدة » السبب معروف » لا يحتاج إلى طبيب مثلي . 
اترك التّدخين وسترى الفرق» . كنت أعرف ذلك » ولكته العناد » كنت 
أدخحّن لأنسى » كان يُمكن لا سمح الله أن أذهب إلى أشياء أخرى 
لأنسى ٠‏ ريّما الدّخان أخفها » هكذا كان إبليس يلس على على رأي 
ابن الجوزي » ولربّما كان هناك في داخلي مَنْ يريد أنْ يأخذ بيدي إلى 
العالم الآخر» يريد أن و قول : ستعير ا إلى الضفة 
الأخرى . إنها ليست سيّئة سيثة إلى هذا الحد . حين ينتهي العبور سينتهي 
كل شيء» . 

بدا ب أقرأ عن التّدخين طبيا ‏ تثُمْ قرأت ت أحكام الفقهاء فيه . كان 
إبليس يقول لي : إنهم فقهاء عصريون » إنهم فقهاء لا يفقهون ؛ 
فالتدخين لم يكن موجودًا على زمن النَّبى صلى الله عليه وسلم فكيف 


يكون مُحرما » ولم يرد في تحريمه نص من كتاب أو سمنة > واجتهادات 


506 


الفقهاء باطلة » بل كان إبليس الذي يجري في دمي يعده من 
الطيّبات » وهو يحثني على ألا أسمع لكل مَّن هب ودب » وأستمرّ في 
استمتاعي به » ویستشهد بقوله تعالى : «كلُوا من طيّبات ما رزقناكم» . 
وقرأت من قال : 
كم في الددخان مصائب ومكاره 
دلت رذائئه على إنكاره 
EE‏ الصرن تيت 
حتى الفقير يلين مع إأعساره 
إن غاب عنك سويعة لم تصطبرٌ 
وتود بَذْلَ الروح في إحضاره 
ومضيت » عسى الله أن يتوب علي . لن يهدأ القلب » ولن يستقرٌ 
ذلك الذي فى الرأس . العمل يجعل للحياة قيمة ء ولتا كذلك » نحن 
نُساوي ما ننتج ٠‏ فلتّنتج طيّبًا . عدت إلى عملي في المكتبة > كانت 
عودة الحبيب إلى الحبيب » حين فحت الباب داهمئّني روائح شذيّة 
قادمة من الأرفف »لقد كان عطر الراحلين ممّن تركوا تخلفهم آثارهم ء 
خطوت خطوات د اعرى» احدات a A‏ اول لهذا كل هذا 
التحر؟!» تساءلت وأنا أتابع الستمو مُوغلاً في البعيد » شعرت بقبلاتٍ 
على الخد إتهم هم » أصدقائي هرعوا إلى يسألون عني › > صوت ؛ أوراق, 
تُفتح » وروائح عصور سحيقة,ٍ تفوح ء وأغلفةٌ تمد أيديها تريد أن ملم 
علي . 
مر عام ۲۰۰٠‏ في آخرهء شعرت با شعرت به في المرتين 
الأوليّين » كان الخرز الذي ينخز بطن البعير هذه المرّة أشّد مما سبق › 
بدا أن الوقت قد حان لأستجيب لكل ما يطله الاطبّاء منّي وال 


S507 


فقذتنى!! حولت إلى مستشفى الكرك » أرادوا أن يعملوا لى العمليّة 
هناك 52-00 » أجابوني : «التعهد أمامك » وقَعْه واخرج» . فرفضت 
أيضا . سالوني : «وماذا تريد؟» . أجبتهم : «حولوني إلى المدينة الطبَيّة › 
فهي مُجهَزة بشكل جيّد من أجل هذا» . قال الطبيب : «سأكتب كتابًا 
بتحويلك إلى هناك > تهمّنا سلامتك» . أعادوني إلى ES‏ 
كمن خرج من القبر إلى قبر آخرء قال الضابط لمدير الجن : د 
حوله إلى المدينة الطبيّة لإحراء عملية ادر ة بأمرع وقت إن ارتا 
القلبيّة الأ خيرة كادت تُنهيه» . رد المدير ذه إلى مهجعه 5 أحوله 
إلى المستشفى لا اليوم ولا غدا ولا في أي يوم» . لم أعترض على غير 
عادتي ٠‏ عدت إلى برشي » أبحث عن كتاب يتحدّث عن الموت » أريد 
أن أعرف على آي جنب يموت الاس » ماذا يرون حين تُغرغرٌ أرواحهم , 
كيف تكون السّكرة » كيف تصعد الرّوح » عروجًا آم اندفاعًا » تسبح في 
الفضاء أم تواصل مسيرها إلى طبقات اللسّماء » كيف هى الحياة هناك 
في الضّمّة الأخرى؟! مشغوف أنا بالموت » مسكونٌ بهواجسه » وعلى أن 
أقرأ ما يبرد روحي التائقة إلى المعرفة › قرأت بيان آية : : دكل تفس ذائقة 
الموت» من عدّة تفاسير »لم أطمئن كثيرا . من الأحياء من هم أموات 1 
موتون في عمر طٌبکر » ويدفنون في سن الهرم . تذكرت قول شوقي : 
والنتاس صنفان مَوتی في حياتهم 1 
وآخرون ببطن الارض أحياء 
في اليوم التالى حضر الصّليب الأحمر » طوال إقامتي لعشر 
منوات هنا ء كان يزورنا الصّليب ارود > لماذا لا يزورنا الهلال 
الأحمر مخشلا؟ لماذا يكون الصّليبُ هو المبادر, هل هي اتفاقيّة عالميّة 
بتولى الصليب الأحمر شؤون المسجوتين في كل أرجاء الأرض والدفاع 


508 


عن قضاياهم والملح على جراحهم؟ هل غياب الهلال الأحمر سببه 
عدم السّماح لهم بالدّخول إلى هنا؟ لا أدري . ولكتني في مقابلتي 
لهم » شرحت لهم وضعي الصَحَي ‏ وأنّ الطبيب ا معني في مستشفى 
الكرك أمر بتحويلي إلى المدينة الطبّيّة فيي عمّان والمدير رفض . هزوا 
رؤوسهم أكثر من عشرين مرّة في ثلاث دقائق وخرجوا . ظننت أن 
المدير سيّهرع إلى حال خروجهم › ويقول لي : «استر علينا يا أحمد . 
اسعَرٌ على ولايانا يا رجل .لم أكن أقصد منعك من العلاج » غدا 
سأرسلك في أحسن سيّارة إسعاف موجودة في الجنوب الأردني كله 
إلى المدينة الطُبّيّة مُعرْر مُكرّمَاة . يبدو أن خيالي واسمٌ ءلم يأت المدير 
لا مُهرولاً ولا مُتبطلاً ؛ ٠لا‏ على السريع ولا على البطيء ع!! مرت ايام ولم 
يحدث شيء »ولم أممعٌ خيرًا عن الصّليب الأحمرء الوهم مَرزلقة › 
وقوف برجلين مُرتعشتين على بُقعة لزجةء أيّة حركة توقعك في 
المحذور . لا أدري لماذا أهملوني بهذه الطريقة ؛ أكان ذلك بسبب موقفي 
التياسي المعروف أم يسبب مناداتي بسحق إسسرائيل في كل 
مناسبة »آم يسبب معرفتهم بتاريخي بأنني قاتل اليهود » أم هو الثنفاق 
للسّلطة حتى يسمحوا لهم بالدّخول إلى السّجون متى شاؤوا؟! لا 
اموق :لكر الذى ادا 
لقد ذهب 5 المحجمار بم عرو 
فلارجعت ولا رجع ا 

بعدها ِأيام زارني علي السّنيد » أخيرته بالذي جرى . في مساء 
اليوم ذاته كانت قناة الجزيرة وقناة المنار تُذيعان الآمر » وتنشران الخير فى 
أرجاء المعمورة . في الصاح حضر مندوب من المركز الوطني لحقوق 
الإنسان . ومدير مكتب المظالم في مديريّة الأمن العام . كان يبدو أنهم 


509 


بعثوه على صاروخ » لأنتي لم أكن قد صحوت من الثوم » عندما وقف 
شرطي فوق رأسي » وهو يهرّني من كتفي : «قُمْ » لك زيارة خاصّة» . 
كانا يحملان كتابًا موقعًا من رئيس الوزراء بتحويلي إلى المدينة الطبية ع 
هكذا هي الحقوق ؛ لا يُؤخذ إلا انتزاعًا » ولو أنّنى سكت على الأمرء 
لظللت أعانى حتّى الهلاك . وذلك الواقف على الضفة الا خرى ٠‏ لا 
يُلقى لك بالا إلا إذا أطلقت من فوق رأسه رصاصة تجعله يستفيق من 
إغفاله . في اللحظة نفسها حولت » وحفني موكب في مسيري من 
سواقة فى اجنوب إلى عمّان »› وامكتقبلت كمالو كنت مدير المدينة 
الطَبَيَةَ نفسها ء وتُّقلتُ في اليوم إيّاه بعد استراحة خفيفة إلى غرفة 
العمليّات » ورافقني الضّابط المسؤول عن الحَرّس » وظل ينتظر في الباب 
حتى خرجت من العمليّة » مع أن ورديّته كانت قد انتهت .ء ولم يقبل 
بأنْ يستريح وأن يُكلّف بالأمر ضابط آخر في الورديّة التالية حبّى 
يطمئن علي . كانت عمليّة مُيسّرة » ومر فصل من حياتي بهدوء » على 
أمل أن تر باقى القصول . على الباب وأنا حارج عانقني هذا الضابط 
المحتّرم » وبكى كما لو كنت ابنه » ثم رافقني إلى غرفة التَقَاهة › 
واشترى لي عصيرًا وماء وبعض الحاجيات الأخرى » وظل جالمًا في 
الغرفة » تنهمل عيناه بالدموع دون أنْ يقول حرفا واحدًا » وحين أخبرني 
الطبيب بان علي أنْ أخلد إلى الرّاحة » قبّلنى وخرج . 

في اليوم التالي صحوت على يَدّين تمسحان على جبيني ٠‏ وتعبثان 
بشعري » فركت عيوني لاری جيّدًا » علي أن أحدّق جيّدًا لاستوعب 
المشهد الجميل ؛ كانت أمّي ٠‏ وعلى الجانب الآخر من السرير كانت 
كل عائلتي » فاطمة النبويّة » وابني سيف ء وأبني نور » وابنتي البتول » 
وأخواي باسم وعيد الله حيست أنفاسي > ودققت النظر لأعرف إن 


510 


كنت أحلم أم لا لكن رؤية الم حق كما قلت لكم من قبل » ولا 
يمكن أن تكون هذه التي تمسح بيدّين من رحمة على جبيني غيرها 
ابتسمت رغم الدموع التي راحت تنهمر على حدي سريعًا » :اقات 
للبتول أنْ تقترب , اقتربت كغزال مُدلّل > أمسكت بيدها الصتغيرةء 
ابنتي التي كان عمرها شهرّين حين دخلت إلى هذا المنفى > صار الآن 
عمرها عشر سنوات »إن عمري هنا يا صغيرتي يساوي عمرك › نحن 
أبناء جيل واحدريا حبيبتي » أبناء اجيل الذي لن يُساوم على حق ‏ 
ولن يتنازل عن أرض » ولن يقبل مغتصب . ضممت كفي المرتعشة 
على يدها التحيلة »ها أنذا يا أبي » اقعربي لكي أقبّل يدك أيّتها 
الغالية ء ها أنذا أهبُ عمري كله من أجل أن تعيشي كالبتول قاطمة 
ومريم » وككل الصّالحات الطيّبات الطاهرات . بكت هي الأخرى » هل 
الصغار ينمعون صوت الرّحمة »هل يفهمون وجع الآياء » هل 
يتحسّون آلامهم في بُعدهم عنهم . . . هوت علي وعانقةّني ء وانفلت 
أنا بالبكاء » قالت وهي تمسح دموعي : «أنا أحبّك يا أبي» » كانت تريدٌ 
أن تُجفف دموعي أو تخفف من انفلاتها ء ولكنّها لا تعلم ماذا فعلت 
بي ؛ كان جدي يرتم من شدة التحيب . 


fae jeer‏ بوصو 


511 


21 
شجرة الفاسدين 


احتجت إلى أيّام لأتعافى . رمقني الطبيب بذات التظرة التي 
نصحني فيها برك التدخين » أردت أن أشرح له المافة الشامعة بين 
الإإدراك وبين الفعل » أدرلك تمامًا أنني آذ بيدي إلى هاوية نت 
اقتراف خطيئة الدُخان » لكتّني لا املك الجرأة على أن أتركه ء أنا 
ES‏ ا ات ينه أعجبني في صحبتي الطويلة هنا 

فى الجن موقف أحد السّجُناء » كان يحمل دكتوراة في الشريعة 
الإسلاميّة »ومهم بقضيّة سياسيّة > وکان مُدخَنًا يمح على السيجارة 
كأن ثلاثة أرباع سعادة الدنيا فيها ء قلت : «يا شيخ أريد أن أسألك عن 
حُكم التدّخين» . نفث في وجهي غمامة داكنة من سيجارته » وقال 
كلمة واحدة : «حرام» » أجبئّه ووجهي لا يزال مُضْبّبا خلف ستارة 
التفئة : «ولكتك تُدحّن!» . قأجابني : يا بني أنت ساني عن حكم 
التدخين »ولم تسأل عن تدخيني أنا »لك بالأولى » ولس لك 
بالثانية » يا بني ؛ إتما هو ضعف مني » ولقد بلغ بي ميلعًا لا أظن أتني 
قادرٌ معه على الإقلاع عنه ء يا بُني أترى إلى الزرع في حقل مُمرع 
هجمت عليه الثار فأحرقته › »هل تستطيع أن تُعيد إلى الحقل زَرْعَه 
الذي صار هشيمًا تحت ألسنة اللهب »يا بُنى إنما أنا ذلك الحقل» . 

في عام ۲۰۰۷ جاء إلى ادير » وقال لي : «إنني أضع ثقتي 
فيك» » . يحتاج التعلبُ أحيانًا إلى المشورة » شكرته » قال : «أريدك أن 


512 


تشرف على أمور الدّكان ؛ أنا أشعر أن هناك تجاوزات فيها » وأرى فيك 
رجلاً صالحًاء وأنت ابن العسكريّة ء فهل لك أنْ تضيط الأمور» 
سألته «وأمور المكتبة؟» . أجابنى : «يُمكنك أن تعمل فى الأمرين » 
وسأضع لك مُساعَدين في المكتبة » ما عليك إلا أن توجّههما ء ثُمّ أنت 
SEEN DRE‏ 
۾ .لم تُعجبني عباراته الأخحيرة » نظرت إليه لأشرح «وجودي في 

سدع جيب توبات ينه تع يعملى › وأريد أن 
غر رقا لاح وار ا ا 
قلت له «إذا لا تضعني مراقبًا للمشتريات دون التَّدحَل في الأمور 
الأخرىء أريدٌ صلاحيّات كاملة» . التو «مثل ماذا؟» . اجه : 
«صلاحيّة بأن أطلب ما يحتاجه و > فأنا أعرفهم أكثر منكم 
لأتني واحدّ منهم » وأنْ أمنع ما أشاء ء وأنْ اتصرّف في موجودات 
الذكان بالطريقة التى أراها مُناسبة» . فأجابنى : «لك ذلك » خذ 
ا د ا 1 

لم ير أسبوع على عملي الجديد » حتّى لاحظت ا لحلل » الخلل 
الذي كان مُستمرا لنوات » اكتشفت أنّ هناك تلاشُبًا بالأسعارء 
يه تُشترى السّلعة بشمن والمفروض أن تباع للسّجين بهامش ربح › هذا 
الهامش كان اف في ظل غياب الرقابة » والفرق يأخذه القائمون 
على تصريف أمور الدكان . لقد ضبطتّهم » »لي عشرٌ عيون . أمرّ آخر 
لاحظئّهء وهو إدخال مواد إلى الأكان دون أنْ تدخل فى الفواير 
بتواطئِ ما بين الود زالبخل من عناصر الشرطة ع وتباع هذه المواد 
ت القسم المالي في الجن والذي يؤول في التهاية إلى جيوب 
الفاسدين من الشرطة!! واكتشفت كذلك أن هناك مواد تالفة تباع 5 


513 


ومواد منتهية الصّلاحية باع > طبعا تو خذ ف المورّد بسعر التراب أو 
بدون مقابل » وتباع بالسّعر الدارج ٠‏ وهذا.يُشكل ربحًا كبيرًا وهائلاً 
ا و ا ا بجر ل جات 
السّلك العسكري » مدنيا متواطثًا معهم » يبيع ذمّته وذمتهم مقابل أن 
يظل عطاء وريد متاق ر عليد و يتستّر على سرقات 
الشرطة وعلى e‏ و بالفواتير ويتلاعب بالأرقام . انتظرت 
ثلاثة اسابيع حتى أضبط كافة التجاوزات › ثم قدّمت تقريرًا مُفصّلاً 
إلى مدير السّجن . قرأه هذه المرّة بإخلاص »ء واتخذ على الفور إجراءات 
حاممة . شكل لحنة تحقيق » ولحنة جَرّد لموجودات الذكان » فاكتشفت 
لجنة المرد بأنّ هناك مواد تالفة لا تصلح للاستهلاك البشري دخلث 
بطرق غير قانونيّة تقدر بآلاف الدّنائير» وكانت هذه طامّة بالتسبة 
ميزانيّة السّجن وسمعته أمام ديوان المحاسية لو وصل الأمر إليهم ء أو 
وصل إلى الأهالي . واكتشفوا أن حالات التمَم والتلبّك المعوي » 
والإسهال وغيرها هي بسبب الأطعمة الفاسدة e‏ في السجن < 
بسبب ال جو » أو بسبب أمرٍ عارض . وحين قورنت الفواتير المقدّمة صن 
4 المورّد المدني بموجودات الذكان وجد هنالك فرق في القيمة بمقدار 
ثة آلاف وثماغغثة دينارء وأدرك المدير أن هذا الفرق هو المواد التي 
0 إلى الس جن بدون أنْ تدخل في الفواتيرء وأنها تذهب إلى 
جيوب المشرفين على القسم الماليّ من الشرطة » وغالبًا لا يتجاوز 
عددهم ثلا ثلاثة » فيقتمونها بينهم على أغلب الظر“ . عند ذلك ازدادت 
ثقة يالمدير بي . وأوكل إلى أمر الدُكان كاملا . وشجّعني على أنْ أظل 
مراقبًا للوضع وألا أتأخر في التبليغ عن أي جرية تقع ترت بأنني 
قدّمتُ خدمة لنفسي ولبادئي بهذا العمل . وأتني أتابع منسيرتي في 


514 


القضاء على الفاسدين واقتلاعهم من جذورهم . ثم اكتشفت بعد فترة 
أن شجرة الفاسدين متجذرة في الأرض .ء وأتها عامّة طامّة › وآنه لم 
يُفلت من أن يأكل من ورقها من المؤولين إلا أقل القليل » وعرفت أن 
النَيّات الصّادقة وحدها لا تُصلح الفساد إلا إذا وجدت على الحق 
أعوانًا » وأدركت كذلك الوهم الذي يعيشه المصلحون في القضاء على 
الشر » وهو منزرعٌ بين أرجلهم » ويتسلق كالأفاعي على أجسادهم يريد 
أن يقضي عليهم » وإذا لم يجد هؤلاء المصلحون ردْءا من قُوّة » ونصيرًا 
من أمّة » فن الفساد أقدر منهم على التَغْوّل والقضاء على كل خير 
اقول هذا لأنني استمررت - مُتحمسًا - أتتبّع الخطايا في سير العمليّة › 
فاكتشفت بعد طول متابعة ون » أن هناك تزويدًا في العلامة 
التجاريّة لمادة زيت اليتون › وأنا فلاح وأعرف ما هو الزّيت البلدي . بل 
أستطيع أن أميز أنواعه ٠‏ وأماكن زراعته إن كان في السهل آم في الجبال 
أم في الصّحراء ‏ واستطيع أنْ أممّز عمره » وهل عصر حديثا أم مرت 
عليه أشهر أم سنوات . الذي حدث أن المورّد لهذه المادة كان يقوم 
بتعيئة العبوات بزيت نياتي (زيت قلي) ضیف له بطريقة فنيّة دقيقة 
بعص الان ء ويبيعه على أنه زیت زيتون بلدي » ورائحته تفضحه 
قبل لونه . فتقدّمتُ ببيان ذلك إلى المدير » ولكنّ هذا المدير الذي اتخذ 
إجراءات صارمة في المرّة الأولى » لم يتخذ أي إجسراءر هذه المرّة » 
وتناسى الموضوع » وشككت أن هناك علاقة بينه وبين ورد »لاله لہ 
يفعل شيئًا له . واستمرٌ بشراء عبوات الزيت منه » فلمًا يئست من 
المدير » هرت ورقة مع علي السّيد أطلب فيها مقابلة رئيس هيئة 
مُكافحة الفساد . ومدير مؤسّسة المواصفات والمقاييس لأشرح لهم 
الكارثة » وخحيانة الأمانة التي تُدار في الجن » فلمًا علم مدير الجن 


515 


بأنني طلبت مقابلة هذين اللخحصن سارع إلى مناداتي » وراح 
يُطمئننى ١‏ ويقول إنه وجّه إنذارًا خطيا للمتعهد . فقلت له إن ذلك لا 
يكفى » وإنه يجب أن يُقدّم للقضاء › والقضاء يأخذ مجراه فى حقه 
لينال العقاب الرادع ‏ لكنه قال لي : «لا تريد أن نكبّر الموضوع» 
فاأكته : «لماذا ترفض تقذم الشكوى ضده» 3 فأجابني : : «لحالات 
إنسانية» 3 لكنني لم أقتنع بهذا الود « فاي حالات إنسانية هذه التي 
شاع LE ER E 2F‏ ا طائلة 0000 فعلته 
e‏ ا نتيحة كي لهذا لزت »وهن يدري 00 ريت 
هو ؛ ألا يحور : أن يكون زيتًا مكررًا لعب فيه املاعبون أكثر من مرة!! 

فى أواخر سنة كم صار الجن شوربة »انتتشرت فيه 
العصابات اا هب بالسرقات ». وبالاتجار بالمنحدرات 5 وانقسم 
السّجن إلى ولاءات عجيبة »على أساسات عنصريّة وإجراميّة » 
وانقلب الهذوء فيه إلى هوس بافتعال كل مشكلة کان المدير شديدا » 
لكنّه إن غفل لحظة عمًا يجري » وألهاء ه أمر جمع المال من الذكان » ومن 
المساجين » فإن الفوضى هي النتيجة الطبيعيّة لذلك > أمَا السجتاء فلا 
أدري ما الذي حدث لهم فى هذه السّنة بالذات » وماذا كانوا يأكلون 
حتّى له تكاد تمر بمهجع إلا وتری مشائحرة بالا يدي 4 وباللكمات 3 
وبالعصى 5 وبالهراوات .هل ر هو الب أم الطاقة ة الزائدة عن 
حدها والتى ك تجذ منفذا إلا هذا هى السّبب؟! أم قلة الوازع الدّيني . 
وانتشرت تجارة المخدرات بشكل فظيع . وارتفعت أسعار الحبوت اة 


516 


إلى ٠١‏ دينارًا للحبّة الواحدة » ودخلت أنواعٌ لا حصرّلها . ثم شاعت 
الأدوات الحادّة في أيدي السجناء » وسالت دماء من الوجوه والأعناق . 
وتُقل عددٌ منهم إلى المشافي . وعمّتْ حالة من الهياج غير مسبوقة › 
وتحول رجال الأمن إلى بوابين » وتكلم عن هذه التّجاوزات تقرير منظمة 
العقو الةو قط الأمن لا يعنى أن تترلة الأمور على غواربها . ولا 
كج[ الكراءة ول عد ركون الخ غ ان کن د دن دید 
وللحقيقة فإنّني رأيتُ أصنافًا من السسجناء إِنْ لم تستخدم معهم القرّة 
فإنهم سيّحيلون حياتك وحياة السّجن إلى جحيم فوق جحيمه 
بيعي . وان بعضتهم لو احترمته لركيك » ولو خاطبته بالود لمك » 
وهو على حاله هذه لا يُغيِّرها مهما تبدلت الأيّامم والسّنون » وتذ كرت 
المتنببى حين قال بيته الشهير : 

إذاأنت أكرمت الكرم مَنَكْقَهُ 

وإن أنت أكرمت اللفيم تمرّدا 

واقترحت على الإدارة أن خهنص مهاجع محددة لذوي الميول 
الإجراميّة و تقو كيه وتعرلوم عن 47 المساجين 
المماكين الذين يدخلون الجن لأوّل مرّة ويصدمهم الواقع الفظيع 
الذي يرونه ويعايشونه أما الذين قضوا ثلائة أ رباع عمرهم في الإجرام 
و و ع ا > ومن سجن في جرية إلى 

سجن خر في جرية أخرى ‏ فلن يصلحوا سريعًا » ولن ينفع معهم في 

عفن الأعيان إلا العدلء وشذة الخدر . وان مَنَ شب على شيءَ شاب 
داه . وكالعادة كنت كمن ينفخ في قربة مخزوقة!! 

وشاع أن الجن كبرميل من البارود تتقد تحته شمعة » وأنه في 
أي لحظة قد ينفجر بكل مَن فيه من السسّجناء والسَجانين » فعمدت 


517 


الدولة إلى تغيير المدير »لتأتي بمدير جديد قادر على ضط الأمورء 
هكذا ظنت ؛ فجاءنا مدير قاس < ا ولم يُفرّق 
بين القوّة ة وبين القسوة . وكات تنقصه الحكمة . وكان يظن أن المَوَة 
ها حل كل شيءء ولم يدر أنّه كان بحاجة معها إلى عدل ورأي 
ومشورة وحسابات أخرى : 1 


/10008((/0( e 


518 


(TY) 
طفوس التطهير‎ 


تزل بك قدمٌ فتنهض » ينبحك كلب في الطريق فخأ » 
او e RR‏ 
عليها ؛ تحن لا نحشمل إل ما لقنا لاحتماله 1111 
سلطته بل لقوّة أخلاقه . فان غلبت سلطته أخلاقه احتقرناه في قلوبنا 
ولو لم نقدر على إظهار ذلك . 

هبط علينا المدير الجديد وفى نيّته أن يُؤَدّب الجن ؛ لأته مُتَنمرٌ 
يحتاج إلى ترويض . مُهلهل يحتاج إلى تمتين . أطلق يده في المساجين 
بعُروى الطالح) من أجل العدالة كما كان يدعي . فكل من في السّجن 
تعرّض للأذى بطريقة أو يبأخرى ثم أراد أنْ تلهم » فأوصى يحلق 
0 4 على 2 دود ر ae‏ 3 ول 00 عندي › يتقان 
الا بین ایا کر نا e‏ 
لهم : تستطيعون أنْ تفعلوا ذلك في حالة واحدة ؛ هي أن تبطحوني 
على الأرض وتُقيّدوني وتقوموا ذلك را عنّى ؛ اما أن 2 رأسي 


هكذا بدون أي مقاومة وبإرادتي وطوعي فلا يُمكن أبذا . بعث أحدهم 


519 


إلى المدير يُخبره : «الدّقامسة يرفض الأوامر سيّدي» . فاستشاط 
غضبًا ء وجاءني يغد الخطا ومعه نفرٌ غير قليل من العساكر » > وقف 
قُبالتي : «لاذا لا تريدٌ أن تحلى راسك؟» و : فببساطة ؛ لأته ما 
من سبب يدعو لذلك» . فرد علي : «ولكن كل من في السّجن انصاع 
للأمر سواك» . «وما شأني بهم؟ هم أحرار ؛ أمَا أنا فلن أحلق» . رد 
مضا SU‏ لا بحس ي لهذا الوطن؛ E‏ 
العلاقة لكان وای والوطنيّة » هل 0 وط راه عت 
موسى الحلاق يأخذ صكا E‏ بالوطنية ٠‏ والذي لا يفعل يكون قد 
شرد من حمى هذه الوطنيّة؟! لكتني آثر E‏ رودي بعت 
«إِنْ وصلت الأمور إلى الانتماء للوطن » فأنا أكثر وطنيّة منك » وأنا 
دفعت ولا زلت أدفع ثمن الانتماء إلى الوطن ء ووجودي هنا أكبر 
دليل ء أمّا أنت فانتماؤك مدفوع الاجرء والئّمن هو وظيفتك . 
منصبك . وراتبك» . زفر المدير زفرة طويلة » وخرج وهو يتوعد . 
واو و باه عل يو وت 
أهرّ أكتافي : «افعلوها ولكن بالطريقة فلتهالكم» ا 
نبطحك فلا محلم PEER EER‏ 
وسائل الإعلام وتصنع منها قضيّة تتناقلها أفواه الإذاعات » لكن أنت 
ستحلق يخاطرك» . أجِبّه «بخاطري . والله ما بحلق » إلا إذا كان 
رغمًا عتي ء بأ يهجم على سنّة عناصر من الأمن أو سيعة ويقوموا 
ببطحي وإلقائي أرضا › ويُقيّدوا يدي خلف ظهري » ويفعلوا ما جاؤوا 
من أجله . لكن رأسي لن أسلمه لكم» كان أذان الفجر قد اقترب » 
وراح صوت المؤذن يعلو من مئذنة مسجد الجن . بأذان الفجر كانوا قد 


520 


حلقوا لكل الجن . كان فيه ما يزيد عن )٠٠٠١(‏ سجين قد أصبحوا 
صلعانا . وذهبت شعور رؤوسهم إلى مكب التفايات . منظرهم وهم 
يصطفون في صفوف طويلة تزيد عن مئة متر في الممرّات الفاصلة بين 
المهاجع على جانبّيها لا يُمكن أن آنا ء لقد كان متعًا بشكل خُرافي . 
كان الحلاقون هم من الستّجناء ء أنفسهم الّذين يعملون براتب عشرين 
ديتارًا في الشهر لحلاقة مَنْ تطول رُؤُوسهم » الغريب يب أنهم كانوا يُفرغون 
كبتهم في رؤوس مَنْ يحلقون لهم » مع أنهم زملاؤهم . كانوا يهجمون 
على فروة الرأس بوحشيّة » أزيز الماكينات المتحفزة كان يعلو فوق رؤوس 
المساجين المصطفين في صف طويل . متورّعين على ما يقرب من 
ثلائين حلاقًا » كأتهم ماعز في بطن جبل رابضة في الظل » غير أن 
الحلاقين في تلك اللحظات كانوا يمارسون دور الڌثاب > کان دورًا 
جميلاً بالتّسبة لهم واستمتعوا وهم يؤدونه » نهشوا بعض الأطراف ١‏ 
وقَرصوا بعض الأعضاء » وضحكوا ء وبرقت عيونهم من التّشفي » مع 
أن الذور كان سيحين لهم بعد أن يُنهوا مهمّتهم مع الرؤوس المصطفة 
أمامهم » وستبداً الذثاب بنهش أنفسها » سيقوم كل ذئب بالهجوم على 
فروة ذئب آخر » حتّى تقضي الذئاب على رؤوس بعضها بعضًا كانوا 
يضحكون في احظات ى خخاطفة «بطيخة!!» يصرغون ء يُلْحُمس أحدهم 
على رأس أحد ضحاياه » يفركها بالماء ليتورّع ما سال من دم على تلك 
البطيخة . قبل أن يزول تامًا ء يتندّرون : من يشتري . .؟» » وما كانوا 
يدرون أن الدور قادمٌ عليهم › وأن تأجيل الضربة لا يعنى عدم وقوعها 
ذهبت إلى مُصلَى المسجد ء صِلَّيِتُ الفجر ورجعت » فإذا بهم 
ينتظرونني » يريدونني أن أحلق ال يا a‏ ة التي 
قلتّها لكم» . اتصل رئيس القسم بالمدير » وكان المدير م: منتفشاء ولا يزال 


521 


مُزْبدًا » قال له على السّماعة في الطرف الآخخر «احلقوا له عُصْبًا عنه » 
والله لينحلق له غصبًا عنه» . أنزل رئيس القسم السّماعة » ونظر في 
وجهي متوقّعًا انفجار أزمة في أيّة لحظة ‏ كانت السّماعة لا تزال في 
يده » وهو يضغط على زر انقطاع الانّصال قبل أن يقول لي › وعيناه 
تتحاشيان النظر فى وجهي : «ها هو المدير يا أحمد يقول لي احلقوا له 
غصبًا عنه» . فأجبته بكل هدوء : «طيّب » احلقوا لی غصبًا عتى › 
ثلاثة منكم لا تكفي » ولا أربعة » أريد سنّة أو سبعة ليبطحوني أرضًاء 
ثم ليفعلوا ذلك» . فرد رئيس القسم : «والله ما لي حاجة في أن أفعل 
ذلك . وأنت عندنا من المكرّمين . لكنْ من أجل يين المدير » سنتوصّل 
إلى حد معقول يُرضيه» . نظرت إليه بطرف عيني دون أن أرفع رأسي ء 
ويداي مجيّتان على بطنى : «هاه!!» قال : «نحلق لك من طرفى 
راسك قليلاً هنا ء وقليلاً هنا » وبذلك نبرّ بقسّم المدير » وبقمك 
أيضًا» . فأجبمّه باستهتار ء. واستخفاف : «والله لن يكون . لن أفعل 
ذلك» . فرد بهدوء : «خذ أنت الماكينة » واحلق لنفسك ما تراه مناسبًا 
ولو كان قليلاً» . فرددت عليه دكلاً» . نفث من صدره نفكة المهزوم 
الذي لا حيلة له » وأحسست بضعفه . وشعرت أنّه هو المأزوم لا أنا » 
وأ الضرر سيقع عليه هو لا على . فقلت له : «هات الماكينة » ألست 
تريد أن أحلق شعرتين من هنا وشعرتين من هنا . . أنا سأفعل ذلك» 
وبالفعل أخذت الماكينة » وحلقتُ شيئًا بيطا ء لا يظهر ذلك على 
أبدا كان ذلك يوم الأربعاء . يوم الخميس قام المدير بجولة على 
الجن ٠‏ راح يلف هنا وهناك . كان المساجين إذا رأوا مدير الجن 
قادمًا وخلفه ضبّاط يتبعونه لاهئين لا يتقدّمونه كأته مثلطان زمانه » 
بلباسهم العسكري النظيف المكوي › ومن ورائهم كذلك عدد غير قليل 


2322 


من العساكر يُشبهون الحرس ؛ كان هذا المنظر المهيب يلقي الروع في 
قلوب المساجين » فيبدؤون بالتعييش » وبالهتاف . وبالغناء للملك . 
بالنسبة لي لم أكن أفعل من ذلك شيا . جاء أحدهم صار يُعيّش 
عندي في الغرفة التي أسكنها > فطردْنّه من الغرقة » وركلتّه بقدمي 
على قفاه : «اخرجٌ يا عَرْص» . لا وصل إلى مدير الجن »لم أعيّش » 
وأبرزت نفسي أمامه كي يعرف أتني لم أفعل . لم يتكلم بحرف لحظتّها 
لكن ذلك جرح كبرياءه على ما يبدو » راح إلى المشاغل » غرفتي هي 
على باب المشاغل » كنت جالسًا لحظتها جلسة القرفصاء › وإذا به يقف 
على الباب ويقول لي : الماذا لا تقف حين أكون موجودًا . . .؟» . فقلت 

له : دلا أستطيع الوقوف . عندي دسك في ظهري › هكذا د تيفيك الأ 
أقف لأ حد؟ هل أنت تستصق أن يزداد مرضي لأ جل أن أقف له؟» . هز 
جده بعصبية كرقاس وهو يعقد يديه خلف ظهره » كان يبدو أن الأمور 
تسير إلى التّعقيد » في تلك اللحظة التي بدأت فيها الأمور تتأرّم » قام 
عدا اد غ ا دن قلات فة ا ف 
عدد آحر من امسا ين بالحماسة نفسها كاتوا بذلك يستدرون عطف 
المدير » ويستبعدون نقمته . بعد هذه الحادثة سيزداد حقدذ المساجن 
علي ؛ وسييدؤون بعيلية تيم وتغييد لي »يل ونبدي :فى بعص 
الاحيات » بدعوى أنتى ي أسبّب لهم المشاكل هتف الحدير كفن يتك 
عن حل لكبريائه المراقة على الأرض : «معك دسك بالنّسية للوقوف » 
لكن لاذا لا تعيّش؟» . فأجبّته «لك لر أعيّش» ‏ فرد : «وللملك؟» . 
فأجبنُه : «على كل حال الولاء والانتماء في القلب ء لا في اللّسان» 
فقال - وجسمه يرتج من الغضب - للعسكر «ابعثوا به إلى الزّنازين 
الانفرادية حالا» . فرددت بهدوء وأتا أنظر في عينيه بتحد : «ولكن 


523 


هذه كبيرةء أتظن أن تمر هكذا؟ه . لم يكترث لما قلت » وصرخ بوجه 
العسكر والضبّاط مرّة أخرى : «ابعثوه إلى الرّنازين خليه يتأدّب» . تقدّم 
أحد الضباط الذين يعرفون عنادي من المدير » وقال له بهدوء » محاولا 
تنى المدير عن قراره : «يا سيّدي هذا أحمد الدقامسة!!» كان المدير 
بالطبع يعرفني » ولكته أنكرني استكبارًا » فردٌ عليهم : «كائنًا من كان › 
ليس عندي فلان أو علان » مثله مثل بقيّة المساجين » عليه أن يخضع 
للأمر الم کر فولضه : حذوه إلى الرّنازين» . لم يسلم يومذاك في 
الجن من جر الرؤوس غير ثلاثة : آنا ء» وإمام ا لز دن 

فحت إلى الزنازين » كان الجن كلّه في حالة ارتباك وترقب » 

في الطريق إلى الرّنازين لقيني طبيب الجن » فسأل ‏ : «إلى أين؟» . 
ذقلت ل : المدير الغبي بعث بي إلى الرنازين ‏ لاتي لم أعيّش له» . فرد 
مبتسمًا : «المسكين لا يعرف أنه معك جلطة في القلب » وسكري » 
وأن وضعك فى الرّنازين الانفراديّة أمر خطيرء انتظرٌ هنا » سأتصل 
بالمدير فورًا» . وطلب من العسكر الّذين يقتادونني أن يتوقّفوا عن تنفيذ 
الأمر ريئما يتصل المدير . ۰ 

في الاتصال قال له : ديا سيّدي قد يكون يستحق الزنازين بنظرك 
لأنه حالف الأوامر» لكته صاب بالقلب والسّكري » وتصلّب في 
الشرايين » ولا يمكن وضعه هناك من التاحية الصّحيّة» . رد المدير بلا 
مبالاة : «سيدخل الرّنازين يعنى سيد خلها»ة كان الطبيب مناورًا جيّدًا 
تقال ل قا E SL‏ نارين لا ني كله لد 
فخ ال ا ع ف عا نط اقتال لطن ع 
E EE N EET CEE E‏ 
فص هك ال وقداففد اغخصنايه- «انا فلت رحب أن يذهب إلى 


524 


الّنازين » يعني يجب أن يذهب إلى الرّنازين» . وأقم أغلظ الان . 

كنت قد كتبت حينها بضعة أرقام مثل تلفون ميسرة وعلي › وقلت 
للشباب الذين معي في المهجع : «اتصلوا بهذه الأرقام وقولوا لهم : إن 
أحمد الدّقامسة في الزنازين كي يتصرفواء كانت الهواتف الخلوية 
تنتشر في تلك الأيام » لكن انتشارها لم يكن كبيرا سس توي 
المدير . كان ذلك يوم الخميس الذي يسبق يوم الجمعة . والذي هو 
موعد الرّيارات » وكنت قد فكرت بتبليغ القوى الوطنية في الخارج 
بطريقة مختلفة ؛ إذ وزعت أرقام هؤلاء الناشطين على أصدقائي في 
المهجع الذين يتوقعون زيارات لهم في اليوم التّالى » وأخبرتهم أن يخبروا 
ذويهم ليتّصلوا بالتاشطين ويُعلموهم أثّني في الرّنازين بسبب حماقة 
المدير » وأتني سأبدأ إضرابًا عن الطعام . أودعت الرّنازين في الساعة 
الحادية عشرة والتصف ونصف ليلا . وبعد محاولات مع المديرء 
أرجت منها في المّاعة الواحدة والنصف » ولم يكن قد مر على في 
الزنزانة أكثر من ساعتين » لكن ذلك يعني أيضا أتني قطعت منتصف 
اليل الفاصل بين يومّين فيها . قابّلوني بالُدير » اعتذر مني وهو مُطرق 
دون أن ينظر في وجهي ء ولكتني لم أقبل اعتذاره لأنه قال كلمته 
تخلصا › واستعلاء 

في صباح يوم الجمعة سألني زملائي في المهجع الذين يتوفّعون 
الزيارة : «ماذا بالتسبة للأرقام التي أعطيتنا إياها؟ هل نوصلها؟ أم أن 
الأمر انتهى باعتذار المدير لك؟» . فقلت لهم : «حتى لو أني لم أقض 
إلا ساعتين »إلا أنه يجب أن يصل تصرف المدير بإلقائي في الرّنازين 
إلى الرأي العام » وعليه أن يُحاسّب على ما فعله بكم» . وطلبت منهم 
أن يوا الأمر . وصلت الحكاية إلى علي الذي لم يكن ليقصّر أبدا. 


525 


فبعث بها إلى بعض القنوات الفضائيّة والصُحصف › وصارت عليها 
ضجة ير مير إلى ا و جرجتك من ارا 
ولم تقضص عبر :ساعتن» . «بل قضيت ليلة» . «وتحرجني بهذه 
الطريقة؟» . «أنت أحرجّت نفك» . «لقد قالوا لي إنك (تنح) وإنك 
(دقر) ١‏ » لكن لم أكن أدري آتك وقح آیضًا» 

لم عض أقل من أسبوع على حادثة الحلق الشهيرة » حتّى وقعت 
حادثة أخرى مرعبة في السّجن »لم يكن ليتصورها عقل ؛ قام حوالي 
)١1١(‏ نزيلا بإعمال الشفرات الحادة في قشرة رؤوسهم المحلوقة » وراحوا 
يحفرون الرأس حفرا في طقوس غرائبية ذکرتني مع بشاعتها بطقوس 
التطهير في القرون الوأسطى حينما اجتاح الطاعون أوروبًا » يوم أن أمر 
القساوشة اكا ج ظتا منهم أن الطاعون بسيب الشيطان وعضلب ارت 
على خطاياهم - أنْ يسيروا على شكل جماعات وأفواج في الشوارع 
شبه غراة ويقوموا بتطهير أنفسهم عن طريق ضريها بالسّيوف والخناجر 
والتلاسل الحديديّة » لقد تذكرت ذلك لا رأيت هذا العدد الذي لم 
أدر إلى اليوم كيف اتفق ى على أن يصنع بنفسه هذه امجزرة وعلى مرأاى 
من بقية النزلاء والشرطة في وقت الفورة!! كانوا قل تجمعوا في تكبّللات 
دائريّة في الممرات » وفي أيديهم كل ما يُمكن أن يغوص في قشرة 
الزأس على صلابتها » ورأيت كيف نفر الدّم من بعض الرّؤوس » وكيف 
راحت هذه الدماء تسيل على وجوههم في خطوط متعرجة + كانت 
حفلة صارخة . وجد فيها بعضهم من اللذة مالم يجد في سواها . ولم 
تكن كل نظريّات علم التفس تُسعفُ في فهم سر هذه اللذة الغريبة ‏ 
واستمرّت حفلتهم ساعات لم يستطع عسكري واحد خلالها من 
الاقتراب منهم » حينها طلب مدير السجن مساعدة الأمن الإنهاء هذه 


526 


المديحة ليام وزارة الصحة لعلاج الجرحى » وأحضر إلى 
السجن مستشفى ميداني بکامل طاقمه وانهمك م 
الجروح النازفة التي لم ينفع معها إلا العمليات الجراحيّة » » فتقلوا من 
أجل ذلك إلى ال قات الخارجية ؛ وتورّعوا على اکر هن 
ےک ت سيارة الإسعاف تطلق زعيقها 3 تروح وتعذو 

لم د e re‏ الشكل الصارخ؟ ما الذي 
يدفعه ان ايتكار الوسائل لتعذيب نفسه؟ مح أنه ينيعي في الوضع 
الطبيعي أنْ يكون أحرص النّاس على نفسه » اث 
يداهمها أو أذى يُصيبها »بل هو لا يقبل عليها أن تشاك يشو 6 
الذي حدنث إدا؟ لقد كانت هذه الحركة تعبيدًا ene‏ التحناء 
على معاملة المدير اللحديد : وطريقة يرونها هي الأمثل في [يصال 
صوتهم إلى العالم الخارجي . وقد وصل بالفعل لکن ثمنه كان سيلا 
من الشّماء 

م نقل المدير نقلاً تأديبيا » وحُوّل إلى محاكمة عسكريّة » وحل 
محله مديرٌ جديد على الفور . وتنفس الجن الصعداء . 

في السمّاعة الأولى لعمله جاء إلى المدير في المهجع » وسلم علي 
بحرارة » وقال لي : «ألمّ تعرفني؟؛ . فنظرت في وجهه وقلت له «لا 
والله بلا زغرة» . فضحك وقال : تمعن في جيدا ؛ صحيحٌ أتني تغيّرت 
قليلا » ولكن ليس إلى الحدّ الذي لا تعرفني فيه» . فقلت له متذمرًا 
«أنا مُصابٍ بققدان الذاكرة » اعذرني» » حينها عرّف على تفسه : «أنا 
عبد الكريم الحوراني» . وصّحّت الذاكرة فجأة . إنّه الرّجل الذي أنقذ 
حياتي بإنقاذ دفتر مذكراتي من الحرق قبل أكثر من سنة ونصف في 


527 


هذا الجن أيّام المداهمات والتّفتيشات »ء عانقّه بحرارة » وسألتُه عن 
أخباره . قال لي : «لقد انتدبني مدير الأمن العام لكي أكون مديرًا لهذا 
الجن » وأريد منك مساعدتي في تهدئة الأمورء فأنا أتيت بعد 
مجزرتين » ووضعي صعب إن لم أجد تعاونا من السُجناء » وأريدك أن 
تكون في مُقدّمتهم لرهاني على وعيك وسداد رأيك» . فأجبته : «أنا 
مستعد لمساعدتك بشرط احترام النّاس لأنّ لهم ذواتهم المستقلة 
وإتسانيتهم الخاصة ء وهم ليسوا هنا علبًا مكدّسة تتحكم فيها كما 
تشاء » ولا أواني نحاسيّة تطرقها كما تريد» فرد علي » وهو يضع يده 
فوق كتفى كصديق : «أنا معك › وسأتعاون قيما تراه مناسبًا بكل 
الوسائل الُمكنة» 5 

طُفْتْ على الّذين أتوسّم فيهم الخير من أهل العقل » انضمّت إلي 
فى إصلاح ما فسدَ مجموعة من السّجناء المشقفين » وأصحاب 
الأخلاق العالية » وتساعدّنا جميعًا فى الارتقاء بحال الجن › وإبعاد 
شبح الفوضى المزعت الذي كات لو في مرّاته » وأعدنا إلى السّجتاء 
ثقتهم بأنفهم » وبقدرتهم على نيل حقوقهم إذا ما طالبوا بها بحكمة 
ودون حماقة أو افتعال للمشاكل . 


528 


(CT) 
رأيت الكريم الحر ليس له عمر‎ 
۸ ١ مكة الرمحي أحمد‎ 

لاني صديقا تدر > وكان ا ٠‏ فتعامل بكل 
عامل ء كأنّهم ا ا على قلوبهم 20007 0 بذرة 
الخير في أعماقهم موجوده فحاول أن يقيها عاء المودة > ودرس أحوال 
السجناء لكاتو ١‏ واد كايم ماهم E‏ 
ES‏ مع a‏ »فلم يُسئ لأحد» ولم يشتم » ولم 
يضرب »ولم يهِنْ أحدا » وبث روح الصبر في المجناء حم كاتا 
سجين في مهاجعهم يُعاني ما يُعانون » وطلب منهم احتساب الأجر 
في ذلك حتى عند أولئك الذين لم يعرفوا الله من قبل › ولم يركعوا له 
ركعة . وعمل على الوعي » فاستضاف عددا من أصحاب الرأي والفهم 
والثقافة من خارج السّجن » وعقد لهم ندوات حقيقيّة » يُشارك فيها 
التجين برأيه 4 ووقف إلى جانبي في أمر المكتبة » ودعاني إلى ايتكار 
الوسائل لتحييب الان بالقراءة » وكان يمر بي في المكتبة کل ج 

را واا عما رات ويسندرشدني فيما يقرا 
ثم حسّن أوضاع التزلاء ٠»‏ وتفهم همومهم ومشاكلهم وساعدهم 
بطرق عرفت بعضها وخفي عتي غيرّها » واتصل بجمعيات خيرية 
عذديدة بحست سلطته وموقعه الأمنى 3 وأمن بعص الماعدات المالية 


529 


والعينية للتحاء داحل سحه ولأسرهم فى الخارج 3 وطلب من 
مديريّة الأمن العام شراء جهاز ليزر لمماعدة الجناء الراغبين فى 
التخلص من الوشوم التى تدبغ جلودهم تلك الأوشام التي لطتحت 
أجسادهم منذ المراهقة > ولوّثت جمال الخلقة التي خلقهم الله عليها . 
فندموا على عملها لقلّة وعيهم آنثذ, وعدم وجود مَنْ يُرشدهم » وها هو 
يتيح لهم الفرصة لكي يعيشوا بلا أوساخ » وتنتهي عقذة الشعور 
بالذنت أو التقص التي تراققهم كلما نظروا إلى جرء ظاهر أو مخفي 
من أجسادهم 5 

ولم تقف إصلاحاته عند هذا ء بل عقد ورشات تدريبيّة مهنيّة في 
التجارة والحدادة والدهان والميكانيك ¢ وكانت محانية 3 وأحضرلها 
راء ودفع لهم من مرا ية القسم المالى و فى السجن › وكان يدرك 
أكثر من غيره أن هؤلاء إن خرجوا بلا مهنة من هنا سيعودون إلى 
الجريمة » وقلل هو بهذا ننبة ارتكابها » بل وخلص بعضهم منها إلى 
الأيذ . 

a‏ أي كانتت من ا بأي اودر > ققد كانت 
لو 4 رول : يؤر في الأمانات شيعا a‏ ا 0 هذه الا ت 
دوي الحاء إل السجن وتورّع في اليوم تفسه على PEE‏ ۰ وصار 
بإمكانك أنْ ترى جاكيتات الجلد أشكالا وألوانا » ودبّت الحياة التى 
تبه لقياة فى الجن وشعر الا أن عهد) هدند الخشيرة قد 
عمرهم 7 

ودخلت أنواع من الأطعمة والحلويات ءلم يعهد له أحد مثيهلا من 


5330 


قبل » دخلت (الكنافة) فقامت الأعراس »وصرنا نعدلل فى طلب 
الخشنة والتاعمة منها . ودخلت (البقلاوة) فهتأنا التاجحين فى الثانويّة 
من السّجناء بالتجاح » ودخلت (الورّبات) الفاخرة » وتجرآنا أ نطلب 
و التي ريد »فلم تعد آي (هريسة) سينا . ودخل الحم » 
واتار ودخل من الفاكهة مالم يان تراه > دخل الأناناس 4 
والأفوكادو 4 والعتب بكل أصنافه َ وراح بعض من ) يملكون اکر ف 
عيرهم من الال يشترون للمهجع کل فيَطعَمون ويطعمون » وازداد 
العهد يناعة وخضرة! 
يزيد قطر القدر الواحد منها عن متر أو متر ونصف » وتلقى فيها أكياس 
البطاطا والزهرة والباذغجان دون أدنى مراعاة للتظافة » صمار كل شىء 
يُغْسّل » ويُنضّج بتأن » ويُراعى فيه النظافة والمهنيّة . وصار المدير بنفه 
ازور الت وار على مي الأحوم , وإذا شك ولو ينسبة, 
ضيئلة بأي ج من اللحوم کان يخر جه من الجن اة ويرجعه إلى 
المتعهّد » ويحذره من أن يُكرّر ذلك » وقد يُلي الاتّفاق معه » ويتفق مع 
آخر يكون أمينا وصادقاء وكان المدير يقول لتعهد الطعام 2 أدخل إلى 
الجن ذات البضاعة التى تُدخلها إلى بيتك . وذهب المدير إلى أبعذ 
من ذلك » فشارك السحتاء طعامهم » وجلس إلى موائدهم . ومازحهم ء 
وتحدّث معهم كرفيق » وسمع قصصهم › وأسمعهم قصصه › وعلى 
هذي مودته وحن تعامله » حجل أكابر المجرمين من أن ينكثوا 
عهدهم معه ء فیفتعلوا المشاكل »مع أنها من قبل كانت لا عر يومٌ دون 
أن يكون لها هياج! 1 1 

ثم إنه أوصل صوت الماجين إلى العالم اللخارجي » إلى 


531 


الستلطات » إلى الجهات القادرة على المساعدة » حتّى إلى امحاكم التي 
لا علاقة له بها كونها جهة قضائيّة » ولكنّه كان يلتزم حدوده » وعيئه 
على : «لأنْ يسعى أحدكم في حاجة أخيه خيرٌ له من عبادة الله سين 
عامًا» . وكان على قذر ذلك . وسأله الّجناء مرّة أن يُقَدّم لهم عريضة 
إلى الملك للاقراج عنهم . فقام هو بصياغتها » وأعطاها لشرطته تدور 
على المهاجع » ويكتب فيها كل مَّنْ أراد اسمه » ويوقع » وقام بالفعل 
برفعها إلى الدّيوان » وكان يضع نفسه مكان السجين » ويُفكر بتفكيره › 
ويشغر بشعورة + 

ورأى عجورًا تبكي لفرط * شوقها إلى ابنها » وقد دخلت إلى ميعة 
الزيارات ولم تهتد إليه » وهي تبحث ؛ بلهفة, وقد انحنى ظهرها . ولا حها 
بكى لبّكائها › وقبّل رأسهاء وسألها عن اسم ابنها »ثم أذ بيدهاء 
وأدخلها إلى غرفة تزور ابنها زيارة خاصة وتحتضنه بدلا من أن تُخاطبه 
من وراء الشّبك . وكانت لفتة إتسانيّة لا يقوم بها إلا ذو قلب ممُفرطٍ 
في الإنسانية 
الك ومن كان A‏ هل كان a‏ 
من العساكر والشرطة والضُبّاط يقبلون بذلك . هل يصبرون على هذا 
العدل والضّبط الذي يمنعهم من مارسة تجارتهم في الخفاء » فإ هناك 
سلَّعًا مُربحة أوقفها هذا المدير » ولم تعد سوقها رائجة ء أينَ المْخّدرات » 
أين الحبوب . أين الهواتف الخلويّة » أين الملابس التي كانت لا تدحل 
إلا برشوة. قفصارت تدخل بلا مقايل؟! إن هذا المدير تحاف 
صلاحيّاتهم » ويُحاصرهم » وسيجدون أنفسهم على الحديدة إن لم 
يُبعدوه » وجيويهم فارغة 

ولي مع المدير قصصُ كثيرة » فذات يوم كنت واققًا في الممرّء 


5332 


فرآنى » فأقيل نحوي وسألنى : «أتذكر دفتر مذكراتك الذي أنقذئه لك 
من التار؟» فألته وقد وت قليلاً : «لم تسأل عنه؟ أنت الآن مدير 
ع ل ب ا . فضحك . وقال لي وقد 
رأى الريبة في عيني : «اطمئن > لا نظن بي سوءا » ليس الأمر كما 
جرر يلك رلك ا و سي وهي تريد أن 
تعرف قصّة أحمد الدّقامسة ء ومن هو هذا الرجل »ء ولا صرت مديرًا 
للسجن » قالت بأنْ الفرصة قد حانت لأحصل على الدفتر بحكم 
سلطتي » فوعدتها بذلك بعد طول إلحاح . > فهي تريدٌ أن تقرأ قصّتك › 
وسأعيده لك حالما تنتهي منه» .قلت له «إذا آم سائد دخلت 
بالموضوع فلم يعد لنا كلام » لكن الدّفتر تضححم كثيرًا عن السّابق» 
«أعطني إيّاه على أيّةَ حال» . أخذه متي » ولم يمكث عنده أكثر من 
يومّين » قال لي : «إنها لم تنم لليلتين حتى تقرأ كل ما كتبت» . وأعاده 
إلى شاكرًا » حينها تعرفت صدقه ء وأنه يمكن الوثوق به 
١‏ قن عدف الزيارات > زارنى على النيد . فقلت له «إن هذا 
لير الحدند رجل مجن ويسعكق الشات قل انك قبت مقا 
عنه في الصحافة تعطيه حقه من تعامله الإنساني الجميل » فالرجل 
كريم » والكريم يُكرم الكريم» . فكتب على آنذاك في جريدة الأ نباط 
مقالة عنه »› لعلها تدقع غيره من مديري السّجون الأخرى أنْ يحذوا 
حدذوه . 

لقد أحبّه أغلب السجناء » فقد عمل المعجزات من أجلهم . لكن 
الطعنة القاتلة لم تأت من هؤلاء السّجناء . بل أتت من زملائه في 
الأمن الوقائي داخل السّجن ء الذين لم يحبّوا لمدير السّجن أن ينجح 
في مهمَته » أو أن يتعامل بهذا الرّقى مع السَجناء » وكانوا يعتقدون أن 


533 


الستجين بهيمة يجب ضربها والدّوس عليها » فكانوا يسيئون للناس من 
ورائه . ثم إن مصالحهم مُهددة . وإنّ الصّبر عليه طويلاً سيّفاقم 
أوضاعهم سوءا , ولا بُدَ من اقتلاعه ‏ فكتبوا فيه تقريرًا بأنّه قام بإخراج 
أحد سجناء التنظيمات المتشدّدين ليعيش في مهجع التنظيمات الأقل 
تشدذا والمعتدلين . واستدعى المدير نفسه إلى التحقيق » واعتبروا ذلك 
تعاطفًا من قبّله مع التَكفيريّين . وكانت إدارة السجن قبل أن يتولى 
الحوراني آنذاك قد عزلت المهجعين . وفرّقت بينهما كانت غ 

مهجع المعتدلين مهواة ة بشكل جيّد ومُعرّضة للشمس » ولديهم حرية 
0 والتنقل > بتحللاف مهاج المتشددين . وفي التحقيق د المدير 
عن نفه بقوله : نعم لقد نقلت السجين المتشدّد إلى مهجع المعتدلين ؛ 
لأتني متعاطف معه كما تتهمونني » ولکن ليس بسبب فكره أو 
مُعتقده » فهذا شأنه الخاص ولا علاقة لى ما يعتقد . ولكتّنى نقلْمتّه 
لدواع إنسانيّة » فهذا السّجين مات 1 القلب . وغرفة المعحدلين 
أوسع وتهويتها أفضل » فلربّما ساعده ذلك على التخفيف من آلامه 
وأسقامه . لقد نظرت إلى الجانب الإنانى فى المسألة › أمّا قناعاته 
وأفعاله فهو يحاسب عليها أمام لاا اطا تا فلت . لكن 
ذلك اعتبر من قبّل الخابرات (وكانت الخابرات هى المؤولة عن قضايا 
النَنظيمات بشكل مباشر) تواطوًا مه رقا | القت اوبات : 
واستجابت في النهاية لرأي بعض زملائه فيه وقامت بنقله من ذلك 
الجن ء وبهذا نكون قد حسرنا أحد أهم أركان التوازن في الجن › 
حزنت جدا لما حصل كنت أعرف أنّ عمر الكريم قصير » وتذكرت قول 
أب عام : 


534 


عليك سلا الله وَقَفُافإنني 
رأيت الكرم الحرٌ ليس له عُْمْرٌ 

ووضعت بدي على على من مدير قادم رت الحماقات »:ويهدم 
التجن على او وا من بعد أمورٌ دلت على أن 
الانفلات سيكون ردة فعل طبيعيّة على انفلات أخلاقي عند الشرطة 
قبل المساجين . وعندي قصص من تهريب ادات سين لها أشن 
الوليد » أتورّع عن ذكر بعضها » وسأذكر بعضها الآخر لاحقا 

فى نهاية هذه السّنة كان تهريب التليفوتات يعيش عصره 
الدذهبي » كانت هذه نقلة نوعيّة . انتشرت أنواعٌ مختلفة » وواكب 
الجن الحياة المدنيّة › والتَطوة الذي يحدث في الخارج ٠‏ ودخلت مع 
الزمن الأنواع الحديثة › وكات ذلك كله بالمال الفاسد أو الصالح ودا 
أن المال في مجتمع السّجن يشتري كل شيء ابتداء من الذم ٠‏ وانتهاء 
بالشرف . 

في أوائل عام ۲٠٠۹‏ كان تهريب الهواتف الخلويّة قد بلغ أوجه »› 
لدرجة أثني ظننت أتهم سيسمحون بتداولها في السّجن بشكل 
اعتيادي 5 وأنهم محم ون لكل نزيل هاتفا > للعدد المهول الذي 
دخل منهاء وصارت المجاهرة بحمله ظاهرة »ومع أن كاميرات المراقبة 
ل كل بعوضة تطير إلا أنّ كثيرين غامروا بالظهور وهم يحملون 
هاتفا يستقرٌ على أذانهم ويذرعون رات السّجن ومهاجعه . ويتحدثون 
بطلاقة مع الطرف الآخرء ويضحكون › وربما يُقهقهون . ويتبادلون 
أسعار البورصة أو الخنُضار مع مُحدثيهم أو آخر الدّكات . هل كان ذلك 
ا للتمورّد على القيود بشکلٍ ع من أشكال الحرية؟ هل كان 
محاولة لإبراز الذات في مُحيط يحترف دَوْسها والتفتن في إهانتها؟ 


335 


كل شيء هنا مُحتمل . الجن يعني أن تتوقع كل شيء ء وألا تتوقع 
شيثًا! 

اشتریت هاتفا آنذاك كان ثمنه في السوق حوالي (۳۰) دينارًا من 
نوع (موتورولا) / (الشَحَاطة) » كان يُطلّق عليه هذه التّسمية لكير 
حجمه فهو يُشْبّه الشحّاطة حتّى فى لونهاء اشترينّه آنذاك ب (0ه؟) 
كارا وعد اک مشر ات ت الحقيقى . هكذا كانت 
أسعار ا التليفونات داخل الجن كان الرقم (۳۰ دينارا) خارج 
الجن لهذا التوع من الهواتف كبيرًا ومرتفعا ؛ لكته داخل الجن بدا 
معقولاً » مع أن (ه*) ديتارا كانت تعد في مجتمع الجن ثروة . 

اک سياس 0ل الأ را 
ات . من قلب نتوق إليه زيل فيه عتمات السّجن الطاغية › 
كانت هذه الكلمة تساوي الدّنيا وما فيها ١‏ وكتا مُستعدين لأن ندفع 
مقابل أنْ نسمعها نصف عمرنا وما تبقى من قتات قلوينا 


536 


(5") 
المال في مواجهة الأخلاق 


نحن عالَمٌ مُتكامل » لدينا حيائنا التي تُشبه أو تفوق في التنوّع 
الحياة فى الخارج » لنا أفراحنا وأتراحنا » ونجاحاتنا وإخفاقاتٌنا كل 
السّجناء التازلين في أوطانهم المختلفة يمتلكون ذات القدرة من الوضوح 
والشفافيّة ربّما إليها تنقاس الشفافيّة التي يادي بها ديوان المحاسبة 
صباح مساء . غير آتنا أيضًا لسنا بهائم يُمكن أنْ تأوي إلى زرائبها في 
المساء على أنْ تجد شيئًا من الشعير في الصّباح . فإذا ما عاملنا مدير أو 
رئيس بهذه الصّفة عاملناه بالمثل . وإذا ما اجرف صاحبُ سلطة إلى 
هذا الجرف الخطير ؛ فإن قدمه تزل به إلى الوادي قبل أقدامنا ؛ أفرأيت 
إلى مَّثل أصحاب السّفينة » فإنْ أعملت السّلطة الخرق أو سكتت عته 
ملكت وهلا وإ أعيقت على يد :فاعليه تيت رونا 

كان ذلك فى الوات الأخيرة من العقد الأول من الألفيّة 
الغالئة » أظنّه في منتصف عام ۲۰۰۸ حين حدث يجان فيي سجن 
الموقّر »لم يكن أحدٌ يدري السّبب » الصّبياحات الغ تبدا بالشروق 
الذي يحمل الحياة والأمل الجديد للبشريّة » هو ذاته الصّباح الذي قد 
يحمل الموت والفجيعة . أدى الهياج إلى افتعال حريق . أحرق عدد من 
السّجناء الغاضيين أكثر من سبع غرف ء ومات ثلاثة مساجين . كان 
ذلك يوم اثنين » قام الجن ولم يقعد ء وتواترت الأنباء إلى زملاء 
آخرين لهم في سجون أخرى » فاهتاجت من أجلهم ء وبدا أن كلمة سر 


537 


بين الستجناء في كل السسّجون هي التي صنعت كل هذه المآسي . 

غت ليلة الاثنين دون أن أدري أن أحداثًا كبيرة قد حدثت في 
جر الموقرغ كنت الم بالنجوم » وبالحريّة » وبأنني أجتاز وادي لخر 
قا وبأنني عدت في الربيع إلى عادتي في مطاردة الفراشات » وغت 
وأنا أستغرب تلك الأحلام التي داهمثني فملائني با لحب والرّضا . 
صباح يوم الثلاثاء » صحوت وأنا أسعلٍ ٠‏ ظننت أنه بأثر من تد جيني 
المتواصل » »لکن الأمر كان على غير ما توقعت کان هناك دخان كيف > 
استيقظ معي المهجع كله » تناهت إلينا أصوات غاضبة . لقد انتقلت 
العدوى إلينا إذا > كانت الهواتف الخلويّة تنقل كل شيء من السّجون 
الاخرى » وتصوّر الحرائق التي اشتعلت في العقول قبل أنْ تشتعل في 
المهاجع . وهاج الجن وماج » واستغل عدد من التاقمين الجاهلين 
الفوضى التي دَيَتْ فأحرقوا عشرة مهاجع كاملة بكل ما فيها من 
أغراض > وظتوا أنهم بهذا يضغطون على الإدارة لكي تُخرجهم من 
السجن > فما خرج منهم أحدٌ وأتى له أن يخرج › > وما تخسر غيرهم ء 
مما أكلته الثيران من أدواتهم الخاصة . وأغراضهم »› وملابسهم . 
وشات ت الفوضى بعد يومين . وانجلى الغُبار عن خسائر فادحة » وصار 

على الجميع أن يُفَكر كيف يحمي نفسه . لقد کان کل واحد فينا 
مُعرّضًا للخطر » وأشبهنا الحيوانات في الغابة » كل وحش يترص 
بفرسته »وکل ثعلب يمكر لأخيه ء وکل هامّة تبحث عن الأمان 
بالاختباء أو الانزواء عن طريق الوحوش والصّيّادين 

لك كيف أشعلت الثّار إِذَا5 كان القانون السّابق ينص على ألا 
تكون القدّاحة أو الكبريتة إلا مع شاويش المهجع »مع بعض 
الاتفلاتات » صار الحصول على القدّاحة مُمكنًا لاي أحد , لكن بثمن 


538 


باهظ ؛ مثلاً إذا كانت القدّاحة في تلك الأيّام ثمنها )٠١(‏ قرشّاء فإتها 
تباع داخل الجن ب )١(‏ دنانير . وبالمال تستطيع أن تشتري من لا 
أخلاق له . وحصل عدد من الميسورين من زعران سجن سواقة على 
تلك القدّاحات وارتكبوا تلك الفظائع . 

واستمر المال يشتري ما تريد » حينَ كانت بعض مقالاتي التي 
ا ا و و و e‏ 
الحصول عليهاء فإنني كنت أضطرٌ إلى شراء بعض هذه الجرائد بي 
)٠١(‏ دتانير للجريدة الواحدة من شرطة قاموا بتهريبها إلي » وثمنها 
كان في تلك الأيَّام )٠١(‏ قروش . لكن أيّنا كان فعله هو اللاأخلاقي : 
أنا أم الشرطي؟ أنا مُضطرٌ من أجل الحصول على مقالتي إِذْ كان ذلك 
يُفرحني جدا ء أمَا هو فيستغل ذلك وينتظره ؛ إذ إن بعضهم كان يأتيني 
ويقول لقد نشروا لك المقالة الفلانيّة أو نشروا عنك الخبر الفلانى ؛ فما 
رأيك بالحصول عليه؟ أيّنا كان عمله أخلاقيًا وأيّنا غير ذلك؟ هل كنا 
مُخطئين أم مُصيبَين؟ أيّنا أصاب الحرام وأيّنا تجنيه؟ آم أن السّوق 
القائمة يكون فيها البيّعان بالخيار ما لميفترقا . وأي سوق أعظم وأكثر 
تنوّعًا من أسواق السجن!! 

غير المقالات كانت تُنشر عنّي أخبارٌ كثيرة وكنت أحرص على 
الحصول عليها وأرشفتها في دفتر حاص ليُضاف إلى مذكراتي » إلى 
هذا وذاك » زارني في الجن صحفيّون مشهورون وآخرون مغمورون › 
قليلون هم الذين استطاعوا أن يدخلوا إلى الجن ويُقابلونني فيه » لكن 
عددا منهم كان يأتي كزائر عادي ولا يفصح عن هويّته » ويقومٍ بطرح 
الأسئلة على من وراء العبك » أو من خلف الزجاج الحاجزء بالطبع لم 
يكن يستطيع أن يسجّل كلمة واحدة أو يكتبها في أوارقه » إذ الأقلام 


539 


والأوراق والهواتف والمفاتيح وغيرهاء كلها تُسحَب من الزّائر عند 
دخوله » ولكنه كان يحفظ السَؤال ويحفظ الإجابة ما استطاع › فإذا عاد 
إلى مكان عمله استظهر من ذاكرته ما استطاع من المقابلة . 

كثيرٌ من الممنوعات ؛ كانت مسموحات فى السجن بشرط لال 
مَنْ يستطيع أن يُقنعك بالفضيلة إذا لمع الذهب ء ومَنْ يستطيع أن يُقنع يُقنع 
الب بعدم الدّخول إلى الرّرع إذا حلع السياج!! 

كانت السّوق السّوداء في الجن ربّما تتمتّع بمزايا لا تت تتمتّع بها 
ذات الوق في الخارج 5 وكانت التجارة تتم ا شيء » حتى 
للأحذية الأستعمّلة > والألبة . والأطعمة . والخواتم . والأساورء 
والهواتف » والخضرة » والحلوى » والفرّشات › والاغطية » والسّمّاعات » 
والسكاكين » والأقلام » والدفاتر ء وكثيرٌ من الأشياء التي لا تكون 
موجودة فى الذكان : 

وام ارهن » فكان كل شيء يرهن جا في ذلك الجسد » وكان ثمن 
الرّهن أحيانا - إذا مر وقت الىّداد ولم َو دما اقترضته من مال - أن 
تخلع لباسك وتكشف عن ظهرك ء »لتنال مئة جلدة يجلدها لك 
صاحب الال بتلذذ عجيبٍ ٠وكان‏ المرتن يتلذذ بجذه 5 > ولا 
أدري كيف اتفقت Sus EOL EN‏ 
الرّهن » ولكته لا يدفعه لأنه يستعذب الجلد » ولم يكن ذلك إلآ مرضًا 
أصاب نفسيّات عدد من الستّجناء!! 

وأمًا القمار فكانت له سوق مُزدهرة لكنها غريبة » لم أكن لأصدة 
أنَهم كانوا يُقامرون على لة!! المقامرة على غلة هي - برأيي - أصعب 
أنواع المقامرة وفيها من المخاطرة ما ليس في غيرها إذ إنّها لا تخضع 
للتوقع أبدًا » ولا لأي قانون أو عقل بشري فكيف كانت تتم؟! كان 


540 


اثنان من التّجناء يجلسان فى ساحة التشميس . فيّشاهدان غملة عايرة 
بين البلاطات » أحدهما يقول : «إنها لن تدخل فى الشقوق المكفيرة 
حبذ القاضلة بق الجاةطاك دوا ی ن ا ت 
فيتبعانها بنظراتهما › ويتقامران عليها إِنْ دخلت أو لا » وتُدفع أموال 
وألبسة وعلسه سات CS‏ فاخبر مها مر القاتر!! 

نحن لا نعيش اللحظة الواحدة مرتين » ها نحن تطحننا عجلة 
اللنياة: كلما عدت دورتها في اليوم الواحد صنعت لتا قلوبًا جديدة . 
فوت ينا ال ي بعيدة » وطعنتنا بالبّعد فأثارت فينا الشوق › 
وجَرّحمّنا بالهجر فأثارت فينا البكاء 

ها أنا بعد أكثر من أحد عشر عام » لا أزال أحاور المنافي » وأجاور 
المجاهل . على أي منفى عالق رحالي وقد بدت الغايات ٠‏ وقل 
الصّديق › واستوحشت الدروب » وكثر التاعقون > وملأت الأفاعي كل 
شبر من الأرضٍ حتّى تسلقت أجسادنا ٠‏ ونفذت إلى عيوتنا . . . فيا 
رت الک إلا قربتنا إليك . ويا رب المشيثة إلا شى - شكت فنا الفر'ء إلى 
ظلالك . ويا رب القرب إلا فْرَّحْت قلوبنا بالأن بك ؛ فقد طال بنا 
عبد ارسق 

حملت أمتعتى » قبَلتْ كتب المكتية كتابًا كتابًا » ورجوت كاتبيها 
ُن يُامحوني كاتا كاتبًا > وقرأت الفاتحة على روحي وأنا أخرج متها 
تم سمعت حفيف أرواحهم وأنا أغلق الباب وقد ضجَوا بالبّكاء . أما 
كتبي التي إلى جانب برشي » فقد تبرّعتُ ببعضها لمن أثق بجديّتهم 
في القراءة » وحزمت بعضها في أمتعتي » ورحلت من سجني 
الصّحراوي » سجن سواقة فى 7٠١8-١١-١6‏ إلى سجنى الجيلى » 


541 


(566) 
إنّي لا اأحتجب إلا عمن احتجب عني 


على جبل من الحبال التى تشد عرانينها نحو السّماء » وفوق درا 
تبد الله فيها قريبًا » وعند آكام يرافقك فيها اليتون وأنت ت تصعد إليها 
كأته يُرحَب بالقادمين المتَعَبِينٌ من طول الارتحال » وشمال أحد أهم 
مدن الديكابولس الرومانيّة جرش » وإلى فضاء يمد بصره إلى الشام 
حيث جبل الشيخ . وتحته تتلوّى الطريق العامّة من وطء الرّائحين 
والغادين بلا توقف . وفوقه أسراب من الطيور التي سياف 
التحليق > وبينه عن ين وشمال شواهد على الذي أحبوا التراب 
فزرعوا فيه آرواحهم غضّة على أن تُزهر ذات وجد »عند هذا الذي قله 
لك كاملا يقع سجن (قفقفا) ؛ منفاي الكبير الثاني! 

كان اسمي قد سبقني إلى هنا » استقبلني مدير الجن , ووطأ لي 
أكناف البيت » وقال قد انتهى إلى أمرّك » فلا أجدك عندي إلا هانئ 
البال . وكان أحد النواب قد وصاه بى » وهو على مُشفق . فأنزلنى فى 
التزلة الى حب . e‏ 

صارت زيارة أهلي لي بعد أكثر من أحد عشر عامًا من التعب في 
مسافة تقرب من 40١‏ كم ذهايًا وإيابًا أسهل . إن (قفقفا) قريبة من 
(إبدر) » وعناء السّتوات العجاف السّايقات صار أخف وطأة . إن أمّي 
حي طلت ل حيط ا في وی الا تفط لوال مهادي 
في سواقة » صارت المافة لها د تختزل من كدها وضنك رحلتها الكثير › 


542 


وهي على هذا الضّنك وهذا الكدّ لم تكن لتتركني للرّياح العاوية ولا 
للذئاب العادية » ولم أكن قد كبرت كثيرًا في عيتيها » وبقيت ابتها 
الْدلّل » وأنا أبو عيلة وعيال » وقد ششَبِبُتْ عن الوق منذ عهد بعيد . 

في عام ۲۰۰۹ صرت مؤدَنًا جد الجن . كان سجننا يتريّع 
على القمّة التي ترى التجوم من طاقاتها في اللّيل البهيم . غير اللو 
بضوضاء البشر من مصابيحهم الْمتعّبة المنشورة كغرباء على جانبي 
الطرقات . صار بإمكاني بعد أنْ أصبحت موَدَنًا أن أخرج من مهجعي 
وقت كل صلاة لأرفع التداء الخالد في سماعة المسجد خمس مرّات » 
وكانوا قد صنعوا لي بطاقة خاصة هي بطاقة الْمُؤَذّن » تتيح لي أنْ أخرج 
من المهجع وقتما أشاء . كانت هذه أؤل مرّة أشغل فيها هذه الوظيفة ؛ 
فبعد أنْ كنت طوال السّنوات الماضية أمينًا للمكتبة فى سواقة › ومراقبًا 
للشؤون الماليّة في دُكانه » وشاويشًا لمهجع القتلة في بعض الرّات › 
صرت هنا مُوْذنا 

كان صوتي يصدح من السّماعة التي تقفُ في المحراب كأتها 
تشتاق إلى أن تستقبل مثل كل التّائقين نداء يُعظّم الله من أوّل كلماته 
تعظيمًا لا يفوقه تعظيم!! 

الله أكبر. . . الله أكبر . . . أشهد آلآ إله إلا الله . . . كتت أرفع 
الأذان من قلبي قبل أنْ يكون حروفا ذات تصويتات تلوّنها شفاهي ويزفر 
بها لساني . . . بمرور الأيّام صارت هناك علاقة من نوع غريب بيني وبين 
هذه الكلمات . . فى الجن تأخذ الكلمات العاديّة وى من الطاقة 
غير عادي ۰ ديف إذا كانت الكلمات نفسها غير عاديّة » إنها تحلق 
بنفسها وبك إلى سسُبّحات السّماء العالية لتَرِيك مالم تر الخلائق » 
وتشهدك مالم يشهده الأنام » وتجد روحًا ترافقك إلى كلمات نورانيّة 


543 


قيلت من نبي قبل آلاف السّنين : «أرني أَنْظْرٌ إليك» كان مجرد 
الاستيقاظ وخاصة في ليالي الصّقيع يُشكل كارثة بالتبة لي » وكان 
الصّقيع عندنا في سجن (قفقفا) له معئّى مختلف عن الصّقيع في أي 
بقعة أخرى من المنافى المبثوثة فوق تراب وطني الحبيب » كان الصّقيع 
هنا يُجَمّد كل شيء حتى الم فى العروق › كان يحز الأطراف كأتما 
يجرحها بسكين . وينفتح اجرح فلا يسيل الدّمٌ لشدة البرودة » بل 
ARC‏ يخطو عن تلك الحافة خطوة 
واحدة . ... كنت أضحو في هذه الليالى الحالكة القارسة . وألف نداء 
يتدافع نحوي إلى يدعوني أن أظل مُستدفتًا بأغطيتي التي أتدثر 5 
تدثر الخائف أوى إلى رکن شذديد من الليالي المرعيات . وأغالب 
الدفء › فأستقبل البرد باستعاذة » ويتراجع الإحجساس بالموودة لصالح 
الإحاس بالطمأتينة ٠‏ وأتشاقل ٠‏ وأتايل 00 فى الممرّ المؤدَي إلى 
الوضوء » وأفتح الماء فلا ينزل إلا شحيحًا ٠‏ وتوقظك برودته الشديدة مما 
تبقى فيك من الوم » فتطير آخر حَجّلات النعاس من عيتيك . وتّنادي 
على الأسماء ء كلها في المهجع › وتهتف : «ففرّوا إلى الله إنّي لكم منه 
نذيرٌ مُن» ء إنه الفرار منه إليه » ولا يكون ذلك إلا له » فلا يفرَ الإنسان 
إلا من موف يفارقه غير آسف ء ولكتّنا نق لنعود له » ونهرب لنلتجئ 
إليه ء فهل كان ثمة ارا من ذلك! وهل كان ثئمة عودة أشد 
عذوبة من تلك!! ولا أدري مَنْ يستيقظ من بعدي »أمّ يبقى الوم 
يحجبهم عن الجلال . وأنادي على الشرطى وات له من طاقة الباب 
بطاقتي ١‏ تيفح إلى 1 واخخرج 1 وتتلقاني الاحة أول خروجي » فتلفحني 
نسمات الفجر الذابحة » فأعبّ من نقائها أنفاسًا أملأ بها رئتي > وأخطو 
بخطًا مريعة إلى المسجد » وأحمل معي شوقي إلى النّداء » وأدخل » 


544 


العتمة تغطي كل شيء هنا » وأنا سأطلب من الور أنْ يعم المكان ٠كل‏ 
شيء هادئ وساكن > لا شيء غيري والبرد ؛ البرد الذي له آلف صورة 
من صور الألم والقسوة . وأسترق خخطواتي إلى السّمّاعة › وأقف مُهتابًا 
خاشعًا ء وأنا أتهيّأ لرفع النداء . وتتلعثم روحي » وتتقبض أطرافي › 
وترتعشٌ جوارحي ٠‏ وتكادُ دمعة عجلى تنفلت من مآقي » وصوت 
هامس فى لا يسمعه سواي : «أبهذه السّهولة تنادي على الله » أما 
نجل من مك نا فى 4؟! اسا لك فلب عرف كيف شاك فن 
حضرته؟! أتظن أن مجرد وقوفك هذا الموقف يُعطيك الحق فى أن 
تخاطبه؟!4 . وأكاد هوي 3 FE.‏ دمعتان أخريان » وأمسحمهما ا 
الرّجاء : «مولاي ؛ إتني أستأذنك في أن أناديك ؛ يا سامع الصّوت قبل 
الصّوت ٠‏ ويا مدرك الحال قبل الحال » ويا عارف المآل قبل الال ؛ أتأذث 
لي؟!4 . ويأتى صونّه كأنه رفيف أجنحة الحمام : «يا عبدي إني لاحب 
مَنْ يُتاديني » وإتي لاجيبُ مَنْ ناجاني » وإئي لا أحتجب إلا عمّن 
احتجب عنّى » يا عبدي قدّم لنفسك » وستجد عندي ما يُرضيك» 
وأتنحنح وقد أطربني الرّضا » ودعاني الرّضا إلى البدء » وأضع كفي على 
أذنى » ويبدأ النداء من القلب »بعلن في كل مكان في اللأنيا ء في هذه 
القسناءات السّابحة »في هذه الذرّات المسافرة في كل 00 أن : 
دالله أكبر كبو كل ر 

اللدّة في التّداء كأئني أنادي م هو أقرب إلى من حبل ا ا 
ظللني جلاله » غمرئّني رحمبّه » فاتطلق لساني لاهجًا طرويًا «حَي 
على القلاح . حي على الفلاح» . ولم يكن الفلاح غير تلك الشهوة 
التى غلبّتّها وآنت تُجادلها فى لحظات المفارقة ؛ المفارقة بين الغفلة 
والانتباه » وبين اللاضطراب والطّمأنينة > وبين الخوف والرّضا 


545 


عملت بعض الحلقات في المجد في قراءة السّيرة » كنت أقرأ من 
سيرة ابن هشام » كان أمرًا مُممَعًا » وإ لم يرق للإدارة كثيرًا . قرت 
على مسامع المصلّين جزءا واحدا . استغرق الجزء حوالي خمسة أشهر » 
كان ذلك محاولة لتعويض العيش بين الكتب فى الفترة الذهبيّة التى 
قضيتها في سواقة :فى النكيدرة ما کن أن کون غو دجا ل 
للتّائهين . أغلينا نحن هنا في سجن قفقفا ضائعون » ليس لنا بُوصلة 
واحدة ترشدنا » كانت السّيرة يوصلتنا »> سمحت للقلوب أن تفكر قليلا 
بشيء من عظمة هذا الفقير اليتيم الأمّي الذي لو ترك نفسه للظروف لا 
أنتجّ شينًا . وكان هذا التموذج حتّى في الجانب البشري منه مُلهمًا 
لهم . ولعل ما قرأناه من سيرته صلى الله عليه وسلّم فتح الباب 
للضائعين كي يجدوا أنفهم » ويعثروا على قدوتهم 

كان المسجد يتسع لحوالي )١6٠١(‏ سجينا » يمتلئع يوم الجمعة والتاس 
تُصلى خارجه ببب الاكتظاظ . وكننت أستثمر الوقت الذي يلى الصّلاة 
لكشرة الاس » فأعظهم با لدي » وما لدي قليل » ولكنّني لا أبخل به ء 
وكنت ارج في قولي إلى مراجع ذات شأن كتفسير ابن كثير › وككتب 
ابن القيّم » وبعض كتب ابن تيمية . والتف حولي عدد من التاس » وكان 
الخطيب يُشاهدهم وهو خارجٌ يرتدي جُبّته الكحليّة المميّزة لاط 
الأمن » وكان يغتاظ لالتفافهم حولي . وبلغ من ثقة بعض النّاس أنْ كانوا 
يستفتوننى في بعض المائل . فأجيبهم إن كنت أعلم المسالة » وأؤخرهم 
إن كنت لا أعلمها حتى أرجع إلى كتاب يُرشدني . وساعد لجوء التاس 
إلى أخذ الفتوى فى بعض المسائل الفقهيّة منى إلى اشتداد غيظه 
وحسده ء ولم أكنْ أعلم أنّ هذا الأمر يعتمل فى صدره » فأنا كنت أفعل 
ما أفعله وأمام عيني قوله صلَى الله عليه وسلّم : «يَلّغُوا عنّى ولو آية» 


546 


لم يُطق الخطيب الصّبر طويلاً علي » ولا أدري إنْ كان ذلك منه أم 
بدافع من إدارة الجن ؛ فلقد أعد خخُطبة من خخُطبه عي » وقال فيها : 
إني مدد ون ار اء التي أقول بها شاذّة » وأنني إن استمررت في 
فعلي فسأضٽل المساجين وأصيبهم بداهية دهياء بالرّغم من أثني أرى 
نفسي مُعتدلاً بل أقل من ذلك . وفي السّجن يومئذ عددٌ غير قليل من 
أولئك المُتشرّبين للفكر الجهادي » ولم أكنْ معهم » ولا مع آرائهم » وكان 
يُمكن أن يتوجه بخطبته إليهم إن أراد » لكنه تركهم واستفرد بي 

بعد أن أنهى الخطيب خطبته » وصلى بناء وهم با خروج ؛ وقفت له 

في الطريق » وجذَبِتُه من ذراعه : «ما هذا الكلام الذي : تقوله ؟ أتشهر بي 
على المنبر ؛ وعلى مسمع من هؤلاء الْصلَّين جميعًا؟!» فقال لي : «إنّني 
لا أقصدك » ولا أعرف من أنت» . فقلت له : «دعك من التغابي » أنت 
تعرفني أكثر واحد في الجن ء فأنا المؤدن وأنت الأمام » فكيف لا 
تعرفني » . تلكأ قبل أنْ يقول : «ولكن الخطبة لم تكن عنك» . فأجبته 
«أنا أعرف مثلما أنت تعرف أنها عني ؛ ولكتني أعرف كيف أتصرّف» 

بعد يومّين » بلغت علي السّنيد أثني ي سأضرب عن الطعام » لسموء 
المعاملة . وبب حطبة هذا الأقّاق » وأنه إذا لم يُحاسّب على فعلته 
فسأظل على إضرابي كان من الْمفتَرّض أن أقدّم استدعاء الإضراب 
قبل الفطور . ولكتّني قدّممّه لإدارة الجن السّاعة العاشرة صياحًا » 
وفطور الجن فى السّابعة . فقالت لى إدارة السجّن : «ما هذا؟ يجب 
أن تُقدّمه قبل الإفطار في الصباح» . فأجبتّهم : «أنتم ما شأنكم؟ حذوا 
استدعاء الإضراب » وبعد قليل سيكون قد وصل الفضائيات» . وكان 
ذلك إيذانا متي بالنّحدّي . ولم أكذب فيما قلت ؛ ففي عصر ذلك 
اليوم » كان علي السّنيد قد أوصله إلى كثير من وسائل الإعلام . 


547 


(553) 
ما أكثرالجهلة الذين يملكون رقاب التاس ( 


عصرًا كان مدير الجن قد طلبني وامتدعاني من زنزانة 
الإضراب » قال لي : «يا رجل » صار حبر إضرابك واصل للجزيرة على 
الشريط الإخباري! من قد أبلغهم بذلك وأنت اليوم بدأت الإضراب؟ 
فقأجبته «أناء لقد تحدّثت مع أخى وهو الذي أبلغهم بذلك» . فدهل » 
سالته أنا : «وماذا كان صدى ذلك؟» 

قي نفس اليوم وقت المغرب › جاء مدير إدارة السجون . كان 
الإعلام قد دفعه لاحتواء الموقف بنفسه »لا يأتي إلا للضرورة . قال 
لى : «من حقك أن تضرب ء لكن من حقنا أن نعرف لاذا» . أجِبثه : 


«السّبب هو شيخ المسجد ء خطيب الجمعة . لقد ألقى خطبة عنّى » 
وكل من في المسجد فهم أنني آنا المقصود , أصلًا هذا الشيخ تافه » 
ورجل شوارع » وكان يدور قبل أن يري ذقنه في الحارات من حانة إلى 
حانة » ومثله مثل الكثيرين كان يُخبئ الموسى فى ثيابه لييدأ حفلة 
التتشطيب بعد حفلة السُكر ‏ ولا أدري كيف استَأمَنتموه ليصبح خطيبًا 
يهدر بخطبته أمام التاس وهو لا يفقه لا من الدّين ولا من العربيّة 
شيئًا ؛ أنا أريد أن أعرف من وظفه إمامًا وخطيبًا؟!4 . ظلّ ساكنًا لاه لا 
ا ا سر ادنر مر ف 
بادرثهما بالجواب : «أنا أعرف مَنّ وظفه ولا أريدك أن تجيبء أنا 
سأجيب : وظفه مفتي الأمن العام لأنّه ابن أخيه , وهو جاهل وليس 


548 


لديه علم . وغاظه أن التاس صاروا يأتون إلى ويتوجّهون إلى بالسّؤال 
بدلا منه » فغارٌ متي وخان فيما يقول . فكانوا حين يسألون عن مسألة 
وف لهج انها بورد اة لقف اتا الدقائسة +ومال لنا عبر هدا 
الكلام » وحين يحدث بيننا حلاف ٠‏ أقول للشيخ : الحكم هو كذا 
وكذاء وتعال لنرجع إلى المراجع » ونرى مَن متا على صواب ٠‏ والحكم 
الشرعي في هذه المراجع غير ما تقول » ومن هنا نشأت هذه العداوة 
بيني وبينه » فصا يُخرج عني دعايات أنلني متشدد وأنني من 
التكفيريين ؛ ومن أجل ذلك اضطررت إلى الإضراب » مشكلتي أنني 
نحت کا وشو ذو لان قري و كله عد امير وعفد الاس 
الوقائي مسموعة ٠‏ يقولون هذا شيخ » ولجهلهم هم الآخخرون » يظنّون أن 
كلامه صواب . ما أكثر الجهلة الذين يملكون رقاب التّاس!» . لم ُحر 
المديران جوابًا . أعادانى إلى الرّنزانة » وتلاوّما كان عليهما بالفعل أن 
داك لاسو تسن اخ ف ا ای 
الزتزانة بعد أنْ وسّطه المدير کے القويّة 7 قال ل «أنه 
إضرابّك . وأنا سأجعله يعتذر لك» . استجبت للنائب الحترم . أنهيت 
الإضراب . وتم استدعاء الشيخ من بيته » وجلسنا جلسة مصالحة في 
السّجن . اعتذرء لم أكن لاحقد على مسلم . شهر بي » ورماني 
بالفلالة » وألب علي القلوب » ولكتني قلت له في الجلسة : «لا بأس 
أنا سامحتك» 

عدت إلى كاب في تاريخ الصو »لم يكن كتاب عبد 
الوهاب المسيري في الموموعة الصهيونيّة ليد خل إلى هنا . كان من 
العسير جدا أنْ يتم ذلك » ولكتني كلفت به أحد الأصدقاء » أنْ يأتيني 
بالموسوعة كاملة > أريدٌ أن أعرف كل شيءٍ عن هذا العدو الذي درك 


549 


ولا إلى شسريك ولا إلى جار في عن عن لانم وسكا تددن ل 
وتغيرت القناعات ما دام يحتل ) أرضي 3 ويخنقني على ثرى وطني . 
كنت أريد أن أقرأ أكثر عن الصّهونيّة وعن المذابح التى قاموا بها في 
فلسطين ء هم يريدون لنا أنْ ننسى » وأنا أريد للأجيال أن تتذكرء لا 
أريد لليف أن يُغْمّد » ولا للرّمح أن ينكسر » ولا للراية أن مرق » حتى 
إدا خحرجوا من دورنا » ومن رملنا ٠»‏ ومن ببحرنا 4 وأقلعوا عن سمائئناء 
فليتبعهم الشيطان إلى الجحيم . 

إن تاريخحهم من ا ججازر في أوطاتنا له يمكن إحخصاؤه آندا « لان 
عدد المجازر فيه ينفلت من الحصر لكثرته » فهم منذ مطلع القرن 
العشرين وهم يُعملون فينا قتلاً وذيحًا » ونفا وملخاء فجّروا أسواقنا 
في حيفا وفي القدس › وجعلوا الأشلاء تتناثر على الطرقات في 
الشوارع للآمنين العرّل » وما كانوا يقدرون على المواجهة » كانوا يأتون 
متخفين بلباس الجنود الإنجليز» أو يضعون قنبلة في صندوق في سوق 
خحُضار مُكتظةٍ بالتامن ويهربون › أو یرکون ا مليئة بالمتفجّرات في 
أمكنة" تجمع الاس ويغيبون ٠‏ إتهم أصل الإرهاب ومنبته وجذوره » 
ونحن ما زلنا نؤمن بالوردة التي يضعونها على طاولة المفاوضات ونكفر 
باخنجر المسموم الذي يخقونه نحت تلك الطاولة > أو رواء ظهورهم ' 

صنعوا الوت في الهولوكست ليبيعوا ديم العالم » وليشتروا دولتهم 
اللقيطة . ويستدروا عطف القوى الاستعماريّة من أجل كيانهم 
الغاصب : (إنّ بريطانيا تنظر بعين العطف . . .» كما قال بلفور . لقد 
حولوا الموت إلى أسطورة من أجل أنْ تذل أعناق الدول ويظلوا لها 


خاضعين . ويتم من بعد تسويغ كل جريمة يقومون بهاء وتصبح 


550 


الهولوكست علكة البغي تمضغها متى شاءت » وتبصقها في وجه من 
شاءءا ت! 
كان سجن قفقفا قد بدأ يضيق علي » كنت ما زلت لا أرتاح 
و ل ل ا 0 
ففكرت أن أغادر هذا المنفى إلى منفى آخحر إن استطعت . لحأ ت لأعرّي 
نفسي إلى الختارات الشعريّة »طف بكتاب الحماسة لأبي عام 
وكتاب التذكرة السّعديّة تعجّبت من قدرة الشعر على صُنع هذا 
العزاء » يُصحكنا إِنْ أرذنا » ويُبكينا حين نحتاج للبكاء » ويبعث فينا 
الأمل إن رف في قلوبناء ويُوئسُنا إن شاء ء ويدفعنا إلى صنع 
المكرمات ٠‏ ويحثنا على المعالى من الأمور . 
كنت قد بدأت أحفظ ما أستطيع من حكم الشعرء وأدوّنها في 
دفتر أسود » من دفاتر الأجندة » ملأت به مُخمتاراتي الخاصة » التي 
جممْئها من بطون الكتب . وخطر على بالي موقف الإمام منّي 
فتذكرت القائل 
ماضرتي سه العام ولم يرل 
ذو القفل يَحسُده ذَوُو التقصير 
لم أكمل شهوري السّمّة في سجن قفقفا كنت أريد أنْ أغترب 
من جديد » ووجدتني أردد مع أبي تام : 
و في الحي مُخلق, 


سے ^ 


لَديْبِاجَتَيَه جَتَيْه فاغترب تتجدد 
آنذاك » كان سجن آم الولو في محافظة (المفرق) قد افتتحء 
فقدّمتْ استدعاء لأنتقل إليه »وتم لي ما أردت » وكان ذلك في 
1۰۰4/0/۹ 


551 


CW) 
أتا سمكة صغيرة جدا تسبح‎ 
في محيط هائل مليء بالحينان‎ 


ها أنذا أحزمٌ أمتعتي من جديد ء أغادر الجبل إلى الصّحراء مرة 
ثانية » إلى الرمال الصفراء » إلى الحكمة »فما من شعر خالد إلا أنببته 
الصحراء . هناك سأبداً رحلة جديدةٌ ,مع سجن جديد ء إن السّجون 
في بلدي مثل المشافي » لا تفتأ الدولة تُقدم لكل مُحافظة سجنًا 
ومّشفى ء كأنّما أحدهما صورة لأر » فن في السجن مرضى »ء كما أنّ 
في المشفى ماجين . مرضى السّجن لا يحتاجون إلى دواء » ومساجين 
المشافى لا تعوزهم الحرية 

كان ذلك في مساء يوم دافئ » وصلنا إلى السّجن في السّاعة 
السّادسة مساء » نسمات منعشات يعبثن بوجهي » وأرض منبسطة 
تتورّع فوقها مضارب بني حسن الكرام ورفقة سهلة على طول 
الطريق » وزنزانة مُتحرّكة حديئة لا تفوح منها رائحة البول » كل شيء,ٍ 
يبعث على التّفاؤل > باستثناء الجدار العالى ليمت الذي استقبلنا 
أوّل وصولنا إلى هناء والشك الذي يعلو أمتاره اللمخمة كان الحدار 
أبكم » أجرد » لا شيء فيه ينطق ولو همسًا. حتّى إتهم أبقوا على 
إسمنته الرّمادي المصقول كأته قطعة فولاذ دون أن يلوّنوه بأيّ لون . 
بهذه الصّدمة البصريّة استقبلت الجن » وإنّ كان لم بر على الانتهاء 
من بنائه إلا أسابيعٌ قليلة 


552 


حملت متاعي القليل › امل عرب يدخل بلط غريبا .كن يدي 
حقيبتي » وفي قلبي هواجسي › وفوق كاهلي جال من الحزن . 
وضعوني في مهجع في غرفة في طابق علوي . ممتلئة بالزّعران » كاتت 
الألفاظ البذيئة لا تتوقف على ألسنتهم لحظة . كان أمرًا في غاية 
الإزعاج 5 سألتهم أن يكفوا فاعتبروني دودة اقتحمت عليهم مزرعتهم » 
نظروا إليّ بازدراء » ولولا اني كنت أحافظ على مسافة بيني وبينهم 
لداسوني » واستسهلوا سحقي 

OEE‏ »فهذا لا يكون إلا لمن 
حل في المكان أوّلاً ‏ والمحاصصة تتم للذي يفد قبل غيره ولو بيوم 
واحد . ومع أن الستجن حديث » وفيه مُمسع إلا أتني آثرت الانسحاب 
من السّباق قليلاً في البداية نخد كسس E‏ التي يندى لها 
الجبين ٠‏ ولم أعش الحظة استقرار نفي واحدة . إلى أن جاء اليوم الذي 
كان يتشاتم فيه اثنان كمالو كانا يمارسان حياتهما الطبيعيّة وانفلت 
أحدهم فقام بسب الدّين . فلم أتمالك نفسي » وثبت مثل ملدوغ › 
ومشيت نحوه بِخْخُطًا عصبيّة » ومددت يدي عاليًا ولطمَّه على وجهه . 
لم يستوعب السّجين أثني فعلتها. ؛ تحستس وجهه ليتأكد من أثني 
فعلتّها » فلطمْئّه مره ثانية ليُدرك الحقيقة التي يحاول البحث عنها . 
واعترتّنى رجفة في جسدي › » وآتا أقول : «لو سمعتّك تسب الدين مرة 
ثانية فسآشط وجهك بالمشرط» . هجم الرّعران الآخرون وكان عددهم 
ستة لينتصروا له » وبدؤوا يضربونني ويلكمونني وأنا أدافع عن نفي » 
وعلت أصواتهم بشتمي وشتم عائلتي ٠‏ وأنا أتوعّدهم وأتفلت ما 
لولا لُطف الله . ولم أهنّْ لهم » فلمًا رأى أحد الصامتين الذين آثروا ألا 


553 


يتدخلوا في العراك صمودي ورأى أن الكثرة اجتمعت على » فرّ من 
مكانة وان داقع عتى ٠‏ ويضرتهم + می لی غلبم فی وای هذه 
وتفاقمت المشاجرة حى علت أصواتنا فوصلت إلى خارج المهجع . 
وهُرعت الشرطة إلى المكان . وقامت بفض الاشتباك › وتهدثة الأمور 
التي لم تهداً . وتقدّم و > وتقدّمت أنا 7 
ضدهم » وكانت النتيجة أن حكمت أسبوعا منع زيارة على أساس 
خالفت القوانين بضربي لأحد السَجناء ء ا الذي سب الدين 0 
أسبوعين منع زيارة » والّذين انتتصروا له کم كل واحد متهم أسبوع 
منع زيارة مثلي ء ثم ارتأى رئيس القسم درءا لتفاقم الأوضاع أن ينقلني 
من مهجعهم إلى مهجع آخر » كان ذلك سيريحتي » بل هو ما أسعى 
إليه » فناداني إلى مكتبه وأخبرني بذلك » ولكتني رفضت ., وقلت له : 
«لن أجعل ساقطًا يتسيّب بنقلي من غرفتي » ولن أجعل (الزعران) 
يقولون : إن هذا الاقط قد اضطرنى إلى الانتقال بسببه إلى غرفة 
أخرى» » وقلت له : «لن يتم ذلك إلا عنوة » إلا إذا حملتموني حملًا أنا 
وأغراضي ؛ وقذفتم بي إلى الغرفة الأخحرى» . وخفت إضافة إلى ذلك 
أن يستفردوا بالسّجين الذي انتصر لى » فيقوموا بضربه ضربًا شديدًا 

عند ذلك أحس رئيس السب امش خعلة نرت ديه ونال 
للعسكر : «اتركوه الآن . . . سنرى كيف تُطوّق المشكلة» . ثم تحدّث 
معه مدير الجن وقال له : «إن الدقامسة لا يريد أن ينتقل إلا إذا 
نقلتم معه السّجِين الذي انتصر له» » فقال مدير السجن لرئيس 
القسم : «أنا أعرف عناده » ولا أريد للقضيّة أن تتفاقم أكثر من ذلك › 
ولکي ندرأ عتا شرّه انقلوه كما أراد» . فتم نقلي أنا والسّجين الآخر إلى 
مهجع آخر في الطابق الأرضي . 


554 


عندما دخلت إلى الغرفة » كانت الغرفة لم يمرّ عليها أكشر من 
أسبوع من تاريخ تسكين التّزلاء فيها » فالسّتجن كله بناؤه جديد . لکن 
الطابق السفلى 
من الحمّامات التي في الطابق العلوي إلى الطابق السفلى » واستغربت 
كيف استطاع نزلاء هذه الغرفة أن يتعايشوا مع هذه الرائحة الكريهة 
الفظيعة > وتأكدت أنهم كانوا يعانون » ولكن لم تكن لديهم الحرآة 
الكافية ليشتكوا فهذا طبعًا كله فاد . فى فترة الطعام حين حرجنا إلى 
المطبخ من أجل الحصول على وجياتتا » عبرنا مهاجعنا إليه في عر 
أعرف أن مرا يمكن أن يكون فيه هذا الميلان الواضح للعيان ؛ كان الممر 
طوله حوالي )۴٠١(‏ مترء وتخميّلت أتني لو كنت أركب سيارة فإنني 
في بداية الطلوع مأقوم يعكس الغيارات حتّى أحافظ على (لنس) 
السَيّارة » فهل هذا مر؟!! 

الأمر واضح إذا ٠‏ يبدو أن عملهم كان كله فسادًا في فاد وأن 
التعهّد الذي بنى الستجن متواطئ مع جهة مُتنفذة ما في الدّولة حى 
استطاع أنْ يحصل على العطاء » ويُنفذه بهذه الطريقة المتهالكة .من 
أجل ذلك قمت بتقديم شكوى إلى مكافحة الفساد » كان مدير السحن 
آنذاك محترما ونائيه كذلك . حاء نائب المذير هذا وكشف عن المكان 
فقال لي : «معك حق!! والله إنك مواطن صالح »أنا لا أدري كيف 
احتمل هو لاء أوساخ الذين فوقهم» . فقلت له ممازحا : «هذه عادة الذين 
فوقنا دائمًا ؛ يركبوننا ء ثم يبولون عليتا» . فضحك . وأثنى علي من 


555 


جديد » فقلت في نفسي : «والله هذا مسؤول حشم » وسأعتمد عليه 
في توصيل صوتي يعدم السّكوت على الخطأة . وقبل الشكوى مني 
وقام برفعها إلى مكافحة الفساد »› ولم يكن المدير آنذاك على رأس 
عمله . وتوالت وفود المدح لهذا المواطن الصالح الذي هو آنا ء وجاء أيضًا 
رئيس القسم وقال لي : «والله إنك أعجبتني لأن البناء غير صحيح 
فعلا» 

كانتت الشكوى تتضمّن أنه وجد تسرَيًا في الحمامات » وتشققا 
في الا سطح والجدران . كانت التشققات مخيفة » وطلت لنة 
هندسيّة لتقوم بالكشف عن البناء وتعد تقريرًا لتقويم الوضع وحساب 
العمر الاقتراضي لهذا البناء . أنا أعرف أن العمر الافتراضي يجب أن 
يكون على الأقل )٤٥(‏ عامًا لكننى حين رأيت هذه التّشققات قلت إن 
هذا البناء لن يصمد أكثر من )٠١(‏ سنوات » وس 

جاء في ذلك الوقت مساعد مدير الأمن العام للشرطة القضائيّة › 
كان نائب المدير قد أعطاه الشكوى قائلًا له «يا سيّدي هذه الشكوى 
مقدّمة من أحمد الدّقامسة» »فرد عليه : «والله هذا مثال المواطن 
الشريف» . عند ذلك . فرحت » وشعرت بان الشكوى ستصل وستأخحذ 
مجراها الحقيقى > وأن دائرة مكافحة الفساد ستقيض على التي 
بهذه الاخطاء الشتيعة وستّحاسبهم . وت على هذا الحلم » والأحلام 
فخاخ كما قلت . فلعلي وقعت في فح قرَبنّه مني دون أن أدري . بعد 
ذلك حدث مالم أتوقعه ؛ لقد انقلبوا جميعًا ضدي . نائب المدير 
انتقل . والمدير كان جيّدًا لكته قال لى : «الأمريا أحمد أكبر منى › 
ونحن لنا على قدر ذلك لي a O‏ 
«بالئنبة لي سوف أتابع الشكوى مع من ¿ أعرفهم في الخارج» . بعد 


556 


تقديم الشكوى بفترة جاء إلي مهندس » بالطبع كان معه فريق كامل من 
الخبراء من الشركة التي قامت ببناء السّجن . كانت الشركة لم تكن 
قد سكنت العمل بتكل زت فالنتاة ديت عدا 4 ولو أن المجامتة 
ع اقفن اهدعا مدن لمن مال ولک الذى يحدزف كي 
لذي تعمتّى أو تريده خير بلدك وأمّتك . جاء المهندس إلى غرفتنا 
وسال عن شخخص أسمه أحمد الدقامسة » وقال : «أريد أن أتعرّف 
عليه» › قلت له «ها أنا ذا» وعرّضت أكتافي على أن قُوّة احق معي 
وهي تغلب كل قوة . طلب مني أن يرى التسرّب » فأخذته إلى غوذج 
من نماذج التسرّبات » فرأى الحَجَب العٌجاب » ولريّما أنكر أن شركته 
(العريقة) ترتكب مثل هذه الكوارث في البناء . بعدها أخذني من 
يدي بشكل فردي » قال لي : «أريد أن أمشي معك قليلاً في 
الساحة» . نظرت إليه مُتشككا : «لاذا فى السّاحة ء فليكن ما تريد قوله 
هنا» . أجابني بلهجة يقصد من ورائها أن يُطمْئنني : «أريد أن نكون 
وحدتا لاسمعك بكل جوارحي» اسفن ع له نا مما جارج 
الهج + ولا صرنا خالين من أحد إلا متا سألني : هما الذي حدث؟» 
انعفر يك الفا » لكتني قلت له «لقد رأيت بأ عينيك» . شد على 
يدي المُمنى التي يحتضنها بكفه » وغمزني بطرف عيتيه » وقال : 
«سمعت أن حالتك الماديّة ليست جِبّدة» . قلت له مُتجاهلاً ما يرمي 
إليه من وراء هذه العبارة الحمّالة للأوجه : «الحمد لله مستورة» . تابح هو 
بشدة أخرى على میتی «سمعت أن لك ابتا فى التوجيهى؟» . 
(يقصد سيقًا) فأجبته : «نعم!!» . فقال لي : «أبو العبد يلم عليك 
ويريد أن يدرس ابنك فى الجامعة على حساب الشركة» . فقلت له 
ساخمرًا : «بارك الله به ؛ والكّمن؟» . فتجاهل ملاحظتي وأكمل : 


557 


«سمعنا أن عند زوجتك سيارة هونداي » وهذه السّيارة لا تليق بمقامك › 
ولا بمقام أهلك » ومدير الشركة يحب أن يحدّث لك السّيارة ما يتناسب 
مع وضعك الاجتماعي العالي» . عندثذ صعد الدّم إلى رأسي » وقلت 
له وأنا أضيّق عينى : «وما المقابل لذلك؟» . فقال لى : :أن تحب 
الشكوى» وز كتفيه ء وتابع : «فقط!!» كانت كل يد في تُريد أن 
تصفعه > لكنني تمالكت نفسي ء وأجبته بحزم : ٠‏ تريد أن تشتريني يا 
قليل الدمّة »لن أفعل ذلك › ولو ساومحموني على حياتي أيّها 
الأنذال!!» . فقال لى يسترضينى عندما رأى غضبتى «هناك حل 
وسط ؛ اترك متابعة الشكوى فقط » لا تتابعها » ولا نريد منك أكثر من 
ذلك» . فطردته » وحدثتني نفسي أن ألكمه لكمة قبل أن يخرج ء أو 
ألطمه على وجهه لطمة قبل أن يُولي » وحين رأينّه مدبرًا تِنّيت لو أني 
أستطيع أن أتيعه بالشلاليت . وقررت باللحظة نفها أن أطلع التواب 
اّذين لي بهم صلة على الموضوع . وفعلت . وانهالت بعدها علي 
المضايقات التي لا تصدق » كان يبدو أتنى سمكة صغيرةٌ جدا تسبح 
في مُحيط هائل من الحيتان » وبدأ عمل الحيتان لتلفيق التهم ضدّي 
وإفراغ هذه القضية من مضمونها 

كان مدير الأمن العام قد تغيّر » وجاء بعده مَّن أهمل الموضوع »› 
واعتبرني مجنوتا ء وأنّ ما أفعله ضرب من الهذيان ء ولربّما كان كذلك 
في متطق هؤلاء الحيتان » وأصابني غم كبيرٌ لما يحدث » وانتكلت وأنا 
أفكر في الفاد الذي د ج ال » يقبض دراهمه 
الكبار» ويذوق مرارته الصّغارء ودخلت في نوبة تفكير ولم يكن لدي 
من وسيلة حينها إلا أن أعلن إضرابي . ففعلت .لم يُصدَق أحدّ أن 
سجيئا لا يدري أحد عنه يُمكن أن يُحاسب فاسدًا تتضخم ملاب 


558 


في الأرصدة على حساب مصلحة العامة » وينتفع برذاذ ملايينه مراض 
التقوس من المسؤولين . تفاقم سوم حالتي الصّحّيّة » مسُحبّت الشكوى 
بقليل من الرّشوة › وبقيت مُصرا على الإضراب » كنت في الرّنزانة 
أذرع أمتارها الثلاثة محتارًا ءلم أكن لاأهداً ولا لاستقرٌ على حال ء وأنا 
أخاطب تفسي : دن المسؤول لو غش في فلس فَإنّه سيكون بمثابة 
التقب الذي يُنقب في جدار الامّة » وسيتدقق من بعده الفسذئة 
والحشعون وأولاد الحرام كما ستتدفق يأجوج ومأجوج من الك المنيع» 
ولم أستطع التوم لشلاث ليال » ونحلت حتى صرت لا أعرفني » ولم 
أجذ ما أتسلى به فى مشاعري غير البكاء » وبكيت من القهرء وكنت 
أقول لنفسي : «إِنّهم بدلاً من أنْ يُكافئوني بكشفي لبور الفساد ها هم 
يُعاقبونني» . وشعرت أنْ لا عدالة في الدّنيا كلها . وأظلمت الذتيا في 
عيني » وسقطت على الأرض » وبقيت ساعات فاقدًا للوعي » قبل أن 
ينتبه الحرّاس لي » ويقوموا بنقلي إلى المستشفى » كانت مشاكل القلب 
آنذاك قد بدأت ت تتفاقم » وكان هناك اشتياه ه بجلطة فى القلب » ولم 
وبقيت في العناية المركزة أربعة أيام . 


559 


(1A) 
إتماالتوم حجاب‎ 


دخلت مستشفى المفرق بعدها مرارًا . كان القلب لا يهداء 
سكن التدعير في كل ا ذلك على و كنت فيفا 

تاعاق الك ا و وأحيانا الرجلين . لكن فيما 
بعد صرت أذهب إلى المتشفى دون قيود . لكن بحراسة مُشلدة › 
حين حرجت من الرّنازين كانت حالتي الصّحّيّة مُتردية » عاودت 
الذهاب إلى المستشفَى غير مرّة » كنت أوضّع في غرفة خاصّة » غرفة 
نظفة مرتة + وكنت أقائل عن قل هدي العفى لاطا والممرضين 
بترحاب كبير » ويبدو أنهم كانوا مُتعاطفين معي ومع قضيتي 

غرفتي في المهجع تتحول مع طول الرّمن إلى وطن › ودوام العشرة 
إلى ك ٠‏ ولا ادرق جم من ال رطان كي وكم عن الاي تعيش 
0 . وسكان المهجع يشبهون سان أي وطن > يُشبهون البشر كما لو أن 
الأمر يختلف باختلاف الجغرافيا فحسب» فهم يأملون وييأسون . 
يفرحون ويحزنون » تر عليهم أوقات عصيية » يتطلعون إلى الأفضل 
حتى ولو کان على مستوى مفرش أو وسادة جديدة » إتنا نعيش العالم 
الذي يعيشه كل واحد في أي مكان » فقط نختلف عنهم بفقداننا 
لحريّتنا ؛ واي مفقود عظيم هو!! 

كان أحدٌ التزلاء معي في الغرفة له أخ آخر في مهجع آخَر» وقد 
حاول غير مرّة أن ينقله إلى مهجعنا لكنّه لم يتمكن من ذلك »لم يكن 


560 


من السّهل السّماح لسجين أن ينتقل من مكان إلى آخخر » ولو كان 
جَمْعًا لاشقاء ‏ وكَنّا نعيش في سجن (آم الّولو) في مهاجع معزولة 
تمامًا » على العكس من مهاجع سجن سواقة أو سجن قفقفاء كان 
سجن سواقة عبارة عن مر طويل متتابع تربض على طرفيه المهاجع › 
ويلتقي النزلاء بعضهم في أوقات الطعام » وكان سجن قفقفا أكثر 
حميميّة ‏ إذ هو ساحة مفتوحة على السّماء على شكل دائرة مُكتملة, 
تتورّع على محيطها الدّائري المهاجع › وكان بإمكان مَن يُطل برأسه من 
طاقة أحد الأبوان أن يرى كل المهاجع تستقرٌ أمامه بوداعة متناهية . 
امهم أن زميلنا السجين هذا عَيي لكشرة ما راجع من أجل ان يعمل 
أخحوه إليه ولم يلتفت أحدّ من المسؤولين إلى طلبه » وما كان بإمكانه أن 
يراه لا على طعام ولا على ساحة تشميس › »فكل مهجع كان له وقت 
طعام وساعة تشميس تختلف عن المهجع الآخر . ولق حاولت أنا 
بدوري أن أساعد في نقله إلى هنا » فما استطعت . 

في مساء خميسٍ أرجواني هادئ من الخميسات التي تتابع كأنها 
لا تهتمّ بالايّام الرّاكضة رک الوحوش التافرة » كنت جالسًا على 
برشي » بعد أنْ صليت العشاء » أراجع محفوظي من بعض الآيات 
والأبيات » وأخط على الدفتر الأسود بعض الختارات الجديدة سواء من 
لاو واو واو ات 
الماجين الاكنين معي في المهجع ذاته » وذهبا » كانت وجوههم تقو 
إنهم يعرفون باتهم منتطليون في هده اللخظات؛ نظر أحدهم 1 
مُرتبكا › وقالت عيناه كثيرًا من الكلام » وخرج . 

مرها يزيد عن ساعة قبل أن e‏ : «آه يا شباب » أين 
کنتم؟» . فقالا : «كنًا في زيارة نزيل» . وولج كل منهما إلى برشه كما 


561 


يلج الخلد إلى نفقه ا محفور . : نساءلت بيني وبين نفسي : « كيف تكون 
زيارة نزيل » والسجون مُغلقة » وليس هذا وقت زيارة » والعشاء أذن من 
رمن + والسباجين القاطتون في الغرف الأ خرى عليهم أن يكتبوا 
استدعاء قبل ذلك . وتتم مقابلة السجين عند ضابط الجناح حتى ولو 
كان هذا الذي يزوره أحاه» 

لم ير أكثر من ربع ساعة على دخول هذين السجينين إلى المهجع 
حتى جاءني تبليغ من أحد العاكر بأن رئيس القم يريد مقابلتي »› 
فذهبت إليه » وفوجئت أن بحضرته المدعي العام » ومدير الأمن الوقاتي 
ومدير السجن » وكل واحد من هؤلاء قد شحذ قلمه › وهيّأ يراعه . 
وبسط قرطاسه ١‏ وبرقت عيناه » واستعد لما هو آتِ .لم يُمهلنى أحد أنْ 
أسأل ما الذي يحدث » حين واجهني المدعي العام بقوله : «عليك 
شكوى لأنك شتمت الملك وولي العهد» . ضيفت عيتيّ في محاولة, 
لفهم ما يجري »قلت لعل السَجيتين لهما علاقة بالأمر» سارت 
بالقول لاتدارّك التّهمة الْموجّهة لى : «أنا على الناس العاديّين لا أسبّ . 
فكيف على الملك وولى عهده؟ كيف سأفعل ذلك وأنت تدرك أنه ليس 
ص شأني السباب ولا اللعان؟!» . فقال لي «الشكوى ين يد تقول 
ذلك ٠.‏ وهي مُشبتة عندي» . فتأكدت حينها من أثنى وقعت في فخ 
جديد » ومن آتهم يريدون تلفيق تهمة لي » وربطت بين خروج هذين 
السجينين وهذه الشكوى . فسألته : «من حقى أن أعرف من هو 
المشتكى على؟» . أجابنى وهو يهر كتقّيه بل" مبالاة : «الشكوى من 
السجناء» . فاته ER.‏ : «تعنى أن على قضيّة الآن؟» 
فأجابني : «نعم قضيّة » وقد سسُجَلتْ في المحكمة» . فقلت له : «إذن أنا 
أريد محاميًا » ولن أتكلم كلمة واحدة إلا بوجوده» . فقال لي : «من أين 


562 


نأتي لك محام؟» فأجبته وأنا أرتم من الغضب والقهر «مشكلتك . 
تُلفقون لي التّهمة › ؛ وتبحئون عن شهود لتُثبتوها علي »نم تحرمونني من 
حقي فى تعيين م 0 ؛ أي 0 هذه!!» . فأمر المدعي العام دوت أن 
يجادل بكلمة حينئذ بإلقائي في الزنازين الانفرادية . وبالفعل جاء 
العسكر لكي يقتادوني إلى هناك . فكرّرت طلبي هذه المرّة بهدوء : «أ 
أريد محامياة . قال المذعي العام : وله نستطيم إلآن» . فرددت : «أنا 
أريد محاميًا قبل كل شيء» . فقالوا لي : «عند محكمة أمن الدولة 
تطلب محاميا» وأكمل بازدراء, اك وخذوه إلى الزّنازين» . 
واقتادوني كخروفٍ يعد للذبح كانت دموع المهر وأنا أساق عبر الممر 
الطُويل إلى تلك الزنازين تنهمر على خدي »لم يسمحوا لي حى 
باع يض اوزاف او کی معو و ا کی :كان ذلك في الهريع 
الأخير من ليل الخميس » وكان يتوجّب علي أن أظل في الزنازين حتى 
صباح الأ خد حت اناق من جديد إلى محكمة أمن الدولة ٠‏ في زمنٍ 
يخون فيه الأمين › ويصدق فيه الكاذب . 

تلمَسْتُ الجدران فقد عميت عيناي من الدمع » كانت مُعتمة 
باردة تمع آنا فى شه موز . موحشة . مليئة با مخوف . والحزن 
والأسى . وأنا مذبوح لا أدري إِنْ كانت معتمة على الحقيقة ام أتني 
رأيتُها كذلك لان روحي مُعتمة » لأنّ روحي انطفأت ذُبالتُها مع كل ما 
أتعرض له » كان علي حتى لا أفقدني أن أستحضر من أحبّ فأحاوره , 
حضرت أمّي » كانت قد هرمت » هرمت على الحقيقة » إتها أكثر من 
ثلاثة عشر عامًا من المنافي المتتابعة » ومن الغياب الطويل » وهي تعاني 
في كل يوم ما تعانيه آم ألقوا بفلذة كبدها في الرّمضاء على الرمل 
اللآهب لأ نه أراد يومًا ما أن يكون حرا » وأنْ يتخلص من تبعيّة مَقيعة 


563 


ف اه مدي جد كك O‏ 
وبمتها تزداد سححرا : بعتت ای ميعدت . أترى ثلاث عشرة 
خطوة من الطريق مضت ءلم يبق إلا بضع خطوات قلائل بتر 
جميل يورث رضًا أجمل» . ثم غابت في سدفات الظلام » تمددتْ على 
الأرض الإسمنتية ءلم يكن من شيء ليقي عظامي صلادة الأرض : 
على النعاس » جاءني الشيخ عبد الرَرّاق »مد يده لم أقهم ماذا كات 
يريدني أنْ أفعل . هبط من وقفته . قرفص فوق رأسي » مسح على 
جبينى ٠‏ وقال : «هيّا يابنى › اتبغنى» . دائمًا يألنى أن أتبعه. 
جع ا لوی باب ا ولم يكن عن شرطلى وا عجري 
يعترض طريقنا ء > مشى بثقة 3 تعجبت منها » كان الفجر ينشر نسماته 
على فضاء السّجن » وبعض الأشجار المزروعة في الباحة تلقي بأوراقها 
الناعة على أغصانها الليّنة في حالة استلام وخشوع . على البوابة 
الخارجيّة كان هناك بعضٌ الحرس › تعحَبْت مما فعلواء لقد أومؤوا 
برؤوسهم للشيخ ء وانحنوا وهم يُحيّونه » وفتحوا له ولي البوابة الكبيرة 
وخرجّنا » مشيّنا حتى وصلنا إلى مكان في عمق الصّحراء » كان خاليًا 
من كل شيء» ليس من حولنا ولا في الأفق ما يُسبئى بان هناك مَنْ 
كناو كنا هذه الخلوة . كانت التجوم فى درب الحليب تسيل بالتّغم . 
سمعت دقاتها وهي تُطوف حول مركزها في وله الصّوفيّين القدامّى 
جلس الشيخ فجلست » عدّل عمامته إيذانًا ببدء الكلام » هتف : ويا 
بني إن طريق الفوز صعبة » وإنّ الصّبر عليها أصعب » ولكنْ ثمرتها 


564 


حُلوة ٠‏ فإذا أردت أن تبلغ الغاية » فعليك أن تحمد الله على البلوى قبل 
الئّعمة ‏ يا بي إن طريقا ارتضيت أنْ تمشي فيه » وعلمْت عواقبه ليس 
طريقًا محفوفا بالورود » فلا تيأسن مما يُصيبُّك فيه ؛ فلن يُصيبّك إلا ما 
كتب لك » ولا تجزعن من أن تُتمّه » فان التصر مع الصّبر . يا بني إتما 
نحن غوار وعكا وریت مسكرذون وجا تن على فر وعما كريب 
مُرتحلون ء وإنما نحن موتى وعمًا قليل سنحيا » وإتما نحن في غفلة, 
وعمًا قريب سننتبه ٠‏ فإذا أردت أن ترد إلى الله عاريته فرد أطيب ما 
فيك ناذا ردت ا ترتحل فَيْحّذ أخفّ ما لديك » وإذا أردت أن تحيا 
فاملاً قلبك بحقيقته . وإذا أردت أن تنتبه فلا تنم فإتما التوم حجاب ؛ 
والذي على سَقر لا ينام» ثم قال : «يا بني إنما نبلغ متازل الأوّابين 
بطول البّكاء » فإذا خلوت إليه فلا تمنع قلبّك من أن يبكي ؛ أفرأيت إلى 
النبع لا يصفو إلا بعاد عكر نما قلوبنا ينابيع » ودموعنا مصافيها . يا 
بني إذا أحاط بك الكرب » فاعلم أن ذلك ما كان إلا بترك القرب » 
وإئّما يدرك القرب بأنّ تهبّه كلك ولا تُسمعه إلا ما يُرضيه » فلا تقل 
أصابني وأصابني » وأواء وليتاه » بل احمد الله » وقل : كفى بالله 
شهيدا بيني وَبينَكم» 


ory fone | cer 


JPdQqEIN® f 


565 


(59) 
لا نكونوا حجارة بكماء وله صخورا صماء ١!‏ 


يوم الاحد اقتادوني في الرّنزانة المتحرّكة إلى أمن الدّولة ‏ إن 
عذاب الارتحال من الجن في (المفرق) إلى محكمة أمن الدولة في 
(ماركا) ليساوي ضعف عذاب المثول بين يُدَيها هنا . انتظار العقوبة أشد 
من العقوبة قيا > كما أن انتظار ا موت يُحيل امون ف إلى آلاف 
الموتات المتتابعة دخلت على المدعي العام في مكتبه الذي نشت على 
الضجر »لم يكن فيه من ورد ولا لوحات ء ولا أي شيءر يُمكن أن يكون 
ملا للفؤاد أو العين » كان بلا رائحة 2 فقط رائحة الأوراق والحبر 
الُنبعثة من انكباب الكاتب الذي إلى جانبه في تقل ما يقوله سيّده » 
أي بلاهة هذه؟! شيمًا من المرونة أيّتها الدّولة » اذا أدخل إلى مكتبٍ 
مُضجر كهذا؟ لماذا لا تقع عيني إلا على هياكل ت تتحرّك كأتها الات » 
ترسم كل خحطوة كأتها تحاف أن تُحاسب على سواها؟ لماذا لا أرى لوحة 
لفان كوخ مشلا ء أو لوحة للمتنيّي مخطوط الج قربي أحد أبياته 
السائرات »أو آية من آيات الله الخالدات؟ لماذا لا تُعطرون هذا المكان 
بعطر فوّاح؟ أو على الأقل بكلمة طيّبة » فأ لم تستطيعوا فيبسمة 
صافية ١‏ فان لم 'تستطيعوا ss‏ ودودة» فن لم تستطيعوا فلا ل 
کان صريخكم اقتّطمَ جَزِء من لحمه ء فان لم تستطيعوا فاصرفوا عتا 
عيونكم » وأميلوا عنّا وجوهكم › وکقوا عنّا السنتکم › حتّى لا يُصيبنا ما 
أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح . ايها التاس كونوا ما شثتم » 


566 


لکن ل تكونوا حجارة بكماء ولا صخورا صماء!! 

لم يُكلف المدّعي العام نفسّه النظر إلى » كان مُنهمكا في الأوراق 
الى بين يديه يُطالعها . ويختار الجملة المناسبة ليرميها فى وجهى » قال 
بعد أن أنهى تقليب الأوراق : «عليك شكوى من فلان وفلان : فعرفت 
على الفور أنهما الجينان اللّذان خرجا ذلك اليوم من الغرقة › 
والشكوى تقول :» إنك هم ممت اللاك والملكة وولي العهد »> ومعدى ذلك 
أنك متهم حسب القاتون بإطالة اللان» فقلت له : «الله أكبرء 
أمعقول هذا؟» . ولم أكنّ بالفعل قد تلفظت بأي كلمة عن أي مسؤول 
أو أحد من أفراد العائلة المالكة ؛ لكنه لم يعر دهشتي أي اهتمام « 
وسألنى الؤال التقليدي : «هل أنت مذنب أم غير مذنب؟» . فأجبته 
«أنا أريذ محاميّاه . فقال لي : «لماذا لم تأت بامحامي معك؟» . فأجبته : 
«اسأل مُدّعى عام السجن لقد رفض ذلك . واليوم في الصباح رفضوا أن 
أتصل بمحام كي يأتى معي إلى هنا» . فقال لي : «لا بأس » أنا سوف 
أحكي مع إدارة السجون لكي تتكلم لك مع محام » واجعل محاميك 
E E‏ كه E‏ اي 
أخرى من القضايا الُتراكمة ؛ وسلسلة من الأسئلة e‏ 
وأخبرته أن يقابلنى صباح الاثنين ۲٠٠٠-۷-1۹‏ في محكمة أمن 
الدولة . وبالفعل قابلنى صباح اليوم التالى فى المحكمة » وجلسنا آنا وهو 
عند المدعي العام وتجادل معه حتى علت أصواتهما ء كان هم المدعي 
العام أن يأخذ إفادتي ويأخذ قرارًا بشأن واقعة شتمي للملك ‏ فقلت 


567 


للمدعي العام : «إن هذه الشكوى المرفوعة ضدي لها جذور قدية تمعد 
ألصقت بي تهمة إطالة اللان» . قال المدعي العام : «لا لن أسمع 
منك ٠‏ أنا لي فقط بالشكوى المقدّمة إلى؛ . فأجبته : «لا كلام لدي ء 
ولن أقول شينًاء . فلم يهتم لذلك »وتلا علي ما نسب إل من تلفظ 
بتلفيقها على لساني إلى هذا الحدّ » وفي لحظة ما بين تصديق أن مثل 
هذه الألفاظ وٌضعت على لسانى وبين استيعاب المشهد وتبعاته » نزل 
ضغطي » وارتفع المكر معي » تالت قليلاً من القهر > غامت الدنيا في 
AE E EEE‏ 
طن اقل لا ر أن أنستمط 4 انا ٠.‏ قف o‏ 
الجملة » وقعت على الأرض » كنت قد فد وعبي » رشو فوق وجهي 
الماء » فصحوت ٠‏ هزوني من كتفي » ففتحت عيني » كانت مروحة 
السقف تدورء قدارت معها عيناي » كاد يغمى علي من جديد مع 
دوران المروحة » أشرت إليها لكي يُطفئوها من أجل أن أتمائل للصّحوء 
لكتهم لم يفهموا إشارتي » رشوا مزيدًا من الماء ومسحوا به جبيني › 
قلت لهم : «أنا أعرف نفسى ؛ هذا هو السكري » هاتوا لى شينًا خُلوَا» 
جافا ء كنت منذ الصباح لم آكل لقمة واحدة » أنهضوني من الأرض › 
وأجلوني على الكرسي »ء وراح الأستاذ صالح يسح بالماء على وجهي » 
E‏ ا ا GSI‏ 


568 


حلقى» . فعلوا ما طلبّْت » وبالفعل عدت إلى الحياة . 

رق قلب الدّعي العام لي » وسمح لي بعدها بالحديث » وشرحت 
له ما حدث معي قبل سنة تقريبًا عندما قدّمت شكوى إلى المعي 
العام » وإلى دائرة مكافحة الفساد » ضدّ متعهد البناء على التصدّعات 
والتشققات التي ملأت مهاجع السّجن , > وفصلت له القصة › وبينت له 
جوانيها » وكيف حاول المهندس الْبتََتُ من الشركة أن يغريني برشوة 
نة . واستمع المدّعي العام بقلبه لي » وتأثر بجا قلت ء ورأيت عيتيه 
معان » وضغط يأصاء بع كفه اليُمنى على جبينه »ثم خلع نظارته 
وقال : «لا حول ولا قوة إلا بالله » حسينا الله ونعم الوكيل» . وعرف أن 
رجل القانون أحياثا يجرحه القانون » وأحياتا ربّما لا يتطيع أن يُفلت 
من منشاره تام الإفلات » فيصيبّه أو يُصيب بعض ثيابه . نظر إلى 
وقال : «حُكمّك هو سنة ء وأنا سأجعلك موقوفا لنة كاملة حتى لا 
CC SE‏ يده اك اجا كحي صب الذء a‏ 
وبالتالى لا تقضى أي مده فوق مُدَّتك . . . وفى الحقيقة لو أتنى دفعت 
IL‏ ا ا e‏ 
يحكم القاضي عليك بالبراءة » ويُمكن أن تكون سنة » وهو الأغلب » 
وأنا أرى أن تظل موقوقًا أفضل ء وتُحتّسّبٍ لك من مدّتك الكاملة . 
وهذه الطريقة ة لها منفذ قانوتي ء وأنا أرِيدٌ أن أساعدك لأتني علمت 
صدقك . قبل الحكم بأسبوع سأكفلك من هذه القضيّة وأنت في 
السّتجن ء وينتهى الأمر هنا» 

فما بعد عرفت أن القترطة حى ال قاست باستغلال السّجين 
الذي فى غرفتى وأراد الانتقال علد اعا انتقال أخخيه إليه ؛ فقد 
ساوممّه على نقله إلى غرفة أخيه إذا قدّم هذه الشّكوى ضدَي!! 


569 


بعد القضيّة تقلت من الغرفة التي كنت فيها . وأودعت في غرفة 
ثانية » كنت في غرفة ١(‏ ب) فنقلت إلى غرفة (” ب) »و هذه الغرفة 
الجديدة لم تكن جيّدة . وغير مُهِيّأة . . وهي طابق ثان » وأنا لا أحب 
أن ااا اوو طن هذا شك ف سيل إدارة الجن 
بالزّنزانة أسبوعًا عقوبة على (رفض تصنيف) . ثُمّ امتنعت عن الطعام » 
وهو رتلف عن ال را . بأنّ اضرب يكون مُضربًا فحسب »ء 
لكن الممتنع يكون موجودا في الزنازين لعقوبة أخرى » فيقرر أن يُضيف 
إليها الإضراب عن الطعام » ولكتّهم يُسمّون ذلك حيتكذ الامتناع عن 
الطعام ء وقد امتنعتُ عن الطعام لثلاثة أيام د 
وأخذوني إلى المستشفى ء فرفضت الدّخول إلى المستشفى . . 
کت أريد أن ات أكثر اشا RE SS‏ 
أكثر لأرفع صوتي عاليًا بالاحتجاج على هذه القضية التي لفقت لي 
داخل الجن . ومن أجل ألا أنْ أنتقل من غرفتي الأرضية ١(‏ ب) 
إلى الغرفة العلوية (5 ب) 

وتوصلوا معي إلى تسوية : أفك أنا إضرا. بي » ويتم نقلي من غرفة 
١(‏ ب) إلى غرفة أخمرى غير ١(‏ ب) » ووافقت . كان حلا وسطاء 
وأحيانًا يُساعدك في حفظ ماء وجهك وماء وجوههم » وعليه أنْ تكون 
مرنًا وتقبل به حتّى لا تبوء بسوءة » وتذكرت ما قاله زهير : 

وَمَنَ لم يُصانعٌ في أمور دة 
ا ن وتوطا بعس 

الجن جي ا وكل ما قية عهيب +والقادموة إليه أعجت: 
وشخصيّاته مُتفرّدون على المستويات كاقة » وإنك إن ذَهبْت تبحث عن 
نظائرهم خارج الجن فلن تنجح »إن أمثلتهم هنا تادرة هناك » وإنّ 


570 


الحظ إذا كان صديقا لك فسيجعلك تلتقي بنماذج عبقريّة . حدث 
ذلك حين ضَمَمّنى غرفة واحدة من عام 7٠٠٠١‏ مع مُختلس ءلم يكن 
مُختلسًا عاديا . كان قد اختلس من وزارة الزّراعة )۴٠١(‏ ألف دينار» 
سا الأقدار إلى . كان حفظة » ادعى أنه يحفظ مئة ألف بيت من 
الشعر وإِنْ كنت أشك في ذلك »إلا أتني سمحت منه خلال صُحبتي 
له التي استمرّت سنّة أشهر ما يزيد عن ألف بيت وكان مُتقنًا حقا 
كانت صُحيته متعة ء وأتاح لنا ذلك أن نتاقشن في أمور أدبيّة 
شتى » وأنْ نتذاكر من الأشعار السّائرة ما يُعين على مواصلة المسير في 
الطريق الى لا تكاد تبدولها نهاية » ولقد كُنَا نتحدّث عن اختلاسه » 
فقال دَعْكَ ممّا يقال ويُشاع ء ما أخذث ًا حيبي على شد 


حاجتي ؟ لقد أطعمكت طعمت بالمال أفواها حائعة 34 ة » وأسكت بالإطعام معدا 
حاوية > وراح ی بأبيات لم أسمع بهن. من قبل > فقال : ألم تمع 
بقول الشاعر : 


وإ ألا ذا مال قليل أجل به 
وإن تتعر عوجي على ا يحت 
فلا امال بيني حَيائي وء 
ولا واقعات الدهر يقلن مبردي 
وإني لمغط ماوجدات »وقائل 
وقد ناري ليلة الريح أؤقد 
فطريّت لما قال » واستادَنّه في أن أكتب هذه ' الأشعار في دفتري 
الأسود كانت تلك الندابة > وللتاريخ فقد ملأت أكثر من خمسين 
صفحة فى الدقتر بأكثر من ممَتَى بيت مما سمعتّه منه 
قال لي مرّة : «ماذا تعرفُ عن عرار؟» . فأجِبّْه با أعرفه عنه ء 


S71 


وقلت له إنني قرأت كتاب البدوي الملثم (عرار شاعر الأردن) » وتلوت 
على مسامعه بعض أشعاره . فقال لى : دما تعرف إلا نزرًا قليلا » لولا 
أردنيّته لكان أميرَ الشعراء» . فهتفت مُستنكرًا : هذه عصبيّة» . فرد : 
ايد وا كما ا اكولها اا به وليس یکی أذ 
تُخالفني » وإنْ كنت أؤمن بحققك فى ذلك» . فقألت : «وكيف تراه 
على علاته؟» : فأجابني : وأعتقد أن عرارا ظلم عندما صوروه بانه 
ماجن وأنه كان يدور على التوريّات › عرار كان يُطالب بحقوق للتور › 
ورغم أنه في ذلك الوقت كان الشركس يُعتقدون بأنهم نور ء وكان عرار 
يعتقد أن النور مهمون . وحقوقهم مهضومة .ء وأنه كان يجب أن 
يُعامَلُوا مثل بقيّة الناس » فقال : 


f 
- وس عل سس‎ 


نور يهم.ونحن يعُرّفهمرٍ ٠‏ 
منهم . وفي عرف الحقيقة أنْورٌ 

وكان الهبر شيخ النور غنيا » وكان عرار طفران » ولا كان يحتاج 
نقودًا يذهب إلى الهبر ويقترض منه التقود . حتّى لا تقوا عرارًا إلى 
(باير) جاءه الهبر وأعطاه أموالاً كثيرةً » لكي يستعين بها على قضاء 
حوائجه » ولا وضع في معتقل يعج بالقوارض والفتران والعقارب » زاره 
الهبر وأعطاه من جديد نقودا ووقف إلى جانيه » وهو مُرَحَل بالقطار - 
رما - إلى المعتقل . جاءه الهبر واستوقفه ووضع في يده كمّيّة من 
النقود » وشد من عزعته ليشعره بأنه إلى جانه . الهبر كان عنذه مروءة › 
وكرم » ورجولة » أكثر بكثير من الآخرين » ولذلك وقف عرار إلى جانبه 
وات تلم من ل فاق واف لها رات ور 
شرطا أن يكون الجانب الذي أخذتّه منها هو الصّواب الوحيدء وهذا 
ينطق كنلك على رأعي هذا» . 


572 


)۷۰( 
شمسك أم ت شمس الكون١‏ 


زارني أحدٌ امحامين الكلفين بالدّفاع عتي » بعد القضيّة بعدة آيّام » 
ركت اخلن معةوبحيط تا عدة عن اط الام ن الوقائي » كنت قد 
تعبت كثيرا من القضيّة التي لَفَْعَتْ لي » ووجدت أن هذا الستجن بوجود 
هذين الأخحوين وهذه الوشايات لن يكون لي > فطلبت من المحامي أن 
يسعى بإرجاعي إلى سجن قفقفاء التقط ضبّاط الأمن الوقائي 
الحاضرين الحادثة › وأضمروا هذ في أنفسهم شيثًا . وبعد أن خرج المحامي 
من عندي . قال لی ضَبّاط الأمن الوقائى : «إذا أردت أن تنتقل إلى 
ا و 
حتى لا ثُفهم أنك تشترط السّجن على هواك › وعليه فإن المدير 
سيوافق ء ولنا طريقتنا في إقناعه بذلك» . أحذت الأمر على الظاهر ء 
وشكرتُهم على تعاونهم معي » وأنّهم دلّوني على الطريقة المُثلى للموافقة 
على الانتقال . وافق المدير على الاستدعاء مُباشرة وشعرت أن عودتي 
إلى سجن قفتا سنسيني ر من الأحداث الولة التي مرت بي 

هنا ءلم أكتبٌ اسم الجن الذي أود الانتقال إليه حى لا يشعر المدير 
ل ل ل 
الصّباح كانت زنزانة الترحيلات تنتظرني » صعدتٌ بعد أن شكرت 
ضبّاط الأمن الوقائي الذين تبادلوا فيما بنيهم نظرة خاصة . لم يكن 
بإمكاني أنْ أعرف الطريق التي تسلكها الرّنزاتة المتحركة ء إذ إنّها مُغلقة 


573 


بالكامل . ظلت الرّنزانة ت تتحرك ساعات هي أطول من المافة التي 
توقعتها بين سجني أمٌ الولو وقفقفاء إذ إنّها لا تتجاوز )٠١(‏ كم في 
تقديري . وبدأت فثران كثيرة تت تتراكض فوق صدري »لم أكن أريد أن 
أفكر بالأمر كثيرًا لأنه ريما يدفعني إلى الجتون . جاهلت هواجسي ‏ أو 
قل إنني حاولت ذلك . بعد زمن يقرب من ثلاث ساعات توقفت 
الرّنزانة » نزلت منها » ونظرت حولي » »لم يكن سجن قفقفا الذي 
م ادك NS EN‏ 
سألت أحد العاكر الواقفين: كالتمائيل أمام البوّاية ؛لكته لم جيني 

ا لال ایی ار کال وميتعني :أو را لاله انی دی 


بشكل حقيقي > . خطوات أخرى إلى الدّاخل » وقفت أمام مكتب الأمن 
الوقائي ء ضاي نحي جد » فت ت عليه لشدّة نحوله » صفيق الوجه » 
TT‏ ل م ا E‏ 
«البسَة بتوكل عشاه» . سألشه : «في آي سجن نحن؟» . أجابني 
مُستغربًا رما لاه توقع أتني تقلت هنا بناءء على طلبي كما في 
الإضبارة التي استلمها للتَوّ من أحد العساكر : «في سجن الُوقّرة . قالها 
بصوت رفيع يُنامب تمامًا جده البالغ التحول » شعرت أن صفير 
كلماتها قد ضربني با يُشبه المخرز في اذني , » شيء ما في أذني الوُسطى 
أصيب » شعرت بدوار » تمايلت » حملق و في الشرطي مُتعجّبًا . ئم تحوّل 
تعجّبه إلى نداء استغاثة » ضربت وجهي بباطن كفي كي أصحو قبل 
أن يأتى أحدٌ منهم » تمائلت لأقف › حاولت أن أتعافى بنفي من 
الصّدمة » كان إحساسًا فظيعًا بأتني وقعت في الخدعة ء وأنهم 
استغفلوني واستهبلوني » كان ذلك يعني أن زيارة أهلى لي ستكون 
صعبة للغاية ٠‏ وفيما بعد ساعرف نهم منعوها بالكامل كنت في حالة 


574 


نفسية پرئی لھا راودتني أفكار جنونيّة »من بينها الانتتحارء أو 
العصيان ؛ ؛ أنْ أقف مثل الثور التنح في مكاني دون ان أتحرّك شبرًا واحدا 
ا للضرب © أو الاحتجاج على ما حدث باي وسيلة ٠‏ فكرت 
بعمل جنوني » حين وصلت إلى المهجع المقرّر أن يكون مهجعي » عرجوا 
بي إلى الرّنازين » فاستغربت » وأدركت أنّهم يريدون المبالغة في إذلالي . 
قبل أن أنحطو إليها خطوة واحذة تناولت أكثر من )0 حبّة من الذواء 3 
مايق دواء التكرئ :وال قط + والممكارت وق رها .هارت 
عندي صدمة ؛ لم أعذ أستطيع السّيطرة على تفسي متهاء ولذلك 
أقدمتُ على هذا الفعل الذي لو كنت بكامل عقلي ووعيي ما فعثّه . 
وكان أمر نقلي » لا يحتوي على نقلي إلى سجن الور فحسب » بل كان 
يتضمن أمرًا بتسكيني ٠‏ أي بإيداعي في الزنازين الانفراديّة . سقطت 
على الأرض وهم يُحاولون الرّح بي في الرّنازين » كنت قد سرت 
بنقسي إلى الهاوية » كان ذلك اخمتيارًا » أن تسلك الطريق إلى الموت 
بهذه الإرادة » هو أمرٌ متم » أو يُزيّنه لك الهوى كذلك ء أو الشيطان . لقد 
فعلت . وها آنا في طريقي إلى الموت . الموت الذي لم يعد أحدٌ منه 
ليخبرنا ماذا حدث معه » إنّه التجربة الوحيدة التى لا يُمكن أن تُروَّى 
كاملة ؛ إلا لأولئك الذين سلكوا الطريق نفسه . وسبقوك إلى ذات 
الوادي » هل يجتمع الموتى هناك في ذلك الوادي ويتبادلون خبراتهم؟ 
بلى . لكن المشكلة أن الوادي بعيد العّور جدا ء الوصول إلى القاع فيه لا 
يستغرق إلا سويعات معدودة » في حين الصّعود منه إلى الأعلى لكي 
تخبر الاس الذينها زالوا خياد ها حدث معك يتغرق آلاف السّنين › 
وبالطبع حتّى لو أتيحت لك فرصة العودة بعد هذه الالاف من السنين 
فلن تجد الاس ذاتهم الذين غادرتهم لتُخيرهم با حدث » سيتغيّر عليك 


575 


أناسُ تغيّرت أجيال ممتدّة من أناس قبلهم سبقهم مَنْ قبلهم كذلك › 
وحين تبدأ بالحديث لن يُصدّقوك » وبالتالي تنفضل أن تعود إلى الوادي 
دون أن تقول شيعًا . في الخداري لوعي الستريع في الوادي » التقيت 
بشجرة سنديان عتيقة جداء كانت الشجرة ثُشبه ته كثمرا الشجرة التي 
RS‏ عمي عمّي » أحببت آذ أستريح قليلاً » فجلست وظهري 
إلى جذعها لكتني كنت ما أزال مأخودًا بلذة الهبوط إلى قعر الوادي 2 
أخذئني غفوة » فقلت أنام قليلاً » وأواصل مسيري »لم أك أأغمض 
ERG a‏ 
ناداني : «قَمْ يا بني . . .» فارتجفت ؛ سالته «هل أنت الشيخ عبد 
الرزاق؟» . أجاينى : «ومن أكون سواه!! هيا بنا . وققت ‏ أذ بيدي , 
وصعدت معه إلى حيث جئت » في الطّريق قال لي : «يا بني » أفي 
EE E EE E‏ خجلت ولم أدر ما أقول له E‏ 
بني كيف أطت و د والنفس تعلم آتي لا 

أصادقها . TE EE‏ 0 إل حبن أعصيها» . أجبتّه بصوت خحفيضٍ 
حجول : «ولكنني تعبت يا سيّدي» 57 : ديا بني ا 
العارف : َطَلْبُ الرَاحّة في دار العّنا . .حاب مَنْ يطلب فَيِمًا لتخا 
يَكُونْ» . قلت وأنا مُطرق : «فلماذا لقنا لها؟» رد بحزم ا 
تُخلق لها » بل له » ولن تکون له إلا إذا أدركت حقيقة الحقيقة» کان 
الشيخ لا يزال يصع خفيفا مثل نسمة مُسافرة لا يُتعبه في الجبل 
شيء » وكنت أنا لا أزال ألهث خلفه » وأكادُ أستمهله قليلاً لالتقط 
أنفاسي وراءه : «يا شيخ ما حقيقة الحقيقة؟» «لو مَحّضت نفك له 
لعردت لعن ا الله علب عراف , وعلى الفجى ا 
سمّة تلوح على جَبينة» . تحسست جبيني » كان باردا » و ظل الشيخ 


ل 


576 


يصعد » وما زلت ألهث » منذ نصف ساعة وهو يصعد دون أن يتوقف 
ودون أنْ يقول شيئًا . وأنا أخاف أن EY‏ ناظرّي » قلت وقد كادت 
أنفاسي تختنق : «لقد تعبت يا مولاي» . «لو كنت خخالصا لما تعبت - 
أي حَبّث فيك قد أثقلك؟!» E‏ 
لحقت به » كان يبتعد رغم مُجاهدتي على أنْ أظلّ على مرأى منه » بعد 
وقت كان يبتعد أكثر > وكنت أنا أزداذ تعبا لم استطعٌ أنْ أصمد أكثرء 
عشرت رجلي فسقطْت ‏ ارتطم رأسي بصخرة وأنا أتدحرج من عليائي 
قصحوت » كنت في المشفى > كانوا قد عملوا لي غسيل معدة › في اليوم 
التَالى أعادوني إلى الرّنازين »لم أقاومٌ ولم أشك ٠‏ ولم أعترض » تقَبّلت 
الأمر بالتّرحاب » ودخلت كأتني أدخل إلى جنّتى » كان صوت الشيخ 
عبد الرّرّاق لا يزال يرن في آذني » حشيت أنْ يعرف من حالي ما خفي 

عتي عتي ١‏ فآثرت أن أصمت في حضرته! 

كانت الُخابرات هي التي أوصت بإيداعي في الرّنازين إلى أجل 
لم يم » ويتوقف خروجي على أمر منهم . هل كان ذلك عقوبة قاسية 
على أتني فتحتُ ملف فساد خشوا أنْ يُصيب كثيرًا من الَذين لهم 
جلود حريريّة » وملامس مُخمليّة؟! 

الرّنازين الانفراديّة عالمٌ حال من البشر» كان يُمكن أنْ يكون 
رائعًا لو أن لصوتك صدّى . كل شيء هنا يموت ٠‏ الصّوت ٠‏ والحركة . 
والرّائحة » والنّوم » واللاستيقاظ قلا تدري أهو نهار أم ليل ذلك الذي 
أنت فيه » لا معنى للزمن غير ما تُفرّغ فيه مثانتك › RP‏ 
غائطك . يتداخل الليل بالتهارء والظلام بالضّياء ء والموت بالحياة 
والرّحيل بالبقاء »وأنت بك ؛ الضَّفَّتان تشتبكان فلا تدري ا 
طرف منهما تقف ٠.‏ 


577 


الرّنازين الانفراديّة تقف على ال حياد » إقبالّها إدبار » وإدبارها إقبال » 
منطقة ليست للشمس » وليست لليل . حدودية يتنارّعٌ عليها الوجود 
واللأوجود . تنتهى حينما تبدأء وتبدأ حينما تنتهى . لا هى لك ولا 
عليك . ولا هي بين بين . ولا تعرفف إِنْ كانت بغيا أم طاهرة . تتظاهر 
بالاكتراث وهي غارقة فى اللامّباللاة . تصحو حينما تنام » وتنام حيتما 

جسدي كان أكثر ما يُعذبني » هذه القشرة تُثقل روحي ٠‏ إنها 
مُستنقع تَجِد فيه العوارض الخبيئة مسكنها , تجوع وتعرى » وتظماً 
وتضحى » وتتقارب وتتباعد . كان جسدي يستقطب المرض كما 
ا و ا ا ا 

كانوا يُدخلون لي الطّمام من طاقة » من ثقب في اباب » كما لو 
LS SS‏ 
فساح صغير فقد شحيطه الائي : أسبل على تور جغنيه ومين . له 

قضيت الأيام التَلدئة الأولى أحاد EG‏ همومي » وأطلب 
منها أن تزورني » تقول لي اغ عدر على الان فلك يمرا 
لى بالدّخول» . أعرفف أن الأوغاد قد يرتكبون حماقة مثل هذه » أطلب 
منها أنْ تُطمئنني عن أمَّي الثانية . عن (إبدر) » عن سمائها هل 
ا vS‏ لجان »عن أشجارها هل ازدادت 
کیا ا من لدي ا اغ ا 


578 


قالت إنّه زارهم وتعشى عندهم ذات ليلة من الليالى الأواخر من 
رمضان السّنة الماضية . سألتّها كيف زاركم وهو ميّت منذ أكثر من عشر 
سنوات ٠؛‏ قالت لي لقد زارنا وكقى!! 

«هل تطلع الجن الآن أم تفیب؟» . سألت الشيخ » فأجاب عن 
سۋالى بسؤال : «شمسك أمْ شمس الكون؟» . أجبمّه : «شمس 
الكون» . قال لى : «اسأل عن شمسك .ء فإذا طلعت فقد طلعت ء وإذا 
غابت فقد غابت» . أقول له يا شيخ : «هل ينتهى الألم؟» . يقول : 
«حين تصرف عنه قلبك إليه بذكرك» 

حضرت زوجتي »ء قالوا لها على الباب : «إنه في الرّنازين 
الانفراديّة » ويقضى عقوبته» . لم يفهموا أن المؤّد هو الآخر عقوبة » 
ظنوا أنتي في وطن حر لا سجن آبد , وأنهم يُعاقبون مواطتا حرا 
قالت : «الأولاد أصبحوا أقمارا 5 سيف دحل الخامعة» 7 فبيكيت 1 
مسحت دمعتي بطرف إصبعها > وتابعت : «ونور يعمل ليُعيلنا» 
فبكيت من جديد . بكت معي هذه المرّه. حجت دموعها قليلا قبل 
أن تتابع «وبتول صارت عروسا» . فانتحبت . ضمّتّني وهي تنتحب 
معي . هدأنا قليلاً . ركنت ظهري إلى جنار الرّنزانة المكشوط ورت 
ظهرها إلى جانبي » قلت لها : «أترين تلك النجوم؟» . قالت لي وهي 
تبکی : «نعم أراها» . لم يكن إلا ثمّة نقاط صغيرة جدا من الضوء 
تنسرب من شقوق الطاقة قادمة من مهجع بعيد . تابعت : دإنها تُشبه 
نجوم إبدر» . ضحكت وهي تمسح ثثار دموتها : «هل أعد لك الشاي 
كما كنا نفعل؟» . أجحها «ستصعد أولا إلى السطوح» . وقمت › 
خطوت في الظلام إلى العمق » أرحت وجهي على الجدار المكشوط › 
كه » أريدٌ أنْ أكتبّ عليه شيمًا ء أن أرسم بإظفري فوقهء 


579 


وكالاطفال رسمت قلب حُبٌ » وأنفذت فيه سهمًاء وعلى طرفى 
اله عفرت احرف الأول سن اسا عن قال رتنا عزنا وات 
يُعيد إلينا براءتنا! سقطت على الأرض من الإعياء غت بجانب 
الفرشة البالية كانت ليلة بلا أحلام . 
في اليوم ا لخمسين طلبت منهم أن يأتوني ببعض الكتب › قال لي 

انى : هما نفعٌ ذلك » وأنت لا تستطيع أن تقرأ من الظلام؟» لم 
يكن يدري علاقتي مع الكتب › > أجبْتّه : «أريد أن أحضنها ؛ منذ زمنٍ 
لم أحضن كتابا» كان شوقي إلى أن تلمس راحة كفي ورقة من كتاب 
شوقا قاتلا .لم يشك للحظة بأننى مجنون . حدّث الضابط المؤول 
عنه ا سمع متي . رق قلبُ المّابط لي » أدخل لي كتاب (المنقذ من 
الضّلال) للغزالي » كان يُضيء الممرّ القريب من الرّنزانة » ليسمح 
لبعض الضّوء أن يتسلل عبر الطاقة > كان رائعًا » وودت لو أشكره وأقبّل 

جبينه » لكنه غات ني الظلام» قال لي الشيخ : «نون الهوان من الهوى 
مَسروقة . وصريع م كل هوی صريع هوان» 

كان الهوان قد بلغ متي كل مبلغ » ضرت عن الطمام * في اليوم 
الثاني والمخمين » وبقيت لا أكل حتى أليوم السادس والستين » كان 
ذلك على آمل أن يُخرجوني من هذا القبرء لكتهم لم يفعلوا . ولم أكن 
اع تدالهم ولا أي يوم کون فيه روي 

صباحات كثيرة ة مرت ومساءات كنت ذاهلاً فيها عن كل شيء . 
كنت أسعيقظ في الصّباح فأجد على يدي حبرًا » عرفت اتهم كانوا 
يُعطونني حبوبًا متؤمة أو حبوب هلوسة . ويكتيون الاستدعاءات 
بأنفسهم ويقومون بتبصيمي عليها . ولم أعرف ما هي الاستدعاءات 
التي كَدّبْتّها ولا ما هو مضمونها » وما زلت أجهل ذلك إلى اليوم . وقد 


580 


لاحظت وجود حبر أزرق في ثلاث مرات متباعدات على الأقل 
ومضى أكثر الزمن ولا أدري ما يُفعّل بي . 

فى اليوم السسبعيئن + حولت إلى کائن ق ءلم أكن أدري ما أنا 
على وه الخصوص ء كنت كتلة من العظم مُلقَاةٌ في قَبِوء يُؤتى لها 
بالطّعام ل لا تُفارق الحياة . في اليوم الواحد والسيعين ذهبت في 
طريق اللاعودة 1 بشريتي شياركت موضع تاؤل . انفصلت عني 1 
وارتدت فضاءات في العالم الآخر . في اليوم الثاني والسّبعين بقيت 
طوال اليوم أحاول أن أتذكر ما آنا ء وأتعرّف وسيلة للكلام لكتني 
فشلت . في اليوم الثالث والسّبعين حرجت من الرّنزانة!! 


581 


207210 
يا أصدقاء الزمن الجميل 


SR LI وبين يونا حجرت من‎ SECS 
انتقوا لي أوسخ غرفةٍ بالسّجن ء أكثر الناس‎ ٠ أحتاج إلى رعاية صحَّيّة‎ 
البشر وحوش في الأساس » بعث الله لهم ألف ملّة من أجل‎  ةسارش‎ 
أن يُهذبهم » استجابوا مرة وكفروا مرات  إن الوحش الكامن فيهم‎ 
ينهض أكثرٌ بكثير من ذلك الطفل الذي فُطروا عليه . نحن لا إبليس‎ 
يُغوينا أكثر من ذلك الإبليس الذي نريده والّذي هو جزء منَا‎ 

أخرجت من الزنازين السّاعة ١١‏ ليلا ء كانوا يدون أذ تظل ليالي 
متواصلة » لا نهارات لها كان الظّلام الذي استمرٌ ثلاثة وسبعين يوم 

قد أثر على عيني . ٠‏ فصرت أجل ألا في رؤية الور دفقة واحدة » تغبّفت 
عيناي » وملأنهما الليالي السود الطوال المتتابيعات بغشاوة لا تنتهي لا 
أستطيعٌ أن أفتحهما كثيرا » ولا أن أحدق ف فى الأشياء طويلا 

دخلت إلى المهجع الذي سيكون ؛ وطني الجديد . كأنني الآن 
وصلت إلى السّجن »لقد كانت الأيَّام الفائتة بمثابة ترحيب وتهيئة لي 
كي أتقبّل هذا الوطن . ومن أجل أن يُروّض روحي المتموّدة . حملت 
فرشتي كمُهاجر من منفى إلى متفى › ؛ ولم يكن معي سوى جسدي ؛ 
جسدي الذي يُصرّ على أنْ يظلَ عقبة في طريق تحرّري متي . حين 
دخلت إلى المهجع كان علي أن ألتقي بغرياء »ما يقرب من خمة 
عشر عامًا في السّجون جعلتني أتعرّف إلى آلاف الاس الّذين يقطنون 


582 


هذا الكوكب » ولكنْ هؤلاء العشرين القاطنين هنا كانوا جميعًا غرياء 
باستثناء واحد , التقيْتّه في سجن سواقة قبل ست سنين » كان 
بعضّهم يغط في نوم عميق » وقد ركل الذنيا وما فيها بقدمّيه » وأرخى 
لاحلامه العنان ء وأسبل على جفتيه غطاء يقيه من تعاسة تربص به 
في كل حينٍ . وكان عدد آخر يلعبون الورق » وهم هاون ال يُصدروا 
صوتا عاليًا حمّى في هياجهم من أجل آلا يُحاقَبوا من قبل الشرطة التي 
تفترض أن كل مواطني كوكبهم في هذه اللحظة يكونون قد استسلموا 
للنوم . رفعت يدي بالتحيّة »لم يُعرني أحد انتياها . تجاوزتهم إلى 
العمق . قلت : «يا أصدقاء الرّمن الجميل ا 
أحدًا لم يلتفت نحوي » فرفعت صوتي : «آيّها الأوغادٌ الجميلون . 
EE CED‏ 
ا لي بناء على هذه الظروف 
بقة أن أنام على برش علوي» تبادلوا فيما بينهم نظرات تدل على 
اماد ااي روود من أوراق :+ الق ا ة على 
جميع الأ براش الموجودة في المهجع › »هر كتفيه » وقال : «كما ترى . لا 
يوجد برش أرضي . على الجدد أن يصعدوا إلى الأعلى . القدامَى هم 
الذين يستطيعون التوم في الاسفل» . ذكرني ذلك بالموتى . لا أدري إِنْ 
كان على أن أكون من الموتى من أجل أن أنزل إلى الأسفل ولا أظل 
عاليًا . قلت : «العالي يُصلَّب» . لم يفهم على ٠‏ كان يبدو آنه شاويش 
الملهجع أو هكذا بدا لي من تصدره للحديث معي دون الآخرين ء قال : 
«اتظر» وأدار إصبعه على الأبراش »وتابعم «هنا.. أو هنا... أو 
هنا.. تستطيع أن تختار» . أشرت له إلى ظهري : «ولكتني لا 
أستطيع أن أقفز مثل الشباب» . مط شفمّيه دلالة الامتعاض من 


583 


تضييعي لوقته » وعاد إلى اللعب . قلت ولا أدري إِنْ كان قد سمعني : 
«سأضع وي و لواو بن ل 0 
هذا الحوار أشد عليها تحت إبطي . كنت دنيا من التَعب عر 

جسدي المنهقك فوقها . وغطست في النّوم يه 
فى المع ای ا على ا ة غاضبًا هائجا وهو لا يعرفني ٠‏ 
ركلني برجله , ١‏ يعأقف من هذا الكائن الذي أضيف إلى 
قاذورات المهجع : «أبو الشباب قم قم نريد أن نشطف» . فتحت عيني 
و طويل ونظرت إليه والصّباح باكر وما زال أثر الزنازين ن الا نفرادية 
في روي » وضحكت . قلت : «تكرّم» . تهضت بتشائل » وتايعت : 
«هل أنت الشاويش ؟« . رد على مُغضبًا : «نعم » وما دخلك؟» كنت 
أريد أنْ أمتص غضبه » وأنْ أكسبه إلى جانبي . وقفت وقفة عسكريّة . 
وأكملت : «من أجل أن أؤدي لك اة جلك الفرظة »وفيت 
من المكان مُمْتثلاً . ريت المتجين الذي يعرفني يقترب منه » ويهمس 
في أذنيه بصوت مسموع : «يا رجل هذا أحمد الدقامسة » إنتا جاي 
تتصرّف معه هذا التصرّف بهذه الطريقة ة الفظة!!» . فتفاجاً الشاويش › 
وقال مندهكًا : «حَقا؟!!!4 . 2 هرع إلى > واحتضنني › واعتذر مني : 
قال وخر يعد بيدق + :اتفال آريد أن أخبرك بهذه القصّة أوَلاً هذا 
ر كان برشه أرضيا وفي أحسن مكان في الغرفة : 
«خذه . ضع فرشتك وأغراضك فوقه» حفن I‏ 
آأخذه » يكفى استقبالك الحارٌ لى» » وضحكت . فرد : 9إذا سأتديّر لك 
وشا هاما لك من الاب لذن اعرفهم الكت اردان اشد 
بهذه القصّة . . . نحن طلبنا الأمن الوقائي ورئيس القم .ء وكنًا ثلاثة ؛ 
فلاتًا وفلانا وفلانا . . . ثلاثة أو أربعة . . . وقالوا لنا : مجرّد أنْ يدخل 





584 


عليكم أحمد الدقامسة تضعون على رأسه بطانية وتقومون بضربه ضربًا 
مُبرحًا » ولكم ما تريدون من الاتصال بأهلكم أو تكرار الزيارة في أيَام 
الزيارات6 . فضحكت ملء شدقی › وقلت له : «طيّب اضربونى . . . ها 
منكم» . فرد 10 : «وأين ع المروءة؟ وأين الرجولة؟ أتوقعنا الشرطة 
فى حسة ونذالة كهنه؟! له والله یا رجل ؛ صحيح أتنا زُعران لكئنا 
نمحترم التاسن 3 ونقدر واجبهم» . قلت له ليا رجل أخاف أن تتعرضوا 
أنفسكم من المساءلة أو العقاب» . فقالوا : لاء هل هذا معقول؟!» 
واحترمت منذ ذلك اليوم 34 وبدأات معهم علاقة من أقوى العللاقات 
وأوطدها 5 اسكمر ت بكة أكدهن 

كان مجتمع الزعران في هذه الغرفة مجتمعًا خاليًا من الحسدء 
عابقا بالتعاون » يحمل صغيرُهم كبيرهم » ويتكاتفون فيما بينهم » حتى 
إذا جاع أحدهم أطعمه الآخر من فضول ماعنده ء وكانوا إخوة 
يتعاسمون + متبتهم طيب ولكن ظروقهم التي لم ملهج على التعلم 
أضرت بهم » وكان لا يُقطع بأمر دون شاويشهم > ولا ينفذ هو بذوره أمرًا 
i e‏ 
يقرؤون . خصّصت لهم أماسي الجمعة بعد أنْ تكون زيارة الأهل قد 
أمذاتهم ak‏ الإيجابية ؛ ودعت عقولهم وقلوبهم الى استقبال 0 
لتر كنا نر اف كل حمس قلات ت 

ومن كتاب فقه السّنة لسيّد سابق » كنت أستل بعض المواضيع 


585 


لأطرحها عليهم › وأناقشهم فيهاء في هذه الفترة التي مكثتّها عندهم 
وجّهتّهم إلى الصّلاة ؛ إن الصّلاة ليست هي المقصودة في ذاتها يا 
أصدقائي إن لم تصلك بالله » تصلك با أراد منك » أعني بفعل الخير 
وترك الشرّء فلولا أنها تقول لك ذلك وأنت تقفف بين يدي ملك الملوك 
فما نفعُها إدًاء إن صلاة لا تُغيّرك من الداحل » ولا تُحدث ثورةً فى 
أعماقك » ولا تنهاكَ وتأمرك . هي حركات بلهاءً لا معنى لها 1 

كنت إمامهم في الصّلاة ء أقرأ ة فى الجهريّة ما أحفظ > في نهاية 

فترة مكوثي بينهم صار ثمانية عشر سجيئًا من العشرين سجينًا 
يُحافظون على الصّلاة . كنت أذكرهم بالدّين . وبالآخرة ء وبالجتّة » 
وبالتار» وأنصحهم بما أعرف من معلومات . صاروا يُحبّون أن يجلسوا 
معي . لكن العيون التي تتحرّك في كل اتّجاه لا تجعل المياه الجارية 
صافية » لا بد أن تضع عودا في وسط البح لكي يتعكر . قال بعضُ 
الواشين : «إنه مُضل للشباب الجاهل » يقرأ من كتاب ويحشو أدمغتهم 
بالهراء » ويجب إيقافه عند حدّه» 

قبل وقت ليس بالطويل > شكل الملك حكومة معروف البخحيت 
الغانية » وعُمّن حسين مجلي في هذه الحكومة وزيرا للعدل »لما عرف 
أهلى أنه صار وزيرًا للعدل تأمّلوا أن يساعدهم في الإفراج عني مادام قد 
أصبح في هذا المنصب »ء وكان أهلي يُدركون أنه لن يتم الإفراج عني 
لأنّ القضيّة أكبر من الحكومات › وتتعلق بدُول ؛ ولكتهم قالوا إن صوت 
الوزير إن تحدّث في الموضوع فسيكون عاليًا ومموعا . أو على الأقل يتم 
نقلي من سجن الموقر إلى سجن أمّ الولو ؛ لان سجن الموقر كان بعيدًا 
جدا على أهلى ويصعب عليهم زيارتي فيه ٠‏ أو يتم نقلي إلى سجن 
قفقفا؛ فعملوا اعتصامًا أمام وزارة العدل . وخرج يومها وزير العدل 


586 


(حسين مجلى) من مكتبه وانضم إلى المعتصمين » وقال لهم : أنا 
مُعتصِمٌ معكم » ومطلبكم هو مطلبي مثلما هو مطلبكم » ويومها احتج 
اليهود » كيف لوزير العدل أن يعتصم لمصلحة مجرم وقاتل » كنت ولا 
أزال في نظر اليهود مُجرمًا » فهل أنا كذلك في نظر أبناء وطني؟! قال 
له المغختصمون : على الأقل انقل ابننا من سجن الموقر إلى سجن أم 
اللولو أو قفقفا . فقال لهم : سأفعل » وبالفعل تقلت إلى سجن أم 
اللولو 

ذهبوا بى إلى غرفة فيها أذناب للادارة » وواحد منهم كان صادقا 
وواضهًا » قال لي «اسمعٌ » أنا طلبني رئيس القسم ء وقال لي : إذا 
الو ا ل الغرقة » والله لن ييقى 
فيها يوما واحدا . فيالله عليك لا تحرجنى جني ولا تداقرهم» . فقلت له 
أنا والله راجع وأنا قرفان » ولا أريدٌ أن أتدخل في شيء » وليس عندي 
مشكلة بالنسبة لي » لكن من أجل أمي ؛ كانت أمّي في هذا الجن 
تستطيع أن تزورني » فلمًا نقلوني إلى سجن الور صارت لا تستطيع 
زيارتي . وكان يبدو عليها التعب على وجهها حين تزورني » لقد كبرت 
وتجاوزت السبعين . فقلت في نفسي «يكفي» . 

صار عفو عام ١١‏ وان لوز فين« اميقم ركان ا 
أهلي أن الإفراج عتى سيم بإذن الله » وأتنى مروح كان عفوًا شكليا : 
وكان سببه تخحفيف الاحتقان في فترة الربيع العربي » أخرجوا يومّها 
السّرقات والقضايا الصغيرة » والقتل الُصلح . المادّة التي أنا حُوكمت 
عليها مُصلحًا كنت أو غير مُصلح لم يشملها العفو من أجل ألا 


جاء عفوٌ في هذا العام عن قضيّة إطالة اللسان » فكل مَنْ كان 


587 


محكومًا بها فى السّجون جميعها شمله العفو على هذه المادة » قلت 
هذا سے در فا شيك ققدي اطا الل انا لعفت لى وة 
لله. ` ۰ ۰ 

كانت الشوارع تغلى » وكتا مُعْيّبين » لا نعرف ما يحدث إلا ما 
يرشح من خلال الزّيارات فقط . أو بعض الحرائد التي يُمّح بها كل 
أسبوع أو أسبوعين . بالنّسبة لي كنت مهتما بالموضوع » وكنت أسال 
الشرطة . وليس كل الشرطة يُجيبون . وكانت لديهم سياسة في 
التجهيل والتّعتيم كان التلفزيون يبث طوال اليوم على قناة (روتانا) أو 
(ميلودي) ء أو قناة الأفلام التي كانت تعرض أفلامًا شبه إباحيّة . لم 
يكن يهمّهم الأخلاق »لكل ما يهمّهم هو ألا يفهم الستجين شيئًا ء ولا 
يُفكر باي شيء . / 

في نهاية هذا العام فكربت أن أكمل سنتي المدرسيّة الأخيرة » وأن 
أتخرّج في الثانويّة العامّة . هل يُمكن أن يحدث ذلك؟ لا شيء ينع 
عتدي . لكن أوطاني تتعدّد » والدّراسة تحتاج إلى استقرار » حين أرحل 
من هنا سيكون لزامًا علي أن أفعل ذلك . ودعت زملائي الرّائعين 
استعدادًا للرّحيل » حملت ما تبقى لي من آمل وحُلم وکتب » وعدت 
أدراجي إلى سجن (أمَ اللولو) ؛ كان ذلك في آذار من عام ١701م‏ . 


588 


(YY) 


2 2 خير سم 


الحق أحق أن يُتَبَع 


عُدنا والعَودٌ أحمد ء كما يقولون . كان سجن أمّ الولو قد قتح 
ذراعيه هذه المرّة » قال مُعاتبًا : «لن تعرف خيري إلا عندما تجرب 
غيري» . أجبته : «صدقت . لكن المنافي ف فى التهاية تتشابه يا 
صديقي» . زعق مُعترضا لست منفى ولن أكون» . 

كان علي أن أبدأ ترتيب أموري هنا مُبكرًا » صار علي أن أرتاح 
بعد كل هذه السّنين » ذهب عرام الشباب » ومضت الكهولة بى 
والأمراض إلى واد غير ذي زرع > وأكلت الجون حُشاشة كيه كلب 
وجنحت إلى الحكمة: > صار التصاقي بالكتاب أكبر ‏ ويالبعد عن 
خا الع إنّ خمسة عشر عامًا تَرَّلهى صعبة على امرئ تعود 
أن يُعانق الفضاء فى إيدر بقلبه . ويد يديه للتَجوم فيقطف منها دررا 
يصنعه عقذا يهديه لخبيبته ؛ ويطارد الفراشات في قصل الربيع »هذه 
الحرية المطلقة خُطفت بالكامل في هذه السجون . 

عاودتّنى ذكرى أبى » كان قد مرّ على رحيله اثنتا عشرة سنة 
موغلة فن افده لم يعد لدئ كف اريم راق وة :ولا كف 
تأخذني من يدي إلى حدود إبدر لتقرأ على مسامعي قصيدة الوطن › 
كنت أستعيده فى الكتابة » تبت له بعد رحيله أكثر من عشر رسائل 
وبعشتّها مع أي » كنت أقول له : «اذهب إلى قيره » وعلى شاهدته اقرأ 
لروحه الفاتحة عنّى » ثُم أبلغه الرسالة . ستصله بلا شك . وسيسمع 


589 


دموعي الصامتة » وسيدرك مدى ځي وافتقادي له » وسيّدرك أكثر 
قسوة الغرية » إن روح أبي طاهرة » ولذلك ستصغي لكل حرف كتبته » 
قل له إن ابنه كبر كما أراد له » أبيّا شامِخمًا ؛ »لم تزعزعه السّنون ٠‏ ولم 
تنل منه العاديات » وما زال طفلاً قل له : 
مائأبي إلأأخ قارقفثئه 
وده ال مدق وود التاس مين 
طالافنناإلىمائدة 
كانت الكسرة E E‏ 
وشَيِينا من إناءم واحادرٍ 
واا ا5 فيه اليدين 
ا ا 
من رآناقال عا أحوين 
قل له : إن جوعي إلى لقياه ولو في العام الأخر لا يُوصّف » إنّني 
أتخيّله في کل شي ء » طيفه يُجاورني . بلح علي . » يجلس معي › 
يُقاسمني سخونة الطعام » وبرودة الكأس > والوساد الْممزّق . قل له إن ما 
عذّبه وأقعده هو ما يُعذَّبني ويُقعدني » لكنّْ الشّعوب لن تظل مُستكينة 
يا أبي » سمعت أنها نهضت في تونس ء وأنّ شرارة الثورة العارمة قد 
انطلقت » وان مصر ذهبت مذهيها » ٠‏ فهل ستستيقظ هذه الشعوب › 
وتنال حرّيّتها ؛لقد قلت لي إنّ ثمن الحرَيّة غال جدا ء إن ثمنها الدّماء 
والأشلاء والضحايا والّجون والأقبية والرّنازين : والتعدذيي ‏ والطرقء 
والتفي » والتحل » . .. أفلا يُمكن أن ينال شعبُ ما حُريته دون ید 
حمراء مُضرجةٍ یدق بها على الیاب؟! افلا يُمكن أن يتخلى الباعة 
الجالسون على كراسيهم » والأقامرون بمصائر الشعوب عن كراسيهم 


590 


طوعًا ولو لمرّة واحدة؟! لماذا كان لزامًا علينا أنْ تيل الدّماء متا أنهارا 
لكي تجرفهم وتجرف كراسيهم وتُغرق بالطوفان عروشهم؟! لو عشت يا 
أبي إلى هذا اليوم لرتما تخففت قليلا من أوجاعك . وريّما ازدادت 
تلك الاوجاع لا أدري؟ ولكن شيئًا مسا في المنطقة العربيّة يا أبي 
يحدث » ومصائر تتغيّر» ولا أحد يدري إلى أين ينتهي كل ذلك» . 

في عام ٠١1١7‏ وفد إلى مهجعي رجل أربعيني » (شكري) هكذا 
قم نفسه لي ء له عينا صَّقَرء أشقر الشعر ء تنزل خصلة من شعره 
التاعم على جبينه الأبيض . وله حدان وردان وقاعة سبامقة مشدودة 
التبك . وكل ما فيه يدل على أنه ابن نعمة ودلال › ويُطمع فيما تحت 
ثيابه » إلا عيناه » فلقد كانتا تدوران بحركة دائمة . مدورتان » مفتوحتان 
على اتساعهما » مُخحيفتان » تُلغيان کل فكرة أخرى قد تكون أخذتها 
عن هذا الرّجل كانت أمّه لبنانيّة وأبوه أردني , ومُسّهم على قضيّة 
مُخدّرات » ولم يصدر في حقه آي حُكم . 

لزمني لزوم الصّديق صديقه » ووجدتُه على علم ووعي » ولم يكن 
يتحدّث كثيرًا عن تهمته » وبدا أنه واثق من براءته فيها » وأن مده بقائه 
هنا لن تطول . كان الجن آنئذ يقول لي : إن مدرسته في التعرف إلى 
البشر لن تجدها في أي بُقعة أخخرى من العالّم > كانت معرفة الآخرين 
على اختلاف التسيج الذي يُشكلهم د ثقرّبك من الحكمة » وأنا باحث 
عن الحكمة » عاشق لها ء ومحب الحكمة هو الفيلسوف في التّعريف › 
ولم يكنْ من مدرسة لا الرّواقيّة قيّة ‏ ولا الكلبيّة » ولا التجريبيّة » ولا 
الفسطائية › ولا العبئية . ولا الوجودية :التعلنك الحكمة والفلسفة 
أكثر من مدرسة الجن . 

كانت الهواتف في تلك الأيّام قد أصبحت لمن يلك المال حقا 


591 


مُكتّسبًا » وإن ظل ظهورها قليلاً . والمجاهرة بحملها خطيرًا . الشرطة 
تأتيك با تريد » فقط «ادفع بالتي هي أحسن» . التَضييق الذي حدث 
كان على الكتب » مع بَدْء ما يُسمَّى بالربيع العربي » ستُحبّت كتب 
كثيرة من الستجن » جمعوا الات منها في كراتين كبيرة » وذهيوا بها . 
لا أدري ماذا كان مصيرها لا دزی إن حرفت أو أدلفنت أو قعل بها 
شيء آخَر» كنت أقول لو أنّهم تبرّعوا بها لمكتبة عامّة ؛ فَإِن ذلك 
سيُحفف حزني ولوعتي » وأنا أنظر إليها تتكد :س في تلك الكراتين مثل 
الممجرين » وساف إلى مصير مجھول ‏ ويُذَهبُ بها وبأرواح كُنّابها إلى 
حيث الصقيعٍ والظلام والخفافيش والهوام . 

إنه مساء له بالغطاء › 
وأنا بين الصّحو والمنام ترات مار EE‏ صوتها إلبا من 
الخارج كأنها تريد ان تقول إن البرد يُنذر بالدّفء » وإن الموت يُنذر 
بالحياة » وإن الماء يُنذر بالربيع > كنت غارقا في تأمّلاتي › أحاول أن 
أستعيد أحلامًا ركضت فوقها سنون ثرّة » فتداخلت ؛ فلم أعدٌ أدري 
اتنا سي ا راا ده ی رابك (شكر ) قد انزو في 
طرف المهجع » وبدت على وجه الأبيض الخملي جدية برزت من 
تقطيب جبيبنه » ومن بحلقة عينيه لم أكنْ أذري مَنْ يُكلّم في 
الهاتف الخلوي على الطرف الآخر » دفعني الفضُول إلى أن E‏ اَذ ؛ 
وكان ما سمعنّه جللاً . ما فهمئّه أنّ صديقى (شكري) هذا كان يُنسّق 
عمليّة بيع مخادرات من لبنان إلى موريًا إلى الأردن ل الس و 
بقى مساء ذلك اليوم كله يدور في الزاوية حتّى نسّق العمليّة كاملة 
وبکل احتراف . 

اسقط في يدي ء إنّه صديق عزيرٌ » وقارئ جيّد ٠‏ وتعلّمْتُ مته ما 


592 


لم اتعلم من سواه » وبيننا عيش وملح كما يقولون . وتيت لو أتني لم 
ل 0 ا 
محاكمته ويُحكم أحكامًا عالية ٠‏ وإنه الأردن ؛ وطني الحبيب ٠‏ وإنها 
مصلحة البلد أو المصلحة العامّة ؛ فا مخدّرات في هدفها التهائي ستصل 
إلى السّعوديّة » وفي السّعوديّة مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة » وهناك 
حبيبي رسول الله ؛ فهل أسمح لهذه ه السّموم أن تصل إلى الثرى الذي 
ضم جسد أطهر الخلق لاكون شريكا في تلويث تلك البقاع الشريفة؟! 
لم أسعطغ أن أنام ليلتي تلك » واشعد الصّراع بين أن أضحّي 
بصاحبي وبين أن أتغاضى عن الموضوع . وسمعت ؛ هاتفا في داخلي 
نقول : «إنه فقط تغاض عن الموضوع . ..اعتبر نفك لم تسمع 
CSE‏ ا شعن اف ولا أخحلاقك أن تتفافل أو حابي 3 
e‏ نصف الحل ٠‏ والتغابي كل الحل» و 
E‏ ايد ETE E‏ 
ساهمّت في نشر الوت » والمرض » والعفونة » وزرعت مزيدًا من 
التائهين في الفلوات» . وظللت أتقلب الليل بطوله في الفراش › وعتيت 
يوجه حق لو أن شكري لم يُصنف في مهجعي » أو أتني لم أره في 
حياتي » وتخيّلت نفسي في مواجهته بعد أن يعرف أثني أنا الذي 
بلغت عته و کف شسيكون موة قفي » وسيقول لي = هيا حائن » تخون 
صاحبك الذي وثق يك ٠‏ وتُلقيه إلى الكلاب يا كلب» . ظللت 
مُستيقظً تتناهشني الهواجس حتّى الفجر» سمعت الأذان الأول ء 


593 


وغفوت أقل من ربع ساعة » وفي المنام جاءني الشيخ عبد الررّاق » قال 
لي : «يا بني ؛ نما يعرف المرء بالحق » ولا يُعرّف الحق بالمرء » فإن 
اختلف أخوك مع الحق . فكن مع الحق »فإ الحق أحق أن يُتَبع» . 
نعبهت كان تا خضيفة نقرث كتفي » قم فصت الفجرء كان 

نصف الهم قد انزاح . كم صلّيت بعدها صلاة الاستخارة » ووقفت بين 
يدي الله » وكانت أكفي تبتهل » وصاحبي الذي يريد إتمام صفقة 
المخصدّرات على مقرية متي وقد نام ليله الطويل مرتاحًاء يُفكر في 
الأرباح التي ستتدقق إلى جيبه وجيوب عملائه » كتا ضدين 
يجتمعان : الحق المستيقظ والياطل التائم . نظرت في أرجاء المهجع › 
كان بعضّهم قد تململ » ويبدو أنه كروي لاذه وام Sas‏ لاحر 
فكان النوم يذهب به كل مذهب . وا نجلى ع عَبَعنُ الليل الهارب من نافدة 
المهجع ‏ وألقت ظلال الاتبلاج على القُضبان التعامدة بعض 
الغموض ء كنت لا أزال أشعر ببعض الحاجة إلى النوم » استلقيت 
على البرش » فمرّت بي سحابة الوم خفيفة » فلمًا أذ عبرتت الجن 
صحوت من جديد ؛ وكان التصفٌ الثاني من الهم قد انزاح . سارعت 
إلى مدير السّجن أخبره بالكارثة التي يُمكن أن تحلّ لعله يتداركها . 
وعلى الياب وقفت مثل جندي يقف على الحدود الفاصلة يحمي 
وطنه » كنت أُدرِلكُ أثني على ثغرة وأئّني إن سكت فَلَيُوْتَيَنُ منْ جلي » 
وأن الأوطان أبقى من الأشخاص » وأته لو نام كل واحد عن واجبه 
لصار الوطن مزرعة للعكاريت . 

على مكتبه كان المدير يرتشفُ فنجانًا من القهوة › ويُطالعم إحدى 
الصّحف اليوميّة » قلت له : «سيّدي الواجب ينادينا» . لم يكترث 
للجملة التي حشدت فيها بلاغتي لكي ألفت انتباهه كما يجب »ء رذ : 


594 


«أنا أعرف أتك كثير المشاكل » ماذا تريدٌ هذه المرّة؟6 . قلصت المسافة 
الفاصلة بيننا خطوتّين » وتنحنحت لألقى بكل ما أحمله من معلومات 
أمامه » حدتُه بكلّ ما سمعتُ . جذبني صم إلى أن أكمل حديثي 
وأقدّم له يعض التفاصيل » فلمًا أنهيت وقد توقعت أن يُسارع إلى ابلاغ 
مديرية الأمن العام دوت ضحكة فرقعت في الهواء وكاددت تثقب 

أذتي: تتشت أذ ات و فاا ع المع ليا بذ 
الدوي » كان تكذيبى لما سمعت هو أنه حالف تمامًا ما أنتظرء نظرت 
من أجل أن آناكد أن هدء مفكة وله ران الذي يفوم بها المدين: 
فرأيتة أسنانه ما زالت مكشوفة لم تُغْطها شفتاه لطول ضحكته » 
فذّهلت . قال لي » وهو يُطلق ضحكة جديدة » ويجمع من تشارها 
كلماته المنفرطة من بين أسنانه : «هل هذه نكتة أم ماذا؟» . شعرت 
أتني قالبّ من الثلج يهوي على أرض ساخنة » فينساح الثلج سريعًا 

كان إلى جانبه مدير الأمن الوقائي › تابع هو الآخر فصول المأساة : «إن 
كنت تريد أن مز إح فلا تمزح مزحة بايخة مثل هذه» . فضحكت أنا 
الآخرء بدأت ت بضحكة خفيفة » سرعان ما ضخمّتها » سرعان ما تحولت 
قن د فة ك المذن م کا 
تراجيديًا » سألني المدير وجوانبه ما زالت ترج من أثر ضحكاته 
المتتابعات 7 مكل رأيته يتحدث بالهاتف الخلوي؟» E‏ إلى الحد 
الذي وضعت فيه يدي على بطني خوف أنْ احرج ريحًا أو آمل الجو 
بغاز الميشان : «آه والله . لقد رأيئّه بعيئَي هاتين اللَمّين سيأكلهما 
الدود» . قال لى مدير السّجن » وهو يئز من آخر ضحكة حاول أنْ يقف 
ضيه وتفن راد رة ف الف #ل#الهاتفه ها وتاش 
الإمساك بالهاتف » ومصادرته» . وأحَكَّما خُطّتهما ليُوقعا بالهاتف » 


595 


وخرجت أضرب كفا بكف كأتتى أيله ‏ أو أحمق لحق به الصّبيانء 
وراحوا يرمونه بالحجارة › الت ا بيني وبين نفسي : «هل کانا 
يعرفان بالأمرء وأرادا أن يظل الأمر سرا اا 31 أنهما كانا 
مُتواطئين معه؟» . هممت أن أخبرهما أنني أستطيع أن أعطيهم رقم 
الهاتف الذي صدرت منه المكالمات » ويقومان هما بمخاطبة الحهات 
المحتصّة ليتوصلوا إلى الاستماع إلى المكالمات التي أجراها . . . وتتبّع 
الأرقام التي هاتفها خارج الأردن في لبنان وسوريّة والسّعوديّة 
لكنني تراجعت ء لقد فات أوان كلام كهذا . قلت لهما قبل أنْ أخرج ء 
وضحكتي ينسحبُ دّخاتها حلفي «الهاتف؟ إممم ؛ أنا أيضًا يهمّنى 
الهاتف » يهمَّني آلا يُصادَرء لاني أتحدّث من خلاله مع أمّي » 
وعائلتي » 

طبعًا العمليّّة كانت تقتضي بيع ٠٠١(‏ كغم) من الحشيش تتورّع 
على ثلاثة بلدان عربية! ظلت عبارة أحذهما يتجاوب صناها فى عقلى 
شهرًا بعد ذلك حينَ قال : «اعتبر نفسك لم ترّشيئًا»!! انسحبت إلى 
طول ما تبقى من ذلك العام » لاداري لسعات المرارة التي أعملت 
سكيتها أسفل بطنى زمئًا طويلاً بعد تلك المحادئة بليلتين كانت 
اة دعت( كفم من الحشيش كانت تتقاذفها أفواه 
المذبوحين على قوارع الفراغ فى عالم الأحلام الكاذبة . وئلاتة أشهر 
بعد تلك الحادثة كان شكري يستنشق هواء الحرّية حارج الجن . 

فى تهاية ذلك العام ؛ وقبل أن ينصرم م جارا معه كثيرًا من الحوادثك 
المؤلة > كنت قد رفعست رسالة إلى مدير الأمن العام » أخيره جا يجري 
في في الستجون » لخصت فيها مُشاهداتي لأكثر من خمة عشر عام : 

«عطوفة مدير الأمن العام المحتّرم ؛ هذا نداء مُواطن غيور على 


506 


مصلحة الوطن . . . إتنا في ما يُسمّى بمراكز الإصلاح تُعاني من إدخال 
اللو المخدرة يكافة أنواعها » وأحيانًا أنواعًا من المخدرات معتل 
الهيروين » والحشيش ء والماريجوانا » وغيرها من هذه السّموم ؛ إذ يتم 
إدخانّها من قبّل معظم ضْبّاط الأمن وأفراده الذين يخدمون في هذه 
المراكز » وأعني ما أقول ؛ إن مُعظم قوّات الأمن وليس قلة منهم يأتون 
بها من خحارج الجن ويقومون بإعطائها لبعض السّجناء الذين توجد 
لهم علاقات مشبوهة مع هؤلاء الضّبّاط والأفراد » ويأضعاف سعرها في 
الخارج . . . وقد تتساءل عن التّفتيش »نعم هناك تفتيش » ولكتهم 
يدخلونها بطرقٍ ملتوية ؛ مثل تعبتتها CE‏ تدخل دون 
رقابة » أو كعب الحذاء » أو داخل الغيار الداخلي » أو وضعها في 
(بالون) وبلعها . فإذا دخل العسكري أو الضابط السجن يقوم بتقيّئها . 
وبيعها للسّجناء عن طريق سجين وسيط يروج لهذه السَموم ... لا 
أدري إن كنت تدري آم لا . . ولكتني أحاول . . . وستقول : لماذا 
يحصل ترد في الستجون » لاذا كرت المشاجرات في الآونة الأخيرة » 
لماذا يقوم بعض التزلاء بتشطيب رؤوسهم › لماذا حدثت حرائق هنا 
وهناك؟! إتني أقول لك إن كل هذا سببّه دخول هذه السّموم القاتلة إلى 
الستجون . . .4 


397 


م هت بير 2 O‏ ہے ر نر 
تعدوالد ثاب على من لا كلاب له 


الوعد مطل » ولا أكذب من الحكومة . وإِنْ بدا أنها بريئة وعلى 
نيّاتها! والصّادقون الذين يعملون بها لا بد أن يتلوّئوا بأقذار الّياسة 
مهما کانوا نظيقين » إتها محرقة . هكذا كانت وما زالت › كذلك قال 
سفيان الثوري لأ بي جعفر المنصور حين وضع يده على كتفه وهو في 
احج حين سأله الأخحير : «أتعرفني؟» فأجابه «لاء ولكتك قبضت 
على قَبضة جَّار» . قال أبو جعفر : «فما ينحك أن تأتينا؟» . فرد 
سُفيات : «إن الله قد تهى عنكم» . فسأله أبو جعفر مُتعجبًا : «وأين 
ذلك؟» . فرد : «في قوله تعالى : ولا تركنوا إلى اين ظَلّموا فمك 
التار» 

كانت الحشود تنداح في الشوارع » بعضّ الحشود بلا عيون » الثورة 
تقوم على المثقفين لا على الرّعاع »هل امتلكت شعوبنا العربيّة الثقافة 
حتّى كور أم هل كان قادتها من اقفن الذين هم على دران 
يقودوا ثورة شا آنا أقول : إن الوقت لم يحن ظ الذي حان هو وقت 
الفوضى > كان يراد لدولنا أن تتمرّق »ء وأ تبقى متخلفة تابعة ذليلة ٬‏ 
يحكمها الغربي والشرقي دون أن يكون لها وجود . وها هي بلادّنا يا 
فاطمة تشن » وهذه شعوبنا ملأت تراب أوطاننا بجئثها أكثر مما تملؤه 
أشجائها!! 1 

لم يسني الشرفاء في وطني وما أكثرهم ‏ كانوا يُطالبون بالإفراج 


598 


عنّي بين فشرة وأخرّى » لكن بعضهم اختار أن يكون ذَنَبًا في الُوخَرة 
وذيلاً في القَّفا ؛ أن يكون بوقا للصّهايتة مقابل منصب وضيع > هل 
المناضب تدوم؟ هل الكراسيّ مُخلّدة؟! الإنسانٌ نفسه إلى موت » 
والكونُ كله إلى فناء » ولا يوجّد أفظع من صُنع سفير من أبناء جلدتي 
يستقبل على الأرض الحتلة وعلى ثرى فلسطين مَنْ ذبحها من اليهود . 
ويتبادل معه الأنخاب » ويُطمئنه بأنني لن أحرج . لو كان المسكين 
يدري لعلم أنه لا يملك من الأمر شيمًا لا هو ولا بيريز السّفاح ؛ لقد 
دحلت بأصر الله » وسأخرج بأمره إِنّ شاء الله » وسييوء كل جبانٍ 
ورعديد با لخسران . 

لحان شعبيّة » ونقابيّة » ووطنيّة كثيرة منذ أعوام وهي تعتصم آمام 
مجلس التَوّاب تُطالب بالإفراج عتي » أمّي على كبّر ستّها كانت تخرج 
معهم . ولكتها كانت تقول بثقة «لن يُطلعوه من الجن حتّى يسمح 
لهم اليهود بذلك» 

في آذار من عام ۲۰۱٤‏ جاءني خبر عاجل وهو مقتل القاضي رائد 
زعيتر على جسر الملك حين من اليهود » فقلت في نفي : «لا بُدَ أن 
طاقة الفرج قد فتحت ء وأتني سأروّح من هذا الستجن» . وظننت أتهم 
سيجدون ثغرة في القانون تُساعدهم بالإفراج عنّى » كان مقتل زعيتر 
يوم الاثنين › وهو اليوم الذي يمح لي باستخدام الهاتف لمدّة خمس 
دقائق للتَحدّث مع ابني في الخارج » هم الذين يطلبون الرّقم لي . 
غافلت الأمن الوقائي » وطلبت بنفسي رقم علي السّنيد » وكان نائبًا » 
فرد علي بأنه مع مجموعة كبيرة من التَوّاب سمُقدَمون وثيقة إلى 
الحكومة للمطالية بالإفراج عني » وأخبرني بأن التوّاب الآن على قَدَم 
وساق يسعون من أجل الإفراج عنك وإلغاء معاهدة السام فيما يمى" 


599 


باتّفاقيّة وادي عربة » فقلت له : «والله بالتسبة لي إلغاء المعاهدة اهم 
عندي من الإفراج عني » لان الإفراج عني يخصّني وحدي ء وأنتفع به 
وحدي » في حين إلغاء المعاهدة يخص كل المسلمين وينتفع به شعب 
بأكمله» » وتابعت : «أنتم شدوا من عندكم » وأنا أشدٌ من عندي » خد 
بيذي اليوم اد برجلك غدا» . وكنت أقصد من عندي ؛ أي الإعلات 
عن إضرابي عن الطّعام > وبالفعل يلغت إدارة الجن بالأمرء وكتبت 
أن سيب إضرابي عن الطعام مسحمرٌ » وهو من أجل الإفراج عني 
وتظاهر عدد من أهلى واعتصموا أمام مجلس النْوّاب بعد ذلك بيومّين 
لكي يكون لهم سند شعبي في مطالباتهم , وظندت آتها : هزمجرة 
الليث قبل الافتراس » ونضنضة الصّل قبل الانتتهاس» . فإذا بهم 
وي ل ا 6 
مجلس التواب » ومجلس اللهم نفسي لا الشعب ء ون بعضهم كان 
تافها ؛ إذ إته حين طرحت الثقة بالحكومة » حصل رئيس الوزراء (عبد 
الله التسور) على أرقام أعلى من السّابق » وجدّدوا به الثّقة ء مع أن 
)٠6١(‏ نائبًا من أصل )١9١(‏ ناتبّا كانوا قد تقدّموا بمذكرة للإفراج 
3 

بعد ثلاثة أيّام من الإضراب تعبت كثيرً » ولم تكن صحّتي 
تحمل الضّغوط والوضع ٠‏ فتلت إلى مستشفى المفرق 0 
الدكتور أوصى بدخولي إلى العناية الُركزة » لكن أَمْن المفرق لم يقبل 
بحجّة أنه ليس عندهم كادرٌ أمني يغطي الحراسة على هذا ا 
وحافوا من توافد النّاس على المكان ؛ وََْشُوا أنْ يهجموا على 
المستشفى . فأعدت إلى الجن كأتنى بضاعة تالفة ردّها المشترون إلى 
أهلها : «هذه بضاعئُكم رُدَتْ إليكم» كن فوح جيف ان اسه 


600 


بعد أن أديت صلاة العصر مباشرة . وصلت مستشفى المفرق قبل 
ال اخلت إلى م ف اير في عمان ووصلت إليه 
المّاعة الثانية بعد منتصف الليل . بت تلك الليلة في المستشفى مع 
الصّراصير » كانت هناك نظارة فى المستشفى قمّة فى القذارة ؛ إذا كان 
الجن نفسه غيرٌ نظيف » فكيف بنظارته ‏ ولو أك وضعت عنرًا في 
التَظارة لَتَفْقَتْ من الرّائحة ومن القاذورات ومن الحشرات التي تسبح 
فى كل مكان ؛ صراصير بكل الاحجام ء بالمحات إِنْ لم تكن بالآلاف . 
أمَا الحمّامات فكانت مُغْلّقة » فاختنقت من شدة الرّائحة » وكنت 
أتلوّى من انحباس البول في المثانة » فصرخت بهم : «أنا أريد أن 
ُخرجوني على مسؤوليّتي » لا أريدُ أنْ أبقى هنا لحظة واحدة» . 
وبالفعل تقلت إلى مستشفى حمزة في الجهة الشرقيّة من العاصمة . 
وعندما فحصني الأطبّاء قالوا لي «آنت يحاجة إلى قسطرة في القلب 
على وجه السسّرعة» . فعملوا العمليّة لى مُباشرة . كانت هذه هى المرّة 
الّانية التي يعملون لي فيها قسطرة ا 
شريط الد کرات کآته قطًا تدافعت من الحرّ إلى الورد » أناروا الجهاز 
الذي تسقط أشحَحه على رأسي فَخلت أن التجوم تتراقص في المدى 
EUG a‏ 

شق ء أنظرٌ في النجوم وأنتقي فَدَري من بينها » وآخحتار أسمائي من 
بين من عرفت ا أنذا لی » أحلّق بعيدًاء مثل صقر في عين 
الشمس » يرتحل إلى الأعالي » حيث يريد أن يرتاح » أن يترك وراءه كل 
هذه الصّراعات الثّافهة على الدنيا » واللهاث وراء منافعها الخادعة › 
وينتقي له مسكنًا على الغمام أو في السّماء » حي لا يجد وصبًا ولا 
نصبًا . . من جديد يعبثون بقلبي » من جديد تغزو الشبكات قلبي . 


ويحاولون جا ثقفوا من علوم الدّنيا أن يُعيدوا إلى نيض قلبي توازنه » وما 
علموا أنّه لا يُعيد إليه توازنه إلا لمسة حانية من أمَّي اونظ وفودة هرذ 
فاطمة . كنت أتأرجح بين الموت والحياة » بين الفناء والوجود » بين أن 
أعود إلى عالمي أو أحلق بعيدا في العالم الآخرء حين لمست أمَي بيدها 
قلبي الأضطرب فسكن » وحين نظرت إلى فاطمة فاستيقظت بريئًا من 
عللي . 

أبقوني في المستشفى يومّين آخرين لأتعافى » وأعطوني علاجات 
كثيرة » ولم يُقصّر معي الأطبّاء بتتخصصصاتهم كافة , لقد اهتمّوا بي 
اهتمامًا كبيرًا » المشكلة كانت في الحراسة » كان عندي في الغرفة أكثر 
من عشرة عساكر بلباسهم العسكري وبأسلحتهم ما بين جنود وضبّاط . 
كانوا قلقين من أنْ يحدث لي شيء لا سمح الله » داخليًا تشعر أتهم 
مُتعاطفون معي » لكن ليس بيدهم حيلة 

في اليوم الثاني زارني أخواي باسم وعبد الله فقط من عائلتي . 
ولم يسمحوا لمي ولا لأولادي أو زوجتي بزيارتي كان آخحي باسم 
وهو ينقل ختطاه المتثاقلة من رجله العليلة قد ازدادت لحيته بياضًا» 
بوجهه الملائكي أشعرني بقيمة الوجود في الفانية » وببسمته الهادئة 
وصوته SS‏ 
إلى مكانه , أمَّا أخي الاصغر عبد الله فقد صار I SS‏ 
حليقا » وشواربه كثة » ووجهه مُدوَرًا ومتلنًا » مددت يدي وقرصتّه على 
خَده » ابتسم : «على الآقل ها أنت تجد شيثًا لتقرصه» . من عرف قبلي 
نعمة الإحوة »من أدرك أن الأخ هو الجدار الذي تيل الدّنيا كلها ولا 
٠ 57‏ كان آخحي الا كبر بعرجته قادرًا على أن يطأ جنة حُبّي » كان يُقيم 
أود ما انفصم من العُرا بعد رحيل أبي » ويجعل الحب مكنا » والفرح 


002 


ممكتاء والفرج ممكتاء والامل: مكنا . وأمّا أخى الاصغر فلم يرقص 
القلب يوم الغياب أكثر مما يرقص له حين يُطل بوجهه الممتلى وعينيه 
الواسعتّين وابتسامته الطفوليّة 

بعد بالون الضّراط الذي عمله المجلس » ونفس فمل الدنيا بريحه › 
قرّر عدد من أبناء عشيرة الدّقامسة أنْ يعتصموا أمام مجلس التوّاب ٤‏ 
وظنوا أنهم فى حماية على الشعب » فإذا بِالثُوَاب يكتفون بمشاركةٍ 
خجولة من أحدهم » وبالتّظر من الشرفات العالية على ا 
القلائل الاثرين في الشارع نظرة إشفاق » أو نظرة اشمئزاز » وإذا 
با مجلس يعود إلى حافرته 

ثم ما لبثت قوّات الترك أنْ هجمت على الُعتصمين » وأعملت 
فيهم غَلظْتّها ء وفُض الاعتصام بالقوّة » وقمعوهم بالضرب المبرّح . 
وبعضهم دخل المستشفى » أحدهم كان مسكينا » وعلى باب الله » نزلوا 
على رأسه بالهراوات . وابني نور الدّين ضَرب حتى فقد الوعي 

خرجت من المستشفى لكي يُحسمنوا من معاملتي حين أعود إلى 
التجن » ولك الذي حدث هو العكس ء إِذْ شدوا علي أكثر » واتبعوا 
سياسة اليهود ؛ اليهود عندما يُضرب السحين عدم عن الطعام 
يشدّون عليه » في الأعراف الدّوليّة من المفروض أن اأضرب عن الطعام 
0 معاملته ؛ لكن هؤلاء فعلوا العكس ؛ وازدادت معاملتي 50 
ومرّت فترات إضراب طويلة عن الطعام عندي ء زاد بعضّها عن شهرء 
وفي مموز من عام 15 ١‏ وصبيحة يوم عيد الفطر > جاءني وفد كبير من 
الحركة الإسلاميّة الذين دأبوا مع آخرين من التقابات المهنيّة والعٌمّاليّة 
والرّجال الوطنيّين على زيارتي والاطمئنان علي » في ذلك اليوم الذي 
يفرح فيه الُؤمنون » مُنع الوفد من مقاباتي » بحجّة أي في فترة 


603 


إضراب عن الطعام » ولا تجوز الرّيارة » وأضيف ذلك إلى سلسلة الحرمان 
الطويلة التي مورت ضدي » وتصبّرت با استطعت » ورجوت الله 
الفضل » والله لا يُحيّبٍ راجيا : 
ضح E‏ .ولفيدي 

قبت آخر فلاف سوات فن سخ رعا فك أن أحابق انين ال 
امي أو زوجتي . وحُرمت من أن أتصل بسواهما كان يحق لنا إجراء 
المكالمة عن طريقهم مرة واحدة في اللأسبوع . وإذا حدتت أن مي أو 
التَلهّف لسماع صوت الام على الطرف الآخر أشد من تلهّف القائظ فى 
وسط الصّحراء إلى كأس ماء باردة > وكم مر من النهارات القائظة » وكم 
عبرنا من الصحارى الشاسعة »ولم يكن بمقذرونا أن نشرب ذلك 
الكأس 


0 CE) 
أخي أنت حر وراء السدود‎ 


أعرف - وأنا العسكري العتيق - أنّ صواريخنا وطائراتنا يجب ألا 
تققد بوصلتها ‏ وأتها يجب أنْ تكون موجّهة إلى العدوّ الصّهيوني › 
بالنسبة لي فأنا لا أقبل ا مع اليهود حتى ولو لم يبق في بندقيّتي 
اة اة > ولا يُمكن أن سر فوهة هذه البندقيّة لغير الذين 
احتلوا البلاد » وأذلوا العباد » وأكثروا فيها الفاد . لكتنى أعرف أن 
التجالتاك ك كر عن م ل كوك متشا عرهِعَ صادقة 
تجاه أوطانهم » ولا يستطيعون فعل الكشير . اسألوا (بيجن) و(دايان) 
و(شارون) هل وجهوا طائراتهم إلا لذبحتا تحن العرب e.‏ عدوهم 
الأكبر » وهل رست طائراتهم على قواعد غير القواعد المحتلة فى كيانهم 
التخيل المسمّى (إسرائيل) › واسألهم واسأل مَنّ كان قبلهم من 
(غولدمائیر) و(وايزمن) و(بن غوريون) هل قصفت طائراتهم آي مكانٍ 
في العالم يتواجد فيه يهودى ؛ واحد!! فلماذا تكون بوصلتهم بكل هذا 
الوضوح . وتكون بوصلتنا مشوشة 

في أوائل عام ۲٠٠٠١‏ أحرق تنظيم الدذولة الذي أنشئ على عين 
الرّئيس الأمريكىئّ (أوباما) أحد أفراد قوَاتنا الملحة الجميلين ؛ الطيّار 
معاذ الكساسبة رحمه الله » كان يومًا حزيتًا بالنسبة لي » ولكل 
الأردبيّين علم يستطع أحذ في الجن أن يحبن دموعهء ويترحم 
عليه » كان موته فاجعة حلت بالأردن » وكان قتله بهذه الطريقة البشعة 


يُظهر العقيدة الانتقامية الموجودة عند أفراد التنظيم » وهذا المدى من 
القسوة ة ا لت من مد الجن أن تفاع على روه عه 
الغائب وقراءة الفاتحة لكل مَن في الجن » فاستجاب . بعشت لأهله 
برسالة تعزية قلت فيها : اسللام الله على روحك يا شهيد الأردن ال 
هنيئًا لك ولا بيك وأَمَّك > سلامي ا لحار لك يا أبا مُعاذ ؛ تمَنَيتْ أن آکونَ 
بجانبك » ولكن ظروفي أنت أعلم بها» 

مر كثير من الدّهر » ورسم فوق قلبي مشاهده بكل ألواتها . ها أنذا 
أغذ الخطا إلى التهايات » كلما شدّوا القيد على رُسْمَيْ أيقلْت بالفرج . 
التائقين . الذين لا يعترفون بانحباس الأرواح وإن اتحبست الاجساد ء 
فما الأجساد إلا ثوب بال . 

أفقت صباح هذا 8 من يام الشجاء القارسة من عام 1٥‏ وأنا 
أترنم بأبيات خفيفة طروبة كنت قد حفظتًها من أعوام خلت » رأيت 
فيها عزاء 5 وزادت ثقتي وأنا أرددها بقرب الفرج : 

أخحي أنت حر راء الل دود 


أخي أت خر بعلك القُيوذ 
إذا كنت بالل وة :ووا 


اا > ا اة 
في أواسط هذا العام » وصلدت إلى رسالة من عمّى » كانت مليئة 
بالذكريات » قرأثّها وأنا أبكي » لقد تغيّرنا كشيرًا يا عمّي » ومن الذي لا 
يتغير : 
ديا ابن أخي ؛ وأنت فلذة الكبد . وبضعة متي ء أيّها الحبيب › 


< ت أراك وأنت تحبو بين يدي أخي نبتة طيّبة ستتفتّح بعد حين » 


606 


وتغدو وردة تملأ بشذاها القلوب . . . وكيرت وكبّر الحلم » ورأينا في 
حماستك للعسكريّة ما أفرحنا أن تكون ضمن الذين يفدون الأوطان 
بأرواحهم . . . فهل رأيت الحلم قد تحق » وهل شعرت أن رفاق السّلاح 
كانوا على مستوى هذا الحلم؟ أنا مثلك ومثل أبيك انتسبت إلى 
العسكريّة لأحوز هذا الشرف ء لكن الهوّة با ابن أخي بين ما نريد وما 
هو كائن واسعة » ولا تحاسّب إلا على نيّاتنا . 

ا ی الغ ين رابك ف اة ف وعدن قاطت يلف 
القيود والقضبان بكيت » وعلى هيشتك التي يبدو أتهم آذوك فيها 
حزنت . كنت متأثرًا جدا ء وكنا مع أبناء عمومتك نحن الرّجال 
مُعرّضين للانهيار » بحلاف أمّك وزوجتك . لقد كانوا أكثر شجاعة 
متاء وأشد ا الله ء ووقفة الأ خيار من آهل البلد معك ومعنا . 
لكْنَا في حالة لا تسرّ عدوا 

يا ابن أخي ؛ آنا لست - فيمايخص ماقمت به- مع القتل . 
لكن وجهة نظري آتني من ناحية القريّى وقفت معك . . . إذا صار 
خصام بيننا وبين طرف آخر ء فأنا أقف معك . »أقف مع الحق » وقد 
رأيت نك قد سعيت للحقّ فيما تراه حقًا » مع اختلافي في تعريفه » 
وفي القيام به » لكتّك تبقى ابن أخي » وتبقى حبيبًا إلى نفسي › وإنْ 

في الفترة التي أعقبت معاهدة السّلام كنت ضة التطبيع مع 
الكيان الصّهيوني › في هذه الجزئيّة آنا معك » لكنْ في فغْله › وهو 
القتل فلست معك › ولستُ راضيًا عنه داخليا »إلا أن ما قُمت به كان 
بعد اتفاقية وادي عربة بسنتين وخمسة شهور تقريبًا كان مُوعَا . كان 
السّائد عندنا في البلد أنها منقسمة إلى قسمين »قسم مع عمليّة 


607 


السّلام من أجل البحث عن عمل في دولة اليهود » وقسم ضد ذلك › 
أنا بفطرتي كنت أرفض التّطبيع مع اليهود لكدني في الوقت ذاته لست 
مع العمليّة . وأنا مع مقاومة التطبيع مع العدوّ اليهودي . لكن مقاومة 
ذلك لها وجوه عديدة لم أرَ ما قمت به وجهًا منها . وإ كنت أكبره › 
وأرى آنه لا يقدر عليه إلا الكبار . أنا حائر يا ابن أي بين العاطفة 
والواجب . حيرتي هذه دفعتني إلى أن اسل لك هذه الرّسالة » واعتبر 
ما فيها مناجاة بيني وبينك إن شئت ت ء أو بيني وبين ما أشعر به . آنا 
أَعْدَ هذا السّلام هو سلامَ الْرعَم والمأضطرٌ وليس سلام الشجعان كما 
كانوا يقولون » كنت أتابع مناقشة عمليّة السّلام في مجلس التَوّاب » 
أحد التواب على ما أذكر قال بما معناه : «إذا كانت هذه الاتفاقية 
لمصلحة الأمّة فأنا أوافق عليها . وأحمّل مسؤوليّة فحص توافقها مع 
مصلحة الامّة والأردن لرقاب المسؤولين » وإذا كانت ضد ذلك فأنا 
ضدها كذلك» . كنت أشعر أنه بذك كاف ف 

| ياابن أخي ؛ آنا مع عمليّتك التي قمت بها كمخرّجات ؛ فهي 
أدَتْ رسالة إلى العالم وإلى الاس تنا نحن ضد التطبيع مع الكيان 
الصهيوني وضد اتفاقيّات السّلام معه » لكنني مع أني مع هذا الموقف 
بهذه الصّورة ؛ فإتني لست معك ما قمت به من قتل سيعة أرواح 
ستقول لي إن عمليّة السلام دمرتنا ؛ وبأن السّيّاح اليهود كانوا يأتون إلى 
الأردن ء ومعهم أغراضهم من الماء والأدوات ولا يُفيدون اقتصاد الأردن 
السياحي بشيء ء ولا يتركون هنا في الأردنٌ إلا نفاياتهم ومخلفات 
أجسادهم . أغرف ذلك » وأتفق معك بشأنه » ولكنْ كثيرٌ من الأمر 
رما التبس علي » شعرت أن عاطفتي إليك انجذبت » وفي الوقت نفسه 


ميت لو أن ما حدث لم يحدث! 


يا ابن أخي ؛ لقد عبرت عتا بهذه العمليّة بشكل عام » وعبّرت 
عن فئة عريضة من الشّعب التي ترفض التطبيع » وعبَرَتَ عن ضمير 
فشة من الناس ترى السّبيل الوحيدة لإرجاع فلسطين هي المقاومة › 
كثيرون يا ابن أخي اعتبروا ما قمت به بطولة » لكن أنا في كينونة 
نفسي لا أعتبره كذلك » لست على التقيض تمامًا » فأنا لا أعتبره بطولة 
ولا جرعة » لكتني حائرٌ فى تصنيفه » وستبقى فعلت ما لم يستطعٌ أحد 
أن يفعله » وما يتمتاه الكثيرون لو استطاعوا 

يا ابن أخي ؛ أعرف أك استُفززت في دينك » وسمعت ما تتزلزل 
له الجبال » ولو كنت مكانك في اللحظة ذاتها لفعلت ما فعلت » لكبّتى 
الآن أنظر بعين الرّويّة إلى الامرء أنظر بقلب التاقد اليصير إلى الموقف › 
وأقومه من هذه الزاوية فأرى فيه ثقوبًا 

يا ابن أحي ؛ في المحكمة لم أرَ أعظم من امك وحدها وقفت في 
غيبوبة جُبّننا لترتقي بك إلى الذراء كنت أشعرٌ ر أنك ستتهار بين لحظة 
وأحرى › جاء هذا الملاك ليحميك من الانهيار ء ول تصمد E‏ 
الا بطال › إتهالم تفعل ذلك بك فحسب› لقد ارتقت بنا نحن 
الخائفين الذين كنا ننزوي في مقاعدنا نترقب ما سيحدثء نكاد 
تتوص در المقاغد وجاءت وه تفن كرمع عربي تابخ اولوح غ 
كراية نبويّة منتصرة › وتقول كلمتها كوحي إِلْهِيْ بليغ ١‏ 

يا ابن خي ؛ محاكمة الأبطال ظَلم ؛لكتني أضع تفسي مكان 
التولة ماذا كانت لتفعل في ظروفها آنذاك أفضل مما فعلت . لقد 
كانت تبلع سكين المعاهدة وهي التي جرت على نفسها ذلك » وكما 
يقولون : «على نفها جنت براقش» ٍ [ 

يا ابن أخي ؛ أنت تعلم أن عملك كان فرديا » لقد أيقظ شيا في 


609 


او ا و ای طرق اا إلى ار 
لكنها على مستوى الأمّة ككل لم تصنع م شينًا عظيمًا . لأن العمل 
الذي يُمكن أن فيد الاتة هو العمل ال ا . دَعْني أضرب لك 
مثالا من خلال واقعي كمزارع : : نحن إذا أردنا أن نذهب إلى 
الخصيدة » وواحد من أولادي عنده هوس »ء وراح بيوم رطوبة لا تنفع فيه 
الحصيدة. فان ذهابه فى هذا اليوم خراب ودمارٌ للرَرع وإنْ كان من 
وجهة نظره مساعدة كبيرة ومحاولة للتفع ؛ لقد كان عليه أنْ ينتظر 
الوقت المناسب ء وتذهب كلنا مما من أجل أنْ يكون إنجازنا كبيرًا 
وصحيحًا وفي مكانه » وأنت ذهبْت وحدك ولم تنتظر . الأمر الآخخرء ما 
دمت أنت قد قبلت أن تكون فى سلك القوّات المسلّحة فيجب عليك 
أن تكون مُنضبطًا با يُمليه عليك الشّرف العسكري 

يا ابن أخي ؛ لقد سبق العمليّة التي قُمت بها بايّام أزمةً صامتة 
بيننا وبين اليهود » بين الحكومة الأردنيّة واليهود . مُلخصها أن الملك 
حسين مُنعَ من دخول القّدس جوا وهو بالطائرة لقد قام سلاح الحو 
الإسرائيلي بتحويل طائرة الملك إلى مسار آحَر » فلمًا حدثت العمليّة 
تولّد لذهني أنّه قد أشير لك من قبل أناس و فى المحيش بطريقة غير 
مباشرة أن تقوم ما قمت به . لكنّ ذلك يبقى تحليلي الخاص . ولربّما 
يسقط هذا التّحليل حين علمت من أخيك أن العمليّة الى نفذتها 
بقيت تُخطّط لها أكثر من سنّة أعوام!! ۰ 

يا ابن أخي ؛ كنت أقرأ الحزن فى عيتيك حين أزورك » كنت أرى 
أك 7+ تشعر باك في الميدان وحدك »ولا أحاد يدعمك ءويقف إلى 
جانبك ؛ إنه شعور ولا أدري نسبته من الحقيقة »مع أن نني أعلم أن 
كثيرين قد وقفوا إلى جانبك »لك محكومًا بابد مثلك سيظل نهر 


610 


التّوق والخوف والشوق والتّرقَب عنده سيّالاً 

يا ابن أخي ؛ قبل أعوام قمت مع أولاد عمومتك الآخرين في 
(إبدر) وغيرها بعمل مهرجاتات ومسيرات ووقفات لدعمك . أتذكر 
أننى نظَمْتْ مهرجانًا بمناسبة مرور ثلاثة عشر عامًا على سسَجّنك . أنا 
اتان عا دعر قن ادص ارات اع إل الت 
وقهمت منه أنه يريد أن نذهب إلى بوابة الت ونيم هناك للمطالية 
بالإفراج عنك . وعدم التزحزح من هناك حتى 7 جيب الدولة 
لمطلبنا » لكتني كنت مدركا أنه لن يستطيع أحدّ أنْ يفعل ذلكء ولا 
الدولة ؛ فهي مُراقبة في تصرفاتها من قبّل اليهود ولا تستطيع أن تعفو 
عنك » ولريّما أرادت ولكنها لا تقدرء والمعلوم عتد كل العالم الذي 
يُفكر بعقله أن حكمك سيظل نافڌا إلى نهايته كل ما كان يهمّنى أنْ 
تظلّ قضيّتك حيّة ‏ وأنْ تعرف أنّ خلفَك أناسًا يُطالبون بالإفراج عنك 
والدفاع عن عدالة قضيّتك . 

يا ابن أخي ؛ لقد تعرّضت لمساءلات كفيرة من المخابرات » 
ودّعيت أكثر من مرّة والفصل بي » وقيل لي : شو بدك بها الشغلات . 
كان هناك حاجرٌ وف في البداية » كلنا يكون عندنا هذا الحاجزء 
لكتني كسرته وتمرّدت عليه فيما بعد . حاولوا أنْ يمنعوا أحد المهرجانات 
مرّة » فقطعوا الكهرباء عن البلد كاملة » وطلبوا من أصحاب الكراسي 
أن يأتوا لكي يأخذوا كراسيهم . وقال لي أحدهم إن المتصرّف أمرهم 
يتلل فقت له : ]ذا كات اضرف وجلا فلات إل" ولبواسه 

يا ابن أي ؛ في اليوم الثاني من الا وهو يوم اط 

مني المتصرّف ومن آخرين أن نقوم م بالتوقيع على عريضة, تتضمن 
استنكارًا للعمليّة التي تّمت بها » لقد رفضت بالطّبع »لم يكن ذلك 





611 


شجاعة مني » ولكتّني رفضت بالفطرة ؛ فأنا لا أتخلى عمَنْ تجري في 
غروقي دماؤه . ٍ ٍ 

يا ابن أخي ؛ كم كنت أتألم كثيرًا على أولادك الذين تركتهم من 
بعدك صغارًا لا يفوهون بحرف » ولا مُعيل لهم . » أولادك الذين حُرموا 
من عطفك وحنانك . ورج بأبيهم في غياهب الظُلُمات كيت فی 
أحد المهرجانات التي لب من انك سيف الدّين » وكان عمره 0 

سنة أن يلقي كلمة »ولا رأيته يعتلي المنصّة كانت دموعي تملأ 
حجري ء ولا حطب في الجموع وهو فتَّى وابن ¿ أبيه انتحيّت » كنت 
فخورابه . بكيات لأته ذكرني , بك بك . ولان هذا الولد قد قدَّرَ له أنْ يكون 
بعيدًا عنك وتحول بينكما الحوائل . وتقف بينكما السّدود . 

يا ابن أخي ؛ لقد مر على ذلك زمن طويل ٠‏ ولكنني أقوله للتاريخ 
وللذكرى وأنت أنت ؛ منذ اليوم الأول » ستبقى اة هادية لأجيالٍ 
لا يعلمها إلا الله ستأتى ا عا ف وف راك 
التي صوبتها نحو عمليّة السّلام الكاذبة قبل أن تصوبها إلى اليهوديات 
هي رصاصاتهم للتحرير بإذن الله . واسلم لعمّك الذي يُحبّك ويدعو 
لك في كل حين» . 


612 


)۷( 
بوصلة لا تشيرالى القدس مشبوهة 


حطّت طيورٌ مُلوّنة في مساء ذلك اليوم من الأيّام التي هلت عن 
تعدادها على فُضبان التافذة » لم أرَ في هذه الصّحراء هنا في المفرق 
مثلها » هي علامة » كان ذلك إيذانا بالفرج » شعرت أنه قريب » وأن 
مانا نا به قرفل السّعادة سيولي وجهه شطرنا! وان كل مرارة ذقمّها 
في السّنوات الطوال . والليالي الأطول ستحلو » وصدق الحبيب : 
«تفاءلوا بالخير تجدوه» ٠‏ 
كم من عيد مرّ علي في هذه المنافي!! أكثر من ثلا ثين عيدًا » كيف 
اي مدا کا عاد ای بن شک فى کو كانت ل 
عظم الشجا في الحلق!! كيف للمرء أن يفرح والذئاب تعدو عليه »› 
وتُنشبُ أظافرها في قلبه؟! تذكرت القائل : «تَعْدُو الذئاب على مَنّ لا 
كلاب له . هكذا أنا هنا ؛ لا شيء يحميني من العذابات غيرٌ حبلٍ 
موصولِ بالله أحافظ عليه هنا le‏ وتقطم بولا شو تعيد إلى 
توازني غير وجه أمَّي يزروني في المدلهمّات السود فيُنير وحشة قلبي » 
ويُؤنس وحدة روحي ٠‏ 
أقبلت ياعيد والأخْرانُ أَحْرَان 
وفي ضَمِيْر القوافيٍ ثارَ بُرَكان 
اتلك يا عيد والأخزان نائمَّة 
عَلَى فراشي وَطرّف الوق حَيْرَانَ 


613 


من أن تَفُرَّحْ يا عيْد الجراح وَفي 
قُلوبنامن صُنُوف الهم لوان 

ويا فاطمة » كم مرّة مرّ عيدٌ زواجنا دون أن يجمعنا بيت واحد» 
إتها سنوات العشق الذي أبلى التفوس » وعذب بالذكرى أكثر مما 
يُعذب بالبّعد ء وها أنا هنا حلف غابات من الجدران » وخلف كتيب 
من القضبان . وخلف صحارى تمجبها صحاری أخرى أذوب توقا إلى 
رؤية وجهك التبوي » أيّتها المطهرة العذبة ؛ ؛ لا شيء بُعين على جرع 
المرارات غير أن تكوني لي » وأنّ أكون لك »هل يُمكن أن تفرقنا 
الدروب يومًا ونحن قد مشيناها مما » وتعبّنا فيها ممّا » وعطشنا فيها 
معاء ورجونا أن يطلع علينا الصّباح فيها بعد ليل طويل طويل كأنه لا 
نهار يتلوه إلى يوم القيامة! 

فى سبمتمبر من عام 7٠١١7‏ ارتقى أحدٌ شهداثنا الأبرار سعيد 
العمرو من الكرك » برصاص مُجندة إسراثيلية على باب العمود في 
ا . كانت القّدسُ عَروس دمه الذي قدمه لها مهرًا ء فَقَبِلَتْ » 
القدس فتاة جموح » عَروس لا كأي عروس » لا تقبل إلا الطاهرين » ولا 
يكونُ مهرها إلا الأرواح ٠‏ والّذين ادّعَوا حُبّها عليهم أن يُشبتوا ذلك 
أفعالاً فى ساحاتهاء لا أقوالاً على موائد المتساقطين كان قد قيل إن 
هذه اة التي تتلقاها الحكومة الأردنية دون إبداء أسباب للقتل 
بهذه الصّورة ميكون منفذا أخيرًا لها كي تُفرِجَ عنّي دون إبطاء . لكن 
بعد ما يقرب من عشرين عامًا ماذا ظل؟ الملاعين كان يُمكن أن أقبل 
بذلك لولم يمرَ كل هذا الرّمن علي في هذه المنافي التي أكلت عشب 
قلبي » ورعت حدائق بهجتي حتى أحالتها هشيمًا تذروه الرّياح . آلآن 
وقد ذقت كل هذا الاغتراب تريدون الإفراج عتى . كلا . لا أريد أنْ 


614 


يُفرج عتي أحدّ »لن أدع لكم فرصة التّفضل والتّمئّن على بذلك وأنا 
لا يفصلني عن موعد انتهاء محكوميّتي إلا أشهرٌ معدودة . كلا ؛ إتني 
أكبرٌ من أن أستجدي ضعفاء وجُبناء EG‏ » سأخرج بلا منة, من 
أحد . ولَتُكمل المنافي في حُكمّها » ولتأكل ما تبة تبقى من نضارة عمري › 
وسأردد مع البارودي : 
خُلقت عَيوفالا أرى لابن حرة 
لدي يدا اقضئ لها خان يغصضب 

ونيا كت ارات ق وجي ر و 
أرتكب جرما ليفرَجَ عني بعفو عام أو حاص . هل تظتون أن الدولة 
يهمّها أن تُنهى معاناة أحرار الوطن الذين لم يرتكبوا أي جرم يُذكر. 
هذه الدولة كل ما يهمّها أنْ تُفرجَ عن اللصوص ولمجرمين الذين نهبوا 
شركات الوطن وترابه ومُقدراته 

أيُها الممائلون بعد كل هذه السّنوات عن قلبي » إِنّه ما زالَ مملوءا 
بحب فلسطين » وحب الموت فداء لها , وما زال ينيص بالكراهية لليهود 
ولمن والاهم » ومكن لهم في بلادتا » وفاوضهم .ء وعَرّى بقتلاهم. 
ورضي لهم بذرة تراب من أرضنا الطهور . لم يأخذ الرّمن - على 0 
- عواطفي لخير حبيبتي فلسطين ؛ ولم يحرف بوصلتي إلى آي جهة 
سواها , وأتذكر قول مُظفر «بُوصلة لا تُشيرٌ إلى القدّس مَشْبوهة» . ولن 
يجد مني الصهاينة ولو كان ذلك حر يوم في حياتي غير الرصٍاص ؛ 
اللّغة الوحيدة التي يفهمونها 

لقد استطاعوا أن يُغطُوا وجهي في المرّات.الّعَى كنت أخرج فيها 
إلى الحكمة أو المستشفى لكنّهم لم يستطيعوا أن يُغْطوا حقيقة ما قم 
به ؛ كان ذلك انتصارا للمقاومة › وهزيعة لأحلام السلام الكاذبة . لقد 


615 


استطاعوا أن يُقيّدوا يدي ورجلي مئات المرّات » ولكتّهم لم يستطيعوا 
أن يُقيّدوا فكرة كرهنا للصّهاينة الغاصبين مرّة واحدة . 

لم أكن مجنونًا عندما تَفذْتُ عمليّتي » ولا مريضًا نفسيًا أو عقليًا : 
كما أشاعواء ولم تدفغني إلى ذلك أية جهة أو منظّمة داخليّة أو 
خارجيّة » لقد قمت بما قُمتُ به وحدي » وبدافع من إعاني وعقيدتي . 
وبانطلاق من مبادئي وثوابتى > ولا يهمني ما يفعله الصّهاينة 0 
كل مَنْ يقوم بعمليّة قعل للفلطينيّين بان مَنْ قام بها يُعاني من 
اضطرابات عقا عقليّة » نهم لا يخجلون من ذلك » > أمَا أنا فلا ؛ لقد قمت 
E‏ انعنم الفذة بكامل رغبتي وإرادتي » بل وخططت لها منذ أوّل 
يوم دخلت فيه العسكرية > وما زلت أدفع باتجاه أن أكون ضمن طاقم 
حرس الحدود في الباقورة حتى أصنمٌ ما خَطْطتُ له على مدى أكثر من 
عشر سنوات حتى كان لي ما أردت » ولله الحمدٌ في الأولى والآخرة . 

لا يهمّني من قال عني إنني بطل ٬‏ ولا يهمّني من قال عني إثني 
مُجرم . كلاهما لا يعنيان لي شينًا . ما يهمّني آتني مرتاحٌ لما قمتْ به . 
ومؤمن به تام الإيمان . قناعاتي تهمّني وحدي › إذا أردت أن تشاركني 
فيها فعلى الرٌحب والسّعَة » وان أردت أن تتنكرٌ لها فعلى الرّحب 
والسّعة كذلك ؛ «شكرًا لمن شكروا » شكرا لمن كقرواة 

كل الأمراض التي نهشت عافيتي لم تكن من عدوي . كانت من 
أبناء جلدتي » حين تتكالب علي هذه الأدواء » وتتهارشني في كل 
بوصة من جسدي ٬‏ أتذكر ما قت به في صبيحة يوم آذاري من عام 
1۹۹% فأبرأ من كل آلامي » وأشقَى من كل أسقامي 

لا تهمّني بياناتكم التي تدبجونها في الوقوف إلى جانبي ٠‏ أو تلك 
التي تدبجونها في شَجُب ما قمت به » خبّثوها لأيّام البرد » وألقموها 


616 


للتارء فلعلّها وهي تحترق تبعث الدّفء قليلاً في أوصالكم الباردة . 

سيقول لكم إعلامٌ الصّهاينة يوم أنْ أخرج من هنا بإذن الله مرفوع 
الرأس : «هذا الذي قلتم لنا بأنه مجنونء لا يوجّد أعقل منه » إنه 
يُستقبّل من كاقفة أطياف الشعب ؛ لقد خدعتمونا» . وسأقول لهم : 
«نعم لقد خدعتم ؛ فأنا لست مجنونًا ولم أكن › وأتا مُستعد لو أتيحت 
لي الفرصة مرّة أرى لأطيحن برؤوس عشرات منكم دون أنْ يرف لي 

سيقول عني إعلام العدو : «إنني إرهابي» . ومَنْ قال لكم إتني 
غير ذلك؟! هل جِثتّم بجديد » لقد وُلدتْ من أجل أن أرهبّكم في كل 
مكان » وسأبقى على العهد بإذن الله 

إن تعاطفتم معي لاجل ما قمت به »أو تعاطفتم معي نكاية 
بإسرائيل ٠»‏ وبدولتهم الطارئة ؛ فالنتيجة في الحالين واحدة . 

عمليّة السّلام الكاذبة مع إسرائيل مرّ عليها حتى اليوم أكثر من 
ثلاثة وعشرين عامًا . أما آن لمن وقعها أن يخجل من نفسه . ويبل ورقها 
ويشرب ماءه ؛ ما زلنا بعد کل هذه السّنوات نعتبر اليهود محتلين › 
فموتوا بغيظكم أيها السّاسة اللعناء!! 

مكتبة الرمحى أحمد 


617 


CV“) 
١١ هل ينسى المغتي صوته‎ 


هل نسيتم جرائم الصهاينة؟ هل نسيتم مجازرهم؟ أمّ تريدون مني 
أن أذكركم الو قدنت لكم كشف حساب فستَذَهَلون » هل نسيتم 
الخروب اللات التي يا على 7 ة وقتلت المكارت من أهلها العْرّل 3 
هل نسیتم الأطفال الذين تّمت جننهم وهو يلعبون على الشواطئ؟ 
هل ت غلدى ا 8522 عل تنيت شفينة ر التي 
فل فيها الاتراك المضامنون مع أهلنا ای غرّة؟ هل 
نسييتم ال )۳١۳(‏ طفلاً » وال )١1(‏ امرأة الذين قُتلوا ذ فى العدوان على 
عة . هل حوكم وسُجن مَن دهس الناشطة الأ كتج (رايتشيل 
كوري) بجرافة تابعة للجيش الصهيوني فيي ٠۳/۳/۱٠٠۲؟‏ هل حوكم 
وسجن الضابط الإسرائيلي الذي قتل المخرج البريطاتي جيمس ميللر 
فى غزة بالرصاص ٠۰ ۰۳/٥/۲‏ هل نيتم ان دا صهيونيا قعل 
امرأتين عربيّتين فلسطينيّتين تلوحان 0 غزة في 
٠ ۰/۷/٦‏ هل نسيتم القنابل الفسغوريّة المحرّمة دوليا التي أذاقت 
شعينا في عَرْةَ ويلات لم تذقها شعوب اى ولا في القنبلة النوويّة 
الّتى أطلقت على هيروشيما؟ إذا كانت داكرتكم لا تعفكم فأنا 
أحاول تنشيطها بعض الشيء » وما هذا إل غيض من فيض . بها 
المتعاطفون مع قتلى اليهود أليس لكم ذات القلب لتتعاطفوا مع قتلانا؟ 
أم أن قتلاهم في الحتة وقتلانا في التار!! 


618 


في السجن » بأي لغة أم بأي مشاعر يُمكن أن تعشق چ المكات الذي 

لف ا ع و كرف عن مهن الذين 
مروا من هنا » وصبروا على الضيم . وخرجوا مرفوعي الهامات » أم لا نه 
اعتاد على صوتك . وعلى خطواتك » وعلى أشعارك التى صدحت بها 
من د ا اکان ا ان کی وان تعس ت ا اا 

في الأيّام الأخحيرة من عام ۲٠٠١‏ » وفي آخحر اتصال هاتفني فيه 
ابني (نور الدّين) » قال إته سيبعث لي برسالة كتبها متذكرًا مسيرته 
مع قصّتي » بعد أربعة أيّام من الاتصال جاءتني مشفوعة بالشوق 

«أبي الحبيب ؛ أريدٌ أن أذكرٌ لك قصّتى معك . وأبواب الحريّة 

تكاد تنفتح لنا معا ؛ ؛القد كدت في السّادسة حينما جلت على قارعة 
TT‏ الأعيادء ولم أبرح مكاني حتى تأتي وتأخذ بيدي ) 
كما يأتي بقيّة الآباء ويأحذون بأيدي أبنائهم فرحين . مي يومها يدأات 
تعي معنى أن يشعر طفل في مثل عُمري يسجن أبيه » وبحرمانه منه 
لسنوات طوال طوال . 

اف ا ٤‏ كانت والدتى وجدتى دائمتى الحديث عنك » 
تقول جدتي : إن أباك د یکره التهود كرها شدیدا ولهذا سحنوه . وأنك 
كلما سمعت أخبارًا في الرّاديو أن اجنود الصّهاينة قتلوا أناسًا أو ذيحوا 
طفلاً في فلسطين ‏ > كنت تشور وتغضب ء وكنت تتوعّدهم بالانتقام 
منهم قريبًا . وها أنت يا أبي تفي بالوعد . 

أبي الحبيب ؛ أنت بطلي ؛ يتخذ الأطفال في هذه الأيام من 
(سبايدر:مان) أو (سوبرمان) أو (هالك) أبطالا لهم ؛ أما آنا فلم يكن 
في حياتي بطل سواك » ولم أتمن أن أكون يومًا على شاكلة رجل غيرك . 
أتعرفف لماذا؟ لأن أبطال التلقاز يقتلون أعداء وهميين › يقتلون زبقا > أا 


619 


أنت فقد قتلت عدوا حقيقيا ء قتلت مُحتَلاً » مُغتصبًا لفلسطين » وهذا 
شيء نعترّ نحن به أبناءعك جميعًا » وهو مصدر عر وافتخار لكل عربي 
خُر . وکل غيور على دينه وأمّته كان يجب أن يقوم بما قام به أبي . 

أبى الحبيب ؛ أنا الآن - وأنا أبعث لك هذه الرّسالة - فى مثل 
غ عا شيف يكن علق الظرلتة ل کے ی يعدت نا 
فعلت » عشرون عامًا يا أبي ولم يتغيّر في المعادلة شيء سوى أن [هانتا 
باقتلاع المغتصب من بلادنا قد ازداد . 

أبي الحبيب ؛ أريد أنْ أقول لك شيئًا : ذات يوم ذهبت إلى الذرك 
لاسجّل فيهء فسالني الذي كان يُسجّل المجنّدين : تت ابن 
الدقامة؟ فأجبته وأنا أرفع رأسي نعم . فسألني وهل ستقوم با قام 
به أبوك؟ فرددت عليه بشموخ أكبر : طبعًا . فصرخ بي : قُمْ » قُمٍ اقلبْ 
وجهك من هنا . وحرجت وأنا أضحك في داخلي » كان ذلك نوعًا من 
الانتتصار على خوفي أنْ أضعف . ونوعًا من الانتصار عليه » بأنْ رميت 
الجواب الحقيقي في وجهه مما جعله يُستفرٌ على نحو واضح وكبير . 

أبي الحبيب ؛ لقد تعرّضت لثلاث عمليّات خطف من أناسٍ 
مجهولين!! أناس بلباس مدني يقومون بأخذي من باب البيت » يضعون 
کیا أسود على رأسى »۰ ولا أعرف إلى أين يذهيون بى » يقولون : 
«سَكْرٌ مَك » ما بدنا تطلع مظاهرات ولا مسيرات » ولا اعتصامات » 
وقضيّة أبيك انها تمامًا!!» . هل ينسى الْمغْنَى صوتّه!! 

أبي الحبيب ؛ ظَلَتْ جدني صامدة رغم سنواتها التي اقتريت من 
الثشمانين »لم تضعف للحظة » ولم تقل كلامًا على لسانها يُظهر ذلك » 
بل كانت دائمًا قويّة » وكان صوتها دائمًا عاليًا » بل أبعد من ذلك 
كانت تحث الشباب من أحفادها » وكل بیت کانت تدخله من المعارف 


620 


أو الجيران على أن يقوموا بمثل ما قام بها ابنها؟ وتوبّخهم وتقرعهم على 
ذلك قائلة : أنتم رجال؟ خسية خسثتم؟ لو كنتم رجالا لفعلتّم مثلما فعل 
ابني » هل أنتم أبطال؟ لا . من أين تأتيكم البطولة »إن لم تصنعوا 
ما صنعه أحمذ!! 

أبي الحبيب ؛ ؛ سر ريما لا تعرفه » ولكتني ف فى التهايات سأقوله ؛ 
كنت أعمل ذات مرّة في محل لتعيئة قوارير الماء » الخابرات بعثوا لي 
بنا بنتاء وعملت معنا في المكان لمدّة أسبوعين » وأخذتني بعد ذلك إلى 
شخص مجهول قالت إنه عرّاف في عمّان في جيل التظيف . خربطة 
مش وبنا الحا يعون ا علوم E‏ : أنت أبوك ليس أحمد 
الدقامسة لوانت هر بسر اليد 8م . وسرقت بعد ذلك هذه الفتاة 
هاتفي » وصارت تبعث رسائل منه للأرقام اللجَلة عليه تقول مشلا في 
تلك الرّسائل : أنا الآن على الحدود الأردنيّة الفلسطينيّة . ونازل على 
فلسطين للقيام بعمليات تفجيريّة ؛ كل ذلك لتوريطي » وإيقاعي في 
جناية أو تهمة كبيرة . واعتقلني الأمن الوقاثي في الحيّ الشرقي › 
ومكشت عندهم يومّين » ذقت فيهما الأمرّين من التعذيب والضرب 
والإهانات » كل الأساليب القذرة والوسخة استعملوها معى . بعد أن 
انقشعت الغمامة الو أن ق وات اغ 
عميل مع الموساد الإسرائيلي » وترتاد بيونًا لا أخلاقيّة مشبوهة!! 

أبن الت في المدرنينة كان اوت الطلان بوذا 
ويقولون : هذا ابن الدقامسة؟ هذا الذي أبوه فعل كذا وكذا؟ كنت إذا 
واجهتُ شخصًا ضد العمل الذي قُمت به كان ذلك الأمر يزيد من 
تر ومن ا نظرت إلى هذا الذي وقف ضا ما 
قمت به ستجد أنّ أباه يعمل في وظيفة في الدّولة أو الحكومة وخائف 


621 


على متصبه أو راتبه ٠‏ أمّا ابن الجيش وابن الحراث ء وابن المواطن 
البسيط فقد كان أبوه يُشجّعه على أنْ يظل رفيقًا لي وصديقا 

أبي الحبيب ؛ إتهم يُحاصرونني في الوظائف التي أعمل فيها ؛ 
عملت فى محلات ألبسة » كنت أعمل لمدّة أسبوعين على الأكثر » 
وده اف عرو ال اخ ا ر سا العمل :قال 
لي جماعة الأمن قد ضغطوا علي لفصلك . ولك واحدا من هؤلاء 
الذين وظفوني لم يخضع لهم . ولا لطلبهم طردي من الوظيفة » 
وعاندهم ؛ فكانت النتيجة أن حرقوا له محله بالكامل!! وأنا مع كل 
فعل يزداد حُْبّي وإيماني بالله » وحبّي لك يا ابي 

أبي الحبيب ؛ سلامٌ الله عليك في الأولين والآخرين » سلامٌ على 
روحك الثائرة » وإلى فرج قريب بإذن الله » أضمّك فيه إلى صدري . 
وأحكي لك عن كل شيء,ٍ 

ابنك المحب : «نور الدين» 


622 


CVV) 
لن أسمع صوت الزرد والسلاسل بعد اليوم‎ 


لم يعد يعنيني بعد الآن شيء لقد بلغت السّادسة والأربعين ؛ 
ورایت کر شيءِ » وعاينت ؛ أهوالاً وتجارب تبعل كل شيءر يبدو ضكيلة 
وصغيرًا ا يعت أن اغ ت ب القرى ران ارت غد 
جاءئّني منيّتى وأنا على هذه الحال »فلن أندم » ولن أرجو أن تتأخحّر 
ساعة » أعظمٌ عمل نويت أن أقوم به في حياتي تحقق . العمل الآخر 
الذي طاكًا تنيت أن أفعله > تحقق هو الآخرء لقد حققه لي السّجن , 
كأئما الجن نعمة › وهل كان غير ذلك!! لقد أدمنت صحبة الكتاب > 
وفتح لي ذلك فتوحًا عظيمة » أراني حقائق الأشياء » وعرّفني قيمتها , 
وجعلني أشعر أن عشرين عامًا في الجن ريّما تشيه عشرين عامًا 
أخرى في أي مكان من العالّم » ما دام عالّك الّاخلي صا حا فلا 
يهمّك خراب عالمك الخارجي . ومتىٍ كان العالم الخارجي صالخا في 
أي زمن!! إنّه غارق في المخراب » من أهبط آدم على الأرض » ومنذ أن 

سن قابيل شريعة القثّل › هذا العالم الخارجي ظلّ طوال هذه الآلاف 

من السّنين ين تحت شرور الإنسان » ليس من مهمّتي أنْ أخلّصه من 
شروره › ولا أن اا مهتي الأولى ا أن أصلح عالمي 
الداخلي › ل فين مُتصا حا مع نفسي »ولا أجد فرقا في النوات رہ 
بمقدار ما تعطيني من تجربة » وبمقدار ما أحول هذه التّجربة نفعًا لي 
ولجحنسي البشري . 


623 


العالم » في أي بقعة منه » هو وطن » صالح لأنّ تعيش فوقه. 
وأرض الله واسعة » وعلى أي جزء منها يستطيع أن يكون البشري 
حياتّه الخاصّة » شيء ما في وطني جعلني أهبه كل شيء ء وأقدم 
ماده ER‏ جو وب EE‏ 
ومسؤول على الا 00 ثرا . 

إتني أتقن الموت كما أ تقن الحياة » ظلَتْ شغلي الشاغل في ليالي 
السجن الذاجية هو أنْ أعرفني » أنْ انقب في ذاتي » ان أخوصن عقا + 
كما يغوص راس اللسان الصّخري في الخليج › آلا آفقد بوصلتي › أن 
أرى الأشياء على حقيقتها , لطالما صعدت إلى ذروة نفسى » ونظرت 
إليّ من شاهق لأرى الصّورة بكامل جوانبها فلا أنكر منها شيئًا » لقد 
حاولت ٤‏ آل ال ؛ وأن ¿ أظل مانا مع عي طوال الوقت ولا أقع 
في اليأس » كنت أوقن أن اليأس ك5 و الك هاوية . جاهدت أن أبقي 
على شعلة الأمل مُتقدة . أعترف أنني غبحت أحيانا » وأعترف بشكل 
صريح أكثر أنني فشلت أحيانا أخرى 

كانت الرّنازين الانفراديّة أرحم بي من بعض البشرء لو حذفت 
باء اليشر لصاروا الشر ؛ ولو حذفت شينهم لكانوا البر ءلكن باءهم 
تسبق شينهم ؛ فشرهم يغلب برهم » هل كان هذا مُصادفة!! البقعة 
التي 101 تظل أقل خطرا 5 5 عن 0 ١‏ 0 0 5 
جديد في ذاتك : EEE EAS‏ 

E E a كانت‎ a والآن‎ 


624 


كمالو كنت مساقرًا لأتعلم » أو لأجمح كنرًا ثميئًا من المعرفة »ما 
كانت حياة أخرى في آي مكان آخر لتتيحها مهما كانت الظروف . 
اليوم أعترف باتني عشت عقت كل دقيقة في السجن بكامل ثوانيها 
الستين » وأنا أجد في كل ثانية تمر حياةً مخختلفة عن الحياة التي مر في 
الثانية التي تليها » وكل تجربة » وكل فكرة » وكل همسة » وكل نظرة » 
وکل لمسة »وکل جوع » وکل عطشء وکل حبر وکل شوق » وکل 
توق » وکل جنون . . . ما أعظم الحياة هناك ء ما أعظم الحياة!! 

رصي . هل تصدقون ذلك ؛ سيحزنني بعد اليوم أتني لن 
أرى الجدران المكشوطة › ولا الكتابات المراهقة قوقهاء ولا الرموز 
الغريبة . ولا الرتسومات الأغرب . . . سيُحزنني بعد اليوم أنني لن 
أسمع صوت الزرد والّلاسل بعد اليوم ء لن أراها وهي تلتف كأفعى 
على جسدي قبل أنْ تسقط بثقلها على الأرض مُحدثا صوت ارتطامها 
ثقبًا في طُمأنينتي . وسيّحزنني أيضًا بعد اليوم أتني لن أسمع صرير 
الأبواب في الرّنازين التي كانت فح من أجل مفاوضتي في خياراتي 
التادرة » أو مساومتي على مواقفي . حقا إن ذلك ليحزنني!! 

لقد تعلّمتُ من الجن ما لم أكنْ لأتعلّمه خارجه ؛ تعلّمتْ من 
الجن أن أكتفي بالقليل » وأعيش بالقليل » وأموت على القليل » فما 
دام القليل يكفي فأي حماقة تلك الى يرن إلى أن أسعى إلى 
الكشير؟! تعلمت من ا أن أعمل بيدَي ٠‏ وألا أنتظر من أحدٍ 

شيعًاء والا أرجو غير الله > وألا أخاف سواه » وأنْ أوطن فطق لن 

الرّضا يكل کی . تعلمت من الجن ألا أنشغل بسفاسف الأمور» 
وألا أرهق ذهني في فى التفكير بالوضيع من الأمور› وألا أجادل إلا بخير » 
وألا أناقق لاحد» وأ أسترضي أحداء وآلا أستجلب عداوة أحدء وان 


625 


أقول ما أريد دون حساب لاحد » وأن أصرف وقتي فيما يحرك الماء 
الراكد في عقلي » وأن أقرأ في كل يوم » تعلّمت من السّجن أن حير 
الأاأصحاب » وأوثق الأاصدقاء ء وأنبل من يُمكنك أنْ تتعامل معه هو 
الكتاب » فحرصت على ألا أحلي نفسي منه في يُسر أو عُسر . تعلمت 

من السسّجن أن أسامح كل من أساء إلى » وأنْ أعفو عمّن ظلمني » وألا 
أتتبّع أخطاء الآخرين » وألا أنشغل بغير عيوبي » فأنا لم أبرأ منها. 

حتَّى أفكر في عيوب الآخرين . تعلمت من السّجن أن أقبل الحياة كما 
هي ع »فما من حياة تُشكلها كما تريدء فذلك شأن الله » ولكتّني 
أستقبل ما قُدِرَ لي فيها بالرّضى » وآخذ من كل مر فيها بأحسنه 
تعلمت من الجن أن الأيّام دول » وان الحاللات من الحزن والفرح 
دول » وأ الول دول »فما حزنت حتّى قضى الزن علي لمحنة » وما 
فرحت حتّى أخرجني ی الفرن عن و را لمنحة » ولكتّني سلكت وسطًا 
بين الحالّين ء ولم كن لوا لأبلّع ولا مُرًا لألقظ . 

وها هي (إبدر) تكبّر وتكبّر وتكبر حتّى تُصبح نجمة لتنضم إلى 
التجوم الخالدات في السّماء » ظَلَتْ معلقة بأهداب قلبي » وظلَتْ 
حواريها وشوراعها » وأشجارها » ورملّها ء وجبالّها أنشودة الحب » ولحن 
الهيام ؛ فهل غاب هذا الطفل عنك كثيرًا أيّتها الجميلة الطيّبة؟! 

لقدأخذت من الحياة مايكفي ٠‏ بلغت قبل ست سنوات سن 
الأزبعين »الس لني الكصمل فيه التؤى: وتتضح اديه اجرد 
وتشتعل فيه نار الحكمة . التار في قلبي وفي وجداني ستظل تُضيء 
لي حتّى أبصر الطريق » سيّان عندي إقلال وإكثار : 

كرحي المرّء مثل قَليْلها 
يول وباقي نره مثل ذا 


626 


لن أسمع بعد اليوم في المساءات رقمي العشوائي في عد قطيعنا 
الذي يُساق إلى زريبته » ولن أسمع صيحات ارون عن اسان 
ولا صرخات الْمتسلطين من السَجّانين » ها أنتم ترون ؛ كل شيء إلى 
انتهاء E E‏ والحاكية تذور › والماء يدور » والبشر يدورون » 
وهناك في ثقب ما سنسقط جميعًا 

اليوم ما هي قيمة الأيّام التي أضربْت فيها عن الطعام ء والأيّام 
التي شيعت فيها؟ ما الفرق بين أيّامي التي كنت فيها صحيح الجسم 
قوي البُنية وبين أيّامي التي كنت فيها مريضًا أعاني الوحدة والحزن 
والفراغ ؛لقد ذهب كل شيء » كل شيء في SS‏ حصي عر 
ومرّه » بطوله وقصره » بجماله وقبحه » ولم يبق إلا الغد ؛ الغد الُنتَظرء 
إنه لا يكاد يكون منتظرًا » إننى أشعر أنه يُشيه كل شىء مضى › 
ويُشبه کل شيء سيأتي!! ٠‏ 0 


627 


(YA) 
١؟ اکان الأمر يستحق‎ 


كان ذلك في شباط › وكنت قد فرغت منذ الصّباح رغم البرودة 
الشديدة من خبز الأرغفة الثلاثة . وانتظرت قادمًا لأهديها له كأتك 


ما 


أكلت . لكن أحدًا حمّى الآن لم يأت يا بني ؛ أفيكونون قد عرفوا أن 
خروجك قريب فآثروا أن يُبقوا عليها من أجلك! 

كان الهواء فى الليالى القاتمة يُحرّك أبواب البيوت » كلما حرّك 
الهواء بايا ظندت أنه أنت يا يني » أك قادمٌ من سجنك الطّويل » 
لتقول لي : كانت رحلة طويلة » كان غيابًا طويلا » نت لا تدري كم 
أحدث ذلك في قلبي من ندوب » ولکتني لم أحدّث بها أحدا» وكم 
ملأ فمي بماء مالح ولكتني لم أشعر به أحدًا » وكم تركني ورقة وحيدة 
في مهب رياح الحزن » ولكدّني قاومت بالصّبرء قاومت بالرّضى › 
قاومت على آمل أن تنتهي ي هذه المأساة وتحرج لي كالبدر من عتمات 
الليالى الداجية . أتظن انها عشرون عامًا يا يُنىّ » كلا ؛ إتها عشرون 
موتا » وعشرون فقدا » وعشرون ألا » وعشرون جرحًا > وما زال التزيف 
متدفقا. ولكنْ ها هو ينتهي . أسمعك تقول : ألا ترينني . هذا أنا يا 
أمّي بلحمي وعظمي ء هذا أناء تحسسّي ذراعي إنها ما زالت ذات 
الذراع التي ربّيتني على. ألا تستجدي بها أحدا . تحسّسي شعر رأسي » 
إته ذات الرأس الذي علّمُْتني ألا ينحني لأحدء وألا س أحدٌ منه 
شعرة يسوء . إته ما زال كذلك يا أمّى . صحيحٌ أنه شاب »لکن 


628 


الشيب تغفيّرٌ فى اللون لا تغيّر فى الموقف . إنّه ما زال مرفوعًا منذ أن 
قلت في ذلك اليوم البعيد» «ارمَعْ راك يُمّه» . وها هو قلبي . غ يه 

هو الاخرء إنه ما زال دافمًا مذ قلت له قبل عشرين بُعذا : (ولا 
يهمك) »رغم ما مر عليه من أعوام كانت كلها صقيعًا لا ينتهي 
تحسّيه يا مي » إنّه ما زال ينبض بك رغم أنه توقف في هذه السّنوات 
الطوال عن التبض غير مرّة . وها أنذا من جديد › »ها هيي حقيبتي ها 
أنذا أضعها على أرض الدار التى ريتّنى » حين غادرئك من هنا كنت 
أحمل ذا اة : ولكتها اليوم امتلأت بالكرامة أكثرء واتسعت 
لأحلامي المجروحة أكثر » وصار بإمكاني أن أقول لك : إنها أيضًا 
اتسعت لحبّك أكثرء اللشيع الع اني عليها للبطولات التي 
صنفتها في داخلي » وجعلت منّى سارية لا تنكسر . ها أنا يا أمّي أعود 
بعد كل هذا الغياب!! أكان الأمر يتحق؟! بلى يا أمّي كان يتحق 
هذا وأكثشر كان يستحق لأن بريق عينيك لم ي ينطفئ رغم كر الليالي 
السود على مدى عشرين عامًا كان يستحق يا أمّى نعم » لأن دين الله 
لا يُقدّر بثمن . وما الثمن الذي دَفَعْتُه؟ إنّه لا شيء امام الله » أمام ما 
طليه الحق مني في ذلك اليوم المشهود . كان ي يتحق لأن وطني الذي 
حَبّت عليه خيول الصّحابة » وارتفعت عليه رايات التوحيد لا يُترّك 
عاريًا للستّماسرة والقتلة . نعم كان الأمر يستحق » لأني رأيت أبأ عبيدة 
يشرب من نهر الأردن › ومعاذ بن جبل ينام تحت زيتونه » وعامر بن أبي 
وقاص يستظل بسَعَفه » ورجاء بن حيوة يقص في ربوعه على القادمين 
حكايا امجد والبطولة » وجيلاً لا يُمكن حصره ولا تَخيّله لم يُتكر فضل 
ا 

تقولين : «من عشرين عامًا كدت كلما طبخت حضر طيفك › 


629 


فاجتزأت حُصّتك من الطعام على أمل أن تأكلها . من عشرين عامًا في 
كل جمعة أتخيّلك تطرق على الباب » وأقول لك : «فوت يا أحمد . . . 
فوت» لتُفطر عندي . من عشرين عامًا وأنا أنتقى التو الجميل الذي 
سأستقبلك به » وآن اليوم أن ألبسه فرحًا بخروجك . من عشرين عامًا 
وأنا أتدرّب على الرّغاريد التى سأملاً بها سماء (إبدر) حين أراك . من 
عشرين عامًا وأنا أنتظر هذا الحلم ليتحفّق » هل ما زالت فاطمة على 
فضولها لتعرف الحلم ء فل لها : نه تحقق » وإنّه يوم ا لخلاص» 


630 


(9/ع) 
آنا فرت لأعداتي سلم لأحبابي 


في نهاية ۲١٠١‏ أعلن وزير الإعلام الأردني أن أحمد الدقامسة 
سيخرج في موعده . حين وجه للوزير سؤال عني » فقال: أحمد 
الدقامة سيخرج في موعده في 7١-7-/10170م‏ . يدون تأخير وغير 
مطلوب لاي جهة . بلغت بذلك » فكانت التّهاية تبدو أمامى مثل فلق 
المُبح » وصارت مرئيّة بعد عشرين عامًا لن أعرف تمامًا كيف يشعر 
سجين بطعم الحرية بعد أن استُلبت منه عَقَدَين كاملين . أغلب الظن 
أتني أحتاج إلى وقت کي أبتلع الحياة خارج الجن » الحياة المزيّفة ع 
أعني أتنا كتا نعيش في الستجن حياةً أقل زيقا . 

كان فى السّجن ضابط اتحذنى صديقا » أصدقاء المتجن بالمناسبة 
اك وكا من اولعف لذبن خا عه كانت مواقفه معي رائعة » ولم 
يكن سائلاً بالعواقب » لته كان يتعامل معي بإنسانيّة » قلت له : ديا 
رجل لقد اقترب موعد الإفراج عي » وأحتاج مثل يونس إِذْ حرج من 
بطن الحوت إلى فترة تهيئة وتهوين» . قال لي : «على طول ء آنا سأكتب 
فيها كتابًا » وسأتابعه حتّى تأتيك الموافقة» . وبالفعل كتب كتايًا ياسمه 
إلى إدارة السّجون » وجاء الْرَد يعد أسبوعَين با موافقة » ووضعت على 
الفور في غرفةٍ مميزة ؛ كانت جديدة » تهويتها ممتازة » وطلاؤها يلمع › 
ونوافدها أكثر اتشباع » وال س تغازلها طوال اليوم . ووضعوا معي 
آناسًا كذلك قد اقترب موعد - الإفراج عنهم مثلي وكانوا اناا طييين › 


631 


ولعل تلك الفترة كانت أحن فترة في سجني » من ناحية الخدمات » 
وإذا كان يصدق المثل القائل بأن الغريق يعلق بقشة. وأن السجين 
طفل صغير ي شيء يُغضبه واي شيء يُفرحه » فقد قُدَمتْ تسهيلات 
تبدو تافهة , لكنّها كانت بالتسبة لنا عظيمة ؛ كان من ضمن هذه 
التسهيلات أنهم سمحوا لنا مثلاً بشراء القهوة على حابنا » كل 
أسبوع وقيّة قهوة › وكنا نغليها عندهم ليس في غرفتنا ء لأنّه بالطب لا 
يوجّد عندنا غاز الأفضليّة كانت في السّماح لنا باستخدام غازهم , 
وتلك نعمة كبرّى » وكنا نشرب القهوة في أي وقت شئنا ء وفي الحقية 
صار للقهوة طعمٌ آخر » وصرنا نراه شرابًا مُلوكيا . ومن التسهيلات 
كذلك السّماح لنا باستخدام الهواتف بشكل موسع . > صرت أحكي 
كل يوم تقريبًا لكنْ بقيت أتكلّم فقط مع رَقَمي أمّي وزوجتي » وهذا 
أمرٌ بالمٌ الأهمّيّة لقد جلبوا لنا صوت الحرّيّة إلى هنا . فتدثْرّنا بدثارها 
ونحن نتمايل من السّعادة . الغرفة كذلك اختلف عليينا فيها القطيع 
البشري القارً فيها » فمثلاً صارت بدل أنْ ينام فيها عشرون إلى خمسة, 
وعشرين تقلص هذا الرّقم إلى الصف › فصار ينام فيها حوالي عشرة 
سجناء . الأكل للأسف لم يتغيّر» ظل مثلما هو ؛ لأنها شركة › وهذه 
الشركة كلها فساد بفساد . 

في الأيام الثلاثة الأخيرة التي 5 تسبق الإفراج عتي لاحظت الاهتمام 
بي كأئنى قطعة من الماس ء أو كأثني (فازا) يخشون أنْ تنكسر كان وزير 
الدَاخليّة قد وقع كتاب الإفراج هذا . وأمر بمنعي من الخروج من الغرفة إلا 
برفقة حارس وضابط » لحماية أمني حسب تعبيرهم » وخوفا من الاعتداء 
علي من آي نزيل آخرء وكانوا يُلاحظون خُطُواتي خوفا من أن أتعثر أو 
أقع على الارض بشكل مُبالَعْ حتّى لم عد أعرفني! 


632 


قلت لفاطمة ٠‏ إنها الحرية أيتها الحبيبةء صار الحلم حقيقة › 
والوعد صدقًا » اشتري لي أجمل بدلة في السّوق » لا أريد أنْ أغادر 
سجني مثل بقيّة المتجناء ء أريد أن احرج شام الرآس ٠‏ عزيرًا ء أنيقا 
أريذ للتاس حين تراني أن تعرف أن سنواتي العشرين لم تنهزمني > ولم 
تبعشرني > وأ شوقى إلى الحياة كبو وات هذا الجندي الذي قاتل 
بالبدلة لفيا بد فاده على أ يواجه الفرح والتاس بالبئلة المدنيّة 
كأنّ شيئًا لم يتغيّر . ما رأيّك يا فاطمة باللّون الكحلي؟ كلاً » كلا إِنّه 
لون تقليدي » وأكاد أرى فيه البّؤْس والحديّة أكثر من سواه أريدٌ لوا 
فرحًا » فاتحًا مُبهجًا.ما رأيك باللون الخمري؟ قد يكونُ مناسبًا . 
لكتّني أرى أن يكون القميص خحمريا » والبدلة رماديّة » كأيّامي التي 
سأتركها خلفي . 

يوم النّيت ۲١٠۷-۳-١١‏ في الصّباح قبل أن يُخرجوني من 
سجن (أْمّ اللولو) » جاء مساعد مدير الأمن العام ومدير السجون ووعدد 
آخر من الضبّاط . مساعد مدير الأمن العام كان لطيفاء وقال : «أنت يا 
أحمد سيّفرَجٍ عنك اليوم أو غدا . . . أو قريبًا جدا . . . وأنت عاقل 
وأنت تعر ف أن كلمة منك ستُهيّج التاس > وكلمة ستهدثئهم ؛ وأنت 
تعرف البلد وأمر الاستقرار والأمان فيه» . فقاطعتّه لأقول : «أنا قبلكم 
أحافظ على أمن البلد > بل وأكثر منكم » بالتسبة لي استقرار البلد 
عندي خط أحمر > ولكن عدائى لليهود سيظل مثلما هو منذ أن 
وعيت . أنا حرب لأعدائي سل لأحبابي» . قال لي : «عداؤك لليهود 
TUE‏ يهمنى أمن البلد» . 

في مساء ذلك اليوم كنت جالسًا عند رئيس القسم» > کان قد 
أصبح معتادًا منذ فترة التّهيئة أنْ أشاركهم مكاتبهم » ون أجالسهم في 


633 


الأيَام الأخميرةء إذ إنهم كانوا يتعاملون معي بأعلى درجات الرقي 
والتهذيب . وكنت كثيرًا ما أشاهد التلفاز وحدي » وبيدي (الرَموت) 
أقلب بين القنوات التي أريد » حين ارتفع الأذان » وكانت صلاة العشاء 
قد حلت فقلت للمدير : «بعد إذنك أريد أنْ أصلَّى » سأذهب إلى 
الغرفة» . فقال لي : «لاذا لا صل هنا وأنا سآمر الضبّاط أنْ يأتوا بكل 
أغراضك من المهجع» . فلمًا سمعت ذلك أيقنت أن السّاعة قد أزفت › 
فصليت عنده العشاء » وإذا بالضباط قد أتوا بأغراضي الشخصيّة : 
(دفتر الأشعار والمختارات الأسود . ودفتر الهاتف » وملابسى › وصحنين 
بلاستيكيّين كانا قد رافقاني في السّنوات الأخيرة جديا مسطح 
والآخر عميق . وكأس بلاستيك مُقوّى كنت أتناول فيها الشاي 
والقهوة) . أمّا دفتر المذكرات فكنت قد أخرجتّه من السّجن في عام 
6٠م‏ . قلمًا أنهيت الصّلاة قال لي رئيس 00 دهيًا بنا . فسألته 
وأنا لا أكاد أقوى على القول : «إلى أين؟» . فقال : RE‏ لك ؛ 
هيا بنا» . وإذا بهم ينتظرونني » حرجنا في ثلاثة EO‏ ' 
ضعت في إحداها . وبقيت الرّنزانتان الأخريان خاليتين للتمويه › 
وأوصلوني إلى سجن (باب الهوى) في إربد الساعة ۳۰:۸ مساء -١١‏ 
-7010م . سألوني أوّل وصولي : «هل تريدٌ عشاء؟» ». فأجبتهم: 
ئتوني بأطيب ما عندكم» . وكنت أتضو ور جوعًا » فأتوني بالعشاء . 

3 بالقهوة » وتعاملوا معي بكل احترام . لم أكن مطمئنا حتّى 
الآنء وتاءلت لاذا نقلوني إلى سجن باب الهوى ؛ هل هذا هو 
الإفراج؟! لاذالم يُفرجوا عنّي من سجن (آم اللولو) مباشرة؟! مکنا 
صرت آفکر › وكان ا وف بملؤني حتّى آخر حظة بأن يتم التمويه على 
الأمرء ولا يُفرّج عي . والخوف أقتل للإنسان » والتَرقَبٍ مَفسّدة 


634 


للطّمأنينة . فسألت ضابطًا كان موجودا هناك : وما القصة ء. مادمتم قد 
نقلتموني إلى هنا فلماذا لا تُدخلونني إلى المهاجع؟!» . فقال لي : «لا» 
دعك معنا هنا أحسن لك» . وغمزني ء ثم تابع : «هو أمرٌ جيِّدٌ لك . 
وسينتهى على خير» . فاعتقدت أنّه فى المّاعة الئّانية عشرة ليلا قد 
يُفرجون عبَّى ENTE‏ وا حفن EIT‏ ذلك اليوم كان 
قد مر علي وقتْ طويل لم أ فيه » وكنتُ متعبًا من طول الطريق » 
والإرهاق اللحدي والتفسي » فطليت منهم أن أنام > فقالوا لي : «حخط 
هاتين الكنبايتين بجانب بعضهما ونم عليهما» . وبالفعل نمت حوالي 
السّاعة » وإذا بهم يُوقظونني ويقولون لي : «هل تريد أن تخرج بهذه 
الملابس »آم تريد أن تلبس البدلة؟» » فانتفضت . إتها اللحظة التي 
مرت عليها ملايين اللحظات السّابقة كي أصل إليها . وها هي تحين . 
قلت وأنا مُضطرب : «بل ألبس البدلة » وربطة العنق » وأزيّن شعري» . 
لم أكن أعرفف كيف تلبس بدلة »ولا كيف تُزرّر أزرار قميص . ولا 
كيف تُعقد ربطة عنق . لقد فعلت ذلك مرّة واحدة من قبل كانت يوم 
زواجي قبل أكثر من ربع قرن . نعم لم ألبس بدلة من قبل إلا يوم 
العرس » وهذا اليوم هو عرس من نوع آخحر ؛ فلماذا لا أقعلها؟ 

ارتديت ملابسي الجديدة » هل يُمكن أن تُغيّر الملابس الإنسان › 
شعرت أنني ولدت من جديد . رافقتّني في الخروج من بوابة الجن 
أكثر من عشرين سيّارة أمن » ما بين سيّارات عاديّة » وما بين أربع 
زنازتين متحركة أو حمسة ء وكانت كلها للتّمويه , وْقَلتُ من هناك إلى 
مبنى محافظة إربد » وإذا به استنفار أمني هتاك . الخابرات والمحافظ 
والشرطة والأمن الوقاثي وكلهم من الضُبّاط ذوي الوّتب العالية . وإذا 
المحافظ يتكلم معي بجلافة وبدأ يلقي علي التّعليمات ؛ لا نريد أنْ 


635 


تفعل كذا وكذا .و . .. لا اعرف بم يُعلبون عقول هؤلاء حتّى يتكلموا 
عع ا بهذه 0 ة الفظّة 000 عامًا اتصرمت من عمري كي 
حرجت من هناك ا 0 الوقائي . راحت السسيارة ع 
طريقها ا بني كنانة نحو قريتي (إيدر) َ وكان عثيرة الدقامة قد 
تسرّب لهم الخبرء وإذا بعشرات السّيّارت قد اصطفت تنتظر هذه 
الأغانى الوطنيّة من السسمّاعات الكبيرة المركوزة على الحافلات ٠‏ وغنى 
الشباب أهازيج البطولة كانت ليلة لم ينم فيها أحدٌ من العشيرة . 
وشارك فيها مَنْ لم أتوقع أنْ يُشارك ؛ كان هناك أطفال بعمر السَّنتَّين قد 
حين تكبر عليك أن تصير مثله» » ثم ترفعه عاليًا ليُشاهدنى . عشرات 
التساء انطلقت حناجرهن بالرّغاريد والهلاهيل . والكبار فى السَنَ 
-- عكاكيزهم ولوّحوها في الهواء ترحيبًا بي . كنت ابتلع الحياة 
فقة إلى بكثافة » وأنا أحاول أنْ أستوعب ما يجري » بم قد يشعر 
من كات مغييا عن الشوارع والأزقة والحارات والبيوت والتاس كل هذه 
او كيف لي أن أدرك حجم الحقيقة التي ألقيت ككرة كبيرة في 
وجهي ذفعة واحدة . لم يكن لسجين لم يعرف ما هو (السيلفي) في 
الهواتف الذكيّة أن بُدرلة هذا الكمّ من الشباب المتشوّقين إلى التقاط 
ور مغي ولو يد نافذة السيارة التي تُقلني أي ورطةٍ لذيذة 
هذه التي وقعت 0 
قطاة قعل الطيرن وي دم لآ جعله د 


636 


سأرى أيقونة الفخخر والعز عبار النخلة الشامخحة > سأرى الوردة التي 
لم تذبل »بعد قليل سأقبّل أكف الصّامدة الصابرة التي لم تُسمعني 
ا انر كلها a r‏ كل 1م 
سابق »و نهار المجدر التي أقيمت بيننا » وسأكون ن على موعد مع 
الرّائعة أمَى 

غ تجلس في الغرفة التي جلسنا فيها أنا وهي وأبي وإخواني 
وأخواتى 5 وتناولنا الطعام 7 وضحكنا ولعبنا ¢ تنتظرنى فى دات الزاوية ¢ 
وهى تُخحبّى لى الأرغفة الثّلاثة إيّاها التى دأبت عشرين عامًا على 
تخبثتها ء اليوم من يديها سأكل لقمة الخبز » ولن تقول لأوّل طارق 
للباب : «خذها » هى لك ؛ كأنه أكل» 

على الدرجات القلائل التي تسبق باب المنزل الذي كان مفتوحًا . 
رها » كانت هى هى » خطوت ما تبقى من تلك الدرجات لأقف 
بالباب تمامًا » فلمًا رأثي صاحت : «أحمد . . أحمد . . .» ثم شرقت 
بندائها الذي لم تستطع أنْ تُكمله » وغابت عن الوعي . ركضت إليها . 
قَبّلت قدمّيهاء وطلبت منهم أن يأتوا يالماء » مسحت به جبينها 
الشامخ » وناديت : «ية .ية ...ها أنذا... ها أنذا» . صحت على 
مت ١‏ اکا بعل انا في الخحرين اا ين خا راو ودر 
واتهمرت دوعي ودموعها قطرات من فرع وخب ؛ وشکر جلست 
عندها » وأعدّت لا فاطمة الشاي » ذات الشاي الذي كنا نشربه على 
السطوح و في الليالي الصيفية الصافية البعيدة .لم يكن أحد من الناس 
يدري أن كلمة واحدة من أمَى قد غيّرت تاريخى بأكمله > وصنعت 
متي إنسانا آخر . ولم يكن اح كذلك يدري أنه لولا تلك الكلمة لما 


637 


أقيمت الاحتفالات من بعد في مضافة الدّقامة ء توافد الاس 
من كل صوب وحدب . كانت تظاهرة #عظيمة . الاستقيال كان 
عظيما ٠‏ هل جيل هؤلاء الشّباب امُتحمّسين أفضلُ من جيلنا؟ هل 
وعيّه متقدمٌ على وعينا؟ هل يُنتجّ هذا الوعي عملا بطوليا شجاعًا › آم 
أنّه لا ينتج إل جُبِنَا وتخاذلاً؟ 

فيما مضى » كان المساجين الذين يدخلون إلى السّجن يُخبرونني 
أن التاس قد تغيّرت إلى الأسوأ . ولم تعد لديهم الاهتمامات التي كتا 
نهتم بها ء ويقولون إن مبدأ قتال اليهود واعتبارهم محتلين قد تراجح 
لصالح القبول بالآخر في قلسفات سفطائيّة لا أحد يدري كيف قد 
استطاعوا أن يقنعوا النَّاس بها؟! ولكتّنى عندما حرجت ورأيت الشاب 
بهذه الجرأة وبهذا العنفوان لم أر أن الصّورة قد تغيّرت كثيرا عمًا حدث 
في ۱۹۹۷م ٠‏ بل إتني رأيت أن زحم التفاعل مع قضيّتي بعد الخروج 
كان أكثر منه قبل الدّخول إلى الجن . 

من المغارقات واللطائف ء أنّه ثاني يوم من خروجي من الجن 
جاءني أحد المهتئين من جرش › كان قد نذر منذ زمن أنه إذا حرجت 

من السّجن فليأتين لتهنئتي بالسّلامة مشيًا على الأقدام » وقد فول 
لقد مشى أكثر من (50) كم › واستغرقت المسافة نهارًا بأكمله حتى 
وصل إلينا 

أحدحم جاء من أريحا ليهتئني . تحدّئت معي قامات وطنيّة 
ونقابيّة كثيرة لتهنئتي ٠‏ ناس من كل بلدان الوطن العربي ؛ من المغرب 
والحزائر وتونس وليبيا والمعودية وقطر › وغيرها . لقد شعرت أن التاس 
يبحثون عن أمل مفقود ؛ عن بصيص نور لتبقى المبادئ محافظة على 
وجودها الشيء الذي لم يستطيعوا هم اَن يقوموا به أولم تتوفر لهم 


638 


الظروف لفعله » قمت آنا به . . . هم لم يُحبّوا أحمد الدّقامسة 
كشخص »هم أحبّوا عمله . وحبّهم لعمله مرتبط بحب فلسطين . 
شعبنا شعب طيّب » يحب فللسطين » ويعشقها . دغ عنك بعض الزوائد 
هنا وهناك »لك فكر بالأعم الأغلب ؛ إتنا نحبّ فلسطين » ونسعّى 
لتحريرها » وننتظر يوم خلاصها عسى أن يكون قريبًا بإذن الله تعالى . 


639 


20 
لا يستطيعون أن يسرقوا ابتسامتي 


قضيت في الزّنازين الانفراديّة وحدها أكثر من ألف يوم » ثلاث 
سنوات ونصف مجموع ما قضيته هناك ؛ في العتمة » والرطوبة » 
واللاشيء كانت الأوقات كلها مُتشابهة »عات لا تتتهي » 
وانکسارات لا تتوقف . أثر ذلك على عينَيْ كثيرًا فصار أي ضوء ولو 
كان بسيطا يؤذيهماء » فاضطررت إلى أنْ ألبس التّظارة في كل الأوقات . 

أخذت عتمة الزنازين من نور عيني » وسرقت من ضيائهما ألق 
الشباب!! فيم كان ذلك كله؟ ولم؟ أمنْ أجلك يا وطني ومن أجل 
الموت فيك حُبا؟! إنْ كان الأمر كذلك فليكن » أنا مُستعدٌ أنْ أهب لك 
اليوم بعد خحروجي ما تبقى في عيّنَيٌ من نور؟! ليس قليلاً عليك 
شيء » روحي الأسيفة التي عشقئْكَ حتّى لم يعد فيها منَسعٌ لسواك › 
ضياء عيتيّ الذي ذهب جُل نورهما بعد أنْ رأيتُ بهاءك الذي وهبني 
العزيمة والعشق . تم ر رافقني في السّنوات العجاف إلى زمان العتق 
ال والجرية الا جيل . ونحول جسدي الذي احترق فيك لكي 
يضيء للسّارين في المدلجات يومًا ما طريق الحق والحقيقة ءلم أكن 
لأرضى لقدم خنزير أن تطأك , ولا لنفس قرد أن يشم هواءك » > قهل كان 
كثيرًا علي أن أقطع تلك الأقدام من فوق ترابك » وأنْ أخنق تلك 
الأنفاس عن أن تتنعّم بعبيرك؟ كلا ولست نادمًا ؛ ليذهب نور عيني 
كله لك . ليحترق جسدي فلا يبقى منه إلا الرّماد لاجلك . لينهشني 


السّكري » ليذبحنى الضّغط . لتمتليع رئتاي بالماء » لأكنْ حُطَامًا بعد 
كل هن الق ولك لعفف انك وف هويا : لأت يفنت كر هذه 
الخطوب ولک لتحيا آنت » وتبقى عزيرًا مُنتصرًا 

نعم »لست نادمًا » صحيح أنها عشرون عامًا من زهرة شبابي 
ذهبت في غيابة لحب »لکن أعوذ بالله أن أندمَ على ما فعلت . هل 
أندمٌ على أتني لبّيت نداء الله الذي كان يضج في أعماقي؟ آنا نادم 
على شيء واحد فقط » آتني لم أجد البندقيّة التي تتناغم معي كما 
أريد » مع أننى احتطت لذلك » اليوم لو عدت إلى ذلك الرّمن فسأفعلها 
بطريقة مختلفة » سأبحث عن يندقية عا شقة » بندقية تتفاعل معي 
كما لو كنا حبيبّينَ » فلا تخذلني في منتصف الطّلقات » بل تستمر 
معي في الزغردة إلى آخر طلقة 

هل أندم على ما مضى؟ كلا . لقد كنت أتضايق في الجن 
أحيانًا بسبب موقف هنا أو هناك . ولكتني حين أتذكر أتني محبوس 
على قتل يهود › أرتاح ويذهب ضيق صدري »ء وينشرحٌ فؤّادي » وترتفع 
معنويّاتي » وأحس بالتشوة » وأبدأ يومي نشيطا . 

لقد قالوا لى : إِنْ اليهود يترتصون بك » ويريدون حياتك» . فى 
الشف قد حي ا لبفوضة يكن أن فلغي ا ول 
أحسب لليهود أي حاب » لماذا؟ لأنّى مؤمن أنه إذا جاءت رصاصاتهم 
فستجيء في الوقت المناسب » وسيكون حينها قد انتهى أجلي . ولأني 
وامبح ف اع ا اد الويف قهن يفت 
آل اون ا اعت كوك هذا كرك عل ا ا 
لدغة أفعي أعثر بها ء أو علي أي شكل آخرء فإذا كانت الميتة واحدة 
فلتكن يرصاصة من اليهود ء أو بقذيفة منهم . فذلك شرف ما بعده 


041 


شرف . وإذا كان الخيار لي فإنتي أفضل أن أموت واقفا لا راكعًا 

وها أنذا مثل أي ا > أسير في الشوارع وحدي مترنما » واضعنًا 
كَفَيّ في جَيبَي بنطالي الممترئ وراكلاً كل شيء بحذائي » أسمع 
صوت طائرات تُحلق في السّماء . أتخيّل نها جاءت من أجلي » يزداد 
ترتّمي » أَغنّي » أتمايل في مشيتي » وتنّسع ابتامتي » أهتفً في 
سري : «إذا كان الموت يريد أن يُرافقني معه » فلماذا لا أرافقه مُبتسمًا؟ 
اكندت با شنا لوست ا کد . أنا أريد للموت أن 
يأتيني وأنا أضحك!! مَّن قال لكم إثني أخحشى الموت ت!! إن أخشى ما 
أخشاه أن يأتيني وأنا عابس مُتجَّهم ٠‏ أو يأتيني وأنا نائم ولا يُمهلني 
الوقت الكافي لاستعد له بابتسامة تهرمه!!! 

ها أنذا أسمح صوت الطّائرة يُحلّق على ارتفاع مُنخفض » أعرف 
أنهم لن يبعثوا أحد) ليغتالني دس كام للصوت ؛ فهذه طرق 
المستدء ثين والانذال . ولن يبعثوه على شكل سم يدسّونه في الطّعام » 
فهذه حيلة العاجزين . لكننى سأقبل به إذا كان على شكل طائرة ؛ لا 
اغتيال يوازي عظمة ما قّمت به إلا أن يكوث من السماء العالية 
وأحدف الطائرات المقاتلة . العظماء يجب أن يموتوا بطريقة عظيمة 

ها هو صو الطائرة يقترب أكثرٌ فأكثر ؛ هل صار الوت وشيككًا؟ ها 
أنذا أفتح ذراعيّ على اتاعهما وصدري على يقينه لاستقبله كما 
يليق . يستطيعون أن يسرقوا مني حياتي › ولكتهم لا يستطيعون أن 
يسرقوا ابتسامتي . أيّها العالى كما كنت دائمًا : إذا كان لا بُدَ 
ا موت فليكنّ وأنت تضحك بأعلى صوت . 

لقد تخطانى الوت كثيرًا قبل هذاء وها أنا حُرٌ طليق . أملك 
إرادتي كاملة . لا أدري متى يستأثر بي اموت كما يستأثر بأي إنسان . 


642 


الذي أدريه هو أن ملاك الموت الجميل سيأتينى فى اللّحظة الُناسبة » 
ريما في مشهد أكثر روعة من مشهد البدايات في الثاني عشر من آذار 
قل أكثر من عشرين عاما! 


انتهت . 


كتبت في الفترة 

۲۰۹۷-٤-۲۳ من‎ 

۲۰۱۷-۷-٦ إلى‎ 

للمزيد والجديد من الكتب والروايات زوروا صفحسا على فيسبوك 


مكتبة الرمحي أحمد 


@ktabpdf‏ تيليجرام 


643 


تواريخ مهمة لمسار العملية 


چ ۱۹٦۸-۳-۲١‏ معركة الكرامة وقعت حين حاولت قوات اليش 
الإسرائيلي احتلال نهر الأردن لأسباب تعتبرها إسرائيل 
استراتيجية . وقد عبرت النهر فعلاً من عدة محاور مع عمليات 
تجسير وتحت غطاء جوي كثيف . فتصدى لها الجيش الأردني على 
طول جبهة القتال من أقصى شمال الأردن إلى جنوب البحر الميت 
بقوة . وفي قرية الكرامة اشتبك الجيش العربى مع الفداتين في 
قتال شرس ضد الجيش الإسرائيلي في عملية استمرت قرابة 
المخمين دقيقة . واستمرت بعدها المعركة بين الجيش الأردنى 
والقوات الإسرائيلية أكثر من ١١‏ ساعة ء مما اضطر الإسرائيليين إلى 
الانسحاب الكامل من أرض المعركة تاركين وراءهم ولأول مرة 
حسائرهم وقتلاهم دون أن يتمكنوا من سحبها معهم . [ 
عم أحمد (جمال الدقامسة) يصاب بشظيّة في المعركة فتتعطل 


لةه 


چ 19564 قرية (إبدر) تتعرض لهجوم إسرائيلي شديد » في غارة 
جويّة » يُوقع عددا كبيرًا من الضحايا . لتتكرر بعدها مثل هذه 
الشارات:: 

ي ۱۹۷١-۲-١‏ ولد أحمد الدقامسة فى عائلة من ثلاثة بنين : 
(باسم #واتجملك وید نوبت يناث : (بسمةءايتسامء 
أسماء » رابعة » إيمان . فاطمة) في قريته (إبدر) التابعة محافظة إربد 
فى شمال الأردن . أبوه السَيّد (توتت مصطفى الدّقامة) وأمّه 
السَبّدة (كاملة الدقامسة) 


645 


» البرنامج النووي العراقي شهد التسلح العراقي تطوراً واسعاً في 
عهد الرئيس صدام حسين الذي أمر بإنباز برنامج نووي سري في 
العراق بعد أشهر من العدوان الإسرائيلي الذي دمر مفاعل تموز في 
۷ حزیران ۱۹۸۱ 

چ مذ بحة صبرا وشاتيلا هي مذبحة نفذت في مخيمي صبرا وشاتيلا 
لللاجئين الفلسطينيين في ٠١‏ أيلول ١987‏ واستمرت لمدة ثلاثة أيام 
على يد المجموعات الاتعزالية اللبنانية المتمثلة بحزب الكتائب 
اللبتاني وجيش لبنان الجنوبي والجسيش الإسرائيلي . وصل عدد 
القتلى في المذبحة على وجه التقريب إلى )۴٠٠١(‏ قتيل من الرجال 
والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العَزّل من السلاح 
صدر قرار المذبحة برئاسة (رفائيل إيتان) رئيس أركان الحرب 
الأسرائيلى و(أرييل شارون) وزير الدفاع آنذاك . وكان (مناحيم 
بيغن) فى منصب رئيس الوزراء » و(إسحق شامير) فى منصب وزير 
الخارجية 

چ ۱۹۸-۱۰-۰ الجندي المصري (سليمان خاطر) يُصيب ويقتل 
سبعة إسرائيليين تسللوا إلى نقطة حراسته على الحدود المصرية 

۾ 1983-7-17 انتسب إلى القّوّات المسلحة الأردنيّة . وأصبح جنديا 
في العكرية ء ولم يتجاوز عمره )٠١(‏ عام 

ب ۲ ۱۹۹۰-A‏ اقتحام الحیش العراقي دولة الكويت > وإعلان القيادة 
العراقيّة أن الكويت هي الحافظة التاسعة عشرة للعراق . 

چ 1491-1١-11‏ بدء حرب الخليج الثانية » وتسمى كذلك عملية 
عاصفة الصحراء أو حرب تحرير الكويت (۱۷ كانون الثّانى إلى 
٨۸‏ شباط )۱۹۹١‏ هي حرب شنتها قوات التحالف المكونة ۳٤‏ 


646 


دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق بعد أخحذ الإذن 
من الأم المتحدة لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي 

هي 1941-6-٠١‏ تزوّج من أم سيف ء السيّدة (فاطمة حواتمة) 
چ ۱۹۹۱-۱۰-۳۰م عقد مؤتمر مدريد في إسبانيا برعاية الولايات 
المتحدة الأمريكي والاتحاد الستوفييتي واستمرٌ إلى ۱۹۹۱-۱۱-۱م 
وهو مؤتمر مفاوضات لإحياء عمليّة السلام في الشرق الأوسط بين 
إسرائيل والبلاد العربيّة وفي مقدّمتها فلطين . وتشمل الأردن 
ولبنان وسورية 

چ ۱۹۹۲-۹-۲ تعرّض لحادث سير كاد أن يُفارق الحياة على إثرهء 

چ ۱۹۹۲-۱۲-۲۸ رزق بابنه الأول (سيف الدّين) 

» 1441-4-17 توقيع معاهدة السّلام الفلسطينيّة الإسرائيليّة » فيما 
عرف باتقاقيّة أوسلو 

يه 1444-10-75 توقيع معاهدة السّلام الأردنيّة الإسرائيليّة » فيما 
عرف باتفاقية وادي عربة 
عمليّة السلام في وادي عرية بين الكيان الغاصب والأردنٌ عت في 
وادي عرية عام ۱۹۹۴ بمصافحة بين الملك حسين ورئيس وزراء 
إسرائيل آنذاك إسحق رابين وبحضور الرئيس الأمريكي بيل 
اتون . 

چ ۱-۱۸- ١15646‏ رزق بابنه الثاني (نور الدين) . 

gk‏ ١5-11-/اووام‏ رق بابنته الأولى (بتول) 

چ ۱۹۹۷-۳-١١‏ يُنفذ عمليّته التي عرفت ب (عمليّة الباقورة) وفيها 
قتل سبع يهوديّات وجرح ستة آخرين . وفي اليوم ذاته الملك حسين 


يقطع زيارته لإسبانيا ويعود إلى الأردن لمتابعة القضيّة 
الشهود اليهود أدلوا بشهاداتهم أثناء امحاكمات'. 
طالب رئيس وزراء إسرائيل آنذاك نتنياهو بالسّرعة في التحقيق في 
الحادثيل وتقديم اجرمين إلى العدالة . واتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع 
تكرار حدوٹث ذلك . 
وزير الدفاع أسحق مردخاي يُطالب بإشراك محققين إسرائيليّينَ في 
المشاركة بالتحقيق مع الجندي الدقامسة 
زار الملك حسين عائلات القتلى وقدم التعازي 
دفعت تعويضات للعائلات › قيل إنها بلغت مليون دينار في عام 
۹۹4م 1 
القتيلاات السبع يتبعن مدرسة عسكرية 
يومعذ » واستقال بعد العمليّة 
استقبلته أمّه وزوجته بالزغاريد في أوّل مرّة يرينه في المحكمة » 
وهتفت أمّه وهي تلوّح بيدها إلى الأعلى بالكلمة الشهيرة : ارف 
حضر الحكمة عدد من ذوي القتلى من الرّجال والتاء ء وكانوا 

يعتمرون القلنسوة اليهودية ية الدينية على رؤوسهم . 

عه 2-14 صد 0 عليه لتد ؛حكما م 
E‏ 

چ ۱۹۹۷-۸-۱ اعتقال السيدة كاملة الدقامسة أم اشد » بتهمة 
التحريض على أعمال شغب . 


648 


ه ۱۹۹۷-۸-۲١‏ رجَل من الجن العسكري فى مدينة الزرقاء إلى 
سجن سواقة فى محافظة الكرك جنوبًا ۰ 

وي 4-76 - 1۹4۷ محاولة جهاز الموساد الإسرائيلي اغتيال خالد 
مشعل في عمان من قبل اثنين من عناصر الكوماندوز الصهاينة 
TEE‏ الكنديّة . قايض الملك حسين تسليمهما إلى 
السَّلطات الإسرائيليّة بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين الاب 
الروحي لحركة حماس من سجون الاحتلال › والدّواء لخالد 

چ ۱۹۹۷-١١‏ اعتقال على السّنيد بتهم إطالة اللسان . صار علي 
التنيد عضوا في مجلس التنواب الأردني الستابع عشر (701- 
001 ) 

چھ -۲-۲١‏ ۱۹۹۸ اعتقال ليث شبيلات » بتهمة التحريض على 
أعمال شغب » رفض العفو عنه من قبّل الملك حسين فى ©6١-ه-‏ 
۱4۸ . أقرج عنه في ۱۹۹۸-۱۰-۸ بعد أنْ قضى مده ود 
كاملة 

» أوائل عام ۱۹۹۸م فضيحة المياه الملوّثة والّتي ضحت من طبريّة إلى 
محطة زي في الأردن . طلب رئيس الوزراء آنذاك عبد السّلام المجالى 
من وزير المياه منذر حدّدادين الاستقالة » ففعل . واستقالت حكومة 
انجالي من بعد على إثر ذلك ٠.‏ 

چ ۱۹۹۹-۲-۷ توفي الملك حسين » واستصدار عفو عام (تبييض 
السجون) في آذار 446١م‏ يُستثنى منه أحمد الدّقامة 

ي ۱۹۹۹-۸-١١‏ وقاة السَّيّد موسى مصطفى الدّقامة والد (أحمد) ء 
رحمه الله تعالى 


649 


دوه ۲۰۰۰-۰-۲۵ اتسحاب إسرائيل من جنوي لبنان » تحت تأثير 
ضربات المقاومة اللإسلامية > باستثناء مزارع شبعا 

هو ۲٠٠٠١-۹-۲۸‏ اندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية » عقب 
اقتحام أرييل شارون باحات المسجد الأقصى › تحت حماية نحو 
ألفين من الحنود والقوات الخاصة ء وبموافقة من رئيس الوزراء في 
حينه إيهود باراك . فوقعت مواجهات بين المصلين وقوات 
الاحتلال . (شارون مات 7١١4-١-1١‏ بعد غييوبة دامت ۸ 
سنوات) ٠‏ 

۾ ۲٠١٠-۸-۲۷‏ اغتيال (أبو علي مصطفى) الأمين العام للجبهة 
الشعبيّة لتحرير فلطين بقصف جوّي اسرائيلى استهدف مكتبه 
فى مدينة رام الله ْ 

۾ 7٠01-4-11‏ طائرتان تصطدمان ببرجّي التّجارة العايّين في ولاية 
منهاتن الأمريكية > وطائرة ثالثة تسقط في مقر وزارة الدفاع 
الأمريكيّة (البنتاغون) » وطائرة رابعة تسقط في ولاية بنسلفانياء 
فيما عرف بأحداف سيمت فين (باركت القاعدة العملبّة على لان 
زعيمها أسامة بن لادن) 
چ ۲۰۰۴-۳-۲۰ خحطاب صدام حسين في يوم سقوط بغداد بعد الغزو 
الأمريكي للعراق . (أعدم صدام فنقا صبيحة عيد الأضحى في 
(pT‏ 

۲٠٠۸ »‏ سبعون شخصية اعتباريّة تناشد الملك عبد الله الشانى 
بالإفراج عن الجندي أحمد الدّقامسة ۰ 

نه ۲٠٠۸-١١-٠١‏ ينتقل التجين أحمد الدّقامسة من سجن سواقة 
في جنوب الأردنٌ إلى سجن قفقفا في الشمال . 


650 


چ ۲٠٠۹-١-۹‏ نقل السجين أحمد الدقامة من سجن قفقفا إلى 
سجن أم اللولو . 

چ ۲١٠٠١-۷-۳١‏ الدقامسة ينقل إلى سجن (الموقر) . 

چ ۲١٠١‏ أصيب الدّقامسة بجلطة قلبيّة بعد إضراب عن الطعام 
للمطالية بحق توفير علاجه > وبالماح لأهله ولمناصريه بزيارته ¢ 
ونقل إلى المستشفى 

چ شباط - 7١١١‏ وزير العدل الأسبق (حسين مجلي) يصف 
القامسة بانه بطل ويُشارك مع المعتصمين أمام وزارته للمطالبة 
بالإفراج عنه (مجلى توفي في أكتوبر )7١١4‏ 

چ آذار - ١‏ مظاهرات شعبيّة تجتاح أكثر من بلد عرب فيما سمي 
إعلاميا ب (الربيع العربي) 

چ نیسان ۲۰۱۲۳ استقبل التفير الأردنى فى مكتيه فى تل أبيت 
عائلات القتلى » وطمأن أهلهم بأته لن يُفرّج عن الدّقامسة » وتبادل 
الأنخاب مع رئيس وزراء (أو رئيس الكيان الغاصب) شمعولدت 
بيريز . (حصل بيريز على جائزة تويل للسّلام عام ۱۹٩۹ ٤‏ ومات في 
۲۰13-۹-۸( 

چ ۲١٠۳-۱۲-۱۸‏ اعتصام أمام مجلس التواب والمطالبة باللإقراج عن 
الدقامسة 

چ ۲١۱٤-۳-٠١‏ قتل الكيان الغاصب القاضى الأردنى رائد زعيتر » 
حيث استّشهد عند معبر جسر املك حسين الواصل بين الأردنٌ 
وفلسطين 
الزعيتر . 


651 


چ ۲۰۱٤۲-۳-۱۲‏ على إثر استشهاد زعيتر )١١١(‏ نواب من مجموع 
) ار باد كران SO GG‏ 
اا 

چ ۲١۱٤-۳-۱۸‏ اعتصام آخر أمام مجلس التواب » والاعتصام يُفض 
من قوات الذرك . 

هه ۲١٠٤-۷-۲۹‏ إدارة سجن أم اللولو تمنع وفدًا من الحركة الإسلاميّة 
من زيارة الدّقامسة صبيحة عين الفطر » عقابا له على الإضراب عن 
الطعام لمدّة تزيد عن شهر 

١ 4-1 15-974‏ 6 الطيّار الأردني الملازم أول معاذ الكاسبة يقع 
أسيرًا في أيدي تنظيم (داعش) بعد أن أنقئلة طائرته ال . F16‏ 
وفى ١ 5-١-5‏ 6 التّنظيم يقوم بقتله حَرقًا » رحمه الله 

چ ۲١٠١-۹-١١‏ ارتقاء الشهيد سعيد العمرو من مدينة الكرك فى 
العمود في القدس 

I-10 — 1V ge‏ الناطق 2 0 الأردنية ا المومني) 
بعد أ يكو مد قضى مده محكوميه ( 
ب ليخرج بها 

چ 7077-7-1١‏ صباحا يتم الإفراج عنه 


652 


يا صانع المجدٍ 


الاهداء: 

إلى البطل الجندي أحمد الدّاقامسة . بطل عمليّة 
الباقورة في ٠۹۹۷/۳/۱۲‏ 

نكتب عنه لأنّه جُزه من تاريخنا الوطني المشرّف . 


كم عدي القلب في الذكرّى جراحات 

فدغ فؤادِي على ذكراك قات 
ووت دونك من جيلين خحائعّة 

رفحي : ي صمت د E‏ 

قا إذا احتقت في لر أبيات 
حرجت تحوك من ځزني : فأؤردتي 

ةة « وأنا في الريح أو ات 
لو وش الزن في قلبي على وَطني 

لفحت الارن هه وال ي اوات 
ياصانع الد الولا المخد ماحَلمَّت 

بك الي ولا حسيكت حكايات 
في طهر ريتك ال اداد ت 

هذي الغخراس ؛ الكرمات الابّات 


653 


قق الإذلال ام ما 
0 حاف فكأ الما 2 امحوات 
7 م لے 
ريت حمى الأَرْدد ق مُعِكَتْ 5 
اني كه َه وَعَلَتْ فيه (التّعا ت 
ره 
الا 
نعيقٍ 2 

0 وم ات 
0 شَذوًا , وَكَمّْ في هوا الي وم اْو 
مُغَئّي على يلاه يا 59 
وضلا بِلَيْلَى » وتِيلى لاعلا 
آل E a‏ 


م دس 


( كُل: 


كاز 
يا مادق 4 از ذبَة 
:من يه 52 72 وس 
0 مرج وط 
اف با ج هرا بمايدعَی ل اقا 
لا بد لَه 
قالوا (التلام) يلل 55 
بده لت lai‏ 1 
ا 
Ere‏ 
8 1 َ أن + لت یی تلك رات 
واد 2 - م 
من ؟ ومن العادي؟ ومذ وَضحّت 2 
2 اَن الحروب صع الأاعداء (مَِزرْحَا 


654 


فكذبة E‏ 1 فنازائت ا دوقي 


خی تبيض وَمَا باصت (حمامات) 

وَألْفْ قطن من الريتون تزرعه 
فلم مرت ولاتسرائيل (زيعمات) 

RS ف غاز وف‎ Ey 
وَسَوْف يُطعمنا إن ظلّ (قمحات)‎ 

لنا روان در ا وان ضيبو 
تُصَبْ فقق ر رۋوس الشغب لعنات 

قالوا الكلام خيرات الشْعُوب د 
وأَصْبَحُوا فإذا O ERECT BT‏ 

ياش مْلة الزن فى الأغماق يا وَطنى 
اك ف ت 

افا ا ات على وحم 

ا حروفي بكت E‏ بارا 

أوطائنا , تھب صتاع الالام وک 


© 2ه 


ليصا من أخله تلك المزادات - 


هذا يصيححء ء وذا يختج في نرق 

الوق كسد E‏ هبات 
يأ من ترَى يري مُتْعَغعْمّلا وَطَنِي! 

فإنّني ضقت ذَرْعََا يارتعامات 


655 


اسي تَجف وكاس الآخضرين ندّى 
ولس تَصْفُوبقَيِرالخثرليلات 

أَبِمُّه بققروش قال CE‏ 
EE‏ لمر تك فتك دالسيحناة 

ياصانع الخد في الأردن مُنفردا 
وقد و بما ف ال دا 

إن ال ودد حاير مُوصلة 
طباعهم واليتَهُوديات تاياكت 

فق َََاعلِيك إذَا لهم بددا 
وت رهم من ارش اس (صَلْيات) ؟! 

تَأبَى البُطولّة إلا أا ا 
لملم الئاس المُطولات ؟ 

ياعرنا .. يا وسامًا فوق جَبهتنا 

يا من به رُفعّت للنجم جحجبتبهات 

ويا لعان EEE‏ به زا 
۰ في عالم رَيُفَتْ فيه التتعارات 

لا بمثلك في التاريخ EE e‏ ا 
ورفة رهن بهذا الفخر صفحات 

ياوجتهك الشمح الاحزان تف جئة 
وفيه من ) صّلوات الفجّر أيات 2 

سجنان سجنك : داء المشكري > ويد 
في القَيّد تذمّی وأخْزان ثقيلات 


656 


فهات حُزتك وَاسْتَخْلِصُه لي فأنا 

بلاد حزن ولي فيهامًقامات 
كَل الور إذا كاتت ئ هاجرة 

توب يوا وأطياري غريبات 
أك في وطن يذ ونه وَطني 

نوكا لي وَطَنا عماكنن إغنات 
ولا قضيْت بحياتى فيه مَعْتربًا 

ولاسجيا ولا دس الخعمالات 
لالنت وَحْدَكَ في سجن فَأَكْكَرنًا 

خسرية ةمَن قشي عَنْهُ لمات 
مجن وريه E AEE‏ 

وَمَحْكمَات. وَقَمْمٌ واغتقالات 
حرية ١‏ الرّاي والففبيرافيقة 

والآكن تون ا 

0+ E ا‎ 

كْ من رجال مدى القاريخ قد ظَلمُوا 

واللة ينم يهم لد ات 
E. RE‏ غلا بالفخر قصّته 

يشا ناون لَحَقامكلُهُ مَاثوا ؟! 
E‏ ء من الأججيال مَنْ حَلِمَتْ 

بأَنْ 3 اي الثفالات 

EE‏ 3 زنادء أو اوسا 


657 


للل جر ءوللأخرّان آخحرة 


658 


الملاحق 


659 


660 





r 


لی إلز اس لام ع رلاب لون سامون تاح البو تضم المد اد 
عر هلاي الموعمن السععومن. أت بجا غفل تمرم هرا اتلام ملاظ ه . 





- 


ك .م غ 1 ت ارہ للموسد حا عع 11 صب ممم لیام المومه ... - E‏ 
OPP EE TE ED E TEE RTS‏ لز مره 





661 





662 





ی ا اجيم _ 
هنا نے مولطیٰ ور على امک ومست ا لوی 
1 ليطن اردنها وجضفي النظم كنت سيا ari‏ 

-اولاً اما سواطئ ي مزا الو طن وبشفى ارعن السف ج | لها ا هغيب برا 

ممم دلستريت وععام. ان امع للنكا مضہ قاس ج الا زني يت لل 

علي ہا ملت لاحي اعتقد ادي عملت الصرات”ت وخنمت )سی او لأعوطي. 

حل بدك علد د حن لیات ١‏ لی شمیت , 

عفمنة 5 الا شاهذا لي الملويضوع النككاود ممه اه الرالمت ارج . 
ألا يا ؟ سيراك الا طددع مايك فو الكاونات الق صل ق ہا یمق سرک الامدم 

- وللتاقل لء. ؟ ا ومامت سركز اصندم للاقه ار 

طت و من مدد له دو اسر کا هنذا المركرا كامن جل ست سوت انضالتف 

صن عم سن لنم وهي | نيام يا عظيدا عاك الاس والنظام اي يا ضباط واضلد امن اسا 

اليا وی ل هذ * الم كر وف سوافة لومامة هيه هدلاو المغاط والا اد 

SUE‏ يكوا اليما هد ا الوطوره :لك مسب ١‏ و ارضاء سبو م 

د عدي انو سال وممطرف رد 2-١‏ ر؟عاى هرا ایکدد عر تی علي سمعك 

2 تد وني نينا الحیل و راو صم لک مأيجركا هد مدش كز بكي تتو 

ماتیی نھنا اک نسگی ا بی ۾ سلا رامل السب ذا ومارجيا . 

--عطوهدالانشا مم سم 

اتاق امي راك ! امام ساني می عر امور ا اوي : 

ا تسمال ابوب اندر بکافک ابزاعيا و اھا ا ازاع من ا طض رامت كل ارو بی وای 
لطم رانا وغرصامن هذ م لصوم لد غت !دغلل ص م السحرم سي > ل مسظبض الم واماد 
- كرات الادى ادوا مض عدت 3 هده ال رکز واعي مااقول AEE‏ قات ایی ونی عالت : 

عم اموه ہیا سن خا ر لز داعطاءهأ لمهي اق عضا فلن يوانو حى عؤزاهامت.. 
بوه مع مولام الفاط والاواد و إضعاف سعرصا سي ا نارح ١‏ ياج انصليات 
اه اد سم هت ما سند د2 ىبدا عات د اہ عه لن سسيرها الو لات 
.لاسر بشم يفطن يد تاودا أكملاي نی اهيل می سنہ د هررني فی ص وی حرشلا د اناا 

و لاعف دی هد مالسا عا قا ره الجوب اة .و اطو ار -! لاحرركا جد ار 15 اله 
- و سمه وکن نل ددم لش مكائيم مئال چناد مدز ہ الا ام۔۔- علما بان اعون . 

+المتك من فشاک والمشا مرت الیاتا می ي هرا المكز ببب هذ ما يوب وسيب 


- + -_ الحم‎ ١ تأصرامس خسان‎ a. 
EEE. 


663 


664 


mn ana qeya 4.‏ لو د 


العمل الإسلامي / يطالب ب المجتمع الدولي 
بتحمل مسؤولياته تجاه الأمرى في سجون الاحتلال 


حب 
0 غمان - النستور WYIR‏ البقل أحمد تااس وأقد افحزب على سوافه اتداعي الصريية في إضبلثها لذكرى يوم الأسير, 


الي )افراع قوري عن الجندي أحمد النقاسة. و هيم وطالب ستيج الدولي الاضطلاع بمسؤوايلئه 
ادان حزب بجبهة العمل الإستامي عند ت خم ربيل قب ا#شحب بهذا فشان كما طقي أعفله زه الاسر بین ورین عرب ين 
مقار العرقة الإسلامية والعؤسسات ذلك القع العام سجلس النواب الذي والعوا على عريضة بالفراج عنه ميثعرضون لأبتمع لشككل اقمعاملة على يد المسهنييتك: ما 


والسسشكقت #فاعساء اللي شهدتها مديثتا اربد فرق ابی عريفتهم. 
مؤخرا. وطالب المزب بقتحفيق للنزيه والشطاف في ولامع: بيبقي الملب الرئيس بنداتين الشهب عن النفسي رالسمدي والإهسال لطبي 


ادي #ستشهاد أعراء قبيرة من الأسرى جراء اللفذيب 


والعة رق رفي الأريضي في الأسن العام دحوم أن باون مصدر السلطات فبتتخب سلطتبه التشريعية ولعد أن أقصر الوق اشحرير الأسري. واستعلية 
ابراهيم سمه الجراج, والقضل عن سبسات الملسث والتنفبنية. ويجنث شاد ريستعيد الحقوق المستلبة الحقوق. مر «اللقاء الارابط االوطنية لاللسطينية على 


كما أران المجشدهون المصريحفت اطي أدني بها هو بداب الطريق السدر في الاتجاء الفسميع.. 


الدقاوية اتسسلحة. مدعومة من جماشير الأمة العريية 


انسغير الأريئي في تل أبيب اللي سمي عن لها الي وحبا مالعل الاصسلامي» الشرة الأمسيرة في والإستميك لحل الصو الصهوني على «تزؤل على 


تطسين التسياينة على عم افراع عن الجندي الآريئي لطسطين: لا جا الشعب الللسطيئي وجمافي الأية طالب الم يني ,, 


1 : 
رالو‎ N TT 7 





اك 





arr‏ » قطالتب ب بإطلاق : سراح الدقامسة ا 
0عمان - البسيتور . 6۸ /) / ۰۱0 >> 3 


به في #باقورة کان عملا جفوايا ماظع من خلال نیم ولدار دلي عشرنت 

ر اشم ا ا 

الجتدي امس ابص - شل اقلت لابق يوقنة وزوجه دون أن يجرم تسبيوني واج حلي لنپ و أعرب 
باقتزامن مع للذتري وایند اني اكنافيا يطكق سراح هجندي 

السادسة عفرا لاحتقاقه.. وهب شوق عن '..لوقسسة ردا على مارات الصيبوئية بق عبودات من أجل بان يديه هة إن سرته . 

رش ما جیا جرا س ا SA E CS ein‏ 





ا سس e‏ 
يساسا 





, اميد له 0 


' 





© اصن ١لدولة‏ تعتد اون 


! لسع 


جاساتيا هن ماج المقنسي ‏ الي 


مو" 
إلى 


1427 ؟١عالاب‎ 


0 
پد . 


)ه 





“في الرواقيم. ,1-1( 





0 


FIN fen EV كيز‎ yh ل كتحير‎ goh «ج١.‎ 





en e 





Ê ereb, rly e Lge gry rg? ref o yey 
o ff grr gel wre gerger ore e rj 


eH Ay oped Trg FoF YE foie wun 


به 
4 


E (AO pif اوجن‎ reek OT pel gree Ê 1, 
ir qe grin gh 


05 
دعس5.تث, عم 


riy piy; امجن‎ rami, KOT /جم‎ 3 
وس‎ FF FO 


Ar; 


ناجحة للدقامسة 
© دان - العستور 

. الكل الس كز الإهائصي في مبو ربا الآمن العام 
اله ثم اس تقل الشديق أحسد لاسا من مركز 
اعسلاح رتثميل أم اظرار إلى تفلي لايل 
االخكرمي بد حفرض مرفسي ألم به إلر إخسراية 
من الطعام رالماآچ سید تلقى الملئلت الأرلي 
والاسوسله اللازمة. 


رتاف السكز الإملاسي اته وبالكسيل 
مع ونارة اتفاخلية ووزارة مما جري تحريل 


واالصرصات -مسنة- وما يزئل الذزیل يراد على 


' سور لضفا لي #مسنطض لسر قبا 


Hap BIR IBI at DIFIRE Il :1 ا لذ مز الاك‎ 


سے ید رہ سے.۔۔ سے ٠ں‏ . 


ery رمتسي‎ Cef pj gy Cy HHI اس‎ 


Cerin fil برسي‎ 





قسطرة قلبية ٠/٠‏ 





2١دك‎ --.5*--5- 


النقابات المهنية تستتكر تصربحات 
السفير الازدني بإمرائيل حول الدقاممة 
0 عمان - النستور WEIR‏ 


استتكرت. النقابنت المهنية تصريحات سقير السملعة في 
اسراثيل وليد عبيدات حول الجتدي أحمد البقلمسة لدى 
استاماله هدد! من الطائبلت والمعلمات من الكيان الصوموني 
اتلاقي تظاهرن للاستجاج على عريضسة تقمم يها ١٠١١‏ نواپ 
تعففب بإطائق سراح القاصسة الذي أعضبي ١١‏ عا غي 
سجن . 

كان السقبر عبيدلت قال في تصريعاته إمه تو جد الوفثين 
خي السفكة. وان الجندي الاريتي أسمد الدقامسة الممكوم 
بالسين المؤبد سيقضي مهحفوسيته الى نهنيتها. وفته وان 
يتم إطائق سراح القلتل ٠»‏ ولظا لبيان صامر عن رئيس عجلس 
النقباء ليب السيئيسين الزراصيين م. سعموء ابو شفيمة. 

وطافبت التقابات السكومة بالاعتزار عن للك التصر يحات 
التي امتهرت انها استفزيت الشصب الاردني افذي ينطر اهار 
الى البطل احمد الد الاسسا الذي رفس ان يكون نيذه و عقديته 
موضع سطرية عن أحد, كسا عنالبتها عطلك بالاخراۍ الفوري 
قله . 
واعتبر رئيس عجلس النقباء ان الثقابات المهفية تعتير 
هذه التسريملات ٠‏ کمن صمت دقرا وتطق عفراےء روقص ولو ان 
السيد العبيدات بلي صسامقا لكان افضل» ؟و لو أنه تصدث شن 
سمانا2 اسسر انا في مسجون اليان الصهوموني او زارهم ليسم 
عنهم او تواسل مخ اعظیهم. الثين لم يقم السقير ووزارة 
الخارجية الاردنية ومنذ سذوات بترقيب زيارات لهم لأبناتهم 
المعتقكين» 

واد ابو لخشيسة اعقرّان النقابات المهتية بعشيرة 
الهيهدات وثقته بأن تصريملت السفير لا تسلهاء معتيرا أن 
هذه افعشيرة هي جزء من العشائى الأردنية العنتسية لأمتها 
ووطنها وهي التي الدمت تطمسيات على الرى فنسيلين. 

وقال ١‏ يكطعنا و يكفيهم شرفا وغذارا أن اول شهيد اآرنني 
ړوی بنمائه الزعية أرص فلسطين في طبريا عام -157 هان 
الشوير كايد الماطح العييد ات.. 





666 


- :وفك من «حبريات المهندسيج»: 


بزوزالسجين الدقامسة . “ 

0 عمان-الىستقي ‏ , 
زار وف من انجنه الحريفت في تقفبة المهتتصميط 
نسي الاريماء الجتدي لصممه النقاميه في مركز 
إصلاح وتافيل سولقة للإطمكنان علي سمت 

و أو ضيقع. 
وقال عسو مجلس تابه اللوخسين/ رفيس لباه 
غئيسة الذلجم زالتعدين راليئسة تنجيولوجية 
انبرو اليش بصي شح هني تراس اللوفسء أن 
ادزيارة قفنت بنا على موللقة خاصة بل سدور مركز 

إصلاح وتاصيل سولق رفاك سينة وسيسرلا- 
> ويمضصي انداتسسة مسأ بقسين قلؤيد على إثر 
إبيامه في عام ٠۹۹۷‏ بالل وجرح كسد من. ا لأمسرافبليين 
ARS‏ 


بك رر > 


pT, لو‎ 


لحسلة ومو نيا شرسة من لجل شير يده . 
الأطاقل الآبر ياه دون ان بجوم سهبرنيا رلصدا. 


إهسانة انميق طول هذا اشنوم. 


لأسرئى 


التيرد جه الأسول. 


الي = + - 


د يع 
Tm.‏ 


وطقب خبيد ات بإطلئق سراح الجذدي اندقاسسا ريا علي النمارسات 
سهب ذبة بمق انشسب اففستيني والقدس راسج الأقعسي الذي بتهرفن 


وأشار إلى أن الاحذائل اتسهيوني اركب صائرات الجراتم رق سنا 
وأعرب م عسيدات عن لباه بان يعوم النقاسسة إلى لسرتة ها قريب. نؤنننا 


من جانبه أشاء النشامسة يمولف تالايا الموننسين الو ية رسطالبتها 
الستكررة با[قراج حذد اوبالز يار ان الستكررة التي قوم بها عضا اناي - 




















ونال الننثب علي السذير ان الحكومةك تفسرب 
اقذواب عرض الساقط. سطابا بلملية تفار ہے اتقلتياد 
و امي عربة. ومذكر8 الاقراج هن الجندې ند البجاسمة 
براعنات سناو عقرد السقب. ١السراثيني‏ قي مسان 


ر 
تحميما على الثواب يصنم الاتصال باقسخارات. يمجة 
لحترام الاعراف النبلو مفسية. مشبرا الى ان الآمر يتمق 


بهبية اتسجلس وعرامتهم مجه فور 
ورد رتس اللسبلصسص تم 1 حك يقع علي ومار 
علدب دی در من رص اوبات . فيڪ 
تست ابتاك : ۶ءء يب کل م 


طا وام غل 
قران ببق E‏ 


مر 0 : 


في مضطقة الباظورة المستعاده قبي ١١‏ جام 
. وار ادل من رئيس السهيتة انبعشو ويواظي ٠...‏ 

: النوايسة ووئيس رابطة الكتاب الارنشيية سهود 
براقت وسماعد دي حزب اقوحبة الشبعوية' البكاهر 


: .إوالتقشييين المهتدس ماجد ونيم اتور ممم دیل 


يلت إل تیر 
"رر ف نئي تم فيها سجن التي عه سبي 
Sak‏ 
Ir!‏ 

عنست , لنستور, ی ا 
موسي القاسية واسمکوم پې مراكل اصبلاح وناهیل ام 
اواو رفع رصقا الى وزير الدائنية للهتيس سعد هليل 
افسرور ومدير الاسن قدصم انفريق. ترص حسمن هزاع . لك 
الشجالي نتشممن براءقه gep PER‏ 
وفحت في مدينة الزرقاء مؤاخرك. واعتير النقفسلم 
الاشلاصس المسؤوليئ عن هذه الاصرات pepe‏ 
: وس ت د 

gaat 
















667 





لاحي خولجا رانب فة امركجورة ميد هلق `